جولات في الفكر الإسلامي
[137] مناقشة هادئة فيمن ينكرون علاقة حماس بإيران
الإنصاف والوسطية في مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الشيعة الإمامية
5 ربيع آخر 1433هـ - 27 فبراير 2012م
لم يعرف التاريخ مثل الإسلام في تسامحه مع المخالفين في الدين والملة، وكون حقيقة الإسلام دعوة إلى الخير، فإنه يدعو أتباعه للتعاون مع الآخرين لتحقيق هذه الغاية، مهما كان هذا الآخر، لقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾. قال القرطبي: " هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى , أي ليعن بعضكم بعضا ". وقال المارودي: " ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له , لأن في التقوى رضا الله تعالى , وفي البر رضا الناس , ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته " [ أدب الدنيا والدين ص 196-197].
والإسلام يدعو إلى التعاون مع الآخر كائناً من كان، لدرء المفاسد وجلب المصالح، وتعزيز الحرية والعدالة والمساواة، وصون حقوق الإنسان، وعقد التحالفات لرفع الظلم وصد العدوان ومن أجل ذلك قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ " [ السنن الكبرى، البيهقي، رقم 13080].
فإذا كان الإسلام يعطي لأتباعه الضوء الأخضر في التعاون مع الكفار فيما فيه خير للإنسان، فمن باب أولى أن يكون التعاون مع المسلم الفاسق أو الظالم أو المبتدع أو المختلف في إسلامه.
وهناك بعض الصحويين – للأسف – يغيب عنه هذا المفهوم، فيستوعب صورة التعاون الأول، ولا يستوعب الآخر، لذلك وجدنا الكثيرين من هؤلاء يُشغِّبون على حركة حماس في علاقاتها مع إيران الشيعية الكافرة – على حد قولهم - مع أن هذه العلاقة تقوم على التعاون على الحق ونصرة المظلوم والتصدي للعدوان الصهيوني. والحركة في هذه العلاقة معذورة من جانبين. الأول: على افتراض صحة الذين قالوا بأن الشيعة الإمامية كفار، فإن هذه العلاقة من باب السياسية الشرعية، والتحالفات السياسية التي يجيزها الإسلام. الثاني: على أحسن الأحوال في حكم الشيعة الإمامية (شيعة إيران ولبنان) أنهم مختلف في إسلامهم، حيث ذهب طائفة كثيرة من كبار أئمة أهل السنة والجماعة للحكم بإسلامهم، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وبناءً على ذلك فإن علاقة حماس مع إيران مشروعة، وربما تصل إلى درجة الوجوب.
وقد تعمدت في هذه المقالة أن أنقل كلام شيخ الإسلام لجلالته ومكانته العلمية الكبيرة، كما أنه يمثل قبلة طلاب العلم في الاحتجاج والنقل، ولاسيما في كلامه عن الشيعة (الرافضة)، حيث صنف كتابه (منهاج السنة) وخصصه للرد على بدع الشيعة، حيث اتسم رده بالقوة والقسوة، بل إنه لم يغلظ على فرقة من الفرق كما أغلظ على الرافضة , فقد وصفهم بقلة العلم والعقل.
ومع هذا كله فإنه رحمه الله لم يحكم عليهم بالكفر والخروج من الإسلام , بل اعتبرهم من الداخلين في دائرة الإسلام، مع اتفاق كلمة المسلمين على تكفير الشيعة الإسماعيلية، والنصيرية، والقرامطة. وحكمه هذا انطلق فيه من قاعدة قد قررها وهي: " ولما كان اتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع، بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس " [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/32].
أما عن تصريحه بإسلامهم فيقول: " وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير , وانتفعوا بذلك , وصاروا مسلمين مبتدعين , وهو خير من أن يكونوا كفارًا " [ مجموع الفتاوى 16/96 ]. فهذا الكلام من ابن تيمية يدل على أن وصف الإسلام ثابت لهم , وأن دخول الكافر في الإسلام على مذهب الرافضة خير له من بقائه على كفره.
وقال أيضا بعد ذكره للإسماعيلية، ووصفهم بالنفاق والإلحاد: " والإمامية الإثنا عشرية خير منهم بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنًا وظاهرًا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهمجهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم... " [ منهاج السنة 2/452]
ولما سئل – رحمه الله - عمن يُفضِّل اليهود والنصارى على الرافضة , أنكر هذا وقال: " كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به , وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة , سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم" [ مجموع الفتاوى 35/201]
وقد أجاز شيخ الإسلام زواج السني من شيعية، ومعلوم أنهم لو كانوا كفاراً ما جاز ذلك، وفي هذا يقول: "الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال , ولا ينبغي للمسلم أن يزوج موليته من رافضي, وإن تزوج هو رافضية صح النكاح , إن كان يرجو أن تتوب , وإلا فترك نكاحها أفضل , لئلا تفسد عليه ولده "
كذلك حكم رحمه الله بصحة الصلاة خلف الإمام الرافضي , فلو كان الرافضي كافرا عنده لقال ببطلان الصلاة خلفه , لأن الصلاة خلف الإمام الكافر لا تصح كما هو معلوم [ مجموع الفتاوى 23/354].
وهذا الموقف من شيخ الإسلام، إن دل فإنما يدل على ما يتمتع به رحمه الله من فقه عميق وفهم دقيق وخلق وثيق ينسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه: " مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ , لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تخفروا الله في ذمته ".
وعدم تكفير الرافضة قول لم ينفرد به ابن تيمية , بل قال به جماعة من الأئمة غيره. فقد ذهب الإمام أبو حنيفة والشافعي ورواية عند أحمد على قبول شهادة أهل الأهواء، بل نص الشافعي في (الأم 7/509) على قبول شهادة الشاتمين للصحابة منهم. وهذا القول ليس غريباً فقد قبل العلماء شهادة الخوارج، وهذا أشد وأكبر، حيث إن الخوارج لم يكتفوا بالسب والشتم بل إنهم حكموا بكفر علي رضي الله عنه المقطوع له بالجنة، وكذلك الصحابة كلهم الذين كانوا في عصره، ولو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حيين لكفروهما. مع العلم أن الأحاديث تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذمهم. وبالرغم من كل هذا فقد نقل أكثر من واحد من العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الأمة على عدم تكفير الخوارج.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام من عدم تكفير الشيعة الإمامية صرح به تلميذه ابن القيم حيث قال رحمه الله: " الْفَاسِقُ بِاعْتِقَادِهِ، إذَا كَانَ مُتَحَفِّظًا فِي دِينِهِ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ، كَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا نُكَفِّرُهُمْ، كَالرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَنَحْوِهِمْ، هَذَا مَنْصُوصُ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ فَإِنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِالشَّهَادَةِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ " [ الطرق الحمية في السياسة الشرعية 1/146].
والأكبر من قبول الشهادة قبول روايتهم – يعني أن بعض الدين نقل لنا من طريقهم – وقد قال الإمام الذهبي " فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذنُ بأن المبتدع، إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه فإن قبول ما رواه سائغ " [ سير أعلام النبلاء 7/154]. ومن هؤلاء على سبيل المثال شيخ البخاري عبيد الله بن موسى العبسي، قال عنه أبو داود كان شيعياً محترفاً. قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَدُلُّ النَّاسَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ مَعْرُوْفاً بِالرَّفْضِ، لَمْ يَدَعْ أَحَداً اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ يَدْخُلُ دَارَهُ. فَقِيْل: دَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُعَاوِيَةُ. قَالَ: وَاللهِ لاَحَدَّثْتُكَ، وَلاَ حَدَّثْتُ قَوْماً أَنْتَ فِيْهِم" [ السير، للذهبي 9/656] .
ومن هؤلاء أيضاً: عبد الرحمن بن صالح الأزدي، كان يحدِّث بمثالب أزواج رسول الله وأصحابه، وبالرغم من ذلك، وثقه ابن معين وابن حبان وأبو حاتم والآجري، وغيرهم كثير[ تهذيب الكمال، للمزي 17/181].
ومن هؤلاء جعفر بن سليمان الضبي، كان يبغض أبا بكر وعمر، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات [ 6/140] ومنهم أيضاً عمرو بن ثابت، حيث قال: " لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر الناس إلا خمسة " وبالرغم من ذلك يوثقه أبو داود ويروي له في سننه.
وهنا أنوه أنني لا أقصد أن أدافع في هذه المقالة عن الشيعة المبتدعة الضالين بقدر ما أريد أن أبين الحكم الآخر فيهم (عدم التكفير) وهذا غاية الإنصاف، حيث ينبني عليه أحكام كثيرة. وهذا الذي ذكرته مختصر لمقالة أكبر أعد أنني سأنشرها قريباً.
============
============
" فهذه خاصة الرافضة الإمامية التي لم يشركهم فيها أحد لا الزيدية الشيعة , ولا سائر طوائف المسلمين , إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد , المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر , القائلين : بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسى بن جعفر , وأولئك ملاحدة منافقون .
والإمامية الاثنا عشرية خير منهم بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم , وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون , وأما عوامهم الذين لم يعرفوا أمرهم فقد يكونون مسلمين انتهي