الجمعة، 16 أكتوبر 2020
جهود صلاح الدين الأيوبي في إحياء المذهب السنّي في مصر و الشام وبغداد
جهود صلاح الدين الأيوبي في إحياء المذهب السنّي
في مصر والشام (564هـ ـ 589هـ/1169م ـ 1172م)
محمد الرحيّل غرايبة - قسم الشريعة. كلية الآداب، جامعة مؤتة، الأردن
شبكة الراصد الإسلامية - http://www.alrased.net
ملخص
تكشف هذه الدراسة عن جهود صلاح الدين الأيوبي في إضعاف المذهب الشيعي، وإحياء المذهب السنّي فقهاً وعقيدة في مصر وبلاد الشام، عن طريق إنشاء المدارس التي درّست المذهب السنّي، وجعل القضاء بموجب المذهب الشافعي وعن طريق تقريب الفقهاء والاهتمام بهم، وعن طريق محاربة الفلاسفة والمبتدعين في أمور الدين.
مقدمة
لما كانت الأبحاث والدراسات حول صلاح الدين الأيوبي (ت: 589هـ/1193م) كثيرة ومتنوعة رأيت أن أبحث عن موضوع، لم يتناوله الباحثون، أو لم يوفوه حقه من البحث والتمحيص.
وبما أن الجانب العسكري لديه، قد أُشبع بحثاً باعتباره صانع مجد هذه الأمة خلال فترة الحروب الصليبية. رأيت أن أتجه إلى أحد الجوانب الأخرى المهمة في حياته.
ولما كان هو الذي أزال الخلافة الفاطمية الشيعية من الوجود نهائياً، وأن المذهب الشيعي في عهده قد وهن وهناً شديداً، بسرعة لافتة للنظر، مما يستدعي الوقوف على السر الذي يكمن وراء هذا الضعف.
لذلك عمدت إلى الكتابة حول هذا الموضوع محاولاً سدّ فجوة في الدراسات التي تناولت سيرة صلاح الدين.
وفي هذا البحث، أشرت بإيجاز إلى الأسباب التي حدت بصلاح الدين إلى أن يشنّ حملته على الفاطميين، وألقيت بعض الضوء على جهوده السياسية (السلمية) في نشر المذهب السنّي، والتي تمثلت في إكثاره من إنشاء المدارس التي تُدرس فقه مذاهب أهل السنة. وعزله القضاة الشيعيين، واستبدالهم بقضاة سنّيين، واهتمامه بالعلماء والفقهاء وتقريبهم إليه. وقمت بتفنيد التهمة التي نسبت إليه، بأنه كان سبباً في جمود الفكر الإسلامي بقتله الفيلسوف يحيى السُهرَوَردي (ت 587هـ/1191م)، وأومأت بإيجاز إلى أثره في تنشيط المذهب السنّي في حاضرة الخلافة العبّاسية.
وجاءت الدراسة موزعة في مجموعة مباحث هي:
1ـ أسباب محاربة المذهب الشيعي.
2ـ المدارس التي أُنشئت في عهد صلاح الدين.
3ـ القضاء.
4ـ الاهتمام بالفقهاء.
5ـ بغض صلاح الدين للفلسفة.
6ـ دول صلاح الدين في تنشيط المذهب السنّي في بغداد.
بالإضافة إلى خاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
ولا أزعم أن هذا المبحث جاء كاملاً خالياً من الهفوات والنقص، فالكمال لله وحده ، وأسال الله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
أسباب محاربة المذهب الشيعي:
عمل الخلفاء الفاطميون ودعاتهم في مصر والبلاد التي حكموها، بشكل نشيط على نشر المذهب الشيعي، عن طريق بذل الأموال، وجعل القضاء على مذهبهم الذي يدينون به. لذلك نهض المذهب الشيعي نهضة كبيرة. وبالمقابل فقد ضعف نفوذ المذهب السني، الذي كان سائداً في مصر وغيرها من البلاد التي خضعت للفاطميين.
ولما اعتلى صلاح الدين كرسيّ الحكم في مصر، سرعان ما عمل على إنهاء الخلافة الفاطمية، "وبذلك عادت إلى مصر السلطة الروحية للخليفة العباسي"([1])، كما عمل على تقوية المذهب السني ومحاربة المذهب الشيعي. المذهب الرسمي للفاطميين. مستعملاً في ذلك أساليب متنوعة. منها ما هو عسكري، ومنها ما هو سياسي.
أما أسلوبه العسكري فتمثل في قمعه للحركات وللمؤامرات التي استهدفت القضاء عليه وعلى أنصاره وإعادة الخلافة الفاطمية. مثل حركة مؤتمن الخلافة([2] ). ومؤامرة عمارة اليمني([3]). وثورة الكنز([4]).
وأمّا أساليب صلاح الدين السياسية (السلمية) في محاربة التشيع. فتمثلت في أنه أتجه إلى عقول الناس، فعمل على إنشاء المدارس الفقهية التي تدرّس مذاهب أهل السنّة، ولاسيما المذهب الشافعي، وجعل القضاء على المذهب السني واهتم اهتماماً كبيراً بالفقهاء.
لماذا قام صلاح الدين بمحاربة المذهب الشيعي؟
يمكننا إرجاع صلاح الدين على محاربة المذهب الشيعي إلى الأسباب التالية:
ـ أنه وجد في الشيعية منافساً قوياً له، حيث أعلنوا مراراً مطالبتهم وأحقيتهم بالحكم من صلاح الدين لكونه كّرديّاً من ناحية. وأنه ليس عربياً مصرياً من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة فهو لا يدين بمذهبهم. وسبق أن أشرنا إلى أهم الحركات التي قاموا بها ضده.
ـ إن صلاح الدين عدّ نفسه حامي الخلافة العباسية والمدافع عنها، لذلك أعطى نفسه الحق في قمع حركات الشيعة بشدة، حيث عدّهم خارجين وبعيدين عن مذهب الخلافة العباسية عقيدة وفقهاً، فقد أرسل الخليفة العبّاسي المستنجد (ت: 566هـ/1170م)، إلى نور الدين زنكي (ت:569هـ/1174م) ـ سيد صلاح الدين ـ أن يُسقط الخلافة الفاطمية، الذي قام بدوره بالكتابة إلى صلاح الدين يأمره أن ينهي الخلافة الفاطمية([5])، ويُرجع مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية، فقام صلاح الدين بالقضاء على الخلافة الفاطمية ومذهبها.
ـ ثبت وبشكل قاطع تحالف بعض الخلفاء الفاطميين ووزرائهم مع الصليبيين([6])، ضد صلاح الدين. ومن قبله ضد نور الدين محمود، لذلك وجد فيهم عقبة كأداء في سبيل تحرير الأراضي الإسلامية التي اغتصبها الصليبيون.
وفيما يلي نعرض بإيجاز لأساليب صلاح الدين السلمية التي اتبعها في سبيل محاربة المذهب الشيعي:
المدارس:
لم يعرف العالم الإسلامي المدرسة قبل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وكانت أول مدرسة بنيت في ديار الإسلام هي المدرسة البيهقية في نيسابور، ثم المدرسة النظامية في بغداد. ثم أخذت المدارس تنتشر في العراق وخراسان وغيرها من البلدان الإسلامية([7]).
وعندما ملك صلاح الدين مصر، "لم يكن بها شيء من المدارس"([8])، فقام ببناء عدة مدارس للشافعية والمالكية. مقتدياً بالملك العادل نور الدين محمود زنكي. الذي بنى عدة مدارس في بلاد الشام للحنفية والشافعية([9])، وقد تأسّى بصلاح الدين في إقامة المدارس في مصر والشام أقرباؤه وأمراؤه والأغنياء من الفقهاء وغيرهم.
وقد مهدت هذه المدارس الطريق أمام طلاب العلم لينهلوا من معين العلوم الشرعية والعربية وغيرها بأيسر جهد، وأقصر وقت. وأقل التكاليف. وأصبح طالب العلم غير محتاج إلى أن ينتقل من بلد إلى آخر يبحث عن المدرسين بل صار المدرسون هم الذين يأتون إليه في المدرسة.
وقد جعلت هذه المدارس من عهد صلاح الدين عهداً مشرقاً سواء في مصر أو بلاد الشام، إذ أصبحا محور استقطاب العلماء من جميع البلدان الإسلامية، لما كان يلاقيه الفقهاء من كريم العناية والرعاية، ولما كان يغدقه صلاح الدين عليهم من أُعطيات ومنح كثيرة، فقد بلغت المرتبات للفقهاء والمدرسين بدمشق في عهده حوالي ثلاثمائة ألف دينار، وكان عددهم حوالي ستمائة مدرس وفقيه([10]).
ولكي يضمن صلاح الدين دخلاً ثابتاً للمدارس التي يُنشئها، كان يوقف عليها أوقافاً تكفي للإنفاق على الفقهاء (المدرسين) والدارسين([11]). كما هُيئت لهذه المدارس كل أسباب الراحة ووسائل العيش، ليتفرغ الدارسون والمدرسون تفرغاً كاملاً للعلم.
وقد هدف صلاح الدين من إنشاء المدارس التي شيّدها إلى مقاومة المذهب الشيعي، عن طريق تعليم فقه أهل السنة. ولاسيما مذهبه الذي كان يعتقده وهو المذهب الشافعي، بالإضافة إلى أنها كانت مراكز لتثقيف الناس وتعليمهم لغتهم وأمور دينهم، وتبصيرهم بما يُحيق بهم من مخاطر تهدد وجودهم، فعملت على إثارة روح الجهاد في الناس، مما جعلهم يلتفّون حول زعيمهم، مما مكنه من تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، حيث تمكّن من فتح أغلب معاقل الصليبيين التي كانت منغرسة في بلاد الشام.
والمدارس التي بناها صلاح الدين في مصر هي:
المدرسة الناصرية: بناها صلاح الدين في مصر (الفسطاط) سنة 566هـ/ 1170م مكان سجن المعونة، وكان في ذلك الوقت وزيراً، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي([12]).
المدرسة القمحية: بناها صلاح الدين في أثناء وزارته، وجعل الدراسة فيها على المذهب المالكي([13]).
المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين بعد أن انفرد بحكم مصر، بجوار قبر الشافعي بالقرافة، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وأول من درس بها الفقيه الزاهد نجم الدين الخبوشاني (ت:587هـ/ 1191م)([14]). وجعل له في كل شهر أربعين ديناراً عن التدريس. وعشرة دنانير عن النظر في أوقاف المدرسة، ورتّب له من الخبز في كل يوم ووقف ستين رطلاً، ورواتين من ماء النيل. ووقف عليها حمّاما بجوارها. وحوانيت بظاهرها وجعل فيها معيدين([15]).
المدرسة السيفية: أسسها صلاح الدين بعد أن أصبح ملكاً لمصر، جعل التدريس فيها على المذهب الحنفي، وعيّن للتدريس فيها الشيخ مجد الدين محمد بن محمد الجيني. ورتّب له في كل شهر أحد عشر ديناراً. وباقي ريع وقفها. يصرفه على ما يراه لطلبة الحنفية المقررين عنده. على قدر طبقاتهم([16]).
أما المدارس التي بناها في بلاد الشام أو أمر بتجديد عمارتها فهي:
المدرسة الصلاحية: بناها صلاح الدين في دمشق، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي([17]]).
المدرسة الكلاّسة: بُنيت في زمن نور الدين محمود زنكي. وأمر صلاح الدين بتحديد عمارتها سنة 575هـ/1179م([18]).
المدرسة الغزالية: أسست في عهد نور الدين محمود زنكي، وأهتم صلاح الدين بإصلاحها. وجعل قرية (حزم) من أعمال حوران وقفاً عليها. وعلى المشتغلين بها من العلوم الشرعية وجعل النظر والتدريس فيها لقطب الدين مسعود النيسابوري الشافعي (ت:578هـ/1182م)([19]).
وفي سنة 576هـ/ 1180م أمر ببناء مدرسة في الإسكندرية خلال زيارته لها([20]). كما أمر ببناء مدرسة كبيرة في الموصل([21]]).
المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين في مدينة القدس سنة 588هـ/1192م. وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وجعلها وقفاً على أهل العلم([22])، ولحد الآن يوجد كتاب وقفها منقوشاً على حجر كبير وُضع على باب المدرسة، ونصها كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، وما بكم من نعمة فمن الله، هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي محيي دولة أمير المؤمنين، أعزّ الله أنصاره، وجمع له بين خير الدنيا والآخرة، على الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة"([23]).
وهذه المدارس التي شيّد صرحها صلاح الدين، لا نجد شيئاً منها منسوباً إليه في الظاهر، وإنما تُنسب لجهات أخرى: كأن تنسب إلى الفقيه الذي درّس بها، أو إلى المكان الذي توجد فيه، أو غير ذلك، وهذا كما يقول ابن تغري بردي "صدقة السر على الحقيقة"([24]).
مدرسة دار الغزل: جعلها صلاح الدين للمالكية، وأوقف عليها أوقافاً كثيرة([25]).
وإلى جانب المدارس، شيّد صلاح الدين أيضاً الجوامع الكثيرة والخانقات الصوفية، ولا يخفى أن هذه الأمكنة كان يُعقد فيها حلقات دروس في الفقه ومختلف العلوم الشرعية.
ومن المدارس التي أُسست في عهده والتي بناها غيره من أفراد الشعب نذكر:
المدرسة الإقبالية: أنشأها خادم صلاح الدين جمال الدين بن جمال الدولة وقسمها إلى قسمين أحدهما للشافعية والآخر للحنفية([26]).
مدرسة منازل العز: كانت في الأصل داراً تابعة للقصر الفاطمي في القاهرة، اشتراها الأمير تقي الدين بن عمر شاهنشاه بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين، وجعلها مدرسة للشافعية سنة 574هـ/1178م([27]). كما بنى هذا الأمير في دمشق المدرسة التقوية([28][28]). وأنشأ مدرستين بالفيوم للشافعية والمالكية كما بنى مدرسة فخمة في حماة([29]).
المدرسة العادلية: عمّرها أخو صلاح الدين العادل أبو بكر أيوب، في القاهرة([30])، وكان بناؤها متقناً محكماً لا نظير له في بنيان المدارس([31]).
المدرسة الشامية: بنتها أخت صلاح الدين ست الشام في دمشق، وهي من مدارس الشافعية([32]).
مدرسة الصاحبة: بنتها ربيعة خاتون في دمشق للحنابلة([33]).
المدرسة الأزكشية: بناها الأمير سيف الدين أيازكوج الأسدي. أحد أمراء صلاح الدين، وجعلها وقفاً على الفقهاء من الحنفية([34]).
المدرسة العاشورية: كانت داراً لليهودي ابن جّميع الطبيب كاتب الأمير بهاء الدين قراقوش، فاشترتها منه الست عاشوراء بنت ساروح الأسدي زوجة الأمير ايازكوج الأسدي، ووقفتها على الحنفية، وكانت من الدور الحسنة([35]).
المدرسة الفاضلية: بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت: 596هـ/1200م) سنة 580هـ/1184م. ووقفها على الشافعية والمالكية، ووقف بها ما يقارب مائة ألف كتاب([36]).
المدرسة العصرونية: أنشأها قاضي القضاة الفقيه شرف الدين أبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م)([37]).
المدرسة القُطبية: بناها قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدباني في سنة 570هـ/1174. وجعلها وقفاً على الفقهاء الشافعية([38]).
المدرسة الارسوقية: بناها التاجر عفيف الدين عبد الله بن محمد الارسوقي (ت: 593هـ/1197م) في سنة 570هـ/1174م([39]).
والملاحظ في عهد صلاح الدين الأيوبي. أن الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون ليكون مركزاً لنشر عقائد الشيعة. لم يعد يحتل المرتبة الأولى بين مراكز العلم. بل أصبح في المرتبة الثانية من الأهمية([40])، ويرجع ذلك إلى المدارس الكثيرة التي أحدثها صلاح الدين، ثم إلى نقله خطبة الجمعة من الأزهر إلى الجامع الحاكمي. وبقيت الخطبة معطلة بالجامع الأزهر إلى عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (ت: 676هـ/1277م)([41]).
ولا شك في أن هذا العدد الهائل من الدارس، خلال المدة البسيطة التي حكم بها صلاح الدين والتي تقارب العشرين عاما، إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمامه الكبير بالعلم والعلماء، وليس غريباً عليه أن يصدر عنه هذا الاهتمام إذا عرفنا أنه كان فقيهاً في المذهب الشافعي "فكان يحفظ القرآن، وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي"([42])، وكان يكثر من مجالسة العلماء والاستماع إليهم، ومناقشتهم. كما سيتضح لنا فيما بعد.
وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام صلاح الدين بإنشاء الخانقات الصوفية بكثرة، يؤكد لنا ما ذكرته بعض المصادر التاريخية أن صلاح الدين كان عنده نزعة صوفية، يقول السيوطي: "ذكر اليافعي في روض الرياحين، أن السلطان صلاح الدين كان من الأولياء الثلاثمائة"([43]). كما أن المصادر التاريخية تُجمع على أنه كان زاهداً.
وصلاح الدين بتشييده صروح العلم، أضاف إلى سجله الحافل بالانتصارات العسكرية على أعداء الإسلام، سجلاً أخر لا يقل أهمية عن السجل الأول، خلّد ذكراه وهو بعث المذهب السنّي من جديد في مصر والشام والحجاز. بل وفي العراق، بعد أن كان من المحتمل أن يتلاشى، لو قدر للدولة الفاطمية أن يُمد في عمرها.
إن صلاح الدين في إنشائه المدارس، لم يفرق بين مذهب وآخر، ولا بين الفقهاء. بل أنشأ مدارس لجميع المذاهب السنّية. وبذلك عمل على استبعاد العصبيات المذهبية وأشاد سياسة تقوم على استقطاب جميع أهل السنة من أجل صُنع جبهة موحّدة، ليقوى بها من محاربة أعدائه.
القضاء:
منذ اللحظة الأولى لتسلم صلاح الدين الوزارة في مصر، كان في نيته القضاء على الخلافة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة مكان المذهب الشيعي فكان أول عمل قام به هو "تحسين موقع الإسلام السنّي"([44]). وذلك بعزل جميع القضاة الشيعيين من مناصبهم واستبدلهم بقضاة سنّيين. من أتباع المذهب الشافعي([45]).
فقام سنة 566هـ/ 1171م، بإسناد قضاء مصر إلى الفقيه الشافعي صدر الدين عبد الملك ابن درباس الكردي (ت: 605هـ/ 1209م)([46]). وعهد إليه باستنابة قضاة عنه في البلدان المصرية. يدل ذلك على أنه كان بمنزلة قاضي قضاة. ولا شك أن تنصيب قاضي قضاة سُني، مع وجود الخليفة الفاطمي "إجراء له دلالته السياسية الواضحة"([47]).
وقد قام ابن درباس بتنفيذ ما أسند إليه من مهام وأثبت جدارة في عمله. فقام بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحاكمي كما قام بإسناد مناصب القضاة في المدن المصرية إلى فقهاء من الشافعية أسهموا بدورهم في نشر المذهب الشافعي، وبذلك استعاد المذهب السني قوته. وأدى ذلك إلى ضعف المذهب الشيعي، واخذ نجمه بالأفول عن سماء مصر حتى وقتنا الحاضر.
وعندما دخل صلاح الدين دمشق سنة 570هـ/ 1173م. بعد وفاة نور الدين زنكي، أبقى على قضائها كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت: 572هـ/ 1176م). رغم ما كان بينهما من عداوة. عندما كان صلاح الدين في دمشق، قبل قدومه إلى مصر. وبعد وفاة الشهرزوري. أسند صلاح الدين قضاء دمشق إلى الفقيه شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م)([48]).
وكان صلاح الدين كلما فتح بلداً فتح يولّي عليه قاضياً من أتباع المذهب الشافعي، وآخر من عيّن من القضاة قبل موته، هو القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم الشافعي. الذي عيّنه قاضياً على مدينة القدس وكان ذلك في سنة (588هـ/ 1192م)([49]).
وتجدر الإشارة إلى أن صلاح الدين، قد جعل قضاة مهمتهم، النظر في المنازعات والخصومات التي تقع بين أفراد الجيش. وأطلق عليهم قضاة الجند أو قضاة العسكر. ومن أشهر هؤلاء القضاة، القاضي بهاء الدين بن شدّاد، والقاضي شمس الدين محمد بن موسى، المعروف بابن الفرّاش([50]).
ولاهتمامه بمذاهب أهل السنة. ولاسيما المذهب الشافعي، جعل القضاة والمدرسين في المدارس ممن يتبعونه، فلا غرابة إذن. أن يشيع المذهب الشافعي، وتصبح له الصدارة بين بقية مذاهب أهل السنة، وأدى ذلك إلى انحطاط منزلة المذهب الشيعي واندراسه. وانمحاء أثره، ولم يجرؤ أحد من أهل البلاد على إعلان تشيّعه([51]).
وصلاح الدين بجعله القضاء على المذهب الشافعي بدل المذهب الشيعي يعتبر عمله هذا "كمن قام بانقلاب سريع لإجراء تغيير مذهبي، ولكنه لم يكن عنيفاً أو دموياً"([52])
الاهتمام بالفقهاء:
القائد الناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الوصول إلى كرسي الحكم، وإنما يتمثل نجاحه الحقيقي في قدرته على اختيار رجاله ومعاونيه. الذين يعتمد عليهم، في تسييره لأمور الدولة في مختلف المجالات من عسكرية. وسياسية. وإدارية. وغيرها. ومن هؤلاء الرجال الذي اعتمد عليهم صلاح الدين. الفقهاء الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة. فكان منهم الأمير في الجيش. وكاتب الديوان. والقاضي، والمحتسب، والمدرس، والخطيب.
وإذا كان صلاح الدين، قد حارب خصومه في الداخل والخارج بالسيف وغيره من أدوات القتال. فإن الفقهاء حاربوا الأعداء بأقلامهم وألسنتهم، عن طريق عملهم في القضاء. وتدريسهم في المدارس ووعظهم الناس في المساجد والخانقات فأدّوا دوراً هاماً في كشف زيف وبطلان مذهب الفاطميين. وفي إذكاء روح الجهاد في نفوس الجماهير. مما جعلهم يداً واحدة حول صلاح الدين. فمكّنه ذلك من تحقيق انتصاراته الخالدة على الصليبين.
وفي بداية تسلم صلاح الدين للوزارة من قبل الخليفة الفاطمي العاضد (ت: 567هـ/1171م)، أدّى الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه عيسى الهكّاري (ت: 589هـ/1193م) دوراً كبيراً في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين، أن يدخلوا في طاعته([53]). وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت قدم صلاح الدين في الحكم.
كما كان للفقيه زين الدين بن النجا (ت: 600هـ/ 1204م) أيضاً، دوراً مهماً في ترسيخ ملك صلاح الدين في مصر. حيث يعود الفضل إليه في كشف المؤامرة الكبيرة التي تزعّمها عمارة اليمني (ت:569هـ/ 117م)، والتي استهدفت قتل صلاح الدين وأنصاره. وإعادة الدولة الفاطمية بالتعاون مع الصليبيين الحشيشية الإسماعيلية في الشام([54]).
فلا غرابة إذن، أن يولي صلاح الدين الفقهاء اهتماماً كبيراً، وأن يجعلهم موضع رعايته وعنايته. فحفظ لهم جميلهم، ووثق بهم، وقرّبهم إليه.
ولكن ليس هذا هو السبب المباشر لذلك الاهتمام، وإنما يرجع السبب إلى أن صلاح الدين نفسه كان لديه إطلاع واسع على الفقه الشافعي، حيث كان يحفظ كتاب التنبيه. بالإضافة إلى أنه كان متديناً ورعاً، تقياً، زاهداً، محافظاً على تأدية صلاة الجماعة في وقتها([55])، إلى غير ذلك من الصفات الحسنة التي رُبّي عليها، ويجب أن لا ننس، أنه أدرك الدور الخطير الذي يمكن أن يقوم به الفقهاء من حيث قدرتهم على كسب الرأي العام وتحريكه نحو الجهة التي يريدها.
وإدراكاً منه لدور الفقهاء الهام في المجتمع، اهتمّ بهم اهتماماً كبيراً، وأفاض عليهم من نعمه وإحسانه، وأغدق الهبات والأُعطيات، يدل على ذلك أن العلماء في دولته، كان لهم إقطاعات، وراتب يقارب الثلاثمائة ألف دينار([56]).
كما قام بتقريب الفقهاء إليه فأحضرهم مجالسه، وكان يحسن الاستماع إليهم ويناقشهم في كثير من المسائل([57]). وليس هذا بالآمر المستغرب إذا عرفنا أنه كان ذا ثقافة دينية واسعة. حيث حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية. بالإضافة إلى معرفته الواسعة بالمذهب الشافعي.
ومن مظاهر اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أيضاً، أنه كان كثير الاستشارة لكبارهم، فكان لا يقطع أمراً إلا بعد أخذ رأيهم فيه ويأتي في طليعة كبار العلماء الذين كان يستشيرهم: كاتب ديوانه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت:596هـ/1200م). يقول فيه صلاح الدين: "لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل([58])، ويقول أبو شامة في استشارة صلاح الدين الدائمة للقاضي الفاضل"... وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه([59]).
وبلغ من اعتماد صلاح الدين على رأي القاضي الفاضل أنه في سنة 588هـ/1192م، عندما نوى تأدية فريضة الحج، استشار القاضي الفاضل، فأشار عليه بعدم الخروج للحج خوفاً من رجوع الصليبيين إلى القدس. وكان صلاح الدين قد حررها من أيديهم([60]). وبالفعل، فقد أخذ برأي القاضي الفاضل ولم يحج.
ومن بين العلماء الذين أكثر صلاح الدين من استشارتهم: الفقيه زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في كشف مؤامرة عمارة اليمني، فقد جعله صلاح الدين من كبار مستشاريه، وكان يُسميه: عمرو بن العاص. بسبب دهائه وحسن حيلته. وكان كثيراً ما يأخذ برأيه لسداده([61]). ويقول فيه أبو شامة (ت: 565هـ/1166م): "كان للفقيه زين الدين بن نجا. منزلة عالية عند صلاح الدين. أحسن السلطان إليه بالأعطيات والإقطاعات، وكان السلطان يستشيره، ويروقه تدبيره، ويميل إليه لقديم معرفته، وكريم سجيّته"([62]).
ومنهم أيضاً: الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد الهكّاري، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين الوزارة. في الدخول في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت مركز صلاح الدين. حيث جاء في الساعات الأولى لتولي صلاح الدين الوزارة. ويبدو أن صلاح الدين لم ينس له هذا الجميل، لذلك قرّبه إليه، وأكرمه إكراماً وكان كثير الاستشارة له([63]).
وبلغ من اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أنه كان شديد الحرص على حضور دروس الفقهاء الوعظية، وكان في كثير من الأحيان يصحب أبناءه معه لسماعها، ولاسيما دروس الفقيه الزاهد زين الدين بن نجا([64])، ودروس الشيخ أبو الفتوح عبد السلام بن يوسف التنوخي([65])، كما حرص صلاح الدين على حضور مجالس المحدّثين، يقول أبو شامة: "وكان يسمع الحديث بقراءة الإمام تاج الدين البندهي المسعودي"([66])، وفي أثناء زيارته للإسكندرية سمع (الموطأ) على العالم أبي طاهر أحمد بن محمد السَّلفي (ت: 597هـ/1201م)([67]).
ومما يدل على اهتمام صلاح الدين بالفقهاء، أنه كان يقوم بزيارتهم في بيوتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: أنه عندما قدم إلى دمشق سنة (571هـ/1175م). قام بزيارة القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت:573هـ/1177م) في منزله. وأزال ما كان بينهما من سوء تفاهم قديم يرجع إلى أثناء إقامة صلاح الدين في دمشق قبل رحيله إلى مصر، وقام بتثبيته قاضياً لدمشق ونواحيها([68])، ومن جملة الحديث الذي دار بينهما خلال تلك الزيارة قول صلاح الدين للقاضي الشهرزوري: "... ما مشيت إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرّفك أن ما في قلبي لك نكرة. فطب نفساً. وقرًّ عيناً. فالأمر أمرك. والبلد بلدك([69]).
ولعمري هذه هي أخلاق العظماء من بني البشر. يحلمون عند المقدرة، بل ويتبعون الحلم الإحسان، وبذلك يجعلون من ألدّ الأعداء أصدقاء مخلصين. وهذه الحادثة إن دلت على شيء. فإنما تدل على أن صلاح الدين كان ذا نفسية صافية لا تعرف الحقد ولا البغض ولا الكراهية. وأن قلبه كان عامراً بالإيمان والتقوى وخشية الله سبحانه.
وفي سنة 584هـ/1188ن. عندما ترك صلاح الدين (حلب)، سار إلى المعرّة، وهناك قام بزيارة للفقيه الزاهد أبي زكريا المغربي في بيته([70]).
ولشدة ثقة صلاح الدين بالفقهاء، كان يتخير رسله ومبعوثيه إلى الخلفاء العباسيين والملوك والأمراء ومن الفقهاء، ممن اشتهر بسعة العلم، وحصافة الرأي، فقد قام صلاح الدين بإرسال وفد برئاسة الفقيه شمس الدين بن أبي المضاء إلى الخليفة العباسي المستضيء بنور الله (ت:575هـ/1180م)، وحمّله رسالة تتضمن إعلام الخليفة العبّاسي بعودة الخطبة باسمه في مصر، وفيها أيضاً يلتمس من الخليفة أن يُقلده البلاد التي يحكمها وكل ما يفتحه من بلاد([71])، وقد نجح ابن أبي المضاء في مهمته. وترتب على هذه المهمة أن قام الخليفة بإرسال الخلع العباسية إلى صلاح الدين، وكتاب تقليد له بالبلاد التي يحكمها.
كما أرسل الفقيه عيسى الهكّاري إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وحمّله رسالة، يتعذر فيها لنور الدين من تركه لمحاصرة قلعة الكرك([72]) . وقد نجح الهكّاري في مهمته، حيث أن نور الدين زال ما في نفسه، من شكوك وظنون ساورته حول إخلاص صلاح الدين له.
ومما يدلنا أيضاً، على تقدير صلاح الدين للفقهاء وحبّه لهم، أنه كان عندما يدخل الفقيه إلى مجلسه يستقبله أجمل استقبال، ويجلسه إلى جانبه، كأنه أعزّ الناس إليه([73]).
وصلاح الدين، في الهبات والأعطيات الكثيرة كان يمنحها الفقهاء، كان يرى أن ذلك حق لهم في بيت المال، وليس منّة منه، يقول: "إن هؤلاء ـ الفقهاء ـ لهم في بيت المال حق، فإذا قنعوا منّا ببعض، فلهم المنّة علينا"([74]).
وأخيراً، فالفقهاء أحبّوه كما أحبّهم، ووقفوا إلى جانبه، ونصروه لم يخذلوه، وبلغ من درجة حبهم له، أنه عندما مات، أرادوا أن يحملوه على أعناقهم([75]).
والتقى صلاح السلطان مع صلاح العلماء، فكان صلاح المجتمع، وكانت الانتصارات الخالدة، التي تزهو بها أجيال المسلمين على مرّ العصور، فهل نعتبر؟
بغضه للفلسفة:
ومع كل هذا الاهتمام والتقدير للفقهاء، إلا أنه كان لا يُمكّن أحداً منهم من إظهار ما يخالف مذهب أهل السنّة ولاسيما في أمور العقيدة ويصفه أبو شامة بأنه كان مبغضاً للفلاسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة([76][76]).
وخير دليل على بغضه وكراهيته للفلسفة والمنتسبين إليها، وأنه كان يؤدّب أصحاب البدع وأهل الزندقة، أنه في عام 587هـ/1191م أوعز إلى ابنه الملك الظاهر غازي (ت:613هـ/1207م) حاكم حلب، يقتل العالم والفيلسوف أبي الفتح يحيى بن حبش السُهرَوَدي (ت:587هـ/1191م)* ، وذلك بعد أن أقنعه الفقهاء بضرورة التخلص منه، وإفتائهم بإباحة دمه، خوفاً على المسلمين من أن يُفسد عليهم عقيدتهم بآرائه الفلسفية التي تمس الذات الألهية، ومنعاً لحصول الفتن([77]).
ويحلو لبعض المفكرين المعاصرين([78])، أن يُصور مقتل السهروردي، أنه أحد أخطاء صلاح الدين الفادحة التي لا تغتفر، والتي جنت على الفكر الإسلامي جناية كبيرة، فأماتت فيه روح التفكير، فضعف مستوى العقل واعتراه الجمود، سيطرت عليه الأوهام.
إن هذا الزعم فيه تجنًّ واضح على صلاح الدين، الذي لم يُقدم على الأمر بقتل السهروردي، إلا بعد أن أفتى جميع فقهاء حلب بوجوب قتله، وذلك لأنه في فلسفته مزج بين الحكمة اليونانية وديانات الفرس من مزدكية ومانوية ومذاهب الصابئة في الكواكب والنجوم، كما كان يعتقد بأن النبوة لا تنتهي، وأنها ضرورية من وقت لآخر، فهو ينكر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين([79])، كما يرى أن الولي المتأله (الإمام) الذي اجتمعت له الحكمة البحثية والتجربة الصوفية يكون خير وأفضل من النبي([80])، بالإضافة إلى ذلك، كان يقول: إن الله يملك إن شاء أن يخلق نبياً، وسمّى نفسه المؤيد بالملكوت([81]).
لذلك رماه فقهاء حلب بالزندقة والإلحاد، وكتبوا إلى صلاح الدين، وحذروه من فساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فما كان من صلاح الدين، بعد أن ثبت لديه كفر السهروردي، إلا أن كتب كتاباً إلى ابنه الظاهر يأمره فيه بقتل السهروردي.
ثم إنه لو لم يقتله لحدثت فتنة كبيرة، بين أنصار السهروردي وخصومه ممن يعتنقون مذهب أهل السنة عقيدة وفقهاً، تؤدي إلى إزهاق أرواح كثيرة، فينعكس أثر هذه الفتنة على تماسك الجبهة الداخلية، التي كان صلاح الدين حريصاً أشد الحرص، على أن تبقى قوية ومتماسكة، وموحّدة، لتحقيق أسمى أمنياته، وأمنيات المسلمين، بطرد الصليبيين من بلاد الشام، الذين شكّلوا أكبر خطر هدد الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت.
ولا مجال في مثل هذه الظروف الصعبة والقاسية، لإفساح المجال أمام المناقشات الفلسفية التي تؤدي إلى تشويش الأفكار وتشتتها([82]).
ولا شك في أن صلاح الدين قد رأي في التخلص من السهروردي، تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا أمر يتحتم العمل به فلأن تزهق روح واحدة أول من أن تزهق أرواح كثيرة، وأولى من أن يُمس الدين بسوء، وتتعطل أحكامه، وأي حاكم كان مكانه لابد من أن يفعل مثله.
وربما كان وراء الدافع لقتل السهروردي، هو أن صلاح الدين خشي على ولده غازي، أن يُفتن بأفكار وآراء السهروردي، وهذا لو تم، فإنه لاشك. سيؤدي إلى حدوث انقسام في البيت الأيوبي، وهذا مما لا يسمح به صلاح الدين، لما يترتب عليه من أخطار، تؤدي إلى ضياع الجهود التي بذلها من أجل بناء مملكة موحدة وقوية.
يضاف إلى ذلك أن السهروردي في فلسفته كان متأثراً بالمذهب الإسماعيلي الذي يقول أن أولاد علي بن أبي طالب هم صور للتجلّي الإلهي، لذلك اعتبره صلاح الدين ثائراً سياسياً يسعى للقضاء على حكمه([83])، لذلك أوعز بقتله.
وإنه لأمر في منتهى الغرابة، بعد العدد الكبير من المدارس والمساجد والخانقات التي بناه صلاح الدين، واهتمامه بالعلم والعلماء بعثه نهضة علمية وثقافية واسعة في كل من مصر والشام، أن يُنسب إليه أنه قتل الفكر، وكان سبباً في جموده!
أثر صلاح الدين في تنشيط المذهب السنّي في بغداد:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي، لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل امتد إلى الحجاز واليمن اللذين فُتحا في السنوات الأولى من حكمه، بقيادة أخيه شمس الدولة تورنشاه (ت:576هـ/1181م)([84]) ، الذي أعاد هذه البلاد إلى سلطة الخلافة العبّاسية الروحية، حيث أمر بأن يخطب في أيام الجمُع للخليفة العباسي، واقتفى نهج أخيه في محاربة المذهب الشيعي.
كما أن تأثير صلاح الدين في إحياء مذهب أهل السنة، وصل إلى بغداد نفسها عاصمة الخلافة العباسية، فنجد خلال الفترة التي حكم بها أن الخلافة العباسية بفضله، قد نُفخت فيها روح جديدة، فأكسبتها نشاطاً وقوة لم تألفها منذ فترة طويلة ترجع إلى وفاة الخليفة المعتصم (ت: 227هـ/ 842م)، حيث أصبح وجود الخلافة وجوداً حقيقياً، بعد أن كان صورياً، وصار للخليفة هيبة، ومارس صلاحياته الدستورية بشكل فعّال.
وأصبح بمقدور الخليفة أن يعزل أكبر المتنفذين في القصر من وزراء وكتاب ديوان وغيرهم، يدل على ذلك أن الخليفة المستضيء بنور الله، استطاع أن يتخلص من قطب الدين قايماز (ت: 570هـ/1174م)([85])، وفي العام الذي يليه تمكن من عزل عماد الدين صندل المقتفوي عن الإستادارية، وولى مكانه ابن الصاحب هبة الله بن علي([86]).
وأخر خليفة عاصره صلاح الدين، هو الناصر لدين الله (ت:622هـ/1225م) الذي خلف المستضيء، كان أيضاً يتمتع بشخصية قوية. كانت هل هيبة وكانت سيطرته على الأمور أكثر من سابقه يقول فيه السيوطي: كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة، فكان يرهبه أهل الأقطار، فأحيا بهيبته الخلافة...([87])، وبلغ من تمكنه من السلطة، أن أمر بقتل مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب (ت: 583هـ/ 1187م)، وهو أستاذ دار الخلافة الذي كان متحكماً في أمور الدول([88]).
وكان أمراً طبيعياً، أن يرافق ازدياد قوة الخلافة، ازدياد قوة المذهب الذي تعتقده وتتبناه وهو المذهب السني، وأن يضعف المذهب المنافس لمذهبها، هو المذهب الشيعي.
ففي عهد الخليفتين السابقين اللذين عاصرهما صلاح الدين، نجد انحساراً ملحوظاً للمد الشيعي، يدل على ذلك قول الذهبي (ت: 784هـ/1347م) "وفي أيامه ـ المستضيء بنور الله ـ اختفى الرفض ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى"([89])، كما أنه في عهد الناصر لدين الله، تعرّض الشيعة لمضايقات كثيرة، فضعفت شوكتهم، وقوي نفوذ المذهب السني([90]).
وخلاصة القول، أن صلاح الدين، كان له الفضل الكبير في بعث ونشر مذهب أهل السنة فقها وعقيدة في أغلب البلاد العربية، لاهتمامه الزائد بالفقهاء والإكثار من إنشاء المدارس. ورسم الطريق لمن بعده في كيفية المحافظة على أن تبقى راية الإسلام مرفوعة، وفي كيفية المحافظة على أن يظل الدين الإسلامي نقياً خالياً من الشوائب والبدع والهرطقة.
الخاتمة:
ظهر صلاح الدين الأيوبي، في عصر كانت فيه الأمة العربية في وضع لا تُحسد عليه، من تمزق وضعف، يتهددها الخطر الصليبي، الذي كاد أن يأتي عليها، واستطاع بما تمتع به من عبقرية فذّة، وميزات قيادية هائلة، أن يجمع شتات هذه الأمة، ويكوّن قوة كبيرة، استطاع بفضلها أن يحقق انتصاراته على الصليبيين، تلك الانتصارات التي جعلته من الخالدين في التاريخ الإسلامي، وقلّ من كان يضاهيه من حيث التنزه عن الأهواء والمطامع الشخصية، ومن حيث العمل على تقديم الخدمات التي من شأنها أن تُسعد الأمة وتنهض بها.
لم يكن صلاح الدين قائداً عسكرياً بارعاً في فنون القتال فحسب، وإنما كان أيضاً سياسياً ماهراً، استطاع أن يحظى بثقة الخليفة الفاطمي([91])، رغم العداء المذهبي بينهما، وظل على وفاق مع سيّده نور الدين زنكي، مطيعاً له، رغم استفزازات نور الدين له([92])، كما حصل على ثقة الخليفة العباسي، وبقي محافظا عليها حتى أخر لحظة من عمره، تلك الثقة التي أضفت على حكمه صبغة شرعية، مما جعل الجميع يُقر له بالسيادة، والولاء والتبجيل، والاحترام.
ويمكننا إجمال ما كشفت عن الدراسة من نتائج فيما يلي:
ـ أن صلاح الدن كان باعث نهضة فكرية وعلمية كبيرة، انبثقت عن دُور العلم الكثيرة التي شيدها، مما كان له أثر في استقطاب كثير من العلماء من مختلف البلدان الإسلامية، كما أن هذه المدارس عملت على تثقيف الناس وتقوية العقيدة في نفوسهم، فأسهمت في تحقيق شيء من الوحدة الفكرية، مما كان له أثر كبير في بناء مجتمع قويّ ومتماسك، استطاع أن يتغلب على ما كان يتهدده من أخطار داخلية وخارجية على السواء، فأي انتصار عسكري أو تفوق حربي، لابد أن يصحبه تقدم علمي، وعقيدة نقيّة راسخة في نفوس أبنائها.
ـ المدارس التي شُيدت في عهده، كانت في أغلبها ضخمة وواسعة، تتوفر فيه جميع وسائل الراحة، كما أنّ المدرسين فيها كانوا يتقاضون رواتب عالية، وأن التدريس فيها كان على مذاهب أهل السنة.
ـ بسقوط الدولة الفاطمية، خسر المذهب الشيعي سنده الكبير، فأُبعد من مركز الصدارة ليأخذ مرتبة دنيا، فأخذت الصدارة مذاهب أهل السنة, ولاسيما المذهب الشافعي، ولذلك يمكننا أن نطلق على صلاح الدين لقب ناصر المذهب السنّي، كما ترتب على زوال الخلافة الفاطمية، أن فقد الجامع الأزهر درجته الأولى بين جوامع القاهرة.
ـ أن صلاح الدين كان صاحب ثقافة دينية واسعة، اهتم بالعلماء وقربّهم إليه، وكان لا يقطع أمراً إلا بمشورتهم.
ـ لم يكن صلاح الدين يتساهل في أيّ مسألة لها مساس بجوهر عقيدة أهل السنة، لذلك حارب الفلاسفة والمبتدعة، ولم يتهاون معهم.
ـ تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل شمل الحجاز واليمن والعراق.
وأخيراً فسيرة صلاح الدين الأيوبي، ستظلّ معيناً لا ينضب لأقلام الباحثين والدارسين تمدهم بأمثلة حيّة، من آيات البطولة، والمجد، والفخار.
وحري بنا أن نستطلع تاريخ العظماء من أمتنا لنأخذ منه الدروس والعبر، في كيفية مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه أمتنا، فنعمل على توحيد كلمتنا، من أجل مقاومة الأخطار المتزايدة، التي تستهدف وجودنا وكياننا.
وأضرع إلى العلي القدير، أن يُهيئ لهذه الأمة صلاحاً أخر، يعمل على توحيد صفوفها وينقذها من هذه المصائب المتوالية عليها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
([1]) ـ نيكيتا ايليسف، الشرق الإسلامي في العصر الوسيط. ترجمة منصور أبو الحسن، مؤسسة دار الكتاب الحديث، بيروت، 1986،ص273.
([2]) ـ كان أكبر شخصيات القصر الفاطمي، ولما رأى خطورة صلاح الدين، عمل على تدبير مؤامرة للقضاء عليه، وكان ذلك في بداية تولي صلاح الدين للوزارة، ولكن صلاح الدين علم بذلك، فتمكن من قتله. ولما ثار أتباعه سنة 564هـ/1169م، قاتلهم صلاح، وتمكن من الانتصار عليهم بعد معركة ضارية، ومنذ تلك اللحظة ضعف نفوذ الخليفة الفاطمي، علي بن أبي الكرم بن الأثير (ت:630هـ/1288م)، الكامل في التاريخ، 12م، دار صادر، بيروت 1979،ج11، ص 345،346.
([3]) ـ وضع رؤوس هذه المؤامرة خطة محكمة، استهدفت القضاء على صلاح الدين، وإعادة الخلافة الفاطمية، ولكي يتمكنوا من إنجاح مخططهم تآمروا مع الصليبيين، ولكن صلاح الدين علم بهذه المؤامرة، فقبض على مدبّريها وقتلهم، وكان ذلك في سنة 569هـ/1173، ويرجع الفضل في كشف هذه المؤامرة إلى الفقيه ابن نجا، جمال الدين محمد بن واصل (ت:697هـ/1269م)، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب. 5م، تحقيق جمال الدين محمد الشيال، وزارة المعارف المصرية، القاهرة 1952، ج1 ص243ـ 246.
([4]) ـ كان كنز الدولة والياً على أسوان. فقام ببسط سيطرته على أغلب صعيد مصر، وأعلن تمرده على صلاح الدين، ونادى بإرجاع الخلافة الفاطمية، وكان ذلك في سنة 569هـ/1173م، ولكن هذه الثورة قمعت بشدة على يد الجيش الذي أرسله صلاح الدين بقيادة أخيه العادل. ابن واصل، مفرج الكروب، ج1، ص 16ـ17.
([5]) ـ عبد الرحمن إسماعيل أبو شامة. (ت: 665هـ/1267م)، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق محمد حلمي أحمد، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1956، ج1 ق2،ص 465.
([6]) ـ حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، 4م، ط1، دار الأندلس، بيروت 1967م. ج4، ص189، 191، 192.
([7]) ـ أحمد بن علي المقريزي، (ت:845هـ/1441م), المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية)، ط2، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1987، ج2، ص363.
([8]) ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج6، ص54.
([9]) ـ المقريزي، المواعظ والاعتبار، ج2، ص 363.
([10]) ـ نعمان الطيب سليمان، منهج صلاح الدين الأيوبي في الحكم والقيادة، ط1، مطبعة الحسين الإسلامية. القاهرة، 1991،ص428، نقلاً عن خطط الشام، ج4،ص 39.
([11]) ـ جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي (ت: 874هـ/ 1469م)، النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، 6م، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة. ج6،ص54.
([12]) ـ أبو شامة، الروضتين ج1، ق1، ص 486.
([13]) ـ المقريزي، الخطط ج2، ص 364. وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج5، ص 385.
([14]) ـ أبو شامة، الروضتين. ج1، ق2، ص 688.
([15]) ـ المقريزي. المواعظ والاعتبار، ج2، ص400.
([16]) ـ المصدر نفسه. ص 365.
([17]) ـ عبد القادر بن محمد النعيمي. (ت: 927هـ/ 1527م). الدارس في تاريخ المدارس 2م، تحقيق جعفر الحسني، مطبعة الترقي. دمشق. 1948. ج1، ص331.
([18]) ـ المصدر نفسه ج1،ص 448.
([19]) ـ نعمان الطيب سليمان منهج صلاح الدين في الحكم والقيادة، ص 428.
([20]) ـ المقريزي. الموعظة والاعتبار ج2، ص 234.
([21]) ـ أبو شامة. الروضتين. ج1، ق2، ص694.
([22]) ـ ابن واصل، مفرج الكروب، ج1، ص230، وعارف العارف. المفصل في تاريخ القدس. مكتبة الأندلس. القدس. 1961. ج1. ص179.
([23]) ـ عارف العارف. المفصل في تاريخ القدس، ج1 ص 180.
([24]) ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة. ج6، ص 54.
([25]) ـ ابن واصل. مفرج الكروب. ج1، ص 198.
([26]) ـ النعيمي. الدارس في تاريخ المدارس. ج1، ص158.
([27]) ـ أبو شامة. الروضتين. ج1. ق1. ص 487. وابن تغري بردي. النجوم الزاهرة. ج5. ص 385.
([28]) ـ عبد القادر النعيمي. الدارس في تاريخ المدارس. ج1، ص 216.
([29]) ـ أبو شامة، الروضتين. ج1، ق1، ص 487.
([30]) ـ المقريزي. المواعظ والاعتبار. ج2، ص365.
([31]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج1،ق2. ص545.
([32]) ـ المصدر نفسه، ج2، ص 114.
([33]) ـ نعمان الطيب سليمان، منهج صلاح الدين في الحكم، ص 430.
([34]) ـ المقريزي، المواعظ والاعتبار. ج2. ص 367.
([35]) ـ المصدر نفسه، ص 368.
([36]) ـ المصدر نفسه، ص 366.
([37]) ـ عبد القادر النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص 399.
([38]) ـ المقريزي، المواعظ والاعتبار. ج2، ص 365.
([39]) ـ المصدر نفسه، ص 367.
([40]) ـ حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام. ج4. ص608.
([41]) ـ وفاء محمد علي، قيام الدولة الأيوبية في مصر والشام. ط1، دار الفكر العربي، القاهرة. 1986. ص56.
([42]) ـ أبو الفلاح عبد الحي بن العماد (ت: 1089هـ/ 1686م)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب. 4م. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4. ص298.
([43]) ـ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ/ 1505م)، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، 2م، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1968، ج4، ص22.
([44]]) ملكوم ليونز، صلاح الدين. ترجمة علي ماضي، الأهلية للنشر والتوزيع. بيروت، 1988. ص 61
([45]) ـ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ/ 1347م)، العبر في خبر من غبر، 4م، تحقيق أبو هاجر محمد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985.ج3 ص 112.
([46]) ـ ابن واصل، مفرج الكروب. ج1 ص 198.
([47]) ـ جمال الدين الشيال. مفرج الكروب. ج1، ص 198.
([48]) ـ أبو شامة. الروضتين. ج1، ق2. ص 673.
([49]) ـ عارف العارف، المفصّل في تاريخ القدس، ج1، ص 178. وأبو شامة، الروضتين، ج1 ص 206.
([50]) ـ نعمان الطيب سليمان، منهج صلاح الدين في الحكم، ص 462.
([51]) ـ ابن واصل، مفرج الكروب، ج1، ص 198.
([52]) ـ نعمان الطيب سليمان، منهج صلاح الدين في الحكم،ص 458.
([53]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج1، ق2، ص 407.
([54]) ـ ابن واصل، مفرج الكروب، ج1، ص 244.
([55]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج1، ق2،ص 218، 219، 533.
([56]) ـ المصدر نفسه ج2، ص 125.
([57]) ـ الذهبي، سير أعلام النبلاء. 14م، تحقيق بشار عواد، ومحيي هلال السرحان، ط1 مؤسسة الرسالة. بيروت، 1984، ج21، ص 282.
([58]) ـ ماجد عرسان الكيلاني، هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس. ط1 الدار السعودية. جدة، 1985. ص 224. نقلاً عن ابن الأثير، البداية والنهاية. ج13. ص 24.
([59]) ـ أبو شامة. الروضتين. ج2. ص 125.
([60]) ـ المصدر نفسه ج2، ص 205.
([61]) ـ ماجد عرسان الكيلاني، هكذا ظهر جيل صلاح الدين، ص 244.
([62]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج2، ص 58.
([63]) ـ أحمد بن محمود بن خلكان (ت: 681هـ/ 1281م)، وفيات الأعيان وأبناء الزمان، 8م، تحقيق إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1985، ج3، ص 497.
([64]) ـ ماجد عرسان الكيلاني، هكذا ظهر جيل صلاح الدين، ص 245، نقلاً عن مرآة الزمان لسبط بن الجوزي. ص 515.
([65]) ـ أبو شامة. الروضتين، ج1، ق2، ص 667.
([66]) ـ المصدر نفسه، ج2،ص 21.
([67]) ـ المقريزي، الموعظ والاعتبار، ج2، ص 234. وابن تعري بردي، النجوم الزاهرة، ج6، ص 115.
([68]) ـ أبو شامة، الروضتين. ج1، ق2، ص 671.
([69]) ـ ابن واصل. مفرج الكروب، ج2، ص 134.
([70]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج2،ص 134.
([71]) ـ ابن واصل. مفرج الكروب، ج2، ص20.
([72]) ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج11، ص 293.
([73]) ـ أبو شامة، الروضتين، ج1، 23.
([74]) ـ المصدر نفسه.
([75]) ـ ابن العماد. شذرات الذهب، ج4، ص 299.
([76]) المصدر نفسه، ج2،ص 219.
* ـ ولد في سُهرورد في شمال غرب إيران. ثم انتقل إلى مراغة، ومنها إلى أصبهان ثم إلى بلاد الأناضول وديار بكر، وأخيراً استقر به المقام في حلب، أشهر شيوخه، مجد الدين الجيلي، وظهير الدين القادي، وفخر الدين المارديني (ت 594هـ). كان شديد الذكاء فصيحاً، بارعاً في الجدال، انضم إلى جماعات الصوفية، وأحب الوحدة، عرف عنه كثرة تهوره واستهتاره. وعدم اكتراثه بالأعراف والاعتبارات الاجتماعية، عرفان عبد المحميد فتاح. نشاة الفلسفة الصوفية وتطورها. ط1 دار الجيل بيروت، 1993. ص 233 ـ 235.
([77]) ـ المصدر نفسه. ج2 ص 219.
([78]) ـ يقول محمد كرد علي، ".... وربما كانت هذه الغلطة الفظيعة الوحيدة التي عدت على صلاح الدين. لأنه بقتله قتل الحكمة. ومنذ أهملت العلوم الفلسفية في الإسلام، أخذ مستوى العقل في علماء المسلمين يضعف". ويقول محمد سيد كيلاني: "منذ هذه الفترة، اختفى التفكير الحر من الوجود، فأصيبت العقول بالجمود واستبدت بها الأوهام". نعمان سليمان، منهج صلاح الدين الأيوبي في الحكم والقيادة، ص 520.
([79]) ـ عرفان فتاح نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، ص 238. وطلعت غنام، الفلسفة الإسلامية نشأتها وتطورها ورجالها، ص 58.
([80]) ـ ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية. ترجمة كمال اليازجي، الدار المتحدة للنشر. بيروت، 1974، ص 404. وعرفان فتاح. نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها. ص 226.
([81]) ـ محمد علي أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ـ المقدمات، علم الكلام، الفلسفة الإسلامية. ط2، دار النهضة العربية، بيروت 1973، ص 409.
([82]) ـ نعمان سليمان، منهج صلاح الدين الأيوبي في الحكم، ص 521.
([83]) ـ عرفان عبد الحميد فتاح، نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، ص 245.
([84]) ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ. ج11 ص 396.
([85]) ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج11، ص 434.
([86]) ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة. ج6، ص 76.
([87]) ـ جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ/ 1505م)، تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ص 450.
([88]) ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج11، ص 562.
([89]) الذهبي، العبر في خبر من غبر، ج3، ص 67، والسيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 545.
([90]) ـ الذهبي، المصدر نفسه، ص 35.
([91]) ـ وفاء علي محمد، قيام الدول الأيوبية في مصر والشام، ص 45.
([92]) ـ يقول صلاح الدين بعد وفاة نور الدين: "والله لقد صبرت منه على مثل حزّ المدى ووخز الإبر، وما قدر أحد من أصحابه، أن يجد عليّ ما يعتده ذنباً، ولقد اجتهد هو بنفسه أيضاً، أن يجد لي هفوة يعتدها عليّ فلم يقدر، ولقد كان يعتمد في مخاطباتي ومراسلاتي على الأشياء التي لا يُصبر على مثلها، لعلي أتضرر أو أتغير، فيكون ذلك وسيلة إلى منابذتي، فما أبلغته أربه يوماً قط". أبو شامة، الروضتين، ج1 ق1، ص 442.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق