الكويت: نحو إلغاء قانون البصمة الوراثية | الخليج الجديد
في بداية يوليو/تموز 2015، أقر البرلمان الكويتي مشروع "قانون البصمة الوراثية" الذي ينص على جمع عينات البصمة الوراثية من…
في بداية يوليو/تموز 2015، أقر البرلمان الكويتي مشروع “قانون البصمة الوراثية” الذي ينص على جمع عينات البصمة الوراثية من المواطنين والوافدين والزائرين وكل من يعبر الأراضي الكويتية. ويعاقب القانون من يمتنع عن إعطاء بصمته الوراثية بالحبس سنة واحدة وغرامة تصل إلى 10 آلاف دينار كويتي (33 ألف دولار أمريكي).
أقر البرلمان ذلك القانون بعد أقل من أسبوع من هجوم انتحاري على مسجد الإمام الصادق في قلب العاصمة، أودى بحياة 27 شخصا وجرح أكثر من مئتين. أتت الموافقة السريعة على ذلك القانون لتعزز احتمال ان مسودة القانون كانت معدة قبل ذلك الهجوم. ولا شك بأن التعاطف الشعبي العارم مع الضحايا وفر للحكومة الكويتية وأنصارها في البرلمان فرصة لتسريع تمريره.
من جهتها، بررت الحكومة تلك السرعة في الإقرار وفي توفير التمويل اللازم لتطبيق القانون بتبريرات عدة، منها أنه سيسهل مهمات الأجهزة المعنية في جمع المعلومات عن الجرائم وتحديد مرتكبيها، بالإضافة إلى التعرف على أصحاب الجثث المجهولة، بتاريخ 2 أغسطس/آب بعد أقل من شهر، أصبح “قانون البصمة الوراثية” ساريا بعد نشره في الجريدة الرسمية.
جـد كالهـزل
بدا القانون، كما علقت “واشنطن بوست”، موضوعا لرواية خيال علمي سيئة. فالاكتشافات المتسارعة في علم الجينات وتقدم تقنياته توفر آليات جديدة للسلطات في الدول الحديثة لإدارة مجتمعاتها عن طريق استخدام ما يسميه “مايكل هاردت وأنطونيو نيغري” آليات التحكم الحيوي (البيو ـ سلطة). فهل سبقت الكويت في هذا المجال بلدانا أكثر تقدما واستقرارا كبلدان أوروبا الغربية الشمالية؟
ففي هذه الدول لم تجرؤ الطبقات الحاكمة حتى الآن على “فرض” ما فرضته الحكومة الكويتية جبرا، أي إقامة قاعدة معلومات حيوية عن طريق المسح الشامل للحمض النووي لمواطنيها وبقية المقيمين في أراضيها. فما زالت صلاحية أجهزة الشرطة في السويد مثلا، في ما يتعلق بجمع وحفظ البصمة الوراثية، محصورة في المتهمين بجرائم معينة أو الصادرة بحقهم أحكام سجن.
لا يبدو قانون البصمة الوراثية في الكويت غريبا أو جزءا من رواية خيال علمي. فالكويت انفردت بين دول العالم بإعلانها قبل ثلاث سنوات عن مشروع يهدف لإخضاع الوافدين للعمل لفحص طبي للكشف عن المثليين والمتحولين جنسيا منهم.
هذه المرة أيضا، ستكون قاعدة البيانات التي ستقيمها الكويت فريدة من نوعها على مستوى العالم، إذ ستشمل بيانات ما يزيد على أربعة ملايين نسمة من مواطنين وأجانب، علاوة على مئات الألوف من السياح الذين يزورون الكويت سنويا، ومثلهم من العابرين من منافذ الكويت الجوية والبحرية.
ما يثير الحيرة هو مدى تمهيد المسؤول السياسي الكويتي للتعاطي مع هذا الكم من المعلومات خارج استخداماتها الأمنية؟ هل تملك الكويت القدرات البشرية القادرة على الاستفادة علميا وتقنيا من بناء قاعدة البيانات؟ علاوة على ذلك، فإن استيراد الطاقة البشرية من الخارج، علاوة على المعدات والبرامج اللازمة لإنشاء قاعدة معلومات كهذه، وإدامتها وتجديدها، يتطلب استثمارا يفوق بكثير مبلغ الأربعمئة مليون دولار المخصصة لها.
أما ما ستتطلبه حماية أمن المعلومات المخزنة ومنع اختراقها فهو أفق مفتوح في عالم تشتد فيه المنافسة بين حكومات وأجهزة مخابرات وشركات أمنية وشركات مختصة بالصناعات الحيوية على مثل ما ستحتويه قاعدة المعلومات الكويتية.
معارضة قانون البصمة
على الرغم من التعاطف الواسع مع ضحايا الإرهاب في مسجد الصادق وغيره، إلا أن القانون الجديد واجه معارضة من فئات متعددة ولأسباب مختلفة. فمن جهة ثمة تساؤلات بديهية يتعلق بعضها بحاجة الكويت لقاعدة بيانات الحمض النووي التي سيوفرها تطبيق القانون. عبر النشطاء المدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوفهم من تداعيات تطبيق قانون البصمة في ما يتعلق بتوسيع سلطات الأجهزة الأمنية وتمكينها من تكثيف انتهاك خصوصية الأفراد.
وتشير اعتراضات أخرى إلى تداعيات استخدام معطيات البصمة الوراثية في المنازعات حول تحديد الأنساب والمواريث، بل وفي تقرير “الكفاءة” بين الأصهار وتفكيك الأسر! وثمة اعتراضات تشير إلى مخاطر القانون على العلاقات الاجتماعية في مجتمع تتحكم في فضاءاته العامة السياسية والاجتماعية قوى تشجع الهوس بتراتبيات الأصول القبلية وتستفيد من تسليع الانتماء القبلي.
فهذه قبائل عدنانية وتلك قبائل قحطانية، وبينهما يتراتب الآخرون بين خضيرية وبياسر وهولة وغيرهم من “الطارئين”.
من جهة أخرى، لاحظ منتقدو القانون خطورة هدفين غير مبرزين له. أولهما تسخير قاعدة البيانات التي يوفرها المسح الشامل للبصمة الوراثية في الكويت لما يسميه القانون “المصالح العليا للدولة”، تاركا تحديد تلك المصالح لمشيئة السلطة التنفيذية، وهي في الكويت تبقى رهينة لتوازن القوى داخل العائلة الحاكمة.
أما الهدف الثاني فيتمثل في إطلاق يد السلطة التنفيذية وجهازها الأمني لتبادل المعلومات الحيوية التي سيوفرها تطبيق القانون عن سكان الكويت مع جهات أمنية خارجية من دون أن يكون ذلك التبادل مشروطا وخاضعا لرقابة برلمانية فعالة.
الخـروج من الورطة
بجانب المعارضة الداخلية المتعددة الأوجه، واجهت الحكومة الكويتية انتقادات منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان. وقد يشكل قبول المحكمة الدستورية بالطعون المقدمة إليها حول دستورية القانون بداية لإعادة النظر في القانون أو سحبه. وهذا ما يوحي به تصريح أدلى به قبل أيام رئيس مجلس الأمة الكويتي (قبل حله) عن التوصل إلى “تفاهم مع الحكومة حول تعديل قانون البصمة الوراثية بحيث يشمل المشتبه فيهم وحدهم”..
إلا أنه أضاف ان الأمر سيظل متروكا لوزارة الداخلية لتحديد من هم فئة “المشتبه فيهم”. وهذا لا يبشر بخير. ولهذا فقد يكون قرار حل مجلس الأمة الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة ستأتي بتركيبة نيابية يؤمل أن تكون أكثر حرصا على حقوق الإنسان وعلى السلم الاجتماعي في الكويت، من المجلس المنحل الذي أقر قانون البصمة الوراثية!
* أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين
المصدر | السفير العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق