ريتشارد نيكسون يكشف استراتيجية أمريكا لتحقيق نصر بلا حرب
شيماء جابر،في:كتب عالمية
2015/12/08 -
هل يمكن أن تشتعل الولايات المتحدة الأمريكية نار الحرب بمناطق بأسرها بإرادة أمريكية خالصة متكاملة وذلك دونما أن يعبر جندي أمريكي واحد المحيط وتحقق نصر بلا حرب؟ فعقب تجربتها المريرة فى مستنقعات فيتنام، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنه ينبغى لها أن تحقق انتصاراتها دون حروب، وهو ما تأكد لها بعد التكاليف الباهظة التى تكبدتها عقب حربها على العراق.
وقد سبق وأن قام الرئيس الأمريكي الأسبق “Richard Nixon – ريتشارد نيكسون” -الذي طرد من البيت الأبيض على إثر فضيحة وترجيت- بتأليف كتابه الشهير «Victory Without War 1999 نصر بلا حرب»، وهو الكتاب الذي سنتناوله بعد قليل حيث يطرح فيه سيناريوهات تحقق للولايات المتحدة الأمريكية نصر بلا حرب، حتى تبقى على مقعد رئاسة الخماسي الذي سيحكم ويتحكم في العالم بداية من عام 2000، العام الذي سيتحقق فيه نصر الولايات المتحدة الأمريكية على الاتحاد السوفيتي السابق بدون أن يكون هناك تبادل لإطلاق النار بين القوتين العظميين في العالم، والنصر -الذي تحقق فعلياً في الواقع- يتوج بتفكيك الاتحاد السوفيتي الذي سيبرز منه روسيا الاتحادية كقوة عظمى.
وكتاب نصر بلا حرب الذي كتبه نيكسون عام 1988، وترجمه للعربية وقدم له رئيس الأركان المصري المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، صدرت طبعته الاولى عام 1988، والطبعة الثانية عام 1989 عن مركز الأهرام للترجمة والنشر في 355 صفحة.
غُلاف النسخة المُترجمة
رابط الكتاب على موقع goodreads
وتأتي أهمية الكتاب كون مؤلفه ريتشارد نيكسون هو صاحب مبدأ نيكسون القاضي بتخلي الولايات المتحدة عن التدخل المباشر في مختلف المشكلات الدولية وعن لعب دور الشرطي للإمبريالية العالمية، وينبغي للولايات المتحدة أن لا تتدخل في أي نزاع في العالم الثالث بقواتها المسلحة مستقبلاً ضد رجال حرب العصابات، ما لم تتدخل قوة كبرى أخرى فيه، وتقدم امريكا مساعدات عسكرية واقتصادية بالكميات الكافية لهزيمة المتمردين.
حيث اعترف نيكسون في الكتاب قائلاً: “إن هزيمة إسرائيل في عام 1973 جعلتني أؤمن بأن المواجهة العسكرية مخاطرة، وأن التفوق في التسليح لا يعنى ضمان النصر».
ففي كتابه يؤكد نيكسون أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها أن تنتصر على أي دولة في هذا العالم، مهما كانت كبيرة وقوية، وفي أي وقت وتحت أي ظرف دون أن تدخل حرباً فعلية مع هذه الدولة شريطة أن تعتمد وسيلتين:
الوسيلة الأولى هي إطلاق حملة إعلامية مكثفة وضارية لتشويه سمعة هذا البلد، وتأليب الرأي العام الأمريكي والعالمي ضده، بهدف التأثير النفسي عليه من الداخل.
الوسيلة الثانية التي يجب أن تتزامن مع الحملة الإعلامية هي حشد أكبر قدر ممكن من الجيوش والأساطيل الأمريكية والاستعداد الجدي للحرب، بحيث يدخل في عقل البلد المقصود أن الحرب واقعة لا محالة، وأن الحلم بالنصر على الولايات المتحدة بإمكانياتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية الهائلة هو أمر مستحيل، عندئذ سوف يستسلم هذا البلد، وينصاع لكافة المطالب والإملاءات الأمريكية، وبذلك تنتزع الولايات المتحدة النصر بلا حرب.
لكن أبرز نبوءاته التي صدقت حديثه عن ما يسمى «الأصولية الإسلامية»، حيث قال أنها ستصبح أداة التغيير في العالم الإسلامي، وستسعى إلى الوصول للسلطة بأية وسيلة، وأشار بوضوح غير مسبوق إلى دورها في منطقة الشرق الأوسط، وكأنه يصف ما يجري اليوم، واعتبر الفقر أقوى وقود للفتن الطائفية في منطقتنا، وقال: “إن العدو الأكبر في العالم الثالث هو الأصولية الإسلامية”، ولخص سبب التعاطف مع الحركات الإسلامية العنيفة بعبارة سياسية بليغة، يقول: “إن الحركات الأصولية الإسلامية تلقى هوى لدى الناس ليس بسبب ما تطرحه ولكن بسبب ما تعترض عليه”.
فيقول نيكسون: “في عالم الواقع، يتوافر لأمة بالغة الصغر، لديها ست دبابات أو ستة أرهابيين وضعاء لديهم قنبلة صغيرة، قدر من القوة الحقيقية يزيد عن ما للجمعية العامة للامم المتحدة مجتمعة بكل أبهيتها الرفيعة في أيست ريفر”.
فقد عبر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن قلقه من الإسلام والمسلمين، من خلال التطرف في رداءه المُتأسلم، والذي سماه “المارد الأخضر”، وذلك في إشارة إلى “المارد الأحمر” الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفيتي المنهار.
حيث يقول: “إنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومعه سقوط الاشتراكية كحركة ومنظومة سياسية، سيواجه الغرب والولايات المتحدة خاصة “مارداً آخر” هو الإسلام، فينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل وبسرعة على الإمساك -بما أسماه- بالريادة الروحية في العالم، وأن تعمل على عدم السماح لنماذج “التشدد الإسلامي” -حسب تعبيره- أن تجد فرصتها في هذا المجال.”
ويرى نيكسون أنه بعد تراجع الحركة الشيوعية فقد حلت الأصولية الأسلامية محل الشيوعية كأداة أساسية للتغيير العنيف في العالم الاسلامي من المغرب إلى أندونيسيا، كما أنه على أمريكا أن تقدم معونات أمنية واقتصادية وسياسية لأصدقائها في العالم الثالث، وينبغي -حسب رأي نيكسون- أن لا تكون هناك معونة بدون شروط، كما ينبغي لأمريكا أن تصر على مراقبة الأداء السياسي والاقتصادي لجميع الحكومات التي تساعدها.
ويكشف نيكسون الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة تطورات العالم الثالث فيقول: “إن رياح التغيير في العالم الثالث تكتسب قوة العاصفة، ونحن لا نستطيع إيقافها لكننا نستطيع أن نساعد في تغيير اتجاهها”.
كما يشير نيكسون إلى اهمية العالم الثالث باعتباره المركز الرئيسي للحروب والثورات على النطاق العالمي، ولا يستبعد إمكانية أن تصبح بعض الدول من عمالقة أواخر القرن الواحد والعشرين، ومن هذه الدول أندونيسيا والبرازيل والمكسيك والهند.
ويخص نيكسون النزاع العربي الاسرائيلي بأهمية خاصة، ويعترف أن هذا النزاع كان سيقوم حتى ولو لم يلعب الاتحاد السوفييتي أي دور في الشرق الاوسط، فرغم أن العرب والإسرائيليين قد تقاتلوا في خمس حروب 1948، 1956، 1967، 1973، و1982 واشتبكوا في مناوشات وحوادث عسكرية لا تنتهي، فقد حققت أمريكا الكثير في المنطقة وحفظت بقاء الكيان الصهيوني، وكانت اتفاقات “كامب ديفيد” التي أقامت السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978 -بحسب رأى نيكسون- من أعظم إنجازات الدبلوماسية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب، فيقول فى ذلك: “فنحن لسنا حلفاء رسميين -لإسرائيل- وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص”.
هذا ويُذكر أن الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون خصص فصلاً كاملاً في كتابه الشهير “1999 نصر بلا حرب” للحديث عن الصين، وسماها “المارد النائم” -وذلك نسبة لمقولة نابليون بونابرت: “إن الصين مارد نائم فلا تيقظوه”، وحذر منها كعدو محتمل وقادم وند لأمريكا، فهل هي بالفعل القطب القادم الذي سيعيد التوازن للعالم؟ وهل ستمثل بالفعل ند لأمريكا؟ وقد سبق وأن تناولنا ذلك من الناحية الاقتصادية عبر هذا التقرير: هل يمكن أن تصبح الصين الدولة العظمــى قريباً؟!.
فيرى نيكسون مستقبل الصين في شباب العشرينات يترددون على الأفلام الامريكية، ويستمعون إلى موسيقى فرق الروك الغربية ويتناولون الكنتاكي فرايد تشيكن، وقد كان نيكسون كرئيس لأمريكا هو الذي فك الحصار عن الصين وفتح أمامها الآفاق نحو اللحاق بموكب العمالقة.
لمحة عن شخصية الكاتب
هو الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، ومن المعروف أنه أحد رؤساء الولايات المتحدة الذين تميزوا في إدارة العلاقات الدولية، وأن له بصيرة أمريكية ودولية خاصة، فهو الذي فتح قناة الاتصال بين الصين الشعبية والغرب بكل ما يحمله هذا الاتصال من آثار جيوبوليتيكية وسياسية داخلية، وهو الذي أنهى التورط الأمريكي في فيتنام بشجاعة القرار وبمرارة التجربة، وهو أحد مؤسسي خط الوفاق الأمريكي السوفييتي، الذي فتح أبواب تغيير العلاقات الدولية على مصراعيها، كما كان له تأثير بالغ على النظام الاقتصادي العالمي، فضلاً عن أنه يعتبر واحداً من أكبر مهندسي السياسية الخارجية الأميركية ومن أبرز مفكريها، وذلك بفضل خبرته الطويلة في العمل السياسي الخارجي قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وبفضل قدرته على توظيف مجموعة من كبار المفكرين والخبراء الاستراتيجيين كمستشارين له أثناء رئاسته.
لمحة عن شخصية المُترجم
وهو المشير أبو غزالة تخرج من الكلية الحربية في عام 1949، وشارك فى ثورة 23 يوليو 1952 إذ كان واحداً من الضباط الأحرار، كما شارك فى حرب 1948 وكان حينها طالباً بالكلية الحربية، بالإضافة إلى حرب السويس وحرب أكتوبر وكان أداؤه متميزاً، لكنه لم يشارك فى حرب 1967 إذ كان بالمنطقة الغربية وانقطع اتصاله بالقيادة، وشارك بحرب أكتوبر عام 1973 بكونه قائداً لمدفعية الجيش الثاني، حصل على إجازة القادة للتشكيلات المدفعية من أكاديمية ستالين بالاتحاد السوفيتي سنة 1961، كما تخرج من أكاديمية ناصر العسكرية العليا بالقاهرة، وحصل على درجة بكالوريوس التجارة وماجستير إدارة الأعمال من جامعة القاهرة، وتدرج فى المواقع القيادية العسكرية، حتى عين مديراً لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ثم وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي، وقائداً عاماً للقوات المسلحة فى عام 1981، وترقى إلى رتبة مشير في 1982، ثم أصبح نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي وقائداً عاماً للقوات المسلحة في 1982، وحصل على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات والنياشين.
وأخيراً أنصحك باقتناء وقراءة هذا الكتاب بتمعُن شديد، ومن المهم أن نتعرف على أفكار خبرائها ومسؤوليها خاصة وإن كان حديثهم يدور حول مستقبل العالم، لعلنا نتعلم أيضاً كيف نحقق نصر بلا حرب كما تفعل أمريكا الآن فى بقاع عدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق