لماذا يهاجمون دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟
|
الشيخ الدكتور: عبدالعزيز آل عبداللطيف*
|
واجهت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – منذ بداية ظهورها حملةً ضارية وعداءً سافراً، سواءً من قبل أمراء وحكام، أو من قبل بعض المنتسبين إلى العلم، وقد تنوعّت أساليب هذه المعارضة وتعددت جوانبها من تأليف وترويج الكتب ضد هذه الدعوة السلفية التجديدية، وتحريض الحكام عليها، ورميها بالتشدد والتكفير وإراقة الدماء. وقد تحدّث الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عن هذه الهجمة قائلاً: "فلما أظهرت تصديق الرسول فيم جاء به سبّوني غاية المسبة، وزعموا أنّي أكفر أهل الإسلام وأستحل أموالهم" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/26). ويصف الشيخ عداوة الخصوم وفتنتهم في رسالته للسويدي – أحد علماء العراق – فيقول _رحمه الله_: "ولبّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس، وكبرت الفتنة وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/36). ولاحظت من خلال استقراء كتب خصوم هذه الدعوة(1) أن غالبهم إما من الروافض أو غلاة الصوفية، فالروافض ينافحون عن وثنيتهم وعبادتهم للأئمة، وكذلك الصوفية يفعلون. وعمد العلمانيون في هذه البلاد – ومن تأثّر بهم من التنويريين والإصلاحيين – إلى الطعن في هذه الدعوة من أجل التوثّب على قواعد الشريعة والتفلّت منها، ومنهم من شغب على هذه الدعوة؛ لأن ثوابت هذه الدعوة كالجهاد في سبيل الله _تعالى_، وبُغْض الكافرين والبراءة منهم تعكِّر ما يصبوا إليه من ركون إلى الدنيا وإيثار للسلامة والسلام مع الكفار، فهدف أرباب العقول المعيشية أن يأكلوا ويقتاتوا بسلام ولو على حساب وأد الثوابت العقدية والقواطع الشرعية. وأما عداوة الغرب لهذه الدعوة فقديمة قدم هذه الدعوة المباركة، فما إن سقطت الدرعية سنة 1234هـ على يد إبراهيم باشا حتى أرسلت الحكومة البريطانية مندوبَها مهنئاً على هذا النجاح، ومبدياً رغبة الإنجليز في سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل(2)! لا سيما وأن الإنجليز – وفي ذروة غطرستهم وهيمنتهم – قد كابدوا أنواعاً من الهجمات الموجعة من قبل "القواسم" أتباع الدعوة، وذلك في بحر الخليج العربي. ولا عجب أن يناهض الغرب هذه الدعوة الأصيلة، فالغرب يدين بالتثليث والشرك بالله _تعالى_، وهذه الدعوة قائمة على تحقيق التوحيد لله _تعالى_، وأُشرب الغرب حبّ الشهوات المحرمة وعبودية النساء والمال، وهذه الدعوة على الملة الحنيفية تدعو إلى التعلّق بالله _تعالى_، والإقبال على عبادته والإنابة إليه، والإعراض والميل عما سوى الله _تعالى_. وأما عن أسباب مناهضة هذه الدعوة السلفية، فيمكن أن نجمل ذلك في الأسباب الآتية:1- غلبة الجهل بدين الله _تعالى_، وظهور الانحراف العقدي على كثير من أهل الإسلام، فالتعصب لآراء الرجال والتقليد الأعمى، وعبادة القبور، والتحاكم إلى الطاغوت، والركون إلى الكفار والارتماء في أحضانهم.. كل ذلك مظاهر جلية في واقع المسلمين الآن، وهذه الدعوة تأمر باتباع نصوص الوحيين، وتدعو إلى عبادة الله _تعالى_ وحده، وتقرر أن من أطاع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله _تعالى_، وتنهى عن موالاة الكفار، وتقرر أن مظاهرة الكفار ضد المسلمين من نواقض الإسلام، فلما أظهر الله _تعالى_ هذه الدعوة السلفية استنكرها الرعاع وأدعياء العلم والعوام؛ لأنها خالفت عوائدهم الشركية ومألوفاتهم البدعية. 2- ومن أسباب هذه الحملة الجائرة: ما ألصق بهذه الدعوة ومجددها وأنصارها من التهم الباطلة والشبهات الملبسة، فقد كُذب على الشيخ محمد بن عبدالوهاب كما "كُذب على جعفر الصادق"، ومثال ذلك رسالة ابن سحيم – أحد الخصوم المعاصرين للشيخ – حيث بعث برسالة إلى علماء الأمصار، يحرّضهم ضد الشيخ، وقد حشد في تلك الرسالة الكثير من الأكاذيب والمفتريات، ثم جاءت مؤلفات أحمد دحلان ضد الدعوة فانتشرت في الآفاق والبلاد. 3- النزاعات السياسية والحروب التي قامت بين أتباع هذه الدعوة وبين الأتراك من جهة، وبين أتباع هذه الدعوة والأشراف من جهة أخرى، فلا تزال آثار تلك النزاعات باقية إلى الآن، يقول محب الدين الخطيب – رحمه الله – في هذا الشأن: "كان الأستاذ محمد عبده – رحمه الله – يستعيذ بالله من السياسة ومن كل ما يتصرف منها؛ لأنها إذا احتاجت إلى قلب الحقائق، وإظهار الشيء بخلاف ما هو عليه اتخذت لذلك جميع الأسباب، واستعانت على ذلك بمن لهم منافع شخصية من وراء إعانتها، فتنجح إلى حين في تعمية الحق على كثير من الخلق، ومن هذا القبيل ما كان يطرق آذان الناس في مصر والشام والعراق وسائر الشرق الأدنى في المائة السنة الماضية من تسمية الدعوة التي دعا بها الشيخ المصلح محمد بن عبدالوهاب _رحمه الله_ باسم "الوهابية" اتهاماً بأنه مذهب جديد.. (مجلة الزهراء، 1354هـ، ص84). ويقول الشيخ محمد رشيد رضا – رحمه الله-: "إن سبب قذف الوهابية بالابتداع والكفر سياسي محض، كان لتنفير المسلمين منهم لاستيلائهم على الحجاز، وخوف الترك أن يقيموا دولة عربية، ولذلك كان الناس يهيجون عليهم تبعاً لسخط الدولة، ويسكتون عنهم إذا سكنت ريح السياسة" (مجلة المنار، م24، ص584). 4- ومن أسباب هذه المناهضة: الجهل بحقيقة هذه الدعوة، وعدم الاطلاع على مؤلفات ورسائل علماء الدعوة، فجملة من المثقفين يتعرّفون على هذه الدعوة من كتب خصومها، أو من خلال كتب غير موثّقة ولا محرّرة. إن المنصف لهذه الدعوة ليدرك ما تتميز به هذه الدعوة من سلامة مصادر تلقيها، وصفاء عقيدتها، وصحة منهجها، وما قد يقع من زلات أو تجاوزات فهذا يتعلّق بجوانب تطبيقية وممارسات عملية لا ينفك عنها عامة البشر، وعلماء الدعوة لا يدّعون لأنفسهم ولا لغيرهم العصمة، فكل يؤخذ منه ويردّ إلا المصطفى _صلى الله عليه وسلم_. كما أن الدفاع عن هذه الدعوة ليس مجرد دفاع عن أئمة وأعلام فحسب، بل هو ذبّ عن دين الله _تعالى_، وذودٌ عن منهج السلف الصالح. وفي الختام ندعو أهل الإسلام عموماً للانتفاع بالجهود العلمية والتراث النفيس الذي سطّره علماء الدعوة، والانتفاع بمواقفهم العملية وتجاربهم الاحتسابية والإصلاحية، والله أعلم. _____________ * أستاذ العقيدة، وصاحب دعاوى المناوئين لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب. (1) ينظر إلى كتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عرض ونقض للكاتب. (2) انظر كتاب الكابتن سادلير رحلة عبر الجزيرة العربية، ترجمة أنس الرفاعي. المصدر : موقع المسلم |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق