ما قل ودل: قرار إبعاد المصريين يخالف الدستور ويمس استقلال القضاء
21-04-2010
كتب المقال
المستشار شفيق إمام
رسالة حب إلى الكويت... ولكن
في رسالة حب إلى الكويت، سطرتها على صفحات "الجريدة" في الثامن من نوفمبر سنة 2009 وأنا بين يدي عزيز مقتدر بعد أن أجريت لي عملية جراحة قلب مفتوح، تمثلت قول ياسر بن عمار وهو يقول لأخويه مالك والحارث- اللذين جاءا يطلبان منه العودة إلى الديار- لقد أعجبتني هذه الأرض فلست أعدل بها أرضاً، ورضيت بهذه الدار فلست أبغي بها بديلاً، وتمثلت هذا القول لأقوله إلى أولادي وأحفادي، الذين كانوا يلحون عليَّ فى أن أبقى في مصر لأقضي فيها البقية الباقية من العمر وقد طال أمده.
وكنت أقول لهم دائماً ولِمَ الرحيل عن أرض عربية أعايش فيها تجربة ديمقراطية هي الأولى من نوعها في منطقتنا، أكتب عنها ما لها وما عليها، ولِمَ الرحيل عن أرض عربية وجد قلمي فيها متنفسه الذي يكتب بكل حرية وبكل صدق وأمانة، ويعبر عن كل خلجات النفس وهموم القلب، هموم مصر وهموم أمتنا العربية. ولهذا فقد روعت كما روع غيري من الذين بهرتهم كما بهرتني التجربة الديمقراطية الكويتية بالقرار الصادر من السلطات الكويتية بإبعاد سبعة عشر مصرياً من الأراضي الكويتية إلى مصر، كانوا قد اجتمعوا في أحد المقاهي ليناقشوا أمر تداول السلطة والتغيير في مصر.
مصر في عقل وقلب كل مصري خارجها
لقد أكد هؤلاء المصريون أن مصر في قلب وعقل كل المصريين العاملين في الخارج، كما كانت في قلب وعقل الدكتور محمد البرادعي طيلة العشرين عاماً التي قضاها يعمل خارج مصر حتى وصل الى أعلى المناصب الدولية مديراً عاماً لوكالة الطاقة الذرية، وأن العالم بفضل وسائل الاتصال التقنية العالمية، قد أصبح قرية صغيرة، ويعلم القاصي والداني كل صغيرة وكبيرة تقع في أي بقعة في العالم، ولعلي لا أذهب بعيداً، إذا قلت إن من يجلسون على كراسي الحكم في مصر أو في غيرها من دول العالم لا يعلمون بمشاكل وهموم شعوبهم، إلا من خلال ما تطالعهم به وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من أخبار وأحداث، إن كانوا يقرؤون أو يرون أو يسمعون.
الجانب الإنسانى في موضوع المبعدين
ولئن كنت لا أقلل من الجانب الإنساني في موضوع إبعاد السبعة عشر مصرياً من الكويت، إلا أنه وقد تناوله غيري من القيادات السياسية والبرلمانية في الكويت وخارجها، ومن منظمات حقوق الإنسان الكويتية والعربية والعالمية، فإنني لن أضيف جديداً إلى ما قدموه، لهذا آثرت أن أتناوله مهنياً في جوانبه الدستورية والقانونية، بعد ما أفصحت سلطة الإبعاد عن أسباب قرارها.
مخالفة قرار الإبعاد للدستور
وقد أفصحت سلطة الإبعاد عن أسباب قرارها بأن المبعدين قد خالفوا أحكام القانون بعدم حصولهم على ترخيص لعقد هذا الاجتماع، وعدم إبلاغهم عنه، وهو ما أكده سفير الكويت في مصر الدكتور رشيد الحمد، وقد عنت السلطات الكويتية بذلك أحكام المادة (4) من القانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات التي تحظر عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك، ويمنع ويفض كل اجتماع عقد دون ترخيص، كما تحظر هذه المادة الدعوة إلى أي اجتماع عام أو الإعلان عنه أو نشر أو إذاعة أنباء بشأنه قبل الحصول على هذا الترخيص، وتعاقب المادة (16) من هذا القانون كل من نظم اجتماعاً أو تجمعاً دون ترخيص بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وهو قانون قد خالف أحكام المادة (44) من الدستور التي تنص على أن "للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة، والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن يكون الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب".
وهو ما انتهت إليه المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ أول مايو سنة 2006 في الطعن رقم (1) لسنة 2005، والذي قضت فيه بعدم دستورية المادتين (4) و(16) من قانون الاجتماعات العامة والتجمعات تأسيساً على ما جاء في الحكم من أسباب لعل أهمها ما قالته المحكمة من أن:
حق الاجتماع حق إنساني
فقد قررت المحكمة في قضائها أن حريات وحقوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها، بل إنه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفاً عن حقوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة، ولهم آراؤهم وأفكارهم، وهم أحرار في الغدو والرواح، فرادى أو مجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم مادام عملهم لا يضر بالآخرين، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني، وحرصت النظم الديمقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها، كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيراً للناس بها.
ودلالة هذا الحكم أن المحكمة الدستورية لم تعتبر حق الاجتماع قصراً على الكويتيين، بل اعتبرته حقاً إنسانياً من الحقوق الطبيعية الأصيلة للإنسان واللصيقة به، فشملت به الأفراد كافة، ولم تقصره على الكويتين وحدهم كما فعل الدستور في نصوص أخرى، وذلك وفقاً لصريح نص المادة (44) من الدستور، ولا اجتهاد مع صراحة النص، الذي جاء حكمه عاماً ومطلقاً، والأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه، ومن ثم يسري هذا النص على المقيمين على أرض الكويت كافة، من كويتيين وغير كويتيين.
الدكتور أحمد الخطيب ومظاهرات 1963
ويحضرني في هذا السياق مظاهرات الطلبة اليمنيين التي جرت في الكويت يوم 27/2/1963 في أمر يتعلق ببلادهم، والمناقشات الحامية الوطيس في مجلس الأمة في اجتماعه المعقود بتاريخ 5/3/1963 والتي جرت احتجاجاً من النواب على تصدي رجال الأمن لهم، والاقتراح الذي قدمه النائب المحترم الدكتور أحمد الخطيب بتشكيل لجنة تحقيق برلماني في هذا الموضوع.
إلزام السلطات كافة بالحكم:
والحجة المطلقة للأحكام الدستورية تعني فيما تعنيه إلزام السلطات كافة في الدولة بالحكم الصادر في الدعوى الدستورية، بالامتناع عن اتخاذ أي قرار أو إجراء يستند إلى وجود القانون المقضي بعدم دستوريته، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى الحكم وتحقيق نتائجه القانونية، وذلك على افتراض عدم صدور هذا القانون.
لذلك، فإن قرار الإبعاد ينطوي فضلا عن إهداره لحق من حقوق الإنسان هو حق الاجتماع ومخالفته أحكام المادة (44) من الدستور، قد خالف كذلك أحكام المادة (173) من الدستور التي تقضي باعتبار القانون الذي تحكم المحكمة الدستورية بعدم دستوريته كأن لم يكن، وهو ما ينطوي كذلك على مساس باستقلال القضاء، وجوهره احترام أحكام القضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق