بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله واصحابه ومن والاه .
إن لم تكن إلاسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها
سامضي مع هذا وامثاله كلمة بكلمة وابين حالهم وعوارهم ومراهقتهم العلميه وكلماتهم التي نعرف ويعرف هو لمن هي موجهه مداهنا مع الاسف والتي لا تنطلي الا على البلهاء محبي الاضواء وهذا ليس غريبا فهو حال اهل اللين والتذلل لاعداء الحق والحقيقه والدين والمنافقين:
قام معاوية بأخذ البيعة ليزيد تألّم ذلك الكثير من أبناء الصحابة لإحساسهم بانتهاء العهد الراشدي المبني على الشورى. و عندما قتل الحسين بتلك الصورة الشنيعة، أحسَّ الكثير من أبناء الصحابة بحجم الاستبداد و التسلط الذي بدأت تمارسه الدولة. لقد كانت هذه عوامل مساعدة جعلت النفوس مهيأة للمعارضة، حينما وجدت عوامل ظاهرة تغذي ذلك الشعور المتولد من أخطاء السياسة الأموية.
ثم بعد ذلك قام وفد من أهل المدينة بزيارة يزيد بن معاوية
البداية والنهاية (8/217). فقدمو على يزيد، فلم يسألو حاجة إلا قضاها. و كان في هذا الوفد عبد الله بن حنظلة و معه ثمانية من أبنائه، فأعطاه يزيد مئة ألف درهم و أعطى لكل واحد من أبنائه عشرة آلاف درهم سوى كسوتهم و حملانهم تاريخ خليفة (ص236) بسند صحيح. والطبري (5/495) بإسناد صحيح.. و قد أجاز الوفد جميعهم، و من العجيب حقاً بعد هذا كله أنهم رجعو ذامِّين له، مجمعين على خلعه. فلما رجعو إلى المدينة أظهرو شتم يزيد و البراءة منه و خلعه الطبري (5/480)، و المسعودي في مروج الذهب (3/78)، و السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص309)..
لكنه لم يثبت لدينا بأسانيد صحيحة الأمور التي لاحظها الوفد على يزيد، و من ثم كانت هي الدافعة لخلع يزيد و إخراج بني أمية. و هذه الروايات الضعيفة التي تدين يزيد بن معاوية و تذكره بأمور عظيمة، لا يمكن أن نأخذ بها على الرغم من ضعفها، و ذلك لأن الأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك بأمير المؤمنين في زمانه؟ و لكننا نستطيع أن نقرر حقيقة ثابتة و هي أن الدافع الذي دفع أهل المدينة للخروج على يزيد: هو أخذهم تصور عن يزيد بأنه قليل الدين. و لكن ما هي حدود قلة الدين، هل هي معاصي و ذنوب صغيرة، أم كبائر كبيرة أو كفر صريح؟ و لعل أشهر هذه التهم هي اتهامه بشرب الخمر. و هذا العمل لا يمكن أن يخفى على أهل الشام و الذين يوجد بينهم الصحابة و التابعون و العلماء و الفقهاء. فلماذا لم ينقل إلينا شاهد واحد من أهل الشام على أن يزيد ارتكب مثل هذه القبائح رغم أنهم أكثر الناس اطلاعاً على أمره؟!
و مما يؤكد أن اتهام يزيد بشرب الخمر لا دليل عليه و ليس صحيحاً، أنهم لم يشيرو إلى هذه التهمة خلال الحوادث الآتية:
1 - لما جاء ابن عمر إلى عبد الله بن مطيع حينما نزعو بيعة يزيد قال ابن مطيع: «إطرحو لأبي عبد الرحمان وِسَادَةً». فقال: «إنِّي لم آتِكَ لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله يقول: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً . صحيح مسلم (برقم 1851 أو 3441) باب الإمارة. إنظر أيضاً البخاري مع الفتح (13/74).
).و لم يذكر ابن مطيع و الذين معه شيئاً عن شرب الخمر أو ما شابه ذلك، و إلا لبّينو الحق في سبب خروجهم.
2 - أقام علي بن الحسين –زين العابدين– طويلاً عند يزيد، و ذلك بعد مقتل والده و أقاربه في كربلاء، و كان يتناول معه الطعام، و مع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتّهم فيها يزيد بشرب الخمر. كما و أنّ علي بن الحسين لم يخرج مع أهل المدينة على يزيد، و هو الذي يعتبر أكثر الناس تأثراً بسياسة الدولة. ثم لا ننسى أنه رجل موتور بقتل والده و أقاربه، فلو أنه عرف أن يزيد يشرب الخمر و يدع الصلاة لكان أوّل المسارعين للخروج على يزيد.
3 - من الدلائل على أن تهمة شرب الخمر التي اتهم فيها يزيد هي من زيادات و إضافات أناس ليس لهم أدنى علاقة أو اطلاع على حالة يزيد، ما ذكر عن محمد بن الحنفية. إذ يروي ابن كثير قال ابن كثير في البداية «لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع[5] كان داعية لابن الزبير. و أصحابه إلى محمد بن الحنفية. فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، و قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة. قالو: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع[6] قلت و على فرض أنه فعل ذلك تصنّعاً فكيف عرفو هم به؟ أليسو هم أولى بأن يتصنّع لهم؟ و كيف عرفو هم بأمر (و لم يزوروه إلا أياماً معدودةً) لم يعرفه من عاشره لفترة طويلة في الشام؟!؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركائه، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدو بما لم تعلمو. قالو: إنه عندنا لحق و إن لم يكن رأيناه[7] و هذا اعتراف صريح أنهم لم يشاهدو منه ذلك.. فقال لهم أبى اللـه ذلك علـى أهل
الشهادة، فقالإِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ}[
(الزخرف: من الآية86)
و لست من أمركم في شيء. قالو: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً و لا متبوعاً. فقالو: فقد قاتلت مع أبيك. قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه. فقالو: فمر اب************ أبا القاسم و القاسم بالقتال معنا. قال: لو أمرتهما قاتلت. قالو: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال. قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله و لا أرضاه؟ إذاً ما نصحت لله في عباده. قالو: إذاً نكرهك. قال: إذاً آمر الناس بتقوى الله و لا يرضون المخلوق بسخط الخالق. و خرج إلى مكة»[9] البداية والنهاية (8236). و تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61-80هـ– (ص274) بسند حسن..
و لا ننسى أن محمد بن الحنفية أخو الحسين بن علي، و قد فجع بقتل إخوته و أقاربه في كربلاء، ثم أقام عند يزيد وهو أدرى به. فلو شاهد أيّ إشارة على فسق يزيد لكان أول من دل عليها. و مع ذلك فقد دافع عن يزيد و لم يخلع بيعته ليزيد و لم يشارك في معركة الحرة، و لا يمكن أن نتصور أنه سوف يقف إلى جانب يزيد و يدافع عنه إذا كان على علم بأن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة و لكان أول الخارجين عليه بسبب ما أصاب أقاربه بسببه.
4 - حينما بعث يزيد بن معاوية الصحابي النعمان بن بشير t وسيطاً لأهل المدينة ليثنيهم عن عزمهم في الخروج على يزيد، لم تشر المحاورة التي دارت بين النعمان بن بشير و بين أهل المدينة إلى اتهام يزيد بشرب الخمر[10] الطبري (5/481).
لقد كان الوفد الذي ذهب إلى يزيد رأى أن يزيد قد أخذ البيعة لولده معاوية من بعده و ترك حياة الشورى التي كانت سائدة إبان فترة الخلفاء الراشدين، لذا قررو أن يجعلو حداً لولاية العهد. فأصبح لديهم حنيناً جارفاً و توقاً كبيراً للرجوع بالأمة إلى حياة الشورى. و لقد كان هذا الرأي مشتركاً بين أعضاء الوفد، فلما رجعو إلى المدينة خلعو يزيداً و ولو عليهم ابن مطيع و ابن حنظلة[11] البداية والنهاية (8/235). و هذا هو السبب الحقيقي لثورتهم جميعاً و لثورة إبن الزبير أيضاً.
و ابن عمر كان يتمنى –قبل وفاته– قتال الفئة الباغية، و حين سئل عن الفئة الباغية قال: «ابن الزبير بغى على بني أمية فأخرجهم من ديارهم و نكث عهدهم»[12] الذهبي في تاريخ الإسلام (حوادث سنة 61-80هـ) (ص465). و ذكر ابن عساكر في تاريخه (31/193): عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال له: «يا أبا عبد الرحمن. إني و الله لو حرصت على أن أسمت سمتك و أقتدي بك في أمر فرقة الناس، فأعتزل الشر ما استطعت، و إني أقرأ آية من كتاب الله محكمة فقد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها. أرأيت قول الله عز وجل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلو .. الآية } اخبرني عن هذه الآية». ، فقال له عبد الله بن عمر: «ما لك و لذلك؟ إنصرف عني». فقام الرجل و انطلق حتى توارى منا سواده. فأقبل علينا عبد الله بن عمر فقال: «ما وجدت في نفسي شيء من أمر هذه الآية ما وجدت في نفسي، من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله». فقال حمزة: فقلنا له: «و من ترى الفئة الباغية؟». قال ابن عمر: «ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم و نكث عهدهم».
. و كان ابن عمر يُحمِّل ابن الزبير مسؤولية إخراج الأمويين من المدينة. مما يدل على الترابط الوثيق بين الثورتين. و لقد قال ابن حجر في ترجمة مروان بن الحكم: «و لم يزل بالمدينة حتى أخرجهم ابن الزبير منها، و كان ذلك من أسباب وقعة الحرة»[13] الإصابة (6/258). و لقد حمل البلاذري في أنساب الأشراف (4/327) وابن قتيبة في المعارف (ص351) عبد الله بن الزبير المسؤولية عن إخراج بني أمية من المدينة.. و لا شكّ أن أهل المدينة قد أساءو إلى الأمويين بإخراجهم من المدينة دون سواهم من الناس، ثم بخلع الخليفة يزيد بن معاوية. و الحقيقة أن محاصرة الأمويين من قبل أهل المدينة ذكّرَت أهل الشام بمحاصرة الثوار للخليفة عثمان في المدينة، فلمّا انهزم أهل المدينة والصبيان قال ابن عمر: «بعثمانَ و ربُّ الكعبة»[14] المنتظم لابن الجوزي (6/16).. و قد ذكرت الروايات أن مسلم بن عقبة إنما عمل كل ما عمل بأهل المدينة عن تديُّن و اعتقاد و ظنٌّ بنفسه أنه على الحق، وأنه يجب مقاتله من خلع يد الطاعة حتى يرجع إلى الجماعة[15] ابن سعد في الطبقات، الطبقة الخامسة (ص474) و البلاذري (4/331)، و الطبري (5/497) بسند حسن..
فحينما نأتي إلى محاولة تحديد الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن معركة الحرة، فإننا سنجد أن كلا الطرفين قد شارك بوقوع تلك المأساة، فمن الصعب اتهام يزيد و تبرئة المدنيين من المسؤولية. فأهل المدينة حينما أقدمو على خلع يزيد و إخراج بني أمية من المدينة بغير حقّ، عارضهم في ذلك كبار الصحابة و التابعين و أهل الفضل. فابن عمر كان واضحاً حيال أبنائه و حشمه، حيث جمعهم و حذرهم من نكث بيعة يزيد. أما أهل بيت النبوة فقد لزمو الطاعة و لم يخرجو مع أهل المدينة ضد يزيد[16] ابن سعد (5/215). إنظر أيضاً صحيح البخاري مع الفتح (6/136)، و صحيح مسلم برقم (4770).. قال أبو جعفر الباقر: «لم يخرج أحد من آل أبى طالب و لا من بني عبد المطلب أيام الحرة». و لمّا قدِم مسلم بن عقبة المدينة، أكرمه و أدنى مجلسه و أعطاه كتاب أمان[17] البداية و النهاية..
و هذه زينب بنت أبي سلمة (ربيبة رسول الله ) ترى في قتل أحد ولديها بعد ما قاتل أهل الشام على أنه يُخشى عليه من سوء الخاتمة. فهي بذلك لا ترى في خروج أهل المدينة و قتالهم أيّ صفة شرعية[18] تاريخ خليفة (ص 236) بسند صحيح، و البيهقي (6/474) بإسناد صحيح.. و لقد استدللنا بكلام زينب ، على خطأ أهل المدينة في خلعهم ليد الطاعة و البيعة ليزيد، لأنها من أفقه نساء المدينة في عصرها[19] الإصابة (7/676). كذلك لم يشترك في الفتنة أحد من الصحابة و لا وافقو على الخروج[20] و إذا أردنا الدقة فقد ثبت أنه كان فيهم واحد من صغار الصحابة و هو معقل بن سنان الأشجعي، له صحبة و سماع. و المقصود من مقولة العصامي أي لم يوافق هذا الصحابي أحدٌ من باقي الصحابة خاصة فقهائهم و كبارهم.
و هناك عدد ممن لهم رؤية لكن لا تصح لهم صحبة، بمعنى أنهم ولدو على عهد النبي لكن كانوا أطفالاً غير واعين، فلم تحصل لهم صحبة. منهم: عبد الله بن حنظلة الغسيل، حفيد عبد الله بن أبي سلول، له رؤية و لا يصح له سماع. قال إبن عبد البر: «أحاديثه عندي مرسلة». و منهم عبد الله بن مطيع العدوي، له رؤية و لا يصح له سماع و لا صحبة.
. حتى أن العصامي قال: «و لم يوافق أهل المدينة على هذا الخلع[21] أي خلع يزيد أحد من أصحاب رسول الله »[22] سمط النجوم العوالي (3/91). قلت اللهم إلا عبد الله بن الزبير كما هو واضح..
و هذا ما تثبته النصوص الصحيحة القطعية: فعن ابن عمر عن النبي قال: «مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ فَلا حُجَّةَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَ مَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[23] مسلم بشرح النووي (12/233-234 . أيضاً المسند برقم (5130).. و عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الصَّلاةِ الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا. وَ الْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَ الشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ يَعْنِي رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، إِلا مِنْ ثَلاثٍ، –قال: فعرفت إن ذلك الأمر حدث– إِلا مِنْ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَ نَكْثِ الصَّفْقَةِ، وَ تَرْكِ السُّنَّةِ. قال: أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلاً ثُمَّ تُخَالِفَ إِلَيْهِ، تُقَاتِلُهُ بِسَيْفِكَ. وَ أَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَمَاعَةِ»[24] المسند (12/98) بسند صحيح. و رقمه (6832)..
و عن أبي ذر قال: قال رسول الله : «كيف أنت يا أبا ذر و موتاً يصيب الناس حتى يقوم البيت بالوصيف[25]؟». قلت: «ما خار الله لي و رسوله»، أو قال: الله و رسوله أعلم[26]. قال: «تصبر». قال: «كيف أنت و جوعاً يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك و لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك؟». قال: الله أعلم، أو: «ما خار الله لي و رسوله»، قال: «عليك بالعفة». ثم قال: «كيف أنت و قتلاً يصيب الناس حتى تُعْرَقَ حجارة الزيت بالدم؟». قلت: «ما خار الله لي و رسوله»، قال: «إلحق بمن أنت منه». قال: قلت «يا رسول الله. أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك؟». قال: «شاركت القوم إذاً! و لكن ادخل بيتك». قلت: «يا رسول الله، فإن دُخل بيتي؟». قال: «إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداءك على وجهك، فيبوء بإثمه و إثمك، فيكون من أصحاب النار»[27].
و مع ذلك فإن أهل المدينة خرجو متأولين، مريدين إعادة نظام الشورى، و لم يكن خروجهم لغرض دنيوي. و حتى لو كانو آثمين بخروجهم فقد جاء الخبر الصحيح بأن ذلك الإثم مغفورٌ لهم، لقوله : «اللهم اغفر للأنصار و لأبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار»[28].
موقعة الحَرَّة
أخرج ابن عساكر في تاريخه: لما احتضر معاوية دعا يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يوماً. فإن فعلو فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته. فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة و جماعة فأكرمهم و أجازهم، فرجع فحرَّض الناس على يزيد و عابه و دعاهم إلى خلع يزيد. فأجابوه فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة. فهابهم أهل الشام و كرهو قتالهم. فلما نشب القتال سمعو في جوف المدينة التكبير، و ذلك أن بني حارثة أدخلو قوماً من الشاميين من جانب الخندق. فترك أهل المدينة القتال و دخلو المدينة خوفاً على أهلهم. فكانت الهزيمة و قتل من قتل. و بايع مسلم الناس على أنهم خوَّل ليزيد يحكم في دمائهم و أموالهم و أهلهم بما شاء»[29] تاريخ دمشق
و ذلك سنة 63هـ[30] المعرفة و التاريخ (3/426)..
روى المدائنى أن مسلم بن عقبة بعث روح بن زنباع إلى يزيد ببشارة الحرة فلما أخبره بما وقع قال «واقوماه». ثم دعا الضحاك بن قيس الفهري فقال له: «ترى ما لقي أهل المدينة فما الذي يجبرهم»؟ قال: «الطعام و الأعطية». فأمر بحمل الطعام إليهم و أفاض عليهم أعطيته[31] البداية و النهاية (8/233-234). و قد أوصاه أباه معاوية قبل موته بأهل الحجاز فقال: «اعرف شرف أهل المدينة و مكة فإنّهم أصلك و عشيرتك».
و لا صحة للروايات الشيعية بأنه فرح لما حدث كما أثبت المحققون من مؤرخي السنة[32] سؤال في يزيد لابن تيمية(ص16)، و البداية و النهاية (8/224).. و كذلك الرواية الشيعية في إباحة المدينة للجيش الشامي ثلاثة أيام يفعل فيها ما يشاء بطلب من يزيد بن معاوية. فهذا من الكذب الظاهر الذي لم يثبت[33] إنظر: كتاب يزيد بن معاوية – حياته و عصره – للدكتور عمر سليمان العقيلي، (ص68-69) مع هامش رقم (94) و (103)، و كتاب صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية فريال بنت عبد الله (ص77-83) حيث ناقشت الموضوع بأسلوب علمي و ظهرت بنتيجة واحدة وهي عدم ثبوت صحة واقعة الاستباحة للمدينة.. و لو قارنا الرواية الشيعية على لسان أبي مخنف الكذاب، و بين الروايات السنية التي جاءت عن رواة ثقاة مثل: عوانة بن الحكم (ت147هـ) و وهب بن جرير (ت206هـ)، لوجدنا تناقضاً واضحاً، حيث لم يرد في رواياتهما ما يشير إلى الاستباحة.
بل إن الرواية الشيعية نفسها غير معقولة أصلاً. فهي تذكر أن يزيد أوصى الجيش باستباحة المدينة ثلاثة أيام بلياليها يعيثون بها، يقتلون الرجال و يأخذون المال و المتاع، و أنهم سبو الذرية و انتهكو الأعراض حتى قيل إن الرجل إذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها و يقول لعلها افتـُضَّت في الوقعة. و أن عدد القتلى بلغ سبعمئة رجل من قريش و الأنصار و مهاجرة العرب و وجوه الناس، و عشرة آلاف من سائر القوم. و قد أنكر شيخ الإسلام ذلك[34] انظر: منهاج السنة (4/575-576).. و هل يعقل حدوث ذلك كله في عصر التابعين و الصحابة دون أن نجد أي ذكر لذلك في الروايات السنية؟ فعلى الباحث ألا يتسرع في الأخذ برواية هذا الكذاب، خاصة إذا كانت تتعرض لأحداث وقعت في عهد الدولة الأموية و عهد يزيد بالذات، و هو المكروه من قبل عامة الشيعة فما بالك إذا كان هو الراوي الوحيد للحادثة؟
و هناك رواية أخرى عند الطبري عن وهب بن جرير حيث أشار فيها إلى إكرام وفادة يزيد لوفد أهل المدينة عند تواجدهم في دمشق، كما أنه لم يتطرق بالذكر لتوجيه يزيد لقائده مسلم بإباحة المدينة ثلاثة أيام، و إنما قال: فانهزم الناس فكان من أصيب في الخندق أكثر ممن قتل من الناس، فدخلو المدينة و هزم الناس، فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم و أموالهم ما شاء. و هناك رواية ثالثة ذكرها الطبري تختلف عن رواية أبي مخنف و هي لعوانة بن الحكم، و تؤكد أن مسلم بن عقبة دعا الناس بقباء إلى البيعة – أي بيعة يزيد– ففعلو و قتل مسلم المعارضين و المشاغبين منهم فقط[35] الطبري ( 5/495)! إذاً رواية وهب بن جرير و عوانة بن الحكم لم تذكر شيئاً عن أمر يزيد لسلم بإباحتها ثلاثاً، إذاً أمر إباحة المدينة ثلاثة أيام قصة مشكوك في وقوعها، و لم يرد شيء على الإطلاق في هذا الصدد عن سبي الذراري و هتك الأعراض.
فحادثة إباحة المدينة و قتل الصحابة فيها بتلك الصورة لم يكن و لم يحدث. و لكن قد حدثت معركة حتماً و قتل البعض. كما أسفرت هذه الوقعة عن فقدان كثير من الأشياء المادية والعلمية و حرقها[36] إنظر: التهذيب (7/180)، و البخاري مع الفتح (5/370-371)، و صحيح مسلم برقم (4077)، و أثر في مسند أحمد (3/376)، و أورده الحافظ في الفتح (5/373)..
و ثبت أن أهل الشام، قد أخذو بعض الأشياء التي تخص أهل المدينة، لكن ليست بالصورة التي صورتها الروايات الضعيفة من الاستباحة و القتل و هتك الأعراض و غيرها من الأمور المنكرة[37] إنظر: مواقف المعارضة في خلافة يزيد لمحمد الشيباني (ص347-356)..
خروج عبد الله بن الزبير
كان ابن الزبير رافضاً و متصلباً في رأيه بشأن بيعة يزيد بن معاوية أيام أبيه معاوية . و بعد بعد وفاة معاوية، خرج ابن الزبير و الحسين بن علي من المدينة وتوجها إلى مكة، و قد حاول الوليد بن عتبة والي المدينة إرجاع ابن الزبير والحسين بن علي إلى المدينة، فبعث في أثرهما ركباً، لكنهم فشلو في مهمتهم و لم يعثرو عليهم[38] البلاذري (4/338).
و في الطريق إلى مكة قابل ابن الزبير والحسين ابن عمر وعبد الله بن عياش بالأبواء، و هما قادمان من العمرة فقال لهما ابن عمر: «أذكِّرَكما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، و تنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، و إن تفرقو كان الذي تريدان»[39] ابن سعد في الطبقة الخامسة (ص 370) والطبري (5/343). و قد كان ابن عمر يحرص أشد الحرص على اجتماع المسلمين، و يخشى من التفرق و التحزب. و كان يدرك ما سيؤول إليه الموقف فيما بعد. و من المؤكد أن ابن الزبير والحسين عندما خرجا إلى مكة قد أخذا في اعتبارهما قداسة الحرم و بيت الله و إجلال المسلمين له، مما يهيئ لهما جواً من الأمن والطمأنينة، فلا يتمكن يزيد من إكراههم على بيعته، و لكي يؤكد ابن الزبير على خاصية الحرم وعلى التجائه لبيت الله، فقد لقب نفسه بالعائذ[40] البلاذري (4/301) والبداية والنهاية (9/151)..
و بعد أن خرج الحسين و حدث ما حدث في كربلاء، قام ابن الزبير خطيباً في مكة و ترحَّم على الحسين و ذم قاتليه، فكان هذا أول هجوم من ابن الزبير على يزيد[41] أنساب الأشراف (4/304) و الطبري (5/475) من طريق أبي مخنف (أي أسناده ضعيف).. فد أبدى البعض استعداده لبيعة ابن الزبير متأثرين بالجو العاطفي[42] البلاذري (4/304).. فأخذ ابن الزبير يدعو إلى الشورى و ينال من يزيد و يشتمه[43] الأزرقي أخبار مكة (1/201). و قد حاول يزيد بن معاوية أن يكسب ابن الزبير و أن لا يعمل عملاً يعقّد النزاع معه، فأرسل له رسالة يذكره فيها بفضائله –أي فضائل ابن الزبير– و مآثره في الإسلام، و يحذره من الفتنة و السعي فيها[44] البلاذري (4/303-304) عن المدائني. غير أن تعنُّتَ ابن الزبير أدَّى إلى تفاقم الأمر أكثر[45] البلاذري (4/304) و الفاكهي في أخبار مكة (2/351) بإسناد حسن.، فغضب يزيد و طلبه مغلولاً[46] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1/416) بسند صحيح. و تاريخ خليفة (ص 251) بإسناد حسن.، فاستشار أمَّه أسماء بنت أبي بكر فأشارت عليه بالرفض فامتنع[47] البلاذري ( 4/308)، و الآزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند رجاله ثقات..
و إذا رجعنا إلى معارضة أهل المدينة، و إخراجهم لبني أمية من المدينة، نجد أن معارضتهم أعظم من أن يقوم يزيد باحتوائها. و لا شكَّ أنَّ هذا العمل الذي أقدم عليه أهل المدينة يمثل سابقة خطيرة تهدِّد مستقبل الدولة و كيان الأمة بأسرها، فمن الصعوبة أن يترك يزيد هذه المعارضة الصريحة البيِّنة، و هذا الانفصال عن الدولة، دون أن يتخذ عملاً حاسماً يعيد للدولة قدرتها و وحدتها، فأرسل جيشاً لحسم الموضوع. و بعد أن حدث ما حدث من معركة الحرة مع أهل المدينة، توجه قائد الجيش الشامي مسلم بن عقبة إلى مكة قاصداً ابن الزبير، غير أنه مات في الطريق، فتولى قيادة الجيش الحصين بن نمير السكوني، فقام ابن الزبير في الناس يحثهم على قتال جيش الشام، و قد انضم إليه المنهزمون من معركة الحرة[48] البلاذري (4/338). و دار بينهم القتال المعروف و الذي كان بسببه حريق الكعبة[49] قيل إنما احترقت لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار و هم حول الكعبة فعلقت النار فى بعض أستار الكعبة فسرت إلى أخشابها و سقوفها فاحترقت. و قيل إنما احترقت لأن ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال مكة في ليلة ظلماء فظن أنهم أهل الشام، فرفعت نار على رمح لينظرو من هؤلاء الذين على الجبل، فأطارت الريح شررة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليمانى و الأسود من الكعبة، فعلقت فى أستارها و أخشابها فاحترقت و اسودَّ الرُّكن و انصدع في ثلاثة أمكنةٍ منه. إنظر تفصيل ذلك في البداية و النهاية.
.
و كاد إبن الزبير أن ينهزم و تنتهي الفتنة لولا وفاة يزيد، مما أدى لانسحاب الجيش الشامي. و استلم بعد يزيدٍ، إبنه معاوية الثاني، و كان رجلاً شديد الورع و التقى. نادى في الناس الصلاة جامعة ذات يوم، فاجتمع الناس، فقال لهم فيما قال: «يا أيها الناس إنّي قد ولّيت أمركم، و أنا ضعيف عنه. فإن أحببتم تركتها لرجلٍ قويٍّ كما تركها الصّدّيق لعمر. و إن شئتم تركتها شورى في ستّةٍ منكم كما تركها عمر بن الخطاب. و ليس فيكم من هو صالح لذلك. و قد تركت لكم أمركم فولُّو عليكم من يصلح لكم». ثم نزل و دخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى.
فلما توفي من غير عهد منه إلى أحد، تغلّب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير، ثم دعا إلى الخلافة لنفسه، و بعث إلى ابن عمر و ابن الحنفية و ابن عباس ليبايعو، فأبو عليه. و بويع في رجب بعد أن أقام الناس نحو ثلاثة أشهر بلا إمام. ثم أخذ يتوسّع حتى ضمّ إليه بلاد المسلمين كلها إلا دمشق و جزءاً من الأردن[50] خضعت له حمص و قنسرين و فلسطين. بل كادت دمشق نفسها تخضع له لو أحسن التدبير، أو لو كانت له شوكة تحميه.. و بايعه في أول الأمر رؤوس الخوارج[51] بايعه الخوارج لأنهم أرادو فرصة لإحداث فتنة و سفك دماء المسلمين. فلمّا ظنو أن الأمر سيستتب له خرجو عليه و قاتلوه.، و كذلك بايعه أحد الباطنية الكذابين و هو المُختار الثقفي، الذي صار واليه على العراق. لكنّ المختار ادّعى أنه يَنزِلُ عليه الوحي، فاضطرَّ عبد الله بن الزبير لإرسال أخيه مُصعب لقتاله بعد ذلك الكفر الصريح. و هذا مما أضعف شوكته في العراق. و ثار عليه الخوارج فقمعهم، و قاتل المُختار الدَّجال في العراق فقتله حتى كاد يستبدّ له الأمر كليّةً.
و أخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام، و هذا من سوء تخطيطه رحمه الله. فاجتمعو إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد، و قد كان معاوية بن يزيد قد عزم على أن يبايع لابن الزبير بدمشق. و كذلك كان مروان ينوي ذلك لولا أن أقنعه بعض الفجّار[52] و هم قتلة الحسين لعنهم الله، لأنهم خافو أنه إذا استقرت أمور المسلمين أن ينالهم القصاص. فتأمّل مشابهتم لقتلة عثمان الذين أثارو الفتنة حتى لا ينالهم القصاص. و لكن هيهات. فقد نالهم القصاص في الدنيا و الموعد عند ربّ العالمين. أن لا يبايع، و ليته فعل. فخرج من دمشق إلى الأردن ليجمع أنصاره، فاجتمع معه ثلاثة عشر ألفاً. أما الضّحّاك –والي إبن الزبير– فخرج من دمشق في ثلاثين ألفاً. و التقى الجمعان في مرج راهط، فانتصر مروان بعد معركة حامية الوطيس رغم تفوق الضحاك العددي، إلا أن العصبية القوية و التكتيك العسكري كانا العنصر الحاسم. و دعى للخلافة فبايعه أهل دمشق، ثم توسع من دمشق فضمّ أرجاء بلاد الشام، ثم أرسله أخاه عبد العزيز –والد الخليفة الراشد عمر– فأخذ مصر. و لم تدم خلافته ستة أشهر حتى توفي.
ثم تابع بعده إبنه عبد الملك، فانتزع العراق ثم توجه جيشه إلى مكة بقيادة الحجّاج فحاصرها و دخلها و استشهد عبد الله بن الزبير ، فلا حول و لا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
ثم اين الاشارة الى القتله الاصليين والله لو كان الرد بغير الكلام لكان اجدى وانفع ولكن انظر الى ضحايا الغدر الفارسي بال بيت النبي صلى الله عليه وسلم فاولهم علي وثانيهم الحسن وثالثهم مسلم بن عقيل
============
ذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء
عن يزيد
ان ابن الحنفية يرى ان يزيد كان مواظب على الصلاة متحريا للخير
وَعَنْ صَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
مَشَى عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَرَادُوْهُ عَلَى خَلْعِ يَزِيْدَ، فَأَبَى.
فَقَالَ ابْنُ مُطِيْعٍ: إِنَّهُ يَشْرَبُ الخَمْرَ، وَيَتْرُكُ الصَّلاَةَ، وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الكِتَابِ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا تَذْكُرُ، وَقَدْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَرَأَيْتُهُ مُوَاظِباً لِلصَّلاَةِ، مُتَحَرِّياً لِلْخَيْرِ، يَسْأَلُ عَنِ الفِقْهِ.
قَالَ: ذَاكَ تَصَنُّعٌ وَرِيَاءٌ. سير أعلام النبلاء للذهبي
=========
سبب منع لعن يزيد
أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين – رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده . قال ابن الصلاح – رحمه الله - : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "<5>
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .<6>
قال ابن كثير – رحمه الله - : " وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله – أي قتل الحسين – بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.<7>
وقال الغزالي – رحمه الله - : " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلاً عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق " <8>
قلت : ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي : "فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "<9>
__________________
وقد أورد الذهبي في ذات الترجمة ما نصه:
"وروي أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف فلما وفد على يزيد أعطاه ألفي ألف وقال والله لا أجمعهما لغيرك"
فهل عبد الله بن جعفر من آل البيت؟ وإذا كان الجواب بالإثبات، فهل يكرم الناصبي أحدا من آل البيت على كرهه لهم؟ اللهم إلا إن كان عبد الله بن جعفر قد تبرأ من كونه من آل البيت، ونحن نطالب بالدليل. بل نؤكد أنه لم يكرم آل البيت في العالمين أحد إكرام معاوية ويزيد رضوان الله عليهما. لكن الحقد الدفين على معاوية رضي الله عنه خاصة وبني أمية عامة من قبل الروافض المرتدين يغلي في الرؤوس كغلي الحميم، يصم الآذان ويعمي الأبصار ويؤدي إلى الكذب والبهتان.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
"يزيد ممن لا نسبه ولا نحبه،وله نظراء من خلفاء الدولتين،وكذلك ملوك النواحي؛بل فيهم من هو شر منه،وإنما أعظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبعٍ وأربعين سنة والعهد قريب،والصحابة موجودون كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده"
سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/35.
التعليق:
وهذا القول للإمام الذهبي فيه أمور:
أولاً:أن الذهبي لا يحل لعنه.
ثانياً:الوقوف على الحياد.
==========
روايات موثقة تدحض ما نُسِبَ إلى يزيد من منكر وفجور:
توجد روايات في مصادرنا التاريخية تساعدنا على دحض الروايات الساقطة التي نَسَبت كذبا وافتراءً إلى يزيد ما نسبت ، زاعمة ً أن يزيد بن معاوية كان شاباً لاهياً عابثاً ، مغرماً بالصيد و شرب الخمر ، و تربية الفهود والقرود ، و الكلاب … الخ !!تلك الروايات التي اختلقها أعداء بني أمية وخاصة منهم الشيعة المجوس الزنادقة ، وتسرّب كثير منها مع ما تسرَّب من روايات ساقطة وقصص منحطة وحكايات تافهة إلى كتب التاريخ والتفسير ، مثل :
[نسب قريش لمصعب الزبيري ؛ (ص127)] و [كتاب الإمامة والسياسة المنحول! لابن قتيبة ؛ (1/163)] و [ تاريخ اليعقوبي ؛ (2/220)] و [ كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ؛ (5/17)]
و [ مروج الذهب للمسعودي ؛ (3/77)] .
ومن أراد أن يطلع على المزيد من تلك الافتراءات الخبيثة ، فليرجع إلى كتاب: [ صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية ـ فريال بنت عبد الله ؛ (ص 86- 122 )] .
ـ شهادة محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية ـ
فيروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت ، فقال له يزيد ، و كان له مُكرماً : يا أبا القاسم ، إن كنتَ رأيتَ مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه ، و أتيت الذي تُشير به علي ؟ فقال : والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه ، وأخبرك بالحق لله فيه ، لِما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، وما رأيت منك إلاّ خيراً . [أنساب الأشراف للبلاذري ؛ (5/17)] .
و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، فقال ابن مطيع : إنَّ يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب ، فقال محمد: ما رأيتُ منه ما تذكرون ، قد حضرته وأقمت عنده ، فرأيته مواظباً على الصلاة ، متحرياً للخير ، يسأل عن الفقه ، ملازماً للسنة ، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك ، قال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يُظهر لي الخشوع ؟! ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه ، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، قالوا : إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه! فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة ، و لست من أمركم في شيء .
[البداية و النهاية ؛ (8/233) ] و [ تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61-80هـ – (ص274) ] . و قد حسّن الأخ محمد الشيباني إسناده ، انظر: [مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384)].
وقيمة شهادة ابن الحنفية هذه لا تكمن فقط في أنها شهادة عدل صدرت عن تابعي جليل ، بل تنبع كذلك من كونها صدرت ممن قاتل معاوية َ مع أبيه أي مع علي رضي الله عن الجميع ، فأحرى به أن يكون عدواً له كارهاً لملكه وولده . ولا يتهمه بالتحيّز في هذا إلى يزيد ومحاباتِه إلا ّ جاهل ضالّ ، أو زنديق لئيم حاقد .
فشهادة ابن الحنفية هي لاريب شهادة عدل قوية تكذّب ما افترَوهوا على يزيد من تناول للمسكر ، ومباشرة للمنكرات ، وغير ذلك مما يقدح بمروءة الإنسان مما رواه أبو مخنف وأمثاله من الرواة الكذابين الغالين ممن ينطبق عليهم لفظ الفاسق ، فهذا وأمثاله من الفسّاق لا ُيقبَل لهم قول خاصة إذا كان فيه طعن في أحد من المسلمين ، فما بالك إذا كان هذا المطعون فيه وفي دينه هو خليفة المسلمين وإمامهم ؟!
وقد رأينا فيما مضى نماذج من هذا الطعن والإفتراء !
ـ شهادة ابن العباس في يزيد
وهناك قول مشابه لابن عباس رضي الله عنه ، يثبت فيه أن يزيد براء مما افترى ولا يزال يفتري عليه المفترون ، وهو أنه لما قدم ابن عباس وافداً على معاوية رضي الله عنه ، أمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه – أي أن يأتي ابن عباس - ، فأتاه في منزله ، فرحب به ابن عباس وحدثه ، فلما خرج ، قال ابن عباس : " إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس".
[البداية والنهاية ؛ (8/228-229) ] و [ تاريخ دمشق ؛ (65/403-404) ].
ـ شهادة الليث بن سعد في يزيد
ثم إنّ نسبة ما نُسِبَ من منكر إلى يزيد لا يحل إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك ؟ وقد شهد العدل بعدالته ، روى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد ( توفي 147هـ ) قال ، قال الليث : " توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا " ، فسماه الليثُ أمير المؤمنين بعد ذهاب ملك بني أمية وانقراض دولتهم ، ولولا كونه عنده كذلك لما قال إلا : " توفي يزيد " .
[العواصم من القواصم (ص232-234) ].
ـ شاهد آخر قوي على عدالة يزيد
كما إنّ مجرد موافقة عدد من كبار الشخصيات الإسلامية ، من أمثال عبد الله بن الزبير ، وعبد الله ابن عباس ، وابن عمر ، وأبو أيوب الأنصاري ، على مصاحبة جيش يزيد في سيره نحو القسطنطينية ، فيها خير دليل على أنَّ يزيد كان يتميز بالاستقامة ، و تتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة ، ويتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات ؛ وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد .
ـ منقَبة ليزيد بن معاوية :
أخرج البخاري عن خالد بن مَعْدان أن عُمَير بن الأسود العَـنَسي حدثه أنه أتى عُبادة بن الصامت و هو نازل في ساحة حِمص وهو في بناء له ومعه أم حَرام ، قال عُمير : فحدثتنا أم حَرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزُونَ البحرَ قد أَوجَبوا " ، فقالت أمُّ حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "أول جيش من أمتي يغزُون مدينة قَيْصرَ مغفورٌ لهم" ، فقلت : أنا فيهم قال : لا .
وَقَدْ حَدَّثَ عن أمِّ حرام أَنَس رضي الله عنهما هَذَا الْحَدِيث أَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ ، وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْن سُفْيَان هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة بِسَنَدِ الْبُخَارِيّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ " قَالَ هِشَام رَأَيْت قَبْرَهَا بِالسَّاحِلِ " .
وقَوْله : ( يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَر ) يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة .
وَقَوْله : ( قَدْ أَوْجَبُوا) أَيْ فَعَلُوا فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُمْ بِهِ الْجَنَّة .
قَالَ الْمُهَلَّب : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ .[البخاري مع الفتح ] .
فتحرك الجيش نحو القسطنطينية بقيادة بسر بن أرطأ رضي الله عنه عام خمسين من الهجرة ، فاشتد الأمر على المسلمين فأرسل بسر يطلب المَدد من معاوية فجهز معاوية جيشاً بقيادة ولده يزيد ، فكان في هذا الجيش كلٌ من أبو أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وجمعٌ غفير من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين .
وقد علّق على هذا الحديث ِ الشيخُ ابو اليسر عابدين رحمه الله ، مفتي سوريا السابق ، عام 1954 في كتابه (أغاليط المؤرخين) فقال: اما يكفيه ( أي يزيد ) فخرا ما ذكره في الجامع الصغير برمز البخاري عن ام حرام بنت ملحان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اول جيش من امتي يركبون البحر فقد اوجبوا وأول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. و كلا الوصفين ثبتا ليزبد بن معاوية رضي الله عنه.
[ أغاليط المؤرخين ؛ ص 124]
على ضوء ما سبق بيانه من حال يزيد الحقيقية نستطيع أن نرد جميع الروايات الساقطة والأقوال المريبة التي لم تثبت صحتها وإن وجدت في امه
روى المدائنى أن مسلم بن عقبة بعث روح بن زنباع إلى يزيد ببشارة الحرة فلما أخبره بما وقع قال «واقوماه». ثم دعا الضحاك بن قيس الفهري فقال له: «ترى ما لقي أهل المدينة فما الذي يجبرهم»؟ قال: «الطعام و الأعطية». فأمر بحمل الطعام إليهم و أفاض عليهم أعطيته[31] البداية و النهاية (8/233-234). و قد أوصاه أباه معاوية قبل موته بأهل الحجاز فقال: «اعرف شرف أهل المدينة و مكة فإنّهم أصلك و عشيرتك».
و لا صحة للروايات الشيعية بأنه فرح لما حدث كما أثبت المحققون من مؤرخي السنة[32] سؤال في يزيد لابن تيمية(ص16)، و البداية و النهاية (8/224).. و كذلك الرواية الشيعية في إباحة المدينة للجيش الشامي ثلاثة أيام يفعل فيها ما يشاء بطلب من يزيد بن معاوية. فهذا من الكذب الظاهر الذي لم يثبت[33] إنظر: كتاب يزيد بن معاوية – حياته و عصره – للدكتور عمر سليمان العقيلي، (ص68-69) مع هامش رقم (94) و (103)، و كتاب صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية فريال بنت عبد الله (ص77-83) حيث ناقشت الموضوع بأسلوب علمي و ظهرت بنتيجة واحدة وهي عدم ثبوت صحة واقعة الاستباحة للمدينة.. و لو قارنا الرواية الشيعية على لسان أبي مخنف الكذاب، و بين الروايات السنية التي جاءت عن رواة ثقاة مثل: عوانة بن الحكم (ت147هـ) و وهب بن جرير (ت206هـ)، لوجدنا تناقضاً واضحاً، حيث لم يرد في رواياتهما ما يشير إلى الاستباحة.
بل إن الرواية الشيعية نفسها غير معقولة أصلاً. فهي تذكر أن يزيد أوصى الجيش باستباحة المدينة ثلاثة أيام بلياليها يعيثون بها، يقتلون الرجال و يأخذون المال و المتاع، و أنهم سبو الذرية و انتهكو الأعراض حتى قيل إن الرجل إذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها و يقول لعلها افتـُضَّت في الوقعة. و أن عدد القتلى بلغ سبعمئة رجل من قريش و الأنصار و مهاجرة العرب و وجوه الناس، و عشرة آلاف من سائر القوم. و قد أنكر شيخ الإسلام ذلك[34] انظر: منهاج السنة (4/575-576).. و هل يعقل حدوث ذلك كله في عصر التابعين و الصحابة دون أن نجد أي ذكر لذلك في الروايات السنية؟ فعلى الباحث ألا يتسرع في الأخذ برواية هذا الكذاب، خاصة إذا كانت تتعرض لأحداث وقعت في عهد الدولة الأموية و عهد يزيد بالذات، و هو المكروه من قبل عامة الشيعة فما بالك إذا كان هو الراوي الوحيد للحادثة؟
و هناك رواية أخرى عند الطبري عن وهب بن جرير حيث أشار فيها إلى إكرام وفادة يزيد لوفد أهل المدينة عند تواجدهم في دمشق، كما أنه لم يتطرق بالذكر لتوجيه يزيد لقائده مسلم بإباحة المدينة ثلاثة أيام، و إنما قال: فانهزم الناس فكان من أصيب في الخندق أكثر ممن قتل من الناس، فدخلو المدينة و هزم الناس، فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم و أموالهم ما شاء. و هناك رواية ثالثة ذكرها الطبري تختلف عن رواية أبي مخنف و هي لعوانة بن الحكم، و تؤكد أن مسلم بن عقبة دعا الناس بقباء إلى البيعة – أي بيعة يزيد– ففعلو و قتل مسلم المعارضين و المشاغبين منهم فقط[35] الطبري ( 5/495)! إذاً رواية وهب بن جرير و عوانة بن الحكم لم تذكر شيئاً عن أمر يزيد لسلم بإباحتها ثلاثاً، إذاً أمر إباحة المدينة ثلاثة أيام قصة مشكوك في وقوعها، و لم يرد شيء على الإطلاق في هذا الصدد عن سبي الذراري و هتك الأعراض.
فحادثة إباحة المدينة و قتل الصحابة فيها بتلك الصورة لم يكن و لم يحدث. و لكن قد حدثت معركة حتماً و قتل البعض. كما أسفرت هذه الوقعة عن فقدان كثير من الأشياء المادية والعلمية و حرقها[36] إنظر: التهذيب (7/180)، و البخاري مع الفتح (5/370-371)، و صحيح مسلم برقم (4077)، و أثر في مسند أحمد (3/376)، و أورده الحافظ في الفتح (5/373)..
و ثبت أن أهل الشام، قد أخذو بعض الأشياء التي تخص أهل المدينة، لكن ليست بالصورة التي صورتها الروايات الضعيفة من الاستباحة و القتل و هتك الأعراض و غيرها من الأمور المنكرة[37] إنظر: مواقف المعارضة في خلافة يزيد لمحمد الشيباني (ص347-356)..
خروج عبد الله بن الزبير
كان ابن الزبير رافضاً و متصلباً في رأيه بشأن بيعة يزيد بن معاوية أيام أبيه معاوية . و بعد بعد وفاة معاوية، خرج ابن الزبير و الحسين بن علي من المدينة وتوجها إلى مكة، و قد حاول الوليد بن عتبة والي المدينة إرجاع ابن الزبير والحسين بن علي إلى المدينة، فبعث في أثرهما ركباً، لكنهم فشلو في مهمتهم و لم يعثرو عليهم[38] البلاذري (4/338).
و في الطريق إلى مكة قابل ابن الزبير والحسين ابن عمر وعبد الله بن عياش بالأبواء، و هما قادمان من العمرة فقال لهما ابن عمر: «أذكِّرَكما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، و تنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، و إن تفرقو كان الذي تريدان»[39] ابن سعد في الطبقة الخامسة (ص 370) والطبري (5/343). و قد كان ابن عمر يحرص أشد الحرص على اجتماع المسلمين، و يخشى من التفرق و التحزب. و كان يدرك ما سيؤول إليه الموقف فيما بعد. و من المؤكد أن ابن الزبير والحسين عندما خرجا إلى مكة قد أخذا في اعتبارهما قداسة الحرم و بيت الله و إجلال المسلمين له، مما يهيئ لهما جواً من الأمن والطمأنينة، فلا يتمكن يزيد من إكراههم على بيعته، و لكي يؤكد ابن الزبير على خاصية الحرم وعلى التجائه لبيت الله، فقد لقب نفسه بالعائذ[40] البلاذري (4/301) والبداية والنهاية (9/151)..
و بعد أن خرج الحسين و حدث ما حدث في كربلاء، قام ابن الزبير خطيباً في مكة و ترحَّم على الحسين و ذم قاتليه، فكان هذا أول هجوم من ابن الزبير على يزيد[41] أنساب الأشراف (4/304) و الطبري (5/475) من طريق أبي مخنف (أي أسناده ضعيف).. فد أبدى البعض استعداده لبيعة ابن الزبير متأثرين بالجو العاطفي[42] البلاذري (4/304).. فأخذ ابن الزبير يدعو إلى الشورى و ينال من يزيد و يشتمه[43] الأزرقي أخبار مكة (1/201). و قد حاول يزيد بن معاوية أن يكسب ابن الزبير و أن لا يعمل عملاً يعقّد النزاع معه، فأرسل له رسالة يذكره فيها بفضائله –أي فضائل ابن الزبير– و مآثره في الإسلام، و يحذره من الفتنة و السعي فيها[44] البلاذري (4/303-304) عن المدائني. غير أن تعنُّتَ ابن الزبير أدَّى إلى تفاقم الأمر أكثر[45] البلاذري (4/304) و الفاكهي في أخبار مكة (2/351) بإسناد حسن.، فغضب يزيد و طلبه مغلولاً[46] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1/416) بسند صحيح. و تاريخ خليفة (ص 251) بإسناد حسن.، فاستشار أمَّه أسماء بنت أبي بكر فأشارت عليه بالرفض فامتنع[47] البلاذري ( 4/308)، و الآزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند رجاله ثقات..
و إذا رجعنا إلى معارضة أهل المدينة، و إخراجهم لبني أمية من المدينة، نجد أن معارضتهم أعظم من أن يقوم يزيد باحتوائها. و لا شكَّ أنَّ هذا العمل الذي أقدم عليه أهل المدينة يمثل سابقة خطيرة تهدِّد مستقبل الدولة و كيان الأمة بأسرها، فمن الصعوبة أن يترك يزيد هذه المعارضة الصريحة البيِّنة، و هذا الانفصال عن الدولة، دون أن يتخذ عملاً حاسماً يعيد للدولة قدرتها و وحدتها، فأرسل جيشاً لحسم الموضوع. و بعد أن حدث ما حدث من معركة الحرة مع أهل المدينة، توجه قائد الجيش الشامي مسلم بن عقبة إلى مكة قاصداً ابن الزبير، غير أنه مات في الطريق، فتولى قيادة الجيش الحصين بن نمير السكوني، فقام ابن الزبير في الناس يحثهم على قتال جيش الشام، و قد انضم إليه المنهزمون من معركة الحرة[48] البلاذري (4/338). و دار بينهم القتال المعروف و الذي كان بسببه حريق الكعبة[49] قيل إنما احترقت لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار و هم حول الكعبة فعلقت النار فى بعض أستار الكعبة فسرت إلى أخشابها و سقوفها فاحترقت. و قيل إنما احترقت لأن ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال مكة في ليلة ظلماء فظن أنهم أهل الشام، فرفعت نار على رمح لينظرو من هؤلاء الذين على الجبل، فأطارت الريح شررة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليمانى و الأسود من الكعبة، فعلقت فى أستارها و أخشابها فاحترقت و اسودَّ الرُّكن و انصدع في ثلاثة أمكنةٍ منه. إنظر تفصيل ذلك في البداية و النهاية.
.
و كاد إبن الزبير أن ينهزم و تنتهي الفتنة لولا وفاة يزيد، مما أدى لانسحاب الجيش الشامي. و استلم بعد يزيدٍ، إبنه معاوية الثاني، و كان رجلاً شديد الورع و التقى. نادى في الناس الصلاة جامعة ذات يوم، فاجتمع الناس، فقال لهم فيما قال: «يا أيها الناس إنّي قد ولّيت أمركم، و أنا ضعيف عنه. فإن أحببتم تركتها لرجلٍ قويٍّ كما تركها الصّدّيق لعمر. و إن شئتم تركتها شورى في ستّةٍ منكم كما تركها عمر بن الخطاب. و ليس فيكم من هو صالح لذلك. و قد تركت لكم أمركم فولُّو عليكم من يصلح لكم». ثم نزل و دخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى.
فلما توفي من غير عهد منه إلى أحد، تغلّب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير، ثم دعا إلى الخلافة لنفسه، و بعث إلى ابن عمر و ابن الحنفية و ابن عباس ليبايعو، فأبو عليه. و بويع في رجب بعد أن أقام الناس نحو ثلاثة أشهر بلا إمام. ثم أخذ يتوسّع حتى ضمّ إليه بلاد المسلمين كلها إلا دمشق و جزءاً من الأردن[50] خضعت له حمص و قنسرين و فلسطين. بل كادت دمشق نفسها تخضع له لو أحسن التدبير، أو لو كانت له شوكة تحميه.. و بايعه في أول الأمر رؤوس الخوارج[51] بايعه الخوارج لأنهم أرادو فرصة لإحداث فتنة و سفك دماء المسلمين. فلمّا ظنو أن الأمر سيستتب له خرجو عليه و قاتلوه.، و كذلك بايعه أحد الباطنية الكذابين و هو المُختار الثقفي، الذي صار واليه على العراق. لكنّ المختار ادّعى أنه يَنزِلُ عليه الوحي، فاضطرَّ عبد الله بن الزبير لإرسال أخيه مُصعب لقتاله بعد ذلك الكفر الصريح. و هذا مما أضعف شوكته في العراق. و ثار عليه الخوارج فقمعهم، و قاتل المُختار الدَّجال في العراق فقتله حتى كاد يستبدّ له الأمر كليّةً.
و أخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام، و هذا من سوء تخطيطه رحمه الله. فاجتمعو إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد، و قد كان معاوية بن يزيد قد عزم على أن يبايع لابن الزبير بدمشق. و كذلك كان مروان ينوي ذلك لولا أن أقنعه بعض الفجّار[52] و هم قتلة الحسين لعنهم الله، لأنهم خافو أنه إذا استقرت أمور المسلمين أن ينالهم القصاص. فتأمّل مشابهتم لقتلة عثمان الذين أثارو الفتنة حتى لا ينالهم القصاص. و لكن هيهات. فقد نالهم القصاص في الدنيا و الموعد عند ربّ العالمين. أن لا يبايع، و ليته فعل. فخرج من دمشق إلى الأردن ليجمع أنصاره، فاجتمع معه ثلاثة عشر ألفاً. أما الضّحّاك –والي إبن الزبير– فخرج من دمشق في ثلاثين ألفاً. و التقى الجمعان في مرج راهط، فانتصر مروان بعد معركة حامية الوطيس رغم تفوق الضحاك العددي، إلا أن العصبية القوية و التكتيك العسكري كانا العنصر الحاسم. و دعى للخلافة فبايعه أهل دمشق، ثم توسع من دمشق فضمّ أرجاء بلاد الشام، ثم أرسله أخاه عبد العزيز –والد الخليفة الراشد عمر– فأخذ مصر. و لم تدم خلافته ستة أشهر حتى توفي.
ثم تابع بعده إبنه عبد الملك، فانتزع العراق ثم توجه جيشه إلى مكة بقيادة الحجّاج فحاصرها و دخلها و استشهد عبد الله بن الزبير ، فلا حول و لا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
ثم اين الاشارة الى القتله الاصليين والله لو كان الرد بغير الكلام لكان اجدى وانفع ولكن انظر الى ضحايا الغدر الفارسي بال بيت النبي صلى الله عليه وسلم فاولهم علي وثانيهم الحسن وثالثهم مسلم بن عقيل
============
ذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء
عن يزيد
ان ابن الحنفية يرى ان يزيد كان مواظب على الصلاة متحريا للخير
وَعَنْ صَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
مَشَى عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَرَادُوْهُ عَلَى خَلْعِ يَزِيْدَ، فَأَبَى.
فَقَالَ ابْنُ مُطِيْعٍ: إِنَّهُ يَشْرَبُ الخَمْرَ، وَيَتْرُكُ الصَّلاَةَ، وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الكِتَابِ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا تَذْكُرُ، وَقَدْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَرَأَيْتُهُ مُوَاظِباً لِلصَّلاَةِ، مُتَحَرِّياً لِلْخَيْرِ، يَسْأَلُ عَنِ الفِقْهِ.
قَالَ: ذَاكَ تَصَنُّعٌ وَرِيَاءٌ. سير أعلام النبلاء للذهبي
=========
سبب منع لعن يزيد
أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين – رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده . قال ابن الصلاح – رحمه الله - : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "<5>
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .<6>
قال ابن كثير – رحمه الله - : " وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله – أي قتل الحسين – بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.<7>
وقال الغزالي – رحمه الله - : " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلاً عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق " <8>
قلت : ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي : "فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "<9>
__________________
وقد أورد الذهبي في ذات الترجمة ما نصه:
"وروي أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف فلما وفد على يزيد أعطاه ألفي ألف وقال والله لا أجمعهما لغيرك"
فهل عبد الله بن جعفر من آل البيت؟ وإذا كان الجواب بالإثبات، فهل يكرم الناصبي أحدا من آل البيت على كرهه لهم؟ اللهم إلا إن كان عبد الله بن جعفر قد تبرأ من كونه من آل البيت، ونحن نطالب بالدليل. بل نؤكد أنه لم يكرم آل البيت في العالمين أحد إكرام معاوية ويزيد رضوان الله عليهما. لكن الحقد الدفين على معاوية رضي الله عنه خاصة وبني أمية عامة من قبل الروافض المرتدين يغلي في الرؤوس كغلي الحميم، يصم الآذان ويعمي الأبصار ويؤدي إلى الكذب والبهتان.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
"يزيد ممن لا نسبه ولا نحبه،وله نظراء من خلفاء الدولتين،وكذلك ملوك النواحي؛بل فيهم من هو شر منه،وإنما أعظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبعٍ وأربعين سنة والعهد قريب،والصحابة موجودون كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده"
سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/35.
التعليق:
وهذا القول للإمام الذهبي فيه أمور:
أولاً:أن الذهبي لا يحل لعنه.
ثانياً:الوقوف على الحياد.
==========
روايات موثقة تدحض ما نُسِبَ إلى يزيد من منكر وفجور:
توجد روايات في مصادرنا التاريخية تساعدنا على دحض الروايات الساقطة التي نَسَبت كذبا وافتراءً إلى يزيد ما نسبت ، زاعمة ً أن يزيد بن معاوية كان شاباً لاهياً عابثاً ، مغرماً بالصيد و شرب الخمر ، و تربية الفهود والقرود ، و الكلاب … الخ !!تلك الروايات التي اختلقها أعداء بني أمية وخاصة منهم الشيعة المجوس الزنادقة ، وتسرّب كثير منها مع ما تسرَّب من روايات ساقطة وقصص منحطة وحكايات تافهة إلى كتب التاريخ والتفسير ، مثل :
[نسب قريش لمصعب الزبيري ؛ (ص127)] و [كتاب الإمامة والسياسة المنحول! لابن قتيبة ؛ (1/163)] و [ تاريخ اليعقوبي ؛ (2/220)] و [ كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ؛ (5/17)]
و [ مروج الذهب للمسعودي ؛ (3/77)] .
ومن أراد أن يطلع على المزيد من تلك الافتراءات الخبيثة ، فليرجع إلى كتاب: [ صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية ـ فريال بنت عبد الله ؛ (ص 86- 122 )] .
ـ شهادة محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية ـ
فيروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت ، فقال له يزيد ، و كان له مُكرماً : يا أبا القاسم ، إن كنتَ رأيتَ مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه ، و أتيت الذي تُشير به علي ؟ فقال : والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه ، وأخبرك بالحق لله فيه ، لِما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، وما رأيت منك إلاّ خيراً . [أنساب الأشراف للبلاذري ؛ (5/17)] .
و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، فقال ابن مطيع : إنَّ يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب ، فقال محمد: ما رأيتُ منه ما تذكرون ، قد حضرته وأقمت عنده ، فرأيته مواظباً على الصلاة ، متحرياً للخير ، يسأل عن الفقه ، ملازماً للسنة ، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك ، قال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يُظهر لي الخشوع ؟! ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه ، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، قالوا : إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه! فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة ، و لست من أمركم في شيء .
[البداية و النهاية ؛ (8/233) ] و [ تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61-80هـ – (ص274) ] . و قد حسّن الأخ محمد الشيباني إسناده ، انظر: [مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384)].
وقيمة شهادة ابن الحنفية هذه لا تكمن فقط في أنها شهادة عدل صدرت عن تابعي جليل ، بل تنبع كذلك من كونها صدرت ممن قاتل معاوية َ مع أبيه أي مع علي رضي الله عن الجميع ، فأحرى به أن يكون عدواً له كارهاً لملكه وولده . ولا يتهمه بالتحيّز في هذا إلى يزيد ومحاباتِه إلا ّ جاهل ضالّ ، أو زنديق لئيم حاقد .
فشهادة ابن الحنفية هي لاريب شهادة عدل قوية تكذّب ما افترَوهوا على يزيد من تناول للمسكر ، ومباشرة للمنكرات ، وغير ذلك مما يقدح بمروءة الإنسان مما رواه أبو مخنف وأمثاله من الرواة الكذابين الغالين ممن ينطبق عليهم لفظ الفاسق ، فهذا وأمثاله من الفسّاق لا ُيقبَل لهم قول خاصة إذا كان فيه طعن في أحد من المسلمين ، فما بالك إذا كان هذا المطعون فيه وفي دينه هو خليفة المسلمين وإمامهم ؟!
وقد رأينا فيما مضى نماذج من هذا الطعن والإفتراء !
ـ شهادة ابن العباس في يزيد
وهناك قول مشابه لابن عباس رضي الله عنه ، يثبت فيه أن يزيد براء مما افترى ولا يزال يفتري عليه المفترون ، وهو أنه لما قدم ابن عباس وافداً على معاوية رضي الله عنه ، أمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه – أي أن يأتي ابن عباس - ، فأتاه في منزله ، فرحب به ابن عباس وحدثه ، فلما خرج ، قال ابن عباس : " إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس".
[البداية والنهاية ؛ (8/228-229) ] و [ تاريخ دمشق ؛ (65/403-404) ].
ـ شهادة الليث بن سعد في يزيد
ثم إنّ نسبة ما نُسِبَ من منكر إلى يزيد لا يحل إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك ؟ وقد شهد العدل بعدالته ، روى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد ( توفي 147هـ ) قال ، قال الليث : " توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا " ، فسماه الليثُ أمير المؤمنين بعد ذهاب ملك بني أمية وانقراض دولتهم ، ولولا كونه عنده كذلك لما قال إلا : " توفي يزيد " .
[العواصم من القواصم (ص232-234) ].
ـ شاهد آخر قوي على عدالة يزيد
كما إنّ مجرد موافقة عدد من كبار الشخصيات الإسلامية ، من أمثال عبد الله بن الزبير ، وعبد الله ابن عباس ، وابن عمر ، وأبو أيوب الأنصاري ، على مصاحبة جيش يزيد في سيره نحو القسطنطينية ، فيها خير دليل على أنَّ يزيد كان يتميز بالاستقامة ، و تتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة ، ويتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات ؛ وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد .
ـ منقَبة ليزيد بن معاوية :
أخرج البخاري عن خالد بن مَعْدان أن عُمَير بن الأسود العَـنَسي حدثه أنه أتى عُبادة بن الصامت و هو نازل في ساحة حِمص وهو في بناء له ومعه أم حَرام ، قال عُمير : فحدثتنا أم حَرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزُونَ البحرَ قد أَوجَبوا " ، فقالت أمُّ حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "أول جيش من أمتي يغزُون مدينة قَيْصرَ مغفورٌ لهم" ، فقلت : أنا فيهم قال : لا .
وَقَدْ حَدَّثَ عن أمِّ حرام أَنَس رضي الله عنهما هَذَا الْحَدِيث أَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ ، وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْن سُفْيَان هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة بِسَنَدِ الْبُخَارِيّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ " قَالَ هِشَام رَأَيْت قَبْرَهَا بِالسَّاحِلِ " .
وقَوْله : ( يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَر ) يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة .
وَقَوْله : ( قَدْ أَوْجَبُوا) أَيْ فَعَلُوا فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُمْ بِهِ الْجَنَّة .
قَالَ الْمُهَلَّب : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ .[البخاري مع الفتح ] .
فتحرك الجيش نحو القسطنطينية بقيادة بسر بن أرطأ رضي الله عنه عام خمسين من الهجرة ، فاشتد الأمر على المسلمين فأرسل بسر يطلب المَدد من معاوية فجهز معاوية جيشاً بقيادة ولده يزيد ، فكان في هذا الجيش كلٌ من أبو أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وجمعٌ غفير من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين .
وقد علّق على هذا الحديث ِ الشيخُ ابو اليسر عابدين رحمه الله ، مفتي سوريا السابق ، عام 1954 في كتابه (أغاليط المؤرخين) فقال: اما يكفيه ( أي يزيد ) فخرا ما ذكره في الجامع الصغير برمز البخاري عن ام حرام بنت ملحان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اول جيش من امتي يركبون البحر فقد اوجبوا وأول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. و كلا الوصفين ثبتا ليزبد بن معاوية رضي الله عنه.
[ أغاليط المؤرخين ؛ ص 124]
على ضوء ما سبق بيانه من حال يزيد الحقيقية نستطيع أن نرد جميع الروايات الساقطة والأقوال المريبة التي لم تثبت صحتها وإن وجدت في امه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق