أوبــامـا يرفــع رايـــة العـــداء للسعودية ودول مجلس التعاون
بقلم: السيد زهرهأرجو أن يكون القادة والمسئولون العرب، في دول مجلس التعاون الخليجي بالذات, قد وجدوا ما يكفي من الوقت كي يقرأوا بإمعان شديد الموضوع الطويل الذي نشرته مجلة «ذي اتلانتيك» الأمريكية قبل يومين وكتبه جيفري جولدبرج تحت عنوان: «عقيدة أوباما».
الموضوع الطويل جدا (20 ألف كلمة) يراد به كما يقول كاتبه ان يكون بمثابة وثيقة تعبر عن فكر وقناعات الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية ومواقف امريكا, وفيما يتعلق برؤيته للعالم وقضاياه عموما.
والموضوع كتب بناء على سلسلة طويلة من الحوارات مع اوباما, بالإضافة الى قراءة توثيقية من الكاتب لمواقف البيت الأبيض والادارة الأمريكية عبر سنوات حكم اوباما.
اوباما يتطرق في حواراته الطويلة التي نقلها الكاتب الى كل القضايا العالمية تقريبا ورؤيته إليها, لكن التركيز الأكبر والأعظم هو على منطقتنا العربية والموقف من دولها وقضاياها.
الذي طرحه الرئيس الأمريكي من قناعات ومواقف ورؤى في منتهى الخطورة.
ومع ان ما طرحه ليس جديدا تماما, فقد سبق أن عبر عنه في مناسبات مختلفة سبق لنا ان توقفنا عندها في تحليلات سابقة, فإنه هنا يطرح قناعاته ومواقفه ورؤاه بوضوح اكبر وصراحة متناهية.
يهمنا ان نتوقف هنا خصوصا عند الذي قاله اوباما عن السعودية ودول الخليج العربية, وطبيعة علاقات امريكا معها, ورؤيته الى المنطقة العربية عموما ومستقبلها.
لنتوقف بداية عند ما قاله تفصيلا, ثم لنناقشه بعد ذلك.
}}}
أي حلفاء؟!
كيف ينظر أوباما الى حلفاء امريكا العرب في المنطقة؟
الكاتب يتوقف مطولا بداية عند قرار اوباما التراجع عن التدخل العسكري في سوريا في اغسطس 2013, ويعتبر انه كان في جانب اساسي منه بمثابة لحظة تحرر فيها اوباما من طلبات حلفاء امريكا المثيرة للغضب.
ويقول ان اوباما يشكو في جلساته الخاصة مع اصدقائه ومستشاريه من ان هؤلاء الحلفاء يسعون الى استغلال «العضلات» الأمريكية من اجل خدمة اهدافهم الخاصة الضيقة والطائفية.
وبالطبع, المقصود بالحلفاء هنا السعودية ودول مجلس التعاون بالذات.
ويقول الكاتب ان اوباما تصدى لمراكز أبحاث السياسة الخارجية. ويضيف ان الشعور العام داخل البيت الأبيض هو ان العديد من مراكز ابحاث السياسة الخارجية الشهيرة تقوم بالترويج لمموّليهم العرب والاسرائيليين, وانه سمع احد المسئولين في الادارة الأمريكية يشير الى ماسوشيتس حيث يوجد العديد من مراكز الابحاث، هذه بأنها «منطقة خاضعة للاحتلال العربي».
يقول الكاتب ان اوباما يصرّ على تحدي افتراضات اساسية حكمت التفكير الأمريكي في مجال السياسة الخارجية. هو على استعداد مثلا لمراجعة مسألة, لماذا اعداء امريكا هم اعداء؟ ولماذا بعض اصدقائها هم اصدقاء؟
يقصد هنا ان اوباما مستعد لمراجعة واعادة النظر جذريا في كل تحالفات امريكا في المنطقة.
وابرز الأمثلة على ذلك، كما يقول، ان اوباما قام بشكل حاد وحاسم بمراجعة مسألة دور حلفاء امريكا العرب السنة في اثارة وتغذية الارهاب المعادي لأمريكا. ويضيف: من الواضح انه يستشيط غضبا من ان التفكير التقليدي الارثوذكسي في السياسة الخارجية يدفعه الى معاملة المملكة العربية السعودية على انها حليف. ولهذا قرر منذ وقت مبكر, في مواجهة انتقادات حادة، ان ينفتح على عدو امريكا الأول في المنطقة, اي ايران.
يقول الكاتب ان ما حدث في ليبيا كرس لدى اوباما قناعة ان الشرق الأوسط منطقة يجب تجنبها والبعد عنها.
وجاء صعود الدولة الاسلامية «داعش» ليكرس لديه القناعة بأن الشرق الأوسط لا يمكن ضبط اوضاعها, يعني حالة ميئوسا منها, وسيظل هكذا في ولايته, ولجيل قادم.
سأل الكاتب اوباما: هل يوجد أي شيء في الشرق الأوسط يجعله سعيدا؟
قال اوباما : «الآن, لا اعتقد ان احدا يمكن ان يكون سعيدا او يشعر بالارتياح من الوضع في الشرق الاوسط. لديك دول تفشل في تحقيق الرفاهية وتوفير الفرص لشعوبها. لديك ايديولوجية عنيفة ومتطرفة. لديك دول لديها قليل جدا من التقاليد المدنية لدرجة انه في مواجهة النظم الاستبدادية, فان المبادئ الوحيدة المنظمة هي الطائفية».
وقارن اوباما بين هذا الوضع والوضع في آسيا وامريكا اللاتينية, وقال انه في آسيا وامريكا اللاتينية يرى شبانا يتحرقون شوقا الى تطوير انفسهم, والحداثة, والتعليم والثروة المادية. واضاف: «انهم لا يفكرون في كيف يقتلون الأمريكيين.. ما يفكرون فيه هو كيف أحصل على تعليم افضل؟.. كيف ابدع شيئا له قيمة؟».
ويذكر الكاتب ان اوباما في احاديثه الخاصة مع قادة العالم الآخرين يقول دوما انه لن يكون هناك حل شامل للارهاب الاسلامي الى ان يتصالح الاسلام نفسه مع العصرية والحداثة والى ان يمر باصلاحات مثل تلك التي غيرت المسيحية.
}}}
الموقف من السعودية
من اهم واخطر ما في الموضوع الموقف الذي عبر عنه اوباما من السعودية ودول الخليج العربية والعلاقات معها.
يقول الكاتب انه على الرغم من ان اوباما يقول ان صراعات الشرق الأوسط تعود لمئات السنين, فانه يعتقد ايضا ان الغضب الاسلامي الشديد في السنوات الأخيرة كان بسبب تشجيع دول تعتبر صديقة لأمريكا.
ويروي الكاتب وقائع حوار جرى اثناء اجتماعات مؤتمر «آبيك» مع مالكولم تورنبول رئيس وزراء استراليا.
يقول ان اوباما وصف كيف شاهد اندونيسيا وهي تتحول تدريجيا من بلد اسلامي متسامح توفيقي وهادئ الى بلد اكثر اصولية وغير متسامح، وكيف لاحظ ان اعدادا كبيرة من النساء الاندونيسيات اصبحن يرتدين الحجاب اليوم.
سأله تورنبول: ولماذا حدث هذا؟
اجاب: لأن السعوديين وعربا خليجيين آخرين ضخوا اموالا, وبعثوا بأعداد كبيرة من الأئمة والمدرسين الى البلاد. في التسعينيات قدم السعوديون اموالا طائلة لانشاء المدارس الوهابية, والندوات والملتقيات التي تعلم الرؤية الاصولية للاسلام التي تفضلها الاسرة السعودية الحاكمة. واليوم اصبح الاسلام في اندونيسا اسلاما عربي التوجه غير ما كان عليه الوضع عندما كنت اعيش هناك.
رئيس وزراء استراليا سأل اوباما: الا يعتبر السعوديون اصدقاءك؟
ابتسم اوباما وقال: انه امر معقد.
الكاتب يقول معلقا على هذا ان صبر اوباما مع السعودية كان دوما محدودا منذ نشأته السياسية. ويقول انه في عام 2002, في اول خطاب بارز له في السياسة الخارجية في تجمع في شيكاغو قال مخاطبا الرئيس جورج بوش: هل تريد ان تحارب؟... دعنا نحارب كي نتأكد ان من يسمون حلفاءنا في الشرق الأوسط, السعوديين والمصريين, يتوقفون عن اضطهاد شعوبهم, واضطهاد المعارضين, والتسامح مع الفساد وعدم المساواة.
يقول الكاتب: في البيت الأبيض هذه الأيام, من المعتاد ان يسمع المرء المسئولين في مجلس اوباما للأمن القومي يقولون للزوار انهم يجب ان يتذكروا ان الغالبية الساحقة من منفذي هجمات 11 سبتمبر لم يكونوا ايرانيين بل سعوديين.
ويضيف الكاتب ان اوباما نفسه يشن الحملات ضد السعودية بسبب اساءة معاملة الدولة للنساء، ويقول في احاديثه الخاصة: ان الدولة لا يمكن ان تنتمي الى العالم المعاصر عندما تضطهد نصف السكان. وفي لقاءاته مع قادة اجانب قال اوباما: يمكن ان تقيس مدى نجاح المجتمع بكيفية معاملته للنساء.
ويقول الكاتب ان غضب اوباما على السعوديين يشرح ويوضح تحليله لسياسات القوة في الشرق الأوسط.
ويقول: لقد قلت لأوباما في احدى المرات انه اقل الرؤساء الأمريكيين الذي اعتادوا الانحياز بشكل بديهي تقليدي مع السعودية في نزاعها مع منافستها ايران. ولم يعترض اوباما على هذا.
وينقل عن اوباما قوله بهذا الصدد: «منذ 1979, كانت ايران عدوّا للولايات المتحدة وتورطت في ارهاب ترعاه الدولة, وتمثل تهديدا لاسرائيل وكثير من حلفائنا وتمارس كل صنوف التصرفات التدميرية. ولم يكن رأيي يوما اننا يجب ان نتخلى عن حلفائنا التقليديين لحساب ايران».
لكنه استطرد قائلا: «ان السعوديين يجب ان يتقاسموا الشرق الاوسط مع الاعداء الايرانيين. ان التنافس بين السعوديين والايرانيين, الذي غذى الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن، يتطلب منا ان نقول لأصدقائنا وللايرانيين انهم بحاجة الى ان يتوصلوا الى وسيلة وطرق فعالة لتقاسم الجوار والى اقامة شكل من اشكال السلام البارد».
واضاف اوباما: «ان نقول لأصدقائنا فقط, انكم على حق في ان ايران هي مصدر كل المشاكل, وأننا سوف ندعمكم في التعامل مع ايران، سوف يعني بالضرورة ان هذه الصراعات الطائفية سوف تستمر في التصاعد, وان شركاءنا.. اصدقاءنا التقليديين ليس لديهم القدرة على اطفاء الحرائق بأنفسهم وان يربحوا بأنفسهم, وسوف يعني اننا يجب ان نستخدم قوتنا العسكرية لحسم الأمر. وهذا لن يكون لا في مصلحة امريكا ولا في مصلحة الشرق الاوسط».
ويذكر الكاتب ان اوباما يعتقد ان احدى اكبر القوى التدميرية في الشرق الاوسط هي القبلية. وتتجلى القبلية في انبعاث الطائفة والعقيدة والعشيرة والقرية من جانب المواطنين اليائسين في الدول الفاشلة. وهذا هو مصدر اغلب مشاكل الشرق الاوسط. وبالطبع, يقصد هنا دول الخليج العربية.
في النهاية يقول الكاتب ان اوباما توصل الى عدد من النتائج والخلاصات المترابطة حول العالم وحول دور امريكا في العالم, وهي :
1 – ان الشرق الاوسط لم يعد منطقة مهمة للمصالح الأمريكية.
2 – انه حتى لو كان الشرق الأوسط مهما, فلم يعد بمقدور أي رئيس امريكي ان يفعل شيئا لجعله مكانا افضل.
3 – ان الالحاح على رغبة امريكا في حل المشاكل الموجودة في الشرق الاوسط سوف يقود حتما الى الحروب وموت الجنود الأمريكيين والى استنزاف مصداقية القوة الامريكية.
}}}
قناعات أوباما
هذا هو ما قاله اوباما بالنص, وهذه هي المواقف والقناعات التي عبر عنها تجاه السعودية ودول الخليج العربية والعرب عموما, ورؤيته الى أوضاع المنطقة.
ماذا بالضبط يعني ما قال؟.. ما هي تحديدا القناعات الراسخة التي عبر عنها؟
اذا تأملنا ما قاله اوباما, وما قاله كاتب الموضوع, فسنجد ان ثمة عددا من القناعات الكبرى يؤمن بها اوباما ايمانا راسخا, وتحكم بالتالي سياساته ومواقفه, هي على النحو التالي:
أولا: يعتبر اوباما بشكل جازم ان السعودية ودول الخليج العربية هي سبب ومنبع الارهاب ليس في المنطقة فقط, بل في العالم كله.
ولهذا, نجد ان الارهاب بالنسبة له كما عبر عن ذلك هو «ارهاب اسلامي سني» فقط.
وفي هذا الآطار يعتبر ان السعودية ودول الخليج العربية هي التي تفرز وتغذي الجماعات الارهابية التي تعادي امريكا وتستهدفها.
ثانيا: من الواضح ان اوباما يحمل نظرة عدم احترام, بل واحتقار للدول والشعوب العربية.
هو يعتبر ان الدول العربية متخلفة خارجة عن العصر ولا يشغلها الا الارهاب والتدمير, ولا امل في اصلاحها.
والأمر لا يقف عند هذه النظرة للحكومات العربية, بل يمتد الى المجتمعات والشعوب العربية نفسها. لنتأمل كيف يقارن بين الشباب في دولنا, والشباب في دول آسيا وامريكا اللاتينية, ويتهم الشباب, والمجتمعات العربية بأنها لا تفكر الا في القتل والارهاب والتدمير، ولا تفكر في المستقبل او حتى الارتقاء بأوضاعها.
كما نرى, هذه النظرة تبلغ الذروة في العنصرية تجاه الدول والشعوب العربية.
ثالثا: اوباما, بوضوح شديد وصراحة كاملة, لا يعتبر السعودية حليفا لأمريكا ولا حتى صديقا.
وبالطبع, هذه القناعة لا تقتصر على السعودية وحدها, بل تمتد الى كل دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء.
حقيقة الأمر اننا اذا تأملنا ما قاله اوباما عن السعودية ودول الخليج العربية وقناعاته بخصوصها, فإنه يكاد ان يرقى بها الى مستوى العدوّ لأمريكا.
ولنتأمل نظرته الى طبيعة العلاقات مع دول الخليج العربية.
هو يعتقد ان دول الخليج العربية, من خلال العلاقات مع امريكا, كل ما تريده هو استغلال القوة الأمريكية, او «عضلات» امريكا كما قال, من اجل خدمة اهدافها الخاصة التي هي في رأيه اهداف متخلفة وطائفية.
رابعا : حين يطالب اوباما السعودية بما أسماه «تقاسم» المنطقة مع ايران, وانه لا بديل امامها سوى استرضاء ايران والسعي الى التعايش معها, فانه يعني أمرين في منتهى الخطورة.
يعني من جانب ان على السعودية وكل دول الخليج العربية ان تغضّ النظر تماما عن كل الارهاب الذي تمارسه ايران في المنطقة ولا تتحدث عنه, وتقبله كأمر واقع.
ويعني من جانب ثان, ان على السعودية ان ترضخ لواقع النفوذ الايراني في المنطقة وتقبل به والا تفكر في مقاومته او التصدي له.
خامسا: اوباما يعتبر ان الشرق الأوسط هو حالة ميئوس منها ولا امل على الاطلاق في ان ينصلح او ان تتحسن اوضاعه نحو الأفضل, وان امريكا واي رئيس امريكي ليس بمقدوره ان يفعل اي شيء, ولا يجب اصلا ان يفعل اي شيء ازاء هذه الحالة الميئوس منها.
ويعني هذا بداهة ان المنطقة العربية في رأي اوباما يجب ان تترك لحالة الفوضى والدمار اللذين تتعرض لهما دولها العربية, أي تترك للضياع الذي يراد لها.
}}}
هذه هي قناعات اوباما ورؤيته كما عبر عنها بشكل غاية في الصراحة والوضوح.
ويطرح هذا تساؤلات لها أهمية حاسمة:
كيف نفسر هذه القناعات المترسخة لديه؟
ما هي النتائج التي تترتب على هذه الرؤية بالنسبة إلى الأوضاع المنطقة العربية ومستقبلها؟
ماذا على الدول العربية ان تفعل الآن بعد هذا الذي طرحه اوباما وعبر عنه؟
هذه التساؤلات سنحاول الاجابة عنها في المقال القادم بإذن الله.
================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق