يزعم بعض الطاعنين أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن، ولم يتكفل بحفظ السنة، ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل:)إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر). قائلين: إن في الآية حصرا يدل على أن السنة لم تدخل في دائرة الحفظ، لقصره على القرآن فقط، فهو المقصود بالذكر في الآية دون غيره. وعليه فإنهم يرون أن السنة لم يكن لها حظ من الحفظ وأنها تعرضت للضياع والتحريف. ويتساءلون: لو كانت السنة حجة فلماذا لم يتكفل الله بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن؟ قاصدين من وراء ذلك هدم السنة وإنكار حجيتها بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها مثل القرآن.
وجوه إبطال الشبهة:
1)إن الذكر في الآية موضوع الشبهة، ليس بمعنى القرآن فقط، وإنما معناه الرسالة أو الشريعة الإسلامية التي هي القرآن والسنة معا؛ لذلك كان حفظ الله للقرآن والسنة معا حتى وصلت إلينا.
2( لو سلمنا - جدلا - بأن الذكر في الآية هو القرآن فقط - كما يزعمون، فإن وعد الله بحفظه يشمل السنة أيضًا؛ إذ السنة بيان للقرآن وحفظ المبين يتضمن حفظ المبين.
3)لو تتبعنا الحوادث والتاريخ، لوجدنا أن الله - عز وجل - قيض لحفظ السنة رجالا أفنوا أعمارهم، وبذلوا النفس والنفيس من أجل الذود عن حياضها؛ مما يؤكد أن الله - عز وجل - قد حفظ سنة نبيه كما حفظ كتابه الكريم.
التفصيل:
أولا. الذكر في الآية بمعنى الرسالة أوالشريعة الإسلامية التي هي القرآن والسنة معا:
مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة جاء من كلمة )الذكر( الواردة في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر), حيث اقتصر فهم الطاعنين في حجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة )الذكر(في الآية هو "القرآن الكريم" فقط.
وتناسوا أن ما وعد الله به من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من أن يكون قرآنا أو سنة.
إذا رجعنا إلى الكتب المتخصصة نجدها تعدد معاني الذكر التي وردت في القرآن، فقد وردت كلمة "الذكر" في القرآن اثنين وخمسين مرة، ولها معان كثيرة؛ فهي تأتي بمعنى القرآن، وبمعنى الرسالة والشريعة، وبمعنى الحفظ، وبمعنى السنة، وبمعنى التذكرة، وبمعنى الشرف، وبمعنى العبادة... إلخ"[1]. وفي ذلك نقل صاحب كتاب "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" عن أحد العلماء قوله: "ذكر الله الذكر في القرآن على عشرين وجها، وفيها الذكر بمعنى رسالة الرسول"[2].
ومما يدل أيضا على أن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ الشريعة كلها: كتابها وسنتها قوله عز وجل: )يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبـى الله إلا أن يتـم نـوره ولـو كـره الكافرون (32)((التوبة), ونور الله: شرعه ودينه الذي ارتضاه للعباد وكلفهم به وضمنه مصالحهم, والذي أوحاه إلى رسوله - من قرآن أو غيره - ليهتدوا به إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة[3].
إذا فالمعنى المناسب "للذكر" في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)(هو رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصفة عامة بما في ذلك الكتاب والسنة, وذلك أن القرآن والسنة وحي من الله عز وجل، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقول شيئا من عنده: )إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم). فلماذا يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن، ولا يتكفل بحفظ السنة مع أن كليهما وحي من عنده سبحانه وتعالى؟!
وفي ذلك يقول ابن حزم: "ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله - عز وجل - فهو ذكر منزل, فالوحي كله محفوظ بحفظ الله - عز وجل - له بيقين, وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه, وألا يحرف منه شيء أبدا تحريفا لا يأتي البيان ببطلانه... فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد - صلى الله عليه وسلم - محفوظ بتولي الله - عز وجل - حفظه, مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبدا إلى انقضاء الدنيا, قال عز وجل: )لأنذركم به ومن بلغ((الأنعام: 19). فإذا كان ذلك كذلك فبالضروري ندري أنه لا سبيل ألبتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين, ولا سبيل ألبتة إلى أن يختلط بباطل موضوع اختلاطا لا يتميز عند أحد من الناس بيقين؛ إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ, ولكان قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) كذبا ووعدا مخلفا, وهذا لا يقوله مسلم.
ثم يرد على من زعم أن حفظ الذكر مقتصر على القرآن وحده قائلا: "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل... فالذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن, وأيضا فإن الله - عز وجل - يقول: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: 44) فصح أنه - صلى الله عليه وسلم - مأمور ببيان القرآن للناس, فإذا كان بيانه - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه, فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه, فلم ندر صحيح مراد الله - عز وجل - منها, وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب, ومعاذ الله من هذا"[4].
واستنادا إلى ذلك فإن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على ذلك الكتاب الكريم،
والسنة النبوية الصحيحة، والعقل والتاريخ.
1. أما الأدلة من كتاب الله - عز وجل - على تكفل الله بحفظ السنة النبوية:
· قوله عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم((النحل: ٤٤), ففي الآية الكريمة إخبار من الله تعالى بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) فيلزم من هذا أن يكون قد تكفل أيضا بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ المبين للترابط بينهما.
· وقوله عز وجل: )إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19)( (القيامة), فهذا نص صريح يدل على أن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن في قوله عز وجل:)ثم إن علينا بيانه(أي: بيان القرآن, والبيان كما يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون لأمته من بعده, وهو يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيحاء به إليه ليبلغه الناس, وهو المراد من قوله عز وجل: )وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه( (النحل: 64).
فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله (بوحي غير متلو). وفي هذه الآيات السابقة - آيات سورة القيامة - دليل على أن الله تكفل بحفظ السنة، كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقا لهذا الوعد الكريم من الله - عز وجل - هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها، فأثار في نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها، فكانت موضع اهتمامهم، ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
· ويذكر الإمام ابن حزم دليلا ثالثا من كتاب الله على تكفله - سبحانه وتعالى - بحفظ السنة في قوله عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3). وقال عز وجل: )إن الدين عند الله الإسلام( (آل عمران: 19).
قال: فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شريعة الإسلام لنا غير محفوظ, وأنه يجوز فيه التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطا لا يتميز أبدا: أخبرونا عن إكمال الله - عز وجل - لنا ديننا, ورضاه الإسلام لنا دينا, ومنعه تعالى من قبول كل دين حاشا الإسلام. أكل ذلك باق علينا ولنا إلى يوم القيامة؟ أم إنما كان للصحابة - رضي الله عنهم - فقط؟ أم لا للصحابة ولا لنا؟ ولا بد من أحد هذه الوجوه...
فإذا كانت الإجابة بالضرورة: كل ذلك باق لنا وعلينا إلى يوم القيامة, صح أن شرائع الإسلام كلها كاملة، والنعمة بذلك علينا تامة,... وهذا برهان ضروري وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين, وفي بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به أبدا ما لم يكن منه[5].
2. أما الدليل من السنة النبوية على تكفل الله - سبحانه وتعالى - بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
· فقوله صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»[6].
· وقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض»[7].
ففي هذه الأحاديث وغيرها يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن له سنة مطهرة تركها لأمته, وحثهم على التمسك بها, والعض عليها بالنواجذ, ففي اتباعها الهداية, وفي تركها الغواية, فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة, أو يمكن أن يلحقها التحريف أو التبديل, فلا يتميز صحيحها من سقيمها - ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده, فيكون قوله مخالفا للواقع, وهذا محال في حقه - صلى الله عليه وسلم - فأمره بالعمل بها يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيدا لقوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر)[8].
3. وأما الدليل العقلي على تكفل الله - عز وجل - بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
فيقول الدكتور رءوف شلبي: "ليس بلازم في الاحتمالات العقلية أن يكون المراد بالذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين:
أنه لو كان المراد بالذكر القرآن الكريم وحده، لصرح المولى - عز وجل - به باللفظ، كما صرح به في كثير من المواضع في القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل:)إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم( (الإسراء: ٩)، وقوله عز وجل: )بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ (22)((البروج)، وقوله عز وجل: )ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17)( (القمر).
· لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير "إنا نحن نزلناه"؛ إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن )تلك آيات القرآن وكتاب مبين (1)( (النمل: ١)، والتعبير بالضمير في نظر اللغة أجود؛ لأن العلم في المرتبة الثانية من الضمير؛ إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية.
يتبع..
والله لقد سخر الله لعلم الحديث عند أهل السنة آلاف من الرجال والنساء جيل بعد جيل حافظين ومنقحين ومدافعين لأحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ليحفظوها من أدنى تحريف.
ومن حين لآخر يظهر الله لنا العجب العجاب من علماء الحديث حتى يكاد الانسان يجن أيعقل أن يقوم رجل ألباني من أصول ألبانية مثل الشيخ الألباني يهجر هو وأسرته ثم يعيش بيننا ثم يتفوق على الجميع ويتربع على عرش علم الحديث والله انه ليس ذكاء من شيخنا الألباني رحمه الله.
ولكنه اختيار من الله وتوفيق من الله ليتم نوره وحفظه للسنة ولو كره المبتدعون ذلك.
===================
وعليه فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد في نظر العقل، لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوي.
وعلى هذا يكون الأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين:
الأول: أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذي استحقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوي عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر"؛ حيث بينت أن مقالات الكافرين المعتدين على النبوة، إنما هي مفتراة ذكرها رب العزة في كتابه حكاية على لسانهم: )وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون (6) لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين (7) ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين (8) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر).
فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان تردان على هذه الاتهامات، وتعدان بحفظ الرسالة والشرف الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وماذاك إلا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
الثاني: أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقا، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التي معنا في ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم، يقول الله عز وجل: )ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين (10) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون (11) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين (12) لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين (13)((الحجر).
فالأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع, والشريعة: كتاب الله وسنة نبيه, والذي يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف على محاجات الكافرين مع الرسل, وهي تدور كلها حول التكليف الذي مصدره ما ينزله الله بالوحي وما يشرحه الرسول بالسنة, وتكون الآية قد نبهت إلى أمر خطير: هو أنه إذا كان الأمر في الأمم السالفة ينتهي إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الأمم ورسلهم, فإن هذه الشريعة قرآنا وسنة سنحفظها, ولن ينال الكافرون من كيدهم إلا خسارا, لأنه وعد الله, ولن يخلف الله وعده, وكان أمرا مفعولا[9].
ومن ثم فإن المراد من الذكر ليس القرآن فقط، كما زعم الطاعنون بل هو الرسالة، أو الشريعة الإسلامية، أي "القرآن والسنة" دون تفريق بينهما، أو اختصاص أحدهما بالحفظ دون الآخر.
ثانيا. حفظ القرآن يستلزم حفظ السنة:
إن الحفظ الوارد في الآية يشمل القرآن والسنة لا القرآن وحده، ولو افترضنا - جدلا - أن المراد بالذكر، هو القرآن الكريم وحده للزم منه حفظ السنة، فالسنة تابع للقرآن وحفظ المتبوع يلزم منه حفظ التابع.
وعلى هذا فيكون وعد الله بحفظ السنة داخلا في مضمون حفظه للقرآن؛ إذ السنة توضيح وتبيان لما في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل)[10].
"وتقديم الجار والمجرور هنا ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رءوس الآيات، بل لو كان في الآية حصر إضافي بالنسبة إلى شيء مخصوص لما جاز أن يكون هذا الشيء هو السنة؛ لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها، ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين، ودرعه المتين، وحارسه الأمين، وشارحه المبين، تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره، وتدفع عنه عبث العابثين، ولهو اللاهين، وتأويلهم إياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما يمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم، فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها صيانة له"[11].
وبهذا يتضح أن الحصر الوارد في الآية كان عن طريق تقديم الجار والمجرور، وهو في علم المعاني من الدرجة الثالثة في إفادة الحصر، فلو كان المقصود الأهم هو حفظ القرآن وحده لآثر القرآن التعبير:
1. إما بالحصر الحقيقي حقيقة.
2. أو بطريق (ما وإلا) التي تفيد الحصر بالدرجة الأولى.
3. أو (بإنما) التي تفيد الحصر بالدرجة الثانية على الأقل[12].
وبناء عليه فلا وجه معتبر لقول من قال إن الحفظ المذكور في الآية حصري في القرآن مخصوص به؛ إذ كيف يحفظ الله القرآن ويترك حفظ السنة وقد دعا إلى التمسك بها في كثير من الآيات القرآنية من خلال حضه على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقال تعالى: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم( (آل عمران: ٣١)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم( (النساء: ٥٩)، وقال أيضا:)فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجـدوا في أنفسهـم حرجـا ممـا قضيـت ويسلمـوا تسليما (65)((النساء: ٦٥)، وقال أيضا: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل: ٤٤).
"ومن ثم فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس مجرد واعظ يلقي كلمته ويمضي لتذهب في الهواء، إن الدين منهج حياة، منهج حياة واقعية، بتشكيلاتها وتنظيماتها، وأوضاعها، وقيمها، وأخلاقها، وآدابها، وعباداتها، وشعائرها" [13]، وليس تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحكيما لهواه، إنما هو تحكيم شريعته التي استمرت بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ولولا أنها منهج قائم بذاته لما استمرت، فها هو أبو بكر - رضي الله عنه - قاتل المرتدين على منعهم الزكاة، ومخالفتهم لأمر الله ورسوله، وأقسم أنه لو منعوه عقال بعير أو عناقا كان يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلهم عليه أو كما قال.
ونخلص من هذا كله إلى أن القرآن الكريم حث على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يصدر عنه؛ إذ هو نبي موحى إليه، وما ينطق عن الهوى، وهذا يعطي الثقة بأن السنة قد أقرها الله تعالى، وإقراره لها يعطيها قوة في أنها داخلة في مشتملات كلمة )الذكر(، ومن ثم تنال الحفظ والعناية.
يتبع........
==============
ثالثا. قيض الله - عز وجل - لحفظ السنة رجالا أفنوا أعمارهم، وبذلوا النفس والنفيس؛ من أجل الدفاع، والذود عن حياضها:
لقد نالت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاهتمام والعناية ما لم تنله أقوال أي عظيم من العظماء، ولا بطل من الأبطال، ولا رئيس من الرؤساء، ولا ملك من الملوك، ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واقع الأمر ليس إنسانا عاديا، ولا قائدا يشبه في أخلاقه وصفاته الإنسانية أحدا، فهو أفق وحده لا يدانيه أفق، ولذلك كان هو الأسوة، وهو النبراس المضيء، بل لم يكن رسول قوم دون غيرهم أو زمان مؤقت وإنما كان رسولا إلى الثقلين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أدرك هذه الحقيقة أصحابه وتابعوهم، والمسلمون من بعدهم، فعكفوا على نقل، وتدوين وحفظ، وتطبيق كل ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير، حتى الحركات والسكنات، فقد نقلت حياته بكل تفاصيلها، في عباداته، ومعاملاته، في سلمه وحربه، وفي نومه ويقظته، وفي أدق الأمور مما نعده من الخصوصيات الشخصية، بصورة لم تحظ بها سيرة أحد غيره من البشر[14].
ونمثل لهذا الحفظ بنموذج من نماذج حرص الصحابة ومن بعدهم السلف الصالح وأهل الحديث على تلقي السنة ونقلها:
فقد أورد البخاري في كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، قال: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد... قال ابن حجر: وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد؛ لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة... وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال: كنا نسمع عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم، وقيل لأحمد: رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال: يرحل يكتب عن علماء الأمصار فيشافه الناس ويتعلم منهم"[15].
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان أخوان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لعلك ترزق به»[16]؟
هذا، وإن من أجل مظاهر عناية الله تعالى بالسنة أن الصحابة يتذاكرونها فيما بينهم، فقد كانت عادة الصحابة - رضي الله عنهم - استذكار أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرادا أو جماعات.
ودليل ذلك قول أبي هريرة رضي الله عنه: "جزأت الليل ثلاثة أجزاء، ثلثا أصلي، وثلثا أنام، وثلثا أذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[17].
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يوصون التابعين بمذاكرة الحديث، فعن أنس بن مالك قال: "كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه"، ومن ذلك ما نقل عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: "إذا سمعتم مني حديثا فتذاكروه بينكم"[18]. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «تذاكروا الحديث فإنكم إلا تفعلوا يندرس»[19].
هكذا كان ديدن الصحابة في تذكر الأحاديث فيما بينهم، والتواصي بذلك، واستمر الوضع على هذا النهج في عهد التابعين[20].
وحمل مشعل الحفاظ على السنة المطهرة بعد الصحابة والتابعين - جهابذة العلماء من ذوي الصدق والتحري، فبينوا صحيحها وضعيفها والموضوع منها بدراسة أسانيد الرواة ومتونهم، وتركوا لنا مصنفات مكنت العلماء فيما بعد إلى يوم القيامة من معرفة صحة ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم[21].
وكل هذا حفظ من الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولولا أن المولى - عز وجل - رعاها كما حفظ القرآن لاندثرت مع تعاقب الدهور لكثرة ما وجه إليها من طعون، ولكثرة ما صادفت من أعداء أضمروا لها شرا، وأرادوا بها سوءا، فجعلهم الله الأخسرين بما قيض لها من الرجال الأوفياء في كل عصر، وفي كل جيل، وفي كل مكان[22].
وهذا يورث اليقين من أن الله - عز وجل - حفظ كتابه وسنة نبيه, وأنه - سبحانه وتعالى - كما أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، فإنه أيضا قد حفظ أصول دينه, لتظل الحجة قائمة على الخلق إلى قيام الساعة[23].
الخلاصة:
· إن الآية الكريمة التي استند إليها الطاعنون - في أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة وهي قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) ـ هي نص صريح على حجية السنة، ودليل واضح على حفظ الله لها، كما حفظ القرآن الكريم؛ إذ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه، الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرع الله ودينه ليس القرآن فقط، بل القرآن والسنة.
· ينص القرآن الكريم على أن السنة النبوية هي المصدر التشريعي الثاني بعده، ولا يمكن أن يكتمل الدين ولا الشريعة بدونها، فهي المبينة والموضحة، والمؤكدة للقرآن، وليس من المعقول أن يحفظ المبين، ويترك البيان، لذا أمر الله بطاعة نبيه تأكيدا للحفظ والرعاية فقال )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا((الحشر: ٧) فهوـ صلى الله عليه وسلم - المحرم والمحلل بشرع الله وأمره )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
· لو سلمنا - جدلا - أن المقصود بالذكر هو القرآن فقط فهذا يلزم منه حفظ السنة؛ إذ إن وعد الله بحفظ السنة داخل في مضمون حفظه للقرآن؛ إذ السنة توضيح وتبيان لما في القرآن الكريم.
· إن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ القرآن والسنة معا فقيض للسنة رجالا يحفظونها ويرعونها جيلا بعد جيل، من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرورا بعصر الصحابة والتابعين، إلى عهد علماء الحديث والمصنفين, وهذا تحقيق لوعد الله - عز وجل - بحفظ الرسالة الخاتمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
منقول
وجوه إبطال الشبهة:
1)إن الذكر في الآية موضوع الشبهة، ليس بمعنى القرآن فقط، وإنما معناه الرسالة أو الشريعة الإسلامية التي هي القرآن والسنة معا؛ لذلك كان حفظ الله للقرآن والسنة معا حتى وصلت إلينا.
2( لو سلمنا - جدلا - بأن الذكر في الآية هو القرآن فقط - كما يزعمون، فإن وعد الله بحفظه يشمل السنة أيضًا؛ إذ السنة بيان للقرآن وحفظ المبين يتضمن حفظ المبين.
3)لو تتبعنا الحوادث والتاريخ، لوجدنا أن الله - عز وجل - قيض لحفظ السنة رجالا أفنوا أعمارهم، وبذلوا النفس والنفيس من أجل الذود عن حياضها؛ مما يؤكد أن الله - عز وجل - قد حفظ سنة نبيه كما حفظ كتابه الكريم.
التفصيل:
أولا. الذكر في الآية بمعنى الرسالة أوالشريعة الإسلامية التي هي القرآن والسنة معا:
مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة جاء من كلمة )الذكر( الواردة في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر), حيث اقتصر فهم الطاعنين في حجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة )الذكر(في الآية هو "القرآن الكريم" فقط.
وتناسوا أن ما وعد الله به من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من أن يكون قرآنا أو سنة.
إذا رجعنا إلى الكتب المتخصصة نجدها تعدد معاني الذكر التي وردت في القرآن، فقد وردت كلمة "الذكر" في القرآن اثنين وخمسين مرة، ولها معان كثيرة؛ فهي تأتي بمعنى القرآن، وبمعنى الرسالة والشريعة، وبمعنى الحفظ، وبمعنى السنة، وبمعنى التذكرة، وبمعنى الشرف، وبمعنى العبادة... إلخ"[1]. وفي ذلك نقل صاحب كتاب "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" عن أحد العلماء قوله: "ذكر الله الذكر في القرآن على عشرين وجها، وفيها الذكر بمعنى رسالة الرسول"[2].
ومما يدل أيضا على أن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ الشريعة كلها: كتابها وسنتها قوله عز وجل: )يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبـى الله إلا أن يتـم نـوره ولـو كـره الكافرون (32)((التوبة), ونور الله: شرعه ودينه الذي ارتضاه للعباد وكلفهم به وضمنه مصالحهم, والذي أوحاه إلى رسوله - من قرآن أو غيره - ليهتدوا به إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة[3].
إذا فالمعنى المناسب "للذكر" في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)(هو رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصفة عامة بما في ذلك الكتاب والسنة, وذلك أن القرآن والسنة وحي من الله عز وجل، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقول شيئا من عنده: )إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم). فلماذا يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن، ولا يتكفل بحفظ السنة مع أن كليهما وحي من عنده سبحانه وتعالى؟!
وفي ذلك يقول ابن حزم: "ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله - عز وجل - فهو ذكر منزل, فالوحي كله محفوظ بحفظ الله - عز وجل - له بيقين, وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه, وألا يحرف منه شيء أبدا تحريفا لا يأتي البيان ببطلانه... فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد - صلى الله عليه وسلم - محفوظ بتولي الله - عز وجل - حفظه, مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبدا إلى انقضاء الدنيا, قال عز وجل: )لأنذركم به ومن بلغ((الأنعام: 19). فإذا كان ذلك كذلك فبالضروري ندري أنه لا سبيل ألبتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين, ولا سبيل ألبتة إلى أن يختلط بباطل موضوع اختلاطا لا يتميز عند أحد من الناس بيقين؛ إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ, ولكان قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) كذبا ووعدا مخلفا, وهذا لا يقوله مسلم.
ثم يرد على من زعم أن حفظ الذكر مقتصر على القرآن وحده قائلا: "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل... فالذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن, وأيضا فإن الله - عز وجل - يقول: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: 44) فصح أنه - صلى الله عليه وسلم - مأمور ببيان القرآن للناس, فإذا كان بيانه - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه, فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه, فلم ندر صحيح مراد الله - عز وجل - منها, وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب, ومعاذ الله من هذا"[4].
واستنادا إلى ذلك فإن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على ذلك الكتاب الكريم،
والسنة النبوية الصحيحة، والعقل والتاريخ.
1. أما الأدلة من كتاب الله - عز وجل - على تكفل الله بحفظ السنة النبوية:
· قوله عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم((النحل: ٤٤), ففي الآية الكريمة إخبار من الله تعالى بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه في قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) فيلزم من هذا أن يكون قد تكفل أيضا بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ المبين للترابط بينهما.
· وقوله عز وجل: )إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19)( (القيامة), فهذا نص صريح يدل على أن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن في قوله عز وجل:)ثم إن علينا بيانه(أي: بيان القرآن, والبيان كما يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون لأمته من بعده, وهو يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيحاء به إليه ليبلغه الناس, وهو المراد من قوله عز وجل: )وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه( (النحل: 64).
فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله (بوحي غير متلو). وفي هذه الآيات السابقة - آيات سورة القيامة - دليل على أن الله تكفل بحفظ السنة، كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقا لهذا الوعد الكريم من الله - عز وجل - هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها، فأثار في نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها، فكانت موضع اهتمامهم، ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
· ويذكر الإمام ابن حزم دليلا ثالثا من كتاب الله على تكفله - سبحانه وتعالى - بحفظ السنة في قوله عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3). وقال عز وجل: )إن الدين عند الله الإسلام( (آل عمران: 19).
قال: فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شريعة الإسلام لنا غير محفوظ, وأنه يجوز فيه التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطا لا يتميز أبدا: أخبرونا عن إكمال الله - عز وجل - لنا ديننا, ورضاه الإسلام لنا دينا, ومنعه تعالى من قبول كل دين حاشا الإسلام. أكل ذلك باق علينا ولنا إلى يوم القيامة؟ أم إنما كان للصحابة - رضي الله عنهم - فقط؟ أم لا للصحابة ولا لنا؟ ولا بد من أحد هذه الوجوه...
فإذا كانت الإجابة بالضرورة: كل ذلك باق لنا وعلينا إلى يوم القيامة, صح أن شرائع الإسلام كلها كاملة، والنعمة بذلك علينا تامة,... وهذا برهان ضروري وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين, وفي بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به أبدا ما لم يكن منه[5].
2. أما الدليل من السنة النبوية على تكفل الله - سبحانه وتعالى - بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
· فقوله صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»[6].
· وقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض»[7].
ففي هذه الأحاديث وغيرها يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن له سنة مطهرة تركها لأمته, وحثهم على التمسك بها, والعض عليها بالنواجذ, ففي اتباعها الهداية, وفي تركها الغواية, فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة, أو يمكن أن يلحقها التحريف أو التبديل, فلا يتميز صحيحها من سقيمها - ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده, فيكون قوله مخالفا للواقع, وهذا محال في حقه - صلى الله عليه وسلم - فأمره بالعمل بها يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيدا لقوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر)[8].
3. وأما الدليل العقلي على تكفل الله - عز وجل - بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
فيقول الدكتور رءوف شلبي: "ليس بلازم في الاحتمالات العقلية أن يكون المراد بالذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين:
أنه لو كان المراد بالذكر القرآن الكريم وحده، لصرح المولى - عز وجل - به باللفظ، كما صرح به في كثير من المواضع في القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل:)إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم( (الإسراء: ٩)، وقوله عز وجل: )بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ (22)((البروج)، وقوله عز وجل: )ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17)( (القمر).
· لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير "إنا نحن نزلناه"؛ إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن )تلك آيات القرآن وكتاب مبين (1)( (النمل: ١)، والتعبير بالضمير في نظر اللغة أجود؛ لأن العلم في المرتبة الثانية من الضمير؛ إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية.
يتبع..
والله لقد سخر الله لعلم الحديث عند أهل السنة آلاف من الرجال والنساء جيل بعد جيل حافظين ومنقحين ومدافعين لأحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ليحفظوها من أدنى تحريف.
ومن حين لآخر يظهر الله لنا العجب العجاب من علماء الحديث حتى يكاد الانسان يجن أيعقل أن يقوم رجل ألباني من أصول ألبانية مثل الشيخ الألباني يهجر هو وأسرته ثم يعيش بيننا ثم يتفوق على الجميع ويتربع على عرش علم الحديث والله انه ليس ذكاء من شيخنا الألباني رحمه الله.
ولكنه اختيار من الله وتوفيق من الله ليتم نوره وحفظه للسنة ولو كره المبتدعون ذلك.
===================
وعليه فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد في نظر العقل، لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوي.
وعلى هذا يكون الأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين:
الأول: أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذي استحقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوي عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر"؛ حيث بينت أن مقالات الكافرين المعتدين على النبوة، إنما هي مفتراة ذكرها رب العزة في كتابه حكاية على لسانهم: )وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون (6) لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين (7) ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين (8) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر).
فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان تردان على هذه الاتهامات، وتعدان بحفظ الرسالة والشرف الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وماذاك إلا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
الثاني: أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقا، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التي معنا في ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم، يقول الله عز وجل: )ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين (10) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون (11) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين (12) لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين (13)((الحجر).
فالأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع, والشريعة: كتاب الله وسنة نبيه, والذي يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف على محاجات الكافرين مع الرسل, وهي تدور كلها حول التكليف الذي مصدره ما ينزله الله بالوحي وما يشرحه الرسول بالسنة, وتكون الآية قد نبهت إلى أمر خطير: هو أنه إذا كان الأمر في الأمم السالفة ينتهي إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الأمم ورسلهم, فإن هذه الشريعة قرآنا وسنة سنحفظها, ولن ينال الكافرون من كيدهم إلا خسارا, لأنه وعد الله, ولن يخلف الله وعده, وكان أمرا مفعولا[9].
ومن ثم فإن المراد من الذكر ليس القرآن فقط، كما زعم الطاعنون بل هو الرسالة، أو الشريعة الإسلامية، أي "القرآن والسنة" دون تفريق بينهما، أو اختصاص أحدهما بالحفظ دون الآخر.
ثانيا. حفظ القرآن يستلزم حفظ السنة:
إن الحفظ الوارد في الآية يشمل القرآن والسنة لا القرآن وحده، ولو افترضنا - جدلا - أن المراد بالذكر، هو القرآن الكريم وحده للزم منه حفظ السنة، فالسنة تابع للقرآن وحفظ المتبوع يلزم منه حفظ التابع.
وعلى هذا فيكون وعد الله بحفظ السنة داخلا في مضمون حفظه للقرآن؛ إذ السنة توضيح وتبيان لما في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل)[10].
"وتقديم الجار والمجرور هنا ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رءوس الآيات، بل لو كان في الآية حصر إضافي بالنسبة إلى شيء مخصوص لما جاز أن يكون هذا الشيء هو السنة؛ لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها، ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين، ودرعه المتين، وحارسه الأمين، وشارحه المبين، تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره، وتدفع عنه عبث العابثين، ولهو اللاهين، وتأويلهم إياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما يمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم، فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها صيانة له"[11].
وبهذا يتضح أن الحصر الوارد في الآية كان عن طريق تقديم الجار والمجرور، وهو في علم المعاني من الدرجة الثالثة في إفادة الحصر، فلو كان المقصود الأهم هو حفظ القرآن وحده لآثر القرآن التعبير:
1. إما بالحصر الحقيقي حقيقة.
2. أو بطريق (ما وإلا) التي تفيد الحصر بالدرجة الأولى.
3. أو (بإنما) التي تفيد الحصر بالدرجة الثانية على الأقل[12].
وبناء عليه فلا وجه معتبر لقول من قال إن الحفظ المذكور في الآية حصري في القرآن مخصوص به؛ إذ كيف يحفظ الله القرآن ويترك حفظ السنة وقد دعا إلى التمسك بها في كثير من الآيات القرآنية من خلال حضه على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقال تعالى: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم( (آل عمران: ٣١)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم( (النساء: ٥٩)، وقال أيضا:)فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجـدوا في أنفسهـم حرجـا ممـا قضيـت ويسلمـوا تسليما (65)((النساء: ٦٥)، وقال أيضا: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل: ٤٤).
"ومن ثم فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس مجرد واعظ يلقي كلمته ويمضي لتذهب في الهواء، إن الدين منهج حياة، منهج حياة واقعية، بتشكيلاتها وتنظيماتها، وأوضاعها، وقيمها، وأخلاقها، وآدابها، وعباداتها، وشعائرها" [13]، وليس تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحكيما لهواه، إنما هو تحكيم شريعته التي استمرت بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ولولا أنها منهج قائم بذاته لما استمرت، فها هو أبو بكر - رضي الله عنه - قاتل المرتدين على منعهم الزكاة، ومخالفتهم لأمر الله ورسوله، وأقسم أنه لو منعوه عقال بعير أو عناقا كان يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلهم عليه أو كما قال.
ونخلص من هذا كله إلى أن القرآن الكريم حث على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يصدر عنه؛ إذ هو نبي موحى إليه، وما ينطق عن الهوى، وهذا يعطي الثقة بأن السنة قد أقرها الله تعالى، وإقراره لها يعطيها قوة في أنها داخلة في مشتملات كلمة )الذكر(، ومن ثم تنال الحفظ والعناية.
يتبع........
==============
ثالثا. قيض الله - عز وجل - لحفظ السنة رجالا أفنوا أعمارهم، وبذلوا النفس والنفيس؛ من أجل الدفاع، والذود عن حياضها:
لقد نالت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاهتمام والعناية ما لم تنله أقوال أي عظيم من العظماء، ولا بطل من الأبطال، ولا رئيس من الرؤساء، ولا ملك من الملوك، ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واقع الأمر ليس إنسانا عاديا، ولا قائدا يشبه في أخلاقه وصفاته الإنسانية أحدا، فهو أفق وحده لا يدانيه أفق، ولذلك كان هو الأسوة، وهو النبراس المضيء، بل لم يكن رسول قوم دون غيرهم أو زمان مؤقت وإنما كان رسولا إلى الثقلين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أدرك هذه الحقيقة أصحابه وتابعوهم، والمسلمون من بعدهم، فعكفوا على نقل، وتدوين وحفظ، وتطبيق كل ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير، حتى الحركات والسكنات، فقد نقلت حياته بكل تفاصيلها، في عباداته، ومعاملاته، في سلمه وحربه، وفي نومه ويقظته، وفي أدق الأمور مما نعده من الخصوصيات الشخصية، بصورة لم تحظ بها سيرة أحد غيره من البشر[14].
ونمثل لهذا الحفظ بنموذج من نماذج حرص الصحابة ومن بعدهم السلف الصالح وأهل الحديث على تلقي السنة ونقلها:
فقد أورد البخاري في كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، قال: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد... قال ابن حجر: وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد؛ لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة... وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال: كنا نسمع عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم، وقيل لأحمد: رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال: يرحل يكتب عن علماء الأمصار فيشافه الناس ويتعلم منهم"[15].
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان أخوان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لعلك ترزق به»[16]؟
هذا، وإن من أجل مظاهر عناية الله تعالى بالسنة أن الصحابة يتذاكرونها فيما بينهم، فقد كانت عادة الصحابة - رضي الله عنهم - استذكار أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرادا أو جماعات.
ودليل ذلك قول أبي هريرة رضي الله عنه: "جزأت الليل ثلاثة أجزاء، ثلثا أصلي، وثلثا أنام، وثلثا أذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[17].
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يوصون التابعين بمذاكرة الحديث، فعن أنس بن مالك قال: "كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه"، ومن ذلك ما نقل عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: "إذا سمعتم مني حديثا فتذاكروه بينكم"[18]. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «تذاكروا الحديث فإنكم إلا تفعلوا يندرس»[19].
هكذا كان ديدن الصحابة في تذكر الأحاديث فيما بينهم، والتواصي بذلك، واستمر الوضع على هذا النهج في عهد التابعين[20].
وحمل مشعل الحفاظ على السنة المطهرة بعد الصحابة والتابعين - جهابذة العلماء من ذوي الصدق والتحري، فبينوا صحيحها وضعيفها والموضوع منها بدراسة أسانيد الرواة ومتونهم، وتركوا لنا مصنفات مكنت العلماء فيما بعد إلى يوم القيامة من معرفة صحة ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم[21].
وكل هذا حفظ من الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولولا أن المولى - عز وجل - رعاها كما حفظ القرآن لاندثرت مع تعاقب الدهور لكثرة ما وجه إليها من طعون، ولكثرة ما صادفت من أعداء أضمروا لها شرا، وأرادوا بها سوءا، فجعلهم الله الأخسرين بما قيض لها من الرجال الأوفياء في كل عصر، وفي كل جيل، وفي كل مكان[22].
وهذا يورث اليقين من أن الله - عز وجل - حفظ كتابه وسنة نبيه, وأنه - سبحانه وتعالى - كما أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، فإنه أيضا قد حفظ أصول دينه, لتظل الحجة قائمة على الخلق إلى قيام الساعة[23].
الخلاصة:
· إن الآية الكريمة التي استند إليها الطاعنون - في أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة وهي قوله عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)((الحجر) ـ هي نص صريح على حجية السنة، ودليل واضح على حفظ الله لها، كما حفظ القرآن الكريم؛ إذ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه، الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرع الله ودينه ليس القرآن فقط، بل القرآن والسنة.
· ينص القرآن الكريم على أن السنة النبوية هي المصدر التشريعي الثاني بعده، ولا يمكن أن يكتمل الدين ولا الشريعة بدونها، فهي المبينة والموضحة، والمؤكدة للقرآن، وليس من المعقول أن يحفظ المبين، ويترك البيان، لذا أمر الله بطاعة نبيه تأكيدا للحفظ والرعاية فقال )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا((الحشر: ٧) فهوـ صلى الله عليه وسلم - المحرم والمحلل بشرع الله وأمره )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
· لو سلمنا - جدلا - أن المقصود بالذكر هو القرآن فقط فهذا يلزم منه حفظ السنة؛ إذ إن وعد الله بحفظ السنة داخل في مضمون حفظه للقرآن؛ إذ السنة توضيح وتبيان لما في القرآن الكريم.
· إن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ القرآن والسنة معا فقيض للسنة رجالا يحفظونها ويرعونها جيلا بعد جيل، من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرورا بعصر الصحابة والتابعين، إلى عهد علماء الحديث والمصنفين, وهذا تحقيق لوعد الله - عز وجل - بحفظ الرسالة الخاتمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق