كشف عدم مصداقية محمد حسنين هيكل لقناة الجزيرة
وكتاب تفكيك هيكل / سيار الجميل
قادم لدفن بقايا هيكل
* من المعروف عن الدكتور سيار الجميل تصديه للنقد التاريخي واثارته للسجالات الفكرية، ومن ذلك كتابكم ” تفكيك هيكل ” ، فلماذا كان اختياركم لهيكل وكيف كانت التجربة النقدية له، وما مدى الثقة برواياته؟
- ثمة اسباب دفعتني للسجال ضد كتابات هيكل، ذلك:
اولا: أن الناس وفيهم بعض الباحثين العرب وطلبتنا في الدراسات العليا أخذوا يعتمدون على كتاباته ومعلوماته التي لا أساس لها من الصحة التاريخية، أردت أن أقرع جرسا للقراء العرب اليوم وللاجيال القادمة التي تهمني اكثر بكثير من اهتمامي بهيكل وكتاباته، إذ أخشى ان يؤخذ ما يكتبه حقائق مسلما بها وهذه فجيعة كبيرة!
ثانيا: أن اتهاماته للعديد من الزعماء بعد رحيلهم مباشرة هي تلفيقية وخطيرة من القصص والاكاذيب عنهم ولا أساس لها من الصحة. بعد أن يكون قد مدحهم وهم أحياء ومنهم: أنور السادات والملك حسين والملك سعود وأخوه الملك فيصل آل السعود والملك الحسن الثاني والملك ادريس وشاه ايران وغيرهم!!
ثالثا: كانت إحدى طالباتي في جامعة كيل بالمانيا وهي الدكتورة سمر ماضي، قد نبهتني منذ العام 1987 في ورقتها البحثية التي طلبت منها اعدادها عن اينشتاين والعرب، بأن لا صحة مطلقا للمقابلة التي ادّعى هيكل حدوثها بينه وبين اينشتاين بعد أن تحقّقت عن ذلك بطريقة بحثية مضنية في النمسا. من هنا تزعزعت ثقتي بهيكل وبدأت حفرياتنا عن مقابلات وهمية يدّعيها هيكل ولا اساس لها من الصحة ابدا. واكتشفت ان مشكلته هناك سايكلوجية بحتة، فهو يتوهم الاوهام حقائق ويتخّيل لقاءات غير حقيقية يكتب عن تفاصيلها بقدرة عجيبة، واذا كانت له ثمة زيارات لدول فهو يختلق دعوة الرئيس ميتران له على العشاء أو تزال الحواجز بينه وبين الملك خوان كارلوس في مكتبه. أو مع خروتشوف في حديقته والملك حسين في الفندق الذي يرتاده وغيرهم كثير وهو يصف نفسه ناصحا لهم، بهدف جعل نفسه في مصافهم كي يفوز بضيافة زعيم!
رابعا: انه يدّعي بأن ما يكتبه يعتمد اعتمادا اساسيا على الوثائق، وهذه كذبة خطيرة اخرى، فمن خلال خبرتنا في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر ومعاينتنا لما اعتمده من وثائق نقول بأن الرجل كان قد احتفظ لنفسه باوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود – وكان عليه ان يسلّمها الى دار الوثائق المصرية، فليس من حق اي انسان الاحتفاظ بوثائق سياسية- وهو يصورها ليقول بأن عمله وثائقي، علما بأنه لا يشير الى اية ارقام ولا اية احترازات وثائقية، فكتاباته غير موثقّة ابدا بالشكل العلمي، او وجدناه مؤخرا على شاشة التلفزيون في قناة الجزيرة الفضائية ونتيجة نقدنا له وتفكيكنا لاوصال كتاباته يمسك ببعض الوثائق التي حضرها له بعض موظفيه في مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي. إن من يعمل في مكتبه يستل بعض البحوث الوثائقية ويترجمها له ليقول بأنها معلومات عن وثائق! ولا ادري هل اللعبة منه او ممن يخدعه!
خامسا: أنه تطفّل على ميدان التاريخ الحديث والمعاصر، وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته انه بصحفي لا بمؤرخ، ولكنه اقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد، بل واطلق احكاما لا تاريخية على مراحل وعلى زعماء وعلى اوضاع لم يفهمها ابدا، كما وأساء الى مجتمعاتنا، فأساء الى العراقيين والاردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والاتراك والايرانيين. وقبلهم كلهم اساء الى المصريين انفسهم من دون اي شعور بالذنب ، ولم يكن ذلك بلائق أبدا.
كان عليه قبل ان يتكلم في التاريخ الحديث لمصر او للعرب او للشرق الاوسط برمته ان يكون قد اكمل الشهادة الثانوية، فهو بلا اي شهادة ثانوية، وايضا كان عليه ان يدرس التاريخ في واحد من اقسامه، ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ، والا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح .. اضافة الى ذلك، فهو يتجاهل ذكر اي مؤرخ مصري او عربي في كتاباته، ولن يمجّد الا بعض الكتاب من الغربيين، فلدية عقدة خواجة قاتلة، والاكثر من ذلك انه يجعلهم كلهم اصدقاؤه وقد اكل معهم الخبز والملح!!
* هل انت مستمر في نقدك لهيكل خاصة وانه ما زال يطل على الجمهور العربي بين حين وآخر؟
- هنا اود ان اعلمكم بأنني اعمل الان على كتاب ثاني في تفكيك هيكل عنوانه:”بقايا هيكل: محاولة ثانية في نقد اشكاليات محمد حسنين هيكل” وسابحث له عن ناشر صحفي في البداية كي ينسر على حلقات في أي جريدة او مجلة عربية رصينة، ثم ابحث له عن ناشر عربي قوي لادفعه الى ملايين القراء، والكتاب متمم للكتاب الاول ولكنه يتناول بالنقد التوثيقي كل الحلقات التلفزيونية التي اذاعها هيكل على شاشة قناة الجزيرة الفضائية منذ سنتين.
أما التجربة النقدية، فأنه لم يستطع ان يردّ علي ّ، واتحداه ان يرد بطريقة مباشرة لا ان يستخدم اسلوب التورية ليرد ردا تلفزيونيا وهو بشكل متخف لا يعلن للناس من يكون المقصود، وأنا اعرف من يعني! عليه ان يرد بنفسه على اساتذة جامعات وفي مقدمة منتقديه العلامة فؤاد زكريا ، لا أن يكلف فلان أو علان بالهجوم لقاء اثمان! أو يجري اتصالاته ببعض الصحف وان توقف نقد الناس له لقاء اتفاقات مبهمة! أنني أعلمه بأنني قادم إليه وسافاجئه بتجربة ثانية معه، فليستعد لها وسوف لن يكون سعيدا بها مطلقا، ولكن اتمنى عليه ان لا يحارب نقّاده باساليب ماكرة ومؤذية في عيشهم ورزقهم كما فعل طوال حياته مع اناس اخلصوا له وعلموه، فكان وراء ادخال بعضهم السجن، وأناس امتعض منهم فاقصاهم عن الاهرام واخبار اليوم. وأناس فككوا نصه ليجنّد من يلحق الاذى بهم.
======
هيكل والمصداقية الصحفية
دكتور سيار أنت يعني تحدثت في الجزء الأول عن مسألة وجود سياسة إعلامية مخطط لها ومتعمدة لتضليل الجمهور العربي، لا بد أن أشير إلى الكتاب الذي وضعته كتاب بعنوان “تفكيك هيكل” في إشارة إلى الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل, هذا الكاتب طبعاً لديه جمهور واسع من الأتباع ومن الناس الذين يتابعون كتاباته وكل ما قدمه، على أي أساس يعني تقدم هذا النقد لكل كتابات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل؟د. سيار الجميل: مع احترامي للرجل يعني أنا لست ضده شخصياً يعني هو كصحفي معروف ليس لي شيء ضد الرجل لكن ضد ما يكتبه يعني ما ينشره، وخصوصاً الكتب التي أصدرها، وحجته في ذلك أنه يعتمد على وثائق وقد وجدت أنه لا يعتمد على وثائق، هناك مبررات مسوغات لوقفة مطولة من قبل المختصين بالشأن الثقافي العربي حول ما يبرزه الإعلاميون وخصوصاً رواد الصحافة في الخمسين سنة الأخيرة، وبالذات محمد حسنين هيكل يعني لم نتعرض مثلاً لغسان تويني، غسان تويني نشأ في صحيفة النهار وبقي محافظاً على السيرة الإعلامية للنهار حتى اليوم، بالنسبة للأستاذ هيكل خلافي معه أنه في جملة من الأكاذيب التي لا تستقيم والحقيقة، جملة تهويمات لا تستقيم والمنطق، جملة اتهامات وزعها على هذا وذاك، وخصوصاً بعد وفاة الشخصيات التي يتكلم عنها..مهند الخطيب: مثل ماذا؟ يعني لو تعطينا مثال.د. سيار الجميل: جملة زعماء لقاؤه مع خوان كارلوس، لقاؤه مع ميتران، لقاؤه مع الملك حسين والذي أثبت بأنه ليس هناك أي لقاء مع الملك حسين في لندن، أيضاً مع الحسن الثاني واتهاماته جملة من اتهامات التي يلقيها على هذا وذاك، فضلاً عن هذا وذاك..مهند الخطيب: لكن ما المشكلة إذا قال أنه التقى الملك حسين أو التقى خوان كارلوس؟ كيف يفسر هذا على مصداقيته الصحفية؟د. سيار الجميل: ثبت بأن ليس لها وجود المعلومات التي ذكرها لا أساس لها من الصحة، يعني عندما يذكر بأنني اعتمدت على وثائق نجد مؤخراً يقول بأنني أشتري من شارع لندن كنت أمشي وقد وجدت وثائق واشتريتها، الوثائق لا يا سيدي الفاضل الوثائق كتب رسمية محفوظة في دوائر الدولة، في أي دولة تحفظ وثائقها لا تباع في الشوارع، ثم هناك جملة من اختلاق معلومات يعني اختلاق قصص لا أساس لها، عندما أعود إلى الأصل لا أجدها، هناك تشويه معين يعني تشويهات لأقاليم معينة لبلدان معينة لأحداث معينة، قفزات من محمد علي إلى آرثر كرومر إلى.. دون منهج تاريخي محدد، التاريخ ليس مهنة صحفية وعندما يدخل الأستاذ هيكل في هذا الباب، يعني أنا مع احترامي له كصحفي يمكن يكون ناجح يمكن يكون فاشل، لكن وكنت ضده لأنه أعلن عن إسقاط مثلاً عدد من طائرات في هزيمة 1967 ولم تسقط مصر أي طائرة..مهند الخطيب: هذه هي النقطة بالتحديد التي أنا كنت مهتماً في طرحها في البداية، مسألة إعطاء صورة مغايرة عن الواقع أنا يعني شخصياً مش معني جداً ببعض الأمور التي أشرت إليها التقى بإخوان كارلوس أو لم يلتق، بالنسبة إلي كمتلقي عربي مش كتير مهم، المهم هو إعطائي صورة مغايرة كلياً عما كان يحدث في تلك الفترة، أود أن أستمع من الأستاذ سمير إلى تعليقه حول هذه المسألة بالتحديد، يعني إعطاء صورة عندما نقول أننا أسقطنا مئة طيارة أو تسعين طيارة أو ثمانين طيارة والحقيقة هي 180 درجة مخالفة لذلك، يعني على ماذا يدل ذلك برأيك؟سمير عطا الله: الحقيقة يجب أن نميز بين التضليل والاستنهاض مصر عاشت تجربة قناة السويس هُزمت عسكرياً، لكنها ربحت شعبياً وأسقطت إيدن وهزمت العدوان الثلاثي، لكن التجربة عندما تكررت في العام 1967 تبين ليس فقط أن الشعب المصري قد خُدع، ولكن أيضاً جمال عبد الناصر كما يقول الأستاذ هيكل في تأريخ اللحظات الأخيرة، وأنا أعتقد أنه في تلك اللحظة في تلك الأيام الحالكة لو أن الشعب المصري بدل أن يبلغ بإسقاط الطائرات وإحراق الدبابات في سيناء لو أُبلغ بالحقيقة لتعاطف مع دولته ومع جيشه ولأقدم على الهجوم عارياً على إسرائيل، ولكن الشعب المصري في النهاية خُيّب كما خيب جميع العرب عندما كُشفت الحقائق وحلّت بنا الهزيمة، ولا نزال إلى الآن نعتبرها وأنا ضد ذلك نعتبرها مفرقاً تاريخياً يجب أن ننسى الهزيمة، المشكلة الأخرى كما قال الدكتور سيار أن الصحافة أو الصحفي يجب ألا يكتب التاريخ، الصحفي ليس مؤرخاً التأريخ عملية صعبة جداً، عملية تتطلب أولاً وقبل أي شيء الموضوعية، وهذا يعني الأستاذ هيكل يدعي الموضوعية، الأستاذ هيكل له موقف قديم وهذا طبعاً ليقال مديحاً فيه لم يغير في ذلك ولكن الدهر تغيّر، الدنيا تغيرت، العالم تغير، فإذاً إذا كان للمؤرخ أن ينظر إلى كل التطورات التي حدثت بعين واحدة لا يمكن إطلاقاً أن يكون موضوعياً، يعني هناك صحفيون كثيرون أو مؤرخون في الغرب مثل بول جونسون جمعوا بين الصحافة وبين التاريخ العمل التاريخي ولكن خرجوا من ثيابهم لم يخرجوا من أسلوبهم، الأستاذ هيكل له أسلوب وطريقة في الكتابة ولكنهم خرجوا من مواقفهم المسبقة حيال التاريخ، التاريخ لا يقبل بموقف واحد ولا بصورة واحدة ولا برؤية واحدة لأن التاريخ مجموعة أحداث يعني متقابلة أو متناقضة أو متعاكسة، الأستاذ هيكل للأسف الشديد كتب التاريخ أو روى الآن يعني خرج من عملية الكتابة لأن الكتابة يمكن أن تناقش بالحجج بالوثائق..
الفرق بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ
مهند الخطيب: هي هذه النقطة أستاذ سمير يعني مسألة رواية التاريخ باعتباره شخص عاش تلك الأحداث التي يتحدث عنها، ما الضرر في ذلك دكتور كرم إذا كان الشخص قد عاش هذه الأحداث فعلاً، ورواها من وجهة نظره؟كرم جبر: طبعاً هناك فرق كبير بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ، وبعدين كتابة التاريخ لا بد أن يكون الكاتب محايد أنا لي تحفظات طبعاً الأستاذ هيكل كاتب صحفي كبير واسم مرموق في الصحافة المصرية والعربية، ولكن لي بعض التحفظات على هذا المنهج من التحليل أو على هذا المنهج من كتابة التاريخ، أولاً الأستاذ هيكل في كثير من الأحيان يعتمد على أساليب الفرقعة الإعلامية ويعطي بعض المواقف يعني حجماً أكبر من حجمها بكثير، على سبيل المثال منذ سنتين أو تلات سنين الأستاذ هيكل عمل ضجة ضخمة جداً بدعوى أنه يعتذر عن الاستمرار في الكتابة، يعتذر عن الاستمرار في الكتابة يستأذن في الانصراف وتعبير براق جداً وطلّع كتاب اسمه أستأذن في الانصراف، بعده بسنة أو بسنتين عاد للكلام في إحدى القنوات الفضائية، طيب ماهْو الكلام هو الصورة المطبوعة للكتابة لكن هذه المرة لم يستأذن في العودة إلى الكلام دي نقطة، النقطة التانية الأستاذ هيكل ليه نوع من الجاذبية في الحوار يعني أنا استخدمت تعبير قلت نوع من التنويم السياسي يعني القارئ إذا لم يكن منتبهاً بكل حواسه..مهند الخطيب: كتبت هذا في مقالك في روز اليوسف الأخير..كرم جبر: أيوا إذا الكاتب إذا المستمع لم يكن منتبهاً لما يقوله هيكل هيخضع لعملية تنويم لأنه ليه جاذبية ويجيد توظيف الأحداث, ويجيد توظيف علاقاته ويجيد توظيف روايته في الاتجاه الذي يريده محمد حسنين هيكل وليس في اتجاه الحقيقة، الأستاذ هيكل لم ينصف إلا فترة حكم جمال عبد الناصر من حقه ولا عيب في ذلك، ولكن يعني يقيّم كل كتابة التاريخ بعد أو كل كتاباته بعد كده في أنه انهيار وتردي وخراب وكأن هذه الأمة لم تعش إلا الفترة الناصرية، جميل جداً إني أنا أشيد بالفترة الناصرية، ولا بد.. لكن لا بد أن تكون لي عين صادقة في انتقاد وكتابة الفترات الأخرى، حتى رجال الرئيس عبد الناصر بعد وفاته لم يسلموا من محمد حسنين هيكل، ولو سمعنا شهاداتهم واحد واحد نجد إنهم تلقوا طعنات وصفعات، وأن الذي مهد طريق الحكم للرئيس السادات كان محمد حسنين هيكل وقال له لازم تخرج للشعب وتقول أنت مع الديمقراطية وهم مع الديكتاتورية، وبعد مرور فترة انقلب على الرئيس السادات انقلاباً كبيراً..مهند الخطيب: يعني لا أود أن أركز يعني بشكل كلي على الأستاذ محمد حسنين هيكل في هذه الحلقة أود أن أتحدث عن جوانب أخرى، ولكن تطرقنا إلى هذا الموضوع بمناسبة الحديث عن كتابك دكتور سيار، بعد الفاصل سأتابع الحديث عن مسألة ما يسمى بالتضليل وأود أن أتحدث عن ما يصفه البعض بالإعلام الملتزم، هل هناك بالفعل شيء يسمى بالإعلام الملتزم أم لا؟ سنأخذ رأيك ورأي الإخوة المشاركين معنا، مشاهدينا فاصل قصير نعود بعده لمتابعة هذا الحوار ابقوا معنا.[فاصل إعلاني]مهند الخطيب: أهلاً بكم مشاهدينا من جديد في حلقة هذا الأسبوع من برنامج تحت الضوء نتحدث عن ظاهرة التضليل في الإعلام العربي.
================================
هيكل والتاريخ البلاستيك (1 – 2)
علي عبود معدي
سبق لي أن قرأت مقتطفات من بعض كتب ومقالات الأستاذ محمد حسنين هيكل وخصوصاً (بصراحة) لكن أول كتاب من كتبه قرأته كاملاً كان: (حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر)، وقد دهشت من أسلوب هيكل الذي اتبعه في رصد وتحليل أحداث واحدة من أكبر الأزمات التي مرت بالأمة العربية والإسلامية بل بالعالم بأكمله، كما تعجبت من طريقة الأستاذ في عرضه لتاريخ ذلك الحدث الكارثة!!. حيث تحرر الكاتب الكبير من قيود التوثيق والتحقيق فكان كتابه ذاك أشبه بعمل روائي أكثر منه تحليل سياسي ورصد تاريخي لحدث مهم.
وكان هيكل قد أصدر هذا الكتاب باللغة الانجليزية من قبل وبشكل مختلف بعض الشيء بما يتناسب مع القارئ الغربي واهتماماته، نشرته دار Collins Harber التي يملكها الناشر اليهودي المشهور روبرت مردوخ. وقد قوبل الكتاب بإهمال تام من قبل الصحافة العالمية في بداية الأمر، إلى أن علق عليه الكاتب الصحفي والمعلق السياسي ديفيد برايس جونز في الصندي تايمس – المملوكة لمردوخ أيضاً – تحت عنوان: (أحلام اليقظة)، وقد سخر من الكتاب والكاتب فكان مما قال: (.. وفي عرضه للمناورات الدبلوماسية للحملة يقدم هيكل اسكتشات شيقة بل مسلية عن زعماء العالم وهم يهرعون للتليفون يبثون مخاوفهم وحساباتهم لبعضهم البعض وهو لا يقدم أي مصدر لهذه المحادثات الخاصة التي لا يمكن التحقق من مصداقيته عنها، ولكن لا ضير فالأمر لا يخرج عن هذا الذي تخيله هيكل!!).
عندما قرأت تعليق جونز لأول مرة في كتاب (الفضيحة) للاستاذ محمد جلال كشك – رحمه الله -، وجدته منصفاً ومحقاً فيما قال وموافقاً لانطباعي عندما فرغت من قراءة الكتاب. وقد تناول الأستاذ كشك هذا الكتاب بنسختيه الإفرنجية والعربية بالنقد والتحليل ففنده تفنيداً موثقاً، وذكر القارئ بما سبق له من مراجعات على كتب هيكل وخصوصاً ما يتعلق بتاريخ الحقبة الناصرية، حيث أفرد فصلاً كاملاً في كتابه عن ثورة يوليو بعنوان: (التاريخ البلاستك وهيكل..) والكتاب بأكمله وبصفحاته السبعمائة – وكما يقول المؤلف -: (يدور أساساً حول تزوير هيكل للتاريخ..) وقد جاء هذا الكتاب استكمالاً لما بدأه الأستاذ جلال كشك في كتابه المشهور: (كلمتي للمغفلين) الذي قرر فيه أن يقول كلمته لهذه النوعية من الناس بعد أن هاله ما تزخر به كتب الناصريين من صنوف التجهيل والتضليل، متعهداً ب:
٭ ألا يقدم واقعة واحدة غير مثبتة المراجع.
٭ أن يعتمد بالدرجة الأولى على شهادات الناصريين.. والمصادر الأجنبية التي لا تحتمل الشك.
وللرد على السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن القارئ: لماذا التركيز على هيكل؟ يجيب المؤلف: (ليس للمكانة التي احتلها هيكل في العصر الناصري – تلك المكانة التي تشكل في حد ذاتها سؤالاً ضخماً بل عريضة اتهام حافلة للنظام الناصري – ولا لأنه هو المتصدي الأكبر للترويج للناصرية، بل لأنه أحد الحلقات الرئيسية في العلاقة الأمريكية – الناصرية..) وقد جاء في كتاب (حبال الرمال) لولبر كراين إيفيلاند ممثل البنتاغون في صفقات السلاح مع مصر في عهد عبدالناصر.. إن المخابرات المركزية الأمريكية قد جندت هيكل منذ بداية الخمسينيات. وهو ما دفع جلال كشك إلى أن يعبر عن غضبه الشديد لسكوت محمد حسنين هيكل، على هذه الاتهامات الخطيرة، فلم يقاض مؤلف ولا ناشر الكتاب. ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، فقد وجه بعض زعماء وكُتاب وساسة، ذات التهمة إلى هيكل، الذي لاذ بالصمت أو قدم تبريرات لا تقنع أحداً. كتب السيد رائد العطار – أحد الضباط الأحرار – مقالاً في جريدة الأهرام، العدد الصادر بتاريخ 23 أغسطس 1977م تحت عنوان: (الموقف الراهن) فقال: «.. والذي يقرأ التحريضات اللفافة الدوارة للسيد (بصراحة) الناصري محمد حسنين هيكل ضد أمته، ويتذكر ما كان يكتبه ضد واشنطن لحساب جمال عبدالناصر، مما يصعب الخلاف بين مصر وأمريكا يومئذ، وسوف يدهش – حقيقة – من هذه العلاقة المقلقة في شخص السيد (بصراحة) أو في أمثاله، وذلك عندما يقرأ على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبه رجل المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند من علاقة السيد (بصراحة الناصري) بالمخابرات المركزية الأمريكية، في الوقت الذي كان يهاجم فيه أمريكا، هذه العلاقة التي كشف عنها الرئيس السوفيتي نكيتا خروتشوف في مواجهة تاريخية أمام جمال عبدالناصر، وقد اتهم هيكل بأنه قبض من المخابرات الأمريكية مبلغاً حدده له بشيك ذكر رقمه وبتاريخ محدد….). ولم يكذب الأستاذ هذا الاتهام ولم يرد على الجريدة أو الكاتب. وفي السياق ذاته يؤكد الدكتور سيار الجميل – أستاذ التاريخ في جامعة الموصل وفي عدد من الجامعات العربية والكندية – أن:.. في الأرشيف قضايا كثيرة لهيكل لو استخدمت استخداماً عادياً فستصيب منه مقتلاً.. ذلك أن جملة كبيرة من الوثائق تتضمن معلومات خطيرة عنه، وأن هناك مادة أرشيفية هائلة يمكن أن تستخدم ضد هيكل بسهولة تامة.
ويعتقد الباحثون الأكاديميون بأن كلاماً قاله كل من: محمد نجيب ومايلز كوبلاند وخروتشوف.. لم يصدر كونهم حقدوا عليه أو حسدوه، فلقد اتهمه الرئيس محمد نجيب بالخيانة لحساب دولة أجنبية. (كتابه: كلمتي للتاريخ).. كما اتهمه مايلز كوبلاند بالعمالة المخلصة.. كما اتهمه خروتشوف بالتهمة نفسها، وذكره بالمبالغ والشيكات التي تسلمها من وكالة المخابرات المركزية في اجتماع كان يعقد في موسكو أمام جمال عبدالناصر، مما اضطر هيكل إلى أن يقفل راجعاً إلى مصر في اليوم الثاني من الرحلة!.
ويورد حسنين كروم في كتابه مقاطع من حوار أجرته مجلة الحوادث الللبنانية مع اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر اثر سقوط النظام الملكي عام 1952م والذي أبعد عن الحكم عام 1954م من قبل عبدالناصر: أنه رفض أن يقابل محمد حسنين هيكل أربع مرات لأن معلومات زوَّده بها جهاز الاستخبارات المصرية تقول بأن هيكل هو عميل لدوائر المخابرات..
لعل أبرز ما يمكن أن يهتم به الباحثون والدارسون في قابل الأيام: مسألة التهم التي وجهت إلى هيكل من قبل أكثر من جهة وطرف، حول ارتباطه بالمخابرات المركزية الأمريكية.. والتي لم يدافع عنها الرجل دفاعاً قوياً! وبرغم عدم وجود مستندات قوية بيد خصومه، فقد كان عليه أن يكون أقوى مما بدا عليه.. إذ وجدته ضعيفاً إزاء ذلك! فلماذا يهرب من وجه خروتشوف مثلاً؟ ولماذا لم يذكر قيمة الأجور التي تسلمها من الصحف الأمريكية لقاء نشر مقالاته فيها؟ ولكن الأمر الملفت للنظر، أن هذه التهم التي حبكها خصومه ضده.. لا تختلف في شيء من الأشياء عن التهم التي كان قد نسجها هو نفسه ضد كل من أساتذته في المهنة: علي أمين ومصطفى أمين.. (سيار الجميل – تفكيك هيكل – مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل).
(يتبع)
========
هيكل والتاريخ البلاستيك (2)
وبالرغم من أن هيكل كان لسان الثورة الاشتراكية وعلى رأس المبشرين بقيمها التي تقوم على أسس العدل والمساواة والقضاء على الاقطاع والثراء غير المشروع.. الخ!! إلا ان هيكل لم يكن ملتزماً بتلك القيم فقد كان يعيش – بسبب قربه من الثوار وتأييده للثورة – عيشة الباشاوات بل السوبر باشاوات، جاء في صحيفة أخبار اليوم العدد الصادر يوم السبت 10 ديسمبر 1977: (إن محمد حسنين هيكل أغنى اشتراكي في مصر. له عزبة يمتلكها في الهرم، وله شقة مطلة على النيل بها ست عشرة غرفة. وله شقة في الاسكندرية، وله يخت يملكه على شاطئ المعمورة..) ويقول الأستاذ عمر التلمساني – رحمه الله – الذي أورد هذا الخبر في كتابه: (قال الناس ولم أقل في حكم عبدالناصر) الصادر بعد نشر الجريدة للخبر بثلاث سنوات: (ولم يكذب هيكل حرفاً واحداً من هذه الاتهامات التي تمس الأمانة والذمة الطاهرة في صميمها. هيكل الذي كان قبل اتصاله بعبدالناصر، لا يملك إلا مرتبه التافه، وثمن الإعلانات التي كان يكتبها أحمد عبود باشا رحمه الله، هذا هو المستشار الصحفي للزعيم المفدى بالدم والروح والمال، من كل ممخرق مأجور).
بعد كتاب هيكل عن حرب الخليج أخذت في متابعة كتاباته في عدد من الصحف العربية وخصوصا مقالاته الطويلة التي كتبها في جريدة السفير اللبنانية بداية عام 2002 تحت دفاتر أزمة. وإذا كانت التفسيرات التي قدمها للأحداث التي حاول معالجتها في تلك المقالات غريبة بعض الشئ إلا أن الروايات التي أوردها عن الزعماء الذين تحدث عنهم أكثر غرابة بل ويصعب تصديقها ومن ذلك لقاؤه المزعوم مع الملك فيصل -رحمه الله- في فندق فلسطين بالإسكندرية في شهر يونيه 1971، والذي زعم أنه طال أكثر من ساعتين(!!)، وحديث الملك لهيكل «طال عمره» عن شاه إيران محمد رضا بهلوي، لأني متأكد بأن الأستاذ هيكل هو آخر من يمكن أن يتحدث معه الفيصل في شأن مثل الذي أورده هيكل في تلك القصة، لكنه الأسلوب الذي يتبعه هيكل في روايته للأحداث التي عاصرها، فهو يقحم نفسه في كل شئ ليظن القارئ أن هذا الرجل إذا لم يشارك في صنع الحدث فلا بد أن يكون شاهدا عليه.
يقول البروفسور سيار الجميل: ان سر عقدة هيكل أنه يتوهم أنه يكشف أسرارا لم يكشفها سواه ولم يكن يعرفها غيره، وأنه صانع تاريخ لا كاتبه فقط، وأن الزعماء العرب لا دراية لهم من دون أن يوجههم محمد حسنين هيكل! وانه مستودع أسرارهم وحركاتهم وسكناتهم، وهو يعرف مخادع نومهم وتفصيلات برامجهم ومناهج بروتوكولاتهم، لقد توضح لنا الآن عند نهايات عمر محمد حسنين هيكل ورؤية نتاجاته، مماكتبه من الأسرار والمعلومات والأفكار والأخبار والآراء التي قالها وحكاها له زعماء عديدون لم ينشرها في حياتهم، إنما أبقاها -إن كانت صحيحة كما يدعي- كي ينشرها بعد وفاتهم واحدا بعد الآخر، ومنهم: جمال عبدالناصر ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران أنور السادات والملك حسين بن طلال والملك الحسن الثاني وغيرهم من الزعماء والمسؤولين العرب وغير العرب.. وهو الآن، ينتظر أجل أحد من الزعماء العرب في دولة عربية كبيرة أو أكثر من دولة كي يبدأ بنشر تفصيلات وأسرار سياساته، وطبيعة علاقاته.، ثم يكرس الصفحات الطوال لتدبيج لقاءاته به، وما حكاه إليه، وما ساقه عنه..إلى آخره من البضاعة المعهودة.. ناهيكم عن دور هيكل في رسم طريق تلك الدولة فضلا عن دوره في الكشف عن أسرار زعيمها وعلاقاته وارتباطاته وزياراته! وعليه، لماذا تمكث المعلومة الخطيرة حسب ما يراه هيكل، طويلاً في أرشيفه الخاص ولا يفكر بنشرها إلا حين يكون شهودها غائبين.
يضع هيكل نفسه باستمرار في مركزية الأشياء محاولاً أن يضع الآخرين من حوله مهما بلغت قيمة ذلك الآخر؟ انه دوماً يختارهم أو بالأحرى يلتقطهم من ذوي الكاريزمات التاريخية الباهرة.. وسرعان ما يضعهم جميعاً في نقاط خلاف سياسية معه، بعد أن يجعلهم مهتمين به أشد الاهتمام وان لا عمل لديهم إلا السعي لملاقاته والتحدث إليه ساعات وساعات.. وانه يستجيب لذلك من خلال المهام الموكولة إليه، يدخل معهم في جدل مصوراً إياهم كونه في مستواهم.. فيعطي لنفسه الحق في أن يجيبهم بحدة!! كما ويحرص على أن يشعر القراء أنه يعرفهم منذ زمن طويل وان ثمة ذكريات يحملها حتى عن مشتريات خاصة بهم من أحد أسواق القاهرة.
كان لابد من التذكير بهذا الأمر في الوقت الذي يقدم الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل تحليلاته وذكرياته ورؤاه عبر قناة الجزيرة التي سبق له أن اتهمها بالتطبيع مع إسرائيل؟؟!!.
==================
حكايات اسبوعية
بقلم: محمد علي إبراهيم
أنا صح .. وأنت غلط
هذا العنوان هو ببساطة شديدة تلخيص لحال المثقفين والأحزاب والصحافة والصحفيين والعمال ورجال السلك القضائي بل حتي داخل تيار الإخوان المفروض انه متحد!! وتعالوا نقارن مواقف المؤيدين والمعارضين من أشياء كثيرة.. فإذا كتبت أنا – أو غيري – نشيد بالحزب الوطني فأنا “عميل” و”انتهازي” ومجند لخدمة أمانة السياسات ويذهب البعض إلي تصنيفي من الحرس القديم أو الجديد.
أما إذا كتبت ضد “الوطني” فأنا شجاع ومناضل ووطني وفي الخنادق الأمامية.. ورغم أن الصحافة هي مهنة رأي ورأي آخر إلا أن كل من يعملون فيها ينظرون إلي الآخر علي انه عدو مبين وشيطان رجيم وإذا لم يكن خائنا فإنه عميل. وطالما انه صحفي “قومي” فلنصنفه أولاً علي انه العدو رقم “1″ وانه بتاع الحكومة.. ثم ليكن بعد ذلك ما يكون.. لا يريد زملاؤنا الاعتراف بأي رأي مخالف لرأيهم لأنهم أرشد منا وأرجح عقلاً وأكثر خبرة.. وبالتالي فنحن لا نعرف مصلحتنا عندما نكتب ما نكتبه.. ولا يفكر أحد من أصحاب العقل الراجح اننا نكتب ما نكتبه ونحن مؤمنون به.
ولأن الصحفيين الواقفين في المعسكر الآخر يرون اننا مازلنا علي تمسكنا بمبدئنا. تجدهم يصنفوننا علي أن بعضنا من أنصار الحرس القديم والآخر من أتباع الحرس الجديد بالحزب الوطني.. وذلك من أجل الايحاء بأن الحزب الحاكم ليس علي قلب رجل واحد. وبالتالي الايهام بأن هناك تيارات متصارعة كل له أتباعه ومؤيدوه و لإشاعة مناخ من عدم الثقة بين الصحافة القومية والحزب الوطني واللعب علي التفرقة بين الصحفيين وتوغير صدور أبناء المهنة الواحدة ضد بعضهم البعض.
والانتصار لرأي واحد ليس مقصوراً علي الحزب الوطني فقط ولكنه موجود بجميع الأحزاب مع فارق جوهري أن الخلافات داخل الحزب الوطني كما تصورها الصحف المعارضة تظل دائماً تحت السطح ولا تستخدم الضرب تحت الحزام. أما في الأحزاب الأخري فتكون الخلافات فيها بالرصاص أحياناً كما حدث في حزب الوفد بين أنصار نعمان ومؤيدي أباظة.. وبالانشقاقات حينا آخر مثلما يحدث في التجمع والناصري.
وإذا ابتعدنا عن الصحف والأحزاب ومع إصرار كل فريق علي اتهام الآخر بأنه علي خطأ وهو الوحيد علي صواب. سنجد نفس الحال مع القضاة أصحاب المقام الرفيع.. فالقضاء مثلاً منقسم بين المجلس الأعلي للقضاء وبين نادي القضاة فالأول متهم بأنه حكومي ولا يتمتع بالاستقلال والثاني تحالف مع كل قوي المعارضة في مصر واستقطب صحفاً بعينها تعبر عن رأيه واستحكم العداء بين النادي من جهة وبين وزارة العدل والمجلس الأعلي للقضاء من جهة أخري مع انه لا فرق بين قاض وآخر إلا بالمهارة والدقة في تطبيق القانون والالتزام بروحه. لكن الاحتقان الذي جعل الصحفي يقف ضد زميله ويفتح عليه النيران. واضطرار الآخر للدفاع عن نفسه.. هو أيضا الذي جعل رجال الحزب الواحد ينقسمون علي أنفسهم. وأدي إلي تبادل رجال القضاء الاتهامات رغم انه من المفروض انهم أول من يحترم قدسية الأحكام.
ان المجتمع المصري مطالب أكثر من أي وقت آخر باحترام الآراء البناءة. وإذا كان هناك معارضة لرأي أو حزب أو سياسيين فلماذا لا يكون هناك أكثر من رأي تناقش كلها علي مائدة حوار ويتمسك كل برأيه دون أي تجريح للآخر واتهامه بالعمالة والخيانة وانه ضد مصر وصديق للفاسدين والمفدسين.
الأهم من ذلك كله اننا وصلنا إلي مرحلة من أخطر المراحل وهي عدم الثقة بالأحكام القضائية واشاعة مناخ من التشكيك في سلطة هي الأعلي والأكثر ثقة في نظامنا.
تشكيك
لقد دخل رجال الأعمال اللعبة. ولأن سوق البيزنس فيه خصوم وأصدقاء. فقد استطاع البعض تجنيد بعض الأقلام له وللدفاع عنه ضد اللوبي الآخر الذي يتمتع أيضا بكتيبة صحفية تناصره وتتهم الآخرين انهم علي الباطل سائرون.
هذا التكتل أو التشيع لرأي دون الآخر زاد من مناخ العداء في الشارع المصري وفي الوقت ذاته زاد مناخ المجاملات.. فكما أن الخصوم يتقاتلون ويتعصب كل منهم لرأيه فان الأصدقاء أيضا يتحالفون ويجاملون بعضهم بعضا.. فهناك صحيفة أصبحت المادة الأساسية في أحد البرامج الفضائية وذلك لأن أحد كتابها يقدم البرنامج وبالتالي تستأثر الصحيفة بأكبر قدر من الرعاية والدعاية. وفي المقابل يقوم البرنامج باستضافة نقاد “شرسين” لكل ما تكتبه الصحف الأخري وسلخها حية من أجل المزيد من الدعاية.
ونفس الحال حتي في الرياضة تجد من يناصر رئيس ناد ومن يعارضه.. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فالأنصار يحاولون جهدهم طرد المعارضين من النادي أو التضييق عليهم أو رفع القضايا. مع أن الفئتين المعارضين والمؤيدين أبناء ناد واحد..
وأحيانا ما تقرأ لكاتب فتتصور انه مخلص في نقده وانتقاده وتتعاطف معه ثم تفاجأ بأنه يكتب لحساب شخص ضد آخر أو لحساب جماعة في حزب ما ضد جماعة أخري.. وأحيانا أخري تجد صحيفة تتجاوز في النقد وتنهش الصحف القومية نهشاً مؤلماً وجارحاً. وطبيعي أن يرد رؤساء التحرير القوميون وبعضهم أسلحته ماضية وحادة. وهو شيء مطلوب لردع الذين يأكلون لحومنا بغير حق..
إن أخطر ما أشعر به إزاء حالة التحزب والتشيع والاستقطاب الحاد في مصر هو أن السند الوحيد للناس الذي كان من المفترض أن يلوذوا به ويقتنعوا به. وهو القانون. لم يعد يحظي بهذه المنعة والحصانة.
المشكلة أن أي معارض يحكم عليه بالقانون لا يقتنع لا هو ولا عشيرته بأن الحكم عادل.. لذلك فان كل المعارضين يرون أن مخالفة القانون حق أصيل لهم متسلحين بمنطق شديد الغرابة. وهو انه طالما أن القانون صادر من الحكومة أو الدولة فمن حقنا معارضته كما نعارض الجهة التي أصدرته!! وفي هذا إخلال بشع بالقانون. لأن هذا ببساطة معناه أن هناك قانوناً للحكومة وآخر للمعارضة.. ويزيد هذا الاحساس رسوخاً لدي كثيرين عندما يأخذ أحد المنتمين للحكومة أو للحزب الوطني براءة. فتهيج الدنيا. مع انه من المفترض أن القانون واحد علي الجميع حكومة ومعارضة.. لكن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج قانونين واحداً للحكومة والآخر للمعارضة!!
د.سيار الجميل يلقي القفاز في وجه الأستاذ:
حوارات هيكل لقناة “الجزيرة”.. فشنك!
مازال كثيرون ينظرون إلي الأستاذ محمد حسنين هيكل علي أنه صنم معبود لا يجوز الاختلاف معه أو التشكيك في رواياته أو الاستفسار عن شهاداته وتخصصه.. الناس تنظر إليه علي أنه المؤرخ الأكبر لتاريخ الشرق الأوسط الحديث فقد عاش أزهي فتراته وخبر أقسي انكساراته.. وحسن حظه أنه يعيش اليوم وسط أجيال أكبرها في الخمسين بينما هو أمد الله في عمره تجاوز ال 84 عاما وبالتالي فهو مستودع ذخائر وكنوز ونفائس المنطقة وهو الأمين عليها ومالك أسرارها وحافظ لمفاتيح كنوزها وذلك لأنه في فترة ما احتفظ بمستندات الفترة الناصرية فتصور الناس أنه يملك الدنيا.
ومؤخراً ساقتني الظروف إلي قراءة كتاب د.سيار الجميل المؤرخ العراقي الأشهر الذي يعيش ويعمل في كندا وكان بعنوان تفكيك هيكل والعنوان موحي لأنه يصور هيكل علي أنه مؤسسة. وهو كان كذلك بالفعل.. لكنه لم يكن مؤسسة صحفية في حد ذاته. وإنما كان مؤسسة ذاتية نجح في ترسيخها وتسويقها في عقول الأجيال المتلاحقة. وكانت النتيجة أنه أساء للتاريخ والباحثين.
من خلال قراءة سريعة لفصول الكتاب عرفت لماذا انتشر هيكل؟ وهذا هو أول سؤال يجيب عنه الكتاب.. انتشر لأنه كان الكاتب الأوحد. ولأن الناس أحبت عبدالناصر وصدقته. فقد أحبت صديقه وصدقته.. لكن هل بالضرورة أن كل ما ينشره هيكل موثقاً؟
يقول د.سيار الجميل إن امتلاك هيكل لوثائق وبرقيات الحقبة الناصرية وأوائل عصر السادات لا يعني أن التاريخ ملكه. فقد زور التاريخ في أشياء كثيرة ولوي عنقه حتي يكتب أهواءه السياسية مغلفة بأحداث تاريخية فسرها كما تراءي له.
يؤكد د.سيار الجميل أن المثقف العربي أو القاريء لا يهتم كثيراً باقتناء عدة كتب في وقت واحد وإجراء مقارنات بين معلوماتها وتواريخها. وبالتالي ظل كثير من القراء المصريين خاصة والعرب بصفة عامة يضبطون علي “هيكل” بوصلتهم ويشيرون إليه باعتباره المرجعية الوحيدة الصادقة.
غير أن الدارسين في الجامعات العربية والأجنبية بدأوا علي حد قول د.سيار في حديث لمجلة المجلة يبنون نظرياتهم وفرضياتهم علي هيكل فقط. وهنا اكتشف أساتذة التاريخ أن الطلبة يعتمدون علي معلومات لا أساس لها من الصحة التاريخية وبالتالي سيجيء وقت تسقط فيه من الذاكرة المعلومات والتواريخ الحقيقية ويظل الباحثون أسري لوهم فرضه هيكل.
د.سيار الجميل قال إن الخيط الأول الذي هداه إلي أن هيكل يفبرك التاريخ ويخلق أحداثاً من عندياته كان عام 1987 عندما كان يرعي بحثا لدكتورة عراقية متخصصة في التاريخ الحديث اسمها سمر ماضي بدأت تبحث في خلفية علاقة اينشتاين العالم اليهودي ومخترع الذرة والعرب. وهل كانت له جهود في إهداء بعض أسرار القنبلة الذرية لعلماء فرنسيين أصبحوا يعملون بعد ذلك في مفاعل ديمونة بصحراء النقب.. وكان لابد في إطار بحثها أن تتأكد من مقابلة هيكل لاينشتاين التي ادعاها في كتابه “زيارة جديدة للتاريخ” خصوصا وأن هذه المقابلة هي الوحيدة المعروفة تاريخياً بين عربي واينشتاين.. سافرت سمر ماضي للنمسا بتكليف من سيار الجميل وظلت تبحث هناك عاما كاملا ولم تجد أدني معلومة تؤكد ذلك واتصلت بالأستاذ هيكل فلم يذكر لها تاريخ المقابلة وقال كلاما عاديا.. سألته عما يتذكره عن الرجل وطريقة كلامه وملابسه وكيف كان يدخن غليونه وهل كان أعسر أم يستخدم يده اليمني وما الذي يتذكره عن حجرة مكتبه ولسوء حظ هيكل كانت الدكتورة سمر ماضي تعرف الإجابات القاطعة عن هذه الأسئلة. لكن هيكل قال لها إنه لا يتذكر.
يقول د.سيار الجميل إنه في هذه اللحظة بدأ “حفرياته” عن حقيقة ما يكتبه هيكل ومدي مصداقيته واكتشف أن معظم مقابلاته وهمية. فكاتب بحجم هيكل كان عليه أن يلتقط عدة صور لاينشتاين أو لميتران أو ديجول أثناء حواره معه وينشرها في كتابه تماما مثلما يحرص علي تخصيص جزء كبير منه للوثائق فالصورة أهم من الوثيقة في أشياء كثيرة.
ويستطرد الجميل في حديثه “اكتشفت أن مشكلته سيكولوجية بحتة فهو يتوهم الأوهام حقائق ويتخيل لقاءات غير حقيقية ويكتب عن التفاصيل بقدرة عجيبة.. فإذا زار فرنسا يختلق دعوة الرئيس ميتران له علي العشاء وإذا زار مدريد يتوهم مقابلة مع الملك خوان كارلوس يسقط فيها البروتوكول وتقاليده وكذلك الحال مع الملك حسين في الفندق الذي اعتاد النزول فيه. دون أن يقدم وصفا أو صورة لغرفة الفندق التي يتم فيها اللقاء.. الأدهي أنه يصف نفسه ناصحا لهم بهدف جعل نفسه في مصافهم كي يفوز بضيافة زعيم آخر.
ويضيف سيار الجميل في حديث لمجلة “المجلة” السعودية أنه يدعي أن ما يكتبه يعتمد اساسا علي الوثائق وهذه كذبة خطيرة أخري فمن خلال خبرتي في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر وفحصي لما قدمه من وثائق بالأسلوب العلمي والتحليلي أقول إن الرجل احتفظ لنفسه بأوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود.
ويستطرد أنه كان عليه أن يسلمها لدار الوثائق المصرية فليس من حق أي إنسان الاحتفاظ بوثائق سياسية.. وهيكل يصور الوثائق ليقول إن عمله وثائقي علما بأنه لا يشير إلي أية أرقام وكتاباته غير موثقة أبداً بالشكل العلمي. وأوضح دليل علي ذلك ظهوره علي شاشة قناة التليفزيون بقناة الجزيرة. ولاحظوا أنه كان يمسك ببعض الوثائق التي أحضرها له موظفو مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي.. مع أن الحقيقة أن مكتبه يقوم ببعض التراجم لبحوث وثائقية غربية ليقول هو إنها وثائقه هو.
وهيكل في رأي سيار الجميل متطفل علي التاريخ الحديث والمعاصر وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته بأنه صحفي وليس مؤرخاً لكنه أقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد.. بل وأطلق أحكاما لا علاقة لها بالتاريخ علي مراحل وعلي زعماء وعلي أوضاع لم يفهمها أبداً.. وأساء إلي كل المجتمعات العربية علي فترات حسبما كانت تتجه بوصلة مصالحه فأساء إلي العراقيين والأردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والإيرانيين. وقبلهم جميعا المصريون دون أن يشعر أنه مذنب.
واستطرد د.الجميل قائلا إن من يتكلم في التاريخ لمصر أو الشرق الأوسط كله يجب أن يحصل علي الثانوية العامة أولاً وليس دبلوم تجارة وعليه أن يكمل دراسته الجامعية في أحد تخصصات التاريخ ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ وإلا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح.. وهذا كله لم يحصل عليه هيكل.. كما أنه يتجاهل ذكر أي مؤرخ مصري أو عربي في كتاباته ولن يمجد إلا بعض الكتاب الغربيين وجعلهم كلهم أصدقاءه وأكل معهم عيش وملح.
ويفجر الكاتب والمؤرخ سيار الجميل مفاجأة أخري عندما يؤكد أن هناك اثنين لم يستطع هيكل نقدهما هما العلامة د.فؤاد زكريا وسيار الجميل ويجهز الأخير كتابا عنوانه تفكيك هيكل الجزء الثاني سيتعرض فيه بالنقد العلمي والمنهجي لكل حوارات هيكل التليفزيونية لقناة الجزيرة علي مدار عامين.
ويتحدي الجميل هيكل ويلقي القفاز في وجهه ويطالبه بأن يرد علي ما يقوله وما يكتبه عنه بطريقة مباشرة ويدعوه للظهور في مناظرة حتي لا يستخدم أسلوب التوريه أو يرد بشكل رمزي أو باستخدام التوريه ولا يعلن للناس من يكون المقصود.. يؤكد أن عليه الرد علي منتقديه بشجاعة لا أن يجري اتصالات ببعض الصحف لتوقف نقد الناس له نظير ثمن يعرفه هو وهم. أو يجري اتصالات ببعض الصحف لتوقف نقد الناس له لقاء اتفاقيات مبهمة.
ويؤكد الجميل أن الكتاب القادم له سيكون تجربة مؤلمة جداً له.. ولن ينفع معه أن يجند آخرين لإلحاق الأذي به كما فعل طوال حياته مع أناس أخلصوا له وعلموه فكان وراء إدخال بعضهم السجن ونفي الآخر وأناس امتعض منهم فأقصاهم عن الأهرام وأخبار اليوم. وأناس فككوا نصه ليجند من يلحق الأذي بهم.
صحافة الشبشب.. والكمودينو!!
في أوائل الثمانينيات أنشأ الأستاذ الكبير محمود عوض لأول مرة مسابقة للجوائز الصحفية وكان سعيداً بالتجربة لأنها الأولي وظهر أن الاحتفاء بها كبير.. وقد فاز الأستاذ عادل حمودة بالجائزة الثالثة في أول دورة.
بعدها بأعوام فوجيء الأستاذ محمود عوض باتصال من أحد القضاة وتصادف أنه كان زميل دراسة له يطلب منه تحويل قضية إليه لا تستطيع المحكمة البت فيها لأن الفصل فيها يتطلب وجود خبرة صحفية طويلة وموضوعية وتجرد. وكان رأي المحكمة كما يحدث في قضايا هندسية أو مالية أو اقتصادية انتداب خبير للفصل في موضوع الدعوي. واستفسر الأستاذ محمود عوض عن طبيعة القضية فقالوا له إنها دعوي أقامها أحد المؤلفين ضد الأستاذ عادل حمودة لأن الأخير نقل كتابه “اغتيال رئيس” نقل مسطرة من كتابه بعنوان “قتلة السادات”.. المؤلف حسني أبواليزيد قال في شكواه إنه لا يمكن أن يكون كتابه وكتاب عادل حمودة مجرد توارد أفكار. فالسرقة واضحة ومكتملة الأركان والجمل والفقرات وعلامات الترقيم الموجودة في كتاب حسني هي نفسها المكتوبة عند عادل حمودة. وكان دليل حسني أبواليزيد الذي لا يرقي إليه شك هو صدور كتابه قبل كتاب عادل بعامين علي الأقل.
المؤلف لم يكن مشهوراً فقد عمل صحفياً بجريدة الندوة السعودية ثم عاد للقاهرة وعمل مراسلاً لها وهو صعيدي من أرضنا الطيبة. لا يترك ثأره ولو طال الزمن ولحسن الحظ أنني زاملته فترة وشقيقه حسونة من أصدقائي المقربين.
جن جنون حسني وهو يقرأ كتاب عادل حمودة وقدم بلاغاً للنيابة مستشهداً بالتطابق الكامل بين النصوص الواردة في الكتابين وكذلك الصور المنشورة للمتهمين.. وما فضح “حمودة” أن حسني عندما ألف هذا الكتاب ذهب إلي السجون وأجري لقاءات وحوارات مصورة مع المتهمين وسجل لهم ما قالوه علي شرائط وبالتالي فكتاب حسني موثق بالصوت والصورة.. ناهيك عن صور حسني مع المتهمين وهو جالس يتحدث معهم في قاعات المحكمة.
المهم أن الأستاذ الكبير محمود عوض عندما قرأ أوراق الدعوي اكتشف أن كتاب عادل “مسروق” بالكلمة والنقطة والفاصلة والحرف. لكنه اعتذر للمحكمة عن إبداء رأيه الفني والمهني في الكتاب لأنه لم يرغب في إهالة التراب علي مشروع الجوائز الصحفية الذي كان يتبناه والذي فاز عادل حمودة بإحداها. ورغم أنه فاز بالجائزة الأخيرة. إلا أن الأستاذ محمود رأي الاعتذار عن التحكيم لحساسية موقفه وحتي لا ينسحب الشك علي جوائز المفروض أنها تعطي لصحفيين مبتكرين نابهين يقدمون أعمالاً أصلية. وليسوا مقتبسين وسارقين لجهد آخرين.
اعتذر الأستاذ عوض لهيئة المحكمة وطلب انتداب خبير آخر للفصل في الدعوي وإعطاء رأي فني ومهني يستند إليه القاضي عند إصدار حكمه.. وهكذا انتدبت المحكمة الأستاذة صافيناز كاظم التي أفتت بأن الكتاب مسروق.. ومسروق.. ومسروق وليس فيه أدني دليل علي توارد الأفكار.. وصدر الحكم لصالح “حسني” لذلك يحرص عادل دائماً علي نسيان قصته المؤلمة مع هذه الفضيحة التي تعرض لها في بداية شهرته. حيث تصور أن اسمه كفيل بأن يجعل الناس تصدق ما يقول اقتداء باستاذه هيكل.
كما كرر “عادل” نفس الفضيحة بعد ذلك عندما سرق بحثاً كتبه باحث تونسي عن هيكل ونقله بالمسطرة أيضاً وكتب كتابه الوحيد عن هيكل الذي قال في صفحته الأخيرة إنه يعد للجزء الثاني منه.. وطبعاً بعد الفضيحة اكتفي بالجزء الأول علي أساس أن خبطة واحدة تكفي.
المهم أنني تذكرت كل هذا وأنا أشاهد أستاذي محمود عوض يتحدث عن حال الصحافة المخزي في برنامج “القاهرة اليوم” وضرب مثلاً بانتقاد إحدي الصحف لوزير سابق فكتبت أنه يحتفظ “بشبشب” خاص لزوجته داخل “الكمودينو” لتقوم بضربه علي صلعته قبل النوم لتهدأ أعصابه ويمارس حياته الطبيعية.
طبعاً كل المشاهدين عرفوا الصحيفة وعرفوا اسم الوزير.. وقال عوض إن كثيرين هو منهم كانوا غير راضين عن سياسة هذا الوزير بالوزارة ولا عن عنفه ولا عن المزايا الضخمة التي كان يمنحها لأصدقائه من أراض وشاليهات ومنتجعات لكن الكاتب الكبير اعترض علي أسلوب النقد وطريقته . فمهاجمة الوزير تكون في سياسته وقراراته أو إهداره للمال العام أو مخالفة القانون. أما صحافة “الشبشب والكمودينو” فهي ليست صحافة علي الإطلاق ومن يمارسها ليس صحفياً.
ويبقي شيء هام علينا أن نعيه وعلي الآخرين أن يعرفوه وهو أننا نملك ترسانة مسلحة وليست مطواة أو شومة أو رجل كرسي ونستطيع أن نجعل الفئران تختبيء في جحورها ولا تخرج منها.. لكننا نلتزم بالقدر المسموح به في النشر حتي الآن. لأننا مازلنا صحفيين.. لكن إذا زاد ضرب الرصاص الفشنك من الفئران. فسأفتح عليهم الماء الذي يغرقهم في جحورهم وأكرر أنه “ماء” لا قبل لكم به.. وهناك ست سنوات عجاف في تاريخ المؤسسة التي شرفتم بالانتماء إليها يكفي أن ننشر بعضا منها. لذلك أرجوكم للمرة الأخيرة أن تلعبوا بعيداً عني وعن المؤسسة العريقة التي لا يرضي أبناؤها بأي حال من الأحوال أن يقودها شخص عليه علامات استفهام من “ساسه لرأسه” مهما حاول في الماضي أو المضارع أو المستقبل.
=================
الجزائري حسين آيت أحمد يرد على حسين هيكل
أحمد نجيم من الدير البيضاء:
في رد هو الثاني على تصريحات الصحافي المصري محمد حسين هيكل بعد عبد الهادي بوطالب، مستشار العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، نفى الزعيم التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية (معارضة) حسين أيت أحمد، ما نقله هيكل على قناة “الجزيرة” حول تواطؤ مغربي مزعوم في تحويل اتجاه الطائرة التي كانت تقل سنة 1956 قادة جبهة التحرير الوطني من مدينة الرباط الى تونس العاصمة.
وقال آيت أحمد، في برنامج على قناة “ميدي1 سات” تبثه اليوم “إنه لم يكن من الوارد نهائيا أن يكون هناك تواطؤ من قبل السلطة المغربية، ما دام أن ولي العهد أبلغ الملك محمد الخامس بتحذيري ومخاوفي بخصوص المخاطر التي قد يتعرض لها الملك”، الذي كان يرغب في أن يستقل نفس الطائرة التي تقل القادة الجزائريين و”اقترحت بنفسي استخدام طائرة ثانية”.
وأوضح آيت أحمد في برنامج تبثه القناة المذكورة حول موضوع “عن تحريف التاريخ: إعادة ارساء الحقيقة”، أن ما نقله هيكل حول موضوع تحويل الطائرة مجرد “افتراءات سخيفة وغريبة”، وأوضح أن”مصالح الاستخبارات الفرنسية، هي التي تقف وراء تحويل اتجاه الطائرة التي كانت تقل خمسة من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية المتجهة الى تونس، نحو الجزائر العاصمة، في22 أكتوبر1956.
وأضاف آيت أحمد في التصريح نفسه الذي حصلت وكالة الأنباء المغربية على تفاصيله قبل البث “تعودت على أن لا أندهش عندما يتم ترويج أكاذيب سخيفة وغريبة هدفها الوحيد هو تزييف الحقائق بشكل تام ” مضيفا أن الأساسي هو “تمكين الرأي العام المغاربي من معرفة الحقيقة”.
وأكد أن الاستخبارات الفرنسية “لم تكن في حاجة الى تواطؤ” مادام انها كانت انذاك متواجدة في كل مكان “في المغرب، في تونس وحتى في القاهرة”. وتزامن هذا الحوار مع حوار كان أدلى به قبل أيام عبد الهادي بوطالب، مستشار العاهل المغربي الحسن الثاني، لجريدة “المساء” وفند خلاله ما قاله هيكل للقناة القطرية.
وكتاب تفكيك هيكل / سيار الجميل
قادم لدفن بقايا هيكل
* من المعروف عن الدكتور سيار الجميل تصديه للنقد التاريخي واثارته للسجالات الفكرية، ومن ذلك كتابكم ” تفكيك هيكل ” ، فلماذا كان اختياركم لهيكل وكيف كانت التجربة النقدية له، وما مدى الثقة برواياته؟
- ثمة اسباب دفعتني للسجال ضد كتابات هيكل، ذلك:
اولا: أن الناس وفيهم بعض الباحثين العرب وطلبتنا في الدراسات العليا أخذوا يعتمدون على كتاباته ومعلوماته التي لا أساس لها من الصحة التاريخية، أردت أن أقرع جرسا للقراء العرب اليوم وللاجيال القادمة التي تهمني اكثر بكثير من اهتمامي بهيكل وكتاباته، إذ أخشى ان يؤخذ ما يكتبه حقائق مسلما بها وهذه فجيعة كبيرة!
ثانيا: أن اتهاماته للعديد من الزعماء بعد رحيلهم مباشرة هي تلفيقية وخطيرة من القصص والاكاذيب عنهم ولا أساس لها من الصحة. بعد أن يكون قد مدحهم وهم أحياء ومنهم: أنور السادات والملك حسين والملك سعود وأخوه الملك فيصل آل السعود والملك الحسن الثاني والملك ادريس وشاه ايران وغيرهم!!
ثالثا: كانت إحدى طالباتي في جامعة كيل بالمانيا وهي الدكتورة سمر ماضي، قد نبهتني منذ العام 1987 في ورقتها البحثية التي طلبت منها اعدادها عن اينشتاين والعرب، بأن لا صحة مطلقا للمقابلة التي ادّعى هيكل حدوثها بينه وبين اينشتاين بعد أن تحقّقت عن ذلك بطريقة بحثية مضنية في النمسا. من هنا تزعزعت ثقتي بهيكل وبدأت حفرياتنا عن مقابلات وهمية يدّعيها هيكل ولا اساس لها من الصحة ابدا. واكتشفت ان مشكلته هناك سايكلوجية بحتة، فهو يتوهم الاوهام حقائق ويتخّيل لقاءات غير حقيقية يكتب عن تفاصيلها بقدرة عجيبة، واذا كانت له ثمة زيارات لدول فهو يختلق دعوة الرئيس ميتران له على العشاء أو تزال الحواجز بينه وبين الملك خوان كارلوس في مكتبه. أو مع خروتشوف في حديقته والملك حسين في الفندق الذي يرتاده وغيرهم كثير وهو يصف نفسه ناصحا لهم، بهدف جعل نفسه في مصافهم كي يفوز بضيافة زعيم!
رابعا: انه يدّعي بأن ما يكتبه يعتمد اعتمادا اساسيا على الوثائق، وهذه كذبة خطيرة اخرى، فمن خلال خبرتنا في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر ومعاينتنا لما اعتمده من وثائق نقول بأن الرجل كان قد احتفظ لنفسه باوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود – وكان عليه ان يسلّمها الى دار الوثائق المصرية، فليس من حق اي انسان الاحتفاظ بوثائق سياسية- وهو يصورها ليقول بأن عمله وثائقي، علما بأنه لا يشير الى اية ارقام ولا اية احترازات وثائقية، فكتاباته غير موثقّة ابدا بالشكل العلمي، او وجدناه مؤخرا على شاشة التلفزيون في قناة الجزيرة الفضائية ونتيجة نقدنا له وتفكيكنا لاوصال كتاباته يمسك ببعض الوثائق التي حضرها له بعض موظفيه في مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي. إن من يعمل في مكتبه يستل بعض البحوث الوثائقية ويترجمها له ليقول بأنها معلومات عن وثائق! ولا ادري هل اللعبة منه او ممن يخدعه!
خامسا: أنه تطفّل على ميدان التاريخ الحديث والمعاصر، وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته انه بصحفي لا بمؤرخ، ولكنه اقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد، بل واطلق احكاما لا تاريخية على مراحل وعلى زعماء وعلى اوضاع لم يفهمها ابدا، كما وأساء الى مجتمعاتنا، فأساء الى العراقيين والاردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والاتراك والايرانيين. وقبلهم كلهم اساء الى المصريين انفسهم من دون اي شعور بالذنب ، ولم يكن ذلك بلائق أبدا.
كان عليه قبل ان يتكلم في التاريخ الحديث لمصر او للعرب او للشرق الاوسط برمته ان يكون قد اكمل الشهادة الثانوية، فهو بلا اي شهادة ثانوية، وايضا كان عليه ان يدرس التاريخ في واحد من اقسامه، ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ، والا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح .. اضافة الى ذلك، فهو يتجاهل ذكر اي مؤرخ مصري او عربي في كتاباته، ولن يمجّد الا بعض الكتاب من الغربيين، فلدية عقدة خواجة قاتلة، والاكثر من ذلك انه يجعلهم كلهم اصدقاؤه وقد اكل معهم الخبز والملح!!
* هل انت مستمر في نقدك لهيكل خاصة وانه ما زال يطل على الجمهور العربي بين حين وآخر؟
- هنا اود ان اعلمكم بأنني اعمل الان على كتاب ثاني في تفكيك هيكل عنوانه:”بقايا هيكل: محاولة ثانية في نقد اشكاليات محمد حسنين هيكل” وسابحث له عن ناشر صحفي في البداية كي ينسر على حلقات في أي جريدة او مجلة عربية رصينة، ثم ابحث له عن ناشر عربي قوي لادفعه الى ملايين القراء، والكتاب متمم للكتاب الاول ولكنه يتناول بالنقد التوثيقي كل الحلقات التلفزيونية التي اذاعها هيكل على شاشة قناة الجزيرة الفضائية منذ سنتين.
أما التجربة النقدية، فأنه لم يستطع ان يردّ علي ّ، واتحداه ان يرد بطريقة مباشرة لا ان يستخدم اسلوب التورية ليرد ردا تلفزيونيا وهو بشكل متخف لا يعلن للناس من يكون المقصود، وأنا اعرف من يعني! عليه ان يرد بنفسه على اساتذة جامعات وفي مقدمة منتقديه العلامة فؤاد زكريا ، لا أن يكلف فلان أو علان بالهجوم لقاء اثمان! أو يجري اتصالاته ببعض الصحف وان توقف نقد الناس له لقاء اتفاقات مبهمة! أنني أعلمه بأنني قادم إليه وسافاجئه بتجربة ثانية معه، فليستعد لها وسوف لن يكون سعيدا بها مطلقا، ولكن اتمنى عليه ان لا يحارب نقّاده باساليب ماكرة ومؤذية في عيشهم ورزقهم كما فعل طوال حياته مع اناس اخلصوا له وعلموه، فكان وراء ادخال بعضهم السجن، وأناس امتعض منهم فاقصاهم عن الاهرام واخبار اليوم. وأناس فككوا نصه ليجنّد من يلحق الاذى بهم.
======
هيكل والمصداقية الصحفية
دكتور سيار أنت يعني تحدثت في الجزء الأول عن مسألة وجود سياسة إعلامية مخطط لها ومتعمدة لتضليل الجمهور العربي، لا بد أن أشير إلى الكتاب الذي وضعته كتاب بعنوان “تفكيك هيكل” في إشارة إلى الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل, هذا الكاتب طبعاً لديه جمهور واسع من الأتباع ومن الناس الذين يتابعون كتاباته وكل ما قدمه، على أي أساس يعني تقدم هذا النقد لكل كتابات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل؟د. سيار الجميل: مع احترامي للرجل يعني أنا لست ضده شخصياً يعني هو كصحفي معروف ليس لي شيء ضد الرجل لكن ضد ما يكتبه يعني ما ينشره، وخصوصاً الكتب التي أصدرها، وحجته في ذلك أنه يعتمد على وثائق وقد وجدت أنه لا يعتمد على وثائق، هناك مبررات مسوغات لوقفة مطولة من قبل المختصين بالشأن الثقافي العربي حول ما يبرزه الإعلاميون وخصوصاً رواد الصحافة في الخمسين سنة الأخيرة، وبالذات محمد حسنين هيكل يعني لم نتعرض مثلاً لغسان تويني، غسان تويني نشأ في صحيفة النهار وبقي محافظاً على السيرة الإعلامية للنهار حتى اليوم، بالنسبة للأستاذ هيكل خلافي معه أنه في جملة من الأكاذيب التي لا تستقيم والحقيقة، جملة تهويمات لا تستقيم والمنطق، جملة اتهامات وزعها على هذا وذاك، وخصوصاً بعد وفاة الشخصيات التي يتكلم عنها..مهند الخطيب: مثل ماذا؟ يعني لو تعطينا مثال.د. سيار الجميل: جملة زعماء لقاؤه مع خوان كارلوس، لقاؤه مع ميتران، لقاؤه مع الملك حسين والذي أثبت بأنه ليس هناك أي لقاء مع الملك حسين في لندن، أيضاً مع الحسن الثاني واتهاماته جملة من اتهامات التي يلقيها على هذا وذاك، فضلاً عن هذا وذاك..مهند الخطيب: لكن ما المشكلة إذا قال أنه التقى الملك حسين أو التقى خوان كارلوس؟ كيف يفسر هذا على مصداقيته الصحفية؟د. سيار الجميل: ثبت بأن ليس لها وجود المعلومات التي ذكرها لا أساس لها من الصحة، يعني عندما يذكر بأنني اعتمدت على وثائق نجد مؤخراً يقول بأنني أشتري من شارع لندن كنت أمشي وقد وجدت وثائق واشتريتها، الوثائق لا يا سيدي الفاضل الوثائق كتب رسمية محفوظة في دوائر الدولة، في أي دولة تحفظ وثائقها لا تباع في الشوارع، ثم هناك جملة من اختلاق معلومات يعني اختلاق قصص لا أساس لها، عندما أعود إلى الأصل لا أجدها، هناك تشويه معين يعني تشويهات لأقاليم معينة لبلدان معينة لأحداث معينة، قفزات من محمد علي إلى آرثر كرومر إلى.. دون منهج تاريخي محدد، التاريخ ليس مهنة صحفية وعندما يدخل الأستاذ هيكل في هذا الباب، يعني أنا مع احترامي له كصحفي يمكن يكون ناجح يمكن يكون فاشل، لكن وكنت ضده لأنه أعلن عن إسقاط مثلاً عدد من طائرات في هزيمة 1967 ولم تسقط مصر أي طائرة..مهند الخطيب: هذه هي النقطة بالتحديد التي أنا كنت مهتماً في طرحها في البداية، مسألة إعطاء صورة مغايرة عن الواقع أنا يعني شخصياً مش معني جداً ببعض الأمور التي أشرت إليها التقى بإخوان كارلوس أو لم يلتق، بالنسبة إلي كمتلقي عربي مش كتير مهم، المهم هو إعطائي صورة مغايرة كلياً عما كان يحدث في تلك الفترة، أود أن أستمع من الأستاذ سمير إلى تعليقه حول هذه المسألة بالتحديد، يعني إعطاء صورة عندما نقول أننا أسقطنا مئة طيارة أو تسعين طيارة أو ثمانين طيارة والحقيقة هي 180 درجة مخالفة لذلك، يعني على ماذا يدل ذلك برأيك؟سمير عطا الله: الحقيقة يجب أن نميز بين التضليل والاستنهاض مصر عاشت تجربة قناة السويس هُزمت عسكرياً، لكنها ربحت شعبياً وأسقطت إيدن وهزمت العدوان الثلاثي، لكن التجربة عندما تكررت في العام 1967 تبين ليس فقط أن الشعب المصري قد خُدع، ولكن أيضاً جمال عبد الناصر كما يقول الأستاذ هيكل في تأريخ اللحظات الأخيرة، وأنا أعتقد أنه في تلك اللحظة في تلك الأيام الحالكة لو أن الشعب المصري بدل أن يبلغ بإسقاط الطائرات وإحراق الدبابات في سيناء لو أُبلغ بالحقيقة لتعاطف مع دولته ومع جيشه ولأقدم على الهجوم عارياً على إسرائيل، ولكن الشعب المصري في النهاية خُيّب كما خيب جميع العرب عندما كُشفت الحقائق وحلّت بنا الهزيمة، ولا نزال إلى الآن نعتبرها وأنا ضد ذلك نعتبرها مفرقاً تاريخياً يجب أن ننسى الهزيمة، المشكلة الأخرى كما قال الدكتور سيار أن الصحافة أو الصحفي يجب ألا يكتب التاريخ، الصحفي ليس مؤرخاً التأريخ عملية صعبة جداً، عملية تتطلب أولاً وقبل أي شيء الموضوعية، وهذا يعني الأستاذ هيكل يدعي الموضوعية، الأستاذ هيكل له موقف قديم وهذا طبعاً ليقال مديحاً فيه لم يغير في ذلك ولكن الدهر تغيّر، الدنيا تغيرت، العالم تغير، فإذاً إذا كان للمؤرخ أن ينظر إلى كل التطورات التي حدثت بعين واحدة لا يمكن إطلاقاً أن يكون موضوعياً، يعني هناك صحفيون كثيرون أو مؤرخون في الغرب مثل بول جونسون جمعوا بين الصحافة وبين التاريخ العمل التاريخي ولكن خرجوا من ثيابهم لم يخرجوا من أسلوبهم، الأستاذ هيكل له أسلوب وطريقة في الكتابة ولكنهم خرجوا من مواقفهم المسبقة حيال التاريخ، التاريخ لا يقبل بموقف واحد ولا بصورة واحدة ولا برؤية واحدة لأن التاريخ مجموعة أحداث يعني متقابلة أو متناقضة أو متعاكسة، الأستاذ هيكل للأسف الشديد كتب التاريخ أو روى الآن يعني خرج من عملية الكتابة لأن الكتابة يمكن أن تناقش بالحجج بالوثائق..
الفرق بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ
مهند الخطيب: هي هذه النقطة أستاذ سمير يعني مسألة رواية التاريخ باعتباره شخص عاش تلك الأحداث التي يتحدث عنها، ما الضرر في ذلك دكتور كرم إذا كان الشخص قد عاش هذه الأحداث فعلاً، ورواها من وجهة نظره؟كرم جبر: طبعاً هناك فرق كبير بين كتابة التاريخ وقراءة التاريخ، وبعدين كتابة التاريخ لا بد أن يكون الكاتب محايد أنا لي تحفظات طبعاً الأستاذ هيكل كاتب صحفي كبير واسم مرموق في الصحافة المصرية والعربية، ولكن لي بعض التحفظات على هذا المنهج من التحليل أو على هذا المنهج من كتابة التاريخ، أولاً الأستاذ هيكل في كثير من الأحيان يعتمد على أساليب الفرقعة الإعلامية ويعطي بعض المواقف يعني حجماً أكبر من حجمها بكثير، على سبيل المثال منذ سنتين أو تلات سنين الأستاذ هيكل عمل ضجة ضخمة جداً بدعوى أنه يعتذر عن الاستمرار في الكتابة، يعتذر عن الاستمرار في الكتابة يستأذن في الانصراف وتعبير براق جداً وطلّع كتاب اسمه أستأذن في الانصراف، بعده بسنة أو بسنتين عاد للكلام في إحدى القنوات الفضائية، طيب ماهْو الكلام هو الصورة المطبوعة للكتابة لكن هذه المرة لم يستأذن في العودة إلى الكلام دي نقطة، النقطة التانية الأستاذ هيكل ليه نوع من الجاذبية في الحوار يعني أنا استخدمت تعبير قلت نوع من التنويم السياسي يعني القارئ إذا لم يكن منتبهاً بكل حواسه..مهند الخطيب: كتبت هذا في مقالك في روز اليوسف الأخير..كرم جبر: أيوا إذا الكاتب إذا المستمع لم يكن منتبهاً لما يقوله هيكل هيخضع لعملية تنويم لأنه ليه جاذبية ويجيد توظيف الأحداث, ويجيد توظيف علاقاته ويجيد توظيف روايته في الاتجاه الذي يريده محمد حسنين هيكل وليس في اتجاه الحقيقة، الأستاذ هيكل لم ينصف إلا فترة حكم جمال عبد الناصر من حقه ولا عيب في ذلك، ولكن يعني يقيّم كل كتابة التاريخ بعد أو كل كتاباته بعد كده في أنه انهيار وتردي وخراب وكأن هذه الأمة لم تعش إلا الفترة الناصرية، جميل جداً إني أنا أشيد بالفترة الناصرية، ولا بد.. لكن لا بد أن تكون لي عين صادقة في انتقاد وكتابة الفترات الأخرى، حتى رجال الرئيس عبد الناصر بعد وفاته لم يسلموا من محمد حسنين هيكل، ولو سمعنا شهاداتهم واحد واحد نجد إنهم تلقوا طعنات وصفعات، وأن الذي مهد طريق الحكم للرئيس السادات كان محمد حسنين هيكل وقال له لازم تخرج للشعب وتقول أنت مع الديمقراطية وهم مع الديكتاتورية، وبعد مرور فترة انقلب على الرئيس السادات انقلاباً كبيراً..مهند الخطيب: يعني لا أود أن أركز يعني بشكل كلي على الأستاذ محمد حسنين هيكل في هذه الحلقة أود أن أتحدث عن جوانب أخرى، ولكن تطرقنا إلى هذا الموضوع بمناسبة الحديث عن كتابك دكتور سيار، بعد الفاصل سأتابع الحديث عن مسألة ما يسمى بالتضليل وأود أن أتحدث عن ما يصفه البعض بالإعلام الملتزم، هل هناك بالفعل شيء يسمى بالإعلام الملتزم أم لا؟ سنأخذ رأيك ورأي الإخوة المشاركين معنا، مشاهدينا فاصل قصير نعود بعده لمتابعة هذا الحوار ابقوا معنا.[فاصل إعلاني]مهند الخطيب: أهلاً بكم مشاهدينا من جديد في حلقة هذا الأسبوع من برنامج تحت الضوء نتحدث عن ظاهرة التضليل في الإعلام العربي.
================================
هيكل والتاريخ البلاستيك (1 – 2)
علي عبود معدي
سبق لي أن قرأت مقتطفات من بعض كتب ومقالات الأستاذ محمد حسنين هيكل وخصوصاً (بصراحة) لكن أول كتاب من كتبه قرأته كاملاً كان: (حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر)، وقد دهشت من أسلوب هيكل الذي اتبعه في رصد وتحليل أحداث واحدة من أكبر الأزمات التي مرت بالأمة العربية والإسلامية بل بالعالم بأكمله، كما تعجبت من طريقة الأستاذ في عرضه لتاريخ ذلك الحدث الكارثة!!. حيث تحرر الكاتب الكبير من قيود التوثيق والتحقيق فكان كتابه ذاك أشبه بعمل روائي أكثر منه تحليل سياسي ورصد تاريخي لحدث مهم.
وكان هيكل قد أصدر هذا الكتاب باللغة الانجليزية من قبل وبشكل مختلف بعض الشيء بما يتناسب مع القارئ الغربي واهتماماته، نشرته دار Collins Harber التي يملكها الناشر اليهودي المشهور روبرت مردوخ. وقد قوبل الكتاب بإهمال تام من قبل الصحافة العالمية في بداية الأمر، إلى أن علق عليه الكاتب الصحفي والمعلق السياسي ديفيد برايس جونز في الصندي تايمس – المملوكة لمردوخ أيضاً – تحت عنوان: (أحلام اليقظة)، وقد سخر من الكتاب والكاتب فكان مما قال: (.. وفي عرضه للمناورات الدبلوماسية للحملة يقدم هيكل اسكتشات شيقة بل مسلية عن زعماء العالم وهم يهرعون للتليفون يبثون مخاوفهم وحساباتهم لبعضهم البعض وهو لا يقدم أي مصدر لهذه المحادثات الخاصة التي لا يمكن التحقق من مصداقيته عنها، ولكن لا ضير فالأمر لا يخرج عن هذا الذي تخيله هيكل!!).
عندما قرأت تعليق جونز لأول مرة في كتاب (الفضيحة) للاستاذ محمد جلال كشك – رحمه الله -، وجدته منصفاً ومحقاً فيما قال وموافقاً لانطباعي عندما فرغت من قراءة الكتاب. وقد تناول الأستاذ كشك هذا الكتاب بنسختيه الإفرنجية والعربية بالنقد والتحليل ففنده تفنيداً موثقاً، وذكر القارئ بما سبق له من مراجعات على كتب هيكل وخصوصاً ما يتعلق بتاريخ الحقبة الناصرية، حيث أفرد فصلاً كاملاً في كتابه عن ثورة يوليو بعنوان: (التاريخ البلاستك وهيكل..) والكتاب بأكمله وبصفحاته السبعمائة – وكما يقول المؤلف -: (يدور أساساً حول تزوير هيكل للتاريخ..) وقد جاء هذا الكتاب استكمالاً لما بدأه الأستاذ جلال كشك في كتابه المشهور: (كلمتي للمغفلين) الذي قرر فيه أن يقول كلمته لهذه النوعية من الناس بعد أن هاله ما تزخر به كتب الناصريين من صنوف التجهيل والتضليل، متعهداً ب:
٭ ألا يقدم واقعة واحدة غير مثبتة المراجع.
٭ أن يعتمد بالدرجة الأولى على شهادات الناصريين.. والمصادر الأجنبية التي لا تحتمل الشك.
وللرد على السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن القارئ: لماذا التركيز على هيكل؟ يجيب المؤلف: (ليس للمكانة التي احتلها هيكل في العصر الناصري – تلك المكانة التي تشكل في حد ذاتها سؤالاً ضخماً بل عريضة اتهام حافلة للنظام الناصري – ولا لأنه هو المتصدي الأكبر للترويج للناصرية، بل لأنه أحد الحلقات الرئيسية في العلاقة الأمريكية – الناصرية..) وقد جاء في كتاب (حبال الرمال) لولبر كراين إيفيلاند ممثل البنتاغون في صفقات السلاح مع مصر في عهد عبدالناصر.. إن المخابرات المركزية الأمريكية قد جندت هيكل منذ بداية الخمسينيات. وهو ما دفع جلال كشك إلى أن يعبر عن غضبه الشديد لسكوت محمد حسنين هيكل، على هذه الاتهامات الخطيرة، فلم يقاض مؤلف ولا ناشر الكتاب. ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، فقد وجه بعض زعماء وكُتاب وساسة، ذات التهمة إلى هيكل، الذي لاذ بالصمت أو قدم تبريرات لا تقنع أحداً. كتب السيد رائد العطار – أحد الضباط الأحرار – مقالاً في جريدة الأهرام، العدد الصادر بتاريخ 23 أغسطس 1977م تحت عنوان: (الموقف الراهن) فقال: «.. والذي يقرأ التحريضات اللفافة الدوارة للسيد (بصراحة) الناصري محمد حسنين هيكل ضد أمته، ويتذكر ما كان يكتبه ضد واشنطن لحساب جمال عبدالناصر، مما يصعب الخلاف بين مصر وأمريكا يومئذ، وسوف يدهش – حقيقة – من هذه العلاقة المقلقة في شخص السيد (بصراحة) أو في أمثاله، وذلك عندما يقرأ على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبه رجل المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند من علاقة السيد (بصراحة الناصري) بالمخابرات المركزية الأمريكية، في الوقت الذي كان يهاجم فيه أمريكا، هذه العلاقة التي كشف عنها الرئيس السوفيتي نكيتا خروتشوف في مواجهة تاريخية أمام جمال عبدالناصر، وقد اتهم هيكل بأنه قبض من المخابرات الأمريكية مبلغاً حدده له بشيك ذكر رقمه وبتاريخ محدد….). ولم يكذب الأستاذ هذا الاتهام ولم يرد على الجريدة أو الكاتب. وفي السياق ذاته يؤكد الدكتور سيار الجميل – أستاذ التاريخ في جامعة الموصل وفي عدد من الجامعات العربية والكندية – أن:.. في الأرشيف قضايا كثيرة لهيكل لو استخدمت استخداماً عادياً فستصيب منه مقتلاً.. ذلك أن جملة كبيرة من الوثائق تتضمن معلومات خطيرة عنه، وأن هناك مادة أرشيفية هائلة يمكن أن تستخدم ضد هيكل بسهولة تامة.
ويعتقد الباحثون الأكاديميون بأن كلاماً قاله كل من: محمد نجيب ومايلز كوبلاند وخروتشوف.. لم يصدر كونهم حقدوا عليه أو حسدوه، فلقد اتهمه الرئيس محمد نجيب بالخيانة لحساب دولة أجنبية. (كتابه: كلمتي للتاريخ).. كما اتهمه مايلز كوبلاند بالعمالة المخلصة.. كما اتهمه خروتشوف بالتهمة نفسها، وذكره بالمبالغ والشيكات التي تسلمها من وكالة المخابرات المركزية في اجتماع كان يعقد في موسكو أمام جمال عبدالناصر، مما اضطر هيكل إلى أن يقفل راجعاً إلى مصر في اليوم الثاني من الرحلة!.
ويورد حسنين كروم في كتابه مقاطع من حوار أجرته مجلة الحوادث الللبنانية مع اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر اثر سقوط النظام الملكي عام 1952م والذي أبعد عن الحكم عام 1954م من قبل عبدالناصر: أنه رفض أن يقابل محمد حسنين هيكل أربع مرات لأن معلومات زوَّده بها جهاز الاستخبارات المصرية تقول بأن هيكل هو عميل لدوائر المخابرات..
لعل أبرز ما يمكن أن يهتم به الباحثون والدارسون في قابل الأيام: مسألة التهم التي وجهت إلى هيكل من قبل أكثر من جهة وطرف، حول ارتباطه بالمخابرات المركزية الأمريكية.. والتي لم يدافع عنها الرجل دفاعاً قوياً! وبرغم عدم وجود مستندات قوية بيد خصومه، فقد كان عليه أن يكون أقوى مما بدا عليه.. إذ وجدته ضعيفاً إزاء ذلك! فلماذا يهرب من وجه خروتشوف مثلاً؟ ولماذا لم يذكر قيمة الأجور التي تسلمها من الصحف الأمريكية لقاء نشر مقالاته فيها؟ ولكن الأمر الملفت للنظر، أن هذه التهم التي حبكها خصومه ضده.. لا تختلف في شيء من الأشياء عن التهم التي كان قد نسجها هو نفسه ضد كل من أساتذته في المهنة: علي أمين ومصطفى أمين.. (سيار الجميل – تفكيك هيكل – مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل).
(يتبع)
========
هيكل والتاريخ البلاستيك (2)
وبالرغم من أن هيكل كان لسان الثورة الاشتراكية وعلى رأس المبشرين بقيمها التي تقوم على أسس العدل والمساواة والقضاء على الاقطاع والثراء غير المشروع.. الخ!! إلا ان هيكل لم يكن ملتزماً بتلك القيم فقد كان يعيش – بسبب قربه من الثوار وتأييده للثورة – عيشة الباشاوات بل السوبر باشاوات، جاء في صحيفة أخبار اليوم العدد الصادر يوم السبت 10 ديسمبر 1977: (إن محمد حسنين هيكل أغنى اشتراكي في مصر. له عزبة يمتلكها في الهرم، وله شقة مطلة على النيل بها ست عشرة غرفة. وله شقة في الاسكندرية، وله يخت يملكه على شاطئ المعمورة..) ويقول الأستاذ عمر التلمساني – رحمه الله – الذي أورد هذا الخبر في كتابه: (قال الناس ولم أقل في حكم عبدالناصر) الصادر بعد نشر الجريدة للخبر بثلاث سنوات: (ولم يكذب هيكل حرفاً واحداً من هذه الاتهامات التي تمس الأمانة والذمة الطاهرة في صميمها. هيكل الذي كان قبل اتصاله بعبدالناصر، لا يملك إلا مرتبه التافه، وثمن الإعلانات التي كان يكتبها أحمد عبود باشا رحمه الله، هذا هو المستشار الصحفي للزعيم المفدى بالدم والروح والمال، من كل ممخرق مأجور).
بعد كتاب هيكل عن حرب الخليج أخذت في متابعة كتاباته في عدد من الصحف العربية وخصوصا مقالاته الطويلة التي كتبها في جريدة السفير اللبنانية بداية عام 2002 تحت دفاتر أزمة. وإذا كانت التفسيرات التي قدمها للأحداث التي حاول معالجتها في تلك المقالات غريبة بعض الشئ إلا أن الروايات التي أوردها عن الزعماء الذين تحدث عنهم أكثر غرابة بل ويصعب تصديقها ومن ذلك لقاؤه المزعوم مع الملك فيصل -رحمه الله- في فندق فلسطين بالإسكندرية في شهر يونيه 1971، والذي زعم أنه طال أكثر من ساعتين(!!)، وحديث الملك لهيكل «طال عمره» عن شاه إيران محمد رضا بهلوي، لأني متأكد بأن الأستاذ هيكل هو آخر من يمكن أن يتحدث معه الفيصل في شأن مثل الذي أورده هيكل في تلك القصة، لكنه الأسلوب الذي يتبعه هيكل في روايته للأحداث التي عاصرها، فهو يقحم نفسه في كل شئ ليظن القارئ أن هذا الرجل إذا لم يشارك في صنع الحدث فلا بد أن يكون شاهدا عليه.
يقول البروفسور سيار الجميل: ان سر عقدة هيكل أنه يتوهم أنه يكشف أسرارا لم يكشفها سواه ولم يكن يعرفها غيره، وأنه صانع تاريخ لا كاتبه فقط، وأن الزعماء العرب لا دراية لهم من دون أن يوجههم محمد حسنين هيكل! وانه مستودع أسرارهم وحركاتهم وسكناتهم، وهو يعرف مخادع نومهم وتفصيلات برامجهم ومناهج بروتوكولاتهم، لقد توضح لنا الآن عند نهايات عمر محمد حسنين هيكل ورؤية نتاجاته، مماكتبه من الأسرار والمعلومات والأفكار والأخبار والآراء التي قالها وحكاها له زعماء عديدون لم ينشرها في حياتهم، إنما أبقاها -إن كانت صحيحة كما يدعي- كي ينشرها بعد وفاتهم واحدا بعد الآخر، ومنهم: جمال عبدالناصر ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران أنور السادات والملك حسين بن طلال والملك الحسن الثاني وغيرهم من الزعماء والمسؤولين العرب وغير العرب.. وهو الآن، ينتظر أجل أحد من الزعماء العرب في دولة عربية كبيرة أو أكثر من دولة كي يبدأ بنشر تفصيلات وأسرار سياساته، وطبيعة علاقاته.، ثم يكرس الصفحات الطوال لتدبيج لقاءاته به، وما حكاه إليه، وما ساقه عنه..إلى آخره من البضاعة المعهودة.. ناهيكم عن دور هيكل في رسم طريق تلك الدولة فضلا عن دوره في الكشف عن أسرار زعيمها وعلاقاته وارتباطاته وزياراته! وعليه، لماذا تمكث المعلومة الخطيرة حسب ما يراه هيكل، طويلاً في أرشيفه الخاص ولا يفكر بنشرها إلا حين يكون شهودها غائبين.
يضع هيكل نفسه باستمرار في مركزية الأشياء محاولاً أن يضع الآخرين من حوله مهما بلغت قيمة ذلك الآخر؟ انه دوماً يختارهم أو بالأحرى يلتقطهم من ذوي الكاريزمات التاريخية الباهرة.. وسرعان ما يضعهم جميعاً في نقاط خلاف سياسية معه، بعد أن يجعلهم مهتمين به أشد الاهتمام وان لا عمل لديهم إلا السعي لملاقاته والتحدث إليه ساعات وساعات.. وانه يستجيب لذلك من خلال المهام الموكولة إليه، يدخل معهم في جدل مصوراً إياهم كونه في مستواهم.. فيعطي لنفسه الحق في أن يجيبهم بحدة!! كما ويحرص على أن يشعر القراء أنه يعرفهم منذ زمن طويل وان ثمة ذكريات يحملها حتى عن مشتريات خاصة بهم من أحد أسواق القاهرة.
كان لابد من التذكير بهذا الأمر في الوقت الذي يقدم الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل تحليلاته وذكرياته ورؤاه عبر قناة الجزيرة التي سبق له أن اتهمها بالتطبيع مع إسرائيل؟؟!!.
==================
حكايات اسبوعية
بقلم: محمد علي إبراهيم
أنا صح .. وأنت غلط
هذا العنوان هو ببساطة شديدة تلخيص لحال المثقفين والأحزاب والصحافة والصحفيين والعمال ورجال السلك القضائي بل حتي داخل تيار الإخوان المفروض انه متحد!! وتعالوا نقارن مواقف المؤيدين والمعارضين من أشياء كثيرة.. فإذا كتبت أنا – أو غيري – نشيد بالحزب الوطني فأنا “عميل” و”انتهازي” ومجند لخدمة أمانة السياسات ويذهب البعض إلي تصنيفي من الحرس القديم أو الجديد.
أما إذا كتبت ضد “الوطني” فأنا شجاع ومناضل ووطني وفي الخنادق الأمامية.. ورغم أن الصحافة هي مهنة رأي ورأي آخر إلا أن كل من يعملون فيها ينظرون إلي الآخر علي انه عدو مبين وشيطان رجيم وإذا لم يكن خائنا فإنه عميل. وطالما انه صحفي “قومي” فلنصنفه أولاً علي انه العدو رقم “1″ وانه بتاع الحكومة.. ثم ليكن بعد ذلك ما يكون.. لا يريد زملاؤنا الاعتراف بأي رأي مخالف لرأيهم لأنهم أرشد منا وأرجح عقلاً وأكثر خبرة.. وبالتالي فنحن لا نعرف مصلحتنا عندما نكتب ما نكتبه.. ولا يفكر أحد من أصحاب العقل الراجح اننا نكتب ما نكتبه ونحن مؤمنون به.
ولأن الصحفيين الواقفين في المعسكر الآخر يرون اننا مازلنا علي تمسكنا بمبدئنا. تجدهم يصنفوننا علي أن بعضنا من أنصار الحرس القديم والآخر من أتباع الحرس الجديد بالحزب الوطني.. وذلك من أجل الايحاء بأن الحزب الحاكم ليس علي قلب رجل واحد. وبالتالي الايهام بأن هناك تيارات متصارعة كل له أتباعه ومؤيدوه و لإشاعة مناخ من عدم الثقة بين الصحافة القومية والحزب الوطني واللعب علي التفرقة بين الصحفيين وتوغير صدور أبناء المهنة الواحدة ضد بعضهم البعض.
والانتصار لرأي واحد ليس مقصوراً علي الحزب الوطني فقط ولكنه موجود بجميع الأحزاب مع فارق جوهري أن الخلافات داخل الحزب الوطني كما تصورها الصحف المعارضة تظل دائماً تحت السطح ولا تستخدم الضرب تحت الحزام. أما في الأحزاب الأخري فتكون الخلافات فيها بالرصاص أحياناً كما حدث في حزب الوفد بين أنصار نعمان ومؤيدي أباظة.. وبالانشقاقات حينا آخر مثلما يحدث في التجمع والناصري.
وإذا ابتعدنا عن الصحف والأحزاب ومع إصرار كل فريق علي اتهام الآخر بأنه علي خطأ وهو الوحيد علي صواب. سنجد نفس الحال مع القضاة أصحاب المقام الرفيع.. فالقضاء مثلاً منقسم بين المجلس الأعلي للقضاء وبين نادي القضاة فالأول متهم بأنه حكومي ولا يتمتع بالاستقلال والثاني تحالف مع كل قوي المعارضة في مصر واستقطب صحفاً بعينها تعبر عن رأيه واستحكم العداء بين النادي من جهة وبين وزارة العدل والمجلس الأعلي للقضاء من جهة أخري مع انه لا فرق بين قاض وآخر إلا بالمهارة والدقة في تطبيق القانون والالتزام بروحه. لكن الاحتقان الذي جعل الصحفي يقف ضد زميله ويفتح عليه النيران. واضطرار الآخر للدفاع عن نفسه.. هو أيضا الذي جعل رجال الحزب الواحد ينقسمون علي أنفسهم. وأدي إلي تبادل رجال القضاء الاتهامات رغم انه من المفروض انهم أول من يحترم قدسية الأحكام.
ان المجتمع المصري مطالب أكثر من أي وقت آخر باحترام الآراء البناءة. وإذا كان هناك معارضة لرأي أو حزب أو سياسيين فلماذا لا يكون هناك أكثر من رأي تناقش كلها علي مائدة حوار ويتمسك كل برأيه دون أي تجريح للآخر واتهامه بالعمالة والخيانة وانه ضد مصر وصديق للفاسدين والمفدسين.
الأهم من ذلك كله اننا وصلنا إلي مرحلة من أخطر المراحل وهي عدم الثقة بالأحكام القضائية واشاعة مناخ من التشكيك في سلطة هي الأعلي والأكثر ثقة في نظامنا.
تشكيك
لقد دخل رجال الأعمال اللعبة. ولأن سوق البيزنس فيه خصوم وأصدقاء. فقد استطاع البعض تجنيد بعض الأقلام له وللدفاع عنه ضد اللوبي الآخر الذي يتمتع أيضا بكتيبة صحفية تناصره وتتهم الآخرين انهم علي الباطل سائرون.
هذا التكتل أو التشيع لرأي دون الآخر زاد من مناخ العداء في الشارع المصري وفي الوقت ذاته زاد مناخ المجاملات.. فكما أن الخصوم يتقاتلون ويتعصب كل منهم لرأيه فان الأصدقاء أيضا يتحالفون ويجاملون بعضهم بعضا.. فهناك صحيفة أصبحت المادة الأساسية في أحد البرامج الفضائية وذلك لأن أحد كتابها يقدم البرنامج وبالتالي تستأثر الصحيفة بأكبر قدر من الرعاية والدعاية. وفي المقابل يقوم البرنامج باستضافة نقاد “شرسين” لكل ما تكتبه الصحف الأخري وسلخها حية من أجل المزيد من الدعاية.
ونفس الحال حتي في الرياضة تجد من يناصر رئيس ناد ومن يعارضه.. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فالأنصار يحاولون جهدهم طرد المعارضين من النادي أو التضييق عليهم أو رفع القضايا. مع أن الفئتين المعارضين والمؤيدين أبناء ناد واحد..
وأحيانا ما تقرأ لكاتب فتتصور انه مخلص في نقده وانتقاده وتتعاطف معه ثم تفاجأ بأنه يكتب لحساب شخص ضد آخر أو لحساب جماعة في حزب ما ضد جماعة أخري.. وأحيانا أخري تجد صحيفة تتجاوز في النقد وتنهش الصحف القومية نهشاً مؤلماً وجارحاً. وطبيعي أن يرد رؤساء التحرير القوميون وبعضهم أسلحته ماضية وحادة. وهو شيء مطلوب لردع الذين يأكلون لحومنا بغير حق..
إن أخطر ما أشعر به إزاء حالة التحزب والتشيع والاستقطاب الحاد في مصر هو أن السند الوحيد للناس الذي كان من المفترض أن يلوذوا به ويقتنعوا به. وهو القانون. لم يعد يحظي بهذه المنعة والحصانة.
المشكلة أن أي معارض يحكم عليه بالقانون لا يقتنع لا هو ولا عشيرته بأن الحكم عادل.. لذلك فان كل المعارضين يرون أن مخالفة القانون حق أصيل لهم متسلحين بمنطق شديد الغرابة. وهو انه طالما أن القانون صادر من الحكومة أو الدولة فمن حقنا معارضته كما نعارض الجهة التي أصدرته!! وفي هذا إخلال بشع بالقانون. لأن هذا ببساطة معناه أن هناك قانوناً للحكومة وآخر للمعارضة.. ويزيد هذا الاحساس رسوخاً لدي كثيرين عندما يأخذ أحد المنتمين للحكومة أو للحزب الوطني براءة. فتهيج الدنيا. مع انه من المفترض أن القانون واحد علي الجميع حكومة ومعارضة.. لكن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج قانونين واحداً للحكومة والآخر للمعارضة!!
د.سيار الجميل يلقي القفاز في وجه الأستاذ:
حوارات هيكل لقناة “الجزيرة”.. فشنك!
مازال كثيرون ينظرون إلي الأستاذ محمد حسنين هيكل علي أنه صنم معبود لا يجوز الاختلاف معه أو التشكيك في رواياته أو الاستفسار عن شهاداته وتخصصه.. الناس تنظر إليه علي أنه المؤرخ الأكبر لتاريخ الشرق الأوسط الحديث فقد عاش أزهي فتراته وخبر أقسي انكساراته.. وحسن حظه أنه يعيش اليوم وسط أجيال أكبرها في الخمسين بينما هو أمد الله في عمره تجاوز ال 84 عاما وبالتالي فهو مستودع ذخائر وكنوز ونفائس المنطقة وهو الأمين عليها ومالك أسرارها وحافظ لمفاتيح كنوزها وذلك لأنه في فترة ما احتفظ بمستندات الفترة الناصرية فتصور الناس أنه يملك الدنيا.
ومؤخراً ساقتني الظروف إلي قراءة كتاب د.سيار الجميل المؤرخ العراقي الأشهر الذي يعيش ويعمل في كندا وكان بعنوان تفكيك هيكل والعنوان موحي لأنه يصور هيكل علي أنه مؤسسة. وهو كان كذلك بالفعل.. لكنه لم يكن مؤسسة صحفية في حد ذاته. وإنما كان مؤسسة ذاتية نجح في ترسيخها وتسويقها في عقول الأجيال المتلاحقة. وكانت النتيجة أنه أساء للتاريخ والباحثين.
من خلال قراءة سريعة لفصول الكتاب عرفت لماذا انتشر هيكل؟ وهذا هو أول سؤال يجيب عنه الكتاب.. انتشر لأنه كان الكاتب الأوحد. ولأن الناس أحبت عبدالناصر وصدقته. فقد أحبت صديقه وصدقته.. لكن هل بالضرورة أن كل ما ينشره هيكل موثقاً؟
يقول د.سيار الجميل إن امتلاك هيكل لوثائق وبرقيات الحقبة الناصرية وأوائل عصر السادات لا يعني أن التاريخ ملكه. فقد زور التاريخ في أشياء كثيرة ولوي عنقه حتي يكتب أهواءه السياسية مغلفة بأحداث تاريخية فسرها كما تراءي له.
يؤكد د.سيار الجميل أن المثقف العربي أو القاريء لا يهتم كثيراً باقتناء عدة كتب في وقت واحد وإجراء مقارنات بين معلوماتها وتواريخها. وبالتالي ظل كثير من القراء المصريين خاصة والعرب بصفة عامة يضبطون علي “هيكل” بوصلتهم ويشيرون إليه باعتباره المرجعية الوحيدة الصادقة.
غير أن الدارسين في الجامعات العربية والأجنبية بدأوا علي حد قول د.سيار في حديث لمجلة المجلة يبنون نظرياتهم وفرضياتهم علي هيكل فقط. وهنا اكتشف أساتذة التاريخ أن الطلبة يعتمدون علي معلومات لا أساس لها من الصحة التاريخية وبالتالي سيجيء وقت تسقط فيه من الذاكرة المعلومات والتواريخ الحقيقية ويظل الباحثون أسري لوهم فرضه هيكل.
د.سيار الجميل قال إن الخيط الأول الذي هداه إلي أن هيكل يفبرك التاريخ ويخلق أحداثاً من عندياته كان عام 1987 عندما كان يرعي بحثا لدكتورة عراقية متخصصة في التاريخ الحديث اسمها سمر ماضي بدأت تبحث في خلفية علاقة اينشتاين العالم اليهودي ومخترع الذرة والعرب. وهل كانت له جهود في إهداء بعض أسرار القنبلة الذرية لعلماء فرنسيين أصبحوا يعملون بعد ذلك في مفاعل ديمونة بصحراء النقب.. وكان لابد في إطار بحثها أن تتأكد من مقابلة هيكل لاينشتاين التي ادعاها في كتابه “زيارة جديدة للتاريخ” خصوصا وأن هذه المقابلة هي الوحيدة المعروفة تاريخياً بين عربي واينشتاين.. سافرت سمر ماضي للنمسا بتكليف من سيار الجميل وظلت تبحث هناك عاما كاملا ولم تجد أدني معلومة تؤكد ذلك واتصلت بالأستاذ هيكل فلم يذكر لها تاريخ المقابلة وقال كلاما عاديا.. سألته عما يتذكره عن الرجل وطريقة كلامه وملابسه وكيف كان يدخن غليونه وهل كان أعسر أم يستخدم يده اليمني وما الذي يتذكره عن حجرة مكتبه ولسوء حظ هيكل كانت الدكتورة سمر ماضي تعرف الإجابات القاطعة عن هذه الأسئلة. لكن هيكل قال لها إنه لا يتذكر.
يقول د.سيار الجميل إنه في هذه اللحظة بدأ “حفرياته” عن حقيقة ما يكتبه هيكل ومدي مصداقيته واكتشف أن معظم مقابلاته وهمية. فكاتب بحجم هيكل كان عليه أن يلتقط عدة صور لاينشتاين أو لميتران أو ديجول أثناء حواره معه وينشرها في كتابه تماما مثلما يحرص علي تخصيص جزء كبير منه للوثائق فالصورة أهم من الوثيقة في أشياء كثيرة.
ويستطرد الجميل في حديثه “اكتشفت أن مشكلته سيكولوجية بحتة فهو يتوهم الأوهام حقائق ويتخيل لقاءات غير حقيقية ويكتب عن التفاصيل بقدرة عجيبة.. فإذا زار فرنسا يختلق دعوة الرئيس ميتران له علي العشاء وإذا زار مدريد يتوهم مقابلة مع الملك خوان كارلوس يسقط فيها البروتوكول وتقاليده وكذلك الحال مع الملك حسين في الفندق الذي اعتاد النزول فيه. دون أن يقدم وصفا أو صورة لغرفة الفندق التي يتم فيها اللقاء.. الأدهي أنه يصف نفسه ناصحا لهم بهدف جعل نفسه في مصافهم كي يفوز بضيافة زعيم آخر.
ويضيف سيار الجميل في حديث لمجلة “المجلة” السعودية أنه يدعي أن ما يكتبه يعتمد اساسا علي الوثائق وهذه كذبة خطيرة أخري فمن خلال خبرتي في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر وفحصي لما قدمه من وثائق بالأسلوب العلمي والتحليلي أقول إن الرجل احتفظ لنفسه بأوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود.
ويستطرد أنه كان عليه أن يسلمها لدار الوثائق المصرية فليس من حق أي إنسان الاحتفاظ بوثائق سياسية.. وهيكل يصور الوثائق ليقول إن عمله وثائقي علما بأنه لا يشير إلي أية أرقام وكتاباته غير موثقة أبداً بالشكل العلمي. وأوضح دليل علي ذلك ظهوره علي شاشة قناة التليفزيون بقناة الجزيرة. ولاحظوا أنه كان يمسك ببعض الوثائق التي أحضرها له موظفو مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي.. مع أن الحقيقة أن مكتبه يقوم ببعض التراجم لبحوث وثائقية غربية ليقول هو إنها وثائقه هو.
وهيكل في رأي سيار الجميل متطفل علي التاريخ الحديث والمعاصر وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته بأنه صحفي وليس مؤرخاً لكنه أقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد.. بل وأطلق أحكاما لا علاقة لها بالتاريخ علي مراحل وعلي زعماء وعلي أوضاع لم يفهمها أبداً.. وأساء إلي كل المجتمعات العربية علي فترات حسبما كانت تتجه بوصلة مصالحه فأساء إلي العراقيين والأردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والإيرانيين. وقبلهم جميعا المصريون دون أن يشعر أنه مذنب.
واستطرد د.الجميل قائلا إن من يتكلم في التاريخ لمصر أو الشرق الأوسط كله يجب أن يحصل علي الثانوية العامة أولاً وليس دبلوم تجارة وعليه أن يكمل دراسته الجامعية في أحد تخصصات التاريخ ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ وإلا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح.. وهذا كله لم يحصل عليه هيكل.. كما أنه يتجاهل ذكر أي مؤرخ مصري أو عربي في كتاباته ولن يمجد إلا بعض الكتاب الغربيين وجعلهم كلهم أصدقاءه وأكل معهم عيش وملح.
ويفجر الكاتب والمؤرخ سيار الجميل مفاجأة أخري عندما يؤكد أن هناك اثنين لم يستطع هيكل نقدهما هما العلامة د.فؤاد زكريا وسيار الجميل ويجهز الأخير كتابا عنوانه تفكيك هيكل الجزء الثاني سيتعرض فيه بالنقد العلمي والمنهجي لكل حوارات هيكل التليفزيونية لقناة الجزيرة علي مدار عامين.
ويتحدي الجميل هيكل ويلقي القفاز في وجهه ويطالبه بأن يرد علي ما يقوله وما يكتبه عنه بطريقة مباشرة ويدعوه للظهور في مناظرة حتي لا يستخدم أسلوب التوريه أو يرد بشكل رمزي أو باستخدام التوريه ولا يعلن للناس من يكون المقصود.. يؤكد أن عليه الرد علي منتقديه بشجاعة لا أن يجري اتصالات ببعض الصحف لتوقف نقد الناس له نظير ثمن يعرفه هو وهم. أو يجري اتصالات ببعض الصحف لتوقف نقد الناس له لقاء اتفاقيات مبهمة.
ويؤكد الجميل أن الكتاب القادم له سيكون تجربة مؤلمة جداً له.. ولن ينفع معه أن يجند آخرين لإلحاق الأذي به كما فعل طوال حياته مع أناس أخلصوا له وعلموه فكان وراء إدخال بعضهم السجن ونفي الآخر وأناس امتعض منهم فأقصاهم عن الأهرام وأخبار اليوم. وأناس فككوا نصه ليجند من يلحق الأذي بهم.
صحافة الشبشب.. والكمودينو!!
في أوائل الثمانينيات أنشأ الأستاذ الكبير محمود عوض لأول مرة مسابقة للجوائز الصحفية وكان سعيداً بالتجربة لأنها الأولي وظهر أن الاحتفاء بها كبير.. وقد فاز الأستاذ عادل حمودة بالجائزة الثالثة في أول دورة.
بعدها بأعوام فوجيء الأستاذ محمود عوض باتصال من أحد القضاة وتصادف أنه كان زميل دراسة له يطلب منه تحويل قضية إليه لا تستطيع المحكمة البت فيها لأن الفصل فيها يتطلب وجود خبرة صحفية طويلة وموضوعية وتجرد. وكان رأي المحكمة كما يحدث في قضايا هندسية أو مالية أو اقتصادية انتداب خبير للفصل في موضوع الدعوي. واستفسر الأستاذ محمود عوض عن طبيعة القضية فقالوا له إنها دعوي أقامها أحد المؤلفين ضد الأستاذ عادل حمودة لأن الأخير نقل كتابه “اغتيال رئيس” نقل مسطرة من كتابه بعنوان “قتلة السادات”.. المؤلف حسني أبواليزيد قال في شكواه إنه لا يمكن أن يكون كتابه وكتاب عادل حمودة مجرد توارد أفكار. فالسرقة واضحة ومكتملة الأركان والجمل والفقرات وعلامات الترقيم الموجودة في كتاب حسني هي نفسها المكتوبة عند عادل حمودة. وكان دليل حسني أبواليزيد الذي لا يرقي إليه شك هو صدور كتابه قبل كتاب عادل بعامين علي الأقل.
المؤلف لم يكن مشهوراً فقد عمل صحفياً بجريدة الندوة السعودية ثم عاد للقاهرة وعمل مراسلاً لها وهو صعيدي من أرضنا الطيبة. لا يترك ثأره ولو طال الزمن ولحسن الحظ أنني زاملته فترة وشقيقه حسونة من أصدقائي المقربين.
جن جنون حسني وهو يقرأ كتاب عادل حمودة وقدم بلاغاً للنيابة مستشهداً بالتطابق الكامل بين النصوص الواردة في الكتابين وكذلك الصور المنشورة للمتهمين.. وما فضح “حمودة” أن حسني عندما ألف هذا الكتاب ذهب إلي السجون وأجري لقاءات وحوارات مصورة مع المتهمين وسجل لهم ما قالوه علي شرائط وبالتالي فكتاب حسني موثق بالصوت والصورة.. ناهيك عن صور حسني مع المتهمين وهو جالس يتحدث معهم في قاعات المحكمة.
المهم أن الأستاذ الكبير محمود عوض عندما قرأ أوراق الدعوي اكتشف أن كتاب عادل “مسروق” بالكلمة والنقطة والفاصلة والحرف. لكنه اعتذر للمحكمة عن إبداء رأيه الفني والمهني في الكتاب لأنه لم يرغب في إهالة التراب علي مشروع الجوائز الصحفية الذي كان يتبناه والذي فاز عادل حمودة بإحداها. ورغم أنه فاز بالجائزة الأخيرة. إلا أن الأستاذ محمود رأي الاعتذار عن التحكيم لحساسية موقفه وحتي لا ينسحب الشك علي جوائز المفروض أنها تعطي لصحفيين مبتكرين نابهين يقدمون أعمالاً أصلية. وليسوا مقتبسين وسارقين لجهد آخرين.
اعتذر الأستاذ عوض لهيئة المحكمة وطلب انتداب خبير آخر للفصل في الدعوي وإعطاء رأي فني ومهني يستند إليه القاضي عند إصدار حكمه.. وهكذا انتدبت المحكمة الأستاذة صافيناز كاظم التي أفتت بأن الكتاب مسروق.. ومسروق.. ومسروق وليس فيه أدني دليل علي توارد الأفكار.. وصدر الحكم لصالح “حسني” لذلك يحرص عادل دائماً علي نسيان قصته المؤلمة مع هذه الفضيحة التي تعرض لها في بداية شهرته. حيث تصور أن اسمه كفيل بأن يجعل الناس تصدق ما يقول اقتداء باستاذه هيكل.
كما كرر “عادل” نفس الفضيحة بعد ذلك عندما سرق بحثاً كتبه باحث تونسي عن هيكل ونقله بالمسطرة أيضاً وكتب كتابه الوحيد عن هيكل الذي قال في صفحته الأخيرة إنه يعد للجزء الثاني منه.. وطبعاً بعد الفضيحة اكتفي بالجزء الأول علي أساس أن خبطة واحدة تكفي.
المهم أنني تذكرت كل هذا وأنا أشاهد أستاذي محمود عوض يتحدث عن حال الصحافة المخزي في برنامج “القاهرة اليوم” وضرب مثلاً بانتقاد إحدي الصحف لوزير سابق فكتبت أنه يحتفظ “بشبشب” خاص لزوجته داخل “الكمودينو” لتقوم بضربه علي صلعته قبل النوم لتهدأ أعصابه ويمارس حياته الطبيعية.
طبعاً كل المشاهدين عرفوا الصحيفة وعرفوا اسم الوزير.. وقال عوض إن كثيرين هو منهم كانوا غير راضين عن سياسة هذا الوزير بالوزارة ولا عن عنفه ولا عن المزايا الضخمة التي كان يمنحها لأصدقائه من أراض وشاليهات ومنتجعات لكن الكاتب الكبير اعترض علي أسلوب النقد وطريقته . فمهاجمة الوزير تكون في سياسته وقراراته أو إهداره للمال العام أو مخالفة القانون. أما صحافة “الشبشب والكمودينو” فهي ليست صحافة علي الإطلاق ومن يمارسها ليس صحفياً.
ويبقي شيء هام علينا أن نعيه وعلي الآخرين أن يعرفوه وهو أننا نملك ترسانة مسلحة وليست مطواة أو شومة أو رجل كرسي ونستطيع أن نجعل الفئران تختبيء في جحورها ولا تخرج منها.. لكننا نلتزم بالقدر المسموح به في النشر حتي الآن. لأننا مازلنا صحفيين.. لكن إذا زاد ضرب الرصاص الفشنك من الفئران. فسأفتح عليهم الماء الذي يغرقهم في جحورهم وأكرر أنه “ماء” لا قبل لكم به.. وهناك ست سنوات عجاف في تاريخ المؤسسة التي شرفتم بالانتماء إليها يكفي أن ننشر بعضا منها. لذلك أرجوكم للمرة الأخيرة أن تلعبوا بعيداً عني وعن المؤسسة العريقة التي لا يرضي أبناؤها بأي حال من الأحوال أن يقودها شخص عليه علامات استفهام من “ساسه لرأسه” مهما حاول في الماضي أو المضارع أو المستقبل.
=================
الجزائري حسين آيت أحمد يرد على حسين هيكل
أحمد نجيم من الدير البيضاء:
في رد هو الثاني على تصريحات الصحافي المصري محمد حسين هيكل بعد عبد الهادي بوطالب، مستشار العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، نفى الزعيم التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية (معارضة) حسين أيت أحمد، ما نقله هيكل على قناة “الجزيرة” حول تواطؤ مغربي مزعوم في تحويل اتجاه الطائرة التي كانت تقل سنة 1956 قادة جبهة التحرير الوطني من مدينة الرباط الى تونس العاصمة.
وقال آيت أحمد، في برنامج على قناة “ميدي1 سات” تبثه اليوم “إنه لم يكن من الوارد نهائيا أن يكون هناك تواطؤ من قبل السلطة المغربية، ما دام أن ولي العهد أبلغ الملك محمد الخامس بتحذيري ومخاوفي بخصوص المخاطر التي قد يتعرض لها الملك”، الذي كان يرغب في أن يستقل نفس الطائرة التي تقل القادة الجزائريين و”اقترحت بنفسي استخدام طائرة ثانية”.
وأوضح آيت أحمد في برنامج تبثه القناة المذكورة حول موضوع “عن تحريف التاريخ: إعادة ارساء الحقيقة”، أن ما نقله هيكل حول موضوع تحويل الطائرة مجرد “افتراءات سخيفة وغريبة”، وأوضح أن”مصالح الاستخبارات الفرنسية، هي التي تقف وراء تحويل اتجاه الطائرة التي كانت تقل خمسة من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية المتجهة الى تونس، نحو الجزائر العاصمة، في22 أكتوبر1956.
وأضاف آيت أحمد في التصريح نفسه الذي حصلت وكالة الأنباء المغربية على تفاصيله قبل البث “تعودت على أن لا أندهش عندما يتم ترويج أكاذيب سخيفة وغريبة هدفها الوحيد هو تزييف الحقائق بشكل تام ” مضيفا أن الأساسي هو “تمكين الرأي العام المغاربي من معرفة الحقيقة”.
وأكد أن الاستخبارات الفرنسية “لم تكن في حاجة الى تواطؤ” مادام انها كانت انذاك متواجدة في كل مكان “في المغرب، في تونس وحتى في القاهرة”. وتزامن هذا الحوار مع حوار كان أدلى به قبل أيام عبد الهادي بوطالب، مستشار العاهل المغربي الحسن الثاني، لجريدة “المساء” وفند خلاله ما قاله هيكل للقناة القطرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق