لبنان أم جيبوتي
تفرض الجغرافيا السياسية شروطها على أهمية جيبوتي للمملكة، فجيبوتي تمثل رأس القرن الإفريقي الممسك ببوابة باب المندب الغربية، كما تشكل أحد أهم المداخل الإستراتيجية للتجارة مع القارة الإفريقية
تبلغ مساحة لبنان حوالي 10 آلاف كيلومتر، مربع وعدد سكانه حوالي 4.2 ملايين نسمة، في المقابل تبلغ مساحة جيبوتي ضعف مساحة لبنان، حوالي 23 ألف كيلومتر مربع، بينما عدد سكانها أقل من مليون نسمة. ظل لبنان على مدى طويل أحد الدول التي تقع ضمن دائرة الرؤية الإستراتيجية السعودية ومحور اهتمامنا الكبير ودعمنا السياسي والاقتصادي رغم كونه دولة لا تمس عمقنا الإستراتيجي، في المقابل تقع جيبوتي ضمن دائرة أمننا وعمقنا الوطني الإستراتيجي في البحر الأحمر، ومع ذلك لم تكن محوراً لاهتمامنا السياسي بالشكل المطلوب.
في الفترة بين 2004 و2015 كان لبنان من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية السعودية بمبلغ يصل إلى حوالي نصف مليار دولار، لكن المساعدات الإنسانية مجرد قمة جبل الثلج، فالمساعدات السياسية والاقتصادية تتجاوز هذا الرقم بكثير، وبعض التقارير الصحفية تشير إلى أن حجم المساعدات التي قدمت للبنان منذ 2001 يبلغ حوالي 28 مليار دولار، إضافة لوجود 500 ألف لبناني في المملكة يقومون بتحويل حوالي 6 مليارات دولار سنوياً للبنان. يرتبط كثير من السعوديين بلبنان عاطفياً نتيجة للسياحة والإعلام، لكن سياسياً هناك سؤال صعب يطرح نفسه وهو: ما هي الفائدة الإستراتيجية الحقيقية للعلاقات السعودية اللبنانية؟ في واقع الأمر، كون لبنان ساحة منافسة مع إيران إلا أن ذلك لا يجعله بأهمية ساحات أخرى أكثر تأثيراً. هذا الأمر ليس انتقاصاً من لبنان كدولة عربية لها احترامها ولها موقعها في الوجدان العربي، ولكن جيبوتي على قدر بعدها العاطفي عنا مقارنة بلبنان أكثر أهمية لنا على الصعيد الإستراتيجي.
تفرض الجغرافيا السياسية شروطها على أهمية جيبوتي للمملكة، فجيبوتي تمثل رأس القرن الإفريقي الممسك ببوابة باب المندب الغربية، ويسهل التحكم بين ضفتي المندب على البحر الأحمر وبحر العرب، ويشكل موقعها الإستراتيجي مدخلا للتأثير الإستراتيجي على كل من الصومال وإريتريا وإثيوبيا وصولا لبقية دول مجموعة الإيغاد (IGAD). كما تشكل جيبوتي أحد أهم المداخل الإستراتيجية للتجارة مع القارة الإفريقية وخاصة أنها تقع على طريق التجارة العالمية بين الشرق والغرب.
من المنظور الجيو-سياسي تعاني المملكة من عائق كبير يتمثل في عدم إطلالها على بحار مفتوحة، فالمملكة ورغم كونها أكبر دولة مساحة في الشرق الأوسط وتهيمن على خريطة الجزيرة العربية، إلا أنها محصورة بين البحر الأحمر والخليج العربي، وكلاهما محصور بين 3 مضائق مائية (هرمز والسويس والمندب) ما يجعل المملكة رغم اتساع رقعتها دولة محصورة بحرياً. هذا الانحصار يضع تحديات سياسية وأمنية على المملكة تحتم أهمية قيامها بالانفتاح على دول يمكن أن تشكل لها قواعد انطلاق نحو البحار المفتوحة، وحيث يكمن بدرجة أساسية "خط الحياة" (lifeline) – بحسب التعبير الإمبراطوري البريطاني لخط المياه الواصل بين بريطانيا والهند – الذي يقع بين المملكة وشرق آسيا عبر بحر العرب والمحيط الهندي، حيث أغلب صادراتنا النفطية.
الاهتمام العالمي المتزايد بمنطقة القرن الإفريقي ينبع من عدة اعتبارات، لعل أدناها تأمين باب المندب من عمليات القرصنة التي شهدتها السنوات الماضية، وأعلاها السباق نحو التحكم السياسي في خط التجارة العالمي والمدخل التجاري لإفريقيا. وعليه فلم يكن اعتباطاً أن تكون جيبوتي مقراً لأكبر قاعدة عسكرية أميركية دائمة في إفريقيا Camp) Lemonnier) بها 4 آلاف جندي، إضافة لوجود قواعد عسكرية لكل من الصين وفرنسا واليابان، وبعض التواجد العسكري لألمانيا وإيطاليا. من هذا المنطلق قد يكون من المفيد أن ننظر في مسألة بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، وذلك على خلفية التباحث بشأن الاتفاق العسكري بين البلدين. من المهم عدم تفويت فرصة السباق لأخذ موقع عسكري وسياسي سيخدم على مدى العقود القادمة الاستفادة من ثورة التجارة والنمو الاقتصادي الإفريقي، عوضاً عن التأثير السياسي الذي سيعني تأمين أدوار اللاعبين الإقليميين في المنطقة أمام الدول الكبرى.
لذا فإنه في حال قامت مثل هذه القاعدة العسكرية فإنها ستعد الأولى لنا خارج حدود الوطن، وهو ما يستلزم أن يكون هناك تصور واضح لدورها السياسي إضافة للعسكري. إن وجود مثل هذه القاعدة يجب أن يخدم التأثير العسكري السعودي في بحر العرب وغرب المحيط الهندي، فوجود قاعدة للمملكة في جيبوتي لا يخدم أي أهداف عسكرية في البحر الأحمر أو اليمن، لأن المسافة بين جدة وجيبوتي 1200 كم وبين جازان وجيبوتي 600 كم فقط، ما يعني أن السفن الحربية السعودية ليست بحاجة لقواعد تزود بالوقود أو خدمات وصيانة في محيط عملها الحالي. ولكن وجود قاعدة في جيبوتي سيخدم المملكة كثيرا في حال كانت نقطة انطلاق بحري للمملكة للتواجد في غرب المحيط الهندي كقوة عسكرية.
الانعكاس السياسي لمثل هذا التواجد العسكري كبير، فهو ما يعطي على أرض الواقع الوزن السياسي للدولة مقارنة بالمنافسين الإقليميين (إيران على وجه الخصوص)، وهو أمر يتجاوز بكثير الوزن السياسي المتحصل من كسب أوراق في لبنان -على سبيل المثال- وإن بدا إعلاميا أن الملف اللبناني أكثر مصيرية. ذلك أنه عند مسطح غرب المحيط الهندي تلتقي المصالح الحقيقية للدول الكبرى وخطوط التجارة العالمية، ومن شأن التحكم أو التأثير فيها أن تمتلك المملكة أوراقاً حقيقية أمام منافسيها.
لو أن نصف ما أنفق على لبنان تم توجيهه للقرن الإفريقي ضمن رؤية إستراتيجية واضحة لكان للمملكة اليوم ما يكفي من الأوراق لجعل منطقة بحر العرب وغرب المحيط الهندي محيطها الإستراتيجي الذي تقر دول العالم به وتعاونها فيه من باب تأمين المصالح العالمية وخطوط التجارة. غياب هذا الاستثمار هو ما جعل قضية اليمن اليوم رغم أهميتها مجرد قضية محلية، فدول العالم لم تر في الصراع هناك تأثيراً حقيقيا عليها لأن نتائج هذا الصراع لن تؤثر عليها، ولو كانت المملكة أكثر ارتباطاً بمنطقة بحر العرب عسكريا لأصبح الوضع في اليمن يمس دول العالم بالتبعية نظراً لمساسه بالمملكة.
لا توجد قوة إقليمية مهيمنة في محيط بحر العرب، والعالم اليوم ينظر للصراع السعودي الإيراني غير المباشر فيه بانتظار من يحسمه. ربما آن الأوان أن نعيد النظر في أولوياتنا الإستراتيجية، ولعل فكرة إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي تكون نقطة انطلاق للتوسع في الأماكن الصحيحة.
في الفترة بين 2004 و2015 كان لبنان من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية السعودية بمبلغ يصل إلى حوالي نصف مليار دولار، لكن المساعدات الإنسانية مجرد قمة جبل الثلج، فالمساعدات السياسية والاقتصادية تتجاوز هذا الرقم بكثير، وبعض التقارير الصحفية تشير إلى أن حجم المساعدات التي قدمت للبنان منذ 2001 يبلغ حوالي 28 مليار دولار، إضافة لوجود 500 ألف لبناني في المملكة يقومون بتحويل حوالي 6 مليارات دولار سنوياً للبنان. يرتبط كثير من السعوديين بلبنان عاطفياً نتيجة للسياحة والإعلام، لكن سياسياً هناك سؤال صعب يطرح نفسه وهو: ما هي الفائدة الإستراتيجية الحقيقية للعلاقات السعودية اللبنانية؟ في واقع الأمر، كون لبنان ساحة منافسة مع إيران إلا أن ذلك لا يجعله بأهمية ساحات أخرى أكثر تأثيراً. هذا الأمر ليس انتقاصاً من لبنان كدولة عربية لها احترامها ولها موقعها في الوجدان العربي، ولكن جيبوتي على قدر بعدها العاطفي عنا مقارنة بلبنان أكثر أهمية لنا على الصعيد الإستراتيجي.
تفرض الجغرافيا السياسية شروطها على أهمية جيبوتي للمملكة، فجيبوتي تمثل رأس القرن الإفريقي الممسك ببوابة باب المندب الغربية، ويسهل التحكم بين ضفتي المندب على البحر الأحمر وبحر العرب، ويشكل موقعها الإستراتيجي مدخلا للتأثير الإستراتيجي على كل من الصومال وإريتريا وإثيوبيا وصولا لبقية دول مجموعة الإيغاد (IGAD). كما تشكل جيبوتي أحد أهم المداخل الإستراتيجية للتجارة مع القارة الإفريقية وخاصة أنها تقع على طريق التجارة العالمية بين الشرق والغرب.
من المنظور الجيو-سياسي تعاني المملكة من عائق كبير يتمثل في عدم إطلالها على بحار مفتوحة، فالمملكة ورغم كونها أكبر دولة مساحة في الشرق الأوسط وتهيمن على خريطة الجزيرة العربية، إلا أنها محصورة بين البحر الأحمر والخليج العربي، وكلاهما محصور بين 3 مضائق مائية (هرمز والسويس والمندب) ما يجعل المملكة رغم اتساع رقعتها دولة محصورة بحرياً. هذا الانحصار يضع تحديات سياسية وأمنية على المملكة تحتم أهمية قيامها بالانفتاح على دول يمكن أن تشكل لها قواعد انطلاق نحو البحار المفتوحة، وحيث يكمن بدرجة أساسية "خط الحياة" (lifeline) – بحسب التعبير الإمبراطوري البريطاني لخط المياه الواصل بين بريطانيا والهند – الذي يقع بين المملكة وشرق آسيا عبر بحر العرب والمحيط الهندي، حيث أغلب صادراتنا النفطية.
الاهتمام العالمي المتزايد بمنطقة القرن الإفريقي ينبع من عدة اعتبارات، لعل أدناها تأمين باب المندب من عمليات القرصنة التي شهدتها السنوات الماضية، وأعلاها السباق نحو التحكم السياسي في خط التجارة العالمي والمدخل التجاري لإفريقيا. وعليه فلم يكن اعتباطاً أن تكون جيبوتي مقراً لأكبر قاعدة عسكرية أميركية دائمة في إفريقيا Camp) Lemonnier) بها 4 آلاف جندي، إضافة لوجود قواعد عسكرية لكل من الصين وفرنسا واليابان، وبعض التواجد العسكري لألمانيا وإيطاليا. من هذا المنطلق قد يكون من المفيد أن ننظر في مسألة بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، وذلك على خلفية التباحث بشأن الاتفاق العسكري بين البلدين. من المهم عدم تفويت فرصة السباق لأخذ موقع عسكري وسياسي سيخدم على مدى العقود القادمة الاستفادة من ثورة التجارة والنمو الاقتصادي الإفريقي، عوضاً عن التأثير السياسي الذي سيعني تأمين أدوار اللاعبين الإقليميين في المنطقة أمام الدول الكبرى.
لذا فإنه في حال قامت مثل هذه القاعدة العسكرية فإنها ستعد الأولى لنا خارج حدود الوطن، وهو ما يستلزم أن يكون هناك تصور واضح لدورها السياسي إضافة للعسكري. إن وجود مثل هذه القاعدة يجب أن يخدم التأثير العسكري السعودي في بحر العرب وغرب المحيط الهندي، فوجود قاعدة للمملكة في جيبوتي لا يخدم أي أهداف عسكرية في البحر الأحمر أو اليمن، لأن المسافة بين جدة وجيبوتي 1200 كم وبين جازان وجيبوتي 600 كم فقط، ما يعني أن السفن الحربية السعودية ليست بحاجة لقواعد تزود بالوقود أو خدمات وصيانة في محيط عملها الحالي. ولكن وجود قاعدة في جيبوتي سيخدم المملكة كثيرا في حال كانت نقطة انطلاق بحري للمملكة للتواجد في غرب المحيط الهندي كقوة عسكرية.
الانعكاس السياسي لمثل هذا التواجد العسكري كبير، فهو ما يعطي على أرض الواقع الوزن السياسي للدولة مقارنة بالمنافسين الإقليميين (إيران على وجه الخصوص)، وهو أمر يتجاوز بكثير الوزن السياسي المتحصل من كسب أوراق في لبنان -على سبيل المثال- وإن بدا إعلاميا أن الملف اللبناني أكثر مصيرية. ذلك أنه عند مسطح غرب المحيط الهندي تلتقي المصالح الحقيقية للدول الكبرى وخطوط التجارة العالمية، ومن شأن التحكم أو التأثير فيها أن تمتلك المملكة أوراقاً حقيقية أمام منافسيها.
لو أن نصف ما أنفق على لبنان تم توجيهه للقرن الإفريقي ضمن رؤية إستراتيجية واضحة لكان للمملكة اليوم ما يكفي من الأوراق لجعل منطقة بحر العرب وغرب المحيط الهندي محيطها الإستراتيجي الذي تقر دول العالم به وتعاونها فيه من باب تأمين المصالح العالمية وخطوط التجارة. غياب هذا الاستثمار هو ما جعل قضية اليمن اليوم رغم أهميتها مجرد قضية محلية، فدول العالم لم تر في الصراع هناك تأثيراً حقيقيا عليها لأن نتائج هذا الصراع لن تؤثر عليها، ولو كانت المملكة أكثر ارتباطاً بمنطقة بحر العرب عسكريا لأصبح الوضع في اليمن يمس دول العالم بالتبعية نظراً لمساسه بالمملكة.
لا توجد قوة إقليمية مهيمنة في محيط بحر العرب، والعالم اليوم ينظر للصراع السعودي الإيراني غير المباشر فيه بانتظار من يحسمه. ربما آن الأوان أن نعيد النظر في أولوياتنا الإستراتيجية، ولعل فكرة إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي تكون نقطة انطلاق للتوسع في الأماكن الصحيحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق