بدأ العالم يشهد اضطرابا، منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، في نهاية سبعينات القرن الماضي، ووصول آية الله الخميني على متن الخطوط الجوية الفرنسية إلى طهران محاطا بحماية جوية وأرضية غربية.وبدأت الجمهورية الإيرانية، ذات الأصول الفارسية، بنشر سمومها في العالم. وكانت أول الأخطار التي تم التغاضي عنها تأكيد عقيدة تصدير الثورة إلى العالم في دستور الجمهورية الإسلامية. ثم شرعت عمليا في التحضير لنشر الثورة وتصديرها وتأسيس مقومات نجاحها، فأنشأت “الحرس الثوري” ومجلس تشخيص مصلحة النظام وجمعيات النفع العام، على غرار جمعية الشهيد.وأعطت أصحاب العمائم صلاحيات واسعة في القيادة والإشراف. وأسست لنظام مصرفي يسمح بتدفق أموال الخمس إلى الملالي. بعد ذلك انتقلت إلى مد أذرعها في الخارج فقامت بإنشاء “حزب الله” في لبنان وتصفية الشيعة المعتدلين في العالم العربي، وخطط لإحداث فتنة في منطقة الخليج العربي عن طريق تأليب الشيعة في السعودية والبحرين.وبعد أن استقوى نظام الخميني دخل في حرب ضدّ جاره العراقي خرج منها منهزما، بعد أن فرض عليه قرار أممي يأمره بوقف الحرب. وعلى إثر هذه الهزيمة، غيرت إيران منهجيتها للتماشي مع الوضع الدولي. وفي عهد الرئيس الإيراني خاتمي تم إقرار الخطة الخمسينية السرّية لآيات قم، على ضوء الواقع الجديد.ليست نقيصة عندما ننعت الجمهورية الإسلامية بصفة “الفارسية”، فالإيرانيون يتفاخرون بقوميتهم الفارسية وعدائهم الشديد للعرب. بل إن إيران لم تسم باسمها الحالي إلا في عهد رضا بهلوي عام 1925. وشواهد عديدة تدلل على أن المشروع الذي تسعى إيران جاهدة إلى تحقيقه هو مشروع فارسي يهدف في نهايته إلى استعادة ولو جزء من قوة الإمبراطورية الفارسية ؛ وليس أدلّ على ذلك من التصريحات الرسمية لعدة مسؤولين إيرانيين، من بينهم علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، عاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.وما زال يتردد صدى تصريحات نائب طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي قال فيها إن العاصمة اليمنية “صنعاء العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، وثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية”.ورُصدت العديد من الممارسات التي تدل على النهج الفارسي والتغلغل العميق في المجتمع العراقي خاصة في الجنوب، إذ بات على العراقيين تعلم اللغة الفارسية للتفاهم مع المسؤولين هناك. وهجمت أذرع إيرانية على بلدة المدائن العراقية لإعادة ترميم إيوان كسرى. هذه الممارسات وغيرها كثير، تؤكّد أن المشروع الإيراني في المنطقة مشروع قومي فارسي بحت، تتوارثه مختلف “السلالات” الحاكمة في إيران، من ذلك أن سياسة الشاه محمد رضا بهلوي، لم تختلف في هذا الهدف القومي عن سياسة نظام الولي الفقيه، فكلاهما، مثلا، يعتبر البحرين “الإقليم الرابع عشر لإيران” الصفوية.إلتقاء المصالح الغربية الآنية مع إيران لا يعني بالضرورة أن إيران تخلت عن شعار “أميركا الشيطان الأكبر” وسياسة إظهار العداء للغرب، وما تم تنفيذه حتى الآن من المخطط الفارسي برهان واضح على الاستراتيجية التي تتبعها إيران للوصول إلى أهدافها المنشودة؛ فهي تعلم يقينا أن تقويض الأمن والاستقرار في أي دولة سيعود بالنفع الكبير عليها، ولكنها لم تنس أعداءها المحتملين بعد استكمال استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، لذلك تعمل، على مستوى أول، على زعزعة الأمن في الدول المحيطة بها، كالعراق وسوريا والبحرين واليمن والسعودية ومصر ولبنان.وعلى مستوى ثان، بعيد المدى، تجتهد في تصدير الثورة عبر نشر التشيع الموروث وليس المذهب الشيعي المعتدل والخالي من التراهات الدينية في دول آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا الجنوبية، لأنها تحتاج في المستقبل إلى قدرات أكبر من الحرس الثوري أو الجيش النظامي.يبقى العراق أفضل دليل على هذه الاستراتيجية الإيرانية. فالغزو الأميركي للعراق في عام 2003، أسدى خدمة كبرى للإيرانيين بأن فتح لهم الطريق إلى بغداد. وانتهجت إيران “تكتيكات” عديدة لتجعل احتلال العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإحكام السيطرة عليه، خاصة بعد أن نجحت في جعله مسرحا للتناحر الطائفي.ولتحقيق ذلك زرعت عملاءها المتنفذين في العراق؛ وكانت قدّ أعدتهم إبان حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي لتستخدمهم في مثل هذه الظروف ومنهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي نجح في خلق توتر بين السنة والشيعة، عبر سياسة المحاصصة القائمة على أسس طائفية.وبعد مرحلة خلق التوتر الطائفي، جاءت مرحلة نشر الأذرع العسكرية والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، بقيادة قاسم سليماني، وحجّتها في ذلك الدفاع عن المقدسات الدينية الشيعية ونصرة الشعوب المستضعفة؛ لتأتي بعد ذلك مرحلة التغيير الديمغرافي لأهم المناطق العراقية عبر تهجير سكّانها السنّة، الذين يتعرّضون للإعدام والاعتقال والخطف وإحراق منازلهم بغية ترهيبهم وإجبارهم على المغادرة. وبالتوازي مع التدخل السياسي والعسكري، تنتهج إيران التسلل الناعم من خلال المؤسسات “الخيرية” على غرار مؤسسة الشهيد لمساعدة أسر الشهداء الشيعة، ومؤسسات أخرى لدعم المتضررين من الحرب الأهلية في العراق أو الحرب مع داعش.التقاء المصالح الغربية الآنية مع إيران لا يعني بالضرورة أن إيران تخلت عن شعار “أميركا الشيطان الأكبر” وسياسة إظهار العداء للغرب، التي تضمن لها شعبية في الداخل والخارج. لذلك فإن تبني الغرب لاستراتيجية “لكل حادث حديث” مع الممارسات الإيرانية في المنطقة سيدفع ثمنا باهظا لنتائجها.والتمعّن في الاستراتيجية التي تعتمدها إيران للاستعداد لمعركة الغرب القادمة يوضّح خطرها على الأمن العالمي؛ حيث تقوم هذه الاستراتيجية، على اعتلاء العرش الإداري في هذه الدول؛ فهي لا تسعى لتغيير الحكّام أو نظام الحكم، بل تبني مجتمعا مواليا لها قوامه أصحاب رؤوس أموال نافذون في دولهم ومؤسسات ثقافية وخيرية تنشر في صمت التشيع وتستقطب سرا الأتباع الجدد.والأدلة على ذلك كثيرة منها، أن الشيعة يشترون العقارات ويستثمرون فيها، بحجة إيجاد سكن للإيرانيين المهاجرين في تلك الدول، والغاية الخفية من ذلك، تكوين تجمعات شيعية كبيرة في المناطق المركزية لهذه الدول.والنزعة القومية المتشددة لدى الإيرانيين، وما حققوه في السنوات القليلة الماضية من “نجاح” في تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الاتفاق النووي، يضاعف من أوهامهم التوسيعية.
الاثنين، 30 نوفمبر 2015
حلم الإمبراطورية الفارسية يهدد الأمن الدولي
بدأ العالم يشهد اضطرابا، منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، في نهاية سبعينات القرن الماضي، ووصول آية الله الخميني على متن الخطوط الجوية الفرنسية إلى طهران محاطا بحماية جوية وأرضية غربية.وبدأت الجمهورية الإيرانية، ذات الأصول الفارسية، بنشر سمومها في العالم. وكانت أول الأخطار التي تم التغاضي عنها تأكيد عقيدة تصدير الثورة إلى العالم في دستور الجمهورية الإسلامية. ثم شرعت عمليا في التحضير لنشر الثورة وتصديرها وتأسيس مقومات نجاحها، فأنشأت “الحرس الثوري” ومجلس تشخيص مصلحة النظام وجمعيات النفع العام، على غرار جمعية الشهيد.وأعطت أصحاب العمائم صلاحيات واسعة في القيادة والإشراف. وأسست لنظام مصرفي يسمح بتدفق أموال الخمس إلى الملالي. بعد ذلك انتقلت إلى مد أذرعها في الخارج فقامت بإنشاء “حزب الله” في لبنان وتصفية الشيعة المعتدلين في العالم العربي، وخطط لإحداث فتنة في منطقة الخليج العربي عن طريق تأليب الشيعة في السعودية والبحرين.وبعد أن استقوى نظام الخميني دخل في حرب ضدّ جاره العراقي خرج منها منهزما، بعد أن فرض عليه قرار أممي يأمره بوقف الحرب. وعلى إثر هذه الهزيمة، غيرت إيران منهجيتها للتماشي مع الوضع الدولي. وفي عهد الرئيس الإيراني خاتمي تم إقرار الخطة الخمسينية السرّية لآيات قم، على ضوء الواقع الجديد.ليست نقيصة عندما ننعت الجمهورية الإسلامية بصفة “الفارسية”، فالإيرانيون يتفاخرون بقوميتهم الفارسية وعدائهم الشديد للعرب. بل إن إيران لم تسم باسمها الحالي إلا في عهد رضا بهلوي عام 1925. وشواهد عديدة تدلل على أن المشروع الذي تسعى إيران جاهدة إلى تحقيقه هو مشروع فارسي يهدف في نهايته إلى استعادة ولو جزء من قوة الإمبراطورية الفارسية ؛ وليس أدلّ على ذلك من التصريحات الرسمية لعدة مسؤولين إيرانيين، من بينهم علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، عاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.وما زال يتردد صدى تصريحات نائب طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي قال فيها إن العاصمة اليمنية “صنعاء العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، وثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية”.ورُصدت العديد من الممارسات التي تدل على النهج الفارسي والتغلغل العميق في المجتمع العراقي خاصة في الجنوب، إذ بات على العراقيين تعلم اللغة الفارسية للتفاهم مع المسؤولين هناك. وهجمت أذرع إيرانية على بلدة المدائن العراقية لإعادة ترميم إيوان كسرى. هذه الممارسات وغيرها كثير، تؤكّد أن المشروع الإيراني في المنطقة مشروع قومي فارسي بحت، تتوارثه مختلف “السلالات” الحاكمة في إيران، من ذلك أن سياسة الشاه محمد رضا بهلوي، لم تختلف في هذا الهدف القومي عن سياسة نظام الولي الفقيه، فكلاهما، مثلا، يعتبر البحرين “الإقليم الرابع عشر لإيران” الصفوية.إلتقاء المصالح الغربية الآنية مع إيران لا يعني بالضرورة أن إيران تخلت عن شعار “أميركا الشيطان الأكبر” وسياسة إظهار العداء للغرب، وما تم تنفيذه حتى الآن من المخطط الفارسي برهان واضح على الاستراتيجية التي تتبعها إيران للوصول إلى أهدافها المنشودة؛ فهي تعلم يقينا أن تقويض الأمن والاستقرار في أي دولة سيعود بالنفع الكبير عليها، ولكنها لم تنس أعداءها المحتملين بعد استكمال استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، لذلك تعمل، على مستوى أول، على زعزعة الأمن في الدول المحيطة بها، كالعراق وسوريا والبحرين واليمن والسعودية ومصر ولبنان.وعلى مستوى ثان، بعيد المدى، تجتهد في تصدير الثورة عبر نشر التشيع الموروث وليس المذهب الشيعي المعتدل والخالي من التراهات الدينية في دول آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا الجنوبية، لأنها تحتاج في المستقبل إلى قدرات أكبر من الحرس الثوري أو الجيش النظامي.يبقى العراق أفضل دليل على هذه الاستراتيجية الإيرانية. فالغزو الأميركي للعراق في عام 2003، أسدى خدمة كبرى للإيرانيين بأن فتح لهم الطريق إلى بغداد. وانتهجت إيران “تكتيكات” عديدة لتجعل احتلال العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإحكام السيطرة عليه، خاصة بعد أن نجحت في جعله مسرحا للتناحر الطائفي.ولتحقيق ذلك زرعت عملاءها المتنفذين في العراق؛ وكانت قدّ أعدتهم إبان حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي لتستخدمهم في مثل هذه الظروف ومنهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي نجح في خلق توتر بين السنة والشيعة، عبر سياسة المحاصصة القائمة على أسس طائفية.وبعد مرحلة خلق التوتر الطائفي، جاءت مرحلة نشر الأذرع العسكرية والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، بقيادة قاسم سليماني، وحجّتها في ذلك الدفاع عن المقدسات الدينية الشيعية ونصرة الشعوب المستضعفة؛ لتأتي بعد ذلك مرحلة التغيير الديمغرافي لأهم المناطق العراقية عبر تهجير سكّانها السنّة، الذين يتعرّضون للإعدام والاعتقال والخطف وإحراق منازلهم بغية ترهيبهم وإجبارهم على المغادرة. وبالتوازي مع التدخل السياسي والعسكري، تنتهج إيران التسلل الناعم من خلال المؤسسات “الخيرية” على غرار مؤسسة الشهيد لمساعدة أسر الشهداء الشيعة، ومؤسسات أخرى لدعم المتضررين من الحرب الأهلية في العراق أو الحرب مع داعش.التقاء المصالح الغربية الآنية مع إيران لا يعني بالضرورة أن إيران تخلت عن شعار “أميركا الشيطان الأكبر” وسياسة إظهار العداء للغرب، التي تضمن لها شعبية في الداخل والخارج. لذلك فإن تبني الغرب لاستراتيجية “لكل حادث حديث” مع الممارسات الإيرانية في المنطقة سيدفع ثمنا باهظا لنتائجها.والتمعّن في الاستراتيجية التي تعتمدها إيران للاستعداد لمعركة الغرب القادمة يوضّح خطرها على الأمن العالمي؛ حيث تقوم هذه الاستراتيجية، على اعتلاء العرش الإداري في هذه الدول؛ فهي لا تسعى لتغيير الحكّام أو نظام الحكم، بل تبني مجتمعا مواليا لها قوامه أصحاب رؤوس أموال نافذون في دولهم ومؤسسات ثقافية وخيرية تنشر في صمت التشيع وتستقطب سرا الأتباع الجدد.والأدلة على ذلك كثيرة منها، أن الشيعة يشترون العقارات ويستثمرون فيها، بحجة إيجاد سكن للإيرانيين المهاجرين في تلك الدول، والغاية الخفية من ذلك، تكوين تجمعات شيعية كبيرة في المناطق المركزية لهذه الدول.والنزعة القومية المتشددة لدى الإيرانيين، وما حققوه في السنوات القليلة الماضية من “نجاح” في تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الاتفاق النووي، يضاعف من أوهامهم التوسيعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق