الاستثمار السياسي في الإرهاب .. تجارب عربية
إذا لم يوجد الإرهاب ، فعلينا أن نوجده ، أو نعيد إنتاجه وشحن طاقاته ومساعدته على "إنجاز" بعض عملياته وتسويقها عالميا ، لأنه مصدر شرعيتنا الأكثر جدوى ، هذا هو منطق نظم عربية عديدة ـ طوال العشرين عاما الماضية ـ وفق ما كشف عنه الفيلم الوثائقي الخطير الذي نشرته قناة الجزيرة عن مخبر تنظيم القاعدة في اليمن هاني مجاهد ، وهو يلخص للعالم كله أسرار حقبة عربية ملتبسة وشديدة التعقيد في ما يتعلق بموضوع الإرهاب في الدول العربية ، وكيف كانت النظم القمعية ومخابراتها وأجهزتها الأمنية تلعب بورقة الإرهاب باحتراف شديد ، يصل إلى حد الشراكة الكاملة مع عملياته الوحشية ، من أجل استثمارها سياسيا ، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي ، لصناعة شرعية الضرورة والأمر الواقع لتلك النظم أمام المجتمع الدولي . هاني مجاهد كان عضوا بتنظيم القاعدة واقترب من أسامة بن لادن زعيم التنظيم ، قبل إصابته ومن ثم اعتقاله في بيشاور بباكستان ، وحققت معه المخابرات الأمريكية والباكستانية قبل أن يرحلوه إلى اليمن ، حيث سجن عدة سنوات ، ومن ثم جندته مخابرات علي عبد الله صالح للعمل لصالحها في صفوف التنظيم ، مقابل راتب شهري منتظم ، إضافة إلى مكافآت خاصة عن كل عملية يتم إبلاغهم بها قبل وقوعها ، والرجل ـ الذي وصل لمكانة رفيعة في قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ، وكذلك علاقات وثيقة مع قيادات رفيعة في جهاز الأمن القومي اليمني ، يحكي بالتفصيل عن علاقته بابن شقيق رئيس اليمن العقيد عمار محمد صالح ، وكان وكيل جهاز الأمن القومي ، وهو الآن ملحق عسكري في أثيوبيا وقيل أنه هرب بعد بث هذا
الشريط ، وقال أنه كان يسلم لهم التفاصيل الكاملة عن عملية إرهابية كبيرة للقاعدة ، ويحدد لهم اليوم والمكان والأشخاص أحيانا قبل العملية بشهر ، ثم يعيد تأكيد وتفصيل بعض المعلومات قبل التنفيذ بأسبوع ، ثم قبل التنفيذ أحيانا بيومين أو ثلاثة ، مع أي معلومة جديدة ، ويفاجأ بأن العملية تتم بالكامل ويذهب ضحاياها هدرا بدون أي تفسير ، وقد تكرر هذا الموقف ، وحكى المخبر الذي اخترقوا به القاعدة تفاصيل ثلاث عمليات على الأقل منها تفجير مروع في سبتمبر 2008 طال السفارة الأمريكية في صنعاء ونتج عنه مقتل تسعة عشر شخصا ، معظمهم مواطنون يمنيون ، وتفجير آخر في يوليو 2007 أدى لمقتل ثمانية من السياح الأسبان بصورة وحشية ، وكلها عمليات أبلغ عنها المخابرات بالتفصيل ولكنهم تركوها تنفذ بالكامل ، أيضا يشرح كيف أن المخابرات اليمنية كانت تسهل عملية وصول السلاح والمتفجرات والأموال أحيانا إلى عناصر القاعدة بصورة تبدو وكأن هناك علاقات وثيقة مباشرة أو عن طريق وسطاء بين الطرفين ، المخابرات اليمنية وخلايا تنظيم القاعدة . الشريط مروع ، ويفتح الباب واسعا حول تفسير علاقات ملتبسة وغامضة بين التنظيمات الإرهابية والنظم الحاكمة في العواصم العربية المختلفة ، وخاصة في فترت التسعينات وبداية الألفية الجديدة ، وكثير من قادة هذه المنظمات كانوا معتقلين في سجون بغداد أو دمشق أو القاهرة أو طرابلس أو تونس أو الجزائر أو صنعاء أو طهران ، بمن فيهم حاليا قيادات تنظيم داعش الذين تربوا في محاضن بشار الأسد وأجهزته الأمنية ، وكانت تلك النظم تبني شرعيتها الدولية بشكل خاص على موضوع خطر الإرهاب ، وأنها حائط الصد الأساس والأول في وجه الإرهاب الذي يهدد أوربا نفسها والولايات المتحدة ، وبالتالي فمن الضروري والمنطقي أن تدعم أمريكا والغرب تلك النظم ، رغم قمعيتها واستبدادها وانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان ، ومن الحكمة حينئذ التغاضي عن غياب الديمقراطية أو الحريات وانتشار القمع الأمني لأن البلاد يهددها الإرهاب ، وأن الإرهاب يستغل مناخ الحرية والديمقراطية ليتوحش ويهدد العالم كله ، ولذلك ظل "وحش" الإرهاب يتحرك في بلدان العرب بصورة غريبة ، مع تغطية إعلامية وسياسية وديبلوماسية واسعة لجهود مواجهته ، لاستثمار ذلك في دعم شرعية تلك النظم التي كانت تفتقر إلى الشرعية الحقيقية ، إلا من أدوات القمع والسيطرة الأمنية والاستخباراتية ، وكما يعبر عبد الرحمن برمان ، محامي هاني ، والوسيط الذي أوصله للاعترافات : " لقد كان النظام السابق يستخدم القاعدة كفزاعة يستهدف من خلالها الأميركيين والأوروبيين للحصول على الدعم بحجة مواجهة القاعدة، بينما كان النظام نفسه هو الذي يوجه بعض عملياتها" !!، والحقيقة أن علي عبد الله صالح كان يستخدم تلك الفزاعة أيضا لابتزاز السعودية ودول الخليج والحصول على دعمها من مال وسلاح لتعزيز سلطاته وترسيخ حكمه ، وهي الأموال التي ثبت أن كثيرا منها تحول لحسابات خاصة به ، كما كشف تقرير رسمي للأمم المتحدة . ملف علي عبد الله صالح ، رئيس اليمن المخلوع ، أضاف لنا الحلقة المفقودة ، وهي أن تلك النظم كانت تستثمر سياسيا في الإرهاب ، وتصطنعه أحيانا ، وتغذي خلايا الإرهاب ، وتحركها باحتراف ، وتدعمها إن لزم الأمر ، كانت تعمل على إبقائها نشطة وحية ، وأحيانا تمرر لها عمليات ضد الأجانب بشكل خاص ، لكي تفزع العالم من الإرهاب ، وتكشف تجربة صالح ، أن النظام الحاكم كان يضطر أحيانا لتمرير الذخيرة والمتفجرات لخلايا إرهابية لتسهيل عمليات التفجير والقتل إن استعصى عليها الحصول عليها بسهولة . الأخبار الأخيرة تقول أن الأمم المتحدة تستعد لإدراج الرئيس اليمني المخلوع على قوائم الإرهاب ، ليصطف جنبا إلى جنب مع قادة تنظيم القاعدة ، ولكن هل علي عبد الله صالح وحده الذي ينبغي أن نضعه في صف القاعدة ومنظمات الإرهاب ، أم أن كثيرا من قادة المنطقة سيتم وضعهم ، اليوم أو غدا ، على قوائم صانعي الإرهاب وداعميه . يسخر المحامي عبد الرحمن برمان من سذاجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، عندما كان يتغزل في جهود علي عبد الله صالح في مكافحة الإرهاب ، وهو ـ في الحقيقة ـ يتلاعب به ،وينقل برمان نص عبارة أوباما وتصريحه الذي يقول فيه :" تصفية الإرهابيين الذين يهددوننا بالتوازي مع الاستمرار في دعم شركائنا على خطوط المواجهة، هي الإستراتيجية التي انتهجناها بنجاح لعدة سنوات في كل من اليمن والصومال" ، يتذكر تلك العبارة كنموذج على مهارة النظم العربية القمعية ومهارة أجهزتها في التلاعب بدولة كبرى ، وخداعها ، في لعبة صناعة فزاعة الإرهاب ، وأنهم حائط الصد الأساس الذي يخوض معركة العالم كله ، نيابة عن العالم كله ، ضد الإرهاب ، وهو في الحقيقة ينسق عمليات الإرهاب ويدعمها ويغذيها ويعيد شحن طاقاتها كلما ضعفت أو تراجعت ، لتسويق شرعية مزيفة .
اقرأ المقال الاصلى فى المصريون
إذا لم يوجد الإرهاب ، فعلينا أن نوجده ، أو نعيد إنتاجه وشحن طاقاته ومساعدته على "إنجاز" بعض عملياته وتسويقها عالميا ، لأنه مصدر شرعيتنا الأكثر جدوى ، هذا هو منطق نظم عربية عديدة ـ طوال العشرين عاما الماضية ـ وفق ما كشف عنه الفيلم الوثائقي الخطير الذي نشرته قناة الجزيرة عن مخبر تنظيم القاعدة في اليمن هاني مجاهد ، وهو يلخص للعالم كله أسرار حقبة عربية ملتبسة وشديدة التعقيد في ما يتعلق بموضوع الإرهاب في الدول العربية ، وكيف كانت النظم القمعية ومخابراتها وأجهزتها الأمنية تلعب بورقة الإرهاب باحتراف شديد ، يصل إلى حد الشراكة الكاملة مع عملياته الوحشية ، من أجل استثمارها سياسيا ، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي ، لصناعة شرعية الضرورة والأمر الواقع لتلك النظم أمام المجتمع الدولي . هاني مجاهد كان عضوا بتنظيم القاعدة واقترب من أسامة بن لادن زعيم التنظيم ، قبل إصابته ومن ثم اعتقاله في بيشاور بباكستان ، وحققت معه المخابرات الأمريكية والباكستانية قبل أن يرحلوه إلى اليمن ، حيث سجن عدة سنوات ، ومن ثم جندته مخابرات علي عبد الله صالح للعمل لصالحها في صفوف التنظيم ، مقابل راتب شهري منتظم ، إضافة إلى مكافآت خاصة عن كل عملية يتم إبلاغهم بها قبل وقوعها ، والرجل ـ الذي وصل لمكانة رفيعة في قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ، وكذلك علاقات وثيقة مع قيادات رفيعة في جهاز الأمن القومي اليمني ، يحكي بالتفصيل عن علاقته بابن شقيق رئيس اليمن العقيد عمار محمد صالح ، وكان وكيل جهاز الأمن القومي ، وهو الآن ملحق عسكري في أثيوبيا وقيل أنه هرب بعد بث هذا
الشريط ، وقال أنه كان يسلم لهم التفاصيل الكاملة عن عملية إرهابية كبيرة للقاعدة ، ويحدد لهم اليوم والمكان والأشخاص أحيانا قبل العملية بشهر ، ثم يعيد تأكيد وتفصيل بعض المعلومات قبل التنفيذ بأسبوع ، ثم قبل التنفيذ أحيانا بيومين أو ثلاثة ، مع أي معلومة جديدة ، ويفاجأ بأن العملية تتم بالكامل ويذهب ضحاياها هدرا بدون أي تفسير ، وقد تكرر هذا الموقف ، وحكى المخبر الذي اخترقوا به القاعدة تفاصيل ثلاث عمليات على الأقل منها تفجير مروع في سبتمبر 2008 طال السفارة الأمريكية في صنعاء ونتج عنه مقتل تسعة عشر شخصا ، معظمهم مواطنون يمنيون ، وتفجير آخر في يوليو 2007 أدى لمقتل ثمانية من السياح الأسبان بصورة وحشية ، وكلها عمليات أبلغ عنها المخابرات بالتفصيل ولكنهم تركوها تنفذ بالكامل ، أيضا يشرح كيف أن المخابرات اليمنية كانت تسهل عملية وصول السلاح والمتفجرات والأموال أحيانا إلى عناصر القاعدة بصورة تبدو وكأن هناك علاقات وثيقة مباشرة أو عن طريق وسطاء بين الطرفين ، المخابرات اليمنية وخلايا تنظيم القاعدة . الشريط مروع ، ويفتح الباب واسعا حول تفسير علاقات ملتبسة وغامضة بين التنظيمات الإرهابية والنظم الحاكمة في العواصم العربية المختلفة ، وخاصة في فترت التسعينات وبداية الألفية الجديدة ، وكثير من قادة هذه المنظمات كانوا معتقلين في سجون بغداد أو دمشق أو القاهرة أو طرابلس أو تونس أو الجزائر أو صنعاء أو طهران ، بمن فيهم حاليا قيادات تنظيم داعش الذين تربوا في محاضن بشار الأسد وأجهزته الأمنية ، وكانت تلك النظم تبني شرعيتها الدولية بشكل خاص على موضوع خطر الإرهاب ، وأنها حائط الصد الأساس والأول في وجه الإرهاب الذي يهدد أوربا نفسها والولايات المتحدة ، وبالتالي فمن الضروري والمنطقي أن تدعم أمريكا والغرب تلك النظم ، رغم قمعيتها واستبدادها وانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان ، ومن الحكمة حينئذ التغاضي عن غياب الديمقراطية أو الحريات وانتشار القمع الأمني لأن البلاد يهددها الإرهاب ، وأن الإرهاب يستغل مناخ الحرية والديمقراطية ليتوحش ويهدد العالم كله ، ولذلك ظل "وحش" الإرهاب يتحرك في بلدان العرب بصورة غريبة ، مع تغطية إعلامية وسياسية وديبلوماسية واسعة لجهود مواجهته ، لاستثمار ذلك في دعم شرعية تلك النظم التي كانت تفتقر إلى الشرعية الحقيقية ، إلا من أدوات القمع والسيطرة الأمنية والاستخباراتية ، وكما يعبر عبد الرحمن برمان ، محامي هاني ، والوسيط الذي أوصله للاعترافات : " لقد كان النظام السابق يستخدم القاعدة كفزاعة يستهدف من خلالها الأميركيين والأوروبيين للحصول على الدعم بحجة مواجهة القاعدة، بينما كان النظام نفسه هو الذي يوجه بعض عملياتها" !!، والحقيقة أن علي عبد الله صالح كان يستخدم تلك الفزاعة أيضا لابتزاز السعودية ودول الخليج والحصول على دعمها من مال وسلاح لتعزيز سلطاته وترسيخ حكمه ، وهي الأموال التي ثبت أن كثيرا منها تحول لحسابات خاصة به ، كما كشف تقرير رسمي للأمم المتحدة . ملف علي عبد الله صالح ، رئيس اليمن المخلوع ، أضاف لنا الحلقة المفقودة ، وهي أن تلك النظم كانت تستثمر سياسيا في الإرهاب ، وتصطنعه أحيانا ، وتغذي خلايا الإرهاب ، وتحركها باحتراف ، وتدعمها إن لزم الأمر ، كانت تعمل على إبقائها نشطة وحية ، وأحيانا تمرر لها عمليات ضد الأجانب بشكل خاص ، لكي تفزع العالم من الإرهاب ، وتكشف تجربة صالح ، أن النظام الحاكم كان يضطر أحيانا لتمرير الذخيرة والمتفجرات لخلايا إرهابية لتسهيل عمليات التفجير والقتل إن استعصى عليها الحصول عليها بسهولة . الأخبار الأخيرة تقول أن الأمم المتحدة تستعد لإدراج الرئيس اليمني المخلوع على قوائم الإرهاب ، ليصطف جنبا إلى جنب مع قادة تنظيم القاعدة ، ولكن هل علي عبد الله صالح وحده الذي ينبغي أن نضعه في صف القاعدة ومنظمات الإرهاب ، أم أن كثيرا من قادة المنطقة سيتم وضعهم ، اليوم أو غدا ، على قوائم صانعي الإرهاب وداعميه . يسخر المحامي عبد الرحمن برمان من سذاجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، عندما كان يتغزل في جهود علي عبد الله صالح في مكافحة الإرهاب ، وهو ـ في الحقيقة ـ يتلاعب به ،وينقل برمان نص عبارة أوباما وتصريحه الذي يقول فيه :" تصفية الإرهابيين الذين يهددوننا بالتوازي مع الاستمرار في دعم شركائنا على خطوط المواجهة، هي الإستراتيجية التي انتهجناها بنجاح لعدة سنوات في كل من اليمن والصومال" ، يتذكر تلك العبارة كنموذج على مهارة النظم العربية القمعية ومهارة أجهزتها في التلاعب بدولة كبرى ، وخداعها ، في لعبة صناعة فزاعة الإرهاب ، وأنهم حائط الصد الأساس الذي يخوض معركة العالم كله ، نيابة عن العالم كله ، ضد الإرهاب ، وهو في الحقيقة ينسق عمليات الإرهاب ويدعمها ويغذيها ويعيد شحن طاقاتها كلما ضعفت أو تراجعت ، لتسويق شرعية مزيفة .
اقرأ المقال الاصلى فى المصريون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق