السبت - 8 شهر ربيع الثاني 1435 هـ - 08 فبراير 2014
عبد الله أنس صهر الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب»:
ثقافة «قطع الرؤوس» من اختراع «القاعدة»
أبو المجاهدين العرب أكد أن الشباب المسلم الذي يذهب إلى سوريا لن يكون آمنا
عبد الله أنس
لندن: تام حسين
في الوقت الذي يشهد فيه الوضع في سوريا مزيدا من التدهور، ويتزايد فيه، في نفس الوقت، تعقد الأمور يوما بعد يوم، تتركز مخاوف المراقبين للموقف على خطر الجهاديين الأجانب الذين سافروا إلى البلد الذي مزقته الحرب للمشاركة في القتال الدائر هناك. ومع اندلاع الفوضى بسبب الأفغان العرب الذين شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، والتي ما زالت أحداثها ماثلة في أذهان الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، يجدر بنا النظر مرة أخرى في التجارب السابقة لأعضاء تلك المجموعة من الجهاديين. كما يعد عبد الله أنس من ضمن القلائل الذين يأتي عبد الله عزام على رأسهم، والذين هم على دراية بتجارب الأفغان العرب.
ويُعد أنس الذي تزوج ابنة عبد الله عزام (أحد الآباء المؤسسين للقاعدة كما يدعي التنظيم نفسه)، هو الرجل الثاني في قيادة مكتب الخدمات في مدينة بيشاور الباكستانية، و«أبو الأفغان العرب» خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي. وقام مكتب الخدمات بتوفير الدعم اللازم للمجاهدين إبان سنوات الحرب ضد الروس. ويبدو أنس فخورا بسجله الجهادي الذي يمتد على مدار عشر سنوات، ويعد أحمد شاه مسعود وأسامة بن لادن من أهم رفقاء السلاح.
وقبل لقائه عبد الله عزام، كان أنس قد شارك في تأسيس الحركة الإسلامية في جنوب الجزائر بالفعل، وعمل مع الإسلاميين البارزين هناك مثل محفوظ نحناح وعباس مدني. بعد أن تلقى تعليمه في السعودية والجزائر، ظل أنس يعمل كإمام لأحد المساجد ومحفظ للقرآن الكريم. وبجانب دراسته للعلوم الدينية، حصل أنس على شهادة في السياسة الدولية من المملكة المتحدة. بدأت رحلته إلى أفغانستان عندما عرف بالصدفة فتوى أطلقها عبد الله عزام يقول فيها إنه من الواجب على كل المسلمين أن يذهبوا للقتال في أفغانستان. وقابل أنس بالصدفة عبد الله عزام في مكة، الذي دعاه للذهاب إلى أفغانستان.
بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان واغتيال عبد الله عزام في عام 1992، أصاب الإحباط أنس بسبب الأفكار التكفيرية التي دخلت إلى أفغانستان مع الوافدين الجدد من أمثال أيمن الظواهري. وقد تركز دور أنس على توفير الاحتياجات اللوجيستية للمجاهدين الأفغان، في الوقت الذي كانت فيه «القاعدة» تتبنى أجندة أكبر. ومع اندلاع الاقتتال الداخلي بين المجاهدين الأفغان، رحل أنس عن أفغانستان إلى الجزائر. لكن انتماءه لجبة الإنقاذ الإسلامية، التي واجهت حملة شديدة من الأجهزة الأمنية بعد نجاحها في الانتخابات، أجبره على العيش في المنفى في فرنسا ثم في المملكة المتحدة.
والآن، يقوم أنس بكتابة مذكراته، كما يعمل مع الشباب على حل النزعات في أفغانستان.
* ما السر وراء الاعتماد على العرب الأفغان بشكل كبير للغاية على النقيض من المقاتلين الأجانب في سوريا؟
- أدركنا أن ذلك الأمر لا يتعلق بحمل أسلحة الكلاشنيكوف أو دعوة المقاتلين للقتال. وأتذكر عندما عدت من رحلتي الأولى التي قمت بها إلى مزار شريف في عام 1984، حيث كتبت تقريرا إلى عبد الله عزام قائلا إننا نحتاج إلى مئات من المسلمين الذين لديهم المهارات الخاصة بأعمال عمال الإغاثة والسياسيين والمستشارين والمرشدين إلى جانب كونهم مقاتلين، بالإضافة إلى وجود اتصال بين الأفغان والعالم الخارجي. وسيكون هؤلاء الرجال مثل سفراء في 29 مقاطعة من مقاطعات أفغانستان. وللأسف أننا أخفقنا في ذلك، ناهيك بأن النتائج قد كانت مختلفة.
* ما أوجه الاختلاف بين المقاتلين العرب الأفغان والمقاتلين الحاليين الموجودين في سوريا؟
- يتمثل الاختلاف في أن معظمهم يذهبون إلى هناك من أجل الاستشهاد. وعندما ذهبت إلى أفغانستان كان الهدف هو تحريرها أو نيل الشهادة، وكانت هذه الفكرة هي التي يقبلها الشيخ عزام ومسعود وبن لادن. وأسهمنا بشكل إيجابي وبنّاء في ذلك الصراع، حيث إننا لم نذهب إلى هناك من أجل نيل الشهادة فقط.
* كيف تتعاملون مع السجناء؟ هل تقطعون رؤوسهم مثلما نشاهد ما يحدث هذه الأيام في سوريا من خلال الـ«يوتيوب»؟
- كان السجناء يتمتعون بحقوقهم كاملة، حيث قدمنا لهم نفس الطعام الذي نتناوله ونفس الملابس التي نلبسها، وكذلك نفس مستوى المعيشة. وبعد مرور عدة أشهر، بدأ الكثير من قوات الاتحاد السوفياتي في الاعتقاد بأنهم ليسوا سجناء بسبب معاملتنا الطيبة لهم. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرنا لهم من خلال سلوكنا معهم أننا لسنا أشخاصا متعطشين للدماء. واعتنق بعضهم الإسلام، في حين ظل البعض الآخر أصدقاء لنا حتى الآن. ومن غير المقبول أن نقوم بإعدام هؤلاء الأشخاص تحت ذريعة أن الله سيغفر لنا بسبب مدى خطورتهم. وتكون هناك مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بقتل السجناء، حيث يتعين عرضهم للمحاكمة وإصدار أحكام عليهم لأنه من غير الممكن تقرير من الذي يستحق الموت ومن لا يستحق إلا بعد فهم حالتهم. وللأسف، فإن هذه الثقافة اندثرت الآن. وأعتقد أن المسؤول الأول عن ذلك هو تنظيم القاعدة.
* يبرر الكثير من الأشخاص ارتكاب الأعمال الوحشية بسبب الصدامات والضرر الذي تسببه الحروب، فهل توافق على ذلك؟
- لقد سمعت عن هذه الحجة، حيث يجب علينا أن نتفهم أن المقاتلين يرتكبون تلك الأعمال الوحشية بسبب الضرر الذي تسببه لهم الحروب، بيد أن هذا الأمر يتعذر تبريره. إنني مقاتل منذ كان عمري ثماني سنوات وأعرف مئات المقاتلين، بعضهم دمر 300 دبابة، في حين أنهم لم يرتكبوا أي أعمال من هذا القبيل. ولا يعاني المقاتلون ضغوط ما بعد صدمة الحروب، بل يظلوا هادئين ولا يعانون أي أحلام مروعة. إنني لا أؤمن بهذا الأمر، حيث إن صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يتعرضوا لهذا الأمر على الإطلاق على الرغم من الحروب التي خاضوها.
* بعض المحللين يلقون باللائمة على الأفغان العرب بشأن جميع العواقب التي نراها الآن. هل تتفق مع هذا التقييم؟
- لا أوفق على هذا التقييم. قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، كان تنظيم القاعدة معروفا عادة باسم «الأفغان العرب». أنا مؤسس «الأفغان العرب»، وأستطيع أن أقول لك إنه كان هناك 300 مقاتل فقط هم الذين يقاتلون باستمرار من بين إجمالي المقاتلين الذين يتراوح عددهم ما بين 3000 و4000 شخص. وكان أغلب هؤلاء المقاتلين في بيشاور، حيث يقومون بأعمال القيادة والتدريس والإدارة وما إلى ذلك. ووفقا لما يراه آباؤنا أو وسائل الإعلام فإننا مجاهدون، ويوجد في بيشاور الأميركيون والبريطانيون والقنصليات الدولية ومنظمات الإغاثة، حيث إننا كنا نعمل معهم. وكان مصطلح «الأفغان العرب» مبالغا فيه لأن الأنظمة مثل نظام مبارك قامت بتصنيفنا على أننا خطر أمني.
* نشأت حركة الشباب عن طريق الأفغان العرب، أليس كذلك؟
- يجب أن نقسم الفترة إلى ثلاث فترات مختلفة. ففي خلال الفترة من عام 1979 إلى 1992، شهدت أفغانستان جهادا مشروعا. وفي الفترة من عام 1996 إلى 2001، كانت هناك حرب أهلية. ومنذ ذلك الحين، 2001، حتى الوقت الحالي تعد تلك الحقبة التاريخية مختلفة. وكانت أفغانستان تواجه حربا أهلية ولم تكن خاضعة لأي احتلال من أي قوى أجنبية. وفي حالة الحرب الأهلية، يأمرنا الله أن نسعى لحل الأزمة، وبخلاف ذلك، فيجب علينا ألا نكون طرفا في هذا النزاع.
* هل تشرح لنا الاختلاف بين رؤية عبد الله عزام ورؤية تنظيم القاعدة؟
- ما كان الشيخ عبد الله عزام ليقبل على الإطلاق الأمور التي تحدث في الوقت الحالي. وعندما قام الصحافيون الغربيون بزيارة أفغانستان، قال الشيخ عزام إن أي صحافي غربي أو عامل إغاثة أو مسؤول رسمي أو غير رسمي جاء إلى هنا بموجب دعوة يعد أمانة في أعناقنا ويجب علينا الحفاظ عليه. وكان يوجد الكثير من الحكومات الغربية والعربية في بيشاور، بيد أن الشيخ عزام لم يأمرنا على الإطلاق بمضايقتهم، حيث كانت مهمتهم هنا تتمثل في مساعدة الأفغان مثل مهمتنا أيضا. وعلاوة على ذلك، لم يحدث أي تعرض للقنصليات الشيوعية في باكستان لأن المعركة كانت داخل الخنادق، بينما كانت المنازل والسيارات والنساء خارج ميدان المعركة آمنة. وللأسف لم يكن الأمر كذلك مع تنظيم القاعدة.
* هل جرت إساءة استخدام أفكار عبد الله عزام؟
- كل شخص يستخدم أفكار عزام للتجنيد سيجيب عن ذلك السؤال في المستقبل، حيث إنهم يتعاملون بدقة مع رسالته. وقد شاهدت مقطعا مصورا على شبكة الإنترنت يقول فيه عزام: «نعم، إذا كان الدفاع عن وطنك إرهابا، فإننا نفتخر جميعا بأننا إرهابيون». وبالإضافة إلى ذلك، كنت موجودا في محاضرة لمدة ساعة واحدة بقرية بنجشير، حيث كان عزام يرد على مسألة تسمية السوفياتيين لنا بأننا إرهابيون بسبب دفاعنا عن أفغانستان. وقد جرى تفسير هذا الأمر خارج السياق الذي ذكر فيه، مع تطبيقه على جميع الأعمال الإرهابية التي تُرتكب الآن. وعلى الرغم من ذلك، يجب أيضا أن نتذكر أن الظروف السياسية في جميع أنحاء العالم تدفعهم للإصرار على صحة أفكارهم.
* الكثير من الذين ينضمون لتنظيم القاعدة في الوقت الحالي يفعلون ذلك اقتداء بمثال عبد الله عزام، فهل تُطبق أفكاره الآن؟
- إذا قال لي شخص إنه يريد أنه يذهب للقتال في الصومال أو سوريا أو وزيرستان في الوقت الحالي، فسوف أنصحه بعدم فعل ذلك. لقد رحلت إلى أفغانستان عندما كانت الظروف آمنة، حيث كانت القيادة الأفغانية تقاتل عدوا واضحا وهو الاتحاد السوفياتي. لقد طورت مجموعة المجاهدين الأفغان علاقة صداقة مع بلاد الغرب، حيث كانت لها مكاتب في كل العواصم الغربية والخليجية. كانت ممارسة الجهاد تقوم على معناه الإسلامي، ولم يكن هناك وجود لفلسفة الكراهية وسفك الدماء. كما جرى الاعتراف بعبد الله عزام أميرا للمجاهدين من الأفغان العرب، وكان يقوم بزيارة سنوية للولايات المتحدة وأوروبا وشارك في جمع الأموال اللازمة لدعم الجهاد في أفغانستان. لم يتبنَ عبد الله عزام مطلقا أفكار الاختطاف أو التفجيرات الانتحارية. ولأن أفكار عبد الله عزام لم يعد لها وجود، أشعر بقلق كبير من أن الشباب المسلم الذي يذهب إلى سوريا لن يكون آمنا، حيث سيجري استخدامه فقط من أجل الإطاحة ببشار الأسد. هناك الكثير من أجهزة الاستخبارات التي تستغل النيات الحسنة لأولئك الشباب، كما أن «القاعدة» لم تعد تطبق نفس المنهجية التي ظهرت على أساسها. إنني أتعجب: لماذا ينفذون هجمات تفجيرية ضد الناس في بريطانيا؟ الجهاد لا يعني نشر الكراهية. في الماضي، كان المرء يذهب للقتال والجهاد، فإذا لم ينل الشهادة يعود لممارسة الحياة المدنية العادية من دون أن يضمر أي مشاعر كراهية تجاه أحد. أما الآن، هناك عمليات غسيل للمخ يجري خلالها الثناء على القيام بعمليات انتحارية خارج نطاق الجهاد الحقيقي.
* ما مستقبل الجهاد على المستوى العالمي؟
- يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حديث فيما معناه «الجهاد باق إلى قيام الساعة»، لكن الدعوة إلى الجهاد يجب أن يجري إطلاقها في سياقها الصحيح. وقد قسم ابن قيم الجوزية الجهاد إلى أربع مراتب، والتي يعادلها في الوقت الحالي جهاد قول الحقيقة وجهاد طلب العلم وجهاد القلم والجهاد المسلح. وهناك الكثير من المجالات التي ينبغي للأمة الإسلامية أن تجاهد فيها، فالأمة تحتاج إلى أن تتخلص من الأنظمة الديكتاتورية، وتحتاج إلى أن تحيا بكرامة وسط دول العالم. أما فكرة الجهاد المسلح ضد حكومة البلد الذي يعيش المرء فيه فقد أثبتت فشلها، من دون أن نناقش ما إذا كانت جائزة أم لا. وإذا نظرنا إلى تجارب جميع الجماعات المسلحة خلال الـ20 عاما الماضية، سنجد أن جميعها فشل باستثناء حركة الجهاد في أفغانستان.
* هل اللجوء إلى الصراع المسلح مسموح به في حالة قيام الحكومة بإجهاض العملية الديمقراطية مثلما حدث مع جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر والإخوان المسلمين في مصر؟
- قبل 30 عاما، كانت الأفكار الجهادية تقوم على أن التغيير يمكن تحقيقه فقط من خلال استخدام السلاح، لكن ثورات الربيع العربي أثبتت أن الشعوب يمكنها إحداث التغيير بالطرق السلمية. وهذا هو جهاد الكلمة الذي أؤيده.
* لماذا لا ينطبق ذلك على حالة سوريا؟
- عندما تكون مضطرا للدفاع عن نفسك فإن الأمر يصبح مختلفا تماما عن اعتقادك أن اللجوء لحمل السلاح هو السبيل الوحيدة لإحداث التغيير. وكان الأسد قد اعترف بنفسه بأن الأشهر الستة الأولى من الاحتجاجات كانت سلمية، مما يعني أن المدنيين هم الذي أطلقوا شرارة الثورة. أما التنظيمات الجهادية من أمثال «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) فلا تتبنى نفس أجندة المدنيين الثوريين.
* الكثيرون من أتباع تنظيم القاعدة يشيرون إلى أسامة بن لادن بوصفه «شيخا»، فهل كان مؤهلا على مستوى العلوم الدينية لنيل ذلك اللقب؟
- لم يفكر أسامة بن لادن أبدا في كونه شيخا بالمعنى الديني. وكان الشيخ عبد الله عزام يخصص ثلاثة شيوخ يؤمون الناس في الصلاة في حالة غيابه: الأول أبو حجر العراقي، والثاني أبو إبراهيم العراقي، وكنت أنا الثالث الذي يتقدم للصلاة في حالة غيابهما. لم يؤم أسامة بن لادن الناس في الصلاة أبدا، ولم يلقِ أي خطب. وهذا لا يعني أنه لم يلقِ الكثير من الخطب البليغة في المملكة العربية السعودية المليئة بأبيات الشعر والتي كان الهدف الأساسي منها هو رفع مستوى الوعي حول أفغانستان.
ويُعد أنس الذي تزوج ابنة عبد الله عزام (أحد الآباء المؤسسين للقاعدة كما يدعي التنظيم نفسه)، هو الرجل الثاني في قيادة مكتب الخدمات في مدينة بيشاور الباكستانية، و«أبو الأفغان العرب» خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي. وقام مكتب الخدمات بتوفير الدعم اللازم للمجاهدين إبان سنوات الحرب ضد الروس. ويبدو أنس فخورا بسجله الجهادي الذي يمتد على مدار عشر سنوات، ويعد أحمد شاه مسعود وأسامة بن لادن من أهم رفقاء السلاح.
وقبل لقائه عبد الله عزام، كان أنس قد شارك في تأسيس الحركة الإسلامية في جنوب الجزائر بالفعل، وعمل مع الإسلاميين البارزين هناك مثل محفوظ نحناح وعباس مدني. بعد أن تلقى تعليمه في السعودية والجزائر، ظل أنس يعمل كإمام لأحد المساجد ومحفظ للقرآن الكريم. وبجانب دراسته للعلوم الدينية، حصل أنس على شهادة في السياسة الدولية من المملكة المتحدة. بدأت رحلته إلى أفغانستان عندما عرف بالصدفة فتوى أطلقها عبد الله عزام يقول فيها إنه من الواجب على كل المسلمين أن يذهبوا للقتال في أفغانستان. وقابل أنس بالصدفة عبد الله عزام في مكة، الذي دعاه للذهاب إلى أفغانستان.
بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان واغتيال عبد الله عزام في عام 1992، أصاب الإحباط أنس بسبب الأفكار التكفيرية التي دخلت إلى أفغانستان مع الوافدين الجدد من أمثال أيمن الظواهري. وقد تركز دور أنس على توفير الاحتياجات اللوجيستية للمجاهدين الأفغان، في الوقت الذي كانت فيه «القاعدة» تتبنى أجندة أكبر. ومع اندلاع الاقتتال الداخلي بين المجاهدين الأفغان، رحل أنس عن أفغانستان إلى الجزائر. لكن انتماءه لجبة الإنقاذ الإسلامية، التي واجهت حملة شديدة من الأجهزة الأمنية بعد نجاحها في الانتخابات، أجبره على العيش في المنفى في فرنسا ثم في المملكة المتحدة.
والآن، يقوم أنس بكتابة مذكراته، كما يعمل مع الشباب على حل النزعات في أفغانستان.
* ما السر وراء الاعتماد على العرب الأفغان بشكل كبير للغاية على النقيض من المقاتلين الأجانب في سوريا؟
- أدركنا أن ذلك الأمر لا يتعلق بحمل أسلحة الكلاشنيكوف أو دعوة المقاتلين للقتال. وأتذكر عندما عدت من رحلتي الأولى التي قمت بها إلى مزار شريف في عام 1984، حيث كتبت تقريرا إلى عبد الله عزام قائلا إننا نحتاج إلى مئات من المسلمين الذين لديهم المهارات الخاصة بأعمال عمال الإغاثة والسياسيين والمستشارين والمرشدين إلى جانب كونهم مقاتلين، بالإضافة إلى وجود اتصال بين الأفغان والعالم الخارجي. وسيكون هؤلاء الرجال مثل سفراء في 29 مقاطعة من مقاطعات أفغانستان. وللأسف أننا أخفقنا في ذلك، ناهيك بأن النتائج قد كانت مختلفة.
* ما أوجه الاختلاف بين المقاتلين العرب الأفغان والمقاتلين الحاليين الموجودين في سوريا؟
- يتمثل الاختلاف في أن معظمهم يذهبون إلى هناك من أجل الاستشهاد. وعندما ذهبت إلى أفغانستان كان الهدف هو تحريرها أو نيل الشهادة، وكانت هذه الفكرة هي التي يقبلها الشيخ عزام ومسعود وبن لادن. وأسهمنا بشكل إيجابي وبنّاء في ذلك الصراع، حيث إننا لم نذهب إلى هناك من أجل نيل الشهادة فقط.
* كيف تتعاملون مع السجناء؟ هل تقطعون رؤوسهم مثلما نشاهد ما يحدث هذه الأيام في سوريا من خلال الـ«يوتيوب»؟
- كان السجناء يتمتعون بحقوقهم كاملة، حيث قدمنا لهم نفس الطعام الذي نتناوله ونفس الملابس التي نلبسها، وكذلك نفس مستوى المعيشة. وبعد مرور عدة أشهر، بدأ الكثير من قوات الاتحاد السوفياتي في الاعتقاد بأنهم ليسوا سجناء بسبب معاملتنا الطيبة لهم. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرنا لهم من خلال سلوكنا معهم أننا لسنا أشخاصا متعطشين للدماء. واعتنق بعضهم الإسلام، في حين ظل البعض الآخر أصدقاء لنا حتى الآن. ومن غير المقبول أن نقوم بإعدام هؤلاء الأشخاص تحت ذريعة أن الله سيغفر لنا بسبب مدى خطورتهم. وتكون هناك مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بقتل السجناء، حيث يتعين عرضهم للمحاكمة وإصدار أحكام عليهم لأنه من غير الممكن تقرير من الذي يستحق الموت ومن لا يستحق إلا بعد فهم حالتهم. وللأسف، فإن هذه الثقافة اندثرت الآن. وأعتقد أن المسؤول الأول عن ذلك هو تنظيم القاعدة.
* يبرر الكثير من الأشخاص ارتكاب الأعمال الوحشية بسبب الصدامات والضرر الذي تسببه الحروب، فهل توافق على ذلك؟
- لقد سمعت عن هذه الحجة، حيث يجب علينا أن نتفهم أن المقاتلين يرتكبون تلك الأعمال الوحشية بسبب الضرر الذي تسببه لهم الحروب، بيد أن هذا الأمر يتعذر تبريره. إنني مقاتل منذ كان عمري ثماني سنوات وأعرف مئات المقاتلين، بعضهم دمر 300 دبابة، في حين أنهم لم يرتكبوا أي أعمال من هذا القبيل. ولا يعاني المقاتلون ضغوط ما بعد صدمة الحروب، بل يظلوا هادئين ولا يعانون أي أحلام مروعة. إنني لا أؤمن بهذا الأمر، حيث إن صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يتعرضوا لهذا الأمر على الإطلاق على الرغم من الحروب التي خاضوها.
* بعض المحللين يلقون باللائمة على الأفغان العرب بشأن جميع العواقب التي نراها الآن. هل تتفق مع هذا التقييم؟
- لا أوفق على هذا التقييم. قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، كان تنظيم القاعدة معروفا عادة باسم «الأفغان العرب». أنا مؤسس «الأفغان العرب»، وأستطيع أن أقول لك إنه كان هناك 300 مقاتل فقط هم الذين يقاتلون باستمرار من بين إجمالي المقاتلين الذين يتراوح عددهم ما بين 3000 و4000 شخص. وكان أغلب هؤلاء المقاتلين في بيشاور، حيث يقومون بأعمال القيادة والتدريس والإدارة وما إلى ذلك. ووفقا لما يراه آباؤنا أو وسائل الإعلام فإننا مجاهدون، ويوجد في بيشاور الأميركيون والبريطانيون والقنصليات الدولية ومنظمات الإغاثة، حيث إننا كنا نعمل معهم. وكان مصطلح «الأفغان العرب» مبالغا فيه لأن الأنظمة مثل نظام مبارك قامت بتصنيفنا على أننا خطر أمني.
* نشأت حركة الشباب عن طريق الأفغان العرب، أليس كذلك؟
- يجب أن نقسم الفترة إلى ثلاث فترات مختلفة. ففي خلال الفترة من عام 1979 إلى 1992، شهدت أفغانستان جهادا مشروعا. وفي الفترة من عام 1996 إلى 2001، كانت هناك حرب أهلية. ومنذ ذلك الحين، 2001، حتى الوقت الحالي تعد تلك الحقبة التاريخية مختلفة. وكانت أفغانستان تواجه حربا أهلية ولم تكن خاضعة لأي احتلال من أي قوى أجنبية. وفي حالة الحرب الأهلية، يأمرنا الله أن نسعى لحل الأزمة، وبخلاف ذلك، فيجب علينا ألا نكون طرفا في هذا النزاع.
* هل تشرح لنا الاختلاف بين رؤية عبد الله عزام ورؤية تنظيم القاعدة؟
- ما كان الشيخ عبد الله عزام ليقبل على الإطلاق الأمور التي تحدث في الوقت الحالي. وعندما قام الصحافيون الغربيون بزيارة أفغانستان، قال الشيخ عزام إن أي صحافي غربي أو عامل إغاثة أو مسؤول رسمي أو غير رسمي جاء إلى هنا بموجب دعوة يعد أمانة في أعناقنا ويجب علينا الحفاظ عليه. وكان يوجد الكثير من الحكومات الغربية والعربية في بيشاور، بيد أن الشيخ عزام لم يأمرنا على الإطلاق بمضايقتهم، حيث كانت مهمتهم هنا تتمثل في مساعدة الأفغان مثل مهمتنا أيضا. وعلاوة على ذلك، لم يحدث أي تعرض للقنصليات الشيوعية في باكستان لأن المعركة كانت داخل الخنادق، بينما كانت المنازل والسيارات والنساء خارج ميدان المعركة آمنة. وللأسف لم يكن الأمر كذلك مع تنظيم القاعدة.
* هل جرت إساءة استخدام أفكار عبد الله عزام؟
- كل شخص يستخدم أفكار عزام للتجنيد سيجيب عن ذلك السؤال في المستقبل، حيث إنهم يتعاملون بدقة مع رسالته. وقد شاهدت مقطعا مصورا على شبكة الإنترنت يقول فيه عزام: «نعم، إذا كان الدفاع عن وطنك إرهابا، فإننا نفتخر جميعا بأننا إرهابيون». وبالإضافة إلى ذلك، كنت موجودا في محاضرة لمدة ساعة واحدة بقرية بنجشير، حيث كان عزام يرد على مسألة تسمية السوفياتيين لنا بأننا إرهابيون بسبب دفاعنا عن أفغانستان. وقد جرى تفسير هذا الأمر خارج السياق الذي ذكر فيه، مع تطبيقه على جميع الأعمال الإرهابية التي تُرتكب الآن. وعلى الرغم من ذلك، يجب أيضا أن نتذكر أن الظروف السياسية في جميع أنحاء العالم تدفعهم للإصرار على صحة أفكارهم.
* الكثير من الذين ينضمون لتنظيم القاعدة في الوقت الحالي يفعلون ذلك اقتداء بمثال عبد الله عزام، فهل تُطبق أفكاره الآن؟
- إذا قال لي شخص إنه يريد أنه يذهب للقتال في الصومال أو سوريا أو وزيرستان في الوقت الحالي، فسوف أنصحه بعدم فعل ذلك. لقد رحلت إلى أفغانستان عندما كانت الظروف آمنة، حيث كانت القيادة الأفغانية تقاتل عدوا واضحا وهو الاتحاد السوفياتي. لقد طورت مجموعة المجاهدين الأفغان علاقة صداقة مع بلاد الغرب، حيث كانت لها مكاتب في كل العواصم الغربية والخليجية. كانت ممارسة الجهاد تقوم على معناه الإسلامي، ولم يكن هناك وجود لفلسفة الكراهية وسفك الدماء. كما جرى الاعتراف بعبد الله عزام أميرا للمجاهدين من الأفغان العرب، وكان يقوم بزيارة سنوية للولايات المتحدة وأوروبا وشارك في جمع الأموال اللازمة لدعم الجهاد في أفغانستان. لم يتبنَ عبد الله عزام مطلقا أفكار الاختطاف أو التفجيرات الانتحارية. ولأن أفكار عبد الله عزام لم يعد لها وجود، أشعر بقلق كبير من أن الشباب المسلم الذي يذهب إلى سوريا لن يكون آمنا، حيث سيجري استخدامه فقط من أجل الإطاحة ببشار الأسد. هناك الكثير من أجهزة الاستخبارات التي تستغل النيات الحسنة لأولئك الشباب، كما أن «القاعدة» لم تعد تطبق نفس المنهجية التي ظهرت على أساسها. إنني أتعجب: لماذا ينفذون هجمات تفجيرية ضد الناس في بريطانيا؟ الجهاد لا يعني نشر الكراهية. في الماضي، كان المرء يذهب للقتال والجهاد، فإذا لم ينل الشهادة يعود لممارسة الحياة المدنية العادية من دون أن يضمر أي مشاعر كراهية تجاه أحد. أما الآن، هناك عمليات غسيل للمخ يجري خلالها الثناء على القيام بعمليات انتحارية خارج نطاق الجهاد الحقيقي.
* ما مستقبل الجهاد على المستوى العالمي؟
- يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حديث فيما معناه «الجهاد باق إلى قيام الساعة»، لكن الدعوة إلى الجهاد يجب أن يجري إطلاقها في سياقها الصحيح. وقد قسم ابن قيم الجوزية الجهاد إلى أربع مراتب، والتي يعادلها في الوقت الحالي جهاد قول الحقيقة وجهاد طلب العلم وجهاد القلم والجهاد المسلح. وهناك الكثير من المجالات التي ينبغي للأمة الإسلامية أن تجاهد فيها، فالأمة تحتاج إلى أن تتخلص من الأنظمة الديكتاتورية، وتحتاج إلى أن تحيا بكرامة وسط دول العالم. أما فكرة الجهاد المسلح ضد حكومة البلد الذي يعيش المرء فيه فقد أثبتت فشلها، من دون أن نناقش ما إذا كانت جائزة أم لا. وإذا نظرنا إلى تجارب جميع الجماعات المسلحة خلال الـ20 عاما الماضية، سنجد أن جميعها فشل باستثناء حركة الجهاد في أفغانستان.
* هل اللجوء إلى الصراع المسلح مسموح به في حالة قيام الحكومة بإجهاض العملية الديمقراطية مثلما حدث مع جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر والإخوان المسلمين في مصر؟
- قبل 30 عاما، كانت الأفكار الجهادية تقوم على أن التغيير يمكن تحقيقه فقط من خلال استخدام السلاح، لكن ثورات الربيع العربي أثبتت أن الشعوب يمكنها إحداث التغيير بالطرق السلمية. وهذا هو جهاد الكلمة الذي أؤيده.
* لماذا لا ينطبق ذلك على حالة سوريا؟
- عندما تكون مضطرا للدفاع عن نفسك فإن الأمر يصبح مختلفا تماما عن اعتقادك أن اللجوء لحمل السلاح هو السبيل الوحيدة لإحداث التغيير. وكان الأسد قد اعترف بنفسه بأن الأشهر الستة الأولى من الاحتجاجات كانت سلمية، مما يعني أن المدنيين هم الذي أطلقوا شرارة الثورة. أما التنظيمات الجهادية من أمثال «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) فلا تتبنى نفس أجندة المدنيين الثوريين.
* الكثيرون من أتباع تنظيم القاعدة يشيرون إلى أسامة بن لادن بوصفه «شيخا»، فهل كان مؤهلا على مستوى العلوم الدينية لنيل ذلك اللقب؟
- لم يفكر أسامة بن لادن أبدا في كونه شيخا بالمعنى الديني. وكان الشيخ عبد الله عزام يخصص ثلاثة شيوخ يؤمون الناس في الصلاة في حالة غيابه: الأول أبو حجر العراقي، والثاني أبو إبراهيم العراقي، وكنت أنا الثالث الذي يتقدم للصلاة في حالة غيابهما. لم يؤم أسامة بن لادن الناس في الصلاة أبدا، ولم يلقِ أي خطب. وهذا لا يعني أنه لم يلقِ الكثير من الخطب البليغة في المملكة العربية السعودية المليئة بأبيات الشعر والتي كان الهدف الأساسي منها هو رفع مستوى الوعي حول أفغانستان.
http://beta.aawsat.com/home/article/33671
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق