الصراعات والوئام في زنجبار - ذكريات علي بن محسن البرواني
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
ذاكرة أمتي، بمداد عالمها البرواني
مقتطفات من تصدير المترجم أ. د. السيد عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر
أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية بالبحرين
قد أطمح في أن يشاطرني السواد الأعظم من قراء السفر الذي بين أيدينا الموسوم (الصراعات والوئام في زنجبار: سيرة ذاتية)، بمجرد تصفح فصوله الأولى، بل سطوره الأولى، أنهم أمام مؤلف بقلم شخص تجري في عروقه دماء الإسلام بروافدها العربية والإفريقة والإنسانية المتناغمة، ويحمل في ضميره وقلمه هموم أمته العربية الإسلامية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويقدم عبرة ثرية لم نكن في أي وقت مضى بمثل ما نحن عليه الآن من حاجة إلى بناء الوعي بها وتمثلها، ورؤية حاضرنا ومستقبلنا على هدى منها.
وقد لا أقع في ضوء ذلك في أي قدر من المبالغة، أن قلت أن هذا الكتاب الذي من الله تعالى عليه بتعريبه، على أمل إتاحته لمن هم أولى به من غيرهم، من أبناء أمتنا العربية الإسلامية، هو بمثابة بوصلة نابعة من القبلة الإسلامية الإنسانية الجامعة، وهو في الوقت عينه دليل عليها، ومفتاح لمشروع بحثي واسع الأفق ومتعدد المحاور والمداخل.
وشعرت بأنني صرت مملوكا لرباعية، ضلعها الأول هو: التيسير من الله تعالى لي على نحو فريد لإنجاز مهمة الترجمة. وضلعها الثاني هو: الملازمة لموقع التلميذ المتعلم من دروس النموذج الذي يقدمه المؤلف. وضلعها الثالث هو: الحزن على ما ألمّ ولا يزال يلم بأمّتي من محن، بينما تعم الغفلة قطاعات عريضة منها، بين حدي المبالغة في حسن النية، والنزعة الفردية المبنية على وهم البعض بأن بوسعهم أن يتجنبوا حياة الضنك، ويعانقوا الحياة الطيبة، ويتأهلوا للإرتقاء في الأسباب، ولأن يأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولأن تفتح عليهم أبواب الخيرات من السماء والأرض، من أي باب غير التماهي مع هوية أمتهم الواحدة الشاهدة غير القابلة للتجزئة، وتحصينها والتحصن بها. والضلع الأخير هو: مزيد من الإيمان بأن لا مخرج لأمتنا مما تردت فيه غير عملية تنشئة إسلامية، تقوم على تخلية عقل الأمة من الأوهام والمغالطات، وعلى التحلية بشحنه مجددا بمنظومة قيم التوحيد الإسلامي. وتجلي الدراسة التي بين أيدينا الخطوط العريضة لتلك التخلية والتحلية، وترسم معالم الضوابط والمعايير التي تحتاج أمتنا إليها في مواجهة ما أصاب فكرها النابع من تكلس، وما أصاب فكرها الوافد من سيولة وقصور في الانتقاء والتمحيص، وما تناهب خطط الإصلاح الإسلامية، الإنسانية الأفق ، الجادة، من تحديات ومحاذير.
وهكذا وضعني المؤلف رحمه الله، ومعي القارئ، ليس أمام زنجبار بمقاييس الجغرافيا، بل أمامها بمقياس الهوية الجامعة، وكأنها عينة دم يحلل من خلالها طبيب ماهر على نحو فريد، حالة أمته، ويستخلص سننا إلهية كونية لا زمانية ولا مكانية بخصوصها، ويحدد وصفة تعافيها واستعادتها لمكانتها ولدورها السرمدي في نشر السلام فيما بين شعوبها من جهة، وفيما بين شعوب العالم قاطبة من جهة أخرى.
أما ما أقدمه في هذا التصدير فهو مجرد إطلالة خاطفة على ثلاثية: القضية المركزية للدراسة، ونواتها، ومفاصل الخيط الفكري الناظم لها، على أمل تسويغ دعواي التي عنونت بها هذا التصدير بأنه ذاكرة أمة بقلم واحد من أنبه علمائها، كان وسيظل بفكره عالم أمة.
أما القضية المركزية للدراسة فهي: الحالة المتردية لأمتنا والمخرج منها. وتنطلق الدراسة هنا من الحالة الزنجبارية مستدعية لماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها. وهي، للأسف، تقيم في هذا السياق الحجة على الأجيال الأخيرة من أمتنا بأنها درجت على سباعية ممقوتة. فهي لا تتعلم من ماضيها. وتلدغ من الجحر الواحد أكثر من مرة. وتغرق في حسن النية كثيرا إلى حد لا تأخذ معه بالأسباب. وتتغافل عن سنن التدافع بين الخير والشر. وتتمادى في تقليد الغير رغم تحذير الله ورسوله لها من مغبة ذلك، ورغم مرارة عاقبة سوابقه. وتترك للغير أمر كتابة تاريخها بما يحرمها من وضوح الرؤية. ولا تنقب بنفسها عن زاد نابع من أصولها الفكرية الصحيحة، ومن مرجعية معطيات بيئتها.
ويخلص المؤلف بعد وصف هذا الداء العضال إلى أن أمتنا بحاجة إلى مراجعة جادة لكل هذه المثالب، إن هي أرادت التأهل لحمل أمانة الخلافة بأمر الله في الأرض من جديد. ويبشرها رغم كل ما ابتليت به، بأنها بخير. فلديها إمكانات ومكنات ظاهرة وكامنة هائلة للتوبة النصوح، وللعودة الحميدة إلى الوضعية الصحيحة التي تصير معها خير أمة أخرجت للناس، محصنة من الفتنة في دينها، ومخرجة للبشرية مما تردت فيه من خواء أخلاقي وقيمي.
وأما نواة الدراسة فهي مجرد حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل ضمن قضية الأمة، بل الإنسانية، السالف بيانها. موقعها الجغرافي هذه المرة هو جزيرة إسلامية في محيط. وبطلها هو مفكر عربي مسلم يجسد بالدماء التي تجري في عروقه، وبطبيعة فكره وسلوكه، عمق البعد الإسلامي الجامع الذي لا يحقق كرامة الإنسان ولا يكفل حريته بحق، ولا يؤسس أي ناظم عمراني غيره، وئاما تقام به جنة الله على الأرض، وتحفظ به الأمانة التي حملها الإنسان وأشفقت السماوات والأرض والجبال منها، بعدل وإحسان، لا موضع معه للظلم ولا للجهالة.
والمتعاركون في هذه الجولة أربعة هم: مفهوم الأمة بأفقه الإنساني السامي، ومفهوم القومية بدركاته الطائفية والعرقية، وبقزمية مفهوم الحق والواجب في إطاره، ومنظومة القيم الإسلامية في مقابل الأيديولوجيات والعقائد السياسية التي ولدت من رحم الصراع بين الدولة والكنيسة والمجتمع في العالم الغربي، التي لا علاقة تذكر بينها وبين ما كانت عليه بيئتنا الإسلامية. ومع ذلك تبناها فريق من النخب في عالمنا الإسلامي، واستبدلوا بها وهي الأدنى، قيمهم وتراثهم الأصيل الذي هو خير. وفي محرابها ضحوا بكل شئ، وخرجوا صفر اليدين، بعد أن دمروا البشر والحجر والزرع والحيوان.
والقارئ مدعو في سياق هذه القضية وتلك النواة إلى التفكر في معطيات الرؤية الكلية الإسلامية كما تبلورت في عقل ووجدان المرحوم الشاعر والمفكر والسياسي علي محسن البرواني العربي الزنجباري، العائد في أصوله الأولى إلى جذور عمانية، الذي تجري في عروقه دماء عربية وإفريقية متعددة الروافد. وتسكن في روحه وفي سويداء عقله وقلبه، أصالة إسلامية نقية، المولود عام 1919، والمتوفي عام 2006.
"يتبع"
2
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
ذاكرة أمتي، بمداد عالمها البرواني
مقتطفات من تصدير المترجم أ. د. السيد عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر
أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية بالبحرين
وبعد محن لا يطيق الصبر عليها إلا أصحاب العزم من البشر المتسلحون بهويتهم الدينية الصحيحة، وبإيمانهم بأن النفعية السياسية العابرة إلى بوار، وأن القيم الإسلامية الأخلاقية هي الباقية، ينتزع المؤلف ممن انقلبوا على أعقابهم اعترافا بأنهم ركبوا الجواد الخاسر، بينما يجد هو نفسه صاحب عصارة عبقرية فذة في الطفولة والشباب، وفي اليسر وفي العسر معا، وفيض حكمة تتناغم فيه بوضوح استقامة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، مع التغذية الصحيحة لها بطيب العلم الديني والدنيوي، وفي يده ثمار يانعة لعطاء خالد من:اهتداء عشرات الأشخاص على يديه إلى الإسلام، وهو في غياهب السجن، إلى ترجمة تفسير قرآني يراه معبرا عن الوسطية الإسلامية من العربية إلى السواحيلية، إلى كتابة هذه المذكرات التي بين أيدينا التي يرسم فيها معالم حالة الأمة، والمخرج منها إلى رحاب استعادة الوضعية اللائقة بها بوصفها الأمة الواحدة الشاهدة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.
ومن يقرأ مذكرات مفكرنا علي محسن البرواني هذه، يلمس بكل قوة في كل سطورها صراحة وضمنا، حرصه رحمه الله على أن لا يقع قارؤه في فخ الإعجاب به إلى حد يستحضره معه شخصا، على حساب الفكرة. فهو على الدوام يؤكد أنه إنسان عادي جدير بأن لا يستهان به وبأن لا يبالغ فيه ، تسللت وساوس إلى نفسه حينا، ووقع في تفكير صبياني حينا آخر، وتردد في حياته بين اليسر والعسر، وبين النجاح والفشل، وعرف وفاء الصديق، كما عرف نكوص بعض من توسم فيهم الخير على أعقابهم، ووجد الصالح والطالح في المنشط والمكره. وعشق الحرية، وعرف إيثار غيره على نفسه، وابتلي بالاتهام بما ليس فيه. وكره العزلة وأجاد اصطناع الأخوة والصداقة، في كل وضع وجد نفسه فيه، حتى في السفر العابر. وتأسس ما حصله من علم وخبرة على معطيات بيئته، وكانت تنشئته في بيئة دينية منفتحة ومتسامحة هي حجر الأساس في صموده أمام خطر الغرور بالنجاح، وأمام خطر اليأس أمام صولات الدهر ونكباته.
يجد القارئ نفسه وجها لوجه مع إضاءات معرفية ملهمة، حول ثلاث من أهم نكبات الأمة الإسلامية المعاصرة، متشابكة فيما بينها، ومنسوجة مع سوابقها. أولاها: محاربة الإسلام بالعبث بلغات أساسية في العالم الإسلامي، بفك عرى التواصل بينها وبين اللغة العربية. ولم يكن العبث باللغة السواحيلية وفض عرى الصلة بينها وبين الإبجدية العربية، وتجريدها من أصولها العربية والإسلامية، هو أول سابقة من نوعها للعبث بلغات رئيسة بالعالم الإسلامي. فما حدث للغة التركية مواكبا لإلغاء مؤسسة رأس الخلافة الإسلامية على يد كمال أتاتورك هو فعل مماثل حذو القذة بالقذة.
أما النكبة الثانية التي كانت الأولى إحدى وسائل تصنيعها، فهي ضياع زنجبار بعد التأسيس لجعلها نموذجا يحتذى، لدولة ذات نظام إسلامي يقوم على نبذ كل النواظم التفريقية المفتعلة بين البشر، ويعبر عن توجه إسلامي لتجاوز العدل في التعامل مع الغير إلى رحاب الإحسان، وإعطاء الآخر ما هو فوق حقه، والقبول منه ببعض واجبه.
فهذا الحدث الجلل أتى بعد سلب الأندلس ومن بعدها فلسطين فيما لو اكتفينا بالمحطات الكبرى، وغضضنا الطرف عن ابتلاع الاتحاد السوفيتي السابق لأسيا الوسطى، على سبيل المثال.
والعجيب أيضا في تلك الحالات الثلاثة هو قلب الطغاة الصورة الإدراكية، وتصوير ما حدث على أنه تحول صوب ما ينبغي أن يكون، من منظور القوى المستهدفة للمكون الإسلامي والمشوهة له، مع تجميل صورة الجلاد، وتقبيح صورة الضحية، ومشاركة فريق من بني جلدتنا في ذلك الإفك المفترى، عن عمد بقصور في الرؤية وانعدام للبصيرة تارة، وبجهالة أو جهل تارة أخرى.
ولباب هذه النكبة هو حركة إفساد في الأرض بعد إصلاحها،لا تزال حلقاتها الدموية والغادرة تتواصل منذ منتصف ستينيات القرن العشرين. بيت لها بليل، وبلغت أوجها على يد قادة الانقلاب الدموي الذي أزال زنجبار من خريطة الدول القومية المعترف بها والمتمتعة بعضوية منظمة الأمم المتحدة، بعد أقل من شهر واحد من إعلان استقلالها، مع استكانة كل الدول الإسلامية لهذا التحول وقبولها به، والذي هو دليل على غلبة الانتهازية السياسية النفعية على الاعتبارات الأخلاقية، وعلى غياب الرؤية الاستراتيجية والبصيرة في أوساط أنظمة الحكم في عالمنا الإسلامي في عصر ما بعد الاستعمار التقليدي.
وهذا الحدث الذي أزهقت به ألوف الأرواح المسلمة من الشيوخ والنساء والأطفال العزل، وزج به بمئات، بل ألوف الشرفاء الأبرياء، في غياهب السجون من بينهم مؤلف الدراسة التي بين أيدينا، وصودرت به ممتلكات وأوقاف خيرية، وتحولت به دولة إسلامية واعدة إلى كيان تعيش معظم فعالياته الفكرية بين جدران السجن، أو القهر تحت كابوس الاعتقال بلا محاكمة، أو العيش في المهجر، لم يكن مرة أخرى هو الحدث الأول من نوعه.
فالموقف ممن أسمته أوربا: رجلها المريض، والمصادرة الأوربية على طموحات محمد علي، وتتويج ذلك في منتصف عشرينيات القرن العشرين بقضاء أتاتورك على الخلافة التركية، وما أحاط بصنيعه بالخلافة من غموض وقلب للحقائق، في الأوساط الإسلامية، بلغ حد الظن أنه مصلح لها، وما سمي:الثورة القومية العربية ضد الحكم التركي. وما تمخض هذا كله عنه من انفراط عقد العالم الإسلامي، وصناعة مبضع سايكس بيكو، وتمزيق نسيج أمتنا، وغرس الكيان الصهيوني في المفصل الأفروأسيوي الإسلامي، والموقف تجاه ما كان قد تبقى من أراض فلسطينية لم تحتلها إسرائيل حتى عام 1967 ليسا إلا نموذجين مماثلين لسقوط دولة زنجبار المسلمة.
وأما النكبة الثالثة التي عمقت سابقتيها، وعوقت إمكانية التخلص من آثارهما فهي: تجاوز أنظمة ما بعد الاستقلال للمدى الذي وصلت إليه قوى الاستعمار التقليدي ذاتها في مصادرة الحرية الدينية، وفي التضييق على حق كل أصحاب دين أو نحلة دينية في تنظيم شؤونهم الخاصة وفق مرئياتهم ومرجعيتهم الدينية، والمبالغة في انتهاك كل الحرمات لصالح ما يسمى: الأمن القومي وأمن الدولة، والتمادي في الاعتماد على أساليب الإدارة الغربية، وعدم التنقيب في تراثنا، ولا في واقعنا عن نظم نابعة لا تابعة، والتحرك باتجاه تعميق القابلية لاستدامة تعثرنا، والدخول في حالة الخواء الأخلاقي الراهنة، التي ترسم هذه الدراسة الجامعة معالمها، ومعالم المخرج الإسلامي منها.
"يتبع"
أشكرك أخي الخاطر
ولكن لدي إحساس بأنك أدرجت موضوعك في غير موقعه المناسب
للعلم فقط اسباب سقوط زنجبار كانت :
- الولاء والطاعة العمياء للأسرة الحاكمة آل سعيد لبريطانيا بحيث كانت بريطانيا هي الكل في الكل في زنجبار وفي المقابل بريطانيا زرعت بذور الحقد والكراهية في قلوب الأفارقة على آل سعيد والعرب
- الابتعاد عن اللغة العربية كلغة رسمية لزنجبار حالها كحال السواحلية بل كان العكس اللغة العربية لا يتحدثها سوى القله القليلة واصبحت اللغة الانجليزية والسواحلية هي اللغات الرسمية للزنجبار
- لم يكن هناك جيش زنجباري خالص من العرب والافارقة بل كان هناك شرطة تتحكم فيهم بريطانيا وهذا السبب الأعظم لخيانة بريطانيا لحكام آل سعيد
- لم يكن العمانيين أنفسهم يد واحده وكان بإمكان إخماد الثورة وذلك عبر تعاون العمانيين لإخمادها ولكن حصل هو العكس قامت قلة قليلة من الخونة العمانيين بإبلاغ عن أمكان توجد العمانيين للأفارقة الذين لم يقصروا في قتلهم شر قتله
وفي الختام لا أرى سوى أن أسرة آل سعيد في زنجبار أهملت شعبها وإنحازت لولاء والطاعة العمياء لتاج البريطاني والذي خانها من الخلف بعد ذلك
3
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
ذاكرة أمتي، بمداد عالمها البرواني
مقتطفات من تصدير المترجم أ. د. السيد عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر
أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية بالبحرين
أما عن السؤال الأم الذي تنبثق منه الدراسة فهو: ما السر في استهداف زنجبار بالذات بالإضعاف قبل الاستقلال، وبالإزاحة من الخريطة السياسية فور الاستقلال؟ والإجابة بالمختصر المفيد: لأنها كانت رقما صعبا في معادلة الإسلام في إفريقيا، وفى الترابط بين العروبة والسياق الأفروأسيوي المنبثق من تلك المعادلة.
وسيرى القارئ كيف مثلت زنجبار بؤرة للترابط بين أسيا وإفريقيا، وكيف امتزجت فيها من أقدم العصور، دماء من كل أرجاء العالم، وكيف استوت فيها الوسطية والتسامح الإسلاميين على سوقهما، جنبا إلى جنب مع دور قوى الداخل والخارج المضادة، في نقض هذا المركب الحضاري، وفي تفكيك عراه.
فزنجبار احتوت على خميرة إسلامية فاعلة عبر تاريخها، وقيض الله لها، في لحظة ما قبل الكارثة، نخبة مثقفة صاحبة نية وبصيرة، فرضت استقلالها، وانفتحت على مصر خاصة، وعلى العالم بوجه عام. وعنيت بنشر المعرفة في دول الجوار قدر عنايتها بنشر المعرفة داخل حدودها. ونسجت منوال نظرتها إلى بلادها، وإلى الخارج، لا على أنها نخبة ببلد يمثل نقطة بالغة الضآلة في محيط، بل على أنه قلب كيان حضاري جامع ضربت جذوره في عمق التاريخ. وامتدت فروعه من قلب إفريقيا شرقا إلى قلب الهند غربا. وحملت تلك الصفوة في أحشائها حلما واعدا فيما لو أتيحت لها الفرصة، بإقامة نموذج حضاري قدوة يتخطى أثره زنجبار إلى البر الإفريقي وإلى قلب أسيا. وتناغم خطابها مع أفعالها في الداخل والخارج. ووجد خصوم التمكين لتلك المعادلة أن إجهاض تلك التجربة في مهدها وبالقوة قضية وجود بالنسبة لهم.
وسيجد القارئ نفسه في مواجهة هذه الأسئلة عبر عدسة الحالة الزنجبارية، أمام بلد كثر علماؤه، وتفانى بنوه في طلب العلم وفي الجمع بين العلم والعمل، وتشكلت لديه نخبة واعية ذات بصيرة. ومع ذلك سيقف حائرا مثلي أمام تهاوي هذا كله وبسرعة مذهلة أمام مكر قلة منظمة معادية لا خلاق لها، وعلى نحو قلب الموازين في غمضة عين، وجرد الحق مما بيده من أسلحة باطراد وثبات مذهلين. وسيجد القارئ نفسه مذهولا أمام القبول، أو قل السكوت والتعاطي السلبي تجاه من استهدفوا تلك التجربة، على نحو أتاح الفرصة واسعة أمامهم لتبديل حال زنجبار وقلبها رأسا على عقب.
إلا أن سؤال العاقبة، أو خلاصة كشف الحساب، المهم في نظري هو: من الذي امتطى الجواد الخاسر ؟ الصفوة التي كان المؤلف في موقع القلب منها التي كان مصيرها في الظاهر هو الإبعاد من سدة الحكم إلى غياهب السجون، والشتات خارج زنجبار، والخوف والقتل البطئ على حد تعبير المؤلف داخل تنزانيا؟ أم من يسمون قادة الثورة القابعون بمراكز السلطة منذ عام 1964 حتى الآن، وإن اختلفت أشخاصهم؟.
على صعيد هذا السؤال انتزع المؤلف اعتراف واحد من رموز الثورة، بأنهم كسبوا جولة وخسروا أنفسهم وأهليهم، وكانوا وبالا على أمتهم. فلقد التهمت نيران ذلك الانقلاب الدموي الغادر، القائمين به، وبأيديهم، كواحدة من سنن الله تعالى الكونية في عاقبة المفسدين في الأرض.
سيقف القارئ والباحث أمامها مطولا، مهما كان حظه من المعرفة بحالة أمتنا والإنسانية. أما تلك الصفوة الزنجبارية المبتلاة، فهي بتقديري جديرة بقراءة واعية لنموذجها بكمالاته ونواقصه، في ترتيبات ما قبل الاستقلال، وفي سلوكياتها في كل المواقف التي عصفت بها، وبالأخص تمثل دعوة زعيمهاعلي محسن البرواني. لعدم جدوى مناهضة الاستعمار والتخلص من القابلية للاستعمار بأساليب من صنعه. فحرية أمتنا لن تصنع بالمظاهرات، ولا بالكتابة في صحف الغرب، ولا بالوقوف وراء الميكرفونات وإغراق العقل المسلم بالشعارات والأماني. طريق الحرية هو التنشئة الحضارية الإسلامية الجامعة. ومفتاحها هو: كتابة تاريخنا بماضيه وحاضره ومستقبله بأيدينا. والتنقيب في ذاتنا الحضارية عن وصف لدائنا، وعن وصفة للتداوي منه هو مطلوب أمتنا الأول.
يتبع"
07/02/2011, 11:21 PMعمان وطن الجميع
في صيف 1990 كان لي شرف الإلتقاء مع الراحل الشيخ علي بن محسن البرواني في منزله بمدينة "بورت موث" ببريطانيا بعد أن أنهيت دراستي الجامعية بالقاهرة وذهبت إلى هناك في جولة سياحية .. حيث يقيم ثلة من العمانيين الذين غادروا زنجبار بعد الإطاحة بالحكومة التي كان يرأسها آخر السلاطين العمانيين هناك "السلطان جمشيد".
حيث كنت برفقة الراحل الشيخ سالم الريامي "شيخ" العمانيين هناك .. وقد وروى لي الراحل "البرواني" عمليات الإبادة والتنكيل التي تعرض لها العمانيون هناك على أيدي الأفارقة أبان الثورة التي إجتاحت زنجبار في بداية الستينات من القرن الماضي...حيث كان المرحوم يرأس إدارة الإعلام في حكومة "السلطان جمشيد "قبل مغادرتهم زنجبار بشكل نهائي والإستقرار في "بورت موث".
وكم سعدت حينما سمعت عن هذا الكتاب الذي تتناولونه حاليا في هذا الطرح وأتوق لإقتنائه .. لأن مثل هذه الإصدارات تتيح للأجيال معرفة ما سطره الآباء وكذلك ما حل بهم من مصائب فمن تاريخهم نتعلم.
فكل الشكر لطارح الموضوع.
السيل الهادر نعمل جاهدين على وصول الكتاب إلى المعرض
قائد الشرق آه لو تعلم ما عاناه السادة البوسعيديون من جهاد للحفاظ على الوطن لأعطيتهم حقهم. لقد كانت الإمبراطورية العمانية سيدة الشواطئ الشرقية للمحيط الهندي. ولم يرض الأوروبيون أن يتحكم العمانيون المسلمون على الطريق إلى الهند. فكان التقسيم. ثم كانت رغبة المستعمرون في القضاء على الإسلام في أفريقيا، فكان محاربة العرب وتشويه سمعتهم لأنهم عماد الإسلام.
أرجو منك الصبر ومتابعة ما يرويه لنا المؤلف لتتكشف لنا الحقائق.
عمان وطن الجميع شكرا على مداخلتك. للتوضيح فقط، فإن الشيخ علي بن محسن البرواني كان آخر مهامه في حكومة جلالة السيد جمشيد وزيرا للخارجية. وقد شغل قبلها مناصب وزارة الداخلية وأيضا التعليم. ولم يرأس يوما إدارة الإعلام.
أشكر الجميع على مساهماتكم القيمة
08/02/2011, 09:28 AMجداول
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة monster99 مشاهدة المشاركات
أشكرك أخي الخاطر
ولكن لدي إحساس بأنك أدرجت موضوعك في غير موقعه المناسب
أخي مونستر99
أين تقترح وضع الموضوع؟
08/02/2011, 02:21 PMجداول
نبذة عن المؤلف الشيخ علي بن محسن البرواني
هو شاعر وعالم ومفكر وسياسي عربي أفريقي مسلم
رائد حركة الوحدة الوطنية والإستقلال بزنجبار وزعيم الحزب الوطني
ولد في زنجبار في 13 يناير 1919 وتلقى تعليمه في زنجبار وجامعة مكيريري بأوغندا وتلقى تعليمه الديني من والده وعلماء آخرين في زنجبار
عمل في الحكومة كمهندس زراعي وكمدرس للزراعة في معهد المعلمين لخمسة أعوام
رأس تحرير جريدة "المرشد" رائدة الفكر الوطني بزنجبار لمدة خمسة عشرة عام
خدم كوزير للتعليم وللداخلية ثم للخارجية في الحكومة الديمقراطية المنتخبة قبل سقوط زنجبار في يناير 1964
قضى أكثر من عشر سنوات في معتقلات تنزانيا بدون محاكمة بعد سقوط الحكم الوطني الذي حرر زنجبار من الإستعمار البريطاني
هرب من تنزانيا إلى مصر بعد رفض حكومة نيريري منحه جواز سفر. انتقل للعيش في كينيا ثم الإمارات العربية المتحدة وأخيرا سلطنة عمان حيث انتقل إلى جوار ربه في 20 مارس 2006
له عدة مؤلفات مطبوعة باللغة السواحيلية والإنجليزية. منها الترجمة السواحيلية لـ "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" و"أسوة حسنة" عن السيرة النبوية في 1300 بيت شعر سواحيلي و"تعلم قراءة العربية" للقارئ السواحيلي و"دع الكتاب المقدس يتحدث" عن مقارنة الأديان باللغة الإنجليزية ترجمه بنفسه للسواحيلية، ثم أخيرا ذكرياته هذه "الصراعات والوئام في زنجبار" باللغة الإنجليزية
08/02/2011, 02:49 PMرفحاوي
الكتااب متوفر عندي
09/02/2011, 09:17 AMجداول
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
ذاكرة أمتي، بمداد عالمها البرواني
مقتطفات من تصدير المترجم أ. د. السيد عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر
أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية بالبحرين
ومن المفصل الأول على الخيط الفكري الناظم لهذه المذكرات، يضع المؤلف يدنا على أخطر داء أصيبت به أمتنا. فأمتنا بوضعيتي ما ينبغي أن تكون، وما يمكن أن يكون، هي أمة اقرأ ، التي هي معكوس الجاهلية التي كانت قائمة قبل الإسلام. ووحدة تلك الأمة واستقامتها رهن بتنشئتها على صحيح الوحي والعلم.
المفصل الثاني على هذا الخيط الفكري، متمثلا في ظاهرة غريزية يلتتقي فيها البشر مع الحيوانات، تتعلق باستئساد العناصر القوية على الضعيفة. ويبين لنا أن الأمم تتداول هذه الوضعية حسب قوتها وضعفها، وأن اليهود عانوا طويلا من داء استهداف قوى الغرب لهم واستضعافهم حتى عهد قريب، قبل أن يتخذ الغرب بالتعاون الوثيق معهم، من المسلمين هدفا لهذا الاستضعاف والتشويه حاليا.
المفصل الثالث على هذا الخيط الفكري الناظم لها الرابط بين استهداف الغرب للمسلمين وبين مسعاه لردهم عن دينهم. ويطرح المؤلف في هذا السياق سؤاله المهم : لماذا إصرار الغرب على استهداف المسلمين وعلى تلمس كل السبل المؤدية إلى استضعافهم؟ والإجابة العميقة التي يقدمها، هي أن: المسلمين أمة أبت الارتداد عن دينها، واستعصت على الاستعمار، وتمسكت بعزتها
أما المفصل الرابع على هذا الخيط الفكري الناظم، فيتعلق باستهداف الغرب والإرساليات الغربية للغة السواحيلية، بغية فك ارتباطها الوثيق باللغة العربية وبالإسلام. فاللغة السواحيلية كانت قناة وصل بين لغات البانتو والعربية، ومن ثم بين الشعوب الناطقة بها والإسلام، وكانت تكتب بأبجدية عربية، ويزيد عدد المفردات العربية الأصل في قاموسها عن النصف.
ونأتي هنا للمفصل الخامس على هذا الخيط الفكري الناظم، متمثلا في النكبة التي حلت بمجتمعاتنا في عصر ما يسمى: الاستقلال وما بعد الاستعمار التقليدي، من جراء الإصابة بفيروس الاشتراكية المولود في الغرب بالصراع، والناذر نفسه للصراع، والمناهض لفطرة الإنسان بمعاداة الدين والأسرة والملكية الخاصة، والرامي وفق مثاليته إلى العودة بالبشرية إلى حالة ما قبل الدولة.
ينتقل المؤلف بنا إلى المفصل السادس المعني بالتعليم والتعلم ، مبينا أن مكانهما ليس هو المدرسة فحسب، بل الحياة. فهو معلم متعلم رفيع في السجن، ينفتح على دراسة الأديان المقارنة، ويجلي للقلة غير المسلمة من النزلاء عبقرية الإسلام وتهافت الخطاب الكنسي، ويفاصل بينه وبين حقيقة الكتاب المقدس. وعلى يديه، وبالنموذج العملي قبل الكلمة يهتدي عشرات الأشخاص إلى الإسلام
المفصل السابع على هذا الخيط الفكري الناظم، المتعلق بتنبيه الأمة إلى مسألة كانت هي السابقة في التأكيد عليها، ولكننا لم نكن خير خلف لسلفنا. فغفلنا عنها وضيعناها، ولانزال. تلك هي حقيقة أنه رغم الأهمية القصوى لقلب العالم الإسلامي، فإن سلامة ذلك القلب رهن بتحصين ثغور الأمة.
أما المفصل الثامن فيتعلق بأهم عاملين في مقاومة الاستعمار في إفريقيا. ويبين المؤلف هنا أن الخبرة التاريخية تبرهن على ارتباط مصير تلك المقاومة بعاملين: الدور المصري بوصفه مصدر الإلهام، ودور أنساق المجتمع. فمع قوة هذين العاملين كان التخلص من الاستعمار القديم. ومع تردي هذين العاملين كان استئساد الاستعمار الجديد.
أما المفصل التاسع فيتعلق بوصف داء النخبة المتعلمة في عالمنا الإسلامي ووصف الدواء له. أما الداء فهو افتتان مؤسساتنا التربوية بشعار مخادع هو: الخريج الممثل للكمال عند تخرجه. وهذا الهدف خيالي، وهو ضار حتى على فرض إمكانية تحقيقه. فالحياة كالنهر الجاري، يستحيل العوم في نفس مياهه مرتين. فلا تقييم الخريج لمنحه شهادة التخرج ، ولا للحكم بصلاحيته للعمل، ينبغي أن يؤسس على مثل هذا الشعار، بل على مبدأ آخر هو: القدرة على تحقيق المزيد من الإرتقاء المتواصل بعد التخرج.
أما المفصل العاشر فيؤشر على أمرين: أولهما التحرر من وهم التحول من الزراعة إلى الصناعة، والافتتان بالذهب والعملات الصعبة ، واستهلاك أسوأ ما ننتج، لصالح تخصيص الأفضل للتصدير، في محاكاة سافرة لأسطورة لمسة ميداس، التي لم يخرج صاحبها من نشوتها المتمثلة في تحول كل ما تلمسه يده إلى ذهب، إلا لما لمست يده جسد ابنته فحولته إلى ذهب. فلقد استولى هذا الوهم على عقلية من صاغوا خطط التنمية الإقتصادية في بلادنا بمختلف صورها، في عهد ما بعد الاستعمار، وتقلبوا بها من إخفاق إلى آخر، لم تقم معه صناعة ولا بقيت زراعة، ولا روح إنسان.
أما المفصل الحادي عشر فيتعلق بابتلاء أمتنا بذهاب الشيوخ الراسخين في العلم وتشتيتهم، وظهور فئة من المعممين المتعالمين. ومع أن الفئة الأخيرة كانت على الدوام قلة يسيرة، فإنها هي الأكثر تنظيما والأعلى صوتا، والأقوى مددا ماديا ومعنويا ونفسيا، من قوى خارجية ذات مصالح في عالمنا الإسلامي. والأغلبية العظمى من الأمة تائهة ومغلوبة على أمرها.
أما المفصل الثاني عشر فيتعلق بوصف ونقض ما دأبت عليه أنظمة الحكم الثورية في عالم ما بعد الاستعمار التقليدي من تشويه صورة النخب الحاكمة من قبلها، ورمي خصومها بكل عيوبها من جهة، واجترار الصور النمطية التي شكلتها الإرساليات التبشيرية وحركات الاستشراق عن عالمنا الإسلامي، القائمة على اتهام العروبة والإسلام، والتزهيد في أي طريق للتقدم خارج النموذج الغربي وبمعاييره.
أما المفصل الثالث عشر فيتعلق بتزييف الغرب للمفاهيم. ويتخذ من بيان الكيفية التي ولد بها مصطلح الأصولية في الغرب دالا على فئة بعينها من المسيحيين المؤمنين بعصمة الكتاب المقدس، المتمسكين بتأويله الحرفي، والكيفية التي تم بها تحويله إلى مفهوم يتعلق بالتنطع والتعنت والتعصب الديني، ثم تحويله بهذا المعنى المحرف إلى مفهوم يشمل كل المسلمين المؤمنين بالوحي الإلهي وبعصمة القرآن.
وعلى المفصل الخاتم يبين المؤلف قيمة الحرية، ويصور لنا الكيفية التي هرب بها إليها من سجن تنزانيا نيريري الكبير، حتى في موقع لاجئ في مصر ثم في كينيا، وأخيرا في الخليج العربي. ويقدم كشف حساب دقيق وملهم لمنظمات حقوق الإنسان يضعها معه أمام مسؤوليتها عن هزال دورها بالقياس بحالة السجون في تنزانيا. ويهمس في آذان الأحرار في العالم أن يتكاتفوا في مواجهة ظاهرة الاعتقال الوقائي لأجل غير مسمى بحكم الواقع، أو بقوانين الطوارئ. فهو أبشع من الشنق.
ويراودني أمل كبير في إقدام نخبة ممن سيقرأون هذا الكتاب من باحثينا ومفكرينا على استلهام موضوعات بحثية منه ، والتعمق في سبر مقولاته، ومحاولة الإرتقاء إلى مستوى الطموح والتحدي المعرفيين اللذين يمثلهما على صعيد وصف حالة الأمة، وعلى صعيد رسم معالم طريق التنشئة الحضارية الإسلامية الحقة.
وربما يكون السر في أن المؤلف اقتصد في المقدمة التي كتبها لهذه الدراسة الهامة ، أنه يعي ويأمل في أنها ستكون محلا لقراءات مشاركة، ولمداخلات علمية عديدة، وستلد مبادرات ومقارنات ومقاربات فكرية عديدة. فلنتصفح معا هذه الدراسة الواعية.
السيد عمر
طحا نوب – مصر
الأول من ربيع الآخر 1432 هـ
يتبع"
09/02/2011, 08:31 PMجداول
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
ولدت من زمن سحيق، في عصر ما قبل التاريخ. هذا ما يعتقده أحفادي. ولا أستطيع الجزم بصحة التاريخ الدقيق لميلادي، لأنني لست أنا من سجله. فلقد ولدتني أمي وأنا لا أعلم شيئا، وأصابعي الصغيرة غائرة بشدة في كفي يداي في قبضة مخيفة علي الدوام، فيما يبدو استعدادا لمواجهة تحديات العالم الذي أقحمت فيه.
ولولا أنّ والدي دفع ثروة من المال، البالغ عشرين روبية (أي ما يعادل جنيها واحدا وعشر سنتات) للقابلة علي تعبها (الذي لايماثل في شئ آلام المخاض التي عانت منها والدتي)، لما كان لدي أي شاهد علي تاريخ ميلادي. فلقد أثبت والدي ذلك المبلغ في دفتر حساباته، إذ كان يحسب كل سنت ينفقه.
وما دام الأبناء يكلفونه مالا، فقد كان لزاما أن يسجلهم هم أيضا. إلا أن التسجيل كان وفق التقويم الهجري العربي، وهو يوم 24 ربيع الأول 1337 هجرية.
ومعنى ذلك، أنني ولدت في ذات الشهر الذي ولد فيه النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهو فأل طيب للغاية. أما يوم 13 يناير فلا فأل يذكر فيه. أما كيف توصلت إلي أن ذلك اليوم هو الموافق لتاريخ مولدي، فعبر البحث في السجلات المتاحة لدي مسجل الوثائق في دار الوثائق المعروفة بمامبومسيجي في شنجاني.
فلقد تعين علي استخراج جواز سفر عندما تقرر إلحاقي بالتعليم العالي في جامعة ماكيريري بأوغندا. واستلزم استخراج جواز السفر أن تكون لدي شهادة ميلاد تثبت: أنني ولدت ولم أسقط من السماء، بل لي والد ووالدة أنجباني، وأنني بفضل الله تعالي ولدت زنجباريا. وقام لي بمهمة البحث هذه صديقي السيد سيف بن حمود بن محمد صاحب المشية المختالة والطريقة المتفاخرة في الحديث، ونجحت بذلك في الحصول علي نسخة من شهادة ميلادي الأصلية، وأتصور كما لو أن ذلك قد تم بالأمس القريب.
ولأكون أكثر دقة أقول أنني ولدت يوم 13 يناير 1919. ففي ذلك اليوم، ولد غلام لمحسن بن علي وزيانة بنت سالم. والشخص الذي بلغ هذه المعلومة التاريخية الحيوية لحكومة صاحب الجلالة هو (أحمد محمد)، وهو الشيخ الراحل أحمد بن محمد ملومري الذي كان صديقا حميما لوالدي وزميل دراسة عند العالم الورع الشيخ عبد الله بن محمد باكثير.
ولا أعرف ما يعنيه رقم 13 للآخرين، ولكن هذا الرقم لاحقني فيما يبدو طيلة حياتي، ولم أحاول أبدا أن أتحاشاه. فلقد ولدت في 13 يناير. ومهما كان رأي الآخرين في هذا التاريخ، فإنني لا أجد مبررا للتشاؤم من يوم مولدي. وتزوجت في 13يونيو 1944.
وبصرف النظر عن كل المسرات والعثرات التي واجهتني، فإنني عشت خمسة وأربعين عاما من الحياة الزوجية السعيدة والمثمرة المفعمة بالحب. وفي يوم مولدي الخامس والأربعين، 13 يناير 1964 دخلت السجن، ومكثت فيه عشر سنين وخمسة أشهر. وحتى هذه الخبرة لا أعتبرها غير سارة. فلقد كان سجني مفيدا لي، ولغيري فيما أتعشم، ربما لأنني دخلت السجن في ذلك اليوم الميمون. وليس مرد قولي هذا أن السجن أتاح لي فرصة لتوسيع أفقي الفكري فحسب. بل الأهم من ذلك، أنه مكنني من فهم الشخصية الإنسانية ومن إجلال القدر الإلهي والتوجيه الإلهي. ومع أنني لم أكن أبدا متكبرا، فإنني تعلمت من سقوطي وسجني المزيد من التواضع والحب الحقيقي والعمل الخيري الحقيقي والتضحية بالنفس. وسمعت وعايشت أفعال الشجاعة والبسالة الحقة، التي لم تكن قصرا علي أي عرق أو أي مذهب بعينه.
وفي عام 1962 زرت المغرب بدعوة من حكومتها. كان ذلك بعد فشل مؤتمرنا الدستوري الأول في لندن. وهناك أديت صلاة الجمعة مع الراحل محمد سالم سيف المعمري بمسجد القيروان الذي يقول المراكشيون أنه أقدم من الأزهر بقرن كامل.
وفوجئت بإمام المسجد يعرج في خطبة الجمعة علي مأساة زنجبار، ويضع نضالنا في مصاف النضال الفلسطيني والجزائري النبيل. لم أتمالك نفسي. وانهمر الدمع من عينأي، إذ لم أطق أن نوضع في مصاف أولئك المجاهدين العظام من أجل الحرية. وسألت نفسي: ما الذي فعلناه حتى ننال مثل هذا الشرف؟ في ذلك التاريخ كان الشهداء الذي ضحينا بهم قرابة السبعين. وكأن تلك الخطبة بمثابة نذير بما سيأتي به المستقبل، بتلك المجازر التي حصدت ألوف الأرواح، وبالدمار التام الذي أصاب بلدنا العزيز تحت نير الغزاة.
وفي المؤتمر الدولي الإسلامي الذي عقد في لندن عام 1976 قال صديقي الحميم الدكتور مصطفي مؤمن ، في كلمة له أمام المؤتمر، أن المآسي التي عرفها التاريخ الإسلامي ثلاثة: طرد المسلمين من أسبانيا، والقضاء علي الخلافة العثمانية، وما سمي ثورة زنجبار عام 1964، التي ذبحت واغتصبت وسجنت الألوف، وصادرت الممتلكات بلا تمييز. تلك الكارثة أزالت زنجبار من خريطة العالم كدولة وكمركز للثقافة الإسلامية وللنفوذ الإسلامي في شرق ووسط وجنوب إفريقيا. وهنا غلبت عليه شجونه فلم يستطع مواصلة حديثه.
"يتبع"
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
الطائفية
تعودت الذهاب مع أصدقاء طفولتي إلي ضواحي مدينتنا لنختلس من حدائق الآخرين بعض المانجو والجوافة واللوز، وكل الثمار التي قد نجدها فيها، وإن كانت تلك العادة الصبيانية لم ترق لي كثيرا. وفي طريق عودتنا كنا نمر علي معبد بارسيي ، فيمرق رفاقي من أمامه بأقصى ما بوسعهم من سرعة، انطلاقا من أسطورة صبيانية تزعم أن البارسيين مغرمون بما يسمى: مومياني. ما تلك المومياني؟ لا أحد يعرف علي وجه الدقة. فالمزعوم به هنا أن البارسيين اعتادوا شرب دماء ضحاياهم الذين يغرونهم بدخول معبدهم. ولم أكن أؤمن بهذا الهراء علي الإطلاق، ولكنني كنت مضطرا لصحبة هؤلاء الرفاق، وكنت دائما أسير علي مهل وآتي في ذيل القافلة لدي هرولتهم قبالة المعبد.
وقصص المومياني تلك رائجة في كل أرجاء شرق إفريقيا. والمتهم بتلك الممارسة هم فرق الموت. وتلك الكلمة مشتقة من كلمة مومياء العربي، المتعلقة بالتحنيط. والحقيقة أن البارسيين أناس أبعد ما يكون عن مصاصي الدماء البشرية. بل هم طائفة في غاية اللطف وحسن السلوك والجدية في العمل. وذات يوم أم الحبيب عمر بن سميط كبير قضاة زنجبار سابقا، والعلامة الورع ، جماعة منا في الصلاة علي أرض المعبد حين حانت صلاة المغرب بينما كنا نشارك في حفل زفاف أحد أبناء عائلة تالاتي البارسية. ومن بين جيراني وأصدقائي من تلك الطائفة، الأخوين برويز وكيكي. وكان بارسيي آخر، هو روتي بالسارا زميلا لنا في الحزب الوطني الزنجباري، ورئيسا لتحرير صحيفة مملوكة له هي صحيفة: العدل والإنصاف، ومرشح حزبنا عن مدينة الحجر القديمة في الانتخابات الأولي التي أجريت عام 1957.
ومن قبلي كان شيوخ عائلة تالاتي أصدقاء لوالدي. ومن بين أقرب الأصدقاء لوالدي منهم رجل اعتدنا أن نناديه ب(بيشوري)كان يزورنا في بيتنا يوميا، وأتذكره بعلبة السعوط، وبزعمه أن استنشاق السعوط يقوي النظر، وهو ما لم يقم عليه دليل عندي، إذ كل ما كنت أراه أنه كان يجعله يسعل، وتنهمر الدموع من عينيه.
ولو أردنا أن نستقصي الأدلة علي سماحة الزنجباريين وانفتاح عقولهم فسنسود مجلدات. ومن هنا فإن تلك المشاعر المعادية لطائفة تمثل أقلية مثل البارسيين كانت قاصرة علي الأطفال. أما حين يشب الزنجباري عن الطوق، فإنه يستحيل، ما لم يكن في عداد الحمقى، أن يتهم أي إنسان بأنه مصاص دماء. وكانت كل الطوائف تعيش في وئام، والعداوة بينهم تكاد لا تذكر.
لقد أخطأت الحكومة الاستعمارية رغم خبرتها الواسعة في كل أرجاء العالم إلا أن تقبل رسميا بالفروق الطائفية إلي حد تمثيلهم في المؤسسات التشريعية. وجلب عليهم صنيعهم ذلك الاتهام باتباع المبدأ الروماني "فرق تسد". ومن أجل التصدي لهذه الممارسة الرسمية من جانب المستعمر تم إنشاء الحزب الوطني الزنجباري عام 1955.
وحتى ذلك الحين، امتلأ المشهد الاجتماعي السياسي بمنظمات من قبيل: الجمعية العربية، والجمعية الوطنية الهندية، والجمعية الإسلامية (المقصورة علي أنصار باكستان)، والجمعية الإفريقية، والجمعية الشيرازية، والجمعية القمرية، وجمعية حضرموت، وغيرها كثير.
أما البيض، وخاصة المسؤولين البريطانيين فكانوا يعلون علي كل تلك الجماعات المتفارقة، ويسودون عليها. فالبيض لهم ناد اجتماعي قاصر عليهم، وهو النادي الإنجليزي المطل علي البحر في شنغاني ونادي رياضي في منازيموجا، كان هو المحتكر الوحيد للعبة الجولف والتنس في زنجبار. وحين اقترح جورج مورينج آخر مقيم بريطاني في البلاد (المسؤول البريطاني الأعلي في البلاد)، فتح باب العضوية بالنادي للجميع بصرف النظر عن الجنس، انسحب الرجل الثاني في إدارته، باتريك روبتسون احتجاجا علي ذلك الاقتراح. حدث ذلك في وقت ما في عام 1961 أو عام 1962.
ولم يكن الخط الفاصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي محددا قبل عام 1955، بل كان الاجتماعي والسياسي متمازجين. ومن ثم لم يتجاوز السياسي إثراء المصالح الطائفية في ظل سيادة البيض الحصينة. وبذلك، أن الحزب الوطني الزنجباري فتح أرضية جديدة بكل معنى الكلمة. وحجته في ذلك أنه: إذا انشغلت كل طائفة بمصالحها، فمن يرعى مصلحة زنجبار والزنجباريين؟ ولم تكن زنجبار مفهوما غامضا، بل كانت كيانا صلبا ملموسا وقانونيا. وعليه كان لزاما أن يتحد جميع أبناء زنجبار في أمة واحدة لا تتجزأ بصرف النظر عن الجنس واللون والمذهب العقيدي، ضمن ما يسمى (الوطنية) والتي هي منقطعة الصلة بالعقلية المنغلقة والشوفينية. وهي بالعكس نابعة من نية منفتحة الأفق لاحتضان الشعب بكل أعراقه ومذاهبه، علي النقيض من تلك الجمعيات الطائفية الضيقة الأفق المشوهة بشبحها لما كان لولاها كلا متناغما. وبتعبير آخر، كانت دعوة الحزب الوطني إن كل الزنجباريين، أو بلغة القانون، كل رعايا سمو السلطان، يجب أن يتناسوا ما بينهم من فروق،، ويتكاتفوا معا في خدمة الصالح العام ورفاهية بلدهم.
فالمواطن الزنجباري أو رعية سمو السلطان هو شخص ينتمي لأي عرق، ولأي عقيدة، ولد في زنجبار (التي كانت تضم الشريط الساحلي الكيني حتى عام 1963)، أو كان من أصول زنجبارية، أو حصل علي الجنسية الزنجبارية وفق القانون. وكانت رسالة الحزب الوطني الزنجباري من بداية عهده بالوجود هي تحقيق الوحدة الوطنية. ولم تكن الغاية منه أن يكون حزبا من بين أحزاب أخرى لمجرد ترف التعددية الحزبية، وإيجاد ما قد يكون حكومة أو معارضة.
فلقد كانت هناك في الحاضر والمستقبل المنظور حكومة قائمة ترسخت أقدامها بطريقة أو بأخرى، وهي الحكومة الاستعمارية البيروقراطية المستبدة، يديرها ما يتراوح بين مائتين وثلاثمائة مسؤول مغترب، يمثل بقية الشعب، في الواقع، رعايا لهم، ومعارضة هزيلة بلا حول ولا قوة. وأراد الحزب الوطني الزنجباري أن يعطي لتلك المقاومة قواما وأسنانا. وليكون فعالا لزم أن يكون موحدا. فبالوحدة كان ذلك الحزب الصغير حديث العهد بالوجود قليل الخبرة، أصيلا ومتحمسا وصادقا.
وحين التقيت أنا وعبد الرحمن محمد بابو، بجورج بادمور ذلك الإفريقي من جزر الهند الغربية في بيت شرق إفريقيا بلندن عشية مغادرتي انجلترا عام 1955، قررنا بناء علي نصيحته، إنشاء حزب من هذا القبيل، بمجرد عودتي.
وغمرني سرور بالغ حين وجدت أن جماعة من الأفارقة من أصول شيرازية وإفريقية من البر الأفريقي قد أنشأوا ذلك الحزب بالفعل، وهم بلا ريب زنجباريون بالعرق وبالمواطنة. وفي غضون ستة أشهر اكتسبت عضوية الحزب رسميا، وصرت عضوا نشطا فيه. وكان من أنشأوا تلك الحركة أناس شيمتهم البساطة، ومعظمهم من القرويين.
وبدلا من مساندة الحزب الوطني الزنجباري الذي له برنامج محدد يرتكز علي تحقيق الوحدة الوطنية والتخلص من التمثيل علي أساس عرقي بهدف الإستقلال وإنهاء الحكم الاستعماري، فإن من يسمون المثقفون الإفريقيون فضلوا مساندة حزب الأفروشيرازي الذي هو حزب عميل أنشأه المستعمرون بمؤازرة قوية من نيريري. وعلة تأييدهم لذلك الحزب الألعوبة بيد المستعمر، هي أنه محل رضا الإدارة الاستعمارية، ومن شأن العضوية فيه أن تحبب رؤساؤهم في تلك الإدارة فيهم. لعل هؤلاء لم يتصوروا أن الحكم الإنجليزي لزنجبار سينتهي يوما ما. وكان الهدف الوحيد للحزب الإفروشيرازي هو التصدي آمال وأهداف الحزب الوطني الزنجباري .
وتضمن تقرير المشرف علي انتخابات عام 1957 بفخر النص علي مسؤولية مكتبه عن إنشاء الحزب الإفروشيرازي. وقال أن مكتبه والإدارة الإقليمية هي التي أوجدته، وأضاف قوله: "ومن ثم أنقذت زنجبار من حكم الحزب الواحد من نوع خطير معروف”. أما نائب المشرف علي الانتخابات الذي قام بمعظم ذلك العمل القذر فهو مايهيوز وكان مفوض مقاطعة تانجا في تنجانيقا وقد أعير مؤقتا إلى زنجبار لهذه المهمة. أما المسؤول الرئيس عن الإنتخابات فكان جون سترينجر. وبتحريض ودعم من هذين المسؤولين ومن جوليوس نيريري، الذي جاء خصيصا من دارالسلام، تم إنشاء الحزب الإفرشيرازي.
وهذا الحدث المهم الذي حدث عام 1957، كان هو الأداة التي أعاقت عجلة التقدم والتي انتهت بالإنهيار المأسوي عام 1964. وكان هو السبب في تعطيل حصولنا علي الاستقلال لأمد طويل، إلي أن صرنا ونحن الجديرون أن نكون أصحاب السبق، في ذيل القائمة. نحن الذين كنا الأكثر تقدما بين بلدان شرق إفريقيا، والدولة التي كانت لها حكومتها الوطنية علي مدى قرون. وإذا بنا بسبب أفاعيل ذلك الحزب نغدو كالثمرة التي سقطت تنتظر من يلتقطها.
إن الحزب الإفروشيرازي هو المسؤول عن مذبحة راح ضحيتها أرواح ثمانية وستين زنجباريا عام 1961. وهو المتسبب في كارثة يناير 1964، وفي فقدنا لعلمنا القومي، ومقعدنا في منظمة الأمم المتحدة، وإغلاق سفاراتنا بالدول الأخرى، وإنهاء المعونة التعليمية السخية التي كانت تحصل عليها زنجبار من مصر والعديد من الدول الأخرى. ثم إنه هو المسؤول عن محو الجامعة التي كان من المقررإنشاؤها في كوا ميتبورا في ضواحي مدينة زنجبار عام 1964.
بل هو السبب في كل التدهور الذي لحق بالتربية والتعليم والرعاية الصحية والاقتصاد وعن الهلاك المتفشي في البلاد علي مدى الثلاثين عاما السابقة علي كتابة هذا المؤلف. وأخيرا وليس آخرا، فإن ذلك الحزب هو الذي صادر كل ممتلكات الزنجباريين تقريبا، بما فيها تلك الموقوفة علي المساجد، وأعطاها لأجانب لأنهم شاركوا في المذابح الجماعية للزنجباريين، أو أعانوا عليها.
ومن الظواهر الطبيعية بين البشر والحيوانات أن ينقضوا علي طائفة صغيرة ويضحوا بها، لمجرد كونها لاتنسجم تماما مع الأعراف السائدة. وسبق لليهود أن طوردوا في كل بلد أوربي بتهمة صلب المسيح. ولم يوافق البابا إلا من عهد قريب علي تبرئتهم من قتل المسيح عليه السلام. والآن حلت إدانة المسلمين محل تبرئة اليهود.
وأصبح المسلمون الآن محل كراهية الغرب. واتخذت اللاسامية صورة جديدة. إنها هي الآفة ذاتها، ولكن الضحية هذه المرة هي المسلمون، الذين ينظر إليهم في الغرب علي أنهم غرباء غير قادرين علي التكيف مع طبيعة الأمور، وعلي انهم هم وليس اليهود هم الإرهابيون، ولا علاقة لهم بالتراث اليهودي المسيحي. وهكذا تتردد ذات الصورة النمطية التي نسجت خيوطها لتغذية آلة الحرب المضادة للنازية فالمسلمون ضحية للفاشيين الجدد المنتشرين في أرجاء أوروبا وأمريكا.
ومنطق هذا العداء أن المسلمين أقلية قابلة للبقاء وتنمو بشكل خطر، ويتعين بالتالي سحقها. وبما أنه قد ثبت استحالة تحويلهم عن دينهم، فإن البديل هو علمنتهم لبث الشكوك في أذهانهم في قداسة دينهم وقرآنهم. وإذا فشل ذلك البديل كما حدث في البوسنة، وألبانيا، والشيشان، وكل البلدان التي كانت تحت نير القياصرة والشيوعيين لعقود عديدة، فلا يبقى حل إلا إبادتهم.
"يتبع"
كل الشكر لك أخي العزيز جداول على طرحك (المفيد والجميل) هذا..
فكم نحتاج بالفعل لهكذا كتب وعناوين وأشياء أخرى، لتذكرنا ماقدمته الإمبراطورية العمانية التي كانت وما أفرزه السلاطين العمانيين من جهود مضنيه لكي يصلوا بعمان والإسلام الى تلك البقعة من العالم، ولولا الإستعمار البريطاني "الغاشم" والتدخل البغيض في الشئون الزنجبارية آن ذاك لما وصل الحال بتلك المأساه التي علمنا بها (فقط) في السنوات الأخيرة للتكتم الغريب من قبل الحكومه وحتى الإعلام العربي برمــته عن حيثيات الأمور التي وقعت لأهلنا هناك..:معصب:
عموماً نحن جميعاً نحتاج مراراً وتكراراً لهكذا كتب تفيدنا جميعاً وتحدثنا عن وقائع هي غائبة و يجهلها الكثير منا.
جداول ... بارك الله فيك و في سعيك ... إن شخصية الشيخ علي بن محسن من الشخصيات الفريدة التي حري بنا ان نعرف عنها وعن تفاصيلها ، واننا متطلعين لاقتناء الكتاب لما فيه من الفوائد وكشف بعض الحقائق التي تخص تاريخ زنجبار السياسي ، رحم الله الشيخ الجليل علي فلقد سعى في ترجمة تفسير المنتخب للقران الكريم والذي بسببه قد افاد الملايين من اهالي شرق افريقيا لاخذ الفائدة والتيسير لهم لفهم معاني القران ، وفي هذه الايام يكمل اخيه الشيخ عبدالله بن محسن هذه الاعمال الجليلة بسعيه لاتمام ترجمة صحيح البخاري ،، انها تنشئة والدهم الشيخ الفقيه محسن بن علي بن عيسى البرواني .. الذي قال فيه الشيخ سليمان العلوي حين دفنه .. "اليوم لا ندفن الشيخ محسن بن علي فقط ، اليوم ندفن علم الفقه في زنجبار" ..
7
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
الدين في مقابل العلمانية
شاركت في يونيو 1976 في حوار إسلامي مسيحي في جنيف برعاية وكالة الإرسالية العالمية، والبروتستانتية التابعة للمجلس العالمي للكنائس بجنيف، بالتشاور مع مؤسسة ليسستر الإسلامية ومركز سيلي اوك كوليدج لدراسة الإسلام والعلاقات المسيحية ببرمنجهام. ومثل كل طرف ستة رجال، وكنت أنا الوحيد من المسلمين الأفارقة. وقدمت دراسة بالمؤتمر بعنون: "خبرة مسلم عن الإرساليات المسيحية في شرق إفريقيا”.
وأثارت تلك الدراسة ونظيرتها المقدمة من الدكتور الأندونيسي راشد، تبادلا مثيرا وصريحا لوجهات النظر بين الجانبين. وكنتيجة لذلك اقترح أسقف نرويجي أن يعرب المسيحيون عن ندمهم عن الأخطاء التي ارتكبتها بعثات تبشيرية مسيحية بحق مسلمين. إلا أن الأسقف البريطاني كريج رد باقتراح أن يبدي الطرفين ندمهما، وهو ما اعترض عليه اسماعيل الفاروقي المقيم بالولايات المتحدة، الذي قال: " لماذا يتأسف المسلمون علي خطايا لم يرتكبوها؟”
وانتهي الأمر بتسجيل نتيجة هذا النقاش في بيان يحمل توقيع المشاركين جميعا، ويعتبر وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، لو أعار المعنيون -المسلمون والمسيحيون علي السواء - آذانهم لما احتوته من نصائح لجنبوا عالمنا الكثير من الويلات. وسأذكر بمحتوى هذا البيان ثانية في نهاية هذا المبحث.
مناقشة ورقتي
اعترض الأسقف كينث كريج بشدة علي إشارتي إلي نبوءة عيسى في إنجيل يوحنا التي يستشف منها البشارة ببعثة النبي محمد. وقال أن الجميع يعلمون أن البشارة كانت بمجئ الروح القدس، الشخص الثالث في الثالوث المقدس، وقال أنه ليس من حق المسلمين أن يفسروا تلك النبوءة علي أنها إشارة إلي محمد.
تركته يستشيط كما يحلو له. وفي النهاية ذكرته، بأنني " أعتقد أنه منذ القرن السادس عشر أرست حركة الإصلاح الديني مبدأ حق كل إنسان، وليس القساوسة وحدهم، في قراءة الكتاب المقدس وتفسيره. وأيا كان الأمر فإن المسيح عيسى بن مريم مقدس لدي المسلمين تماما كما هو عند المسيحيين، ولا يحق لأحد أن يدعي احتكار الحق في فهم تعاليمه".
وإذا استثنينا مقولات كريج، إلا أن بقية المسيحيين المشاركين في الحوار تأثروا بشدة بما كشفت النقاب عنه أنا والدكتور راشد بخصوص بعض الأنشطة التبشيرية المسيحية في شرق إفريقيا وأندونيسيا. ومن ثم اقترح الأسقف النرويجي أنه " في ضوء ما قيل عن الأنشطة التبشيرية في شرق إفريقيا وأندونيسيا، فإن علينا أن نسجل أسفنا، ونطلب العفو من الله تعالي علي تلك الأعمال المضادة تماما لروح المحبة المسيحية". وانتهي النقاش إلي التوافق علي تبني ذلك الاقتراح النرويجي، وأعرب المشاركون المسيحيون عن تعاطفهم الكامل مع إخوانهم المسلمين، بخصوص الأخطاء الأخلاقية التي ارتكبت بحقهم.
وفي فترة استراحة بين جلسات الحوار، تجولت مع الأسقف النرويجي، والأسقف البريطاني، والدكتور جون ب. تايلور. وانتهي بنا المطاف في مقهي، جلسنا به لتناول فنجان شاي. وطرح أحد الرفاق السؤال حول الفصل بين الكنيسة والدولة. وأجمعوا جميعا علي أن الإسلام لا يعرف الفصل بين الدين والدولة، وأن ذلك أعاق التقدم وتمخض عن صراعات لا مفر منها.
قلت لهم أنهم يتحدثون عن شئ لا وجود له في الغرب أيضا، لأن العلاقة بين الكنيسة والدولة جد وثيقة فيه، بل إن عراها أوثق من عرى العلاقة بين المسجد والدولة فيما يعرف بالدول الإسلامية. فردوا علي مقولتي بالرفض المطلق.
قلت لهم، أن الأحزاب الديموقراطية المسيحية في الغرب تحظى بنفوذ سياسي واسع. وليس بالأمر الغريب أن تكون هي الأحزاب الحاكمة، كما شهدت ألمانيا وإيطاليا.
رد رفاقي المسيحيون بأن كلمة "مسيحي”الكائنة في أسماء تلك الأحزاب لا تشير إلي الدين المسيحي، بل هي لمجرد التمييز بين تلك الأحزاب والأحزاب الأخرى كالحزب الاشتراكي الديموقراطي. صممت علي أن الأسماء تتضمن مؤشرات علي جوهر تلك الأحزاب. ولو كان المجتمع الغربي والعمل السياسي الغربي علماني بحق كما يقال، لوجب تحاشي المضامين الدينية. ثم إن اللقب الرسمي للعاهل البريطاني هو "حامي الدين". فأي دين؟ إن كنيسة انجلترا بالطبع والعاهل البريطاني ينتميان دستوريا إلي الكنيسة الرسمية. وأساقفة تلك الكنيسة هم بحكم مناصبهم الرفيعة أعضاء في مجلس اللوردات الذي هو أحد مجلسي البرلمان البريطاني، بل هو المجلس التشريعي الأعلي. وحتى عام 1858م لم يكن من المسموح به لغير المسيحي المعمد أن يكون عضوا بالبرلمان. ومنع روتشلد ثلاث مرات من أن يتبوأ مقعدا في البرلمان لكونه يهوديا رغم فوزه بالمقعد في الانتخابات.
ويخضع الملك في المملكة المتحدة للكنيسة، كما تجلي في إجبار الكنيسة الملك إدوارد الثامن علي التخلي عن العرش. فلم تجز أسقفية كانتربري زواجه من سيدة مطلقة، رغم أن القوانين العلمانية تجيز الطلاق، ولا تمانع في زواج المطلقة. والكنيسة، في هذا المثال، نقضت السلطة العلمانية، بل والسلطة الملكية.
وفي حين تحظى الأحزاب المسيحية بالقبول وتمنح تراخيص غير مشروطة للعمل، والإمساك بمقاليد السلطة، فإن ضغوطا دولية مباشرة وغير مباشرة تمارس من أجل منع وصول أي حزب في أي بلد إسلامي له ميول إسلامية صريحة أو محتملة، إلي السلطة. ومثل هذه الأحزاب تطارد وتقمع في أي مكان تحاول فيه أن ترفع رأسها بأي شكل من الأشكال. فالمسألة في الغرب ليست مسألة المسيحية في مقابل الأديان الأخرى، بل هي هي مسألة الكنيسة الرسمية التي تهيمن علي كل ما عداها. ولقد شهدت انجلترا قبيل اجتماعنا هذا في جنيف جدلا بشأن إمكانية تعيين كاثوليكي نائبا لرئيس هيئة الإذاعة البريطانية، خلفا لرئيس معين تابع لكنيسة انجلترا. واتخذت كل الإحتياطات لمنع حدوث مثل هذه السابقة.
وما دفع الآباء المهاجرون إلي الرحيل من ديارهم الإنجليزية، إلي هولندا، ثم إلي الولايات المتحدة، إلا رغبتهم في العيش في بلد يستطيعون فيها بوصفهم بروتستنات مستقلين، ممارسة شعائرهم الدينية دون القمع والاضطهاد الذي تعرضوا له من جانب كنيسة انجلترا الرسمية، بواسطة الحكومة. فصلوات الكنيسة كان يلزم إجازتها من البرلمان. ويهيمن الصليب علي علم كل من بريطانيا وأيسلندا والنرويج والدنمارك والسويد وسويسرا.
ويمثل الكرسي البابوي، بمجلس وزرائه وسفاراته، ونفوذه الواسع، واللامحدود علي الدول الكاثوليكية وغير الكاثوليكية حكومة أعلي من الحكومات يعلو نفوذها وسلطانها بشكل مباشر وغير مباشر، علي نفوذ القوى العظمى وسلطتها. فهل تتصور علاقة بين الكنيسة والدولة أمتن من تلك التي بينهما في العالم الغربي الآن؟ وخلاصة القول أن الكنيسة تحكم بسفور بالغ.
وخلاصة القول، أن الآصرة بين الكنيسة والدولة في كل بلد أوربي وأمريكي ومن يحذو حذوهم، قوية ولا انفصام لها. والبنات المسلمات في تلك الدول المسماة "علمانية" مثل فرنسا وبريطانيا تتعرضن للإكراه علي نزع حجابهن، بينما لا ينطق أحد بكلمة واحدة ضد لباس الراهبات المشابه له. وينعت المسلم بالأصولي، الذي يعني حاليا الشخص المتعصب، أو ما هو أسوأ: الإرهابي، لا لشئ إلا بسبب ملبسه أو بسبب ملبسها.
ولكن ذاك الحكم لا يطول الراهبات، أو أي رجل دين مسيحي، بلباسه الديني وبالصليب الكبير المتدلي من عنقه علي نحو لافت للنظر. وإن جاز التشكيك فيما حدث في الماضي، وإذا جاز لنا أن ننسى قرنين من الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش الأسبانية، وغزو الفلبين وأمريكا الجنوبية وتحويل سكانها الأصليين، عن دينهم بالقوة، والإحتلال البرتغالي القمعي لشرق إفريقيا وعمان علي مدى قرنين من الزمان، والمؤامرة ضد تركيا، التي أسموها "رجل أوروبا المريض”، وما تمخض عنه ذلك من إزالة الخلافة العثمانية، إذا قدر لنا بشكل ما أن ننسى هذا كله، أوَلا نرى بأم أعيننا ما يجري في أفغانستان وزنجبار والشيشان، والبوسنة، وما يحاك من مؤامرات لألبانيا؟
ومن بين ما جاء في هجوم روبرت موري الخبيث علي الإسلام في كتابه الموسوم" الغزو الإسلامي: مجابهة الديانة الأسرع نموا في العالم” نقرأ قوله "حيثما يصير الإسلام هو الديانة الغالبة في أي بلد، فإنه يغير ثقافة ذلك البلد ويحولها إلي ثقافة الجزيرة العربية في القرن السابع. وهذا هو السبب في الصعوبة البالغة لتحول المسلمين إلي أي ديانة أخرى. فالإسلام ينظم كل جوانب الحياة. والمسلم يطبق تعاليم الإسلام كفريضة عليه بصرف النظر عن المكان الذي يوجد فيه وعن رأيه فيه”.
وهنا يكشف الرجل عن خبيئة نفسه. ويظهر أمامنا الباعث الذي يحركه عاريا. فالدعوة إلي تلك الديانة الجديدة الفتاكة "العلمانية” ليس مردها البحث عن أي فضيلة متجذرة فيها، وإنما من أجل زحزحة المسلم عن الولاء للإسلام، علي أمل أن يصير ضحية سهلة للتنصير. إنهم يريدون أن يجردوه من أساسه وميزانه، ليفقد الدفة ويصير لين العريكة وسهل القياد. ومن المأمول به أن لا يكون الوقوع فريسة لهذا الهدف القصير النظر سائدا.
"يتبع"
12/02/2011, 09:52 AMجداول
بيـان السيـرة الذاتيـة والعلمية للمترجم
الاســـم : السيد محمد السيد عمر
الديـانـة : مسـلـم
الجنسيـة : مصرى
الوظيفة الحالية : أستاذ العلوم السياسية بقسم العلوم السياسية ، كلية التجارة وإدارة الأعمال ، جامعة حلوان .
عنوان محل الإقامة : طحا نوب - شبين القناطر قليوبية -جمهورية مصر العربية .
المؤهـلات الدراسيـة :
1- بكالوريوس العلـوم السياسيـة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة ، 1972 .
2- ماجستير العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة ، 1981 فى موضوع ( منازعات الحدود الدولية فى شرق أفريقيا العربية ) .
3- دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام 1991 فى موضوع ( الدور السياسى للصفوة فى صدر الإسلام ) .
4- دبلوم البنوك والاقتصاد الإسلامى – المعهـد الدولى للبنوك والاقتصاد الإسلامى بقبرص التركية ، 1984 .
5- الزمالة فى الاستراتيجية القومية من أكاديمية ناصر العسكرية العليا بالقاهرة – كلية الدفاع الوطنى فى موضوع ( المفاوضات العربية الإسرائيلية وآفاق المستقبل لأهم المشكلات السياسية لدول المنطـقة العربية ) عام 1994
الإنتـاج العلـمى :
1- المتغيرات العالمية والإقليمية وتأثيراتها على تفاعلات قوى الصراع العربى الإسرائيلى،القاهرة : :مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة ،أكاديمية ناصر العسكرية ، 2009.
2- بصـائـر منهجيــة فى التعامل مع التراث:إطلالـة على العطـاء المنهـجى للعلامة منى أبو الفضل،ضمن أعمال ندوة: قراءة في منظومة العطاء الفكري للدكتورة منى أبو الفضل:مشروع " قراءة في الفكر الحضاري لأعلام الأمة " ،القاهرة : مركز الحضارة للدراسات السياسية بالتعاون مع برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات،15-16/3/2009 .
3-الاتجاهات المعاصرة فى دراسة الأمن القومى،كتيب ملحق مجلة الدفاع السعودية ،ربيع الآخر1430 هـ-إبريل 2009 .
4- من الحرب العادلة إلى الحرب العابلة ، مجلة البرية السعودية،صيف 2009 .
5- الأنا والآخر في المنظور القرآني ، ضمن مشـروع :التـأصيل النظري للدراسات الحضاريـة : العلاقة بين الثقافة والحضارة والدين ، القاهرة ، برنامج حوار الحضارات ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،التأصيل النظرى للدراسات الحضارية ،دمشق :دار الفكر،2008 .
6- العبث بالمفاهيم ، دراسة نقدية فى الكتـاب والقـرآن لمحمد شحرور ، ضمن دراسة بعنـوان ( بـناء المفاهيم ، دراسـة معرفية ونماذج تطبيقية ) وسلسلة المفاهيم والمصطلحات ، الجزء الثانى ، القاهرة:دار السلام للطباعةوالتوزيع والترجمة،2008 .
7- دارفور:مكامن الصراع ومفاتيح الحل ، الخرطوم :الملتقى الشبابى العالمى للفكر والثقافة ،27-28/11/2008 .
8- الرؤية الكلية والتعامل مع الأمة الإسلامية ،ضمن فعاليات مؤتمر:الرؤية الكلية الإسلامية وانعكاساتها التربوية ،الزقازيق :كلية التربية جامعة الزقازيق ،مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة،13-14/4/2008 .
9- المؤسسة السياسية فى المنظور القرآنى،القاهرة : مركز الدراسات المعرفية، الموسم الثقافى يناير 2008 0
10- إدارة الأزمة والإدارة بالأزمة في عصر ما بعد الحرب الباردة :دار فور نموذجاً ،القاهرة :العالمية للنشروالتوزيع ،2007.
11- مداخل الإصلاح فى الأمة : جدالات السياسي والديني ، ضمن : أمتي في العالم ،القاهرة : مركز الحضارة للدراسات السياسية ، 2007.
12- توجيـه بحـوث التنشئة السياسية والاجتماعية فى الجامعات ،دراسة مقدمة لمؤتمر : توجيه بحوث الجامعات لخدمة قضايا الأمة ، القاهرة : كلية التربية ،جامعة الأزهر ، مركز الدراسات المعرفية ، 2007.
13- فى رحاب مشروع تأصيل المعرفة وتوجيه الجامعات والبحوث من منظور إسلامى ضمن فعاليات : الندوة الدولية لتأصيل المناهج الجامعية وتوجيه البحوث لخدمة المجتمع ،التى عقدت بالخرطوم ،برعاية وزارة التعليم العالى بالسودان ومعهد إسلام المعرفة والمعهـد العالمى للفكر الإسلامـى فى الفترة مـن27/8/2007-1/9/2007 .
14- الأمن القومي العربي ومتطلبات إعادة ترتيب العلاقة مع الحركات الإسلامية ، القاهرة:مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة ، أكاديمية ناصر العسكرية ، 2006.
15- التهديد وإعادة تشكيل الدور الإقليمي للمملكة العربية السعودية ،ضمن : أمتي في العالم ، القاهرة : مركز الحضارة للدراسات السياسية ، 2005.
16- الرؤيتان المعرفيتان للاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي،ضمن:مؤتمر الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد الوضعى : الفلسفة والنظام ،القاهرة : مركز البحوث والمعلومات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ،ومركز الدراسات المعرفية ، 2005.
17– التحديات السياسية العالمية والإقليمية تجاه منطقة الشرق الأوسط ،القاهرة:مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة ،أكاديمية ناصر العسكرية ، 2005.
18- التنشئة السياسية لدى مدرسة المنار ، مجلة النهضة ،القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، يناير 2004.
19-الوالدية والتربية السياسية للأبناء في ضوء الرؤية الكونية الحضارية الإسلامية ،مقاربة أولية في التأسيس المفاهيمي ، ضمن :ندوة :نحو والدية راشـدة من أجل مجتمـع أرشد ،كلية التربيـة بسوهاج ،جامعة جنوب الوادي ،ومركز الدراسات المعرفية ،مارس 2004.
20- النسق السياسي للأسرة في المنظور الإسلامي ، ضمن مؤتمر : واقع الأسرة في المجتمع :تشخيص للمشكلات واستكشاف لسياسات المواجهة ،كلية الآداب ، قسم الاجتماع ،جامعة عين شمس ، سبتمبر 2004.
21- الخريطة الإدراكية الراهنة للتعليم الدينى في السعودية ومصر ، حولية :أمتي في قرن ، العدد الخامس، الجزء الأول ، 2003 .
22- منهج القيم والأخلاق بين الوضعية والمعيارية ، ضمن : مؤتمر آفاق الإصلاح التربوى في مصر ، القاهرة :مركز الدراسات المعرفية ، وكلية التربية ،جامعة المنصورة ، اكتوبر 2003.
23-حول مفهوم الأمة فى قرن : نقد تراكمى مقارن ،ضمن : حولية ( الأمة فى قرن ) القاهرة : مركز الدراسات الحضارية ،2002 .
24- سياسات القوي الداخلية فى كشمير منذ عام 1947 ، ضمن :د.محمد السيد سليم ،د.محمد أبو عامود ، قضية كشمير ، القاهرة : مركز الدراسات الأسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،2002 .
25- الخريطة الإدراكية الأمريكية لإرهاب عصر العولمة ، شؤون خليجية ، صيف 2002.
26- السلام الصهيونى والدولة القومية ، مقاربة مفاهيمية ، ضمن: بحوث المؤتمر القومى الثالث بمركز بحوث التنمية التكنولوجية بجامعة حلوان المنعقد تحت عنوان ( المشروع الوطنى لتحديث الدولة فى إطار المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ) فى مايو 2001.
27- السياسة الخارجية الإيرانية فى عهد الرئيس خاتمى ، مجلة شئون خليجية ، العدد 25 ربيع 2001 .
28- الأهمية الجيوستراتيجية للعالم الإسلامى ( مقاربة مفاهيمية ) ، مجلة النهضة ، عدد يوليو 2001 .
29- من معالم الاقتصاد الإسلامى ، مجلة المسلم المعاصر ، يناير 2000 .
30- العولمة والأمن العربى ، ضمن بحوث : المؤتمر الدولى الأول لمركز بحوث ودراسات التنمية التكنولوجية المعقود بجامعة حلوان فى مايو 2000
31-القدرة السياسية العراقية ، ضمن : دراسة بعنوان ( الجمهورية العراقية : سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً ) ، مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ، 2000 .
32- نواة الشورى والديمقراطية ، رؤية مفاهيمية ، مجلة المسلم المعاصر ، فبراير 1999 .
33- العلاقات السياسية وارتباطها بالأمن القومى المصرى والعربى ، والمنشور ضمن : المغرب العربى وعلاقاته بالأمن القومى المصرى والعربى ، دراسة بحثية صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة ، أكاديمية ناصر العسكرية ، 1998 .
34- العلاقات الاجتماعية والثقافية والإعلامية بالمغرب العربى ، ضمن : المغرب العربى وعلاقاته بالأمن القومى المصرى والعربى ، دراسة بحثية صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة ، أكاديمية ناصر العسكرية ، 1998 .
35- صنع القرار الإستراتيجي القومي مع التطبيق علي مشروع توشكي ، بالاشتراك مع أ. د . السيد عليوة سلسة كراسات استراتيجية ، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية ،1997، (صادر بالعربية والإنجليزية).
36- النظام الأمنى للشرق الأوسط ( المخاطر والتحديات ) وانتشار الأسلحة الاستراتيجية فى الشـرق الأوسط ، ضمن : التقرير الاستراتيجى العسكرى السنوى لمعهد الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة لعام 1996 .
37-التنشئة السياسية الإنسانية ،خطة تدريبية من منظور إسلامى، القاهرة: مركز الدراسات المعرفية
38- خريطة المفاهيم القرآنية ،القاهرة : مركز الدراسات المعرفية،
39 – بناء المفاهيم فى المنظور القرآنى، مفهوم التزكية نموذجاً: مركز الدراسات المعرفية،
40 - جدلية حقوق الإنسان في المنظورين الإسلامي والغربي ، القاهرة: مركز الدراسات المعرفية،
41- تقويم منهاجية إسلامية المعرفة في ربع قرن ، ضمن : إسلامية المعرفة في ربع قرن ، القاهرة :مركز الحضارة للدراسات السياسية
42-التنشئة السياسية في المنظور القرآنى ، القاهرة : مركز الدراسات المعرفية .
43- الدور السياسي لأئمة المساجد ، القاهرة : مركز الدراسات المعرفية.
44- بناء المفاهيم بين النظرية والتطبيق،:مفهوم التزكية نموذجاً، القاهرة : مركز الدراسات المعرفية.
45- مسيرة السلام العربى الإسرائيلى :السيرة والمآل، القاهرة : دار السلام الدولىية ، 2010 .
46- أثرالعمل الخيرى فى الاستقرار السياسي: مقاربة مفاهيمية) بالمشاركة
الخبـرات العلميـة :
1- محاضر بالمعهد الدولى للبنوك والاقتصاد الإسلامى عامى 1984 ، 1985 .
2- المشاركة فى التحكيم العلمى للبحوث بالمجلة العلمية بالكلية،ومجلة إسلامية المعرفة،ومجلة تفكر السودانية.والمشاركة فى فحص ومناقشة رسائل ماجستير ودكتوراه بكليتى التجارة جامعة أسيوط ،وكلية الإقتصاد والعلوم السياسية.
3- المشاركة بتحكيم البحوث المقدمة إلى اللجنة الدائمة للترقية لدرجتى أستاذ مساعد وأستاذ علوم سياسية بفرع جامعة الأزهر بغزة.
4- المشاركة فى مشروعات : بناء المفاهيم السياسية، تأصيل منهاجية إسلامية المعرفة،التنشئة والتربية السياسية من منظور إسلامى، بالمعهد العالمى للفكر الإسلامى، وفى الإعداد لدورات تدريبية فى التحليل السياقى للمفاهيم السياسية والتنشئة السياسية.
5- المشاركة بالحضور في فعاليات المؤتمر العلمى السنوي لقسم العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية ،المنعقد فى :10/9/2007 .
6-المشاركة فى برنامج تيسير الأطروحات الجامعية والتوجيه الأكاديمى لشباب الباحثين ،الذى ينظمه المعهد العالمى للفكر الإسلامى ؛ومركز الدراسات المعرفية بالقاهرة ،2007 ،ونشرت الحلقةالأولى منه فى: مجلة المسلم المعاصر ،مايو 2007 .
7-المشاركة فى مشروع هيكلة مخطط:رياض العاملين ، الذى ينظمه المعهد العالمى للفكر الإسلامى ؛ومركز الدراسات المعرفية بالقاهرة ،2007.
8- المشاركة فى فعاليات الدورة التثقيفية المنهجية المعقودة تحت عنوان:"كيف نفكّر منهجيًّا في الأوضاع العالمية الراهنة"ا لقاهرة : مركز الحضارة (13-24 يناير 2008).
9- المشاركة فى فعاليات ندوة " ما بعد المراجعات الفكرية للتنظيمات الدينية في مصر:التداعيـات المستقبليـة وأسلـوب الاحتـواء "،القاهـرة :المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ،الأربعاء 16 يوليو 2008.
الإسهامات فى مجال الترجمة السياسية1-
1- المشاركة فى ترجمة كتاب : جون ج سيتو يستجر ، أسباب إقدام الأمم على الحرب ، مركز الدراسات السياسية والعسكرية ، أكاديمية ناصر العسكرية ، 2000.
2- ترجمة العديد من الكتب السياسية الحديثة ضمن مشروع الهيئة العامة للاستعلامات للترجمة تشمل :
* جون اسبوسيتو ، الخطر الإسلامى أسطورة أم حقيقة، 1994 (بالاشتراك مع مختار متولى)
* بيتر مانسفيلد ، العرب ، 1995 ، ( بالاشتراك مع انسجام فودة ومنى فرغلى ) .
* جراهام هانكوك ، لوردات الفقر ، 1995 ( بالاشتراك مع : مختار متولى ) .
* ماكس سنجر، أرون ويلد فسكى، النظام العالمى الحقيقى ، مناطق سلام ومناطق اضطراب ، 1996 ( بالاشتراك مع : مختار متولى وانسجام فودة ) .
* رونالد إيفانز ، روبرت نوفاك ، ثورة ريجان ، ( د . ت ) .
* ويـل مارشال ، مارتن شـرام ، تفويض بالتغييـر، 1997( بالاشتراك مع د . يوسف ميخائيل ) .
* كينتشى أوهماى ، نهاية الدولة القومية ، 1997، ( بالاشتراك مع مختار متولى ) .
* هنرى كيسنجر ، النظام العالمى الجديد ، مستل من كتاب : الدبلوماسية ، 1998 .
* أبا إيبان ، الدبلوماسية الجديدة ، جزءان ( د . ت ) .
* جيوناثا جيرمى ، جولد بيرج ، القوة اليهودية داخل المؤسسة اليهودية الأمريكية ، 1999 (بالاشتراك مع :مختار متولى )
* دينيس سى بيريدجز ، بناء مجتمعات قادرة على البقاء ، مخطط للعالم ما بعد الصناعى 1999 ( بالاشتراك مع د . محمد إسماعيل ) .
* الان دوتى ، الدولة اليهودية قرن لاحق ، 2000 ، ( بالاشتراك مع : منى فرغلى ) .
12/02/2011, 10:35 AMأبوالشباب
شكرا يالأخ جداول
لقد حظي هذا الكتاب الذي تدل البشائر بأنه قيّم وجدير بالدراسة الواعية والإقتناء، حظي الكتاب بمترجم عالي الكفاءة والهمة وعالم للسياسة وملتزم بالقيم. وفق الله القائمين على هذا العمل وننتظر وصول الكتاب للمكتبات بفارغ الصبر.
12/02/2011, 02:17 PMجداول
8
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
.
إطلالة خاطفة في التاريخ
تحرر شرق إفريقيا من استعمار برتغالي دام قرنين من الزمان علي يد عمانيين، جاءوا تلبية لنداء متكرر من إخوانهم المسلمين في كل أرجاء شرق إفريقيا والجزر. ولم تكن استجابة العمانيين لذلك النداء حيلة إمبريالية لحيازة إرض، بل كانت تلك الإستجابة، في المقام الأول، استكمالا طبيعيا لحرب تحرير عمان ذاتها، فعمان والهند عانيتا من الإحتلال البرتغالي قدر معاناة شرق إفريقيا منه. . أما السبب الثاني فهو أن العلاقات بين شرق أفريقيا والجزيرة العربية تعود إلي عصر ما قبل التاريخ. فمبجرد أن عرف الإنسان كيفية استخدام الرياح الموسمية التي تهب بانتظام بدأ الاتصال بين شرق إفريقيا والجزيرة العربية، وبدأ التضافر بينهما.
وعمر العرب شرق إفريقيا من ألوف السنين. ، وكان من طلبوا العون العماني من نفس الثقافة والدين، ومن نفس الأصل العرقي. والأمر الطبيعي الوحيد والحال كذلك، أن عمان المحررة المسلحة والقوية، تطارد اعدائها وتتبعهم في شرق إفريقيا، فيما لو كان المراد هو تحرير كل أولي أرحامهم، واستعادة المحيط الهندي حرا للتجارة.
وجاء العمانيون مرارا وتكرارا، وطردوا البرتغاليين من كل مدن سواحل شرق إفريقيا حتى موزمبيق. ومرة تلو الأخرى، عادت السفن الحربية والجنود العمانيون إلي بلادهم بعد إنجاز مهمتهم، وتركوا أبناء شرق إفريقيا يحكمون أنفسهم بأنفسهم. ومرارا وتكرارا عاد البرتغاليون بروح انتقامية، وأعادوا احتلال المدن، وأجهزوا علي كل من لم يستطع الفرار، وأبادوا المدن وأهلكوا الحرث والنسل، ثم فرضوا إتاوات جماعية باهظة علي أهل البلاد عقابا لهم علي التجرؤ علي تحرير أنفسهم من العبودية. وسويت مدينة ممباسا بالأرض خمس مرات.
وبعد كل مرة أعاد فيها البرتغاليون غزو شرق إفريقيا سارع أبناؤها بطلب حملة تحرير عمانية أخرى. وفي نهاية المطاف لم يجد الإمام اليعربي بدا من نشر قوة حماية دائمة في كل مدينة لمنع عودة البرتغاليين ثانية إلي الأبد. وبقى الحكام المحليون دون ان تمس سلطاتهم في مجالات نفوذهم، ولكن مع الإحتفاظ بالولاء العام للإمام، تماما كما هو الحال بالنسبة للقبائل في عمان.
وبعد حين من الدهر، تدهورت قوة حكام عمان اليعاربة ، ودعوا الإيرانيين لمساعدتهم في المشاجرات الداخلية الدائرة بينهم. وأصبح الإيرانييون أصحاب حول وطول بالقياس بأولئك الحكام.
12/02/2011, 09:36 PMجداول
9
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
تمرد ماجد علي ثويني
كان السيد ماجد واحداً من صغار أبناء سعيد. وحين أدركت السيد سعيد، المنية في البحر، وهو في طريق عودته من عمان إلي شرق إفريقيا، كان السيد ماجد نائبا عن أبيه في زنجبار، بينما كان شقيقه الأكبر السيد ثويني حاكما لعمان. وشجعت وفاة الوالد، ومؤازرة بريطانيا ماجد علي إعلان استقلاله عن عمان.
وكانت النتيجة هي تقسيم الإمبراطورية بانفصال الجزء الإفريقي منها عن الجزء العماني. وليس ثمة مؤشر أيا كان علي أن السيد سعيد بن سلطان كان يريد للإمبراطورية التي كد وجد في ترسيخ أركانها، أن تنقسم بوفاته إلي شطرين، ولم يكن لابنه الحق الأخلاقي أو الديني أو السياسي، تحت أي ظرف كان أن يفعل ذلك.
فلقد أوضح السيد سعيد بنقله مقر حكومته من مسقط إلي زنجبار، أنه كان ينوي تأبيد الإمبراطورية العمانية الزنجبارية. وأصبحت زنجبار في عهده العاصمة التي يؤمها الدبلوماسيون الأجانب، والتي منها يرسل سعيد مبعوثيه إلي كل أرجاء العالم. وبذا لم تكن زنجبار أو شرق إفريقيا مستعمرة لعمان، بل جزءا لا يتجزأ منها.
ومن ثم نظر في شرق إفريقيا وفي عمان إلي صنيع ماجد بنبذه الولاء لأخيه الأكبر السيد ثويني، وما ترتب علي ذلك من تقسيم الإمبراطورية إلي شطرين منفصلين، علي أنه عمل بغيض وشائن. وتولدت بالتالي انتفاضة في أرجاء الإمبراطورية ترمي إلي الحفاظ علي وحدة عمان وشرق إفريقيا. وقاد تلك الانتفاضة في زنجبار السيد برغش، وهو ابن آخر لسعيد أصغر من ماجد، كان بجوار أبيه حين فاضت روحه إلي بارئها في البحر. ومن بين من آزروه في انتفاضته تلك جدي الكبير عبد الله بن سالم، وصالح بن علي. وسالم بشير، وسليمان بن حبيب. ولكون هؤلاء جميعا ينتمون إلي قبيلة الحارثي " نعت التمرد بـ" تمرد الحرث" . وحقيقة الأمر بخلاف ذلك. فلقد كانت تلك الحركة حركة وطنية زنجبارية عمانية، زعيمها هو السيد برغش، غايتها إحباط مبدأ الاستعمار الدولي "فرق تسد"
ولعبت السيدة سالمة بنت سعيد بن سلطان دورا رائدا ومشرفا في تلك الحركة، حيث كانت أمينة السر لها، قبل أن تؤثر التوقف لاعتبارات أخلاقية معنوية. ومن بين كبار قيادات تلك الحركة أيضا: الشيخ علي بن سيف بن علي الإسماعيلي المنتمي إلي عشيرة الإسماعيلي واسعة النفوذ، وبسبب دوره في تلك الحركة سجن في سانت هيلانه، ثم نفي إلي عمان. ، ثم سمح له لاحقا بالعودة إلي مسقط رأسه زنجبار حيث وافته المنية بها. وعيسى ناصر حفيده هو زميلي، ومن أعز أصدقائي. وبالطبع فإن السيد ثويني الوريث الشرعي لوالده منح تلك الحركة كل تأييده ورعايته الملكية. بل أنه أرسل حملة عسكرية بحرية قوامها خمسة عشر ألف مقاتل لخلع السيد ماجد من العرش الذي استولي عليه بالمخالفة للأعراف الخاصة لتداول السلطة.
إلا أن القوات البحرية البريطانية المهيمنة علي المياه من الهند حتى شرق إفريقيا تدخلت ومنعت وصول تلك القوة البحرية العمانية إلي زنجبار. ومن جهة أخرى، نشر البريطانيون قوات مشاة ووحدات مدفعية لمؤازرة ماجد الذي كان علي شفا أن تلحق به الهزيمة في معركة ماتشوي. وهكذا وضع ماجد دون أن يدري نفسه ومن يخلفونه في وضع لا يحسدون عليه بأن بات كالعجينة في يد اصحاب الفضل عليه من البريطانيين. ومن الجدير بالذكر، أن الانفصال بين عمان وشرق إفريقيا الذي فرضه البريطانيون كان موضع معارضة من شقيق آخر للسيد ثويني هو السيد تركي بن سعيد، والذي هو الجد الأعلي للسلطان قابوس.
"يتبع"
14/02/2011, 01:43 AMجداول
10
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
وضاع كل ما تحقق من التحرر من الحكم البرتغالي البغيض، بجهد الحكام اليعاربة، وما بذل من جهد من أجل إرساء دعائم الوحدة بين عمان وشرق إفريقيا بفضل عبقرية السيد سعيد بن سلطان، حينما سمح السيد ماجد لنفسه بأن يكون أداة لمخططات استعمارية. وكان ذلك نذيرا ليس فقط بنهاية الملك، بل بزوال استقلال زنجبار، وانحساروحدة شرق إفريقيا. فلم تشهد منطقتي شرق ووسط إفريقيا أبدا درجة من الوحدة كالتي عرفتها في عهد السيد سعيد بن سلطان.
وانتهي التمرد بترحيل السيد برغش إلي الهند، وهروب صالح بن علي الحارثي إلي مقديشيو، وسجن علي بن سيف الإسماعيلي في سانت هيلانه، واعتقال عبد الله بن سالم، وسالم بن بشير في 7 يوليو 1859 (ذي الحجة 1275 هـ). وعلي إثر اعتقالهما استل محمد بن ناصر بن عيسى وهو أحد صغار أبناء عم عبد الله، مسدسه بنية قتل السيد ماجد. إلا أنه لم يحسن الإعداد لمهمته، وقبض عليه هو الآخر، وأودع السجن في لامو، ثم أفرج عنه لاحقا مع تحديد إقامته في جزيرة زنجبار بضمانة شخصية من ستة من كبار شيوخ الحرث.
ووافت المنية جدي الأكبر في سجن لامو بعد قرابة عام. ويقال أنه مات مسموما . وصودرت سفينتيه الصالحية والحارثية اللتان كانتا تخوضان عباب مياه المحيط بالتجارة. كما صودر قصر سالم بن بشير البرواني. ومن المؤشرات الدالة علي نوعية تفكير ماجد وخطله أنه أعطى ذلك القصر لزعيمي أولي الإرساليات التبشيرية المسيحية،، الأسقف توزير وأدوارد ستيري عام 1864 لاستخدامه كمركز للتبشير إلي أن يقيموا مبنى خاصا بها.
وفي عام 1866 لقي السيد ثويني بن سعيد حتفه بمؤامرة داخلية، وهو نائم، ضمن مؤامرة مع الوهابيين الذين كانوا يتطلعون لغزو عمان.
وتمخض هذا الاغتيال عن تمرد بإمامة عزان بن قيس المنتمي إلي فرع آخر من البوسعيديين، وصالح بن علي الحارثي الذي عاد من زنجبار، والعالم سعيد بن خلفان الخليلي، والعالم محمد بن سليّم الغاربي. وتحت قيادة هؤلاء الأعلام الأربعة، خلع القاتل سالم من السلطة، وإن كان البريطانيون قد ساعدوه علي الهرب إلي بندرعباس ببلاد فارس. وتبنى عزان بن قيس ورفاقه في إمامتهم سياسة قوامها إلغاء المعاهدات الجائرة المفروضة علي عمان، وفي مقدمتها تلك التي تفصل بين عمان وزنجبار. ومن هنا كانت الحركة الإمامية محلا للسخط البريطاني. وبالمثل، لم ينظر البريطانيون بعين الرضا للسيد تركي كبديل لسالم قاتل أبيه، بسبب معارضته المطلقة للفصل بين عمان وزنجبار، بل نفوه إلي الهند .
وشرعت القوى الأوربية الاستعمارية بعد الفصل بين عمان وشرق إفريقيا، في تقسيم إفريقيا إلي "مناطق نفوذ" مقصورة عليهم. ومن الأمور البالغة الدلالة أنهم فعلوا ذلك بإفريقيا كلها، باستثناء إثيوبيا وليبريا، لأنهما كانتا تحت حكم مسيحي بالفعل.
ونظرت تلك القوى إلي شرق إفريقيا، وعاصمتها زنجبار، علي أنها ستكون حجر عثرة في طريق تلك المخططات، لكونها جزءا لا يتجزأ من دولة خارج إفريقيا، وأي إجراء تتخذه بخصوص زنجبار سيشكل اعتداء علي سيادة عمان وعلي سلامتها الإقليمية أيضا. وربما يفضي ذلك أيضا إلي تعقيد العلاقات مع مسلمي تركيا، التي هي قوة لها وزنها، وكذا مع رعايا بريطانيا من المسلمين بالهند، الذين لا يمكن تجاهلهم بحكم عددهم، وبحكم علو صوتهم.
وجاء حل هذه المعضلة علي طبق من ذهب مع موت السيد سعيد بن سلطان عام 1856، والطموحات الشخصية لابنه ماجد. وبكل الجدية عملت الدبلوماسية البريطانية بين لندن وبومباي وزنجبار. وحققت الانفصال بين التوأمين المتلاحمين. ولم يتم الفصل بمشرط جراح بارع، بل بشفرة وحشية لحلاق يجلس علي قارعة الطريق. والنتيجة أن كلا التوأمين عمان وشرق أفريقيا ترك يلهث من أجل التقاط انفاسه، ولا يستطيع أن يحيا إلا في حضانة المستعمر. وبات الزوال محكوم به علي كل منهما إن هي اعتمدت علي نفسها.
"يتبع"
14/02/2011, 01:08 PMOman Dictionary
الكتاب جميل قراته بالانجليزيه وانتظره مترجما
متى سيكون متواجدا في المكتبات?
ما سر الاهتمام بزنجبار مرة اخرى بعد كل هذه السنين?
14/02/2011, 02:49 PMجداول
الأخوة:
عمان وطن الجميع و محب للوطن و احساس مسقط و عمان 1992 و أبوالشباب: شكرا على ملاحظاتكم
ال حارث بن كعب: شكرا على إضافاتك ومعلوماتك المفيدة
Oman Dictionary: : ينتظر أن ينزل الكتاب خلال معرض الكتاب عن طريق مكتبة بيروت.
أما سر الإهتمام بزنجبار بعد كل هذه السنين هو محاولة المحافظة على ذاكرة الأمة، خاصة مع الأجيال الشابة التي فاتها ما كان من العرب عامة والعمانيين خاصة من أثر يفتخر به في كافة أرجاء القارة الأفريقية.
تابعوا الإضافات القادمة من هذه المقتطفات.
==========================================
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
العبث باللغة السواحيلية، وارتباطه بمناهضة اللغة العربية والإسلام
السواحيلية هي لغة أبناء ساحل شرق إفريقيا من جنوب الصومال إلي موزمبيق، وجزر القمر. وكلمة السواحيلية ذاتها كلمة عربية الأصل منسوبة إلي: الساحل. وهذه اللغة من حيث قواعدها وصرفها إحدى لغات البانتو، وتنتمي إلي تلك المجموعة اللغوية العظيمة التي تمتد من الزولو بجنوب إفريقيا إلي الكيكويو في كينيا. أما من حيث مفرداتها، فإن نصف كلماتها من اللغة العربية، والنصف الآخر من لغات البانتو. وتتراوح الكلمات ذات الأصل العربي في اللغة السواحيلية، حسب الخلفية الثقافية للناطق بها، والموضوع الذي يتحدث فيه، بين 45% و55%. بل إن البعض يرى أن نسبة الكلمات ذات الأصل العربي في تلك اللغة أعلي من ذلك.
وكلما أمعن المرء النظر، فإنه يكتشف أن كلمات تبدو منتمية إلي لغة البانتو هي في الحقيقة عربية الأصل. وأثناء قيامي بترجمة المنتخب في تفسير القرآن الكريم من العربية إلي السواحيلية، ادهشني اكتشافي المزيد والمزيد من الكلمات السواحيلية ذات الأصل العربي، مثل: الأنعام، والفوضى، والسواقة، ناهيك عن كلمات أخرى تشي بأصلها العربي بوضوح، من قبيل: طريقي، معالي، وزير، فضة، ذهب، تاريخ، كتاب، علم، إحسان، سلام، كوفيه، سروال، رئيس، وغيرها.
وعلي الرغم من أن اللغة السواحيلية، ولدت علي الساحل، من رحم اللغتين العربية والبانتو، فإنها انتشرت لتغطي كل منطقة شرق إفريقيا، ووصلت إلي ملاوي والكونغو ورواندا وبوروندي وجنوب السودان والصومال. وأصبحت بمثابة لغة مشتركة في بقية المنطقة. وخلص باحث فرنسي في دراسة له في السبعينات من القرن العشرين إلي أن كل من يتجاوز عمره الخامسة والثلاثين في المنطقة الشرقية من عمان يعرف اللغة السواحيلية.
وهي لغة مرنة وثرية وولادة. وعلاوة علي جذورها في اللغتين العربية والبانتوية، فإن بها كلمات من اللغات البرتغالية والفارسية والهندية والأردية والإنجليزية. فهي وسيط اتصالي حي وقادر علي النمو علي نحو يضارع اللغتين العربية والإنجليزية. وهي وسيلة الاتصال بين القبائل المتعددة التي يتشكل منها سكان شرق ووسط إفريقيا. وورثت هذه اللغة من جذرها العربي فن الشعر. وتماما كما يقال بأن العربية أنجبت من الشعراء أكثر مما أنجبته بقية اللغات في أرجاء العالم مجتمعة، فإن اللغة السواحيلية فريدة بين اللغات الإفريقية في ثروتها الشعرية.
والسواحيلية لغة مقروءة ومكتوبة، كانت تكتب عادة في الماضي بحروف عربية. ومع مجئ الاستعمار باتت تكتب رسميا بحروف لاتينية. وترتبت علي ذلك التحول من الأبجدية العربية إلي اللاتينية مزايا وعيوب.
فمن جهة انتشرت تلك اللغة بدعم من المستعمر بسرعة أكبر، وبدرجة أعلي من الانتظام والكثافة بالقياس بما كانت عليه من قبل. وازداد عدد من يقرأون ويكتبون بها.
إلا أن ذلك تم علي حساب جزالة اللغة وجمالها. فلقد حافظت الأبجدية العربية علي النطق الصحيح الأصيل للغة السواحيلية. أما الحروف اللاتينية فجردت تلك اللغة من أساسها، وأصابتها بالعقم. وجعلتها بنطقها وفق مقتضيات تلك الأبجدية لغة مسطحة بلا عمق. ويشعر المرء بذلك علي وجه الخصوص حين يستمع إلي المطربين المعاصرين والموسيقى المعاصرة، ويقارنهم بمطربي الماضي.
والقلة المحظوظة التي لاتزال تنطق اللغة السواحيلية علي أصولها الصحيحة هم من لم يدرسوا في مدارس علمانية، مسخت فيها لتتمشى مع قيود الحرف اللاتيني. وحتى تلك القلة باتت اليوم مضطرة للانصياع لتأثير الأغلبية ولوسائل الإعلام الجماهيرية السائدة من صحافة وإذاعة وتلفاز.
ومنبع هذه المأساة هو حقيقة أن من فرضوا طريقة النطق والتهجي وبنية الجملة المتلاعب بها، كان معظمهم في المقام الأول من رجالات الإرساليات التبشيرية أو الاستعمار. وعاون الأفارقة الذين كانت اللغة السواحيلية هي لغتهم الثانية بدورهم هؤلاء الأوربيون العابثون بتلك اللغة. وأصبح الإفريقي المدرب علي يد البعثة التبشيرية المدعوم من أوروبا هو المرجعية في شؤون تلك اللغة، والنموذج الذي يقاس عليه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تم إخضاع اللغة السواحيلية دون بقية اللغات لهذا النوع من الشد والجذب علي يد أناس ليست هي لغتهم الأم؟ ثمة مبررات محددة وواضحة سأحاول تحليلها.
فحين وصل المبشر /المستعمر، وجد في شرق إفريقيا علي النقيض مما كان يتوقع بالمقارنة بما رآه في أجزاء أخرى من إفريقيا جنوب الصحراء، أن للسواحيلي دين توحيدي منزل، له قيمه وأعرافه وشريعته. ووجد أن للمنطقة الساحلية مؤسساتها ولغتها المكتوبة، ولها حكوماتها وإداراتها الراسخة الأقدام. ووجد أن نفوذ الساحل وتاثيره ضارب في عمق الداخل حتى البحيرات العظمى، بل لما هو أبعد منها.
وتبين له أن لأبناء الساحل أرضهم وخطوطهم التجارية البرية والبحرية، بل لهم علاقات تجارية مع بقية العالم. فعلي مدى ألوف السنين كان لمنطقة الساحل علاقات تجارية مع مهد الحضارة في مصر والعراق والهند، بل وصلت آفاق علاقاتهم تلك إلي الصين وأندونيسيا. ولم يكن السواحيليون برابرة عراة، بل أمة متحضرة تعرف الملبس الساتر لأجسادها، ولديها إحساس بهويتها مستقى من لغتها وثقافتها، التي لم ترق للمستعمر والمبشر المسيحي لكونها نابعة من الدين الإسلامي. فلقد كانت اللغة السواحيلية مثلها مثل الأردية في شبه القارة الهندية والهوسا في غرب إفريقيا ذات مضامين إسلامية لثرائها بالكلمات والتعبيرات العربية.
ومن المقطوع به أنه ليس بالأمر السهل إزالة لغة راسخة من علي قيد الحياة. إلا أنه من الممكن تحويلها وتوظيفها في اتجاه نقيض لغايتها ورسالتها. وكان أول الخيط في تحقيق ذلك هو ترويج أن السواحيلية ليست أمة، ولا قبيلة. إنهم ببساطة (لا وجود لهم). وروج دعاة تلك المغالطة، أنه في حين يمكن تحديد النيامويزي، والكامبا بدقة، فإنه لا يمكن تحديد: من هم السواحيلون؟ فهم – بزعم هؤلاء – مجرد خليط هجين بلا هوية قبلية ولا عرقية، ولا إقليم يمكنهم ادعاء أنه خاص بهم.
كانت تلك المقولة هي حجر الأساس الأول لمؤامرة المستعمر المبشر علي اللغة السواحيلية. ومع إرسائها بات من السهل القول بأن بوسع كل من هب ودب أن يعامل اللغة السواحيلية علي هواه، ويوضع في مصاف خبرائها ويغير بنيتها وقواعدها ومعجمها، ويفعل بها ما يشاء من الأفاعيل دون إذن من أحد. فمن يمنح الإذن في غياب إنسان اسمه السواحيلي من الأساس؟
"يتبع"
14/02/2011, 10:43 PMالسيل الهادر
عدد المرفقات: 2
جداول شكرا ً على جهودك الرائعة في التعريف بهذا الكتاب الرائع
وسمح لي بإضافة بعض مقاطع الفيديو عن زنجبار
1) السلطان جمشيد يتحدث
http://www.youtube.com/watch?v=7kTuy1cY5GA
2) زيارة الاميرة مارجريت لسلطنة زنجبار عام 1956
http://www.youtube.com/watch?v=yFu8FYJEuWU
3) الجزء الثاني من الزيارة
http://www.youtube.com/watch?v=az-U2iUuF10
4) http://www.youtube.com/watch?v=N3Sp23xGP1Q
5) أغتيال وقتل ودمار
http://www.youtube.com/watch?v=P54EFzJRnXc
6) أغتيال العروبة
http://www.youtube.com/watch?v=IZ2DJh-Usxg
7) المجزرة
http://www.youtube.com/watch?v=Ycr3WRelbC8
8) http://www.youtube.com/watch?v=_SWm1-56pz8
9) http://www.youtube.com/watch?v=Eym0IYGZcxY
10) أنضمام سلطنة زنجبار للأمم المتحدة عام 1963
http://www.youtube.com/watch?v=uQwcCcKwkw8
11) كلمة رئيس وزراء زنجبار محمد شمتي في الامم المتحدة
http://www.youtube.com/watch?v=upMMRXU3Of0
12) أندلس أفريقياء 1
http://www.youtube.com/watch?v=5AlUWWA_RE4
13) أندلس أفريقياء 2
http://www.youtube.com/watch?v=-sMDkCSC_5g
14) أندلس أفريقياء 3
http://www.youtube.com/watch?v=eeOoccTL0jw
14/02/2011, 11:21 PMالسيل الهادر
مقاطع الفيديو المضافة بالمشاركة أعلاه تختزل الفترة من عام 1956 وحتى 1964
14/02/2011, 11:32 PMسواح الروح
الله يغفر للعمانيين الي انقتلت في زنجبار
15/02/2011, 11:39 AMأبوالشباب
الأ خ السيل الهادر
شكرا جزيلا على مقاطع الفيديو الرائعة التي أرفقتها. إنها تاريخنا الذي كثيرا ما نرى محاولات التزييف فيه. وحيث أن الجانب الأعظم من هذه المقاطع سجلت في الفترة1956 إلى 1964 فإننا نرى الغربيين يكررون أن العرب العمانيين كانوا تجار عبيد ولا دور لهم سوى ذلك. حاشا أن يكون ذلك صدقا.
لقد كان العربي والعماني خاصة منار علم وحامل رسالة الإسلام والحضارة القائمة على مساواة البشر جميعا. لقد عمّر العرب على مدى قرون شرق ووسط أفريقيا. ولم يضمحل دورهم إلا بدخول المستعمر الغربي الكاره للإسلام والعرب.
لقد دمعت عيني لرؤية الأمجاد العربية الزائلة ولرؤية ضحايا المجازر البربرية التي تعرض لها العمانيون والمسلمون في زنجبار.
رحم الله شهداءنا في زنجبار.
15/02/2011, 12:52 PMOman Dictionary
اخي العزيز
يخيل لي ان هنالك توجها حكوميا اكبر من ذلك
فالكتب التي صدرت و البرامج التي اذيعت جاءت بعد زمان طويل من الصمت
لماذا جاءت ترجمة هذا الكتاب الأن مع انه موجود منذ ١٤ سنة?
مجرد تساوءلات لا اكثر
16/02/2011, 12:13 AMجداول
12
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
التناسج العربي الإفريقي بالمصاهرة الودية
كلمة زنجبار عربية أو فارسية الأصل. واشتق الفرس تلك الكلمة من كلمتين فارسيتين تعنيان (بر الزنج). أما العرب فنحتوا لها إسما يعني (زين ذا البر). وهو لقب يشير إلي جمال هذه البلاد الأخاذ. وكتب نورمان بنيت في الصفحة الأولي من كتابه المسمى: "تاريخ دولة زنجبار العربية” يقول: "انبهر زائر زنجبار في مطلع القرن العشرين من أول نظرة عليها، فقال: "من اليقين أنه لا شئ أجمل منها علي وجه البسيطة، مشاركا بذلك الانطباع المشترك الذي خرج به معظم من زاروا تلك الجزيرة الواقعة بالمحيط الهندي ”.
وجاء حين من الدهر كان اسم زنجبار ينطبق فيه علي كل ساحل شرق إفريقيا من الصومال إلي موزمبيق، ويمتد برا إلي داخل الكونغو. وقبل ذلك كان الساحل يسمى بساحل أوسان وهو اسم أول مملكة في جزيرة العرب.
وحفلت المنطقة كلها بمدن في مراحل نمو مختلفة، كانت كل منها تمثل من الناحية العملية دولة قائمة بذاتها، وكانت العلاقات بينها تعاونية تارة وصراعية تارة أخرى. وكانت تلك الدول المدن تعترف أحيانا بسيادة رئيس إحداها لها كرئيس بين أنداد متكافئين، كما حدث بالنسبة لسلطان زنجبار. بل إن تلك الدول المدن أقرت بالولاء أحيانا لسيادة سلطة خارجية، كما فعلوا مع حكام اليمن القدامى، وإمام عمان، ودار الخلافة الإسلامية، والحكام البرتغاليين، والتاج البريطاني. ولم يكن غريبا أيضا أن تكون هناك أواصر قربى بين حكام دول مدن مختلفة، كما حدث في حالة حسن بن علي وأبناءه الستة القادمين من شيراز الذين كونوا معا نوعا فضفاضا من الإمبراطورية عرفت بدولة الزنج، أو إمبراطورية الزنج.
ومثل هذا النمط وجد، ولا يزال إلي حد ما موجودا بين الأسر الحاكمة في شتى الدول الأوربية. وعلي ذات الشاكلة، كان لأسرة البوسعيديين في زنجبار، والنبهانيين في باتي، وبني هاشم في بنجاني وزنجبار وجزرالقمر، أقارب في حضرموت وعمان. وما حدث بالنسبة للطبقات الحاكمة حدث أيضا لبقية السكان. فالتصاهر والتمازج بين البشر هما فطرة الحياة واستمرارهما ضرورة تاريخية.
وتوقف مدى تأثير تلك الدول الساحلية علي البر الإفريقي علي عوامل عديدة، مثل: قوة الحكام وكياستهم، أو حب المغامرة وجسارة التجار والرواد المتمتعين بحماية أولئك الحكام. ومن هنا أصبح من المعتاد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر القول بأنه: "علي صوت مزمار من زنجبار يرقص أهالي البحيرات”. وحين اتخذ السيد سعيد بن سلطان من زنجبار مقرا لحكمه وعاصمة لدولته، امتد سلطانه ليشمل الساحل والجزر، وكل أراضي تنجانيقا وملاوي والكونغو حتى حدود السودان. واتصل مجال نفوذه بمجال نفوذ حكام مصر والسودان.
وحين زار الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة منطقة شرق إفريقيا في القرن الرابع عشر الميلادي، أذهله أن وجد الشعب السواحيلي ندا لأوربيي زمانه في المسكن والملبس والمطعم. ويصف الدكتور وليام هتشن تلك الحضارة في كتابه "الإسلام اليوم” قائلا: "مع مطلع القرن الرابع عشر، كانت القلاع الإسلامية تنتشر كحبات عقد من اللؤلؤ اللامع علي طول الساحل الأخضر”.
ويضيف فيما يتعلق بالمستوى الثقافي والفكري: "قد يحكم للمرء بالثراء بحجم الثروة التي في خزائنه. إلا أن نصيب المرء من الثروة العقلية كشاعر أو فقيه أو رجل دين هو الذي به يكتسب الشهرة والاحترام والتقدير، أو ما يسمى في هذه البلاد: الخصال الهاشمية. فلقد جاء المستوطنون العرب الأوائل معهم بفن الخط العربي، الذي هو أعجوبة لا نظير لها في إفريقيا البانتوية. وأتوا معهم بحبهم التقليدي لأدب الشعر والملاحم”
والسؤال: ما الطريقة التي حدث بها هذا التواصل؟ يسلم الأستاذ كوبلاند في كتابه " شرق إفريقيا وغزاتها” بأن شرق إفريقيا لم تشهد أبدا عصر غزو مظلم من جانب العرب. فلقد كانت التغلغل العربي في شرق إفريقيا سلميا بالمطلق”.
ويشرح نيافة ليندن هاريس في كتابه "الإسلام في شرق إفريقيا” هذه المسألة قائلا: "يعتمد الإسلام بشكل شبه كامل في نشر الدين علي نفوذ الأمة الإسلامية. وحين يتم التغلب علي الفروق الاجتماعية، تتسارع وتيرة اعتناقه. وهذا هو السبب في أن الهجرة من جنوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، المصحوبة بالمصاهرة، تمخضت عن تحول الأغلبية من الوثنية إلي اعتناق الدين الإسلامي. وبالزواج بنسوة بانتويات أفريقيات أوجد التجار العرب وطنا لأنفسهم ولدينهم في شرق إفريقيا. فالسواحيلي الحقيقي بانتوي. وبالمصاهرة جسرت الفجوة بين العرب والبانتو. وأقبل أفارقة قبليون كثر علي عبور تلك الفجوة. فعبورها لا يفتح الطريق أمامهم إلي مكة فحسب، بل إلي الأخوة مع إخوانهم الذين تجمعهم بهم آصرة العقيدة، وبعض الدم المشترك علي الأقل”.
ومع ذلك ظل أخذ الحذر واجب من مؤامرات أولئك الحاقدين الذين رغم دخولهم في دين الله، لم يجسر إيمانهم الفجوة بينهم وبين غيرهم من البشر، بسبب استحكام الحاجز العرقي في نفوسهم، مم أعاق تمازجهم بالمصاهرة مع الأعراق الأخرى. ولعلنا نذكر هنا بأن إسماعيل جد النبي محمد عليهما الصلاة والسلام، هو من منبته ثمرة زيجة سامي أسيوي بحامية إفريقية. وهو بلغة أخرى: مولد. وهذه الكلمة الازدرائية في قاموس الغرب، لا نظير لها في اللغتين العربية والسواحيلية.
"يتبع"
16/02/2011, 05:15 PMجداول
13
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
السيدة سالمة بنت سعيد
لدي العم عيسى صورة زيتية كبيرة للسيد ماجد بن سعيد، وصورة فوتوغرافية صغيرة للسيدة سالمة بنت سعيد في زيها العماني. وسالمة هي ابنة السيد سعيد بن سلطان، هربت مع تاجر ألماني، يدعى رودولف روتي، وارتدت عن دينها إلي المسيحية، وماتت في أوروبا. وتبين لاحقا من كتاباتها أنها ندمت علي الحماقة التي ارتكبتها. فلم تجد في أوروبا أبدا ما يعوضها عما فقدته في المجتمع الإسلامي. علي العكس وجدت المرأة تعامل في أوروبا المسيحية معاملة أدنى من تلك التي تحظى بها المرأة في الشرق.
أما عن دينها فقد كتبت لصديقة لها في زنجبار تقول:
" من حيث الظاهر اصبح لي اسما مسيحيا (عمدوها وسموها: إيميلي ). أما في قرارة قلبي فإنني مسلمة تقية مثلك. وأشعر بيني وبين نفسي بالحقارة لكون ظاهري مغاير لباطني. وأقول لك بكل صراحة: احذري من تبديل دينك دون إيمان حقيقي. فمن من، ومن أين استمد إيماني ؟ لا أحد يعرف حقيقة إيماني. فلقد اكتفي القسيس بأن يسمعني أنطق بـ: نعم، لكل ما قاله لي عند تعميدي، وفي إكليل الزواج التالي لذلك، بلغة غير مفهومة علي الإطلاق بالنسبة لي. وكان هذا هو كل المطلوب.
ومن تلك اللحظة أصبحت محسوبة علي المسيحية. وكل ما تبقى صار أمرا علي أن أدبره لنفسي بنفسي. وفي ذلك الوقت، كنت مثلك لا أعرف عن المسيحية شيئا. وترتبت علي ذلك نتائجه المنطقية. عشت فترة لا يمكن وصفها بالكلمات مع نزعي عن ديني السابق، وعدم معرفتي بأكثر من ديني الجديد غير اسمه.
ولم أشعر في حياتي كلها – من قبل أو من بعد – بالبؤس والحرمان من كل عون، مثلما شعرت فور تعميدي. ولو اطلعتم علي الصراع الداخلي الذي دار في قلبي لكان كافيا لتهدئة موقفكم ضدي. ويؤسفني القول، بأنني وجدت نفسي، وقد خاب أملي في الاعتقاد بأنه فيما يتعلق بأمور الدين، فإن كل مسيحي سيتبناني ويرشدني ويعلمني، ويدخلني في طقوسه، ويطلعني علي دخائلها باعتباري منهم.
وسرعان ما أدركت أنه لا شئ له سلطان علي ضمائرنا وآرائنا أكثر من الدين. ونظرت لنفسي علي أنني حقيرة ومزيفة بتسميتي مسيحية، دون أن أعرف شيئا عما تعنيه المسيحية في الحقيقة. فلم أعرف عن المسيحية شيئا أكثر مما عرفته عنها من القرآن الكريم، ولا أكثر من ذلك. ولو أنني بقيت وفية لإسلامي لكان ذلك أفضل لسلامي الداخلي، علي الأقل في البداية. وفي رأيي لا توجد تضحية توازي تبديل المرء دينه. فكل شئ قابل للتبديل، من مكانة وثروة، ومناصب دنيوية رفيعة، إلا ديننا المقدس”.
وحول مسألة وضعية المرأة في الشرق، كتبت السيدة سالمة في كتابها الجامع سالف الذكر تقول:
"حينما رأيت الوجوه البهية في المجتمع هنا (ألمانيا) في أول الأمر، اعتقدت بالطبع، أن العلاقة بين المرأة والرجل في أوروبا منظمة بدرجة أكبر. وستكون الحياة الزوجية، بالتالي، أسعد مما هي عليه في الشرق الإسلامي. بيد أنني فيما بعد، حينما كبر أطفالي ولم يعودوا بحاجة إلي رعايتي واهتمامي المتواصل، صرت أكثر اتصالا بالواقع، واكتشفت بشكل مطرد أنني أسأت الحكم علي البشر وعلي المواقف، وأفرطت في الاغترار ببريق الظاهر.
لاحظت علاقات كثيرة تسمى: زوجية، ولكنها في حقيقتها علاقة هدفها الوحيد هو: العذاب اللعين لمن تجمعهم رابطتها. وشاهدت زيجات كثيرة تعيسة جعلتني لا أعتقد ان الزواج المسيحي أسمى من الزواج الإسلامي، ولا هو مفتاح للسعادة أكثر منه. وأنا علي قناعة أن سر السعادة الزوجية أو التعاسة الزوجية ليس الدين ولا الأعراف والرؤى السائدة، بل هو: التفاهم الحقيقي بين الزوجين. فإذا وجد ذلك التفاهم سادت السعادة والسلام، وترعرع انسسجام داخلي يحول العلاقة إلي زواج حقيقي.
ولا صحة لأسطورة أن العربي يعامل زوجه باحترام أقل مما تعامل به المرأة هنا في ألمانيا. . فالمرأة في الشرق الإسلامي محل لرعاية الدين الذي يضعها في حماية الرجل المؤمن التقي الذي يحترم المشاعر الإنسانية، بدرجة لا تقل عن أي أوربي متحضر وعلي خلق بل إن المسلم يلزم نفسه بصرامة بمعايير أسمى وأعلى، لاستحضاره معية الله تعالي الذي جاء هذا الشرع من عنده، ولا تغيب تلك المعايير عن ذهنه أبدا، لكونه يتعلق حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بالثواب العادل، أو العقاب علي ما قدم من الحسنات، وما اقترف من السيئات.
وإلي جانب الأخيار، يوجد الطغاة، هنا وفي زنجبار علي السواء، الذين لا يرون أن المرأة أهل للمحبة والاحترام. ولكن ضميري يدعوني إلي القول بأنني رأيت أزواجا خسيسين يسيئون معاملة أزواجهن في ألمانيا أكثر مما هو الحال في بلادي”
"يتبع"
17/02/2011, 10:46 AMجداول
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة Oman Dictionary مشاهدة المشاركات
اخي العزيز
يخيل لي ان هنالك توجها حكوميا اكبر من ذلك
فالكتب التي صدرت و البرامج التي اذيعت جاءت بعد زمان طويل من الصمت
لماذا جاءت ترجمة هذا الكتاب الأن مع انه موجود منذ ١٤ سنة?
مجرد تساوءلات لا اكثر
ليس كل ما يدور بالكون من تصميم وتوجيه الحكومة.
لقد كانت رغبة المؤلف (رحمه الله ) أن تصدر الترجمة العربية لكتابه فور صدور الطنعة الإنجليزية الأصلية. ولكن شاءت المقادير أن تتأخر ترجمة الكتاب حتى هذه الأيام. فليس من السهل الحصول على من يقوم بالترجمة بدقة وأمانة. والآن من الله علينا بالأستاذ الدكتور السيد عمر للقيام بهذا الدور.
17/02/2011, 11:45 PMجداول
4
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
الرق في مقابل الظروف الاجتماعية في أوروبا
تتساءل السيدة سالمة بخصوص الحملة ضد شرور الرق، التي كثيرا ما يحلو للغرب أن يعتبرها من مفاخره قائلة:
"لماذا دقوا أجراس الخطر حينما كان لدينا عبيد، كانوا يعيشون في سعة، هي أسمى بما بين السماء والأرض بالمقارنة بالأوضاع المعيشية لكثيرين من الناس هنا؟ إن التناقض بين الأثرياء والفقراء لا يكشف عن نفسه في أي مكان قدر حالته في عالم الشمال البارد، الذي يجمع بسفور بين غاية الوفرة والترف للبعض من جهة، وبين الفقر المدقع الذي تنفطر له القلوب، لغيرهم من جهة أخرى.
رأيت ذلك الفقر بأم عيني ذات مرة في أسرة سائق عاطل عن العمل، ليس لديه غير أطفال يتضورون من الجوع، ويرتعشون من شدة البرد. . وبرؤيتي لهذه الحالة المزرية، التي لسوء الحظ لم يكن بوسعي أن أقدم لها علاجا يجتثها من جذورها، بل مجرد شئ يخفف وطأتها إلي حين، جاشت عواطفي، فلم أستطع أن أذوق أي طعام طيلة ذلك اليوم.
ولم أستطع في تلك المناسبة أن أدفع عن ذهني حقيقة أنه، لو خير عبيدنا بين حالتهم التي هم عليها في الشرق، ومثل هذه الحالة في الغرب، فلن يقبل اثنان من كل مائة عبد من عبيدنا، مقايضة أمنهم بمثل هذه الحرية. ثم أليست الخدمة العسكرية نوعا من الرق؟ إن من يتحررون من التحيز كله، ومن ينظرون للمسيحية من خارجها، ومن لا يعرفون عنها غير دعوة عيسى بن مريم للسلام والمحبة من خلال الكتب والروايات، سيجدون من العسير تفهم سعي أتباع تلك الديانة للتنافس فيما بينهم، علي اختراع أبشع الأسلحة فتكا وإزهاقا لأرواح البشر. وهم هنا يسمون ذلك: تقدما، ولكن المرء لو نظر إلي ذلك بفطرته البسيطة، فإنه سيرى أن كل ما يسمى تقدما، وكل ما يترتب عليه، هو عمل من عمل الشيطان. وأنا علي يقين كامل من صحة ما أقول. ”
هذه هي آراء سيدة عربية زنجبارية ولدت في الإسلام، ولكنها ارتدت إلي المسيحية، وعاشت في أوروبا وبات بوسعها، أن تقارن، وأن تقابل بين ما بأوطاننا وما بالغرب المسيحي. والحكم الذي أصدرته واضح وقاطع. والبقية تأتي. ففي خطاب أرسلته إلي صديقة حميمة لها، نقرأ قولها:
"مات زوجي دون أن يترك وصية. بل دون أن ينطق بكلمة واحدة بخصوص مستقبلي أنا وأطفالي، ناهيك عن تعليمهم. ومعنى ذلك لأول وهلة، أنني كنت حرة في الذهاب إلي حيث أشاء طالما أن أطفالي صغارا، ليسوا بحكم العرف والقانون مطلوبين لا للمدرسة، ولا للخدمة العسكرية.
دخلت في صراع مرير مع نفسي دام سنوات لأصل إلي قرار بأن معنى وجودي كله والنعيم الدنيوي هو في الوطن. ولكن الوفاء لذكرى زوجي وقفت دون تحقيقي هذين المطلبين. وبقلب ينفطر حرمت نفسي من لم الشمل معكم. وقررت وفاء لزوجي أن أدع أبناءه يتربون في هذا البلد، كما كان يريد. لأنني، لو كنت مكانه لرغبت، بالقطع، في أن يتربي أطفالي علي طريقة العرب".
وهكذا ضحت السيدة سالمة، أو إيميلي روتي، علي عكس عقيدتها الراسخ التي تربت عليها، بمصيرها الدنيوي والأخروي.
"يتبع"
18/02/2011, 06:14 PMجداول
15
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض الكتاب، مكتبة بيروت
بشير والمغاوير الآخرون
من بين الصور التي كانت تزين جدران حجرة الجلوس في بيت العم عيسى صورة بشير بن سالم الحارثي الذي قاد التمرد ضد الاحتلال الألماني في البر التنجانيقي. كان هذا في عهد السيد خليفة بن سعيد، أو خليفة الأول. وفي الصورة نرى بشير واقفا وبيده مسدسا، وحول وسطه حزاما مملوءا بالطلقات. وبعض الأسرى الألمان يجلسون القرفصاء، مصفدين عند قدميه. وناشدت الحكومة الألمانية السلطان طالبة منه العون في قمع تمرد بشير، فرد السيد خليفة بن سعيد بهذا الرد الخالد:
"إننا نحكم شعبنا بالمودة وليس بالقوة. وهم بفضل الله تعالي يطيعوننا. فهم ليسوا عبيدا لي. ولقد أعطيتكم سلطة جباية رسوم جمركية. وما كنت لأبيع لكم أرضا لم تكن أبدا من ممتلكاتي. فالأرض ملك للشعب”
وعن بشير نفسه كتب توماس باكانهام في كتابه " التكالب علي إفريقيا":
زعيم أول انتفاضة ضد الاستعمار الألماني في إفريقيا هو سواحيلي صاحب مزرعة قصب سكر حاد الطبع يدعى: "بشير بن سالم الحارثي، وهو رجل قصير القامة مفتول العضلات، عيناه شديدتا السواد لكون أمه من الجالا، وسيماه (هكذا يقول ألماني) شبيهة بنمر وثاب. وعلي مدى قرن كامل تحدت عشيرته- الحرث – بمكائدها، سلاطين زنجبار، وكان يعلم أنه سيغامر بحياته لو جاء إلي زنجبار”.
حشد الألمان تعزيزات من ألمانيا ومن المرتزقة الأفارقة، وبهم هزموا بشير، وشنقوه علانية فيما بعد. وبشير هذا ابن سالم بشير الذي تحالف قبل ذلك بثلاثين عاما، وبالأحرى عام 1859 مع جدي عبد الله بن سالم والسيد برغش للتصدي لفصل شرق إفريقيا عن عمان، من جراء تمرد السيد ماجد ضد شقيقه الأكبر السيد ثويني الوريث الشرعي لسعيد بن سلطان. وسالم بشير هو الذي بنى البيت الكائن في راس شنجاني المسمى (مامبومسيجي)، التي تعني: البيت الفريد، غير القابل للتقليد. وجاء السيد ماجد فجعل ذلك البيت من ممتلكات الحكومة.
أما الرجل الثاني في قيادة التمرد بعد بشير فهو بطل من جزر القمر يدعى مويني هازي، عرف بشجاعته النادرة. وكان السواحليون يسمونه، ببساطة: جهازي. أما الرفيق الآخر لبشير فهو بوانا خيري حاكم بانجاني.
وألف حميد بن عبد الله البهري من تانجا ملحمة شعرية رائعة بالسواحيلية حول تلك الحرب ضد الألمان، سماها: الحرب الألمانية. أما السبب المباشر لتلك الحرب فهو الطغيان البالغ لوكيل ألماني شاب يدعى ايميل فون زاليوسكي، الملقب بـ: المطرقة، فلقد أجبر ذلك المندوب الألماني سليمان بن ناصر اللمكي الوالي الحاكم باسم السلطان، أن يأخذ منه أوامر وتعليمات أربع مرات يوميا. وأزاح علم السلطان، واستبدله بالعلم الألماني. وفرض ضريبة علي الرؤوس، وضريبة علي المدافن، وضريبة علي التركات.
وعم الغضب الشعبي في تانجا نتيجة دخول بعض الألمان المساجد في رمضان بصحبة كلابهم. وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير. فاندلعت انتفاضة، شارك فيها كل سكان البر والساحل بزعامة بشير. وساهم سلطان أوسامبارا بستة آلاف مسلح، معلنا أنهم سيقاتلون حتى آخر رمق، ولن يقبلوا أن يكونوا عبيدا للألمان. واستطاعت قوة الانتفاضة التي بلغ قوامها اثنين وعشرين ألف مقاتل أن تطرد الألمان من كل المناطق، عدا دارالسلام وباجامويو. إلا أن الألمان أتوا بتعزيزات عسكرية من الضباط الألمان والمرتزقة الأفارقة، استطاعت في النهاية قمع الانتفاضة.
واتفق الزعيمان البريطاني سالسبوري، والألماني بسمارك، علي فرض حصار بحري مشترك علي الساحل لمنع وصول إمدادات الأسلحة والذخيرة إلي مقاتلي بشير. وكما يقول توماس باكنهام في كتابه المشار سالف الذكر، فإن الحصار "روج علي أن هدفه إنساني، وهو منع تجارة الرق العربية، بينما كان هدفه الحقيقي القضاء علي بشير”.
"يتبع"
19/02/2011, 02:34 PMجداول
16
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل قريبا في معرض مسقط للكتاب لدي مكتبة بيروت.
وحضرت قبل مشاركتنا في حلقة مقديشيو العلمية، مؤتمرا تربويا في جامعة كامبيردج عام 1952. بصحبة كل من: ب. أ. بب مدير التربية والتعليم، وهان مفتش المدارس، والذي شغل لاحقا منصب مدير التربية والتعليم هو الآخر. وكان موضوع المؤتمر هو مناقشة موضوع التربية والتعليم فيما كان يسمى: إفريقيا البريطانية. وتطلبت ترتيبات منظمي المؤتمر تضمين الوفد شخصا غير حكومي مهتم بالتعليم، ووقع علي الاختيار. وكان ذلك المؤتمر هو الفرصة الأولي لي للإحتكاك بشخصيات دولية، وأتعرف علي تربويين من كل أرجاء إفريقيا وعلي الفعاليات الفكرية البريطانية المعنية بمشكلات التعليم في إفريقيا.
وشكلنا ضمن فعاليات ذلك المؤتمر لجنة صغيرة لمعالجة الاحتياجات الخاصة للمجتمعات الإسلامية. واستفدنا في عمل تلك اللجنة من خبرة خبيرين هما: سر الختم خليفة، مدير التعليم في جنوب السودان، ومحمود أحمد مفتش المدارس بالصومال البريطاني، والذي كان هو الأب الروحي للتعليم في الصومال، وأسسنا في زنجبار فيما بعد، في ضوء توصيات هذين الخبيرين، المدرسة الابتدائية العربية، التي صارت نموذجا يحتذى.
وفي عام 1958 أتى هذان الخبيران التربويان إلي زنجبار للإطلاع علي ما أحرزناه من تقدم. وكان من المقرر أن يقيما معي أثناء تلك الزيارة لبلادنا. إلا أنه لسوء الحظ، أطاح الجنرال ابراهيم عبود بالحكومة السودانية المنتخبة واستبدلها بحكومة عسكرية، قبيل وصول الطائرة التي تقل هذين الضيفين إلي زنجبار. وبعد تبادل التحية بيني وبين سر الختم الخليفة في المطار لفترة وجيزة، اضطر إلي العودة إلي بلاده علي الفور.
وبعد ست سنوات أطاح سرالختم خليفة بمعونة الأساتذة والطلبة بنظام الحكم العسكري، وأعاد الحكم المدني إلي السودان، وشغل منصب رئيس الوزراء علي نحو مؤقت إلي أن تجري الانتخابات. إلا أنه لم يفز في الانتخابات التي ساهم في إجرائها. وعمل بعدها لفترة وجيزة سفيرا للسودان في لندن ثم اختفي من المسرح السياسي.
أما محمود أحمد فحل ضيفا علي في زنجبار عدة أيام. وبعد تفقده رياض الأطفال في حي الفرضة، والمدرسة الإبتدائية العربية، والمعهد الإسلامي، قال بلهجة ملؤها الحماسة والأمل: "إنني علي ثقة ترتيبا علي ما رأيته اليوم أن اللغة العربية ستغدو في غضون عشر سنوات هي لغة التعامل في السوق". ولم يكن يدري لحظة نطقه بهذه الكلمات هو ولا أنا بالكارثة التي كان يجري التدبير لها. لم نكن نعلم أنه في القريب العاجل سيعيد البرابرة ساعة زنجبار عصورا إلي الوراء، علي نحو قل نظيره علي مدى التاريخ.
فبعد الإطاحة بحكومتنا، دفن كارومي وزبانيته أجهزة المطابع العربية الثمينة في الصحافة الحكومية. ولم يعد هؤلاء بحاجة إلي أي مطبوعات باللغة العربية. وحظروا تعليم الإسلام واللغة العربية. وبأمر من وزير التربية والتعليم الرفيق علي سلطان، تم جمع نسخ القرآن الموجودة بالمدارس وحرقها مع النفايات في محرقة النفايات العامة. وأزيل المعهد الإسلامي من الوجود. وأنهي نيريري وكارومي مشروع المنح الدراسية الذي كان المئات من أبنائنا وبناتنا يحصلون بموجبه علي تعليم مجاني في مصر. كما تم إلغاء مقترح إنشاء جامعة مسلمي شرق ووسط إفريقيا، التي كان قد تم الاتفاق مع مصر علي إنشائها.
"يتبع"
22/02/2011, 09:47 AMجداول
17
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي ستنزل اليوم في معرض الكتاب – مكتبة بيروت.
مع نيريري في غانا
ذات مساء في شهر مارس 1958، كنت جالسا مع جوليوس نيريري في رواق فندق أفينيدا اليوناني بأكرا، أحتسي عصير الأناناس، بينما يرتشف هو شرابا ما معتقا. قلت له: "ما يقض مضاجعنا في زنجبار هو عدم كفاية المرافق التعليمية. فليس لدينا ما يكفي من المدارس الثانوية، ولا يوجد لدينا معاهد عليا. ولو تيسر لي حل مشكلة التعليم، فإن ذلك سيفضي بالتبعية إلي حل المشكلة السياسية، لأن من سيظلون قابلين للتغرير بهم حينئذ سيكونون قلة قليلة.”
رد نيريري بالحرف الواحد، بقوله: "لاحاجة لي بالتعليم، علي الأقل في الوقت الحاضر. ومن حسن حظي أنه لا يوجد عندي عدد كبير من المتعلمين، لأن تلك القلة المتعلمة هي مصدر الصداع بالنسبة لي. فأمثال فونديكيرا ولوجوشا وماريالي هم الذين يعارضونني. ولا أريد المزيد منهم بالمرة في الوقت الراهن. فالتعليم سيأتي بعد الحصول علي الاستقلال. أما ما أنا بحاجة إليه الآن فهو سيارات لاندروفر. فبلادنا مترامية الأطراف. ولكي نفوز في المعركة الانتخابية القادمة يتعين علينا أن نجوبها بطولها وعرضها من أجل الدعاية الانتخابية. وستغمرني سعادة لاحدود لها، إذا عثرت علي بلد علي استعداد لإمدادي بتلك السيارات”.
قلت له: "علي حد علمي يمكن أن تقدم مصر مثل هذه المعونة. فلم لا نتصل بالسفير المصري هنا، وتطلب منه ما تريد، وأطلب منه أنا ماأريد؟ رد بقوله: " حدد لنا ميعاد معه”. بناء علي طلبه هذا اتصلت هاتفيا بالسفير، واتفقنا علي اللقاء في العاشرة صباح اليوم التالي.
حرص صاحبي نيريري علي مغادرة حجرته بالفندق التي كانت مقابلة لحجرتي، في الصباح الباكر، وغادر الفندق دون أن يترك أية رسالة.
اضطررت إلي الذهاب إلي السفارة المصرية بمفردي. وقلت للسفير أن صديقي ربما يأتي بنفسه ويقدم لكم مطالبه. أما أنا فإن ما أريده هو معونة بلادكم لنا في التعليم الثانوي، وما بعد الثانوي. وأبدي السفير تعاطفه مع مطلبي. وأكد لي أنه علي يقين بأنه سيلبي. ولكن علي أن أزور مصر بنفسي بهذا الخصوص، وسيعلم حكومة بلاده بزيارتي وباحتياجاتي.
تذكرت أن وفدا من الحزب الوطني الزنجباري كنت من بين أعضائه، رد علي عقبيه من نيروبي في العام السابق، وحيل بينه وبين حضور المؤتمر الأفروأسيوي الذي كان مقررا عقده في القاهرة. وتحاشيا لتكرار تلك التجربة، رتبت مع وكيل سفرياتي م. تاكيم أن يزودني بتذكرة سفر من زنجبار إلي أكرا والعودة. ويزودني بتذكرة أخرى منفصلة من أكرا إلي القاهرة لأستخدمها إن لزم الأمر.
وتبين لي لاحقا ما لم أكن أعلمه في حينه، من أن نيريري تجنب عن عمد الإلتقاء بالسفير المصري. فطيلة سنوات نضالنا لم يحدث أبدا أن شارك نيريري في مؤتمر مناهض للإستعمار. فهو كان يعرف جيدا الجانب الذي تلتقي معه مآربه. ولم يكن علي استعداد بالمرة لقبول اقتراح قد يؤدي من قريب أو بعيد إلي تصنيفه في خانة المناهض للإستعمار. ومن شأن ربطه، وهو لا يزال طري العود، بمصر الناصرية أن يشوه اسمه في نظر الاستعمار بلا ريب.
"يتبع"
22/02/2011, 10:29 PMجداول
18
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي نزلت لدى مكتبة بيروت بمعرض مسقط للكتاب.
لقائي جمال عبد الناصر 1958
أجلت مغادرتي للعاصمة المصرية. وفي غضون يوم واحد جاء مسؤل بمكتب الرئيس إلي شقة أحمد رشاد المتواضعة ليخبرني أنني من الآن ضيف الرئيس، وأنه جاء ليصطحبني إلي فندق. فالرئيس سيقوم برحلة عاجلة إلي يوغسلافيا لمقابلة المارشال تيتو. وسيقابلني بمجرد عودته. شكرت ذلك المسؤول، وقلت له أنني منذ وصولي القاهرة أعتبر نفسي ضيف الرئيس والشعب المصري. ولكنني مستريح حيث أنا الآن مستمتعا بكرم الرئيس، وسأنتظر عودته بالسلامة. وواصلت الإقامة في شقة رشاد، وسرعان ما عاد الرئيس جمال عبد الناصر من الخارج.
جاء اليوم الموعود فجأة. أصطحبوني إلي قصر القبة حيث من المقرر أن ألتقي بتلك الشخصية السياسية الأكثر إلغازا في حينها. رافقني أحمد رشاد حتى باب القصر الجمهوري. وهناك طلب الحرس مني أن أتقدم بمفردي. رفضت ذلك بالمطلق، مصرا علي أن يبقي معي رفيقي رشاد في تلك المقابلة. استغرقت الموافقة علي هذا الطلب ربع ساعة من الاتصالات التليفونية بين حرس البوابة وبعض المسؤولين بالقصر، إلي أن لان البروتوكول المصري وسمح بدخولنا معا.
وأود القول أنني التزمت علي مدى حياتي السياسية بمبدأ لم أحد عنه مطلقا، وهو أن أصطحب أحد رفاقي في أي اجتماع أعقده مع مسؤول أجنبي. ذلك انني أكون في حاجة إلي من أستشيره، ولمن يضمن أن لا يحرف ما قلته فيما بعد عن مواضعه. والعقلان دائما خير من العقل الواحد. ولم أكن في حينها أعلم، ما علمته فيما بعد، أنه لم يكن من اللياقة بالنسبة لرشاد بوصفه من صغار الموظفين أن يكون بصحبتي لدي مقابلتي للرئيس. هذا هو رأي أصحاب البروتوكول. أما بالنسبة لي فكان زميلي.
انتظرنا بعض الوقت في صالة الانتظار، بينما كان الرئيس مجتمعا بالسفير الأمريكي. وقال لنا السكرتير الخاص للرئيس وهو يرشدنا إلي مكان الاجتماع، أن الوقت المتاح للمقابلة ربع ساعة، لأن موعد جلسة مجلس الوزراء سيحين بعد قليل. قلت للسكرتير هذه مدة أكثر من كافية، لأن مهمتي لن تحتاج لكل هذا الوقت.
وفي طريقنا إلي مكتب الرئيس شاهدنا الوزراء في غرفة أخرى في انتظار الاجتماع بالرئيس. قابلنا جمال عبد الناصر بالأحضان وبقلب مفتوح. وسرعان ما أدركت أنه هاهنا ستحل مشكلاتنا في نهاية هذا المشوار الطويل. ولعلمي بأن الفسحة المتاحة لي قصيرة، دخلت في الموضوع مباشرة، قائلا أن ما نحن بحاجة إليه هو معونة تعليمية. وبعد تبليغ تلك الرسالة عدت إلي الإسهاب في الحديث عن العلاقة الأساسية التي تربط بين شعبينا وبلدينا، مستعرضا لبابها من الماضي إلي الحاضر. وتأثر الرئيس بما جاء علي لساني، إلي حد دمعت معه عيناه. ثم قال بعاطفة جياشة: "كيف لم أعرف بتلك الآصرة الوثقى بيننا من قبل”. وبعد ربع ساعة جاء السكرتير ليعلن أن المدة المحددة للمقابلة انتهت، والوزراء منتظرون، فقال له جمال: "قل لهم انتظروا قليلا. فسيسعدهم الاستماع إلي ما يخبرني به أخونا هنا”
دام لقاؤنا ساعة كاملة، تلتها عشر دقائق لالتقاط الصور. وقبل أن ينتهي اللقاء قدم لنا جمال عبد الناصر أربعين بعثة تعليمية. وقال: "ابعثوا الأطفال إلي مصر، وسنعلمهم، ونطعمهم ونكسوهم. وفي أي مرحلة علمية يأتون سنعلمهم حتى يحصلوا علي مؤهلاتهم. إلا أنك أن أردت إيفاد بنات أو اطفال صغار، فإنني أوصيك بقوة بأن ترسل معهم مربيتين تعتنيان بهم، وتعاملانهم كما لو كانوا بناتهن وأبنائهن. فأنا أود أن تأخذوا أحسن ما عندنا. ولكنني لا أريد أن يتمصر أطفالكم. والمربيتان القائمتان مقام الأم لأولئك الأطفال ستكفلان تربيتهم كزنجباريين أصلاء. وأنا أيضا علي استعداد لأن أرسل أي عدد من المدرسين تحتاجونه إلي زنجبار، وسندفع رواتبهم، شريطة تأمينكم سكن مؤثث لهم. ولما كان ذلك سيتوقف علي مدى قدرتكم علي تحمل التكلفة، فإنني أدعوك إلي التشاور مع اخوانك بعد عودتك حول عدد المدرسين الذي أنتم بحاجة إليه، وعلي استعداد لتوفير المسكن لهم”.
شكرت الرئيس، وسألته عما إذا كان من الممكن تخصيص بعض تلك المنح الدراسية الأربعين لكينيا وتنجانيقا. وقلت: "إن من عادتنا في شرق إفريقيا التعاون في مثل هذه الأمور. وأعلم أن طلبة أوغندا يدرسون هنا بمنح دراسية بالفعل. أما كينيا وتنجانيقا فلا يوجد مبتعثون منهم بمصر”.
رد الرئيس: "هذا أمر يرجع إليك. منحتك هذه المنح الدراسية، فافعل بها ما تشاء، ولكن مع مراعاة نقطة فنية واحدة. أنت تمثل حزبا سياسيا. ولا يطيب لي أن يبدو الأمر وكأنني قد قدمت معونة لحزب سياسي. هذه مسألة شكلية، لكنها مهمة ".
أجبته بأنني أيضا: "سكرتير مشارك لجمعية أولياء الأمور وهي منظمة غير سياسية. وبالمصادفة فإنني سكرتير لجنة المنح الدراسية بها”.
عقب بقوله: "حسنا. بذا لم تعد هناك أي مشكلة”.
"يتبع"
22/02/2011, 11:09 PMالسيل الهادر
رائع أخي أعتقد أني بإذن الله سأشتري نسختي غدا فالكتاب شكله سمين جدا بمعلوماته
23/02/2011, 03:29 AMجداول
19
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي يمكن الحصول عليها من مكتبة بيروت بمعرض مسقط للكتاب,
وتتم الزراعة في المناطق الشرقية من جزيرة زنجبار بين صخور مرجانية، في جيوب من الأراضي تحتوي تربتها علي كمية كبيرة من الأسمدة العضوية والنباتية. أما المحاصيل التي كنا نزرعها فيها فهي: الذرة العويجة، والدخن، واللوبيا الهندية والذرة، والبطاطا. وبالإضافة إلي ذلك كان سكانها صيادون، وبيئتها صحية، وخالية من الناموس، مع وفرة في الأغذية الغنية بالبروتينات من البحر، والظباء، والدجاج الحبشي، التي يتم صيدها من الأدغال.
وفهمت عبر سيري في الريف الزنجباري بطوله وعرضه علي الأقدام السر في اختيار المستوطنين الأوائل لمناطق الشعب المرجانية، وعزوفهم عن الإقامة في مناطق الأحراش. فلم يتم العثور في مناطق الأدغال التي يجري الآن زراعتها بالقرنفل وجوز الهند، علي أي إثر واحد، أو علي مقبرة، تعود إلي أكثر من ثلاثة قرون.
وبتعبير آخر، أنه لم يتم استيطان مناطق الأحراش وتعميرها إلا بعد طرد البرتغاليين. فقط في جنوب الجزيرة وغربها وشمالها توجد آثار تدل علي سكنى البشر فيها من عشرة قرون. نذكر من ذلك علي سبيل المثال: انجوجاأكو التي يشير اسمها ذاته إلي أنها كانت العاصمة، في وقت ما، وكيزمكازي التي يوجد بها مسجد قديم عليه نقوش تبين أنه كان جزءا من محلة كانت قائمة منذ أكثر من تسعمائة سنة.
وأكثر تلك الآثار إبهارا أطلال مدينة بجزيرة تومباتو في مكان يسمى ماكوتاني. ومن المحتمل أن تكون هي المدينة التي بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (26-86هـ-646-705م). أما الدليل الحي علي أن هؤلاء المستوطنين الأوائل منحدرون من أصول منبتها في الخليج وبقية جزيرة العرب، فهي ماثلة لكل ذي عينين تبصران.
فالوابيمبا والواهديمو والواتومباتو هم المنحدرون من تلك الأصول، وهم الآن مخلطون يجري في عروقهم دم بانتوي من البر الإفريقي. ومن بين هؤلاء بعض أفراد احتفظوا بسلسة نسبهم إلي أولئك الجدود في ذاك الماضي البعيد.
وقد يعجب المرء لسر تفضيل هؤلاء المستوطنين تلك المناطق الأقل خصوبة في الظاهر علي مناطق الأدغال الأكثر إغراء. ولنتفهم منطق ذلك، علينا أن نتذكر أن المهاجرين جاءوا من بلدان مجدبة أكثر من أي مكان وجدوه في زنجبار. فلقد جاءوا من بلد شبه صحراوي. وكانت مناطق الشعب المرجانية، والأحراش المتوسطة الكثافة الزنجبارية أكثر شبها بالمناطق التي اعتادوا العيش فيها، بالقياس بمناطق الأدغال الكثيفة. ولم تكن الزراعة بتلك المناطق تحتاج لأكثر من إزالة ما بها من شجيرات وحرقها لتخصيب التربة ببقايا ما بها من بوتاسيوم، ثم استخدام وتد مدبب أو محراث تجره الأبقار في حرث الأرض وبذر البذور. وبهذه الطريقة يحصل المزارع علي كمية وفيرة من الذرة العويجة والخن، والحبوب بشتى أنواعها، وبالأخص البطاطا واللوبيا الهندية. وأمام القاطن في مثل تلك المناطق البحر بما يحتويه من خيرات وفيرة من الأسماك وغيرها من المطعومات البحرية، والرخويات البحرية، والربيان، والكركدن، والأخطبوط، تماما كما هو الحال في مياه الخليج وجنوب جزيرة العرب.
وفي تلك الأحراش كميات وفيرة من الظباء والدجاج الحبشي يمكن صيدها بذات الشباك التي تستخدم في صيد الأسماك. أما مناطق البر المتاخمة لتلك الصخور المرجانية فتشمل سهولا فسيحة من شيجو وأوبنجا تمتد بطول الجزيرة كلها علي وجه التقريب. وكانت هناك ولا تزال مناطق لزراعة الأرز لسكان المناطق المرجانية الشيرازيين. والتحجير والجير من الصناعات التقليدية في تلك المنطقة. وحتى عهد قريب كانت سواري أخشاب المنجروف تصدر من منطقة تشراوي إلي الجزيرة العربية.
أما مناطق الغابات الكثيفة من زنجبار التي تعج بالبعوض وتعلو فيها درجة رطوبة الجو، فقد دفعت أولئك الرجال المتعودين علي ظروف الصحراء شبه المفتوحة إلي تجنب العيش فيها. فقط قد يغامرون من آن إلي آخر بدخولها للحصول علي أخشاب لصنع القوارب الصغيرة، والمراكب الشراعية، والأبواب. ولكن لا إقامة دائمة هناك، تماما كما أنه لا إقامة دائمة في سهول الأرز. فكلا الغابات والسهول كان بمثابة رصيد احتياطي للاستخدام الموسمي أو عند اللزوم.
"يتبع"
24/02/2011, 07:20 AMجداول
20
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي تباع بمكتبة بيروت بمعرض مسقط للكتاب.
الشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي
جاءت نقطة التحول المصيرية الحاسمة في مسار الجمعية العربية، حينما تبنى رئيسها المبجل الشيخ عبد الله بن سليمان الحارثي مبادئ الوطنية الزنجبارية، بكل مضامينها، جملة وتفصيلا. ومن النادر للغاية أن يتحول رجل مسن راسخ القدمين في موقعه، إلي مناصر لقضية راديكالية جديدة. ولكن الشيخ عبدالله كان من نوعية يندر نظيرها. فهو عالي المقام في الشجاعة الأخلاقية، وفي الأمانة، وفي الإخلاص.
بالصدفة البحتة، كان مسقط رأسه في عمان. فسلالة الحارثي ذات جذور عميقة في زنجبار وشرق إفريقيا تعود لأكثر من ألف عام. ويقال أن أول شيرازي قدم إلي شرق إفريقيا عام 985 ميلادية، بعد قدوم الحرث إليها بستين عاما. وكان الشيخ عبدالله هو ثاني أهم شخصية مرموقة في زنجبار بعد السلطان. له سمعة طيبة في إصلاح ذات البين والحكم بين المتخاصمين أفرادا كانوا أم طوائف. وهو من النوع الذي يتمسك بما يعتقد أنه الصواب مهما كانت النتائج التي يجرها عليه موقفه. لا يكل ولا يمل أبدا من السعي إلي الوئام والوحدة.
أحببته واحترمته حب الإبن واحترامه لأبيه. وكنت أعلم أنه، في المقابل، يحبني حبه لابنه. ولأمانته وورعه البالغ عهد إليه بالإشراف علي ممتلكات مهمة خاصة باليتامى والأرامل ومن يعيشون عادة خارج البلاد، وإدارتها. وما أن ثمن الشيخ عبدالله حكمة الوحدة الوطنية كنقيض للطائفية، والمناداة بالتحرر الكامل من الحكم الاستعماري، كنقيض للإصلاحات السطحية في سياق الوضع القائم، حتى بات موضع ولائنا الكامل. ووفي هو بعهوده ولم يتزحزح عنها. وفشلت كل المحاولات التي بذلتها الإدارة الاستعمارية للوقيعة بينه وبين مجموعتنا الراديكالية. وترسخت الثقة المتبادلة بيني وبينه.
وكان الشيخ عبدالله يشغل منصب رئيس جمعية الاتحاد الزراعي، إلي جانب رئاسته للجمعية العربية. وكان الفاضل أحمد لاكا المنحدر من أصل آسيوي هو نائب رئيس منظمة الاتحاد الزراعي. وكنت أمينا مشاركا لها مع سعيد مباي، القمري الأصل، إلي جانب عضويتي في كل من: اللجنة الاستشارية للتربية والتعليم، واللجنة الاستشارية للزراعة، ولجنة المتحف، ومجلس جوز الهند المجفف.
"يتبع"
24/02/2011, 05:30 PMجداول
نزل في معرض مسقط للكتاب عند مكتبة بيروت كتاب جديد بعنوان "الصراعات والوئام في زنجبار- ذكريات علي محسن البرواني"
الكتاب من تأليف الشيخ علي بن محسن البرواني، الشاعر والمفكر والسياسي العربي الزنجباري والذي قاد حركة الكفاح لاستقلال زنجبار من بريطانيا. خدم المؤلف كأول وزير للخارجية لحكومة جلالة السلطان جمشيد بن عبدالله بعد الإستقلال.
فور وقوع الإنقلاب الدموي في زنجبار اعتقل الشيخ علي في معتقلات الرئيس التنزاني السابق جوليوس نيريري لما يزيد عن عشر سنوات دون محاكمة. بعد الخروج من المعتقل قام المؤلف بتأليف عدة مؤلفات باللغات السواحيلية والإنجليزية. من أهم أعماله الأدبية ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة السواحيلية.
ترجم هذا الكتاب الجديد إلى اللغة العربية الأستاذ الدكتور السيد عمر- أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر وأستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية بمملكة البحرين.
http://up50.s-oman.net/cover1_y05rv.jpg
25/02/2011, 09:31 AMجداول
21
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي تباع لدى "مكتبة بيروت" بمعرض مسقط للكتاب.
الشنق أهون من الاعتقال
من المؤكد أن الرق والاستعمار شرور أهون من الاعتقال دون محاكمة. ولكن قليلون هم أولئك الذين يدركون هذه الحقيقة. وإنه لكابوس، أن يعيش المرء في بلد يمكن فيه القبض التعسفي عليه وفق هوى شخص أوحد، ويزج به في غياهب السجن لأجل غير مسمى. فمشهد الأفاعي وهي تختبئ في كل جحر لا يمثل كابوسا لمن سبق أن لدغته فحسب، بل هو الجحيم بعينه.
أما والحال كذلك، فإن السجون المنتشرة في كل أرجاء تنزانيا تعج بمئات المعتقلين، لا يعرف الكثيرون منهم التهمة القانونية التي بسببها هو داخل السجن، لأن أحدا منهم لا توجه له تهمة. ويعتري مثل هؤلاء المعتقلين إحساس غامر بإمكانية نسيانهم.
و يفقد المعتقل بمجرد أن يصير داخل السجن، أي مؤشر مهما كانت ضبابيته بخصوص الموعد الذي سيتم إطلاق سراحه فيه. فهو بالسجن طالما كان ذلك يسعد الرئيس. ولقد وصف بيرنارد بلامود شعور المعتقل بأسلوب بليغ في كتابه الموسوم "المتواطئ” بقوله:
"وهكذا تمر الأيام. كل يوم يمر وحيدا. يزحف كشئ يحتضر. وفي بعض الأحيان، يفكر، فيري أن ثلاثة أيام مرت. ولكن الثالث هو والأول سواء. إذن هو في اليوم الأول لأنه لا يستطيع أن يجد فرقا بين أن ير كل يوم من الأيام الثلاثة قائما بمفرده، أو أن يجمعها معا. يوم واحد يزحف ببطء وينقضي، ليتلوه يوم واحد آخر يسير علي دربه.
إذن لا يكون أبدا أمام أيام ثلاثة، ولا خمسة، ولا سبعة. فلا وجود لما يسمى الأسبوع، طالما أنه لا نهاية لزمانه في السجن. ولو أنه كان يقضي حكما بعشرين سنة مع الأشغال الشاقة في سيبريا، لكان للإسبوع معنى ما.
أما بالنسبة لرجل قد يمكث بالسجن أياما غير معدودات، فلا يوجد إلا يوم أول يتلوه يوم أول آخر الثالث هو الأول. والرابع هو الأول. والواحد والسبعين هو الأول. والأول هو الثلاثة ألوف. ”.
ومن المصادفات ذات الدلالة أنني يوم قرأت هذا الاقتباس في الخامس من اكتوبر 1972، كنت في اليوم رقم 3187 في المعتقل، وبعد عامين كاملين، وفي ذات اليوم الخامس من اكتوبر 1974 وصلت حرا إلي مصر. وقال لي أوباديو روجامبوا مدير السجون التنزانية ذات يوم أنه يفضل أن يشنق على أن يعتقل. وهو يعي ويعني ما يقول. فالاعتقال يعني السجن مدى الحياة. والإحساس بأن أسرتك تعاني قدر ما تعانيه، أو أكثر منك، يقهرك، ويقتلك، قبل الآوان.
ومكمن الشر في تخويل أي إنسان، حتى لو كان ملاكا، سلطة معاقبة الآخرين دون محاكمة عادلة، أن ذاك يستبطن إبطال كل ما بالبلاد من قوانين. ففي عام 1976، كان الرئيس نيريري يخطب في مؤتمر شعبي في مسقط رأسه، وسأله أحد الشيوخ عن ماهية الاستقلال الذي حصلوا عليه، ما دامت مواشيهم لا تزال تسرق؟ وبغضبة مهيبة، طلب نيريري تحديد كل لصوص المواشي من بين ذلك الجمع المحتشد.
ومن هناك، ودون اللجوء إلى المحاكم، بل دون حتى استشارة وزارءه حول الإجراء الذي ينوي اتخاذه بحق المتهمين (أو التثبت من المدعي العام حول مدى قانونية تصرفه) أمر نيريري بالقبض على كل من تم تحديدهم في ذلك الاجتماع العام، واعتقالهم إلى أجل غير مسمى.
وهكذا انطلقت حملة اعتقالات جماعية لـ" لصوص المواشي” في طول البلاد وعرضها على نحو عشوائي. وتراوح عدد من اعتقلوا في تلك الحملة بين الستة آلاف والعشرة آلاف. واستقبل سجن دودوما الذي كنت نزيله آنذاك وحده قرابة ألف وخمسمائة منهم. وكانت الاعتقالات واسعة النطاق، إلى حد عجز الشرطة عن مجاراته، واحتياجها لمساعدة كل من: جمعية شباب حزب الاتحاد الوطني الأفريقي التنجانيقي، وحراس السجون. وظلت عربات نقل محملة برعاة يعلوهم الهزال في أسمال بالية، بل عراة، تصل إلى السجن على مدى عدة أسابيع، إلى أن اختنق السجن برائحة كريهة لا يتحملها البشر.
وامتلأت زنزانات السجن عن آخرها بالنزلاء. وحشر ثمانية وعشرون محتجزا، بزنزانة في قسمنا مخصصة أصلا لسجين أو لثلاثة سجناء، مع أن مساحتها بما فيها دورة المياه خمسة أمتار طولا، وأربعة أمتار عرضا. وتمرد نظام الصرف الصحي الخاص بالسجن. وفاحت رائحة العرق، والغائط، في المكان كله.
وبعد شهر أو شهرين، تفشى مرض غامض. وأصيب معتقل باستسقاء، وفارق الحياة خلال يوم أو يومين. وكل يوم كان ثلاثة أو أربعة من ضحايا تلك السلطوية القاسية القلب يقضون نحبهم. ولم تبذل أية محاولة لتزويد هذا الحشد الغفير من المعتقلين ببطانية أو بحصير. وبعد ثمانية أشهر في هذه الظروف الرهيبة، شرعوا في إطلاق سراحهم، دون أن يعرضوهم على محكمة، أو حتى يستجوبوهم. ومن هنا كانوا مندهشين حين تم الإفراج عنهم بذات درجة اندهاشهم حين تم إلقاء القبض عليهم. وما دام المرء لم يعرف الذنب الذي اقترفه، فإنه لن يعرف ما الذي يجب عليه أن يتجنبه حينما يطلق سراحه.
"يتبع"
28/02/2011, 11:06 PMجداول
22
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي توجد بمكتبة بيروت بمعرض مسقط للكتاب.
"الرجل المنسي”
ثقيل هو الإحساس على قلب المعتقل، بأنه قد صار نسيا منسيا. ولحسن حظي، فإن اللحظات التي خامرني فيها هذا الإحساس كانت قليلة، ولكنها حين جثمت على صدري كانت ثقيلة كالجبال. وساعدتني تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الكتاب المقدس، وكتابات شكسبير، على التغلب على الإكتئاب. وحالفني الحظ في أن أسرتي، وأصدقائي، ومنظمة العفو الدولية ممثلة بآرني كريستنسين النرويجي داوموا على مراسلتي. إلا أنه كانت هناك فجوات بالطبع، لم تكن أي من رسائلي تصل إلى أحد خارج السجن.
حدث ذات مرة حين كنت في بوكوبا، أن أيا من رسائلي لم تصل إلى وجهتها على مدى ستة أشهر لأسباب لا أعرفها. ومرت سنة ونصف السنة حين كنت في دودوما دون أن يتسلم أحد رسالة مني. إلا أن المراسلات الداخلية الآتية بغير الطرق الرسمية لم تتوقف. وعبر أولئك الأشخاص أنفسهم حصلت على الدوام على نخبة منتقاة من الكتب.
إلا أنني كان يحزنني الشعور بأن منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الإنسانية، والحكومات، والأفراد المتعاطفين معنا في محنتنا، لا يضغطون بشدة على حكومة تنزانيا المستبدة. وشاطرني كل إخواني المعتقلين هذا الإحساس.
فلقد اعتدنا سماع إدانات قاسية لنظام الحكم العسكري باليونان، ولحكومة جنوب إفريقيا، وحتي لعدد من الحكومات العربية. ولكن حينما يأتي الدور على اتهام حكومة تنزانيا، فإن العبارات تصاغ بعناية لتؤكد أن المجرم هو نظام الحكم الزنجباري، وليس نيريري. بل تذهب إلى أن نيريري يستحق أن نربت على ظهره، تأثرا بحملة إعلامية تصوره بصورة ملائكية. ولم لا حين نعلم أنه حصل على وصية طيبة في هذا الصدد من آخر حاكم بريطاني، وأنه يتلقى سيلا مستمرا من التبريكات من نبع الفاتيكان. وكل ما يفعله من سوء يبيض بالزيف بالليبرالية البريطانية، والكاثوليكية الرومانية” فاسم جوليوس منزه عن الفساد. والطهارة تغطي وجهه”.
ذلك أن الغرب يحكم على تنزانيا من واقع كلمات نيريري المعسولة، دون اتصال يذكر مع ضحايا طغيانه. وعلى الرغم من أن منظمة العفو الدولية، على سبيل المثال، كانت تراسلني، فإن ذلك كله كان يتم عبر القنوات الرسمية. فقط رسائل قليلة، إن كانت هناك رسائل على الإطلاق، وصلتني بطرق أخرى. وقبل إطلاق سراحي بعدة أشهر، كتبت إليهم في مناسبتين: تقاير تتضمن كل التفصيلات عن عدد من الحالات. ولم تصل تلك الخطابات أبدا إلى وجهتها. وكتبت لهم حتى بعد خروجي من السجن عن محنتي. ويبدو أن الرسالة لم تصلهم.
وكانت التقارير التي كتبتها من السجن مبنية على معلومات مأخوذة مباشرة من إخواني المعتقلين. ولم يكن بوسعي في ظل الظروف التي كنت فيها أن أحتفظ معي بصور منها، أو حتى بموجز عنها. وأعتمد الآن تماما على ذاكرتي التي قد يعتريها النسيان، في المذكرات المجملة التي سأذكرها لاحقا. وتعودنا أن نسمع في الراديو أن أعضاء من منظمة العفو الدولية أو من رابطة حقوق الإنسان، أو من الهيئة الدولية للحقوقيين، يزورون مسجونين سياسيين في بلدان أخرى. ولكن لم يزرنا أحد منهم في السجن. أسمينا أنفسنا: "المنسيون”.
"يتبع"
09/12/2011, 07:15 PMجداول
23
هذه مقتطفات من ذكريات الشيخ علي بن محسن البرواني عن "الصراعات والوئام في زنجبار" والتي توجد بمكتبة بيروت
رضوخ عبد الناصر للاعتبارات النفعية
من مقتضيات الإنصاف بالنسبة لنظام حكم السادات، يلزم القول بأن التغيير بدأ بالفعل على يد عبد الناصر نفسه. فلقد أقنعه صديقه أحمد بن بلا، ومحمد فايق مستشاره في الشؤون الإفريقية، بأنه من الحكمة التوصل إلى تسوية مع السفاحين الذين أطاحوا بالحكومة الوطنية الزنجبارية، لاعتبارات عديدة، في مقدمتها:
أ- الحكومة المطاح بها حكومة ملكية، وبالتالي فإن الرجعية متجذرة فيها.
ب- نظام الحكم الغاصب يحظى بمساندة شعبية، ويقوده يساريون معروفون بالرفاق، وهو، من ثم، تقدمي ومنزه عن الخطأ.
وانخدع عبد الناصر. ولم يعرف هو، أو مستشاروه، أن "الثورة” هي في حقيقة أمرها، عملية غزو خارجي، بالتواطؤ بين الاستعماريين وأذنابهم. ورحب عبد الناصر بنيريري، وصافح يده ويد كارومي المخضبتين بالدماء، وهما لا تزالان تفوح منهما رائحة وبخار الدم النازف من ألوف الزنجباريين. ورضخ لمطلبهما الخاص بإغلاق بيت شرق إفريقيا الكائن بمنشية البكري، الذي أسسه بنفسه قبل ذلك بسبع أو ثمان سنين، لمئات من الطلبة من زنجبار ومن بقية بلدان شرق إفريقيا فيما لو احتاجت إليه.
وبإملاء من نيريري وكارومي، نبذ عبد الناصر مشروع المعونة التعليمية لزنجبار برمته. وكان من بين مكونات ذلك البرنامج، مشروع مجاز يتعلق بإنشاء جامعة في زنجبار لمسلمي شرق ووسط إفريقيا.
ومما يبين أن عبد الناصر رضخ لاعتبارات الإنتهازية السياسية الضالة، ولم يتمسك بالحق الإخلاقي الذي قطعه بشكل مبدأي على نفسه، أنه قام بزيارة رسمية لدارالسلام وزنجبار. وتخلى عبد الناصر بفعله هذا، الناجم عن مشورة مضللة، عن مودته وحبه للوطنيين الزنجباريين، دون أن يحصل في المقابل علي أي شئ من نيريري وكارومي وأتباعهما. فمصر، بل كل شمال إفريقيا عربية، وهذا يكفي لاستحاقاقها اللعنة، في نظر أولئك السود الشوفينيين. وخرج فايق وبن بلا بخفي حنين، رغم كل ما بذلاه من جهود، في نيل رضا نيريري وكارومي. وأهاب نيريري في اجتماع سري عقده مع قادة "المناضلين الأحرار” في دارالسلام، بأولئك القادة الأفارقة، أن "يأخذوا حذرهم من بيض شمال إفريقيا، باعتبارهم أخطر من بيض جنوب إفريقيا”. علمت ذلك من كرستيان أوبيرا، نائب رئيس مخابرات أوبوتي السابق، حينما كان معي بالمعتقل، في سجن دودوما، والذي كان من بين من حضروا ذلك الاجتماع. فبيض شمال إفريقيا عليهم، في نظر نيريري، لعنة مضاعفة، بسسب عرقهم، وبسبب دينهم.
وبات واضحا مع مرور السنين، باضطراد، أن حكام تنجانيقا وزنجبار ليسوا إلا فاشيين مسعورين، وأن العباءة الاشتراكية التي يتخفون فيها ليست على مقاسهم. وفضحتهم تصرفاتهم في عريهم الحقيقي. ومن الأمور ذات الدلالة أن الإمبراطور هيلاسلاسي نفسه الذي قد يكون هو أكبر ملك إقطاعي رجعي في العالم، هو أول رئيس دولة يزور زنجبار بعد الإطاحة بنظام الحكم السلطاني. وكان ينبغي أن تكون هذه بذاتها مؤشرا كافيا على أن ما تسمى: الثورة، لم تكن ضد الملكية ولا الإقطاع. ولباب القاسم المشترك بين الرئيس نيريري والإمبراطور هيلاسلاسي هو الكراهية المتأصلة في قلبيهما للعرب والإسلام. ومما لاريب فيه أن الحكم السلطاني الدستوري في زنجبار، حيث السلطة التنفيذية بيد حكومة منتخبة بطريقة ديموقراطية، لا يمكن أن تكون أسوأ من حكم امبراطور الحبشة الديكتاتوري الإقطاعي الذي ظلت العبودية والرق رائجين في ظله في القرن العشرين.
إلا أن نيريري هو نيريري. فعلى ذات وتيرته، أرسل القوات التنزانية إلى إثيوبيا لتعزيز طغيان مانجستو هيلاماريم المترنح تحت سنابك هجوم الإريتريين. وكان الطاغية مانجستو مجرد امتداد للإمبراطور المخلوع. فكلاهما جاء من ذات البوتقة التي جاء منها نيريري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق