بقلم: هيثم الفارس
---
يدور الحديث هذه الأيام حول موضوع الأرهاب الذي يطغى على الساحة المحلية والأقليمية والعالمية ويفرض نفسه على كل حدث وذلك بسبب روعة القتل وسفك الدماء المعصومة. وأصبح يتكلم في موضوع الإرهاب الجميع، فيتكلم المسئول ويتكلم السياسي ويتكلم العلماء ويتكلم العوام ويتكلم الإجتماعي ويتكلم الإسلامي ويتكلم المصلحون ويتكلم أصحاب المصالح، والإعلام ينشر ذلك كله. وفي خضم هذا النقاش والجدال يزج الإعلام العالمي والمحلي بقصد وبغير قصد أسم السلفية وأنها الراعية للإرهاب. ويطلق على الإرهابيين مسميات شتى، فمرة الجماعات الإسلامية السلفية، ومرة الجماعات المسلحة السلفية، ومرة التنظيمات الجهاد السلفية، والجماعات الإرهابية الوهابية السلفية، تعليقا على الإرهابيين الذين يقومون بالعمليات الإنتحارية والتفجيرية والذين يقطعون رؤوس رهائنهم ويقتلون رجال الأمن والشرطة والمواطنين والمقيمين في الكويت والسعودية والعراق وأفغانستان وشتى أنحاء العالم، والسلفية من ذلك براء. ولكن يتم التشويه المتعمد للسلفية لأن أعداء الإسلام يعلمون علم الحقيقة أن السلفية الصحيحة وليست المزعومة هي الصراط المستقيم والطريق القويم الذي يجمع المسلمين وينهض بالأمة نهضة حقيقية تجعل المسلمين رواد للعالم كما كانوا، وهي الدين الحق الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي الإسلام الذي يدعو بالتي هي أحسن ويجعل من أتباعهم في أرقى صور الإنسان الحضارية التي تجعل الناس جميعا يقبولون على الإسلام وينتشر بها إنتشارا واسعا.
إن السلفية الحقيقية هي إتباع القرآن والسنة على فهم السلف الصالح فهم الأعلم والأحكم. وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أخذوا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيا واتبعهم على ذلك التابعين وتابعيهم إلى يوم الدين. أخذوا ونقلوا لنا الدين من غير تحريف ولاتأويل ولاتمثيل ومن غير هرطقة فلاسفة اليونان والمجوس والزرداشتيه ولاهرطقة المتصوفة وأهل البدع والضلال من الرافضة والمعتزلة والخوارج والقدرية.
التكفيريون خوارج العصر
إن جميع البدع المعروفة عبر العصور أصبح لها في هذا الزمان أتباع ينصرونها، ومن هذه البدع بدعة التكفير الذي تشكل أنصارها من خليط من تنظيمات التكفير والهجرة وتنظيمات الجهاد مع بعض المنحرفين عقائديا وبعص المرتزقة، فاندمجوا جميعا تحت ما يسمى بـ (القاعدة) يجمعهم بدعة التكفير والحقد الدفين على المسلمين والمجتمع المسلم.
فأنحرفوا هم وأتباعهم أيما إنحراف عن الصراط المستقيم حين عمدوا إلى خطة خبيثة لعزل أتباعهم عن علماء الأمة الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة المشهود لهم بالخير والصلاح، فزعموا أن هؤلاء العلماء هم علماء السلطان وعلماء حيض ونفاس والدخول من الحمام والخروج منهم ولايفقهوا الواقع الذي يعيشون فيه، حتى يتمكنوا من السيطرة على عقول أتباعهم وسهولة توجيههم.
ثم نصبوا لهم صغار الأسنان ممن قل نصيبه من العلم والدعوة زعماء جهال فضلوا وأضلوا، وراحوا يأخذون من القرآن والسنة مباشرة دون فهم ودون تفسير الراسخين في العلم ما يوافق أهوائهم ومن أقوال السلف وخصوصا إبن تيمية وتلميذه إبن القيم رحمهما الله ما يؤيد أفكارهم، فلا يردوا المنسوخ إلى الناسخ ولا المتشابه إلى المحكم ولا العام إلى المفصل وليس لديهم علم بأسباب النزول ولا السنة وتفسير الحديث للقرآن ولاحجية قول الصحابي ولاأقوال السلف في هذه الأمور ولاردود السلف على أهل البدع ولاموقفهم من الأحداث التي حصلت بين الصحابة فعصم منها المسلمين، وراحوا يطرحوا أفكار ثم أعتبروا هذه الأفكار من الدين ونسوا أنهم هم الذين وضعوها، وزعموا بأن هدفهم الجهاد وإخراج المشركين من جزيرة العرب، ثم ما لبثوا أن كشفوا عن حقيقية نواياهم الشريرة وأحقادهم على الإسلام والمسلمين فإنتقلوا إلى مرحلة أخرى من خططهم الباطلة فصوبوا أسلحتهم على أهل الإسلام حكاما ومحكومين حين قالوا أن هذه الحكومات أتت بالقوات الأمريكية لإحتلال بلاد العرب. ثم أسسوا توحيد الحاكمية وقالوا لأتباعهم أن هذه الحكومات كافرة لأنها تحكم بغير ما أنزل الله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) دون أن يوضحوا مقصود الآية في ظل الأيات الأخرى التي تصف ذلك بالظلم والفسق وأن هناك كفر دون كفر كما شرح ذلك سلف هذه الأمة وعلمائها. وبعد أن كفروا الحكام إنتقلوا إلى تكفير المحكومين، فكفروا موظفي الدولة ورجال الشرطة والأمن وأفتوا بجواز قتلهم وإستباحة دمائهم، لأن المحكومين حسب زعمهم وإن كانوا ينطقون بالشهادة ولكن لايعملون بمقتضاها!! وأنهم –أي المحكومين- رضوا بالحكام الكفار ولم يخرجوا لذا فقد كفروا وكل ذلك إستنادا على مقدمات عقلية لا أدلة شرعية عليها. بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك إلى القول بأن المسلم هو المهاجر (إلى أرض أفغانستان مثلا) ومن لم يهاجر فليس بمسلم. كما أفتوا بعدم جواز تعدد الجماعات الإسلامية وأن جماعة الحق واحدة وهي جماعتهم ومن عداها من الجماعات فهي جماعات كافرة!!
التكفيريون من هم سلفهم؟
ولو نظرنا إلى التكفيرين اليوم فلهم سلف ولكن سلف شر وفتنة لايمكن نسبتها إلى أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أو تابعيهم، ولكن أسلاف أهل البدع جميعا بما فيهم التكفيرين تقف عند الجعد بن درهم والجهم بن صفوان من الجهمية، وتقف عند حرقوص ذو الثدية وأبو راشد بن نافع بن الأزرق (الأزارقة) وعبدالله بن أباض (الأباضية) من الخوارج، وتقف عند معبد الحهني وغيلان الدمشقي من القدرية مجوس هذه الأمة، وتقف عند واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد من المعتزلة، وتقف عند أبو الحسن الأشعري (قبل أبانته عن أصول الديانة) من الأشاعرة، وتقف عند عبدالله بن سبأ أو من أدعى التشيع.
والتكفيريون سلفهم الأول الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم (إعدل يا محمد) فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (ويحك ومنا يعدل إذا لم أعدل) حتى قال خالد بن الوليد رضي الله عنه (يا رسول الله دعني أضرب عنقه). وقال فيه صلى الله عليه وسلم ("يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية") أي من كثرة العبادة وأنهم يظهر عليه الإلتزام بالإسلام. وأقرأوا هذا الحديث جيدا فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ("سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن، لايجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتوهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة") {صحيح الجامع للألباني 3548 – الإرواء 2536} وفي رواية أخرى قال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لأن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود). فنبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الإغترار بما يظهر عليهم من صلاة وصلاح وإلتزام بالدين وإستنادهم بالأيات ومن كلام خير البرية رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبهم وأحاديثهم فهم على ضلال وشر وحذر منهم وبين أن من قتلهم فهو مأجور لأنهم خطر على الأمة أشد خطرا من اليهود والنصارى، فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل اليهود والنصارى. ولاينفعهم حسن نواياه –التي لم نطلع على قوبهم لنعرفها- لأن صلاح الأعمال لايكفي حسن النية فيه بل لابد من موافقة العمل للسنة، وكم مريد للخير يبلغه.
فخرج من أصلاب هذا الرجل الخوارج الذي قتلوا عليا رضوان الله عليه بحجة تحكيم الرجال وأنه (لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فزعموا أن عليا رضوان الله عليه كفر وقال شاعرهم يصف قاتل عليا:
يا ضربة من تقي يبتغي ** فيها من ذي العرش رضوانا!!
وقتلوا قبل ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه فسبحان الله كيف أن خلفهم يستخدمون نفس الحجج في تكفير حكام المسلمين والمحكومين. فماذا يفعل التكفيريون بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!
التكفيريون كيف يكونوا سلفيون؟
هذه هي أفكار التكفيرين فكيف يكونوا سلفيون؟ فالسلفية الصحيحة هي الإعتماد على أراء السلف من الصحابة رضوان الله عليهم وأتباعهم وحسن فهمهم للقرآن والسنة. فالسلفيون عبر التاريخ وعلى مختلف مسمياتهم، أهل السنة والجماعة أو أصحاب الحديث أو أهل السنة، كانوا منارة للأمة والعواصم من المخاطر والفتن والقواصم التي عصفت بها. والسلفيون وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم ومنهم الأمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وإبن حنبل ومن سار على دربهم كالبخاري ومسلم وسائر أصحاب الحديث ومن جاء بعدهم كأبن تيمية وإن القيم وإبن كثير والشوكاني ومحمد بن عبدالوهاب وفي عصرنا هذا إبن باز والألباني وإبن عثيمين وغيرهم كثير رحمهم الله أجمعين كانوا ملتزمين بالقرآن والسنة متبعين لامبتدعين شعارهم (إذا صح الحديث فهو مذهبي). والسلفيون هم الفرقة الناجية التي على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكانوا حماة الدين من تأويل الغالين وإنتحال المبطلين، فقد كشفوا زيغ أهل البدع على إختلاف طرائقهم، فكيف يأتي الأعلام اليوم ويردد ورائه المرددون فيزعمون أن هؤلاء التكفيرون سلفيون!! وكيف يجمع بين أهل البدع وأهل الإسلام؟! وكيف يسمى التكفيريون خلف الخوارج سلفيون؟! فهل يجتمع الليل والنهار؟! بل هل تجتمع الظلمات والنور؟! (أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون) {القلم 35 – 36}
فالسلفيون لايكفروا أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله {العقيدة الطحاوية}، والتكفريون يكفرون ولاة أمور المسلمين الذين يطبقون الإسلام ويرفعون لاإله إلا الله وأن نحمدا رسول الله ويقيمون شعائر الدين ويدعمون الإسلام والمسلمين في كل مكان ويقفون معهم ومع قضاياهم. والسلفيون يرون بعدم الخروح على الأئمة (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولاندعو عليهم ولاننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة) {العقيدة الطحاوية} كما قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) {سورة النساء 59}. فطريقة السلفين هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقة جماعة المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. فإتباعهم هدى ومخالفتهم ضلال كما قال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) {النساء 115}.
والسلفيون ملتزمون بهذا المنهج وملتزمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنقادون لقوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) أما التكفيريون الذين يتستحلون دماء المسلمين فهم لايقرأون هذه الآيات وإن قرأوها فهي لاتتجاوز حناجرهم!! والسلفيون ملتزمون بقوله الرسول صلى الله عليه وسلم (لايحل دم أمرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) {صحيح البخاري 12/201 الفتح}. والسلفيون ملتزمون بقوله صلى الله عليه وسلم (من حمل علينا السلاح فليس منا) وقوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). والسلفيون ملتزمون بقوله صلى الله عليه وسلم (لزوال السموات والأرض أهون عند الله من إراقة دم مسلم). وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - لما قتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ("أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟" قال: يا رسول الله، إنما قالها تعوذاً، قال :"فما تفعل بلا إله إلا الله"). فالسلفيون ولله الحمد أبعد الناس عن تكفير المسلمين وإستباحة دمائهم، بل إنه يحذرون من ذلك ويردون على أصحاب البدع الذي تتبنى هذه المنهاج. والسلفيون قد قعدوا القواعد في شأن تكفير المسلمين بعينه ضمن تسلسل مضمون مأمون ثم قالوا بأن من ثبت كفره من المسلمين بعد إقامة الحجة من قبل القضاة الشرعيين في الدولة فإن مسئولية إقامة الحد عليه هي للحاكم المسلم وليس لجماعة خاصة أن تقيم الحدود. ولايفوتنا في هذا المقام أن نذكر بحديث العرباض بن سارية، قال: وعضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع؟ فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلاله) {صححه الترمذي}.
كما إنه من المهم لنا أن نذكر حادثة مهمة والأمثلة كثيرة، وهي حادثة خلق القرآن وموقف إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله، فلم يقم الإمام أحمد، الذي سجن وعذب، بتجيش الشباب وتحريضهم على الخروج على الحاكم أو القيام بالمظاهرات والإضرابات والإضطرابات والقيام بعمليات إنتحارية ضد الخليفة المسلم أو مسئولي الدولة أو فراد الأمن أو المحكومين، مع أن القضية تمس أساس التوحيد وتنقضه. هذا هو إمام أهل السنة الذي يقتدي به السلفيون، فمن هو إمام أهل البدع خوارج العصر؟ أتدرون من هو؟! سوف أذكر لكم لاحقا!!
والسلفية هي دين الإسلام الصحيح كما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم فهمه منهم التابعين وتابعيهم إلى يوم الدين، فهم أهل السنة والجماعة التي على مثل ما كان عليه الرسول وأصحابه، فهم يمثلون وسطية الإسلام، وهم وسط في الأمور التي تتنازع عليها الأمة في الأصول والفروع لأنهم يردونها إلى الله ورسوله فيتبين لهم الحق (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) {النساء 83} ولكن الذين لم يردوا إلى الله ورسوله، لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم. ولذلك نجد أن السلفين وقفوا وسطا بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وفي مسألة التكفير وقف السلف موقف الوسط بين الرافضة الذين أخذوا أقصى اليمين فكفروا من حارب الإمام عليا والخوارج في أقصى اليسار الذي كفروا الإمام عليا وبين المرجئة (من الإرجاء الذي هو التأخير).
التكفير بدعة شر قديمة
فبدعة التكفير التي تباناها الشباب صغار السن المغرر بهم من أتباع مايسمى "القاعدة" ليست جديدة فهي قديمة، ولكن هناك من قام بنفض الغبار عنها ونشرها من جديد بين الشباب المسلمين خدمة لأعداء الإسلام والمسلمين. والتكفير الذي يعصف بالأمة في هذه الأيام هو نتيجة حتمية لمنهج (الحكومة الإسلامية) و (الخلافة والملك) للمودودي و (معالم الطريق) لسيد قطب. والتكفير هو نتيجة حتمية لإستراتيجية (حصر دائرة الصارع)، أتذكرونها، التي دعت إلى حصر الصراع وحددت العدو والهدف وهو الحكومات العربية وأفراد الحكم والوزراء والمسئولين وأفراد الشرطة والأمن والجيش والمحكومين فكلهم جزء من المجتمع الجاهلي، ودم أفراده مهدور. وصار هدف أهل التكفير قتل الناس مع أنهم كان يجب أن يكونوا دعاة لاقضاة كما قال حسن الهضيبي رحمه الله، ونسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله تعالى (هدى ورحمة للعالمين) فكان هدفه صلى الله عليه وسلم وهدف أصحابه إخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدالة الأسلام وإنقاذ أكبر ما يمكن إنقاذه من النار وإدخالهم الجنة، ولايخفى على اللبيب إن ذلك لايتحقق بالقتل إنما يتحقق بالدعوة كما أمر الله تعالى نبيه فقال (ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) {النحل 125}.
فهذه الدعوات المنحرفة أدت بالشباب المسلم إلى تبني بدعة التكفير وإلى حمل السيف على أمة الإسلام وإستخدام أساليب الترويع والقتل وإثارة الفتن والخروج على الحكام وتدمير النظام العام وإنتشار الفوضى وإستباحة الأموال والأعراض والدماء وفق صياغة مفهوم جديد للجهاد ما أنزل الله به من سلطان وتناسوا في خضم ذلك كله وفي نشوة التهييج والشحن العاطفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) {رواه البخاري ومسلم}. هذا هو المفهوم الجديد للجهاد المخالف للكتاب والسنة ولفهم السلف، يجوز فيها الخداع والكذب والسرية والتخفي والعمل في الظلام وخرق جميع النظم المعمول بها، قتال يجوز فيه إغتيال المسلمين بل إغتيال أتباعه إن وقعوا في أيدي الشرطة!! قتال لاترفع فيه راية، ولا تتمايز فيه الصفوف، وليس للمسلمين فيه حرمة، ولو كانوا نساءا وأطفالا (أتذكرون الطلفة المصرية شيماء التي قتلها تنظيم الجهاد خطأ أثناء محاولة إغتيال وزير الداخلية المصري وماذا قال عن مقتلها أيمن الظواهري؟)، قتال يجوز فيه قتل الذميين المؤتمنين الذين بيننا وبينهم عهدا، قتال يجوز فيه قتل الشعوب الراضية وأخذ أموالها لأنهم كفارا وأمولهم غنيمة ونساهم حلال وسبي!! لأننا نعيش في دار حرب ومجتمع جاهلي لاتجوز فيه الصلاة في مساجد الدولة ولا العمل في وزاراتها، وأن أي شخص إختارته جماعة التكفير والهجرة أو جماعة الجهاد أو ما يسمى القاعدة فهو أمير يبايع وتجب طاعته وله حكم الحاكم العام يأمر فلا ينزع يدا طاعة.
وأخيرا وليس آخرا فإن الإسلام وحكم الإسلام بالنسبة للتكفيرين هو مافي القرآن الكريم والحديث فقط وفق مفهومهم أما فهم الصحابة وسلف الأمة فليس بحجة، فكيف بعد ذلك يزعم أنها جماعات سلفية وهي على النقيض؟! إن هذه الجماعات التكفيرية أهل بدعة وضلال يمرقوا من الدين ويخدموا أعداء الإسلام أيما خدمة حتى يتم بهم الإجهاز على الإسلام ومساجد المسلمين ومدارسهم وحلقات القرآن وكليات الدين والشريعة ولم لا وهم الذين رعتهم المخابرات الأمريكية المركزية (يذكر أن الخارجية الأمريكية في الرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته أولبرايت أمرت في عام 1992 المخابرات المركزية الأمريكية CIA بقطع علاقاتها مع أسامة بن لادن ثم أكتشفت في عام 1994 أن العلاقات والإتصالات لازالت مستمرة فوجهت تحذيرا نهائيا بقطع الإتصالات ولانعلم هل أنقطعت أم لازال التنسيق مستمرا حتى الآن) وأسست نظم تدريبهم وتجهيزهم بأحسن الأسلحة (مثل الستنغر) وترتيب طرق الإمداد والتموين ووسائل إتصالهم طوال هذه السنين منذ حرب الأفغان ضد الروس!! فأفكارهم نشأت خارج رحم الدول الإسلامية وخارج مناهج التربية والتعليم وخارج نطاق الجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية التي تعمل وفق النظام العام وخارج الكليات الشرعية، فقد ولدت في السجون العربية تحت وقع التعذيب وترععت وشبت هناك في أفغانستان في ظل الرعاية الأمريكية حتى تحول شباب الإسلام من أن يكون دعاة للأسلام الصحيح فينتشر عبر العالم إلى أن يكونوا من حمل بدعة التكفير لهدم الإسلام من الداخل فتعزل الأمة عن دينها وعلمائها الربانيين ويهجر القرآن والسنة وفهم السلف ومناهج الدين ومساجد المسلمين ويسهل بعد ذلك توجيهها إلى النموذج الغربي للحياة، ألم تقرأ قول الله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فمن نصدق قول الله تعالى أم قول اليهود والنصارى وبعض أنصارهم من المسلمين الذي يصفون الإسلام بالإرهاب؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق