«الرواية وأُصولها عند الشّيعة»
بقلم: خالد الحايك
بسم الله الرّحمن الرّحيم
· مقدمة:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدّين، أما بعد:
فإنّه اشتهر عند أهل السنة والجماعة أنّ الشيعة لا يوجد عندهم علم بالحديث، وكان أول من نبّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله تعالى- في بعض كتبه أثناء ردّه على الروافض.
وهنا تُطرح عدّة أسئلة حول هذا الموضوع، وهي:
- لماذا لم يكن عند الشيعة حديث، مع أنّ بعض الرواة الذين ترجم لهم أهل السنة في كتبهم هم من الشيعة؟
- أن الشيعة أنفسهم يكذبون هذه الدعوة، ويردون على قائلها!
- لماذا لا توجد مصنفات لأهل السنة في الرد على كتب الشيعة قديماً؟
- أن هناك الكثير من المفكرين الشيعة الذين بروزوا في العصور المتأخرة حتى عصرنا هذا، وكان لهم إنتاج كبير، فهل يعقل أن يكونوا بهذا الذكاء، ونصدق أنهم يؤمنون ببعض المعتقدات والأحاديث التي لا أصل لها!!
هذا ما سأحاول الإجابة عليه من خلال طرح بعض القضايا التي تتعلق بذلك.
لا يخفى على علماء أهل السنة والجماعة أن بعض الرواة الذين ترجم لهم العلماء هم من الشيعة، ولكن هؤلاء الشيعة إنما كان تشيعهم في الميل إلى آل البيت وحبهم، لا تكفير الصحابة وغيرهم كما هو مذهب التشيع المتأخر، ولهذا روى أهل السنة عن هؤلاء وبيّنوا أحوالهم. وقد جاءت أقوال العلماء فيهم في باب البدعة.
- قال علي بن المديني: "لو تركت أهل البصرة لحال القدر، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي – يعني التشيع- خَرِبت الكتب." أي لذهب الحديث [الكفاية للخطيب البغدادي:ص206].
- وسألَ الحسين بن إدريس محمدَ بن عبد الله المَوصليّ عن علي بن غراب؟ فقال: "كان صاحب حديث بصيراً به. قلت: أليس هو ضعيف؟ قال: إنه كان يتشيع، ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث يبصر الحديث بعد ألا يكون كذوباً للتشيع أو القدر، ولست براوٍ عن رجلٍ لا يبصر الحديث ولا يعقله، ولو كان أفضل من فتح" - يعني فتح الموصليّ الزاهد [الكفاية للخطيب: ص207].
فأهل السنة يفرقون بين التشيع الذي كان منتشراً بين التابعين ومن بعدهم وبين التشيع الذي عمّ وطمّ متأخراً، وهو ما يطلق على أصحابه «الرفض» على اختلاف فرقهم.
قال الإمام الذهبي: "البدعة على ضربين: صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف؛ فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية؛ وهذه مفسدة بيّنة. ثمّ بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاة إلى ذلك؛ فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً؛ بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا. فالشيعيّ الغالي في زمان السلف وعُرْفهم هو من تكلّم في عثمان والزّبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه، وتعرّض لسبِّهم. والغالي في زماننا وعُرفنا هو الذي يكفِّر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضالٌّ مُعثر" [الميزان: 1/5-6].
والملاحظ أن الشيعة لم تكن لهم كتبٌ حتى جاء شيخهم الكليني في القرن الرابع الهجري فوضع لهم كتابهم العمدة المسمى «الكافي»، وقد علل الشيعة سبب تأخر التصنيف عندهم لأن الخلفاء كانوا يمنعونهم من التدوين منذ زمن أبي بكر، ونقلوا حكايات كاذبة في ذلك لا يصدقها عقل!! وقالوا بأن العلم كان يحفظه الأئمة المعصومين، ولهذا لم يحتاجوا إلى تدوينه! وهذا تناقض عجيب منهم، فطالما أن الإمام يحفظ كل شيء فهم لا يحتاجون للتدوين، فلمَ قالوا بأن الخلفاء منعوهم من ذلك!
وحاصل الأمر أن علماء الشيعة الضّالين عندما رأوا كتب أهل السنة والجماعة وعدم قدرتهم على مقارعة علماء أهل السنة بدأوا بوضع الكتب على نطاق ضيّق، فألف الكليني كتاب «الكافي»، وألف الطوسي كتاب «الأحكام» وغيره، ولما في هذه الكتب من كذب وتزوير أعرض أهل السنة والجماعة عن الرد عليها إماتة لها وإخماداً لذكرها لئلا تنتشر بين العوام، وهذا هو السبب الرئيس في عدم وجود ردود لعلماء أهل السنة على بعض كتب الشيعة القديمة.
وقد يكون أيضاً من الأسباب في عدم وجود ردود على ضلالات الشيعة في كتبهم هو أن الأمة كانت تمر في عصر جمود فاضمحلت المؤلفات في العصور المتأخرة واقتصر العلماء على الاختصار والتهذيب والشروحات، والله أعلم.
أما ما نجده في العصور المتأخرة من وجود بعض المفكرين البارزين الشيعة، والعجب من هؤلاء كيف يكونون بهذا الذكاء وهم يؤمنون برجعة طفل صغير غاب في سرداب منذ مئات السنين! والجواب عن ذلك بسيط جداً، وهو أن هؤلاء معهم انفصامٌ في الشخصية، والله أعلم.
· معتقدات الشيعة وأثرها في علم الحديث عندهم!
اشتهر في التاريخ بأن عبدالله بن سبأ اليهودي الذي دخل في الإسلام هو الذي بث السم في عقول النّاس من خلال التشيع لعليّ رضي الله عنه وحبّ آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهث وراءه الكثير من عوامهم، حتى أصبح علماءهم يدافعون عن هذه العقائد الباطلة فأصبحت ديناً عندهم.
والعجب من علماء الشيعة فإن المتقدمين منهم ترجموا لعبدالله بن سبأ في كتبهم، واعترفوا بأنه شيعيّ إلا أنه رجع إلى الكفر والإلحاد كما قال الطوسي، وأما المتأخرون فإنهم أطبقوا على أن هذا الرجل لا يوجد له وجود أصلاً، وإنما هو أسطورة خيالية ذكرها الطبري في تاريخه بواسطة صانعها سيف بن عمر التميميّ.
وقد ترجم له الكَشّي في الرجال وساق بإسناده إلى أبي جعفر: أنّ عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقرّ بذلك، وقال: نعم، أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبيّ. فقال له أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتُب، فأبى فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب، فأحرقه بالنار، وقال: إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويُلقي في روعه ذلك.
ثم قال الكشي: "وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عليّ عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة عليّ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفّرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة أن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية." [رجال الكشي: ص98-101].
قلت: فهذا اعتراف من أحد أئمة الشيعة بوجود عبدالله بن سبأ، ونقل عن أهل العلم حاله وبيّن عقائده، فلمَ ينكر الشيعة وجوده؟ ولِمَ ينكر الكثير من الناس أنه هو أصل هذه العقائد الفاسدة الباطلة!
ومذهب التشيع يقوم على عقيدة «الإمامة»، فهي أهم ركن عندهم، ومنكرها كافر كما يقول أئمتهم، وقد كان لهذه العقيدة عندهم الأثر الكبير في صياغة العقل الشيعيّ الخرافيّ، وسأبين ما وُلد من رَحِم هذه العقيدة من أصول عندهم.
أظهر ابن سبأ القول بالإمامة وأن الإمام الشرعي للمسلمين هو «عليّ بن أبي طالب»، والإمامة تكون في آل البيت من ولد عليّ، والأئمة عندهم اثنا عشر، ولهذا عرفوا بـ «الإمامية الاثنا عشرية».
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: "ومحنة الرافضة هذه هي محنة اليهود، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود. وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد عليّ" [منهاج السنة: 1/24-25].
ونتيجة لهذه العقيدة عندهم وضعوا الأحاديث الكثيرة في أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى لعليّ ولولده من بعده، وأن هؤلاء الأئمة «معصومون من الخطأ والسهو» وعنهم تُتلقى الأحكام وكلّ شيء، فولدت عندهم عقيدة «القول بعصمة الأئمة».
وكان إمامهم الحادي عشر، وهو «الحسن العسكري» المتوفى سنة (260هـ)، لم يعقّب ولداً، وكان عقيماً، فقام عثمان بن سعيد العسكري الهالك سنة (280هـ) بادّعاء وجود ابن للحسن العسكري اختفى وعمره أربع سنين، واسمه «محمد»، وكان قد اختفى في سرداب بسامراء، فظهرت عندهم عقيدة «غيبة الإمام المهدي»، وهم ينتظرون خروجه للانتقام ممن عادى آل البيت!!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: "والمرأة إذا غاب عنها وليها، زوّجها الحاكم أو الولي الحاضر؛ لئلا تفوت مصلحة المرأة بغيبة الولي المعلوم الموجود، فكيف تُضيَّع مصلحة الأمة، مع طول هذه المدة، مع هذا الإمام المفقود" [منهاج السنة: 1/123].
وقد ترجم الإمام الذهبي لهذا الإمام المنتظر في «السير»، فقال: "الشريف أبو القاسم: محمدُ بنُ الحسنِ العسكريّ بنِ عليّ الهادي بن محمد الجواد بن عليّ الرِّضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصَّادِق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن عليّ بن الحسين الشهيد بنِ الإمام عليّ بن أبي طالب، العلويُّ الحسينيُّ.
خاتمةُ الاثني عشر سيِّداً، الذين تَدَّعي الإماميَّةُ عِصْمَتَهم –ولا عصمة إلا لنبيٍّ- ومحمدٌ هذا هو الذي يزعمون أنه الخَلَف الحجّة، وأنه صاحبُ الزّمان، وأنه صاحبُ السرداب بسامرَّاء، وأنه حيٌّ لا يموتُ، حتى يخرجَ، فيملأَ الأرض عدلاً وقِسطاً، كما ملئت ظلماً وجوْراً. فودِدْنا ذلك – والله- وهُم في انتظاره من أربعِ مئةٍ وسبعين سنة، ومن أحالكَ على غائبٍ لم يُنْصِفْكَ، فكيفَ بِمن أحالَ على مستحيلٍ! والإنصافُ عزيزٌ، فنعوذ بالله من الجهلِ والهوى.
فمولانا الإمامُ عليّ من الخلفاء الراشدين، المشهودِ لهم بالجنة –رضي الله عنه- نُحِبُّه أشدَّ الحبِّ، ولا ندّعي عصمَتَه، ولا عصمةَ أبي بكرٍ الصدّيق.
وابناهُ الحسن والحسين فَسِبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك.
وزَيْنُ العابدين كبيرُ القدْرِ، من سادة العلماء العَاملين، يَصلُح للإمامة، وله نظراء، وغيرهُ أكثرُ فتوى منه، وأكثرُ روايةً.
وكذلك ابنُه أبو جعفر الباقر سيّدٌ، إمامٌ، فقيهٌ، يَصلُح للخلافة. وكذا ولدُهُ جعفر الصّادق كبيرُ الشّأن، من أئمة العلْم، كان أولى بالأمر من أبي جعفرٍ المنصور.
وكان ولدُه موسى كبيرَ القدر، جيّدَ العلم، أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشّرف والفضل.
وابنُه عليّ بن موسى الرِّضا كبيرُ الشأن، له علمٌ وبيانٌ ووقْعٌ في النّفوس، صيَّره المأمونُ وليَّ عهدِه لجلالته، فتوفي سنة ثلاث ومئتين. وابنُه محمد الجواد، من سادة قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه. وكذلك ولدُه الملقب بالهادي، شريفٌ جليل. وكذلك ابنُه الحسن بن عليّ العسكري. رحِمَهُم الله تعالى.
فأما محمد بن الحسن هذا، فنقلَ أبو محمد بن حزم: أنّ الحسن مات عن غير عقب. قال: وثَبَتَ جمهور الرافضة على أنّ للحسن ابناً أخفاه. وقيل: بل وُلد له بعد موته، من أمَةٍ اسمها: نَرْجِسٌ، أو سَوْسَنٌ، والأظهرُ عندهم أنها صقيل، وادّعت الحملَ بعد سيِّدها، فأُوقِفَ ميراثُه لذلك سبع سنين، ونازَعها في ذلك أخوه جعفرُ بن عليّ، فتعصَّب لها جماعةٌ، وله آخرون، ثمّ انفشَّ ذلك الحمل وبطل، فأخذ ميراث الحسن أخوه جعفرٌ، وأخٌ له. وكان موتُ الحسن سنة ستين ومئتين... إلى أن قال: وزادت فتنةُ الرافضة بصقيل وبِدعواها إلى أن حَبسها المعتضد بعد نَيِّفٍ وعشرين سنة من موت سيِّدها، وجُعلت في قصره إلى أن ماتت في دولة المُقتدر.
قلت: ويزعُمون أن محمّداً دخل سرداباً في بيت أبيه، وأمُّهُ تنظرُ إليه، فلم يخرجْ إلى الساعة منه، وكانَ ابنَ تِسع سنين. وقيل دون ذلك.
قال ابن خلكان: وقيل: بل دخلَ وله سبعَ عشرةَ سنةً، في سنة خمس وسبعين ومئتين، وقيل: بل في سنة خمسٍ وستين، وأنّهُ حيٌّ.
نعوذُ بالله من زوال العقلِ. فلو فرضنا وقوعَ ذلك في سالف الدَّهر، فَمَن الذي رآه؟ ومن الذي نَعتَمد عليه في إخباره بحياته؟ ومن الذي نصَّ لنا على عصمته، وأنه يعلم كلَّ شيء؟ هذا هَوَسٌ بَيِّنٌ. إنْ سَلَّطْناهُ على العقول ضلَّتْ وتَحيَّرتْ، بلْ جوَّزَتْ كلَّ باطل. أعاذنا اللهُ وإياكم من الاحتجاج بالمحال والكذب، أو ردِّ الحقِّ الصحيح كما هو دَيْدنُ الإمامية.
وممن قال إنّ الحسن العسكري لم يعقب: محمدُ بنُ جريرٍ الطبريُّ، ويحيى بنُ صاعدٍ، وناهيكَ بهما معرفةً وثقةً." انتهى.
قلت: من خلال هذه الترجمة يتبيّن لنا أن الذهبيّ – رحمه الله- يرى أن قصة المهدي المنتظر خرافة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: طالما أن هذا خرافة، فلِمَ ترجمه في السير، وهو كتابٌ لجلة الأعلام، وهذا الرجل خيال غير موجود؟!
والجواب على ذلك في نظري هو أن الذهبي – رحمه الله- انتهز الفرصة وصاغ هذه الترجمة في كتابه ليبين هذه الخرافة، وإنصاف بقية أهل البيت وعدم الغلو فيهم كما يفعل الروافض، وهذا منه عبقرية ما بعدها عبقرية، والله أعلم.
فالروافض ينتظرون هذا الغائب، وحتى يظهر فلا بدّ من شخص يدبر لهم الأمر، ويرجعون إليه، فنشأت عندهم: عقيدة الولاية، وهي وجود من ينوب عن الإمام المنتظر، وهذا النائب اتصاله مباشر بالإمام، وكلّ النوّاب عن الإمام معصومون أيضاً، وهم الذين يأخذون الخمس من الناس.
وحتى يستمد هؤلاء النواب الشرعية عند الشيعة، وضع لهم الأئمة أحاديث في ما يتعلق بكلّ هذه القضايا، وهذه الأحاديث جُلّها ينتهي إلى الإمام جعفر الصادق، وبعضها ينتهي إلى أمير المؤمنين عليّ أو الحسن، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حتى بعض الصحابة الذين لم يرتدوا في نظرهم، فهم يقولون بأن الصحابة كلهم ارتدوا بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا نفراً يسيراً منهم، ممن شايع علياً رضي الله عنه.
وإذا ألقينا نظرة سريعة في كتب الرجال عندهم نجد ذلك، فكتاب البرقي مثلاً بدأ فيه بذكر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر سلمان، وأبا ذر، وعمّار بن ياسر، ثم ذكر (23) صحابياً، ثم ذكر أصحاب علي، ثم أصحاب الحسن، ثم أصحاب الحسين، ثم ختم الكتاب بذكر «أسماء المنكرين على أبي بكر»، وهم اثنا عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وستة من الأنصار.
ذكر الكليني في «فروع الكافي» (ص115) عن جعفر: "كان الناس أهل ردة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن السود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي".
وذكر المجلسي في «حق اليقين» (ص522): أنه قال لعلي بن الحسين مولى له: "لي عليك حقّ الخدمة، فأخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال: إنهما كانا كافرين، الذي يحبهما فهو كافر أيضاً."
وبنوا على ذلك «أنه لا ولاء إلا ببراء،» أي لا ولاء للإسلام إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر، ويفسرون آيات الشرك والكفر والفحشاء والمنكر والبغي بالصحابة من المهاجرين والأنصار.
وجاء في «تفسير القمي» (ص218) عند قوله تعالى: }وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي{قالوا: الفحشاء: أبو بكر، والمنكر: عمر، والبغي: عثمان."!! ألا لعنة الله على الظالمين.
ولأن الشيعة يكفّرون الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان، وهم الذين تولوا جمع ونشر القرآن، فإن الروافض يقولون بأن هذا القرآن محرّف، وقد أخفى الصحابة منه آيات تتعلق بآل البيت والنص على الأئمة الاثنا عشر، وحذف سورة الولاية، وعليه فإن القرآن الصحيح هو عند أئمتهم وهو ما يسمى بمصحف فاطمة، وما زال الأئمة ونوابهم يتلقون القرآن حتى عودة المهدي المنتظر، وفي هذا طعن في النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهم يعتقدون بأنه كتم جزءاً من الرسالة أودعه علياً كالجفر والجامعة ومصحف فاطمة، كما يقول الكليني، وهي محفوظة عند الإمام المنتظر.
وقد ألف أحد أعلام الشيعة وهو حسين الطبرسي (ت 1320هـ) كتاباً سماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب».
وأما ما نجده من بعض مراجعهم من تفسيرهم للقرآن كالطبطبائي والقمي، فإن ذلك من باب «التقية» وهو أصل عظيم عندهم، فلا بأس عندهم أن يعملوا بهذا القرآن وإن كان محرفاً؛ لأن الأئمة يعرفون كيف يتعاملون معه، وهم يفسرونه كما يريدون؛ لأن القرآن له باطن لا يعلمه إلا الأئمة.
والتقية عندهم لها استعمالات كثيرة، فهي تخلصهم من كثير مما يفعلونه ظاهراً، فإذا سئلوا عنه؟ قالوا: فعلنا ذلك تقية.
قال محمد جواد مغنية، وهو أحد علماء الشيعة المعاصرين: "التقية أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد؛ لتدفع الضرر عن نفسك أو مالك أو لتحتفظ بكرامتك" [الشيعة في الميزان:ص48].
ونقل الكليني في «أصول الكافي» (ص482): "قال أبو عبدالله: يا أبا عمر: إنّ تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كلّ شيء إلا النبيذ والمسح على الخفين".
وهروباً مما يوجد عندهم من التناقض العجيب قالوا بأصل جديد، وهو «البداء»، وهو بمعنى الظهور بعد الخفاء، أو بمعنى نشأة رأي جديد، وعند الشيعة: أن الله بدا له ما كان جاهلاً، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ذكر الكليني في «كتاب التوحيد» عن الريان بن الصلت، قال: "سمعت الرضا يقول: ما بعث الله نبياً إلا بتحريم الخمر، وأن يقرّ لله البداء." [الكافي: ص40].
وذكر أيضاً عن أبي عبدالله أنه قال: "ما عُبد الله بشيء مثل البداء." [أصول الكافي: 1/331].
ولأن أهل السنة فضحوا الشيعة في عقائدهم وجهلهم ابتكروا أصلاً جديداً، وهو القول بالرجعة، والرجعة عندهم مفهومها واسع، فمن قائل بأن الرجعة تكون لكل الأئمة، ومنهم من يقول بأن الرجعة للإمام الثاني عشر المنتظر، فإذا رجع فإنه سيحي الخلفاء ومن كان يكره آل البيت والانتقام منهم.
يقول الشيخ المفيد: "واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات." وهي أن يقوم آخر أئمتهم ويسمى «القائم» في آخر الزمان، ويخرج من السرداب يذبح جميع خصومه من السياسيين، ويعيد إلى الشيعة حقوقهم التي اغتصبتها الفرق الأخرى عبر القرون.
وروى المجلسي عن محمد الباقر: "إذا ظهر المهدي فإن سيحي عائشة ويقيم عليها الحد." [حق اليقين:ص347].
ثمّ تطور مفهوم الرجعة عندهم، فقالوا برجعة جميع الشيعة وأئمتهم، وجميع خصومهم مع أئمتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: "الشيعة من أجهل الطوائف، وأضعفها عقلاً وعلماً، وأبعدها عن دين الإسلام علماً وعملاً، ولهذا دخلت الزنادقة على الإسلام من باب المتشيعة قديماً وحديثاً، كما دخل الكفّار المحاربون مدائن الإسلام ببغداد بمعاونة الشيعة، كما جرى لهم في دولة الترك الكفار ببغداد وحلب وغيرهما؛ بل كما جرى بتغير المسلمين مع النصارى وغيرهم، فهم يظهرون التشيع لمن يدعونه، وإذا استجاب لهم نقلوه إلى الرفض والقدح في الصحابة، فإن رأوه قابلاً نقلوه إلى الطعن في عليّ وغيره، ثم نقلوه إلى القدح في نبينا وسائر الأنبياء..." [الفتاوى:35/136].
وقال أيضاً: "ونحن نعلم من أحوال أئمتنا أنه قد أضيف إلى جعفر الصادق –وليس هو بنبيّ من الأنبياء- من جنس هذه الأمور ما يعلم كلّ عالم بحال جعفر رضي الله عنه أن ذلك كذب عليه؛ فإن الكذب عليه من أعظم الكذب، حتى نسب إليه أحكام «الحركات السفلية» كاختلاج الأعضاء وحوادث الجو من الرعد، والبرق، والهالة، وقوس الله، الذي يقال له «قوس قزح»، وأمثال ذلكن والعلماء يعلمون انه بريء من ذلك كلّه.
وكذلك نُسب إليه «الجدول» الذي بنى عليه الضلال طائفة من الرافضة، وهو كذب مفتعل عليه، افتعله عليه عبد الله بن معاوية أحد المشهورين بالكذب؛ مع رياسته، وعظمته عند أتباعه.
وكذلك أضيف إليه كتاب «الجفر» و«البطاقة» و«الهفت»، وكل ذلك كذب عليه باتفاق أهل العلم به، حتى أضيف إليه «رسائل إخوان الصفا»، وهذا في غاية الجهل؛ فإن هذه الرسائل إنما وضعت بعد موته بأكثر من مئتي سنة، فإنه توفي سنة ثمان وأربعين ومئة، وهذه الرسائل وضعت في دولة بني بويه في أثناء المئة الرابعة في أوائل دولة بني عُبيد الذين بنوا القاهرة، وضعها جماعة، وزعموا أنهم جمعوا بها بين الشريعة والفلسفة، فضلّوا وأضلوا.
وأصحاب جعفر الصادق الذين أخذوا عنه العلم؛ كمالك بن أنس وسفيان بن عيينة، وأمثالهما من الأئمة أئمة الإسلام برآء من هذه الأكاذيب.
وكذلك كثيرا ما يذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في «كتاب حقائق التفسير» عن جعفر من الكذب الذي لا يشك في كذبه أحد من أهل المعرفة بذلك. وكذلك كثير من المذاهب الباطلة التي يحكيها عنه الرافضة. وهي من أبين الكذب عليه، وليس في فرق الأمة أكثر كذباً واختلافاً من الرافضة من حين نبغوا. فأول من ابتدع الرفض كان منافقاً زنديقاً، يُقال له «عبدالله بن سبأ»، فأراد بذلك إفساد دين المسلمين، كما فعل «بولص» صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى، حيث ابتدع لهم بدعاً أفسد بها دينهم، وكان يهودياً، فأظهر النصرانية نفاقاً فقصد إفسادها، وكذلك كان «ابن سبأ» يهودياً فقصد ذلك، وسعى في الفتنة لقصد إفساد الملة، فلم يتمكن من ذلك؛ لكن حصل بين المؤمنين تحريش وفتنة قُتل فيها عثمان رضي الله عنه، وجرى ما جرى من الفتنة، ولم يجمع الله – ولله الحمد- هذه الأمة على ضلالة؛ بل لا يزال فيها طائفة قائمة بالحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة؛ كما شهدت بذلك النصوص المستفيضة في الصحاح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم" [الفتاوى:35/183-184].
· مصادر الشيعة:
إن مصدر الشيعة الوحيد هو أقوال أئمتهم – بزعمهم-!! ويعتمد الشيعة على ثمانية كتب، تسمى «المجامع الثمانية»، أربعة قديمة، وأربعة حديثة، وهي:
1- الكافي للكليني (ت 329هـ).
2- من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي (ت 381هـ).
3- تهذيب الأحكام.
4- الاستبصار، كلاهما لأبي جعفر الطوسي ( ت360هـ).
ثم المجامع الأربعة المتأخرة من القرن الحادي عشر فما بعد وهي:
1- الوافي للكاشاني (ت 1091هـ).
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للمجلسي (ت 1111هـ).
3- وسائل الشيعة للحر العاملي (ت 1104هـ).
4- مستدرك الوسائل للطبرسي (ت 1320هـ).
ويزعم الشيعة أن أول من صنّف الحديث في الإسلام هو عليّ بن أبي طالب، وأنه دوّن بيده في حياته صلى الله عليه وسلم الصحيفة الجامعة، وصنّف كتاباً في الديات يسمى بالصحيفة، وكتاب الفرائض كان يعلقه بقراب سيفه. [مقدمة كتاب وسائل الشيعة:1/ه-ـو].
وزعموا أن أول من دون الحديث من الشيعة من الصحابة:
1- أبو رافع القبطي الشيعي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دوّن كتاب السنن والأحكام والقضايا، نصّ على ذلك الرجاليّ الأقدم النجاشي في رجاله (ص4).
2- سلمان الفارسي (ت34هـ) صنف في الآثار كتاب حديث الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصّ عليه الطوسي في فهرسته (ص80).
ويلاحظ أن مصادر الشيعة قائمة على الإحالات، فيذكرون الكتاب ويقولون نص عليه فلان، ولكن فلاناً هذا كيف عرف هذه المعلومات، وهو متأخر؟ ولا مستند عنده؟ ولهذا فإن الشيعة اخترعوا ما يسمى بـ «الأصول الأربعمائة» قبل الكتب الأربعة المعتمدة عندهم، وما ذلك إلا من حسدهم لأهل السنة؛ لأن أهل السنة عندهم مرجعية صحيحة قائمة على العلم المنقول عن الثقات، أما هم فلا إسناد عندهم! ولهذا وصفهم شيخ الإسلام ابن تيميّة: "بأنهم من أجهل الخلق، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل." [الفتاوى: 35/129].
· أصول الرِّجال عند الشيعة:
1- أسماء الصحابة، لعبيد الله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين، سنة (40هـ).
2- كتاب في الرجال لأبي محمد عبد الله بن جبلة الكناني (219هـ).
3- رجال الحسن بن علي بن فضّال (224هـ)
4- معرفة رواة الأخبار للحسن بن محبوب (224ه).
ويعتمد الشيعة على أربع كتب رئيسية في الرجال، وهي:
1- رجال البرقي، لأحمد بن أبي عبد الله البرقي (ت280)
2- رجال الكشي (ت329) والموجود منه ما اختاره الشيخ الطوسي، وهو معروف باسم «اختيار معرفة الرجال».
3- الفهرست لأبي جعفر الطوسي (ت 460هـ).
4- رجال النجاشي، لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي (ت 450هـ).
· أصول علوم الرواية عند الشيعة (كيفية الرواية):
إنّ المتتبع لأصول الشيعة في علم الرواية يجد بعض الكتب التي اعتنت بذلك عندهم، ولكنها متأخرة جداً، وينبني على ذلك أن الشيعة لم تكن لهم عناية بالرواية كما هو الحال عند أهل السنة.
فأقدم كتاب لهم في ذلك: «البداية في الدراية» للشهيد الأول، وأقدم نسخة منه عليها قراءة سنة (969هـ)، وعليه شرح بعنوان «الرعاية في شرح البداية» لزين الدين الشهيد الثاني (ت 965هـ)، والنسخة مؤرخة سنة (969هـ) أيضاً.
والملاحظ أن الشيعة في العصور المتأخرة وبخاصة المعاصرين لهم عناية كبيرة في محاولة تأصيل علم الرواية عندهم، وسنلحظ أن كل ما عندهم، إنما سرقوه من كتب أهل السنة، والدليل على ذلك أنهم في تقعيدهم لذلك لم يسعفونا بأمثلة من كتب الرواية عندهم؛ لأن كتب الرواية عندهم لا يوجد فيها ما يوجد عند أهل السنة من ضبط للنسخ، ودقة استخدام ألفاظ التحمل وغير ذلك مما هو مبسوط ومعروف عندنا، ولله الحمد والمنة.
ومن الكتب المعاصرة للشيعة في هذا الباب: كتاب «الدراية في علم الرواية» لمحمد باقر الزاهد المهاجراني، وكتاب «مقباس الهداية في علم الدراية» للشيخ عبدالله المامقاني (ت 1351هـ)، وكتاب «دراية الحديث» لمحمد حسين الحسيني الجلالي.
والملاحظ على كتب الرواية عند الشيعة أن سلسلة الإسناد لا بد أن تنتهي بأهل البيت، وبناءً على هذا، قسموا الإسناد إلى أهل البيت إلى نوعين:
الأول: الإسناد إلى الرواية: وهو في هذا العصر نادر جداً إن لم ينعدم.
الثاني: الإسناد إلى الكتب: وهو الشائع في عصرنا والمعبر عنه بالإجازة، ومن القسمين معاً أن يروي التلميذ عن شيخه عن مشايخه إلى أن يصل السند إلى المعصوم بفارق هام هو أن الرواية شفهية في الأول ومتسلسلة كذلك في كل طبقة، وأن الرواية في الثاني لا تكون في كل الطبقات، بل قد تكون بالنقل مباشرة من الكتب من دون رواية شفهية، وقد عبر علماء الدراية عن طرق التوثيق هذه بـ «أنحاء التحمل». [دراية الحديث للجلالي ص495].
ولمعرفة سطوهم على كتب أهل السنة نعرض نماذج لذلك:
طرق التحمل:
1- السماع:
قال الشهيد في البداية: "وهي سبعة: أولها السماع من لفظ الشيخ سواء كان إملاءً من حفظه أم من كتابه، وهو أرفع الطرق، فيقول: سمعت فلاناً...الخ، وهي أعلاها، ثم حدثني وحدثنا، وكون سمعت في هذه الطرق أعلى منهما مذهب الأكثر، وقيل: هما أعلى منها، ثم بعده أخبرنا، ثم أنبأنا ونبّأنا، وهو قليل هنا، وأما قال لنا، وذكر لنا، فهو من قبيل حدثنا، لكنه ربما سمع في المذاكرة والمناظرة أشبه وأليق من حدثنا، أدناها: قال فلان، ولم يقل لي أو لنا، وهو مع ذلك محمول على السماع منه، إذا تحقق لقاءه." [الدراية: ص84-86].
2- القراءة:
قال الشهيد في البداية: "وثانيها: القراءة على الشيخ، وتسمى العرض من حفظ أو من كتاب مما يحفظه الشيخ أو يقرأه والأصل بيده أو بيد ثقة غيره، وهي رواية صحيحة اتفاقاً..." [الدراية: ص86-93].
وقال النجاشي: "قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتابه مصابيح النور: أخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بابويه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: قال لنا أبو هاشم بن داود بن القاسم الجعفري: عرضت على أبي محمد صاحب العسكري كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: يونس آل يقطين. فقال: أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة." [رجال النجاشي 2/422].
3- الإجازة:
قال في البداية: "ثالثها: الإجازة، وهي مأخوذة من جواز الماء...فالطالب للحديث يستجيز العالم علمه فيجيزه له، وحينئذ فيتعدى بغير حرف، فتقول: أجزته مسموعاتي مثلاً..." [الدراية: ص93-100].
وأقدم إجازة مكتوبة عندهم ما كتبه محمد بن داود القمي عام (360): "قد أجزت هذا الكتاب وهو اول كتاب الزيارات من تصنيفي، وجميع مصنفاتي ورواياتي، ما لم يقع فيها سهو ولا تدليس لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سميع اعزه الله، فليرو ذلك عني إذا أحب، لا حرج عليه فيه أن يقول: أخبرنا وحدثنا، وكتب محمد بن داود القمي في شهر ربيع الآخر، سنة ستين وثلاثمائة، حامداً شاكراً." [دراية الحديث: ص502-503].
4- المناولة:
قال الشهيد: "ورابعها: المناولة، وهي نوعان، إحداهما: المناولة المقرونة بالإجازة، وهي أعلى أنواعها، ثم لها مراتب: أن يعطيه تمليكاً أو عارية لينسخ أصله، ويقول له: هذا سماعي من فلان، فاروه عني، ويسمى هذا عرض المناولة، إذ القراءة عرض، وهي دون السماع، وقيل مثله، ثم أن يناوله سماعه ويجيزه له ويمسكه، فيرويه عنه إذا وجده وظفر به أو بما قوبل به، وهذه لا يكاد يظهر لها مزية على الإجازة، وقيل: لا مزية لها... وثانيهما: المناولة المجردة عن الإجازة، بأن يناوله كتاباً ويقول: هذا سماعي مقتصراً عليه، فالصحيح انه لا يجوز له الرواية بها..." [الدراية: ص101-104].
الكليني: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد والقاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبدالله: الحديث اسمعه منك أرويه عن ابيك، أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء، إلا أنك ترويه عن أبي أحبّ إليّ." [الكافي: 1/51].
5- الكتابة:
قال الشهيد في البداية: "وخامسها: الكتابة، وهي أن يكتب الشيخ مرويّه لغائب أو حاضر بخطه أو يأذن لثقة يكتبه له، وهي أيضاً ضربان: مقرونة بالإجازة، وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بها، ومجردة عنها، والأشهر بينهم جواز الرواية بها لتضمنها الإجازة معنى كما يكتفى في الفتوى الشرعية بالكتابة، نعم يعتبر معرفة الخط بحيث يأمن التزوير، وشرط بعضهم البينة، ويقول فيها: كتب إليّ فلان، قال: حدثنا فلان، أو أخبرنا مكاتبة، لا حدثنا." [الدراية: ص104-106].
الكليني: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن علي بن سويد والحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور، عن علي بن سويد، قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى وهو في الحبس كتاباً... [الكافي: 8/124-126].
6- الإعلام:
قال الشهيد في البداية: "وسادسها: الإعلام، وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب روايته أو سماعه مقتصراً عليه، وفي جواز الرواية به قولان، وثالث: له ان يرويه عنه وإن نهاه، والأقوى عدمه مطلقاًن وفي معناه: ما لو أوصى له عند موته أو سفره بكتاب يرويه، وفيه القولان، ولكن الصحيح هنا المنع." [الدراية: ص106-107].
ومثاله: ما ورد من الإمام العسكري في كتاب عمل يوم وليلة؛ تأليف: محمد بن أحمد بن عبد الله بن مهران بن خانبة الكرخي أبو جعفر:
قال النجاشي: أخبرنا أبو العباس بن نوح، قال: حدثنا الصفواني، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الوجنا أبو محمد النصيبي، قال: كتبنا إلى أبي محمد نسأله أن يكتب أو يخرج إلينا كتاباً نعمل به، فأخرج غلينا كتاب عمل، قال الصفواني بنسخته، فقابل بها كتاب ابن خانبة زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة." [رجال النجاشي: 1/244].
7- الوجادة:
قال الشهيد في البداية: "وسابعها: الوجادة، وهو أن يجد إنسان مرويّ إنسان بخطه، فيقول: وجدت أو قرأت بخط فلان، وهو منقطع مرسل، ولكن فيه شوب اتصال، فإن لن يتحقق الواجد الخط، قال: بلغني أو وجدت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان، وإذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحة لمصنفن قال فيه: قال فلان، وإلا قال: بلغني، إلا أن يكون الناقل ممن عرف الساقط والمغيّر، وفي جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان ولا خلاف بينهم في منع الرواية بها، ولو اقترنت الوجادة بالإجازة، فلا إشكال." [الدراية: ص108-109].
وقال الحارثي: "الذي استمر عليه العمل حديثاً وقديماً وهو من باب المنقطع، وفيه شوب اتصال يجوز العمل به عند كثير من المحققين عند حصول الثقة." [وصول الأخيار: ص129].
الكليني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شنبولة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم تُرو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها؛ فإنها حقٌّ. [الكافي: 1/53].
الرواية من الكتاب، والمقابلة، ورواية الضرير والأمّيّ:
قال الشهيد في البداية: "وأكملها: ما اتفق من حفظه ويجوز من كتابه وإن خرج من يدهن مع أمن التغيير على الأصح، وأفرط قوم فأبطلوها، وفرّط آخرون فرووا من كتاب غير مقابل فجرحوا بذلك، والضرير إذا لم يحفظ مسموعه يستعين بثقة في ضبط كتابه ويحتاط إذا قرأ على حسب حاله، حتى يغلب على ظنه عدم التغيير، وهو أولى بالمنع من مثله في البصير، وكذا القول في الأمي أن يروي من نسخة فيها سماعه، أو من نسخة قوبلت بها، أو من نسخة سمعت على شيخه، أو فيها سماع شيخه، أو كتبت عنهن وإلا فلا." [الدراية: ص110-111].
· تطبيق علم الرواية عند الشيعة على كتاب «الكافي» للكليني:
من خلال استعراضي لكتاب «العقل والجهل» في كتاب «الكافي» للكليني، تبيّن لي:
1- أنه ذكر لفظ «حدثني» فقط في أول حديث من الكتاب، ولم يذكرها في أسانيد الكتاب بعدها.
2- الأحاديث كلها عنده بالعنعنة ولم أقف على غيرها من الصيغ.
3- لم أجد عنده طرق التحمل التي أصلها علماء الشيعة في كيفية السماع والمقابلة وغير ذلك.
4- يذكر أحياناً لفظ «رفعه»:
ومثاله: الكليني: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ، قال: قلت له: ما العقل؟... [ الكافي 1/58].
الكليني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن بعض من رفعه، عن أبي عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة... » [الكافي: 1/74].
الكليني: بعض أصحابنا، رفعه عن مفضل بن عمر، عن أبي عبدالله، قال: يا مفضل... [الكافي: 1/74].
5- يذكر في الإسناد لفظ «مرسلاً»:
ومثاله: الكليني: عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه مرسلاً، قال: قال أبو جعفر: لا تتخذوا من دون الله وليجة... [الكافي: 1/110].
6- يكثر في أسانيده: «جماعة من أصحابنا»، «عدة من أصحابنا».
7- كثير من الأسانيد فيها مُبهمات.
8- كثير من الأسانيد فيها مُهملات.
أما بالنسبة لكتاب النجاشي فإنه ذكر فيه أحاديث بأسانيده، ويظهر فيها جلياً ألفاظ التحمل: السماع والإخبار والوجادة، وغير ذلك.
وبعد، فهذه أصول الشيعة في الرواية! وهي تقوم على الجهالة والسرقة والاختراع والكذب!!
وكتب: أبو صُهيب خالد الحايك.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق