قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس,
لا بطاعة معدوم ولا مجهول ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلا)).
منهاج السنة النبوية (1\61)
__________________
======
أوّل شروط الأمير المسلم أن يكون له التمكين, فيستطيع معه إقامة الحدود, و غزو المعتدين, و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , و إقامة شرع الله في الأرض
فإن كان مجهولاً, لم يكن له تمكين, لايتمكّن من إظهار نفسه, فكيف يستطيع القيام بواجبات الإمرة
========
من شروط الأمير:
1- التمكين. وبناء عليه، فالمجهول ليس له تمكين، وبالتالي فلا تجوز بيعته...
======
1- ماذا نعني بكلمة مجهول ....هل عند العلماء ؟ هل عند أهل الحل والعقد ؟ هل عند العامة ؟
الجواب:
هو مجهول عند الجميع عند العلماء، وعند أهل الحل والعقد، وعند العامة أيضا، اللهم إلا الفئة التي تنتمي إلى ذلك المجهول وقد بايعته وتريد من المسلمين أن يبايعوه..
2- ما هي الجهالة المقصودة اسمه أم علمه أم سيرته أم تدينه و عدالته؟
الجواب:
كل هذه مجهولة عند من ذكرتُهم في الجواب الأول وهم العلماء وأهل الحل والعقد وكذا العامة...
=================
على فرض أنه بايعه من يعرفه فكيف تلزم من لا يعرفه اللهم إلا إذا أُعلن عنه عن اسمه وصفاته وكانت له شوكة يفرض بها حكمه على الناس الذين تحت سلطته أو بيعته .
وحتى يبايع من الجميع أو تحصل له البيعة الشرعية ...لابد وأن ترى الناس فيه أمور ...يريدون حقوق لهم اغتصبت أو مظالم لهم حصلت هل يمكن أن يستحصلها لهم بقوته وسلطانه وشوكة من معه ؟ وهل هو قادر على فرض الأمن والإستقرار إذا ما حصلت فوضى أو أي اخلال بأمن البلاد ؟
ثم أين يجدوه إن كان مختفيا أو مجهولا ليشتكوا عنده ؟
قال عليه الصلاة والسلام ( الإمام جنة يقاتل من وراءه ويتقى به ).
============
المجهول باتفاق لا بيعة له ولا سلطان على الناس
==============
الإمام أبو يعلى -رحمه الله-: (( ولا يجب على كافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه، إلا من هو من أهل الاختيار الذين تقوم بهم الحجة وتنعقد بهم الخلافة" .اهـ ((الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص )).
لا بد من أهل الاختيار والحل والعقد أليس كذلك؟؟؟
وأقول، نيابة عن الشعب السوري بعوامه ومثقفيه وعلمائه ودعاته، هات خمسة من علماء الشام (أهل الحل والعقد) الذين شهد لهم بالعلم والاستقامة، أقول: خمسة من علماء الشام، يظهرون على الملأ ويقولون: نحن نعرف الإمام وقد بايعناه، عندها انظر كيف هي الاستجابة في هذا الشعب العظيم لبيعة هذا الإمام...
لكن إلى الآن لم نسمع عن شيخ واحد من علماء الشام المعروفين قال ببيعة هذا الإمام...
=============
الموسوعة الفقهية الكويتية (8/ 138)
أهل الحلّ والعقد *
التّعريف :
1 - يطلق لفظ " أهل الحلّ والعقد " على أهل الشّوكة من العلماء والرّؤساء ووجوه النّاس الّذين يحصل بهم مقصود الولاية ، وهو القدرة والتّمكّن ، وهو مأخوذ من حلّ الأمور وعقدها .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - أهل الاختيار :
2 - أهل الاختيار هم الّذين وكّل إليهم اختيار الإمام . وهم جماعة من أهل الحلّ والعقد ، وقد يكونون جميع أهل الحلّ والعقد ، وقد يكونون بعضاً منهم .
ب - أهل الشّورى :
3 - المستقرئ لحوادث التّاريخ يجد أنّ هناك فرقاً بين أهل الشّورى وأهل الحلّ والعقد ، إذ الصّفة البارزة في أهل الشّورى " هي العلم " لكن الصّفة البارزة في أهل الحلّ والعقد هي " الشّوكة " . فقد ورد أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه كان إذا حزبه أمر استدعى عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوفٍ ومعاذ بن جبلٍ وأبيّ بن كعبٍ وزيد بن ثابتٍ ، وكلّ هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكرٍ ، فاستشارهم في حين كان من بين الّذين تولّوا بيعة أبي بكرٍ من أهل الحلّ والعقد بشير بن سعدٍ ، ولم يكن بشير من أهل الفتوى من الصّحابة ، ولكنّه كان مسموع الكلمة في قومه - الخزرج - ويقال إنّه أوّل من بايع أبا بكرٍ الصّدّيق يوم السّقيفة من الأنصار .
صفات أهل الحلّ والعقد :
4 - لمّا نيط بأهل الحلّ والعقد عمل معيّن - وهو تعيين الخلفاء - كان لا بدّ من أن تتوفّر فيهم الصّفات التّالية :
أ - العدالة الجامعة لشروطها الواجبة في الشّهادات من الإسلام والعقل والبلوغ وعدم الفسق واكتمال المروءة .
ب - العلم الّذي يوصل به إلى معرفة من يستحقّ الإمامة على الشّروط المعتبرة فيها .
ج - الرّأي والحكمة المؤدّيان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح .
د - أن يكون من ذوي الشّوكة الّذين يتّبعهم النّاس ، ويصدرون عن رأيهم ، ليحصل بهم مقصود الولاية .
هـ- الإخلاص والنّصيحة للمسلمين .
تعيين " أهل الاختيار" من أهل الحلّ والعقد :
5 - الأصل أنّ أهل الحلّ والعقد هم كلّ من تتوافر فيه الصّفات السّابقة ، إلاّ أنّ من يباشر الاختيار منهم هم فئة منهم في الغالب يطلق عليها أهل الاختيار .
ويتمّ تعيين أهل الاختيار ( وهم مجموعة من أهل الحلّ والعقد ) بأحد طريقين :
أ - تعيّن الخليفة لهم : كما فعل عمر بن الخطّاب بتعيين ستّةٍ من أهل الحلّ والعقد ليختاروا واحداً منهم خليفةً للمسلمين بعده ، وكان ذلك بمحضرٍ من الصّحابة دون نزاعٍ .
ب - التّعيين بالحضور : إذا لم يعيّن الخليفة جماعةً من أهل الحلّ والعقد فإن من يتيسّر حضوره منهم تنعقد به البيعة ، ويقوم الحضور مقام التّعيين .
أعمال أهل الحلّ والعقد :
6 - من ذلك :
أ - تولية الخليفة : وهذا إجماع لا خلاف فيه لأحدٍ من أهل السّنّة والجماعة .
ب - تجديد البيعة لمن عهد إليه بالإمامة عند وفاة الإمام ، إذا كان حين عهد إليه غير مستجمعٍ لشروط انعقاد الإمامة ، قال الماورديّ : تعتبر شروط الإمامة في المولّى من وقت العهد إليه ، فإن كان صغيراً أو فاسقاً وقت العهد ، ثمّ أصبح بالغاً عدلاً عند موت المولّي لم تصحّ خلافته ، حتّى يستأنف أهل الاختيار بيعته .
ج - استقدام المعهود إليه الغائب عند موت الإمام .
د - تعيين نائبٍ للإمام الّذي ولّي غائباً إلى أن يقدم ، قال الماورديّ : إذا عهد الإمام إلى غائبٍ ، ومات الإمام والمعهود إليه على غيبته ، استقدمه أهل الاختيار ، فإن بعدت غيبته واستضرّ المسلمون بتأخير النّظر في أمورهم استناب أهل الاختيار نائباً عنه ، يبايعونه بالنّيابة دون الخلافة .
هـ - عزل الإمام عند وجود ما يقتضيه وينظر في إمامته .
عدد من تنعقد بهم الإمامة من أهل الحلّ والعقد :
7 - اختلف العلماء في عدد من تنعقد بهم الإمامة من أهل الحلّ والعقد على مذاهب شتّى فقالت طائفة : لا تنعقد إلاّ بأكثريّة أهل الحلّ والعقد من كلّ بلدٍ ، ليكون الرّضى به عامّاً ، والتّسليم لإمامته إجماعاً ، وهو ما ذهب إليه الحنابلة ، قال الإمام أحمد : الإمام الّذي يجتمع عليه ، كلّهم يقول : هذا إمام . وقالت طائفة أخرى : أقلّ من تنعقد به منهم خمسة ، يجتمعون على عقدها ، أو يعقدها أحدهم برضى الأربعة . والّذي عليه الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الإمامة تنعقد بتولية جماعةٍ من أهل الحلّ والعقد دون تحديد عددٍ معيّنٍ .
===================
رسالة .. إلى أهل الثغور في الشام ...
الشيخ عبدالعزيز الطريفي
بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه رسالة مختصرة إلى أهل الثغور في الشام، وكما لهم حق النصرة فلهم حق النصيحة،
فأقول:
١) عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمالٍ في الحق فلا تتفرقوا بسبب نقص بعضكم، لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرًا، فقد اجتمع المسلمون على قتال العبيديين وقائدهم خارجي، وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أهل بدع.
٢) بالفرقة تُهزم الكثرة، وبالاجتماع تنصر القلة، ولن تنتصروا حتى تقتلوا هوى النفس قبل قتل العدو، فالهوى يقلب موازين العداوات فتنتصر النفوس لهواها وتظن أنها تنتصر لربها، وقليل الذنوب يُفرق القلوب، قال النبي ﷺ: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) لم يمتثلوا باستواء صفوف الصلاة فتسبب بانـحراف القلوب، فكيف بانـحراف صفوف الجهاد ولقاء العدو، فإن اختلفت القلوب فالتمسوا سبب ذلك في سوء الأعمال .
٣) إنكم في مقام اصطفاء ومقام ابتلاء، فمن أعلى مراتب الجنة جُعلت لمقاتلٍ قاتل لله، وأول مَن تُسَّعَر بهم النار مقاتل قاتل لهواه .
٤) إياكم وحب الاستئثار بالأمر وقد حذّر النبي ﷺ من (الأثَرَة) فاجعلوا همّكم نصرة الدين لا صدارة حزب وجماعة .
٥) لا تخدعكم الألقاب فتوالوا لها وتعادوا عليها، فالله لا ينظر إلى ألويتكم وراياتكم وأسماء جماعاتكم، بل ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، لا تختصموا على اسمٍ فمهما بلغت أسماؤكم شرفاً فلن تكون أعظم شرفاً من كلمة (رسول الله) حيث محاها رسول الله بيده من صلح الحديبية عندما نازعه المشركون عليها وذلك حتى يُمضي الحق وصالح الأمة .
٦) ألقابكم اليوم لا تُفضّل أحد على أخيه ولا جماعة على أخرى وإن تنوّعت، فلا تسموا أنفسكم بأسماء فتجعلوا منها تشريعًا، وولاءً وعداءً فإن كان منكم (أحرارًا) فليس البقية عبيدًا، أو (نصرة) فليس البقية خذلة، أو (دولة) فتقسموا الناس إلى تابعين أو مارقين، فهذه أسماء ليس لكم منها إلا حروفها تتعارفون بها وتجمعكم لا تفرقكم، والعبرة بأعمالكم، فما ينفع (حزب الله) اسمه عند الله .
٧) لا يجوز لأحدٍ أن يجعل جماعته وحزبه قطبَ رحى الولاء والعداء، فلا يرى البيعة إلا له ولا يرى الإمارة إلا فيه، ومن رأى في نفسه ذلك من دون بقية المسلمين فهو من الذين قال الله فيهم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) قال ابن عباس لما قرأ هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
وبالاختلاف والتنازع يذهب النصر (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) قال قتادة: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم .
٨) لا يصح فيكم اليوم وأنتم في قتال وجماعات أن ينفرد أحدٌ ببيعة عامة يستأثر بها ولوازمها عن غيره وإنما هي بيعة جهاد وقتال وثبات وصبر وإصلاح ونـحو ذلك، ولا يصح من أحدٍ أن ينفرد بجماعة منكم فيُسمى (أمير المؤمنين) وإنما أمير الجيش أو الجند أو الغزو، فالولايات العامة مردّها إلى شورى المؤمنين لا إلى آحادٍ منهم، والألقاب استئثار تفضي إلى نزاع وقتال وفتنة وشر، وإنما صحت الولاية الكبرى من النبي ﷺ لأنه ليس في الأرض مسلم سواه ومن معه، وليس في الأرض خير من نبي ولا أحق بالأمر منه، فلو استأثر فهو نبي لا يرجع لأحدٍ ويرجع إليه كل أحد .
٩) لا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فاتقوا الله في دمائكم، واحذروا مداخل الشيطان في تسويغ القتل وتبريره فتأخذوا أحداً بظن العمالة أو التجسس أو التخذيل فالله حذر من الظنون التي تفسد أمر الأمة وتفرق شملها (اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم) ولا تجوز طاعة أميرٍ في قتل مسلم معصوم ومن أُمر بحرام كقتل معصومٍ فلا تجوز طاعته ولا بيعته حتى بيعة قتال، ولو بايعه فبيعته منقوضة، ولا يجوز لأحدٍ أن يمتثل أمرًا ظاهره التحريم حتى يتيقن من جوازه بعلمٍ وإن جهل سأل من يعلم، حتى لا يلقى الله بدم أو مال حرام، فيُفسد آخرته بجهل أو تأويل غيره، فالله يؤاخذ كل نفس بما كسبت (كل نفس بما كسبت رهينةٍ) ولا أعظم بعد الشرك من الدم الحرام .
فقد صح من حديث ابن عمر، أن النبي ﷺ أمّر خالد بن الوليد إلى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، فأمر خالد بقتل أسراهم، فقال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، قال: فقدموا على النبي ﷺ فذكروا له صنيع خالد، فقال النبي ﷺ ورفع يديه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين .
فقد عصوا خالدًا لما اشتبه عليهم الأمر، وهذا في دماءِ من الأصل فيه الكفر فكيف بدم من الأصل فيه الإسلام ؟!
١٠) عند النزاع انزلوا إلى حكم الله كما أمر الله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فالنزول عند حكم الله إيمان والنفرة منه نفاق، وإن اختلف اثنان أو جماعتان فليتحاكموا إلى ثالث من غيرهم، دفعاً لتهمة المحاباة، فقد ورد في الحديث عنه ﷺ قال: (لا تجوز شهادة خصم ولا ظنّين) وفي الحديث الآخر: (لا تجوز شهادة ذي غمر (عداوة) لأخيه، ولا مجرب شهادة، ولا القانع (أي التابع) لأهل البيت، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة) وقد جاء معناه من طرق متعددة يشد بعضه بعضاً، وهذا في الشهادة وفي القضاء من باب أولى .
١١) احفظوا ألسنتكم فإن الوقيعة في أعراض بعضكم تزيد من أحقادكم على بعضكم، فما يزال الواحد واقعاً في عرض أخيه حتى يمتلىء قلبه حقدًا وغلاً عليه فيُصدّق فيه ظن السوء ويُكذّب فيه يقين الخير .
١٢) أحسنوا الظن بالعلماء ورثة الأنبياء واحفظوا قدرهم بالرجوع إليهم والصدور عن قولهم، وأحسنوا الظن بهم واحملوا أقوالهم على أحسن المحامل، فمدادهم في نصرة الحق أثرها عظيم وقد جاء عن جماعة من السلف (مداد العلماء أثقل في الميزان من دماء الشهداء)
١٣) لا تُرحم الأمة إلا إذا تراحمت فيما بينها، ومحبة الله للمجاهدين ونصرته لهم معقودة برحمتهم بالمؤمنين وتواضعهم لهم، وعزتهم على الكافرين، فإن من صفات المجاهدين ما ذكره الله في قوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).
ومن الله استمدوا النصر والعون هو المولى فنعم المولى ونعم النصير .
الشيخ عبدالعزيز الطريفي ١٧/ من ذي القعدة / ١٤٣٤ هـ
===============
قال الشيخ العلامة المحدث عبد الله السعد
[...إن اتخاذ هذا القرار دون استشارة الفصائل المقاتلة ناهيك عن أهل العلم والحل والعقد من أهل البلاد الذين هم في داخل البلاد وليس خارجها، ضرب من ضروب شق الصف والإخلال بتوحيد الكلمة، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، وقال: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فعلى من قاد جمعا من جموع المسلمين أن يتقي الله عز وجل، وألا يتسرع في أحكامه وقراراته قبل الرجوع إلى أهل الحل والعقد، من الذين هم داخل البلاد؛ لأنهم أعلم الناس بمصالحهم، وهم المعنيون بهذا الأمر لما يجري في بلادهم....]
=======================
==================
بيان للشيخ العلامة المُحَدّث عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله
يدعو فيه أهل الشام إلى التوحّد
الجمعة 28\12\1434 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد..
فإن من أظهر ما دعت إليه نصوص الكتاب والسنة وقررّت الاجتماعَ والوحدةَ والتآلفَ بين المؤمنين، وهذا -ولا ريب- من مقتضى الولاء للمؤمنين، الذي هو من أعظم سماتهم، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71]، وقال عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103]، قال الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير الآية: " يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهْده الذي عهِده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله" ا.هـ
وقد ذمّ سبحانه الذين أوتوا الكتاب قبلنا بتفرقهم واختلافهم بعد نعمته العظمى عليهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل؛ فقال جلّ شأنه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105] وقال: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ..) [البقرة:213] وقوله عز جل: (..بَغْيًا بَيْنَهُمْ..) يبيّن ما اشتملت عليه نفوسهم من ظلم وحظّ نفس، قال العلّامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير الآية الأولى: " ثم نهاهم -عز وجل- عن التشبه بأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم، فقالولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) ومن العجائب أن اختلافهم (من بعد ما جاءهم البينات) الموجبة لعدم التفرق والاختلاف، فهم أولى من غيرهم بالاعتصام بالدين، فعكسوا القضية مع علمهم بمخالفتهم أمر الله، فاستحقوا العقاب البليغ، ولهذا قال تعالى: (وأولئك لهم عذاب عظيم)" ا.هـ
وأخرج الشيخان في صحيحهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبك بين أصابعه، وخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج على أصحابه فرآهم حلقًا فقال: " مالي أراكم عزين؟" -أي متفرقين- قال: ثم خرج علينا فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟". فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف"، وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"، وأخرج الترمذي في جامعه والنسائي في الكبرى من طريق النضر بن إسماعيل عن محمد بن سوقة عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: "أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، وحتى يشهد ولا يستشهد، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.."، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ا.هـ
وإن أولى الناس بهذا الاجتماع والتآلف هم المجاهدون في سبيل الله؛ وذلك لما يفضي إليه تنازعهم واختلافهم من مفاسد عظيمة في الدين والدنيا، من فشلهم، واستباحة بيضتهم، وذهاب قوتهم، واجتماع عدوهم وطمعه فيهم، قال الله تعالى بعد أمره المؤمنين بالثبات وذكر الله حين لقاء العدو، وأمره بطاعة الله ورسوله؛ قال محذرًا: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46] قال أبو الفداء ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية والتي قبلها من سورة الأنفال: "فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء، والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينوا به، ويتكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك، فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضًا فيختلفوا فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم (وتذهب ريحكم) أي: قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال، (واصبروا إن الله مع الصابرين)، وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقًا وغربًا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب" ا.هـ
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4] قال قتادة رحمه الله في تفسيرها: " ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحبّ أن يختلف بنيانه، كذلك تبارك وتعالى لا يحب أن يختلف أمره، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به" ا.هـ رواه الطبري بسنده عن قتادة.
ولعلي أُؤكِّد في نصيحتي هذه على مسائل هامة:
الأولى: التأكيد على الاجتماع والتآلف والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة، والرد إليهما عند أي بادرة تنازع أو اختلاف، قال الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض كلام له عن هذا الأصل العظيم: "وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) ويقول: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) ويقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة، وجماع السنة طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.. " ا.هـ [مجموع الفتاوى:28/51].
الثانية: أن دماء المسلمين أمرها عظيم، والوقوع فيها من ورطات الأمور، وقد ألحق الشرع بالقاتل خطأً تبعات ثقيلة من دية وكفارات، مع كونه معفوًّا عنه عند الله، وما ذلك إلا لتعظيم دم المسلم، وأما العامد فقد جاء في حقّه من الوعيد ما لم يجئ في غيره من أهل الكبائر -سوى الشرك بالله-، قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء"، قال أبو العباس القرطبي رحمه الله في هذا الحديث: هذا يدل على أنه ليس في حقوق الآدميين أعظم من الدماء ا.هـ وعند البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا".
ولعلي أنبّه في هذا المقام على أمر مهم، وهو أن اختلاف الناس في ما يسوغ فيه الاختلاف من مسائل الشرع أو أمور السياسة الشرعية لا يسوّغ بحالٍ استباحة دم معصوم أو استرخاصه، قال العلامة أبو عبدالله ابن القيم رحمه الله: "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه؛ لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله؛ لم يضرّ ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدًا، والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة؛ لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافًا لا يضرّ، كما تقدم من اختلاف الصحابة، فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة" ا.هـ [الصواعق المرسلة:2/519].
بل إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبدأ الخوارج بقتال -مع غلظ بدعتهم- وقال: "ألا إن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئًا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا"، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف من طريق ابن نمير عن الأجلح عن سلمة بن كهيل عن كثير بن نمر عن علي، ومن طريقه البيهقي في الكبرى ثم قال: وروي بعض معناه من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه. ا.هـ حتى بدأوه هم فقتلوا عبدالله بن خباب وامتنعوا عن تسليم قاتله؛ فقاتلهم حين ذلك، فقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز قال: نهى علي أصحابه أن يبسطوا على الخوارج حتى يحدثوا حدثًا ، فمروا بعبد الله بن خباب فأخذوه، فمر بعضهم على تمرة ساقطة من نخلة فأخذها فألقاها في فيه، فقال بعضهم: تمرة معاهد! فبم استحللتها؟ فألقاها من فيه، ثم مروا على خنزير فنفحه بعضهم بسيفه، فقال بعضهم: خنزير معاهد! فبم استحللته؟ فقال عبد الله: ألا أدلكم على ما هو أعظم عليكم حرمة من هذا؟ قالوا: نعم. قال: أنا. فقدموه فضربوا عنقه، فأرسل إليهم علي أن أقيدونا بعبد الله بن خباب. فأرسلوا إليه: وكيف نقيدك وكلنا قتله. قال: أوكلكم قتله؟ قالوا: نعم. فقال: الله أكبر. ثم أمر أصحابه أن يبسطوا عليهم...،
ورواه أيضًا من طريق ابن علية عن سليمان بنحوه، وأخرجه الدراقطني من طريق ابن مبشر عن محمد بن عبادة عن يزيد بن هارون به، ورواه البيهقي في الكبرى من طريقه به، ولا يشك مؤمن في أن الحق مع علي رضي الله عنه قبل قتالهم وبعده، فكيف إذا كان الأمر بمسلمين لم يتلبسوا ببدعة في عظم بدعة الخوارج أو دونها.
وقبل ذلك الصدّيق رضي الله عنه، من ليس في الأمة خير منه بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، وليس أحد تقطع إليه الأعناق مثله، قد اجتمع على بيعته أكابر المهاجرين والأنصار في السقيفة، ثم تأخر عن بيعته علي رضي الله عنه ستة أشهر قد وسعه فيها حلم أبي بكر وعمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم، ثم بايع علي بعد طائعًا، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عقيل عن الزهري عن عائشة رضي الله عنها، وجاء في حديث معمر أن المخبِر بتأخر علي عن البيعة ستة أشهر هو الزهري نفسه لا عائشة، وقد روى الحاكم في المستدرك والبيهقي في الكبرى من طريقه؛ عن ابن أبي هند عن أبي نضرة -وجاء من طريق الجريري عن أبي نضرة [ينظر البداية والنهاية: 6/306]- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في خبر طويل أن عليًا بايع من أول يوم، وهذا الخبر وإن كان إسناده قويًّا إلا أن ما في الصحيحين أصح منه، ويؤيده حديث عائشة أن الشخص إذا كان قد بايع فإنه لا يطالب ببيعة أخرى، فلو كان علي رضي الله عنه بايع في أول الأمر لما بايع مرة أخرى بعد ستة أشهر، ولذا لم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم بايعوا مرة أخرى .
وهذا سعد بن عبادة سيد الخزرج رضي الله عنه عندما لم يبايع أبا بكر رضي الله عنه -كما ثبت ذلك في البخاري- لم يكن من أبي بكر رضي الله عنه استباحة دمه أو عرضه، أو إجباره على بيعته.
بل إن الحسن بن أبي طالب رضي الله عنهما تنازل عن الخلافة -وقد بايعه عشرات الآلاف- لمعاوية رضي الله عنه حقنًا لدماء المسلمين وجمعًا لكلمتهم وتوحيدًا لصفهم، وقد كان من هذا التنازل الخير العظيم للمسلمين فاجتمعت النفوس بعد فرقة، وتآلفت القلوب بعد نكرة، وسمي هذا العام بعام الجماعة، وتنازل معه الآلاف المؤلفة ممن كان قد بايعه، وعلى رأسهم الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيره من الصحابة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على ما سيكون من الحسن من التنازل كما عند البخاري من حديث الحسن البصري قال: ولقد سمعت أبا بكرة رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن إلى جنبه ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، وقال أبو سليمان الخطابي في كتابه معالم السنن [7/37]-تحت شرحه لهذا الحديث- : "وقد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام وتخليه عن الأمر؛ خوفًا من الفتنة، وكراهية لإراقة الدم، ويسمى ذلك العام سنة الجماعة". ا.هـ
وقال أبو العباس ابن تيمية -كما في الفتاوى [35/70]-: "وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بهذا الصلح الذي كان على يديه، وسماه سيدًا بذلك؛ لأجل أن ما فعله الحسن يحبه الله ورسوله ويرضاه الله ورسوله، ولو كان الاقتتال الذي حصل بين المسلمين هو الذي أمر الله به ورسوله لم يكن الأمر كذلك، بل يكون الحسن قد ترك الواجب، أو الأحب إلى الله، وهذا النص الصحيح الصريح يبين أن ما فعله الحسنُ محمودٌ مَرْضِيٌّ لله ورسوله" ا.هـ
فالتنازل عن الخلافة إذا كان فيه مصلحة للمسلمين فهو أمر مشروع بل مما يحمد لصاحبه ويثنى عليه به، وكذا عدم إكراه من أبَى البيعة لمن ثبتت خلافته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويدع بعض الأمور من أجل ذلك؛ فعلى المسلمين عامة والدعاة -خاصة أهل الجهاد منهم - ؛ أن يسلكوا هذا المنهج النبوي.
الثالثة: التثبت والتروّي في المنقول من الأخبار قبل الحكم على فرد أو جماعة، ولا سيما من عرف بسابقة الخير، خاصة أهل العلم وأهل الجهاد، وكفى بهما سابقة، بدلالة النصوص الكثيرة التي قد جاءت بالثناء عليهم وعلو منزلتهم، فالدين لا يقوم إلا بهاتين الطائفتين بجهاد الحجة والبيان وجهاد السيف والسنان، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "..ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي، وسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا" ا.هـ [مجموع الفتاوى:10/13]، وأذكّر نفسي وإخواني بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وأن يؤلف بين قلوبنا أجمعين، وبالله تعالى التوفيق.
عبد الله بن عبد الرّحمن السّعد
الجمعة 28\12\1434 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق