خطط إيران للاستيلاء على سوريا
بقلم: د. ديفيد ليش
ترجمة: د. حمد العيسى
تقديم حمد العيسى: هنا مقالة للبروفيسور "ديفيد ليش" نُشرت على موقع مجلة بوسطن ريفيو مؤخراً. حصل "ليش" على الدكتوراه من جامعة هارفارد في تخصص دراسات الشرق الأوسط عام 1991، ويعمل حاليا كأستاذ للتاريخ ودراسات الشرق الأوسط، جامعة ترينيتي، سان أنطونيو، ولاية تكساس.
ألف البروفيسور "ليش" 11 كتاباً عن الشرق الأوسط، منها 6 كتب عن سوريا تحديداً، وآخرها بعنوان سوريا : سقوط آل الأسد. وقد حذفنا قائمة المراجع لأنها لا تناسب النشر الصحافي.
* خطط إيران للاستيلاء على سوريا:
في منتصف أبريل الماضي، قام زعيم حزب الله حسن نصر الله، بزيارة سرية إلى طهران حيث التقى كبار المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم المرشد الأعلى علي خامنئي، وقائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، المسؤول عن السياسة الإيرانية في لبنان وسوريا.
الزيارة كانت سريّة ولم تكشف أي تفاصيل على المستوى الرسمي، باستثناء النشر الحصري على الموقع الرسمي لحزب الله لصورة خامنئي ومعه حسن نصر الله في مكتبة خامنئي الخاصة، وفوقهما صورة لآية الله الخميني.
مشاركة سليماني في اجتماع مع نصر الله تعتبر إشارة مهمة. لقد كان سليماني رأس حربة النشاط العسكري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط؛ ففي يناير 2012، أعلن سليماني أن الجمهورية الإسلامية تسيطر «بطريقة أو بأخرى» على العراق وجنوب لبنان، وهو الآن -كما يبدو– يستعد لبسط سيطرة إيران على سوريا بالكامل.
وأشار خزان تفكير موثوق، على الرغم من أنه معادٍ لإيران وحزب الله، ولكنه ينشر معلومات دقيقة (مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، إلى أن إيران وضعت خطة عسكرية عملياتية لمساعدة أو للسيطرة على سوريا. وقد سميت الخطة باسم الجنرال سليماني. وتتضمن الخطة ثلاثة عناصر:
(1) إنشاء جيش طائفي شعبي يتكون من الشيعة والعلويين، ويُدعم بقوات من إيران والعراق وحزب الله، إضافة إلى وحدة شيعية رمزية من متطوعي الدول العربية على الخليج الفارسي.
(2) تتزايد هذه القوة تدريجياً حتى تصل إلى 150,000 مقاتل.
(3) وتعطي الخطة الأفضلية لاستيراد المحاربين من إيران والعراق، وبعد ذلك فقط، عناصر شيعية من دول أخرى. وسيتم دمج هذه القوة الإقليمية مع الجيش السوري. وزار سليماني بنفسه سوريا في أواخر فبراير وأوائل مارس، للإعداد لتنفيذ هذه الخطة.
وقال بعض الضباط الإيرانيين الكبار في السابق، مثل اللواء يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الذي يشغل حالياً منصب مستشار لخامنئي: إن لبنان وسوريا أعطيا لإيران «عمقاً استراتيجياً». ولذلك، يبدو الآن أن طهران تتخذ خطوة أبعد حيث تستعد لـ «الخطة ب» (Plan B)، أي السيطرة تماماً على سوريا في حال سقوط الأسد.
نصر الله، نادراً ما يقوم بمثل هذه الرحلات. آخر مرة سافر خارج لبنان كانت في فبراير 2010، عندما اجتمع في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
ويمارس نصر الله حذراً هائلاً حتى لا يظهر في العلن منذ حرب تموز عام 2006، وزاد الحذر منذ اغتيال رئيس الجناح العسكري لحزب الله، عماد مغنية، في دمشق في فبراير 2008.
وحتى في إيران نفسها حافظ نصر الله على سرية تامة في تنقلاته خوفاً من أن يصبح هدفاً للاغتيال هناك. وبعد الزيارة، ألقى خطاباً في لبنان في 30 أبريل، ولكنه لم يقل أي شيء عن زيارته إلى إيران. وأشار في خطابه إلى أن سوريا «لديها أصدقاء حقيقيون» لن يتركوها تسقط، ما يعني ضمنياً بأنه –عند الضرورة- سيضاعف جهوده للدفاع عن المصالح الإيرانية، التي تعتبر -حقاً- مهمة حزب الله الأولى.
ويبدو أن تدخل حزب الله الحالي في سوريا، ومدى هذا التدخل، شكلا المحور الرئيس على جدول الأعمال خلال زيارة نصر الله إلى طهران.
وكلما مضى الوقت، يثبت أكثر وأكثر أن إيران تنظر إلى سوريا باعتبارها العمود الفقري لسياستها في الشرق الأوسط بشكل عام. ويهدف إدخال حزب الله في الصراع المسلح في سوريا أولاً وقبل كل شيء لخدمة الإستراتيجية الإيرانية، والتي قامت بتحديد أهداف جديدة بخلاف المساعدات العسكرية للنظام السوري.
فإيران تبدو بالفعل أنها بدأت تعمل بخطة لما بعد نجاة النظام السوري، وتستعد لحقيقة واقعية في ما لو وجب عليها أن تعمل في سوريا حتى لو سقط الأسد.
وحتى قبل الأحداث الأخيرة في سوريا، حذر المراقبون في العالم العربي منذ سنوات عن وجود أدلة متزايدة لـ«تطلعات توسعية إيرانية» في المنطقة. ولعل أهم تعبير عن مركزية سوريا في الإستراتيجية الإيرانية، هو قول حجة الإسلام مهدي طيب، الذي يرأس خزان تفكير (مركز دراسات) التابع لخامنئي:
إن «سوريا هي المحافظة رقم 35 لإيران ولها أهمية إستراتيجية أكبر من محافظة خوزستان» [حيث يسكن عرب إيران الشيعة فوق معظم موارد النفط والغاز الإيرانية]. وعبر الحفاظ على سوريا، سوف نكون قادرين على حفظ خوزستان، ولكن إذا خسرنا سوريا فلن نقدر حتى المحافظة على طهران». والعجيب هنا أن طيب كان يقارن بين دولة مستقلة (سوريا) ومحافظة تحت السيادة الإيرانية الكاملة (خوزستان). وهكذا يتضح من تصريحه أن إيران لا يمكنها أن تتحمل خسارة سوريا مطلقاً.
* سوريا باعتبارها دولة شيعية:
وعلى أية حال، إذاً، سيكون على إيران زيادة تدخلها العسكري في سوريا. وسوف يكون على ممثل خامنئي في لبنان (حزب الله اللبناني) المشاركة في بناء الإستراتيجية الجديدة في سوريا، والعمل بجانب إيران ضد الجماعات الإسلامية السنيّة المتطرفة التي تهدد المصالح الإيرانية في سوريا.
ولطالما كان لطهران طموحات سياسية في ما يتعلق بسوريا منذ سنوات، واستثمرت فعلاً موارد ضخمة في محاولة تحويل سوريا إلى دولة شيعية.
بدأت العملية خلال حكم حافظ الأسد عندما تم إنشاء شبكة واسعة النطاق من المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية الشيعية في جميع أنحاء سوريا، وقد توسعت هذه الشبكة الشيعية بصورة هائلة وغير مقيدة أثناء حكم بشار الأسد.
وكان الهدف هو تعزيز التشيع في مناطق الدولة السورية كافة. إذ إن النظام السوري سمح للمبشرين الإيرانيين العمل بحرية لنشر المذهب الشيعي في دمشق ومدن الساحل العلوية، فضلاً على البلدات والقرى الصغيرة.
وتشير دراسة ميدانية نفذت من قبل معهد تابع للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2006، إلى أن أكبر نسبة تحول إلى المذهب الشيعي وقعت في المناطق ذات الأغلبية العلوية (تعليق المترجم: حصلنا على الدراسة وهي قيد الترجمة حالياً. انتهى تعليق المترجم).
وفي المناطق الحضرية والريفية السورية، حصل أهل السنة وغيرهم ممن تحولوا إلى المذهب الشيعي على امتيازات ومعاملة تفضيلية في تلقي أموال المساعدات الإيرانية السخية.
واجتمع رؤساء القبائل في منطقة الرقّة السورية، مع السفير الإيراني في دمشق الذي قدم لهم دعوة لزيارة جميع أنحاء إيران مجاناً، ودفع الإيرانيون الأموال إلى الفقراء وقدموا القروض المالية للتجار من دون أن يطالبونهم بإعادتها.
وتم الكشف عن أبعاد الاستثمارات الإيرانية في الرقة، والتي شملت مبانٍ أنيقة ومساجد وحسينيات، من قبل المتمردين السنة الذين استولوا على تلك البلدة النائية ودمروا كل علامات الوجود الإيراني هناك.
وبحلول عام 2009، كان هناك أكثر من 500 حسينية في سوريا تخضع لأعمال الصيانة الإيرانية. وفي دمشق نفسها استثمر الإيرانيون مبالغ ضخمة للسيطرة على الأماكن الشيعية المقدسة، بما في ذلك مقام السيدة زينب، ومقام السيدة رقية، ومقام السيدة سكينة.
هذه المواقع تجذب السياحة الإيرانية، التي تضاعفت أكثر من عشر مرات من عهد حافظ الأسد حتى عهد بشار الأسد (من 27 ألف زائر في عام 1978، إلى 290 ألف زائر في عام 2003).
كما تدير إيران أيضاً مركزاً ثقافياً رفيع المستوى في دمشق، والذي تعتبره أحد أكثر مؤسساتها أهمية ونجاحاً وفاعلية. هذا المركز ينشر أعمالاً باللغة العربية، وينظم فعاليات ثقافية كل أسبوعين، ويعقد ندوات ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز النفوذ الثقافي الإيراني في البلاد.
ويؤدي المركز الثقافي الإيراني دوراً مهماً في نشر وتدريس اللغة الفارسية في الجامعات السورية، بما في ذلك توفير معلمين للغة الفارسية.
* رعاية إيران للقوى الشيعية في سوريا:
تجري في الوقت الحاضر معارك دامية على مراكز النفوذ الإيراني في سوريا، وأهمها مقام السيدة زينب -شقيقة الإمام الحسين– الذي قتل بوحشية في عام 680 في كربلاء.
وفي التأريخ الإيراني غير الرسمي، يعتبر الإيرانيون أن المؤشر المميز لانتصارهم الكبير على أهل السنة يتمثل في النهضة الشيعية التي تشهدها دمشق عاصمة الإمبراطورية الأموية المكروهة، ولكن الثوار السنة يهددون الآن هذا الإنجاز الإيراني. وقد تم تجنيد حزب الله في هذه القضية، ليرسل مئات المحاربين من لبنان إلى سورية، وهؤلاء أنفسهم يحاولون تضليل الإعلام عبر نفي انتمائهم لحزب الله، ونسب أنفسهم إلى ما يسمى بـ«لواء أبو الفضل العباس» نسبة إلى الأخ غير الشقيق للإمام الحسين.
وكما سلف، تقوم إيران أيضاً بتجنيد قوة حربية شيعية في العراق للحرب في سوريا. ويتم تنظيم هذه القوة في إطار شقيق لحزب الله اللبناني. وتعرف هذه القوة الجديدة باسم «عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله»، ومهمتها الرئيسة الدفاع عن المراكز الشيعية في دمشق.
ويعمل أيضاً مقاتلو حزب الله في مناطق أخرى، بعضها خارج الحدود اللبنانية في القرى الشيعية في الأراضي السورية عبر الطريق إلى حمص، وبالتالي سيصنعون نوعاً من التواصل الجغرافي لسيطرة العلويين الجارية تحت النفوذ الإيراني.
وهذا التواصل يعتبر مهمة إستراتيجية لإيران لأنها تربط لبنان ودمشق بالساحل العلوي؛ فإيران تهدف إلى خلق شبكة من الميليشيات داخل سوريا لحماية مصالحها الحيوية، بغض النظر عن ما يحدث للأسد.
وتستمر الحرب في سوريا من دون أن تبدو بوادر أي نتيجة حاسمة في الأفق. خسائر حزب الله آخذة في الزيادة.
وأصبح الشيخ صبحي الطفيلي، أول رئيس لحزب الله والذي أقيل من قيادته من قبل إيران في بداية التسعينيات، أبرز المعارضين لتدخل حزب الله في سوريا. وزعم الطفيلي مؤخراً، أن 138 من محاربي حزب الله قد قتلوا في سوريا فضلاً على عشرات الجرحى الذين نقلوا إلى مستشفيات لبنان.
مراسم دفن الموتى في كثير من الأحيان تقام سراً، وأحياناً في الليل، وذلك لتجنب غضب واستياء السكان الشيعة.
ولكن هذه الإصابات لم تكن تخفى تماماً عن أنظار المواطنين الشيعة، ما أدى إلى أن تتساءل بعض العائلات بقوة عن تبرير مثل هذه التضحيات غير الضرورية، والتي ليست في إطار الجهاد المقدس ضد إسرائيل الذي يعتبر في نظرهم السبب الرئيس لوجود حزب الله؟!
أكد الشيخ الطفيلي، من جانبه، أن محاربي حزب الله الذين قتلوا في سوريا «ليسوا شهداء وسوف يدخلون جهنم». كما أكد أن سوريا «ليست كربلاء» ومحاربي حزب الله في سوريا «ليسوا جنود الإمام الحسين».
وأضاف أن الشعب السوري المظلوم والبريء هو كربلاء وثوار الشعب السوري هم أبناء الحسين وزينب. ووصلت معارضة الشيخ الطفيلي إلى درجة القول إنه «يشيد بالآباء والأمهات الذين يمنعون أبناءهم من الذهاب إلى سوريا ويقول لهم إن الله معهم».
وأشار الطفيلي أيضاً إلى أنه، من الناحية الشرعية، لم تصدر أي فتوى معتمدة تسمح بمشاركة حزب الله في الحرب في سوريا. وقال إنه ناشد المرجع الديني الأعلى -مرجع التقليد في النجف وفي لبنان– بعدم إصدار مثل هذه الفتاوى.
ولا يعتبر الشيخ الطفيلي الوحيد في الطائفة الشيعية اللبنانية، من حيث معارضة دور حزب الله كذراع لإيران في سوريا؛ فالأصوات تتزايد داخل حزب الله نفسه، معبرة عن الشك في حكمة نصر الله في الوقوف إلى جانب بشار الأسد؟
ورفض آخرون الذهاب للقتال في سوريا، لا بل هناك بالفعل بعض من انشقوا وفروا من صفوف حزب الله حتى لا يشاركوا في القتال إلى جانب بشار الأسد.
ولكن حتى الآن، لا يبدو أن تلك المعارضة تستطيع ردع حزب الله من الاستمرار؛ ففي نهاية المطاف، حزب الله ليس حركة وطنية لبنانية ولكنه اختراع إيراني يخضع لسلطة إيران الحصرية.
لقد اُستدعي نصر الله إلى طهران لتشجيعه على دخول سوريا ومواصلة العمل كجندي مخلص ومطيع للولي الفقيه: آية الله علي خامنئي.
ومن المرجح أيضاً أن طهران سوف تبذل كل جهد ممكن لتجنيد عناصر شيعية إضافية من العراق والخليج الفارسي، بل وحتى من باكستان كما نقلت بعض المصادر..
فبالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، فإن هذه الحرب هي صراع من أجل البقاء ضد انتفاضة سنيّة راديكالية تنظر إلى إيران والشيعة ككفار تجب إبادتهم. هذه هي الحرب الحقيقية التي تدور اليوم، ويمكن تشبيهها بحرب أهلية إسلامية.
ومن وجهة نظر إيران، فإنه إذا لم تتم هزيمة أهل السنة المتطرفين والتابعين لتنظيم القاعدة في سوريا، فإنهم سيتوجهون إلى العراق ويفرضون أنفسهم كما فعلوا في سوريا، وبالتالي يهددون مصالح إيران في الخليج الفارسي، ما يشكل خطراً حقيقياً على طموحات الهيمنة الإقليمية الإيرانية. ولذلك، فإن خامنئي لا ينوي الاستسلام.
ويبقى أن نستنتج أن استعداد حزب الله للقتال مع بشار الأسد، ونزوله إلى ميدان المعركة فعلياً جنباً إلى جنب مع إيران ضد السنة الراديكاليين في سوريا، يمكن أن يقرأ بأن طموحات حزب الله قد تدمر قريباً توازن النظام الداخلي الحساس الذي تقوم عليه الدولة اللبنانية مع وجود احتمال حقيقي لاستيلاء حزب الله على لبنان برمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق