بندر الدوشي- سبق: قال مدير قناة العرب الإخبارية الإعلامي جمال خاشقجي في مقال له عبر صحيفة الحياة إن هناك غيابًا دبلوماسيًا وشعبيًا في عواصم قرار مهمة في ظل حملة تشكيك واسعة بمصداقية المشروع السعودي الكبير، منتقدًا غياب اللوبي السعودي في واشنطن على عكس اللوبي الإيراني الفعّال في أمريكا وتساءل عن إصرار هيكل على توجيه النقد للمشروع السعودي وهو الخبير العارف بخبايا المنطقة.
حيث قال في مقاله: "يتعرض المشروع السعودي لإعادة الاستقرار في المنطقة لحملات تشكيك واسعة، وخرجت بهذا الانطباع بعد لقاءين في واشنطن، ومثلهما في برلين مع نخبة من الباحثين والدبلوماسيين المهتمين بالمنطقة، فهم ما بين غير المقتنع بأن الدافع للتحرك السعودي في المنطقة «أخلاقي»، أو يعتقد أنها لن تستطيع القيام بمهمة بهذا الحجم.
وزاد قائلاً: بل إن ثمة قريبين يرون ذلك، كالأستاذ محمد حسنين هيكل، وهو الباحث والمتابع الجيد، الذي لا يعقل أن يجهل المملكة ومقاصدها، ولكنه في حديثه الأخير مع صحيفة السفير أغضب السعوديين بقوله: عندما تدخّل عبدالناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن، واستولوا على محافظتين فيها». لقد قال الأستاذ كما يحلو لمحاوره أن يناديه في حواره أشياء أخرى سيئة في حق المملكة، ولكن جملته هذه تشي بقدر جهله بالدور السعودي في اليمن، إذ لم يرَ أنه يهدف لبناء يمن جديد لا يتفرد فيه فريق بالحكم، وأن تحميه من الوقوع تحت هيمنة إيرانية، لا تهدد الأمن القومي ليس للمملكة وحدها، بل حتى مصر!
وتساءل قائلاً: هل يُعقل أن الأستاذ غير ملم بذلك، وهو الذي يجالس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرة في الأسبوع بحسب قوله في حوار تلفزيوني، ويتبادلان الرأي حول تطورات أوضاع مصر والمنطقة؟ إن لم يكن هو يعرف فلعل الرئيس وهو شريك في التحالف الذي تقوده اليمن أبلغه بالنوايا الحقيقية للمملكة، وأنها لا تنوي إلغاء الحوثيين، وإنما دفعهم لقبول المشاركة مع بقية المكونات السياسية اليمنية، وليس لها أطماع ولو في شبر واحد في أرض جارتها، فكيف يغيب ذلك عن باحث ومحلل سياسي كبير كهيكل، يعرف اليمن جيدًا منذ ثورة عبدالله الوزير على الإمام يحيى؟ أميل دومًا لحسن الظن، وأفضل أن ألوم قومي الذين غابوا حتى عن مثقفي الحليفة القريبة القاهرة لشرح المشروع السعودي، فتركوا الساحة هناك لحوثيين ومصريين يتظاهرون أمام السفارة السعودية هناك تارة، ويعقدون ندوة (عقدت ولم تعقد)، لشرح ما سمّوه العدوان السعودي على اليمن.
وأجاب قائلاً: نعم، نحن غائبون بدبلوماسيتنا الشعبية والعامة، ليس في القاهرة وحدها، وإنما حتى في واشنطن وبرلين وكل عاصمة عربية وغربية، في الوقت الذي نقود فيه أهم مشروع عربي معاصر، بل الوحيد الكفيل بإنقاذ المنطقة، ولكنه يمضي من دون حملة علاقات عامة نشطة حول العالم تشرح أهدافه، وتضغط من أجل تذليل العقبات أمامه، وتخلق طبقة من الأنصار والمؤيدين له من إعلاميين وباحثين وساسة في كل بلد. إنها تلك العملية المعقدة الأخطبوطية، التي تسمى «لوبيينج»، يجب أن نعترف بأنه لا يوجد لوبي سعودي منظم وفعّال، بل الأكثر إيلامًا أننا بعدما شكونا من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتمدده ونشاطه حتى ضد المملكة، نشكو الآن من اللوبي الإيراني الذي ظهر بقوة وفعالية هذه الأيام مع توقيع الاتفاق التاريخي بين إيران والغرب، الذي يهدف في حقيقته إلى إعادة إيران إلى الغرب، والغرب إلى إيران.
وأردف قائلاً: "لنقم بعملية مسح لأنشطة السفارات السعودية في عواصم العالم الرئيسة، كم محاضرة ألقيت؟ متى ألقى سفير سعودي كلمة في أحد مراكز البحث الكبرى؟ حتى اللقاءات الصحافية يعزفون عنها، فلا أذكر غير نشاط سفير السعودية بالمملكة المتحدة الأمير محمد بن نواف، ومندوبها في الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلمي. ربما أغفلت محاضرة أو اثنتين لأحد سفراء المملكة، ولكن القاعدة هي ضعف الدبلوماسية العامة السعودية.
وتساءل: ثم أين المؤسسات الصديقة التي يمكن أن تخدم المملكة في ساعة حاجتها هذه؟ إنه عمل لا يمكن أن يبدأ اليوم لينتج، وإنما عمل كان من الواجب أن يؤسس قبل عشر سنوات على الأقل لكي نحصد ثماره اليوم، ولا يقول أحد إننا لم نتوقع اتفاقًا بين الغرب وإيران يغيّر موازين السياسة الإقليمية كهذا الاتفاق، أو أننا لم نتوقع عاصفة حزم وحربًا سعودية كاملة في اليمن، ولم نتخيل انقلابًا للحوثيين وحليفنا القديم علي عبدالله صالح، ولا انهيار سورية بالكامل وتقسيم العراق وثورة في مصر.
وتابع: إنه رد غير مقنع من جهتين، الأولى أن أحداث اليوم هي نتاج مصائب الأمس التي عشناها، من غزو الكويت وحربها، ثم 11 (سبتمبر)، وقبلها انتفاضة الجزائر عام 1988، التي كان يمكن أن تكون ناقوس خطر لانفجار الربيع العربي بعد عقدين، فاغتيال الرئيس الحريري الذي كشف لنا مبكرًا الوجه الحقيقي للنظام السوري ومشروع إيران في المنطقة، أيضًا غزو العراق وما بعده، الذي كشف لنا التخبط الأمريكي والمهارة الإيرانية، أما الاتفاق النووي فبدأت أول جلسة بين الفريقين قبل عقد من الزمن، فلا يبرر أحد هذا الغياب بجملة لم نتوقع كل هذا.
وأشار: الدليل الآخر على عدم وجاهة هذا القول، أن غيرنا توقع واستعد لهذا اليوم، فبعد 11 سبتمبر، وبينما كنا مشغولين بصرف الاتهامات التي انهالت علينا، اختارت مؤسسة روكفلر للأبحاث أن تنظر نحو إيران، كأنها تبحث عن بديل عن عالمنا السني المزعج، وجمعت بنهاية 2001 عددًا من فطاحل السياسة الأمريكيين المتقاعدين، وشكلت معهم مشروع إيران، الذي أنفق 4.3 مليون دولار على اجتماعات وورش عمل بهدف التسريع باتفاق مع إيران، محورها معالجة تخوفات الغرب وإسرائيل من مشروعها النووي، ولكن صلبها إعادة إيران كلاعب إقليمي في المنطقة، ومن يرد تفاصيل هذا المشروع فليبحث عنه على موقع بلومبرغ الإخباري، وكاتبه الباحث بيتر والدمان.
وواصل: هذا المشروع استفادت منه إيران، إذ مكنها من تشكيل لوبي لها في الولايات المتحدة، عمادها في ذلك أساتذة الجامعات الأمريكيون من أصل إيراني، بعضهم معارض للحكومة هناك، بعضهم لو عاد الليلة لطهران سيُعتقل، ولكنهم وضعوا خلافاتهم جانبًا أمام مصلحة قومية أعلى، منهم كتاب وباحثون محترمون في الأوساط الأكاديمية الأمريكية مثل الكاتب المرموق فالي نصر، وتريتا بارسي وهو سويدي من أصل إيراني، وزاردشتي ولكنه في طليعة المنافحين عن إيران، وأسس لها المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، الذي أضحى رأس حربة اللوبي الإيراني في واشنطن. لا شك في أنه أداء إيراني مثير للإعجاب، عندما يضعون خلافاتهم «الصغيرة» جانبًَا من أجل الوطن.
وأضاف قائلاً في مقالة تالية: سأروي تفاصيل دراسة اطلعت عليها في برلين تتوقع أن تخسر المملكة حربها في اليمن، وأحسب أن صاحبها غيّر رأيه بعد انتصارات عدن الأخيرة، وورشة حوار شاركت فيها بواشنطن وجدت معظم الحاضرين يشككون في نوايا عملية اليمن ويتهمون المملكة بالتعاون مع داعش في تحرير عدن. من الواضح أن اللوبي الإيراني يبلوا بلاءً حسنًا، ليس في بيروت فقط وإنما بعيدًا حتى واشنطن، ولكن أختم بشهادة سمعتها من الكاتب المرموق بمجلة التايم الأمريكية جو كلاين، خلال عملي بواشنطن مع الأمير تركي الفيصل حين كان سفيرًا هناك، قال لي ونحن في طريقنا لمكتب الأمير ليجري معه مقابلة صحافية: الذي يصنعه الأمير تركي هنا بتواصله اليومي مع الصحافة ونشاطه في الدبلوماسية العامة هو ما يفعله الإسرائيليون طوال السنوات الـ40 الماضية، إن استمررتم هكذا لعقد آخر، فستتغير نظرة الصحافة والرأي العام الأمريكي نحو السعودية.
وختم قائلاً: "لم نستمر ولا يزال الأمير تركي يدعو إلى بناء جيل جديد من الدبلوماسيين السعوديين الشباب، يجيدون الدبلوماسية العامة، إذ يرى أن وظيفة السفراء اختلفت «عندما يحتاج ملك البلاد إلى أن يتواصل مع زعيم بلد آخر، يمكنه إجراء اتصال مباشر معه وعبر خط هاتفي آمن، ولكن لا يستطيع الاستجابة لطلب صحافي من صحيفة محلية في أوهايو أو باحث بجامعة شمال تكساس، هذه وظيفة السفير الآن»، والحق أنه قام بها خير قيام خلال مدة خدمته القصيرة هناك، وحان الوقت أن نعود إلى نظرته المتقدمة هذه في العمل الدبلوماسي السعودي المقبل، وعلينا أن نعترف بأننا أصحاب قضية عادلة وأخلاقية، ولكن لا نحسن الدفاع عنها وتقديمها للعالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق