ينظر كثير من المستشرقين إلى كتاب الله تعالى على أنه من صنع البشر؛ فرددوا قول مشركي مكة قديما {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}(1) وحاولوا إثبات ذلك بشتى الوسائل؛ فزعموا تارة أنه صلى الله عليه وسلم تعلم الوحي من غيره، أو أن الوحي مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو من غيرهما، أو أنه نتاج مرض عصبي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه خيالات وأوهام، أو فكرة نفسية تشبع بها عقل النبي صلى الله عليه وسلم الباطن.
الوحي القرآني «دراسة تقويمية لأقوال المستشرق الألماني كارل بروكلمَنْ»(*)
إعداد: د. عبد الله رفاعي محمد أحمد(**)
ــــــــــ
ينظر كثير من المستشرقين إلى كتاب الله تعالى على أنه من صنع البشر؛ فرددوا قول مشركي مكة قديما{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}(1) وحاولوا إثبات ذلك بشتى الوسائل؛ فزعموا تارة أنه صلى الله عليه وسلم تعلم الوحي من غيره، أو أن الوحي مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو من غيرهما، أو أنه نتاج مرض عصبي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه خيالات وأوهام، أو فكرة نفسية تشبع بها عقل النبي صلى الله عليه وسلم الباطن.
ومن هؤلاء المستشرق الألماني كارل بروكلمن الذ ي لم تسلم كتاباته عن الإسلام عامة والقرآن خاصة من أقوال زائفة، وشبهات مغرضة، مردها إلى تلك الأحكام المسبقة، والموروثات الفكرية الباطلة عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، لذلك فضل الباحث أن تكون دراسته في هذا الجانب، وجاء ذلك في مقدمة ومحورين وخاتمة.
المقدمة: تحتوي على أسباب اختيار الموضوع وأهميته، مع بيان خطة البحث والمنهج في كتابته، مع الإشارة إلى الدراسات السابقة.
المحور الأول: دراسة موجزة عن كارل بركلمن، وتشمل على:
أولا: التعريف بكارل بروكلمن: حياته، نشأته، تعلمه، أهم مؤلفاته.
ثانيا: بيان منهجه في الدارسات القرآنية، ويتلخص ذلك في الآتي:
- تشكيكه في ما هو قطعي.
- الافتراض والتخمين، وتصديق ما هو أقرب إلى الكذب.
- نفيه لحقائق ثابتة.
- أخذه بالمنهج الإسقاطي.
المحور الثاني: دراسة تقويمية لأقوال بروكلمن حول الوحي القرآني:
أشار الباحث إلى أن الأخطاء المنهجية التي وقع فيها كارل بروكلمن في معرض حديثه عن موضوعات تتعلق بالوحي القرآني مردها إلى خطأ رئيس وقع فيه المستشرقون؛ وإن شئت فقل: أوقعوا أنفسهم فيه، وذلكم الخطأ الذي ترتبت عليه كل تلك الأخطاء هو اعتقادهم المسبق بـ« بشرية القرآن الكريم».
وقد انحصرت ردود الباحث على بروكلمن في أربعة مسائل رئيسة، وهي:
المسألة الأولى: موقفه من أسلوب القرآن الكريم.
المسألة الثانية: دعواه اشتقاق لفظ «سورة» من كلمة «صورنا» السريانية.
المسألة الثالثة: دعواه أن اليهودية والنصرانية هما مصدر القرآن الكريم.
المسألة الرابعة: دعواه أن القرآن وحي نفسي.
الخاتمة: وتشمل على أهم النتائج والتوصيات.
بعد دراسة الباحث الدقيقة لما كتبه المستشرق الألماني كارل بروكلمن حول القرآن الكريم في كتابه (تاريخ الأدب العربي) وبعض ما كتبه في (تاريخ الشعوب الإسلامية) سجل النتائج والتوصيات الآتية:
نتائج البحث:
أولا: أن القيمة الحقيقة لكتاب بروكلمن (تاريخ الأدب العربي) تكمن في تصنيفه الببلوجرافي الدقيق لكنوز تراثنا العربي المخطوط منه والمطبوع؛ ففضل ذلك على التراث العربي لا يستطيع أحد إنكاره بأي حال من الأحوال؛ حيث عرف بمكنونات ونفائس تراثنا العربي والإسلامي في شتى مجالات العلوم والمعارف المودعة في خزائن المكتبات الأوربية والعالم الإسلامي، أما ما سوى ذلك مما كتبه عن القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن الاعتداد به على أي حال من الأحوال؛ لأنه يشكك في كل ما نؤمن به ونعتقده كمسلمين.
ثانيا: إن الأخطاء التي وقع فيها بروكلمن أثناء عرضه لموضوعات تتعلق بالقرآن الكريم في كتابه تاريخ الأدب العربي ترجع للأسباب الآتية:
- اعتقاده المسبق ببشرية القرآن الكريم، ومحاولته استخدام المناهج التي طبقت على التوراة والإنجيل أثناء عرضه لقضايا تتعلق بالقرآن الكريم، وقد أخطأ في ذلك؛ لأن القرآن الكريم وحي سماوي، لا بشري؛ فهو يختلف عن غيره من النصوص التاريخية والكتب السماوية السابقة التي نالها التحريف والتغيير.
- تقليده لغيره من المستشرقين، واحتفاؤه بنتائج دراساتهم وأبحاثهم.
- إهماله لكثير من المصادر القرآنية الأصلية التي بمقدوره الرجوع إليها، لولا تعصبه الديني، واتباعه لموروثات فكرية، وعقائد مسبقة عن القرآن وعن نبي القرآن صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: أنه لا يمكن الاعتداد البتة بما كتبه بروكلمن عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يكذب الصحيح المقطوع بصحته أو يشكك فيه على أقل تقدير، ويتصيد الضعيف الباطل ويروج له، وما ذلك إلا لتعصبه الديني، واحتفائه بموروثه الفكري.
أهم التوصيات:
أولا: ضرورة رصد كل ما كتب عن القرآن الكريم في دراسات المستشرقين بمختلف اللغات الأجنبية، مع الرد عليها ونشرها نشرا إلكترونيا نتجاوز به حدود المكان والزمان، ونذلل به بعض صعوبات النشر الورقي بكل ما هو إسلامي بالغرب، لاسيما وأن أعداء الإسلام يستخدمون التقنية الحديثة اليوم بشتى وسائلها لنشر الكثير من الشبهات حول القرآن الكريم، والتي يستقون مادتها من أقوال المستشرقين والمبشرين، ففي دراسة أعددتها عن مواقع الإنترنت الألمانية المناهضة للقرآن الكريم وجدت أن الشبهات المثارة حول القرآن الكريم على تلك المواقع ما هي إلا صدى لأقوال المستشرقين والمبشرين قديما وحديثا؛ فهذا يفرض علينا استخدام التقنية ذاتها للرد عليهم، مع الحرص على العمل المؤسسي والجماعي لتوحيد الجهود وتجنب التكرار.
ثانيا: ضرورة رصد الشبهات المثارة على المواقع الإلكترونية المناهضة للقرآن الكريم مع تحليل محتواها والرد عليها؛ لاسيما وأن معاهد الاستشراق الأوروبية قد ظهرت فيها بعض الدراسات الأكاديمية التي تحلل محتويات مواقعنا الإسلامية على الإنترنت؛ فذلك يفرض علينا أن لا نهمل ما ينشر عن القرآن الكريم عبر هذه الوسائل.
ثالثا: دعم الباحثين المسلمين للمشاركة في المؤتمرات الاستشراقية العالمية وتقديم أبحاث وأوراق عمل تصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن القرآن الكريم.
رابعا: يقترح على اللجنة المنظمة لهذا المؤتمر المبارك(2) أن تبادر بالنشر الإلكتروني للأعمال المقدمة؛ لاسيما الأعمال المترجمة أو المكتوبة بلغات أجنبية ليعم نفعها وتعظم فائدتها.
ـــــــــــ
الهوامش:
(*) من أبحاث المؤتمر الدولي "نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم"، المنعقد في الفترة 23-25 شوال 1431هـ، الموافق 2-4 أكتوبر 2010م، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز-حفظه الله-، والذي نظمته الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها (سنن).
(**) أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الدمام.
(1) سورة النحل، من الآية: (103).
(2) يشير الباحث إلى مؤتمر نبي الرحمة- محمد صلى الله عليه وسلم- الدولي.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
: لتحميل الدراسة انقر هنا
http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=2323&mot=1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق