“هيومن رايتس ووتش” توثق عمليات القتل والخطف وهدم منازل السنة في العراق
نشر في : الجمعة 20 فبراير 2015
متابعة – التقرير
سجلت “هيومن رايتس ووتش” انتهاكات ميليشيات الحشد الشعبي -شيعية- وقوات الأمن، لحقوق الإنسان في المناطق التي تم طرد “تنظيم الدولة الإسلامية” منها، وما تعرض له أهل السنة من قتل وتشريد ومنعهم من العودة لمنازلهم، والمجازر التي ارتكبها “الحشد الشعبي”، ضد الأهالي، وهو التقرير الذي رفضته قيادات عراقية شيعية ووصفته بـ”المضلل”.
“هيومن رايتس” سجلت حالات إجبار سكان على ترك منازلهم، وخطفهم وإعدامهم ميدانيًا “في بعض الحالات”، وفرار ما لا يقل عن 3000 شخص من منازلهم في منطقة المقدادية بمحافظة ديالي منذ يونيو/حزيران، ومُنعوا من العودة منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأعلنت المنظمة أنها تقوم بإجراء تحقيق في وقائع تفيد بأن قوات الميليشيات والقوات الخاصة، قتلت 72 مدنيًا في بلدة “بروانة” الواقعة في المقدادية، إضافة إلى الوقائع الموثقة هنا.
“تنظيم الدولة” واجتياح الموصل
ih (2)
وقال بعض الأهالي لـ”هيومن رايتس ووتش”، إن قوات الأمن والميليشيات المتحالفة معها بدأت في مضايقة السكان في محيط المقدادية، المنطقة الواقعة على مسافة 80 كيلومترًا شمال شرق بغداد، في يونيو/حزيران، بعد استيلاء “تنظيم الدولة” على الموصل، ثم تصاعدت الانتهاكات بحسب شهود في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهو الشهر التالي لتولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء، وتعهده بكبح جماح الميليشيات المسيئة، وإنهاء الطائفية التي كانت تغذي حلقة العنف في عهد سلفه.
عمليات التصفية
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “يتعرض المدنيون في العراق لمطرقة داعش، ثم مطرقة الميليشيات الموالية للحكومة في المناطق التي يستعيدونها من داعش. ومع رد الحكومة على من تعتبرهم إرهابيين بالاعتقالات التعسفية وعمليات التصفية، لا يجد السكان مكانًا يلجئون إليه لالتماس الحماية”.
وتحدثت “هيومن رايتس ووتش”، مع ستة نازحين من سكان القرى القريبة من المقدادية -وهي منطقة ريفية في غالبيتها، يتنوع سكانها البالغ عددهم نحو 300 ألف بين السنّة والشيعة العرب والأكراد والتركمان- وقد قال خمسة منهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم غادروا قراهم في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، إثر هجمات من ميليشيات “عصائب أهل الحق”، ومقاتلين متطوعين والقوات الخاصة.
إطلاق النار عشوائيًا في الشوارع
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، بدأ السكان في العودة إلى بيوتهم، حين سمعوا بمغادرة الميليشيات للمنطقة، ليكتشفوا أنها أحرقت العديد من المنازل، وبعد ذلك بقليل بدأ أفراد الميليشيات التي سيطرت على المنطقة في خطف السكان العائدين، وإطلاق النار عشوائيًا في الشوارع، وفي الهواء من أسلحة آلية، ووصف السكان الذين أجريت معهم المقابلات عمليات خطف وقتل لثلاثة رجال بأيدي الميليشيات.
وقالت المنظمة إن الهجمات على شمال المقدادية، تبدو وكأنها جزء من حملة تشنها ميليشيا الحشد الشعبي، لتهجير السكان من المناطق السنّية، بعد نجاح الميليشيات مع قوات الأمن في دحر “داعش” في تلك المناطق. في 29 ديسمبر/كانون الأول، قام هادي العامري، قائد فيلق بدر ووزير النقل في عهد الإدارة السابقة لنوري المالكي، بتهديد سكان المقدادية قائلًا: “يوم الحساب قادم”، و”سنهاجم المنطقة حتى لا يبقى منها شيء، هل رسالتي واضحة؟”.
إشعال النيران في محيط العامرلي
وكان باحثو “هيومن رايتس ووتش”، قد لاحظوا في أكتوبر/تشرين الأول ميليشيات تحتل منازل وتشعل فيها النيران في محيط العامرلي بمحافظة صلاح الدين، عقب انسحاب مقاتلي داعش، وفي 17 ديسمبر/كانون الأول قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” ووسائل إعلامية أخرى بأن الميليشيات تجري عمليات إخلاء وإخفاء وقتل في حزام بغداد، بعد إجراء عمليات عسكرية ضد داعش، وفي يناير/كانون الثاني أفادت وسائل إعلامية بأن الميليشيات ألقت القبض على آلاف الرجال في سامراء بدون تصريح، ومنعتهم من العودة إلى منازلهم، وفي 26 يناير/كانون الثاني، بحسب تقارير إعلامية، قامت الميليشيات ومقاتلون متطوعون وقوات أمنية بإرغام 72 مدنيًا على ترك منازلهم في بروانة بمحافظة ديالي، وإعدامهم ميدانيًا، وتقوم “هيومن رايتس ووتش”، بالتحقيق في تلك الادعاءات.
هجوم على السعودية والولايات المتحدة
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إن الأدلة على تصدّر الميليشيات للعمليات الأمنية في محافظات صلاح الدين وديالي وبغداد وبابل تكذّب تعهد رئيس وزراء العراق في وقف عمليات التصفية والانتقام؛ ففي 1 يناير/كانون الثاني 2015، عقد أبو مهدي المهندس، الذي طال تزعمه لميليشيا كتائب حزب الله، ويرأس الآن الحشد الشعبي، وهي منظمة شبه حكومية، عقد مؤتمرًا صحفيًا ووصف نفسه فيه بأنه قائد عسكري ورئيس “ميليشيا الحشد الشعبي”، وهاجم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، اللتين وصفهما بكفلاء داعش وداعميها، ويوحي هذا بأن الحبل ما زال متروكًا على الغارب للميليشيات، رغم وعود رئيس الوزراء.
روايات ضحايا وشهود
وقالت إحدى السكان بقرية بلور في المقدادية، التي تبلغ من العمر 70 عامًا وقدمت نفسها باسم “أم مريم”، قالت لـ “هيومن رايتس ووتش” إن شرطة المقدادية قامت في 8 ديسمبر/كانون الأول بأخذ ولديها، “كريم 33 سنة”، و”سيف 38 سنة”، من منزليهما بدون تصريح اعتقال، وقالت: “اقتحموا المنزل وأخذوهما”، وأفرجت الشرطة عن الرجلين، اللذين قالت “أم مريم” إنهما مدنيان، بعد يومين.
أم مريم.. الاختطاف والقتل
لكن، في نحو الثالثة والنصف من عصر 12 ديسمبر/كانون الأول، بينما كانت الأم ترقب اقتراب الرجلين من نقطة تفتيش بلور في طريق عودتهما إلى المنزل، قام ستة مسلحين يرتدون زيًا أسود أو مموهًا بخطف الرجلين، وقام المسلحون بدفع أم مريم وتهديدها بإطلاق النار إذا صرخت، قالت السيدة: “كنت أقبّل أيديهم حتى يتوقفوا، لكنهم ركلوني بعيدًا عنهم”، وبعد هذا مباشرة ذهبت أم مريم لتقديم شكوى لدى مأمور قسم الشرطة، الذي قال لها إن الشرطة “لا تملك أن تفعل شيئًا” في واقعة الاختطاف، كما قالت.
وقال شقيق آخر للرجلين، هو “أبو يوسف” لـ “هيومن رايتس ووتش”، إن مجهولين اتصلوا به بعد قليل، وأبلغوه بوفاة شقيقيه، قائلين: “تعال لأخذ كلبيك، لقد أطلقنا على كل منهما 10 طلقات في الصدر وتخلصنا من الجثتين”، وعندئذ فرت “أم مريم”، و”أبو يوسف” إلى خانقين، وهي منطقة في شمال ديالي تخضع لسيطرة البشمركة والميليشيات الكردية على السواء.
آلاف العائلات السنية
وقال مزارع في الخمسينيات من العمر من بلور، قدم نفسه باسم “أبي سيف”، لـ “هيومن رايتس وووتش”، إن أفراد الميليشيات، ومتطوعين يقاتلون مع الحشد الشعبي شبه الحكومي، بدأوا منذ 20 يونيو/حزيران في مهاجمة قرى بلور والمطار والعروبة والحرية والصدور والهارونية، التي تؤوي كلها ما يقرب من ألف عائلة سنّية، وقال “أبو سيف” إنه تعرف على أفراد الميليشيات من المكتوب على جوانب عرباتهم، كأفراد في “المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق”، وقال إنه شاهد أفراد الميليشيات ومتطوعين يحرقون ما لا يقل عن 50 منزلًا في القرى، ويطلقون الهاون والصواريخ على منازل في يونيو/حزيران، وليس من المعلوم ما إذا كان أي من أفراد داعش موجودًا في القرى في ذلك الوقت، وقال “أبو سيف” إن عمليات اختطاف واسعة النطاق للذكور في سن التجنيد على مدار الشهور التالية دفعت معظم السكان إلى الفرار.
فرض إتاوات على الأهالي
وكما فعل الكثيرون من سكان المناطق الريفية في شمال المقدادية، عاد “أبو سيف” بعد 3 شهور حين سمع بمغادرة الميليشيات للمنطقة، وقال: “لكن بحلول محرم، في أكتوبر/تشرين الأول تقريبًا، عادت الميليشيات بكل قوتها”، وفي بلور، القرية التي تسكنها قرابة 200 عائلة، وجه أفراد الميليشيات إلى السكان السباب الطائفي، وأرغموهم على رفع أعلام الشيعة فوق منازلهم ومحالهم التجارية، بحسب قوله، وقال: “لقد جعلونا نشعر بأننا سجناء في بلدتنا”.
وقال إن الأوضاع تدهورت في ديسمبر/كانون الأول، فقد شاهد أفراد الميليشيات في منتصف ديسمبر/كانون الأول يختطفون أحد تجار الخضر والفاكهة المحليين، وطالبوا فيما بعد بـ70 ألف دولار في مقابل إطلاق سراحه، وهو المبلغ الذي قال “أبو سيف” إن عائلة الرجل سددته، وبعد يوم عثرت عائلة الرجل على جثته على جانب الطريق، كما رحل “أبو أحمد”، وهو مزارع من قرية دور الضباط وعمره 32 عامًا، مع زوجته وطفله الذي يبلغ من العمر 3 سنوات، في يونيو/حزيران، عاد “أبو أحمد” في أكتوبر/تشرين الأول بعد أن سمع بعودة الأمان للمنطقة، وقال لـ هيومن رايتس ووتش: “عند عودتي وجدت النقيض التام”.
“ارحلوا أيها النواصب”
كان أفراد الميليشيات يطلقون النار عشوائيًا في الهواء، ويطلقون الصواريخ داخل “قرية” دور الضباط فيروعون الناس، وبدأت العائلات تغادر المنطقة مجددًا، في منتصف ديسمبر/كانون الأول، ورحل 90 بالمئة من العائلات، ووزعت الميليشيات منشورات تحذر السكان من القتل إذا لم يرحلوا، كان المنشور يقول: “ارحلوا أيها النواصب، بيوتكم قبوركم، ارحلوا فقد أعذر من أنذر”.
قال “أبو أحمد” إن سكان حي المطار ودور الضباط، أخبروه بأن الميليشيات تقوم بعمليات اختطاف في تلك المناطق، وكان أفراد الميليشيات، الذين قال إنه عرفهم من أزيائهم السوداء أو المموهة، ومن شاراتهم، يتجولون بالسيارات أو الدرجات البخارية في حيه يوميًا “لمجرد ترويعنا”. وقال: “أنا لا أخاف أن تطلق علينا داعش النيران، بل أخاف أن تخطفنا الميليشيات وتقتلنا”.
حرق البيوت والاعتقالات الجماعية
وقال رجل من قرية العزي، قدم نفسه باسم “أبي يحيى”، لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة إنه غادر المنطقة في أواخر 2013، بسبب تزايد اعتداءات الميليشيات وقوات الأمن والاعتقالات الجماعية، وقال إن بعض السكان أخبروه بأنهم شاهدوا أفراد الميليشيات والقوات الخاصة، والشرطة الاتحادية من الفرقة الخامسة يحرقون منزله في 20 يوليو/تموز، إضافة إلى منازل 30 مدنيًا آخرين في قريته، وقال إن منازل المدنيين لم تكن تحت استخدام داعش عند الاعتداء عليها.
عاد “أبو يحيى” إلى المقدادية خلال محرم، في أكتوبر/تشرين الأول، وكان مقيمًا في بلور، لكن في التاسعة والنصف من مساء 18 ديسمبر/كانون الأول، بحسب قوله، قام أفراد من الميليشيات بخطف قريب له يبلغ من العمر 70 عامًا هو “علي محسن”، تحت أنظار “أبي يحيى” ووالدته وشقيقته، وحذر أفراد الميليشيات السيدتين من الصراخ وإلا قتلوهما، كما قال، وأضاف “أبو يحيى” إن العائلة عثرت في اليوم التالي على جثة علي محسن على جانب الطريق السريع المؤدي من بغداد إلى خانقين.
نسف منازل قريتي الإمام طالب والفاروق
وقال “أبو قنديل” الذي يبلغ من العمر 58 عامًا ويسكن قرية شوك الريم، التي تؤوي 300 عائلة، إن المليشيات بدأت في مهاجمة المناطق السنية في قضاء المقدادية في يونيو/حزيران، عن طريق الاعتداء بالضرب على سكان القرى المدنيين أو نسف منازلهم، وخاصة في قريتي الإمام طالب والفاروق، وعند عودة السكان في نوفمبر/تشرين الثاني، وجدوا أن الميليشيات ما زالت تحتل القرية، بحسب أبي حارث، اتهم أفراد الميليشيات السكان بتأييد داعش و”قالوا إنهم سيقتلوننا لأننا سنّة”، وقال: “الناس في المنطقة مذعورون من قتلهم بأيدي المليشيات”، وقال إن أفراد الميليشيات ما زالوا يشعلون النار في المنازل بقرية أخرى، هي الوزان.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع الضحايا والشهود من المقدادية، الذين فر معظمهم من منازلهم، عن طريق الهاتف فيما بين 8 و15 يناير/كانون الثاني، وقد شرحت هيومن رايتس ووتش لمن أجريت معهم المقابلات كيف سيتم استخدام رواياتهم، وأبدى الجميع الموافقة بعد طلب حجب هوياتهم لأسباب أمنية. وجميع الأسماء المستخدمة هي أسماء مستعارة.
نشر في : الجمعة 20 فبراير 2015
متابعة – التقرير
سجلت “هيومن رايتس ووتش” انتهاكات ميليشيات الحشد الشعبي -شيعية- وقوات الأمن، لحقوق الإنسان في المناطق التي تم طرد “تنظيم الدولة الإسلامية” منها، وما تعرض له أهل السنة من قتل وتشريد ومنعهم من العودة لمنازلهم، والمجازر التي ارتكبها “الحشد الشعبي”، ضد الأهالي، وهو التقرير الذي رفضته قيادات عراقية شيعية ووصفته بـ”المضلل”.
“هيومن رايتس” سجلت حالات إجبار سكان على ترك منازلهم، وخطفهم وإعدامهم ميدانيًا “في بعض الحالات”، وفرار ما لا يقل عن 3000 شخص من منازلهم في منطقة المقدادية بمحافظة ديالي منذ يونيو/حزيران، ومُنعوا من العودة منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأعلنت المنظمة أنها تقوم بإجراء تحقيق في وقائع تفيد بأن قوات الميليشيات والقوات الخاصة، قتلت 72 مدنيًا في بلدة “بروانة” الواقعة في المقدادية، إضافة إلى الوقائع الموثقة هنا.
“تنظيم الدولة” واجتياح الموصل
ih (2)
وقال بعض الأهالي لـ”هيومن رايتس ووتش”، إن قوات الأمن والميليشيات المتحالفة معها بدأت في مضايقة السكان في محيط المقدادية، المنطقة الواقعة على مسافة 80 كيلومترًا شمال شرق بغداد، في يونيو/حزيران، بعد استيلاء “تنظيم الدولة” على الموصل، ثم تصاعدت الانتهاكات بحسب شهود في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهو الشهر التالي لتولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء، وتعهده بكبح جماح الميليشيات المسيئة، وإنهاء الطائفية التي كانت تغذي حلقة العنف في عهد سلفه.
عمليات التصفية
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “يتعرض المدنيون في العراق لمطرقة داعش، ثم مطرقة الميليشيات الموالية للحكومة في المناطق التي يستعيدونها من داعش. ومع رد الحكومة على من تعتبرهم إرهابيين بالاعتقالات التعسفية وعمليات التصفية، لا يجد السكان مكانًا يلجئون إليه لالتماس الحماية”.
وتحدثت “هيومن رايتس ووتش”، مع ستة نازحين من سكان القرى القريبة من المقدادية -وهي منطقة ريفية في غالبيتها، يتنوع سكانها البالغ عددهم نحو 300 ألف بين السنّة والشيعة العرب والأكراد والتركمان- وقد قال خمسة منهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم غادروا قراهم في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، إثر هجمات من ميليشيات “عصائب أهل الحق”، ومقاتلين متطوعين والقوات الخاصة.
إطلاق النار عشوائيًا في الشوارع
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، بدأ السكان في العودة إلى بيوتهم، حين سمعوا بمغادرة الميليشيات للمنطقة، ليكتشفوا أنها أحرقت العديد من المنازل، وبعد ذلك بقليل بدأ أفراد الميليشيات التي سيطرت على المنطقة في خطف السكان العائدين، وإطلاق النار عشوائيًا في الشوارع، وفي الهواء من أسلحة آلية، ووصف السكان الذين أجريت معهم المقابلات عمليات خطف وقتل لثلاثة رجال بأيدي الميليشيات.
وقالت المنظمة إن الهجمات على شمال المقدادية، تبدو وكأنها جزء من حملة تشنها ميليشيا الحشد الشعبي، لتهجير السكان من المناطق السنّية، بعد نجاح الميليشيات مع قوات الأمن في دحر “داعش” في تلك المناطق. في 29 ديسمبر/كانون الأول، قام هادي العامري، قائد فيلق بدر ووزير النقل في عهد الإدارة السابقة لنوري المالكي، بتهديد سكان المقدادية قائلًا: “يوم الحساب قادم”، و”سنهاجم المنطقة حتى لا يبقى منها شيء، هل رسالتي واضحة؟”.
إشعال النيران في محيط العامرلي
وكان باحثو “هيومن رايتس ووتش”، قد لاحظوا في أكتوبر/تشرين الأول ميليشيات تحتل منازل وتشعل فيها النيران في محيط العامرلي بمحافظة صلاح الدين، عقب انسحاب مقاتلي داعش، وفي 17 ديسمبر/كانون الأول قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” ووسائل إعلامية أخرى بأن الميليشيات تجري عمليات إخلاء وإخفاء وقتل في حزام بغداد، بعد إجراء عمليات عسكرية ضد داعش، وفي يناير/كانون الثاني أفادت وسائل إعلامية بأن الميليشيات ألقت القبض على آلاف الرجال في سامراء بدون تصريح، ومنعتهم من العودة إلى منازلهم، وفي 26 يناير/كانون الثاني، بحسب تقارير إعلامية، قامت الميليشيات ومقاتلون متطوعون وقوات أمنية بإرغام 72 مدنيًا على ترك منازلهم في بروانة بمحافظة ديالي، وإعدامهم ميدانيًا، وتقوم “هيومن رايتس ووتش”، بالتحقيق في تلك الادعاءات.
هجوم على السعودية والولايات المتحدة
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إن الأدلة على تصدّر الميليشيات للعمليات الأمنية في محافظات صلاح الدين وديالي وبغداد وبابل تكذّب تعهد رئيس وزراء العراق في وقف عمليات التصفية والانتقام؛ ففي 1 يناير/كانون الثاني 2015، عقد أبو مهدي المهندس، الذي طال تزعمه لميليشيا كتائب حزب الله، ويرأس الآن الحشد الشعبي، وهي منظمة شبه حكومية، عقد مؤتمرًا صحفيًا ووصف نفسه فيه بأنه قائد عسكري ورئيس “ميليشيا الحشد الشعبي”، وهاجم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، اللتين وصفهما بكفلاء داعش وداعميها، ويوحي هذا بأن الحبل ما زال متروكًا على الغارب للميليشيات، رغم وعود رئيس الوزراء.
روايات ضحايا وشهود
وقالت إحدى السكان بقرية بلور في المقدادية، التي تبلغ من العمر 70 عامًا وقدمت نفسها باسم “أم مريم”، قالت لـ “هيومن رايتس ووتش” إن شرطة المقدادية قامت في 8 ديسمبر/كانون الأول بأخذ ولديها، “كريم 33 سنة”، و”سيف 38 سنة”، من منزليهما بدون تصريح اعتقال، وقالت: “اقتحموا المنزل وأخذوهما”، وأفرجت الشرطة عن الرجلين، اللذين قالت “أم مريم” إنهما مدنيان، بعد يومين.
أم مريم.. الاختطاف والقتل
لكن، في نحو الثالثة والنصف من عصر 12 ديسمبر/كانون الأول، بينما كانت الأم ترقب اقتراب الرجلين من نقطة تفتيش بلور في طريق عودتهما إلى المنزل، قام ستة مسلحين يرتدون زيًا أسود أو مموهًا بخطف الرجلين، وقام المسلحون بدفع أم مريم وتهديدها بإطلاق النار إذا صرخت، قالت السيدة: “كنت أقبّل أيديهم حتى يتوقفوا، لكنهم ركلوني بعيدًا عنهم”، وبعد هذا مباشرة ذهبت أم مريم لتقديم شكوى لدى مأمور قسم الشرطة، الذي قال لها إن الشرطة “لا تملك أن تفعل شيئًا” في واقعة الاختطاف، كما قالت.
وقال شقيق آخر للرجلين، هو “أبو يوسف” لـ “هيومن رايتس ووتش”، إن مجهولين اتصلوا به بعد قليل، وأبلغوه بوفاة شقيقيه، قائلين: “تعال لأخذ كلبيك، لقد أطلقنا على كل منهما 10 طلقات في الصدر وتخلصنا من الجثتين”، وعندئذ فرت “أم مريم”، و”أبو يوسف” إلى خانقين، وهي منطقة في شمال ديالي تخضع لسيطرة البشمركة والميليشيات الكردية على السواء.
آلاف العائلات السنية
وقال مزارع في الخمسينيات من العمر من بلور، قدم نفسه باسم “أبي سيف”، لـ “هيومن رايتس وووتش”، إن أفراد الميليشيات، ومتطوعين يقاتلون مع الحشد الشعبي شبه الحكومي، بدأوا منذ 20 يونيو/حزيران في مهاجمة قرى بلور والمطار والعروبة والحرية والصدور والهارونية، التي تؤوي كلها ما يقرب من ألف عائلة سنّية، وقال “أبو سيف” إنه تعرف على أفراد الميليشيات من المكتوب على جوانب عرباتهم، كأفراد في “المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق”، وقال إنه شاهد أفراد الميليشيات ومتطوعين يحرقون ما لا يقل عن 50 منزلًا في القرى، ويطلقون الهاون والصواريخ على منازل في يونيو/حزيران، وليس من المعلوم ما إذا كان أي من أفراد داعش موجودًا في القرى في ذلك الوقت، وقال “أبو سيف” إن عمليات اختطاف واسعة النطاق للذكور في سن التجنيد على مدار الشهور التالية دفعت معظم السكان إلى الفرار.
فرض إتاوات على الأهالي
وكما فعل الكثيرون من سكان المناطق الريفية في شمال المقدادية، عاد “أبو سيف” بعد 3 شهور حين سمع بمغادرة الميليشيات للمنطقة، وقال: “لكن بحلول محرم، في أكتوبر/تشرين الأول تقريبًا، عادت الميليشيات بكل قوتها”، وفي بلور، القرية التي تسكنها قرابة 200 عائلة، وجه أفراد الميليشيات إلى السكان السباب الطائفي، وأرغموهم على رفع أعلام الشيعة فوق منازلهم ومحالهم التجارية، بحسب قوله، وقال: “لقد جعلونا نشعر بأننا سجناء في بلدتنا”.
وقال إن الأوضاع تدهورت في ديسمبر/كانون الأول، فقد شاهد أفراد الميليشيات في منتصف ديسمبر/كانون الأول يختطفون أحد تجار الخضر والفاكهة المحليين، وطالبوا فيما بعد بـ70 ألف دولار في مقابل إطلاق سراحه، وهو المبلغ الذي قال “أبو سيف” إن عائلة الرجل سددته، وبعد يوم عثرت عائلة الرجل على جثته على جانب الطريق، كما رحل “أبو أحمد”، وهو مزارع من قرية دور الضباط وعمره 32 عامًا، مع زوجته وطفله الذي يبلغ من العمر 3 سنوات، في يونيو/حزيران، عاد “أبو أحمد” في أكتوبر/تشرين الأول بعد أن سمع بعودة الأمان للمنطقة، وقال لـ هيومن رايتس ووتش: “عند عودتي وجدت النقيض التام”.
“ارحلوا أيها النواصب”
كان أفراد الميليشيات يطلقون النار عشوائيًا في الهواء، ويطلقون الصواريخ داخل “قرية” دور الضباط فيروعون الناس، وبدأت العائلات تغادر المنطقة مجددًا، في منتصف ديسمبر/كانون الأول، ورحل 90 بالمئة من العائلات، ووزعت الميليشيات منشورات تحذر السكان من القتل إذا لم يرحلوا، كان المنشور يقول: “ارحلوا أيها النواصب، بيوتكم قبوركم، ارحلوا فقد أعذر من أنذر”.
قال “أبو أحمد” إن سكان حي المطار ودور الضباط، أخبروه بأن الميليشيات تقوم بعمليات اختطاف في تلك المناطق، وكان أفراد الميليشيات، الذين قال إنه عرفهم من أزيائهم السوداء أو المموهة، ومن شاراتهم، يتجولون بالسيارات أو الدرجات البخارية في حيه يوميًا “لمجرد ترويعنا”. وقال: “أنا لا أخاف أن تطلق علينا داعش النيران، بل أخاف أن تخطفنا الميليشيات وتقتلنا”.
حرق البيوت والاعتقالات الجماعية
وقال رجل من قرية العزي، قدم نفسه باسم “أبي يحيى”، لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة إنه غادر المنطقة في أواخر 2013، بسبب تزايد اعتداءات الميليشيات وقوات الأمن والاعتقالات الجماعية، وقال إن بعض السكان أخبروه بأنهم شاهدوا أفراد الميليشيات والقوات الخاصة، والشرطة الاتحادية من الفرقة الخامسة يحرقون منزله في 20 يوليو/تموز، إضافة إلى منازل 30 مدنيًا آخرين في قريته، وقال إن منازل المدنيين لم تكن تحت استخدام داعش عند الاعتداء عليها.
عاد “أبو يحيى” إلى المقدادية خلال محرم، في أكتوبر/تشرين الأول، وكان مقيمًا في بلور، لكن في التاسعة والنصف من مساء 18 ديسمبر/كانون الأول، بحسب قوله، قام أفراد من الميليشيات بخطف قريب له يبلغ من العمر 70 عامًا هو “علي محسن”، تحت أنظار “أبي يحيى” ووالدته وشقيقته، وحذر أفراد الميليشيات السيدتين من الصراخ وإلا قتلوهما، كما قال، وأضاف “أبو يحيى” إن العائلة عثرت في اليوم التالي على جثة علي محسن على جانب الطريق السريع المؤدي من بغداد إلى خانقين.
نسف منازل قريتي الإمام طالب والفاروق
وقال “أبو قنديل” الذي يبلغ من العمر 58 عامًا ويسكن قرية شوك الريم، التي تؤوي 300 عائلة، إن المليشيات بدأت في مهاجمة المناطق السنية في قضاء المقدادية في يونيو/حزيران، عن طريق الاعتداء بالضرب على سكان القرى المدنيين أو نسف منازلهم، وخاصة في قريتي الإمام طالب والفاروق، وعند عودة السكان في نوفمبر/تشرين الثاني، وجدوا أن الميليشيات ما زالت تحتل القرية، بحسب أبي حارث، اتهم أفراد الميليشيات السكان بتأييد داعش و”قالوا إنهم سيقتلوننا لأننا سنّة”، وقال: “الناس في المنطقة مذعورون من قتلهم بأيدي المليشيات”، وقال إن أفراد الميليشيات ما زالوا يشعلون النار في المنازل بقرية أخرى، هي الوزان.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع الضحايا والشهود من المقدادية، الذين فر معظمهم من منازلهم، عن طريق الهاتف فيما بين 8 و15 يناير/كانون الثاني، وقد شرحت هيومن رايتس ووتش لمن أجريت معهم المقابلات كيف سيتم استخدام رواياتهم، وأبدى الجميع الموافقة بعد طلب حجب هوياتهم لأسباب أمنية. وجميع الأسماء المستخدمة هي أسماء مستعارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق