مذبحة "مسجدي الحوثيين" والمسؤولية الإيرانية المباشرة
أمير سعيد | 29/5/1436 هـ
حجم التفجيرات وعدد القتلى والجرحى هائل بكل المقاييس، فمئات من هؤلاء ليس رقماً هيناً، لاسيما إن كانوا قد سقطوا في "مساجد" معروفة، جعل من صنعاء تعيش يوماً عصيباً.
تدوول الخبر بمعلومات متطابقة، ساقتها بالأساس وكالة سبأ للأنباء التي صارت أداة طيعة في يد الحوثيين، تفيد بأن "أربعة انتحاريين يتزنرون أحزمة ناسفة فجروا أنفسهم أثناء صلاة الجمعة في جامعي بدر بحي الصافية والحشوش بحي الجراف بالعاصمة اليمنية صنعاء".. أصابع الاتهام أشارت على الفور إلى جهات "سنية"، سرعان ما عززتها أنباء بأن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قد تبناها بشكل لا لبس فيه.
وفي زحمة الحدث، وتحت تأثير الصور المفزعة للأشلاء، لن يصبح من السهل، توجيه الاتهام لصاحب المسؤولية المباشرة عن مذبحة دموية كبيرة بهذا النحو.. أعني إيران.. دولة التفجيرات الأولى في المنطقة..
هناك أصبعان يمكنهما الإشارة بوضوح إلى إيران بالمسؤولية عن مجزرة بهذا الحجم في العاصمة اليمنية المحتلة، خلفت نحو 500 ما بين قتيل وجريح، أحدهما يتعلق بمنظومة التحالف الصفوي الصهيوني الأمريكي التي تفرض نظام حكم الأقليات في المنطقة بما يخلق تلقائياً حالة من عدم الاستقرار، والشعور بالظلم لدى الأغلبية، وينتج الفوضى والإرهاب فوراً كمفرز طبيعي لتهميش الغالبية، وهذا قد فجر الفوضى والدمار والقتل في سوريا واليمن وليبيا.. الخ، وهو يشهد عليه تصاعد، بل ظهور عمليات التفجير الكبرى، في المنطقة كلها منذ قامت الثورة الإيرانية، وذلك في بلدان لم تكن تشهد ذلك.
وهذا يلقي بعبء أعمال العنف على إيران حتى لو كانت حاصلة كرد فعل من قوى سنية، لا تعفى من مسؤولية رد الفعل حين تستهدف أبرياء بالتأكيد.
أما أصبع الاتهام المباشر؛ فيشير إلى إيران كضالعة بشكل مباشر في هذه التفجيرات، التي قد تكون "انتحارية" أو "انغماسية" (أيا ما كان المصطلح المستخدم لوصفها)، أو قد تكون نتاج زرع عبوات ناسفة، وذلك ليس استناداً إلى أدلة ملموسة، وإنما إلى سوابق تاريخية تبين فيما بعد انقشاع الغبار عنها تورط أجهزة الاستخبارات الإيرانية، كمثل منافسي المرجع الإيراني النافذ الآن في العراق، علي السيستاني، الذي تضافرت شواهد عديدة ضلوعها في اغتيالهما، وهما محمد باقر الحكيم، وعبد المجيد الخوئي، اللذان كانا يمثلان "الحوزة العربية" التي هي رغم خضوعها للاحتلالات الأمريكية والبريطانية والإيرانية إلا أنها كانت تمثل حالة منافسة يخشاها آيات قم على المدى البعيد، حيث أكد الخبير البارز بالشؤون الإيرانية، د.عبدالله النفيسي الذي كان أسرّ له الحكيم ذات يوم أنه سيعيد للحوزة العراقية "عروبتها"، ويخلصها من "اضطهاد الإيرانيين" (محاضرة د.عبدالله النفيسي - موجة التغيير الشعبي في الوطن العربي السياق والدلالة - جامعة الكويت 20/3/2011)، حيث قال فيها: "فالسيستاني كان موجودا وقتها في النجف وجوازه إيراني وجنسيته إيراني وهو من سيستان؛ لذلك مقتل محمد باقر الحكيم له علاقة بهذا. واتهام القاعدة بذلك ليس صحيحاً، فليس للقاعدة أي مصلحة في اغتيال الحكيم".. وهو ما أكدته أيضاً مصادر المعارضة الإيرانية في وسائل إعلامها بعد شهرين من اغتيال الحكيم، وهو أن من قتله هم تحديداً: "قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والجنرال علي اقا محمدي الذي كان مسؤول الملف العراقي سابقا، وتم تنفيذها على أيدي أربعة من ضباط استخبارات الحرس الثوري الذين دخلوا العراق بصفة فريق عمل تليفزيوني" معتبرة أن أحد أسباب الاغتيال "هو تمرد الحكيم على القيادة الإيرانية والتنسيق مباشرة مع الأمريكيين والبريطانيين دون الرجوع للقيادة الإيرانية" (صباح الموسوي – شبكة البصرة).
أما الخوئي؛ فمقتله عائد لأسباب بعضها مالي، منها تجريده من إرث الخمس الذي تحصل عليه قانونياً بعد وراثة أبيه المرجع الشهير أبو القاسم الخوئي، ومنها تنافسي من أبرز تلاميذ المرجع، وهو السيستاني، ومنها قومي، وهو عروبة الخوئي وافتقار السيستاني لها، ومنها
سياسي، وهو حرص الإيرانيين على تولي إيرانيين حكم العراق بشكل مباشر (السيستاني دينياً، وسليماني عسكرياً).
لدى الإيرانيين سوابق بالتأكيد في تصفية مراجع شيعية ليست على درجة متطابقة معهم في رؤاهم، وقد يكون مرتضى المحطوري الذي تمت تصفيته هذا الصباح في إحدى هاتين العمليتين التفجيريتين، وهو مرجع يوصف لدى البعض بـ"الاعتدال"، وعدم انسياقه الكامل وراء طموحات الإيرانيين، وربما لديه بعض التحفظات العقدية والفقهية أيضاً، كونه يجمع ما بين الدراسة السنية والزيدية والشيعية.
لدى الإيرانيين سوابق بالتأكيد في تصفية مراجع شيعية ليست على درجة متطابقة معهم في رؤاهم، وقد يكون مرتضى المحطوري الذي تمت تصفيته هذا الصباح في إحدى هاتين العمليتين التفجيريتين، وهو مرجع يوصف لدى البعض بـ"الاعتدال"، وعدم انسياقه الكامل وراء طموحات الإيرانيين، وربما لديه بعض التحفظات العقدية والفقهية أيضاً، كونه يجمع ما بين الدراسة السنية والزيدية والشيعية.
هذه المجرزة التي حصلت لمسجدين يرتادهم الحوثيون يوفر أيضاً زخماً شعبياً حوثياً وربما زيدياً هائلاً، يحتاجه الحوثيون في مأزقهم السياسي الحالي، وهو شبيه إلى حد كبير بتفجير المرقدين في سامراء العراقية الذي وفر غطاء لمجازر هائلة بحق السنة مع أنه قد تبين أيضاً أن الحراس المعنين من قبل أدوات إيران في سامراء قد تواطؤوا في تسهيل مهمة منفذي عملية التفجير.. والواقع أن الحوثيين لم يكذبوا خبراً هذه المرة فانطلقوا إلى أهداف معدة سلفاً وجاهزة لا تحتاج إلى كثير تفكير في كونها مبرمجة للهجوم عليها، ومنها مقر رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ الدكتور عبدالمجيد الزنداني الذي يمثل تيار الإصلاح، العدو الأول للحوثيين الآن في اليمن، والذي يجعل توجيه أول خطوات الانتقام إليه مثيراً للريبة جداً في كنه تفجيري المسجدين ذاتهما.
هذا الاحتمال حول ضلوع إيران المباشر مع كل هذا ليس وحيداً، فربما توفر لخصوم الحوثيين "فجأة" هذه العبوات الناسفة التي لم يكونوا يستخدمونها من قبل! ربما، لكن مع هذا فلن تكون إيران بريئة على كل حال، حتى لو أقامت ألف لطمية، لأنها هي هي من جلبت هذه الفوضى إلى اليمن، وهي هي من تصدر ثقافة التفجير في المساجد، من باكستان حتى اليمن، وهي هي من قامت بالفعل الآثم الاحتلالي في اليمن؛ فحيث جاء "رد الفعل" النيوتني التلقائي؛ فهي المسؤولة أيضاً عن حدوثه سواء بسواء مع منفذيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق