مفهوم الرِدّة عند الشيعة ومصير جهود التقريب
التاريخ : الأحد 06 سبتمبر 2009 كتب : كاظم الربيعي لماذا يتحول الشيعة العراقيون الى المذهب السني، ولماذا تبطش المليشيات الشيعية بالشيعة أكثر مما تبطش بغيرهم؟ من أساسيات مناقشات الخلافات والخصومات بين الأطراف المتنازعة هو سماع الطرفين وتقييم أقوالهما وحجمها في الميزان المقبول ومن ثم النطق بالحكم. لكن ان يطغى صوت طرف على آخر ويُمنع الثاني من الإدلاء بحجته وبسط ادلته فهو عين الظلم الذي لا يرضاه أحد. وهذه ليست دعوة لنسف جهود التقارب والتصالح الصادقة التي تهدف إلى الحد من سفك الدماء والقتل والتعايش بين أبناء أهل السنة والجماعة وطائفة الشيعة، وإنما هي وقفة مع بعض مظاهر الغلو ونسف مبدأ التعايش من قبل الجانب الشيعي. والسبب الداعي للكتابة حول هذا الموضوع هو أن الإعلام بسطوته وسيطرته استطاع أن ينشر فكرة لصق التطرف والتكفير وحب التفجير والقتل بأهل السنة حتى اصبح مشهد الدول العربية والإسلام أشبه ما يكون بمعمل لتصنيع المتطرفين. فالعلماء يفكرون والشباب والحكام العرب يدعمون، ومن المؤسف جدا ان المساكن الأكبر لمثل هذه الأفكار هو الجانب الشيعي الذي دائما يظهر حرصا على التقارب والتصالح ونبذ الطائفية، ولن أبحث طويلا عن أحكام المرتد في كتب الفقه الشيعي، وإنما اعتمد على التطبيق العملي لحكم الردة في المفهوم الشيعي من خلال الواقع العراقي وبعض مفردات الثقافة الشيعية. مصير المتحولين الشيعة شهد العراق ومنذ الثمانينات وحتى الحرب الأخيرة 2003 حركة تحول نشطة من المذهب الشيعي إلى السني ساهم في ذلك عدة عوامل منها وجود دعوة إسلامية سنية قوية نشطت في هذا الجانب فجرى تحويل المئات من العوائل وليس الأفراد إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وكانت مناطق الدعوة والتحويل هي محافظات الجنوب وخاصة البصرة والحلة وضواحيها، والعاصمة بغداد وعلى وجه التحديد (جانبها الشرقي/الرصافة) في أحياء شارع فلسطين والشعب وحي أور والأمين والنعيرية والبلديات والمشتل والحبيبية وجميلة ومناطق شرق قناة الجيش في بغداد وحتى مدينة الصدر (معقل الشيعة الأكبر شرق بغداد) وحتى المناطق المحيطة في بغداد كالصويرة و(سلمان باك/المدائن) وقرى محافظة ديالى والراشدية وأبو غريب، وكان الشيعي المتحول أشد صلابة في الدين من السني الأصل. قد يكون كلامنا هذا بحاجة إلى أدلة كبيرة فلم يسبق لأحد أن أثار مثل هذا الموضوع، ولكن بإمكان الباحث أن لا يكلف نفسه عناء البحث حول هذا الموضوع ويكتفي بالذهاب إلى سوريا وفي أماكن تجمع العراقيين السنة ليرى عدد العوائل (الشيعية) التي فرت من بطش المليشيات الدينية الشيعية، أو أن يزور الجمعيات الخيرية والانسانية التي تتابع شؤون الأرامل والأيتام في المناطق السنية (وخاصة بغداد) حيث أنها تملك بيانات عن حال كل أرملة ويتيم تقوم على دعمه وكفالته. أما عن التعامل الشيعي مع هذه الظاهرة فلا شك انه سيكون قويا لكنه لم يتخذ إجراء تحصينيا من الدعوة السنية، إنما قام بمقاطعة المتحولين ومحاربتهم اجتماعيا فالأسرة التي يتحول أحد أفرادها تقوم بحملة مقاطعة جماعية لهذا الشخص المتحول حتى تسوء أوضاعه الاجتماعية والمادية. أما بعد الاحتلال وهو موضوع المقال فتمثل في ملاحقة وتصفية الشيعة المتحولين عن مذهبهم، والسعيد من نجا من القتل بعد أن بلغه أحد أصدقائه الشيعة بأن اسمه في قوائم التصفية أو أنه سمع تهديدا بتصفية ذلك الشخص. ومنذ أشهر الاحتلال الأولى بدأت عمليات التصفية، وبعد مضي فترة من الزمن لاحظ أهل السنة وخاصة مرتادي المساجد أن التصفية تطال فقط الشيعة المتحولين فضلاً عن المسؤولين والضباط البعثيين السنة، وذلك حتى نهاية عام 2003. حاولت الاقتراب أكثر من هذا الموضوع فوجدت نموذجين من المتحولين الشيعة أحدهما: رجل صاحب أسرة صغيرة فر من منطقته في شرق بغداد بعد أن حذره مختار منطقته من أن التصفية الجسدية ستكون مصيرية لكونه متحولا عن دينه، فأسرع في ترك منزله وكان ذلك نهاية عام 2005. وأما النموذج الثاني فهو رجل هرب بأسرته إلى سوريا بعد أن هاجمت قوة مسلحة منزله في أحدى مناطق شرق بغداد (لم نذكرها حرصا على سلامته) ولما تأخر في فتح الباب اقتحمت القوة المنزل لكنه نجح هو وأسرته بالقفز إلى بيت جيرانه ليقضي ليلته المرعبة في إحدى البيوت وقام بعدها بالهرب سراً إلى سوريا.. كان ذلك عقب تفجيرات سامراء فبراير/شباط 2006. وبالرغم من أن المنطقة كانت تخضع لسيطرة المليشيات وبالرغم من تواجد عدد من منازل السنة كان الاستهداف فقط للعوائل المتحولة لكونها مرتدة. القصص كثيرة ولدي أسماء عديدة من ضحايا المليشيات من المتحولين، لكن وجود العشرات من العوائل المتحولة أو الأشخاص المتحولين (على الأقل) في سوريا والأردن كفيل برسم صورة كاملة عن حكم الشيعي المتحول عند رجال الدين الشيعة، بل هو الأصدق والأبلغ في الوصف لأن المسألة تجاوزت حد التنظير والتأصيل العلمي لمن ترك التشيع. هذا كله بخصوص الشيعي أما السني الأصل فإنه يعامل معاملة الكافر وتحت مسميات عديدة منها: 1-البعث وهنا يلاحظ إن سبب تكفير الشيعة للبعث ليس لعلمانيته وفكره اللاديني وإنما لكونه سنيا مشبعا بالطائفية ويسعى لاجتثاث الشيعة وإرجاع الحكم الدكتاتوري حسب التفسير العراقي. 2-الوهابية وهو اسم عام لجميع السنة بل وحتى الشيعي المتحول في الثقافة الشعبية العراقية لا يسمى بالمستنسن وإنما يقال "أصبح وهابياً"، وبعد الاحتلال اصبحت هذه الكلمة مرادفة لكلمة الناصبي التي سياتي الكلام عليها، أما في خارج العراق فالوهابية هي الحركة السلفية المشهورة والتي لها رواج وانتشار في معظم البلدان العربية والإسلامية. وقد اتخذ القتل الديني أشكالا متعددة في العراق المحاكمات التي جرت في الحسينيات (أماكن عبادة الشيعة) للمدنيين السنة، فضلا عن قتل السنة الذين يحملون أسماء الخلفاء الثلاثة، وهدم المساجد السنية او تحويلها إلى حسينيات. المستبصر هو اسم يطلقه الشيعي على السني الذي يقتنع بالتشيع وهم بالأكيد (أقل من المتحولين الشيعة) وكما ان الشيعي المتحول يكون شديد الالتزام بالمذهب الجديد فإن التحول العكسي يؤتي نفس النتائج ويظهر بوضوح إذا كان المتحول كاتبا أو صحفيا حيث يسخر قلمه وجهده وثقافته للطعن بكل ما يتعلق بمسمى "السنة والجماعة" تاريخا وحاضرا ورجالا وعقيدة، فلا يسلم احد من قلمه ويتجرأ على الحدود الحمراء الذي لم يتجاوزها حتى الشيعي الأصلي. وفي الوقت الذي يطلق السنة على من يتحول منهم على الى التشيع بأنه "متشيع" فإن المقابل يطلق على من اقتنع بالمذهب الشيعي مسمى "الاستبصار" وكأنه كان يعيش في ظلام دامس في ظل ديانته السنية حتى منّ الله تعالى عليه فأبصر الحقيقة وتبين له المذهب الحقيقي الممثل للإسلام، أما المليار سني الذين ما يزالون يقيمون على دينهم الذي خدعوا به، فهم في طغيانهم يعهمون لأنهم لم يبصروا الحقيقة. إن الدعاية العملية للتشيع وثمارها على الأرض أثارت مخاوف رجال الدين السنة وعلى رأسهم العلامة يوسف القرضاوي الذي حذر من التمدد الشيعي في المجتمعات السنية وقال إنه سيقف بوجهه على الرغم من كونه إمام الاعتدال الديني وأقرب الوجوه السنية الى الشيعة، والسبب في تحذيره (سبتمبر/أيلول 2008) هو أن المسألة تجاوزت اقتناع المتشيع بفكرة معينة، أو مبدأ معين وإنما هي مجموعة مبادئ وأفكار لا تقوم إلا على ما يهدم من الدين الأساسي لذلك المتشيع (الاسلام) فوجد التحذير واجبا عليه قبل وقوع الكارثة وتسلل الشبهات وغزو الأفكار الهدامة لأساسيات هذا الدين. الزعم بوجود مظلومية مستمرة لآل البيت النبوي من أخطر العبارات التي أكثر المفكرين ورجال الدين الشيعة من استخدامها –وخاصة بعد الحرب على العراق هي "مظلومية 14 قرنا وقعت على أهل البيت وأتباعهم" وكان آخرها ما صرح به احمد راسم النفيس المتشيع المصري من ان الشيعة يحملون مظلومية أهل البيت منذ 14 قرنًا، أي قبل وجود إيران أو تشيعها" (موقع الجزيرة نت الاثنين 27 يوليو/تموز 2009). وفي هذه العبارة ما فيها من اتهام وطعن في عموم المسلمين ورميهم بظلم حق آل البيت وهو اتهام كبير، ومن المؤلم أن يخضع بعض خطباء الشيعة آيات القرآن لأهوائهم ويتهموا الأمة اتهامات خطيرة كما فعل حسين الشيرازي (نجل المرجع صادق الحسيني) عندما فسر قول الله (إن عرضنا الأمانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها) بان الأمانة هي ولاية علي وقال فما اكثر الظلم بهذه الامانة فمظلومية الإمام أمير المؤمنين وشيعته مستمرة إلى يومنا هذا وذلك في خطبة الجمعة يوم 19 سبتمبر/ايلول 2008 في مسجد الشيرازي في الكويت. بين الروافض والنواصب لطالما أكثر الإعلام من أن المتشددين السنة يستخدمون مصطلح الروافض لتكفير الشيعة،ولم يلتفت أحد الى اتهام العلامة القرضاوي بأنه ناصبي حقيقي ومعاد لأهل البيت. والساكت عن هذا الشيخ الناصبي شيطان أخرس كما صرح بذلك محمد باقر المهري وكيل المرجعية في الكويت صحيفة الدار الكويتية (11 اكتوبر/تشرين الأول 2008). وهذا المصطلح "النواصب" قد كثر استخدامه من قبل مقتدى الصدر والمرجعيات الشيعية في العراق وأصبح واسع الاستخدام، ولعل المفاجأة تظهر عندما يعلم القارئ ان مصطلح الناصبي هو حكم بالتكفير فقد جاء في الروايات الشيعية عن الحسين (رض) انه قال في الناصبي: "حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل" وأيضا يلحق بالناصبي حكم النجاسة الكفرية المعنوية كما جاءت الرواية الشيعية بذلك "إن الله لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه". اما مصطلح الروافض فهو وإن كان مما اتفق عليه المسلمين لنعت طائفة الشيعة الإمامية وبيان المخالفات الكبيرة التي يقترفونها لكن ليس فيه حكم للتكفير. وقد ظهر هذا المصطلح بعد أن رفض بعض الشيعة متابعة زيد بن علي بن الحسين (رض) على تولي أبي بكر وعمر والترضي عنهما، اما حكم التكفير فيتعلق بالعقيدة والفكر الذي يعتنقه وليس المسمى في حين إطلاق هذه التسمية من قبل المرجع والشيخ الشيعي عن ما يشاء هو حكم بالتكفير. الحكم بالخيانة على كل من يخالف الايرانيين ويعارض سياساتهم في المنطقة دكتاتورية حكام طهران وملاليها دفعت بهم إلى الحكم بالخيانة والعمل لأجل مصالح الاعداء على كل من يخالفها من أبناء المذهب السني، وفي هذا حكم واضح وصريح بالتكفير والتنفير من هذه الجهات لكن الغريب أن هذا الحكم لم يتوقف عن الحكام والأنظمة كما جرت العادة بذلك وإنما تجاوز الى حركات المقاومة السنية والأحزاب والحركات الفكرية في العالم الإسلامي، بل وكافة علماء الدين الذين يحذرون من التشيع وكان آخرهم القرضاوي. لكن عدوى كيل الاتهامات للجميع انتقلت الى شيعة البلدان المجاورة لإيران كالعراق والخليج العربي. ربط المذاهب الدينية بالسلاطين والحكومات من القضايا المتعلقة باستمرارية المظلومية لآل البيت ومذهبهم )حسب الثقافة الشيعية( هو أن الحكام والسلاطين المسلمين قاموا بتبني المذاهب السنية الأربعة ونتيجة لذلك استمرت ونشأت ما دامت مرضية للطبقة الحاكمة ملبية لأغراضها، وفي المقابل عكف العلماء على الترويج للسلطان والسكوت عن باطله واستماله قلوب الناس إليه، في الوقت الذي كان يضطهد به اهل البيت ومذهبهم وأتباعهم، وفي هذا أيضا اتهام عام لعلماء الاسلام بأنهم كانوا من خدم السلطان ومن حاشيته وتحت إمرته ويخضعون الدين لأهواء السلطان ولشهواتهم ورغباتهم. وهذا امر تنطوي عليه نتائج خطيرة أبسطها نسف الحضارة والتاريخ والفكر الإسلامي على مدار القرون الماضية. وهذه النتيجة لم يفكر حتى المستشرقين والكتاب المعادين للدين وللنبي محمد عليه السلام ان يصلوا إليها. عبارة "الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء" واحدة من العبارات الرائجة في الفكر الشيعي هو "الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء" ومعناها انه لولا الحسين وأحداث كربلاء سنة (61هـ) لما بقي من الإسلام شيء حسب التفسير الشيعي لما سمي بثورة عاشوراء، وأن تلك الحادثة هي التي رسخت الإسلام الحقيقي "التشيع"،ومن المعلوم ان سائر المذاهب الاسلامية مع تبجيلها للحسين (رض) وعموم أهل البيت النبوي لا ترى فيهم هذه النظرة القدسية والمكانة المركزية والمنزلة المحورية في الاسلام، وحتى الشعائر الديينة التي يقيمها الشيعة لا يفعلها المسلمون على الإطلاق، ومن المؤسف تكرار هذه الفكرة وربط قيام الاسلام بالتشيع وجوداً وعدماً. مثل هذه الأفكار والثقافة القاتلة لروح التعايش وتطبيق ما تيسر منها على الأرض يؤدي إلى نتائج كارثية وقد شوهدت بعض آثار هذه الثقافات في العراق في المعتقلات وفي عالم المليشيات. http://www.mobashernews.net/index.ph...009&more=76219 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق