الله يعصمك من الناس) : هل أمَّن الله نبيه من مخاوفه جرّاء تبليغه للإمامة بالغدير؟! / عبدالملك الشافعي

 و

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فمن خلال دراستي لاستدلال الشيعة الإمامية بآية التبليغ وهي قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة:67)
وجدت أن استدلالهم يتلخص بنزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يبلغه أمر ربه سبحانه بتبليغ أمر الإمامة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تردد خشية وقوع بعض المحاذير من جرّاء ذلك التبليغ ، وهنا جاءه الأمر الإلهي المصحوب بالتطمين فوعده بالعصمة مما يحذر وقوعه ..
ولذا سيكون موضوعي عبارة عن عدة حقائق وكما يلي:

الحقيقة الأولى: دراسة المحاذير والمخاوف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى وقوعها

لقد قمت بدراسة هذه المحاذير من مرويات الإمامية ، فوجدت من أصرحها وأثبتها سنداً هي رواية ثقتهم الكليني في كتابه الكافي ( 1 / 289-290 ) ونصها:
[ علي بن إبراهم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار ، وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا عن أبي جعفر عليه السلام قال : أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة " وفرض ولاية أولي الامر ، فلم يدروا ما هي ، فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية ، كما فسر لهم الصلاة ، والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله ، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم ، فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب .
- قال عمر بن أذينة : قالوا جميعا غير أبي الجارود - وقال أبو جعفر عليه السلام : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عز وجل " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " قال أبو جعفر عليه السلام : يقول الله عز وجل : لا انزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض ].
وكلامي عنها بشقين:

الشق الأول: بيان صحة الرواية وثبوتها في الميزان الحديثي

وأما صحة سند الرواية وثبوتها فقد نصَّ عليه العديد من علماء الإمامية ومنهم:
1- يقول عنه علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( مرآة العقول ) ( 3 / 250 ) :[ الحديث الرابع: حسن ].

2- يقول علامتهم هادي النجفي في كتابه ( موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) ) ( 8 / 415 ):[ الرواية صحيحة الإسناد ] ، ثم كرر تصحيحه للرواية في ( 9 / 413 ) وكذلك ( 12 / 277 ).

3- يقول عنها شيخهم علي الكوراني في كتابه ( مكتبة الطالب-4 ) ( ص 63 ) :[ وفي الكافي بسند صحيح ].

4- كرر عالمهم محمد المؤمن القمي تصحيحه للرواية في عدة مواضع من كتابه ( الولاية الإلهية الاسلامية ( الحكومة الاسلامية ) ) فقال:
أ- قال في ( 1 / 313 ) :[ فمنها ما رواه الكافي بسنده الصحيح ].
ب- قال في ( 1 / 22-23 ) :[ فمن الطائفة الاُولى صحيحة الفضلاء زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وزياد بن منذر أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر .. فالصحيحة كما ترى صريحة في أنّ مراده تعالى بالولاية في هذه الآية هو نفس الولاية الّتي قام بإعلامها يوم غدير خم .. وبالجملة : فهذه الصحيحة دليل معتبر كافية ووافية بإثبات كلا الأمرين ، والحمد لله ].
ج- قال في ( 1 / 56 ) :[ منها صحيحة الفضلاء زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم و بريد بن معاوية وأبي الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) .. فالصحيحة كما ترى صريحة في أنّ الآية المباركة اُريد من " ما اُنزل إليك من ربّك " فيها ولاية أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، وأنّ ما وقع من النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) يوم الغدير عمل وامتثال للأمر المذكور فيها ، وقوله ( عليه السلام ) : " تخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه " بيانٌ لما كان في صدر الرسول ، ومعلوم أنّ نصب عليّ ( عليه السلام ) بالولاية مع ما كان له ( عليه السلام ) من السوابق في غزوات الإسلام ومع عظم أمر الولاية سبب عاديّ لهذه الدهشة .
ثمّ إنّ ترتّب هذا الخوف الشديد قرينة قطعية على أنّ المراد بالولاية في الصحيحة هو تصدّي إدارة أمر الاُمّة والبلاد والمملكة الاسلامية ، وإلاّ فمجرّد كون عليّ ناصراً أو محبوباً لهم وأمثال ذلك لا يوجب أيّ خوف ،فالصحيحة دليلٌ واضحٌ على إرادة الولاية بمعناها المطلوب لنا من الآية المباركة ].

5- يقول شيخهم محمد جواد الشبيري في بحثه ( الغدير في حديث العترة الطاهرة ) والمنشور ضمن مجلة تراثنا ( 21 / 17 ) :[ بل وقد رويوبإسناد صحيح عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال ].

6- يقول شيخهم حسن عبد الله علي في كتابه ( الرد النفيس ) ( ص 178 ) :[ وفي الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الكليني ( رحمه الله ) في الكافي بسنده عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود ، جميعاً عن أبي جعفر ( ع ) قال ].

7- لقد تبنى شيخهم جواد بن عباس الكربلائي مضمون الرواية ، فقال في كتابه ( الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة ) ( 1 / 207 ) :[ أقول : لما بيّن الله ولاية الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون ، وقرنها بولايته وولاية رسوله فعلم منها أنها أي ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ثابتة في عرض ولاية الله وولاية رسوله صلَّى الله عليه وآله بنص الآية الشريفة ، ولذا لمّا علم النبي صلَّى الله عليه وآله أهمية ذلك ، وأنه لا بدّ منه ضاق به صدره لما علم من تكذيب بعض أصحابه فراجع ربّه ( جل جلاله ) فأمره بالتبليغ بنزول آية التبليغ فصدع بالأمر .
فمن هذا الحديث يعلم أنّ المراد من قوله تعالى : بلغ ما أُنزل إليك 5 : 67 أنّ المراد مما أنزل إليه ، هو هذه الآية الشريفة ، أي آية إنّما وليّكم الله ، والأحاديث متواترة من العامّة والخاصّة على أنّ المراد من الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام كما لا يخفى ].

الشق الثاني: بيان المخاوف والمحاذير التي نصَّت عليها الرواية

وأما المحاذير والمخاوف فهي:

المحذور الأول: خشيته صلى الله عليه وسلم من ردتهم:

وهذا المحذور قد نصت عليه رواية الكافي ولفظها ( وتخوف أن يرتدوا ) ، بل ونصَّت عليها مروياتهم وكلام علمائهم ومنها:
1- ينقل علامتهم الفتال النيسابوري في كتابه ( روضة الواعظين ) ( ص 90 ) رواية منها:[ فخشي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا . ويرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم وما يبطنون عليه أنفسهم لعلي " عليه السلام " من البغضاء ].

2- يروي القاضي النعمان المغربي في كتابه ( شرح الأخبار ) ( 1 / 104 ):[ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرائيل أمتي حديثة عهد بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا ].

3- يقول علامتهم حسن الحسيني اللواساني في كتابه ( نور الأفهام في علم الكلام ) ( 1 / 484-485 ):[ كما لا شبهة في اشتمال الآية النازلة فيها على التأكيد والتشديد في التبليغ ، بل على التهديد على تركه بقوله تعالى : ( وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ) ثمّ على تطييب قلب ذلك النبيّ الأطهر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتسكين خوفه من ارتداد الأُمّةومعارضتهم له ، وتسكين رعبه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من ذلك بوعد عصمته بقوله سبحانه : ( والله يعصمك من الناس ) ].

المحذور الثاني: خشية أن يكذبوه ويطعنوا به

وهذا المحذور قد نصت عليه رواية الكافي ولفظها ( وأن يكذبوه ) ، بل ونصَّت عليها مروياتهم وكلام علمائهم ومنها:
1- روى رئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في كتابه ( الأمالي ) ( ص 436 ) :[ فكره أن يحدث الناس بشئ كراهية أن يتهموه ، لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية .. فإن يتهموني ويكذبوني .. مخافة أن تتهموني وتكذبوني ].

2- يقول علامتهم علي الميلاني في كتابه ( نفحات الأزهار ) ( 8 / 257 ) :[ لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمر صلى الله عليه وآله بتبليغه في غاية العظمة والأهمية ، ولا يتصور غير الإمامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة ، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة ].

3- يقول علامتهم جعفر مرتضى العاملي في كتابه ( الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( ص ) ) ( 31 / 169-170 ) :[ أي أنه أمره بإبلاغ منتج ، لا بإبلاغ عقيم . وكان " صلى الله عليه وآله " يحتاج إلى ما يطمئنه إلى جدوى تبليغ أمر الإمامة ، وعدم إثارة قريش للشبهات التي تضيع جهده " صلى الله عليه وآله " ، ولو باتهامه " صلى الله عليه وآله " في عقله ، أو في عصمته . . ].

الحقيقة الثانية: صدور الوعد الإلهي بتأمينه من تلك المخاوف والمحاذير

وقد نصَّت على هذه الحقيقة مروياتهم ونصوص علمائهم ومنها:
1- يقول زعيم مذهبهم في وقته الشيخ المفيد في كتابه ( الإرشاد ) ( 1 / 175 ): [فأنزل جلت عظمته عليه : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) يعني في استخلاف علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام والنص بالإمامة عليه ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) فأكد به الفرض عليه بذلك ، وخوفه من تأخير الأمر فيه ،وضمن له العصمة ومنع الناس منه ].

2- يقول علامتهم محمد صالح المازندراني في كتابه ( شرح أصول الكافي ) ( 6 / 124 ) :[ وأما وجوب إظهار الولاية فقد كان وقته موسعا وإنما لم يبادر في أول أوقات إمكانه لأنه كان مترقبا للعصمة من الله تعالى ].

3- يقول علامتهم جعفر مرتضى العاملي في كتابه ( الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( ص ) ) ( 31 / 169-170 ) :[ أي أنه أمره بإبلاغ منتج ، لا بإبلاغ عقيم . وكان " صلى الله عليه وآله " يحتاج إلى ما يطمئنه إلى جدوى تبليغ أمر الإمامة ، وعدم إثارة قريش للشبهات التي تضيع جهده " صلى الله عليه وآله " ، ولو باتهامه " صلى الله عليه وآله " في عقله ، أو في عصمته . . فحين جاءته العصمة بادر إلى ما أمره الله تعالى به ].

4- يقول علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) ( 37 / 249 ) :[ وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام ، وبه يتبين الناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة ، ويكون قبوله صعبا على الأقوام ، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى مما يظن فيه أمثال ذلك إلا خلافته وإمامته عليه السلام ، إذ بها يبقى ما بلغه صلى الله عليه وآله من أحكام الدين ، وبها ينتظم أمور المسلمين ، ولضغائن الناس لأمير المؤمنين كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين ، فلذا ضمن الله له العصمة من شرهم ].
5- يقول عالمهم حسن الحسيني اللواساني في كتابه ( نور الأفهام في علم الكلام ) ( 1 / 485 ) :[ وتسكين رعبه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من ذلك بوعد عصمته بقوله سبحانه : ( والله يعصمك من الناس ) ].

6- روى علامتهم الفتال النيسابوري في كتابه ( روضة الواعظين ) ( ص 90-91 ) : [وسئل جبرئيل " عليه السلام " أن يسأل ربه العصمة من الناس . وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله عز وجل . فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل " عليه السلام " في مسجد الخيف فأمره ان يعهد عهده ويقيم عليا للناس . ولم يأته العصمة من الله تعالى بالذي أراد حتى أتى كراع العميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أمر به من قبل . ولم يأته بالعصمة فقال يا جبرئيل انى لأخشى قومي ان يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال . اتاه جبرئيل " عليه السلام " على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد ان الله عز وجل يقرأك السلام ويقول لك : ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ].

الحقيقة الثالثة: لم يتحقق ما وعد الله تعالى من الضمان والتأمين لنبيه صلى الله عليه وسلم من تلك المخاوف والمحاذير

بعد أن بينا في الحقيقة الأولى المخاوف والمحاذير التي كان يخشى النبي صلى الله عليه وسلم وقوعها من جرّاء تبليغه للإمامة ..
ثم بينا في الحقيقة الثانية وعد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالأمان والعصمة من تلك المخاوف ..
سنبين في هذه الحقيقة - من خلال التراث الروائي للإمامية - تخلف ما وعد الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك بوقوع تلك المحاذير التي كان يخشاها من جرّاء ذلك التبليغ وإليكم بيان ذلك:

أولاً: وقوع محذور تكذيبه واتهامه

وقد وقع هذا المحذور من الصحابة بنص الرواية التي يرويها أعمدة المذهب وأساطينه ونصها:
[ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحجال ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن حسان الجمال قال : حملت أبا عبد الله ( عليه السلام ) من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال : ذلك موضع قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح فلما أن رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الآية : " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين " ].
وقد بيَّن علامتهم الفيض الكاشاني مرادهم بـ ( أبي فلان وفلان ) ، فقال في كتابه ( الوافي ) ( 2 / 192 ) :[ بيان : أبي فلان وفلان كناية عن أبي بكر وعمر وأورد في الفقيه المنافقين مكان أبي فلان وفلان ].
وقد روى هذه الرواية:
أ- ثقتهم محمد بن يعقوب الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 4 / 566-567 ).
ب- رئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) ( 1 / 230 ).
ج- شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه ( تهذيب الأحكام ) ( 3 / 264 ).

وأما تصحيحهم لهذه الرواية فكما يلي:

1- يقول علامتهم ابن المطهر الحلي في كتابه ( منتهى المطلب ( ط.ج ) ) ( 6 / 317-318 ):[ وروى الشيخ وابن يعقوب في الصحيح عن حسّان الجمّال ].

2- يقول علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ) ( 18 / 283 ) :[ الحديث الثاني : صحيح على الأظهر ].

3- أورد الرواية علامتهم حسن بن علامتهم زين الدين العاملي ( الشهيد الثاني ) في كتابه ( منتقى الجمان ) ( 2 / 164 ) ، والذي اشترط أن لا يورد فيه إلا الصحاح والحسان.

4- يقول شيخهم محمد جواد شبيري في كتابه ( الغدير في حديث العترة الطاهرة ) والذي نشر في ( مجلة تراثنا ) ( 21 / 23 ) :[ وروي بطريق صحيح عن حسان الجمال ].

ثانياً: وقوع محذور ردتهم عن الدين

وأما هذا المحذور فقد صرحت بوقوعه مروياتهم فمنها:
1- روى ثقتهم الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 8 / 296 ) :[ عن عبد الرحيم القصير قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام إن الناس يفزعون إذا قلنا إن الناس ارتدوا . فقال يا عبد الرحيم إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أهل جاهلية إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعدا وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية يا سعد أنت المرجئ وشعرك المرجل وفحلك المرجم " ].

2- روى الكليني أيضاً في كتابه ( الكافي ) ( 8 / 245 ) :[ عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا ثلاثة فقلت ومن الثلاثة فقال المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ].

3- روى الكليني أيضا ( 2 / 244 ) :[ عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ؟ فقال : ألا أحدثك بأعجب من ذلك ، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة قال حمران : فقلت : جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال : رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا ، فقلت : في نفسي ما شئ أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال : لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات ].

4- يروي شيخ الطائفة الطوسي في كتابه ( اختيار معرفة الرجال ) ( 1 / 47-52 ) :[ عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قال أبو جعفر عليه السلامارتد الناس : الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد ، قال : قلت فعمار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة ، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع ، فبايع ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبي الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به ، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام الا هؤلاء السبعة ].

5- روى ثقتهم الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 8 / 253 ) :[ عن الحارث بن المغيرة قال : سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) فلم يزل يسائله حتى قال : فهلك الناس إذا ، قال : إي والله يا ابن أعين فهلك الناس أجمعون قلت : من في المشرق ومن في المغرب ؟ قال : إنها فتحت بضلال إي والله لهلكوا إلا ثلاثة ].

6- ينقل علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) ( 22 / 352 ) عن كتاب ( رجال الكشي ) :[ عن الحارث النضري قال : سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال : فلم يزل يسأله حتى قال له : فهلك الناس إذا ؟ قال : إي والله يا ابن أعين ، هلك الناس أجمعون ، قلت : من في المشرق ومن في المغرب ؟ قال : فقال : إنها فتحت على الضلال ، إي والله هلكوا إلا ثلاثة ، ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيره وأبو عمرة ، فصاروا سبعة ].

فتأمل كيف أرادوا إثبات إمامتهم المزعومة بتلك الآية ،فإذا بهم يتوجهون بالطعن إلى الله تعالى بإخلافه ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من الضمان والتأمين بعدم وقوع المحاذير والمخاوف التي كان يخشاها فيما لو بلغ الإمامة بالغدير !!!