##
ج2: كتابات ابن تيمية تطفح بالكراهية لأمير المؤمنين عليه السلام وتنقيصه والتجرؤ عليه وإنكار فضائله، وقد اعترف بذلك ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان 6/319 في ترجمة يوسف والد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، حيث قال:
لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه رد في رده كثيراً من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها؛ لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي رضي الله عنه، وهذه الترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك ، وإيراد أمثلته.
###
التعليق :
الذي يقرأردود الشيعة و أهل البدع
خصوصا المتحاملين على الشيخ ابن تيمية - رحمه الله
فأنهم يستشهدون بآراء علماء آخرين مخالفين له
و نسوا أو تناسوا أو طنشوا بقصد
أن علمائهم فيما بينهم البعض قد ذموا بعضهم البعض ذما كبيرا
بل هناك من لعن الآخر
و لا يخفى علينا - لعن المعصوم لزرارة و غيرهم كثير
فالرجاء من محاورينا
أن يحترموا الحوار معنا
لأن أهل السنة لا يوجد عندهم عالم معصوم
و الكل يرد عليه بالحجة و الدليل
فإن رأيي ابن حجر رحمه الله - لا يعتبر دليل صحيح
إلا إذا جاء بأدلة على هذا
فلماذا لا تفتح موضوع جديدا - إذا كنت ممن يبحث عن الحق
بشأن رأيي ابن حجر في ابن تيمية رحمهما الله
لنبحث عن الأدلة التي جعلت ابن حجر يعتقد بهذا الإعتقاد
فإن كان محقا - فسنقر بهذا
و إن كان مجرد رأيي لا صحة له - فأننا نرده
كلام ابن حجر الذي نقله "الشيخ"" تضمن كلمتين خفيفتين فيهما ثناءٌ على كتاب ابن تيمية، لكن "الشيخ" لم تطب نفسه بنقل هاتين الكلمتين!!.
فابن حجر نقل عن السبكي قوله : إن ابن تيمية استوفى الحجج في كتابه الذي رد به على الراوافض.
ثم قال ابن حجر : "طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر...".
فلا أعرف لماذا عجز " الشيخ" عن نقل هاتيين الكلمتيين حتى يعرف الأردبيلي رأي إبن حجر ولو كان في هذا الثناء اليسير , ربما حتى لا يشارك في إثم إنصاف ابن تيمية !! فنقل العبارة دون ثناء إبن حجر !!
والذي يقرء الكلام دون تعصب مذهبي يفهم أن ابن حجر يرى أن فيما ضعفه ابن تيمية أحاديث جياد, لكنه يفسر هذا بأن ابن تيمية لم يستحضر حال التصنيف مظان هذه الأحاديث، بسبب اعتماده على حفظه، و من اعتمد على حفظه فهو عرضة للنسيان.
و ابن حجر حافظ محدث، و هو يرى أن هذه الأحاديث جياد.
و ابن تيمية ـ أيضاً ـ حافظ محدث، وقد حكم على هذه الأحاديث بالضعف.
و ليس قول أحد منهما ملزماً للآخر.
و مدلول كلمة "أحاديث جياد" عند أهل الحديث يختلف عن مدلول كلمة "صحاح". فعبارة "جياد" أقل رتبة، و هي تفيد أن هذه الأحاديث، مما يتفاوت فيه نظر المحدثين، ويختلف فيه اجتهادهم.
و نحن غير ملزمين، لا بتضعيف ابن تيمية، ولا بتجويد ابن حجر. فمن ترجح له قول ابن حجر ـ بالدليل ـ فأخذ به، و خالف ابن تيمية فله اجتهاده، و من وافق ابن تيمية ـ بالدليل ـ و خالف ابن حجر فله اجتهاده.
لكن المقصود هنا النبيه على الفرق الشاسع بين (النقد) و (الحقد).
فابن حجر ينتقد ابن تيمية، ويعتذر له بأنه لم يستحضر مظان هذه الأحاديث الجياد بسبب اعتماده على حفظه عند التصنيف.
فهذا هو الفرق بين النقد العلمي، و التعصب المذهبي.
و أما قول ابن حجر ـ بعد ذلك ـ : "وكم من مبالغة في توهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقص علي رضي الله عنه، وهذه الترجمة لا تحتمل إيراد ذلك وأمثلته".
فجوابه في شرح منهج ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه (منهاج السنة)، فهو يرد على أناس يطعنون في الصحابة و يكفرونهم، و يحملون تصرفاتهم على أسوأ المحامل، مع أنهم لا يملكون نقلاً صحيحاً يمكن محاكمتهم إليه. لكن عندهم أصل لا يختلفون فيه، وهوعصمة علي بن أبي طالب، فاعتمد الشيخ على هذا في الرد عليهم، فذكر شنائع يلزمهم إثباتها في حق علي بن أبي طالب، إن هم أثبتوا نظيرها في حق أبي بكر وعمر و عثمان. فيقول لهم : إن قلتم في أبي بكر و عمر كذا و كذأ، لزمكم أشنع منه في حق علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ .
هذا ما وقع في كلام ابن تيمية مما يراه ابن حجر مبالغة في الرد أفضت إلى تنقص علي.
و في شرح هذا يقول الشيخ شاه ولي الله الدهلوي ـ من علماء الهند ـ لما سئل عن ابن تيمية :
"و قد ذُكر عنه أنه أساء الأدب مع سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ و حاشاه من ذلك. و قد طالعت كلامه فوجدت بعضه مسوقاً في مناقضة الشيعة في طعنهم على الخلفاء الثلاثة بأمور تخيلوها نقصاً...فقام هذا الشيخ يعدد عليهم أموراً اعترفوا بها في سيدنا علي هي مثلها. كأنه يقول : ليست هذه الأمور نقصاً كما تخيلتهم؛ فإن مثلها مأثور عن سيدنا علي، وهو ـ رضي الله عنه ـ مرضي عندنا و عندكم، و ما هو جوابكم في سيدنا علي، هو جوابنا في الخلفاء الثلاثة ـ رضي الله عنهم ـ . و هذا من كمال علمه وقوة مناظرته، ومن الاعتراف بفضل سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ ".
====
ثناء أبن تيمية على علي رضي الله عنه
ج2: كتابات ابن تيمية تطفح بالكراهية لأمير المؤمنين عليه السلام وتنقيصه والتجرؤ عليه وإنكار فضائله، وقد اعترف بذلك ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان 6/319 في ترجمة يوسف والد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، حيث قال:
لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه رد في رده كثيراً من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها؛ لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي رضي الله عنه، وهذه الترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك ، وإيراد أمثلته.
###
التعليق :
الذي يقرأردود الشيعة و أهل البدع
خصوصا المتحاملين على الشيخ ابن تيمية - رحمه الله
فأنهم يستشهدون بآراء علماء آخرين مخالفين له
و نسوا أو تناسوا أو طنشوا بقصد
أن علمائهم فيما بينهم البعض قد ذموا بعضهم البعض ذما كبيرا
بل هناك من لعن الآخر
و لا يخفى علينا - لعن المعصوم لزرارة و غيرهم كثير
فالرجاء من محاورينا
أن يحترموا الحوار معنا
لأن أهل السنة لا يوجد عندهم عالم معصوم
و الكل يرد عليه بالحجة و الدليل
فإن رأيي ابن حجر رحمه الله - لا يعتبر دليل صحيح
إلا إذا جاء بأدلة على هذا
فلماذا لا تفتح موضوع جديدا - إذا كنت ممن يبحث عن الحق
بشأن رأيي ابن حجر في ابن تيمية رحمهما الله
لنبحث عن الأدلة التي جعلت ابن حجر يعتقد بهذا الإعتقاد
فإن كان محقا - فسنقر بهذا
و إن كان مجرد رأيي لا صحة له - فأننا نرده
كلام ابن حجر الذي نقله "الشيخ"" تضمن كلمتين خفيفتين فيهما ثناءٌ على كتاب ابن تيمية، لكن "الشيخ" لم تطب نفسه بنقل هاتين الكلمتين!!.
فابن حجر نقل عن السبكي قوله : إن ابن تيمية استوفى الحجج في كتابه الذي رد به على الراوافض.
ثم قال ابن حجر : "طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر...".
فلا أعرف لماذا عجز " الشيخ" عن نقل هاتيين الكلمتيين حتى يعرف الأردبيلي رأي إبن حجر ولو كان في هذا الثناء اليسير , ربما حتى لا يشارك في إثم إنصاف ابن تيمية !! فنقل العبارة دون ثناء إبن حجر !!
والذي يقرء الكلام دون تعصب مذهبي يفهم أن ابن حجر يرى أن فيما ضعفه ابن تيمية أحاديث جياد, لكنه يفسر هذا بأن ابن تيمية لم يستحضر حال التصنيف مظان هذه الأحاديث، بسبب اعتماده على حفظه، و من اعتمد على حفظه فهو عرضة للنسيان.
و ابن حجر حافظ محدث، و هو يرى أن هذه الأحاديث جياد.
و ابن تيمية ـ أيضاً ـ حافظ محدث، وقد حكم على هذه الأحاديث بالضعف.
و ليس قول أحد منهما ملزماً للآخر.
و مدلول كلمة "أحاديث جياد" عند أهل الحديث يختلف عن مدلول كلمة "صحاح". فعبارة "جياد" أقل رتبة، و هي تفيد أن هذه الأحاديث، مما يتفاوت فيه نظر المحدثين، ويختلف فيه اجتهادهم.
و نحن غير ملزمين، لا بتضعيف ابن تيمية، ولا بتجويد ابن حجر. فمن ترجح له قول ابن حجر ـ بالدليل ـ فأخذ به، و خالف ابن تيمية فله اجتهاده، و من وافق ابن تيمية ـ بالدليل ـ و خالف ابن حجر فله اجتهاده.
لكن المقصود هنا النبيه على الفرق الشاسع بين (النقد) و (الحقد).
فابن حجر ينتقد ابن تيمية، ويعتذر له بأنه لم يستحضر مظان هذه الأحاديث الجياد بسبب اعتماده على حفظه عند التصنيف.
فهذا هو الفرق بين النقد العلمي، و التعصب المذهبي.
و أما قول ابن حجر ـ بعد ذلك ـ : "وكم من مبالغة في توهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقص علي رضي الله عنه، وهذه الترجمة لا تحتمل إيراد ذلك وأمثلته".
فجوابه في شرح منهج ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه (منهاج السنة)، فهو يرد على أناس يطعنون في الصحابة و يكفرونهم، و يحملون تصرفاتهم على أسوأ المحامل، مع أنهم لا يملكون نقلاً صحيحاً يمكن محاكمتهم إليه. لكن عندهم أصل لا يختلفون فيه، وهوعصمة علي بن أبي طالب، فاعتمد الشيخ على هذا في الرد عليهم، فذكر شنائع يلزمهم إثباتها في حق علي بن أبي طالب، إن هم أثبتوا نظيرها في حق أبي بكر وعمر و عثمان. فيقول لهم : إن قلتم في أبي بكر و عمر كذا و كذأ، لزمكم أشنع منه في حق علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ .
هذا ما وقع في كلام ابن تيمية مما يراه ابن حجر مبالغة في الرد أفضت إلى تنقص علي.
و في شرح هذا يقول الشيخ شاه ولي الله الدهلوي ـ من علماء الهند ـ لما سئل عن ابن تيمية :
"و قد ذُكر عنه أنه أساء الأدب مع سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ و حاشاه من ذلك. و قد طالعت كلامه فوجدت بعضه مسوقاً في مناقضة الشيعة في طعنهم على الخلفاء الثلاثة بأمور تخيلوها نقصاً...فقام هذا الشيخ يعدد عليهم أموراً اعترفوا بها في سيدنا علي هي مثلها. كأنه يقول : ليست هذه الأمور نقصاً كما تخيلتهم؛ فإن مثلها مأثور عن سيدنا علي، وهو ـ رضي الله عنه ـ مرضي عندنا و عندكم، و ما هو جوابكم في سيدنا علي، هو جوابنا في الخلفاء الثلاثة ـ رضي الله عنهم ـ . و هذا من كمال علمه وقوة مناظرته، ومن الاعتراف بفضل سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ ".
====
ثناء أبن تيمية على علي رضي الله عنه
http://www.dd-sunnah.net/forum/showpost.php?p=1692763&postcount=2 … …
=============
=============
الرد على شبهات حول ماكتبه الشيخ ابن تيمية في كتابه منهاج السنة
فلماذا يجعلون الفرضية حقيقة وهم يعلمون انها فرضية ،،، اكل ذلك لأجل الطعن في إبن تيمية رحمه الله
=====================
إن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يؤلف كتابه
" منهاج السنة النبوية " ابتداءً ،
ولكنه ألفه رداً على
كتاب الحلي الشيعي الذي سماه
" منهاج الكرامة "وقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه :
" أما بعد فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباً صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقاً لهذه البضاعة ، ويدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم ( إلى أن قال ) وذكر من أحضر هذا الكتاب بأنه من أعظم الأسباب في تقرير مذهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم ، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه " خدابنده " وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب " ا هـ .
فأنت ترى أن كتاب منهاج السنة النبويةقد كتب رداً لاعتداء من اعتدى على أهل السنة وتهجم عليهم ،
وطعن في دينهم ،
وأن شيخ الإسلام قد أحضر إليه كتاب الشيعي ولم يكن رآه ، وطلب منهأهل السنة والجماعة رد مفترياته على أهل السنةوهو شيخهم ،
بل شيخ الإسلام ،
ومن أولى منه ببيان الحق وأقدر منه عليه ؟
إن الملك المغولي " خدابنده " قد ترفض أو تشيع على يد ابن المطهر الحلي قبل صدور رد شيخ الإسلام عليهكما هو ظاهر من كلامه.
إن أقصى ما في كلام شيخ الإسلام
هو الدعوة إلى الاعتدالفي الأقوال و الأعمال ،
وتخفيف غلو الغاليين في العقائد ،
وتقليص ظل عصبيات
أهل البدع والأهواء ،
ودفع أكاذيبهم وأباطيلهم ،
والغرض من ذلك كله تنوير العقول ،
وتقريب القلوب ،
وتطهيرها مما تراكم عليها من
أوضار الباطل ،
و أوغار الحقد ،
وإزالة ما استحكم فيها من
جفوة وقسوة .
=========
وهذه نبذة صغيرة من كلام شيخ الإسلام
مصدقة لما ذكرناه .
قال رحمه الله :
" وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية بأنه كان باغياً ظالماً ،
قال له الناصبي : وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً لما قاتلالمسلمين على إمارتهوبدأهم بالقتال ، وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ، وكان السيف مسلولاً في خلافته على أهل الملة ، كفوفاً عن الكفار - إلى أن قال - فالخوارج و المروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في على ( رضي الله عنه ) وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون " ا هـ .
فأنت ترى شيخ الإسلام يحكي
كلام الروافض و النواصب و الخوارج ،
ولكنه لا يحكم على فريق ، بل يحكم بأنهم مخطئون مبتدعة ضالون ،
خلافاً لما يزعمه الكوثري ، المقلد الغبي ،
من انتقاص مقام الإمام علي ،
فما أضيع البرهان عند المقلد .
وأوضح وأفضح مما تقدم أن هذا المعتدي على التاريخ ، دعواه أن ابن تيمية هو سبب الغلو في التشيع ، وبسط سلطانه في الأرض ، ويوهم كلامه أو يفهم أن السلطان " خدابنده "قد ترفض ونشر مذهب ابن المطهربسبب ابن تيمية ، وتحامله على الشيعة في منهاج السنة النبوية .وقال : وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا ، قال :كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي ، ولكن جوابي يكون بالفعل حتى سعى سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار إلى دولة غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على التمذهب بمذهب ابن المطهر ، ولم يزل الغلو في التشيع متغلغلاً في تلك البلاد منذ عمل ابن تيمية هذا . ا هـ .
===============
إن المتأمل لهذه الظروف
التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب
يجد أن له خيارين :
الخيار الأول :
وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التآليف :
هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنها مختلقة ،
فكلما رمى الرافضي بشبهة أو طعن
على صحابي قام شيخ الإسلام
بردها أو برده بكل اقتدار لينفيه عن هذا الصحابي .
هذا هو الخيار الأول ،
وهو في ظني الخيار
الذي كان الحافظ ابن حجر يريد لشيخ الإسلام
أن يسلكه مع الرافضي .
وهو خيار جيد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي ،
أي لو كان الخصم ممن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح ،
أما مع الرافضي فإن هذا الأسلوب لا يجدي ، ولن يكف بأسه عن أعراض الصحابة ، فإنك مهما أجدت في رد الشبهة أو الطعن فإنه لن يقتنع بذلك أبداً - كما علم من طريقة القوم - ومهما أفنيت عقلك وجهدك في دفع أكاذيبه فإنه لن يألو جهداً في اختلاف غيرها من الأكاذيب .إذاً فهذا الخيار الأوللن يثني الرافضي عن هدفه من النيل من
الصحابة - رضوان الله عليهم -
نعم هو سينفع أهل السنة ،
ولكنه لن يضر الروافض ولن يسكتهم .
الخيار الثاني :
وهو الذي اختاره شيخ الإسلام
لأنه يراه ذا مفعول فعال في مواجهة
أكاذيب الروافض
وغلوهم المستطير
وهذا الخيار يرى أن أجدى طريقة
لكف بأس الروافض
هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من
الخوارج و النواصب ،
أي مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له ،
ليخرج من بينهما
الرأي الصحيح الوسط .
فكلما قال الرافضي شبهة أو طعناً
في أحد الخلفاء الثلاثة
- أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -
قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج
في علي رضي الله عنه .وهو لا يقصد بهذا تنقص
علي - رضي الله عنه - والعياذ بالله ،
وإنما يقصد إحراج الروافض ، وكفهم عن الاستمرار في تهجمهم على الصحابة ،
لأنه
ما من شئ من الطعون والتهم سيثبتونه على واحد منالصحابة إلا وسيثبت الخوارج و النواصب مماثلاً له في علي رضي الله عنه .
وهذا مما يخرس ألسنة الروافض ، لأنهم في النهاية سيضطرون إلي أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها فيعلى - رضي الله عنه -فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظاً على مكانة عليأن يمسها أحد بسوء .
فهذه ( حيلة ) ذكية من شيخ الإسلام
ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرهم جميعاً ،
وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتهامه بتلك التهمة الظالمة .وشيخ الإسلام - أيضاً - يعلم أن الروافض و النواصب جميعاً أصحاب كذب وغلو ،ولكنه يقابل غلو هؤلاء وكذبهم بغلو أولئك وكذبهم ،
ليسكت الجميع ويدفعهمعن الخوض في أعراض الصحابة .فطريقة شيخ الإسلامأنه رأى قوماً يغلون في شخص من الأشخاص ، و يتنقصون من يكون مثله أو أفضل منه ،
أن يقابل هؤلاء بمن يناقضهم في القول لكي يدفع الغلو عن الشخصين الفاضلين جميعاً .وهذا مما قد تقرر عند علماء السنة
ولم يستنكروه .
وأما أهل الباطل من الغلاة
فإنهم يتهمون كل من لم يكن على مثل غلوهمبأنه عدو لذاك الفاضل .
يقول العلامة المعلمي في كتابه " التنكيل " :
( ومن أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل ، ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفضل ومعاداتهم ، ويرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أعظم ما ساعد على انتشار الغلو ، لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من بغض عيسى وتحقيره ، ومقتهم الجمهور وأوذوا ، فثبطهم هذا عن الإنكار ، وخلا الجو للشيطان ، وقريب من هذا حال الغلاة الروافض وحال القبوريين ، وحال غلاة المقلدين )
قلت :
وأما شيخ الإسلام فإنه لم يأبه لتلك الاتهاماتالتي يلمز بها أهل الباطل كل من لم يكن على طريقتهم في الغلو ، وإنما كان - رحمه الله -
ينزل كل إنسان منزلته التي أنزله الله تعالى .
وكان كثيراً ما يجري المقارنات بين الأشخاص
الذين غلا فيهم قوم، وجفا عنهم آخرون ،
فيصد غلو هؤلاء بجفاء أولئك ،
ويخرج من بينهما الرأي الصحيح في ذا ك الشخص الفاضل .
فهذه الطريقة تميز بها شيخ الإسلام ،
ولم يستخدمها مع علي - رضي الله عنه - والخلفاء الثلاثة كما يعتقد أعداؤه ،
وإنما هي طريقة مطردة له
رحمه الله
في كل موقف مشابه .
فمن ذلك أنه - رحمه الله - عقد مقارنة بين
ما ثبت لموسى من فضائل وما ثبت لعيسى - عليهما السلام - قاصداً من ذلك الرد على النصارى
الذين يغلون في عيسى عليه السلام
ويحطون من قدر غيره من الأنبياء .قال - رحمه الله - ( إنه ما من آية جاء بها المسيح إلا وقد جاء موسى بأعظم منها ، فإن المسيح صلى الله عليه وسلم وإن كان جاء بإحياء الموتى ، فالموتى الذين أحياهم الله على يد موسى أكثر كالذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة) ثم أحياهم الله بعد موتهم ، وقد جاء بإحياء الموتى غير واحد من الأنيباء والنصارى يصدقون بذلك .
وأما جعل العصا حية فهذا أعظم من إحياء الميت ، فإن الميت كانت فيه حياة فردت الحياة إلى محل كانت فيه الحياة وأما جعل خشبة يابسة حيواناً تبتلع العصي والحبال فهذا أبلغ في القدرة وأقدر ، فإن الله يحيي الموتى ولا يجعل الخشب حياة .
وأما إنزال المائدة من السماء فقد كان ينزل على عسكر موسى كل يوم من المن والسلوى وينبع لهم من الحجر من الماء ما هو أعظم من ذلك ، فإن الحلو أو اللحم دائماً هو أجل في نوعه وأعظم في قدره مما كان على المائدة من الزيتون والمسك وغيرهما ، وذكرت له نحواً من ذلك مما تبين أن تخصيص المسيح بالاتحاد ودعوى الإلهية ليس له وجه ، وإن سائر ما يذكر فيه إما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من الأنبياء والرسل ، مع أن بعض الرسل كإبراهيم وموسى قد يكون أكمل في ذلك منه .وأما خلقه من امرأة بلا رجل ، فخلق حواء من رجل بلا امرأة أعجب من ذلك ،فإنه خلق من بطن امرأة ، وهذا معتاد ، بخلاف الخلق من ضلع رجل ، فإن هذا ليس بمعتاد ، فما من أمر يذكر في المسيح صلى الله عليه وسلم إلا وقد شركه فيه أو فيما هو أعظم منه غيره من بني آدم )
قلت :
إذاً فشيخ الإسلام عندما عقد هذه المقارنة بين موسى وعيسى - عليهما السلام -وما ثبت لهما من فضائلإنما يريد الرد على من يغلو في عيسى - عليه السلام -مستغلاً ما ثبت له من خصائص على حساب غيره من الأنبياء ،
فأراد شيخ الإسلام أن يوقف غلوه هذا ببيان أن ما ثبت
لعيسى من خصائص فإنها ثابتة لغيره من الأنبياء ، مثلها أو أعظم منها ، فلماذا هذا الغلو ؟
وهو بهذا الموقف
يحفظ لكل أنبياء الله حقوقهم ،
ويدفع عنهم
طعن الطاعنين وازدراء الشانئين ،
ويصرف عنهم غلو الغالين ،
ولا يقول عاقل قط بأن صنيع شيخ الإسلام هذا فيه ازدراء وتنقص لعيسى - عليه السلام -
لأنه - رحمه الله - لم يتنقصه ، وحاشاه أن يفعل ذلك ، أو أن يظن به ذلك ، وإنما ذب عن عرض إخوانه من الأنبياء - عليهم السلام- دون أدنى تعرض لمقام عيسى - عليه السلام - .
وقارن بين صنيعه - رحمه الله - مع عيسى وموسى - عليهما السلام - وقارنه مع صنيعه مع على والخلفاء الثلاثة - رضوان الله عليهم -
تجد أنالموقف متشابه وأن منهج شيخ الإسلام واحد لا يتغيرأمام غلاة الكفار
وغلاة المبتدعة
الذين يغلون في شخوص بعض
الأنبياء أو بعض الأولياء ،
ويذمون غيرهم .
======================
==========
=============
=============
الرد على شبهات حول ماكتبه الشيخ ابن تيمية في كتابه منهاج السنة
واما زعمك ان إبن تيمية رحمه الله تنقص من علي بن ابي طالب لتوهين كلام الحلي فهذا غير صحيح ،،، وإن ما تزعمه إنما هو حرف للحقائق فإن من كان يرد على آخر في شيء فإن من باب إلزام الخصم وضعه امام حقائق او متناقضات ليظهر بذلك كذبه او ضلاله ،،، فهل تريد من شيخ الاسلام إبن تيمية ان يترك اساليب الرد او بعضها حتى لا تقولوا عنه انه ينتقص من علي بن ابي طالب ،،،
ولعل هناك من لا يميّز بين الحقيقة والفرضية لأجل إثبات مسألة فيجعل إبن تيمية حين يفترض فرضية ليخلص منها إلى نتيجه فإنه يرى إبن تيمية يقول بهذه الفرضية او يعتقد بها متجاهلا انها فرضية فقطفلماذا يجعلون الفرضية حقيقة وهم يعلمون انها فرضية ،،، اكل ذلك لأجل الطعن في إبن تيمية رحمه الله
=====================
إن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يؤلف كتابه
" منهاج السنة النبوية " ابتداءً ،
ولكنه ألفه رداً على
كتاب الحلي الشيعي الذي سماه
" منهاج الكرامة "وقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه :
" أما بعد فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباً صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقاً لهذه البضاعة ، ويدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم ( إلى أن قال ) وذكر من أحضر هذا الكتاب بأنه من أعظم الأسباب في تقرير مذهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم ، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه " خدابنده " وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب " ا هـ .
فأنت ترى أن كتاب منهاج السنة النبويةقد كتب رداً لاعتداء من اعتدى على أهل السنة وتهجم عليهم ،
وطعن في دينهم ،
وأن شيخ الإسلام قد أحضر إليه كتاب الشيعي ولم يكن رآه ، وطلب منهأهل السنة والجماعة رد مفترياته على أهل السنةوهو شيخهم ،
بل شيخ الإسلام ،
ومن أولى منه ببيان الحق وأقدر منه عليه ؟
إن الملك المغولي " خدابنده " قد ترفض أو تشيع على يد ابن المطهر الحلي قبل صدور رد شيخ الإسلام عليهكما هو ظاهر من كلامه.
إن أقصى ما في كلام شيخ الإسلام
هو الدعوة إلى الاعتدالفي الأقوال و الأعمال ،
وتخفيف غلو الغاليين في العقائد ،
وتقليص ظل عصبيات
أهل البدع والأهواء ،
ودفع أكاذيبهم وأباطيلهم ،
والغرض من ذلك كله تنوير العقول ،
وتقريب القلوب ،
وتطهيرها مما تراكم عليها من
أوضار الباطل ،
و أوغار الحقد ،
وإزالة ما استحكم فيها من
جفوة وقسوة .
=========
وهذه نبذة صغيرة من كلام شيخ الإسلام
مصدقة لما ذكرناه .
قال رحمه الله :
" وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية بأنه كان باغياً ظالماً ،
قال له الناصبي : وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً لما قاتلالمسلمين على إمارتهوبدأهم بالقتال ، وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ، وكان السيف مسلولاً في خلافته على أهل الملة ، كفوفاً عن الكفار - إلى أن قال - فالخوارج و المروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في على ( رضي الله عنه ) وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون " ا هـ .
فأنت ترى شيخ الإسلام يحكي
كلام الروافض و النواصب و الخوارج ،
ولكنه لا يحكم على فريق ، بل يحكم بأنهم مخطئون مبتدعة ضالون ،
خلافاً لما يزعمه الكوثري ، المقلد الغبي ،
من انتقاص مقام الإمام علي ،
فما أضيع البرهان عند المقلد .
وأوضح وأفضح مما تقدم أن هذا المعتدي على التاريخ ، دعواه أن ابن تيمية هو سبب الغلو في التشيع ، وبسط سلطانه في الأرض ، ويوهم كلامه أو يفهم أن السلطان " خدابنده "قد ترفض ونشر مذهب ابن المطهربسبب ابن تيمية ، وتحامله على الشيعة في منهاج السنة النبوية .وقال : وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا ، قال :كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي ، ولكن جوابي يكون بالفعل حتى سعى سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار إلى دولة غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على التمذهب بمذهب ابن المطهر ، ولم يزل الغلو في التشيع متغلغلاً في تلك البلاد منذ عمل ابن تيمية هذا . ا هـ .
===============
إن المتأمل لهذه الظروف
التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب
يجد أن له خيارين :
الخيار الأول :
وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التآليف :
هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنها مختلقة ،
فكلما رمى الرافضي بشبهة أو طعن
على صحابي قام شيخ الإسلام
بردها أو برده بكل اقتدار لينفيه عن هذا الصحابي .
هذا هو الخيار الأول ،
وهو في ظني الخيار
الذي كان الحافظ ابن حجر يريد لشيخ الإسلام
أن يسلكه مع الرافضي .
وهو خيار جيد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي ،
أي لو كان الخصم ممن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح ،
أما مع الرافضي فإن هذا الأسلوب لا يجدي ، ولن يكف بأسه عن أعراض الصحابة ، فإنك مهما أجدت في رد الشبهة أو الطعن فإنه لن يقتنع بذلك أبداً - كما علم من طريقة القوم - ومهما أفنيت عقلك وجهدك في دفع أكاذيبه فإنه لن يألو جهداً في اختلاف غيرها من الأكاذيب .إذاً فهذا الخيار الأوللن يثني الرافضي عن هدفه من النيل من
الصحابة - رضوان الله عليهم -
نعم هو سينفع أهل السنة ،
ولكنه لن يضر الروافض ولن يسكتهم .
الخيار الثاني :
وهو الذي اختاره شيخ الإسلام
لأنه يراه ذا مفعول فعال في مواجهة
أكاذيب الروافض
وغلوهم المستطير
وهذا الخيار يرى أن أجدى طريقة
لكف بأس الروافض
هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من
الخوارج و النواصب ،
أي مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له ،
ليخرج من بينهما
الرأي الصحيح الوسط .
فكلما قال الرافضي شبهة أو طعناً
في أحد الخلفاء الثلاثة
- أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -
قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج
في علي رضي الله عنه .وهو لا يقصد بهذا تنقص
علي - رضي الله عنه - والعياذ بالله ،
وإنما يقصد إحراج الروافض ، وكفهم عن الاستمرار في تهجمهم على الصحابة ،
لأنه
ما من شئ من الطعون والتهم سيثبتونه على واحد منالصحابة إلا وسيثبت الخوارج و النواصب مماثلاً له في علي رضي الله عنه .
وهذا مما يخرس ألسنة الروافض ، لأنهم في النهاية سيضطرون إلي أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها فيعلى - رضي الله عنه -فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظاً على مكانة عليأن يمسها أحد بسوء .
فهذه ( حيلة ) ذكية من شيخ الإسلام
ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرهم جميعاً ،
وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتهامه بتلك التهمة الظالمة .وشيخ الإسلام - أيضاً - يعلم أن الروافض و النواصب جميعاً أصحاب كذب وغلو ،ولكنه يقابل غلو هؤلاء وكذبهم بغلو أولئك وكذبهم ،
ليسكت الجميع ويدفعهمعن الخوض في أعراض الصحابة .فطريقة شيخ الإسلامأنه رأى قوماً يغلون في شخص من الأشخاص ، و يتنقصون من يكون مثله أو أفضل منه ،
أن يقابل هؤلاء بمن يناقضهم في القول لكي يدفع الغلو عن الشخصين الفاضلين جميعاً .وهذا مما قد تقرر عند علماء السنة
ولم يستنكروه .
وأما أهل الباطل من الغلاة
فإنهم يتهمون كل من لم يكن على مثل غلوهمبأنه عدو لذاك الفاضل .
يقول العلامة المعلمي في كتابه " التنكيل " :
( ومن أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل ، ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفضل ومعاداتهم ، ويرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أعظم ما ساعد على انتشار الغلو ، لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من بغض عيسى وتحقيره ، ومقتهم الجمهور وأوذوا ، فثبطهم هذا عن الإنكار ، وخلا الجو للشيطان ، وقريب من هذا حال الغلاة الروافض وحال القبوريين ، وحال غلاة المقلدين )
قلت :
وأما شيخ الإسلام فإنه لم يأبه لتلك الاتهاماتالتي يلمز بها أهل الباطل كل من لم يكن على طريقتهم في الغلو ، وإنما كان - رحمه الله -
ينزل كل إنسان منزلته التي أنزله الله تعالى .
وكان كثيراً ما يجري المقارنات بين الأشخاص
الذين غلا فيهم قوم، وجفا عنهم آخرون ،
فيصد غلو هؤلاء بجفاء أولئك ،
ويخرج من بينهما الرأي الصحيح في ذا ك الشخص الفاضل .
فهذه الطريقة تميز بها شيخ الإسلام ،
ولم يستخدمها مع علي - رضي الله عنه - والخلفاء الثلاثة كما يعتقد أعداؤه ،
وإنما هي طريقة مطردة له
رحمه الله
في كل موقف مشابه .
فمن ذلك أنه - رحمه الله - عقد مقارنة بين
ما ثبت لموسى من فضائل وما ثبت لعيسى - عليهما السلام - قاصداً من ذلك الرد على النصارى
الذين يغلون في عيسى عليه السلام
ويحطون من قدر غيره من الأنبياء .قال - رحمه الله - ( إنه ما من آية جاء بها المسيح إلا وقد جاء موسى بأعظم منها ، فإن المسيح صلى الله عليه وسلم وإن كان جاء بإحياء الموتى ، فالموتى الذين أحياهم الله على يد موسى أكثر كالذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة) ثم أحياهم الله بعد موتهم ، وقد جاء بإحياء الموتى غير واحد من الأنيباء والنصارى يصدقون بذلك .
وأما جعل العصا حية فهذا أعظم من إحياء الميت ، فإن الميت كانت فيه حياة فردت الحياة إلى محل كانت فيه الحياة وأما جعل خشبة يابسة حيواناً تبتلع العصي والحبال فهذا أبلغ في القدرة وأقدر ، فإن الله يحيي الموتى ولا يجعل الخشب حياة .
وأما إنزال المائدة من السماء فقد كان ينزل على عسكر موسى كل يوم من المن والسلوى وينبع لهم من الحجر من الماء ما هو أعظم من ذلك ، فإن الحلو أو اللحم دائماً هو أجل في نوعه وأعظم في قدره مما كان على المائدة من الزيتون والمسك وغيرهما ، وذكرت له نحواً من ذلك مما تبين أن تخصيص المسيح بالاتحاد ودعوى الإلهية ليس له وجه ، وإن سائر ما يذكر فيه إما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من الأنبياء والرسل ، مع أن بعض الرسل كإبراهيم وموسى قد يكون أكمل في ذلك منه .وأما خلقه من امرأة بلا رجل ، فخلق حواء من رجل بلا امرأة أعجب من ذلك ،فإنه خلق من بطن امرأة ، وهذا معتاد ، بخلاف الخلق من ضلع رجل ، فإن هذا ليس بمعتاد ، فما من أمر يذكر في المسيح صلى الله عليه وسلم إلا وقد شركه فيه أو فيما هو أعظم منه غيره من بني آدم )
قلت :
إذاً فشيخ الإسلام عندما عقد هذه المقارنة بين موسى وعيسى - عليهما السلام -وما ثبت لهما من فضائلإنما يريد الرد على من يغلو في عيسى - عليه السلام -مستغلاً ما ثبت له من خصائص على حساب غيره من الأنبياء ،
فأراد شيخ الإسلام أن يوقف غلوه هذا ببيان أن ما ثبت
لعيسى من خصائص فإنها ثابتة لغيره من الأنبياء ، مثلها أو أعظم منها ، فلماذا هذا الغلو ؟
وهو بهذا الموقف
يحفظ لكل أنبياء الله حقوقهم ،
ويدفع عنهم
طعن الطاعنين وازدراء الشانئين ،
ويصرف عنهم غلو الغالين ،
ولا يقول عاقل قط بأن صنيع شيخ الإسلام هذا فيه ازدراء وتنقص لعيسى - عليه السلام -
لأنه - رحمه الله - لم يتنقصه ، وحاشاه أن يفعل ذلك ، أو أن يظن به ذلك ، وإنما ذب عن عرض إخوانه من الأنبياء - عليهم السلام- دون أدنى تعرض لمقام عيسى - عليه السلام - .
وقارن بين صنيعه - رحمه الله - مع عيسى وموسى - عليهما السلام - وقارنه مع صنيعه مع على والخلفاء الثلاثة - رضوان الله عليهم -
تجد أنالموقف متشابه وأن منهج شيخ الإسلام واحد لا يتغيرأمام غلاة الكفار
وغلاة المبتدعة
الذين يغلون في شخوص بعض
الأنبياء أو بعض الأولياء ،
ويذمون غيرهم .
======================
قلت :
وفي موضع آخر يجري شيخ الإسلام مقارنة بين موسى وعيسى - عليهما السلام - وبين محمد صلى الله عليه وسلم وذلك رداً على اليهود والنصارى الذين يؤمنون بموسى وعيسى - عليهما السلام - ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم . يقول الشيخ : ((( إن الدلائل الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأكثر من الدلائل الدالة على صدق موسى وعيسى ، ومعجزاته أعظم من معجزات غيره ، والكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره ، والشريعة التي جاء بها أكمل من شريعة موسى وعيسى - عليهما السلام - وأمته أكمل في جميع الفضائل من أمة هذا وهذا . ولا يوجد في التوراة والإنجيل علم نافع وعمل صالح إلا وهو في القرآن مثله وأكمل منه , وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل ، فما من مطعن من مطاعن أعداء الأنبياء يطعن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ويمكن توجيه ذلك الطعن وأعظم منه على موسى وعيسى ، وهذه جملة مبسوطة في موضع آخر لم نبسطها هنا ، لأن جواب كلامهم لا يحتاج إلى ذلك ، فيمتنع الإقرار بنبوة موسى وعيسى عليهما السلام مع التكذيب بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يفعل ذلك إلا من هو من أجل الناس وأضلهم ، أو أعظمهم عناداً واتباعاً لهواه ))) إذا تأملت هذه العبارة تبين لك بوضوح منهج شيخ الإسلام المطرد في مثل هذه المواضع التي يعظم فيها نبي أو صحابي أو ولي على حساب نبي أو صحابي أو ولي آخر ،فإنه رحمه الله يلزم ذلك المعظم الجهول أن يعظم الجميع ويثني عليهموإلا فإنه لا يستقيم له أن يعظم بعضهم ويطعن في بعضهم ، لأنه ما من طعن أو اتهام باطل يمكن أن يوجه لأحدهم إلا سيوجه للآخر مثله أو أعظم منه . لأن النفس الدنيئة لن تعدم مثل هذه الاتهامات الباطلة على الأفاضل ، فإذا كان أصحاب الإفك كاليهود مثلاً قد مسوا جانب الله وعظمته في قولهم ( يد الله مغلولة ) فما ظنك ببني البشر ؟ مهما علت منزلتهم .إذاً : فخلاصة منهج شيخ الإسلام في مثل هذه المقامات التي يمجد فيها شخص على حساب آخر ، ويكونان جميعاً من أهل الفضل ، أو يكون المطعون فيه أفضل من الممجد كأبي بكر مع علي رضوان الله عليهم مثلاً ، فإن الشيخ - رحمه الله - يبين لهم أنكم إذا طعنتم في هذا الشخص الفاضل بالطعونات الباطلة فسيأتي قوم مثلكم لا خلاق لهم يطعنون فيمن مجدتموه بنفس طعونكم ، فماذا سيكون موقفكم تجاههم ؟ إلا الكف عن الأفاضل وإنزالهم منزلتهم التي أرادها الله لهم .هذا هو منهج شيخ الإسلام ، وليس معنى هذا أنه يطعن فيمن مجده الغلاة ،لأن هذا الأمر لم يخطر بباله أصلاً ، لأنه ينقض شبهة هؤلاء بشبه غيرهم من أهل الباطل ، كاليهود مع النصارى ، و الروافض مع النواصب ، ثم يبرز منهج الإسلام أو منهج أهل السنة ، كما فعل مع علي - رضي الله عنه - مثلاً ، حيث أكثر من ذكر فضله ومكانته في كتابه " منهاج السنة " الذي يدعي خصومة أنه تنقصه فيه ، وما كان لمثل شيخ الإسلام أن يتناقض قوله لا سيما في كتاب واحد ولكن القوم لم يفهموا مقصد شيخ الإسلام من عباراته تلك فبادروه بتلك التهمة ، ولا سيما والنفوس مولعة بالطعن فيمن على صيته وانتشرت تزكيته في الآفاق كشيخ الإسلام الذي لن يعدم حاسداً أو حاقداً فوق كل أرض وتحت أي سماء . قلت : ومن هذه المقارنات التي يقوم بها شيخ الإسلام للحاجة أنه أجرى مقارنة بين ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهما - ليبين الفرق بين الحفظ وبين الاستنباط فيقول : ( وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره ، واستنباطه ، ومن فتاوى أبي هريرة وتفسيره ؟ وأبو هريرة أحفظ منه ، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق، يؤدي الحديث كما سمعه ، ويدرسه بالليل درساً ، فكانت همته مصروفة إلى الحفظ ، وتبليغ ما حفظه كما سمعه ، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط ، وتفجير النصوص ، وشق الأنهار منها ، واستخراج كنوزها ) ومن ذلك أيضاً أنه أجرى مقارنة بين صالحي بني آدم وبين الملائكة ليبين رأيه في هذه المسألة التي طال فيها الجدل بين العلماء قبل شيخ الإسلام .قال رحمه الله : ( وأما الصفات التي تتفاضل ، فمن ذلك : الحياة السرمدية والبقاء الأبدي في الدار الآخرة ، وليس للملك أكثر من هذا ، وإن كانت حياتنا هذه منغوصة بالموت فقد أسلفت أن التفضيل إنما يقع بعد كمال الحقيقتين ، حتى لا يبقى إلا البقاء وغير ذلك من العلم الذي امتازت به الملائكة . فنقول : غير منكر اختصاص كل قبيل من العلم بما ليس للآخر ، فإن الوحي للرسل على أنحاء ، كما قال تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من و رأي حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ) فبين أن الكلام للبشر على ثلاثة أوجه : منها واحد يكون يتوسط الملك . ووجهان أخران ليس للملك فيهما وحي ، وأين الملك من ليلة المعراج ، ويوم الطور ، وتعليم الأسماء وأضعاف ذلك ؟ ) قلت : وبهذه الأمثلة السابقة تعلم طريقة شيخ الإسلام ومنهجه الذي يسير عليه في هذه الظروف والقضايا المتشابهة ،ومنها قضية الرافضة مع علي - رضي الله عنه - حيث غلا فيه الروافض ورفعوه فوق مقامه الذي أراده الله له ، ولم يكفهم ذلك ، بل تنقصوا من يزيدون عليه في الفضل والمرتبة . ولهذا فشيخ الإسلام - رحمه الله - في كتابه ساوى بين الروافض وبين النصارى الذين غلوا في عيسى - علية السلام - وتنقصوا غيره من الأنبياء - عليهم السلام -يقول شيخ الإسلام في كلام بديع له ، يبين فيه منهجه الذي سبق أن عرفناه ، ويدلل عليه بالأمثلة من القرآن ، ومن أفعال العلماء السابقين ، فتأمله وتدبره فإنه يلخص لك هذه الرسالة كلها .يقول شيخ الإسلام : ( أهل السنة مع الرافضة كالمسلمين مع النصارى ، فإن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عبدالله ورسوله ، ولا يغلون فيه غلو النصارى ، ولا يجفون جفاء اليهود . والنصارى تدعي فيه الإلهية وتريد أن تفضله على محمد و إبراهيم و موسى بل تفضل الحواريين على هؤلاء الرسل ، كما تريد الروافض أن تفضل من قاتل مع علي كمحمد بن أبي بكر ، و الأشتر النخعي على أبي بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار ، فالمسلم إذا ناظر النصرانيلا يمكنه أن يقول في عيسى إلا الحق ، لكن إذا أردت أن تعرف جهل النصراني وأنه لا حجة له ، فقدر المناظرة بينه وبين اليهودي ، فإن النصراني لا يمكنه أن يجيب عن شبهة اليهودي إلا بما يجيب به المسلم ، فإن لم يدخل في دين الإسلام وإلا كان منقطعاً مع اليهودي ، فإنه إذا أمر بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قدح في نبوته بشئ من الأشياء ، لم يمكنه أن يقول شيئاً إلا قال له اليهودي في للمسيح ما هو أعظم من ذلك ، فإن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح ، وبعد أمر محمد عن الشبهة أعظم من بعد المسيح عن الشبهة ، فإن جاز القدح فيما دليله أعظم وشبهته أبعد عن الحقفالقدح فيما دونه أولى ، وإن كان القدح في المسيح باطلاً فالقدح في محمد أولى بالبطلان ، فإنه إذا بطلت الشبهة القوية فالضعيفة أولى بالبطلان ، وإذا ثبتت الحجة التي غيرها أقوى منها فالقوية أولى بالثبات . ولهذا كان مناظرة كثير من المسلمين للنصارى من هذا الباب كالحكاية المعروفة عن القاضي أبي بكر بن الطيب لما أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية ، فإنهم عظموه وعرف النصارى قدره ، فخافوا أن لا يسجد للملك إذا دخل ، فأدخلوه من باب صغير ليدخل منحنياً ، ففطن لمكرهم فدخل مستديراً متلقياً لهم بعجزه ، ففعل نقيض ما قصدوه ، ولما جلس وكلموه أراد بعضهم القدح في المسلمين ، فقال له : ما قيل في عائشة امرأة نبيكم ؟ يريد إظهار قول الإفك الذي يقوله من يقوله من الرافضة أيضاً ،فقال القاضي : ثنتان قدح فيهما ورميتا بالزنا إفكا وكذباً : مريم وعائشة فلم تأت بولد مع أنه كان لها زوج فأبهت النصارى . وكان مضمون كلامه أن ظهور براءة عائشةأعظم من ظهور براءة مريم ، وأن الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة ، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين في مريم ، فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى .ومثل هذه المناظر أن يقع التفضيل بين طائفتين ، ومحاسن إحداهما أكثر وأعظم ، ومساويها أقل وأصغر ، فإذا ذكر ما فيها من ذلك عورض بأن مساوئ تلك أعظم كقوله تعالى ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) ثم قال : ( وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) ، فإن الكفار عيرواسرية من سرايا المسلمين بأنهم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، فقال تعالى :هذا كبير ، وما عليه المشركون من الكفر بالله والصد عن سبيله وعن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، فإن هذا صد عما لا تحصل النجاة والسعادة إلا به ، وفيه من انتهاك المسجد الحرام ما هو أعظم من انتهاك الشهر الحرام . لكن هذا النوع قد اشتملت كل من الطائفتين فيه على ما يذموأما النوع الأول فيكون كل من الطائفتين لا يستحق الذم ، بل هناك شبه في الموضعين وأدلة في الموضعين ، وأدله أحد الصنفين أقوى وأظهر ، وشبهته أضعف وأخفى ، فيكون أولى بثبوت الحق ممن تكون أدلته أضعف وشبهته أقوى . وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمينوهو حال أهل البدع مع أهل السنة لا سيما الرافضة . وهكذا أمر أهل السنة مع الرافضة في أبي بكر وعلي ، فإن الرافضي لا يمكنه أن يثبت إيمان علي وعدالته وأنه من أهل الجنة - فضلاً عن إمامته -إن لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان ، وإلا فمتى أراد إثبات ذلكلــ علي وحده لم تساعده الأدلة ، كما أن النصراني إذا أراد إثبات نبوة المسيح دون محمد لم تساعده الأدلة ، فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون علياً أو النواصب الذين يفسقونه : إنه كان ظالماً طالباً للدنيا ، وإنه طلب الخلافة لنفسهوقاتل عليها بالسيف ، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر ، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه ، فهذا الكلام إن كان فاسداً ففساد كلام الرافضي في أبي بكر وعمر أعظم ، وإن كان ما قاله في أبي بكر وعمر متوجهاً مقبولاً فهذا أولى بالتوجه والقبول ، لأنه من المعلوم للخاصة والعامة أن من ولاه الناس باختيارهم ورضاهم ، ومن غير أن يضرب أحداً لا بسيف ولا عصا ، ولا أعطى أحداً ممن ولاه مالاً ، واجتمعوا عليه فلم يول أحداً من أقاربه و عترته ، ولا خلف لورثته مالاً من مال المسلمين ، وكان له مال قد أنفقه في سبيل الله فلم يأخذ بدله ، وأوصى أن يرد إلى بيت مالهم ما كان عنده لهم ، وهو جرد قطيفة وبكر وأمة سوداء ونحو ذلك ، حتى قال عبدالرحمن بن عوف لعمر : أتسلب هذا آل أبي بكر ؟ قال : كلا والله لا يتحنث فيها أبو بكر وأتحملها أنا . وقال : يرحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت الأمراء بعدك . ثم مع هذا لم يقتل مسلماً على ولا يته ، ولا قاتل مسلماً بمسلم ، بل قاتل بهم المرتدين عن دينهم والكفار ، حتى شرع بهم في فتح الأمصار ، واستخلف القوي الأمين العبقري الذي فتح الأمصار ونصب الديوان وعمر بالعدل والإحسان . فإن جاز للرافضي أن يقول : إن هذا كان طالباُ للمال والرياسة ، أمكن الناصبي أن يقول : كان علي ظالماً طالباً للمال والرياسة ، قاتل على الولاية حتى قتل المسلمون بعضهم بعضاً ولم يقاتل كافراَ ، ولم يحصل للمسلمين في مدة ولايته إلا شر وفتنة في دينهم ودنياهم . فإن جاز أن يقال : علي كان مريداً لوجه الله ، والتقصير من غيره من الصحابة ، أو يقال : كان مجتهداً مصيباً وغيره مخطئاً مع هذه الحال ، فأن يقال : كان أبو بكر وعمر مريدين وجه الله مصيبين ،
والرافضة مقصرون في معرفة حقهم ،
مخطئون في ذمهم بطريق الأولى والأحرى ، فإن أبا بكر وعمر كان بعدهما عن شبهة طلب الرياسة والمال أشد من بعد علي عن ذلك ، وشبهة الخوارج الذين ذموا علياً وعثمان وكفروهما أقرب من شبهة الرافضة الذين ذموا أبا بكر وعمر وعثمان وكفروهم ، فكيف بحال الصحابة والتابعين الذين تخلفوا عن بيعته أو قاتلوه ؟ فشبهتهم أقوى من شبهة من قدح في أبي بكر وعمر وعثمان ، فإن أولئك قالوا :ما يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ويمنعنا ممن يظلمنا ويأخذ حقنا ممن ظلمناه ، فإذا لم يفعل هذا كان عاجزاً أو ظالماً ، وليس علينا أن نبايع عاجزاً أو ظالماً. وهذا الكلام إذا كان باطلاً ، فبطلان قول من يقول : إن أبا بكر وعمر كانا ظالمين طالبين للمال والرياسة أبطل وأبطل ، وهذا الأمر لا يستريب فيه من له بصر ومعرفة ، وأين شبهةمثل أبي موسى الأشعري الذي وافقعمراًعلى عزل علي ومعاوية وأن يجعل الأمر شورى في المسلمين ،من شبهة عبدالله بن سبأ وأمثاله الذين يدعون أنه إمام معصوم ، أو أنه إله أو نبي ،!!!!!! بل أين شبهة الذين رأوا أن يولوا معاوية من شبهة الذين يدعون أنه إله أو نبي فإن هؤلاء كفار باتفاق المسلمين بخلاف أولئك .ومما يبين هذا أن الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي رضي الله عنه وعدالته مع كونهم على مذهب الرافضة ، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة ، فإذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممن تكفره أو تفسقه : لا نسلم أنه كان مؤمناً بل كان كافراً أو ظالماً- كما يقولون هم في أبي بكر وعمر - لم يكن لهم دليل على إيمانه وعدله إلا وذلك الدليل على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان أدل . فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده ، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء ، بل تواترإسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وبني العباس ، وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفار ، فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجيأن يدعي النفاق ، وإذا ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها. وإذا قالوا ما تقوله أهل الفريةمن أن أبا بكر وعمركانا منافقين في الباطن عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم أفسدا دينه بحسب الإمكان ، أمكن الخارجي أن يقول ذلك في علي ويوجه ذلك بأن يقول : كان يحسد ابن عمهوالعداوة في الأهل وأنه كان يريد فساد بينه فلم يتمكن من ذلك في حياته وحياة الخلفاء الثلاثة ، حتى سعي في قتل الخليفة الثالث وأوقد الفتنة حتى تمكن من قتل أصحاب محمد وأمته بغضاً له وعداوة ، وأنه كان مباطناً للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة ، وكان يظهر خلاف ما يبطن لأن دينه التقية ، فلما أحرقهم بالنار أظهر إنكار ذلك ، وإلا فكان في الباطن معهم ، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه ، وعندهم سره ، وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه . ويقول الخارجي مثل هذا الكلام الذي يروج على كثير من الناس أعظم مما يروج كلام الرافضة في الخلفاء الثلاثة ، لأن شبه الرافضة أظهر فساداً من شبه الخوارج و النواصب ، والخوارج أصح منهم عقلاً وقصداً ، والرافضة أكذب وأفسد ديناً . وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص القرآن عليه . قيل لهم : القرآن عام ، وتناوله له ليس بأعظم من تناوله لغيره وما من آية يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعي اختصاصها أو اختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي بكر وعمر ،فباب الدعوى بلا حجة ممكنة ، والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما . وإن قالوا : ثبت ذلك بالنقل والرواية ، فالنقل والرواية في أولئك أشهر وأكثر ، فإن ادعوا تواتراً فالتواتر هناك أصح ، وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر .ثم هم يقولون : إن الصحابة ارتدوا إلا نفراً قليلاً ، فكيف تقبل رواية هؤلاء في فضيلة أحد ؟ ولم يكن في الصحابة رافضة كثيرون يتواتر نقلهم ، فطريق النقل مقطوع عليهم إن لم يسلكوا طريق أهل السنة ، كما هو مقطوع على النصارى في إثبات نبوة المسيح إن لم يسلكوا طريق المسلمين . وهذا كمن أراد إن يثبت فقه ابن عباس دون علي ، أو فقه أبن عمر دون أبيه ، أو فقه علقمة والأسود دون ابن مسعود ، ونحو ذلك من الأمور التي يثبت فيها للشيء حكم دون ما هو أولى بذلك الحكم منه ، فإن هذا تناقض ممتنع عند من سلك طريق العلم والعدل ) .قلت : ويقول شيخ الإسلام - أيضاً -( والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل ، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع ، فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة ، تريد أن تجعل أحدهم معصوماً من الذنوب والخطايا ، والآخرمأثوماً فاسقاً أو كافراً فيظهر جهلهم وتناقضهم ، كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى ، مع قدحه في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه يظهر عجزه وجهله وتناقضه ،فإنه ما من طريق يثبت بها نبوة موسى وعيسى إلا وتثبت نبوة محمد بمثلها أو بما هو أقوى منها ، وما شبهة تعرض في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وتعرض في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام بما هو مثلها أو أقوى منها ، وكل من عمد إلى التفريق بين المتماثلين ، أو مدح الشئ وذم ما هو من جنسه ، أو أولى بالمدح منه أو بالعكس ، أصابه مثل هذا التناقض والعجز والجهل ) قلت : وبعد أن عرفنا طريق شيخ الإسلام في دفع شبهات الروافض مما اضطره إلى تلك العبارات التي أسئ فهمها منهلغرض أو لآخر، سأذكر في المباحث التالية ما ينقض تلك الفرية بوضوح من كلام شيخ الإسلام في ذم النواصب ، وكلامه في فضل علي - رضي الله عنه -ثم ذكر المواضع التي حسبوهاتنتقص من مكانة علي - رضي الله عنه -مع توجيهها التوجيه الصحيح ، لكي لا تحمل على ما لم يرده شيخ الإسلام . |
أقوال شيخ الإسلام في :
-ذم النواصب - فضل علي - رضي الله عنه -أولاً : ذم شيخ الإسلام للنواصب مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب بطوائفهم ، والخوارج الذين اتخذوا بغض علي - رضي الله عنه - ديناً يدينون الله به ، وتجرأ بعضهم على تكفيره ، أو تفسيقه ، أو سبه وشتمه ، والعياذ بالله . وكان - رحمه الله - يكثر من ذم هؤلاء في كتابه " منهاج السنة "فلو كان ناصبياً كما يزعم أعداؤه لأثنى عليهم ، أو دافع عن مواقفهم ، والتمس العذر منهم . ولكنه مع هذا الذم لهم يرى أنهم خير من الرافضة ، أهل الكذب والنفاق . يقول شيخ الإسلام : ( لا تجد أحداً ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه ، ولا تجد أحداً ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوراج من هو خير منه ، فإن الروافض شر من النواصب ، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب .وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ، ويتكلمون بعلم وعدل ، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ،و يتبرؤن من طريقة الروافض و النواصب جميعاً ،ويتولون السابقين والأولين كلهم ، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم ، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين ، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين ، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين ، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة ، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما )ويقول : ( وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه ، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافراً ، وقتله أحد رؤوسهم " عبدالرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا : إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين ، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة ، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم ، وثناء الله عليهم ، ورضاء عنهم ، وإخباره بأنهم من أهل الجنة ، ونحو ذلك من النصوص ، ومن لم يقبل هذه الحججلم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله .فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي : إن علياً كان كافراً ، أو فاسقاً ظالماً ، وأنه قاتل على الملك : لطلب الرياسة ، لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل ، وصفين ، و حروراء ، ألوفاً مؤلفة ، ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلمكافراً ، ولا فتح مدينة ، بل قاتل أهل القبلة ، نحو هذا الكلام - الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي - رضي الله عنه - لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصبإلا أهل السنة والجماعة ، الذين يحبون السابقين الأولين كلهم ، ويوالونهم . فيقولون لهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، وطلحة ، والزبير ، ونحوهم ، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم ، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم ، والرضى عنهم ،وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصاً وعموماً ،كقوله في الحديث المستفيض عن : " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " ، وقوله في عمر : " إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " ، وقوله عن عثمان : " ألا أستحي ممن نستحي منه الملائكة " ؟وقوله لعلي : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله علي يديه " وقوله في الزبير : " لكل نبي حواريون ، وحواريي الزبير " وأمثال ذلك . وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض علياً من النواصب ، كما يمكن ذلك أهل السنة ، الذين يحبون الجميع ) قلت : وفي كلام شيخ الإسلام الآتي صرح رحمه الله بأنهليس ناصبياً ، وأن الشام كلها لم يبق فيها نواصب ، وهو قول صريح من الشيخ يرد به على من يظن به هذا الظن . قال - رحمه الله - : ( وأما جواز الدعاء للرجل وعليهفبسط هذه المسألة في الجنائز ، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم و فاجرهم ، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه ، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل ، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي ، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة ،وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات ، فسألني فيما سألني : ما تقول في يزيد ؟ فقلت : لا نسبه ولا نحبه ، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه ، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه .فقال : أفلا تلعنونه ؟ أما كان ظالماً ؟ أما قتل الحسين ؟فقلت له : نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله : نقول كما قال الله في القرآن : ( ألا لعنه الله على الظالمين ) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه ، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد ،لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن . وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله ، أو رضي بذلك فعليه لعنةالله والملائكة والناس أجمعين ،لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . قال : فما تحبون أهل البيت ؟قلت : محبتهم عندنا فرض واجب ، يؤجر عليه ، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خماً ، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه ، ثم قال : " و عترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم : ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " قال مقدم : فمن يبغض أهل البيت ؟ قلت :من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . ثم قلت للوزير المغولي : لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري ؟ قال : قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب .قلت بصوت عال : يكذب الذي قال هذا ، ومن قال هذا فعليه لعنة الله ، والله ما في أهل دمشق نواصب ، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه ، لكن كان قديماً - لما كان بنو أمية ولاة البلاد - بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه ، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد ) ثانياً- أقوال شيخ الإسلامفي فضل علي - رضي الله عنهلشيخ الإسلام - رحمه الله - مواضع عديدة يمدح فيها علياً رضي الله عنه ،ويثني عليه ، وينزله في المنزلة الرابعة بعدأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كما هو منهج أهل السنة والجماعة ، وهي واضحة صريحة تلوح لكل قارئ لكتب الشيخ ، فلا أدري كيف زاغت عنها أبصار أهل البدعة والشانئين لشيخ الإسلام ؟ وقد أحببت جمع بعضها في هذا المبحث ليقرأها كل منصف وطالب للحق من أولئك النفر ، ولكي تقر بها أعين أهل السنة ، فلا يحوك في صدر أحدهم وسواس أهل البدع تجاه شيخ الإسلام ، عندما يطلعون على تلك الاتهامات الظالمة . وقد أكثرت من النقل عن كتاب " منهاج السنة " لأنه عمدة الطاعنين والمتهمين للشيخبأن فيه عبارات توحي بانحرافه عن علي - رضي الله عنه - أو توهم تنقصه له ، فوددت أن أبين لهؤلاء أنهم قوم لم يفقهوا مقاصد الشيخ من عباراته لأنهم ينظرون بعين السخط وعين العداوة في الدين ومثل هذه الأعين لا يفلح صاحبها . يتبعــ بأذن الله |
وأبدأ هذه المواضع بذكر مجمل عقيدته - رحمه الله -
في الصحابة نقلاً عن " العقيدة الواسطية " وهي عقيدته الشهيرة التي كتبها بيده ونافح عنها في حياته أمام أهل البدع . قال رحمه الله : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله في قوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون رينا اغفر لنا و لإخوننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) . وطاعةالنبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه " ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل - وهو صلح الحديبية - على من أنفق من بعده وقاتل ، ويقدمون المهاجرين على الأنصار ، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضيالله عنهم ورضوا عنه ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة - ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة . ويقرون بما تواتر من النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ،ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم ، كما دلت عليه الآثار ، وكما أجمع على تقديم عثمان في البيعة ، مع أن بعض ... أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي - رضي الله عنهما- بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل ، فقدم قوم عثمان وسكتوا ، أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً ، وقوم توقفوا ، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي . وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عندجمهور أهل السنة ، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة ، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ومن طعن في خلافة أحد هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) وأما المواضع التي ذكر فيها فضل علي - رضي الله عنه - ودافع عنه : فمن ذلك قوله - رحمه الله - : ( فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ، ولله الحمد ، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني ، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه ) ومن ذلك قوله : ( وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن ، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، وبعد ممات علي ، فعلي اليوم مولى كل مؤمن ، وليس اليوم متولياً على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً ) ومن ذلك قوله : ( وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله ) ومن ذلك قوله : (لا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن ، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين ) ومن ذلك أنه سُئل - رحمه الله - : عن رجل قال عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إنه ليس من أهل البيت ، ولا تجوز الصلاة عليه ، والصلاة عليه بدعة ؟ فأجاب : أما كون علي بن أبي طالبمن أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل ، بل هو أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين ، فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً " وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ؟ مثل أن يقول : اللهم صلى على عمر أو علي . وقد تنازع العلماء في ذلك . فذهب مالك ، والشافعي ، وطائفة من الحنابلة : إلى أنه لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ، كما روي عن ابن عباس أنه قال : لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم . وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك ، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب : صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى . ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيرهمضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه : هذا هو البدعة ) ومن ذلك أنه يفضله بعبارة صريحة واضحة على معاوية ، وعلى من هو أفضل من معاوية ، ولو رغمت أنوف النواصب ، يقول رحمه الله: ( ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة ، ولا يأمر بذلك ، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية ، ولا ينهي عن ذلك . وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه ، ويذم الذين يظلمونه من جميع الفرق ، وهم ينكرون على من سبه ، وكارهون لذلك ، وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين ، من جنس ما جرى من القتال ، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب . بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدراً ، وأحق بالإمامة ، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه ، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه ، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضلمن معاوية ، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم ، وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة ، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة ، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة ، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان ، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ) ومن ذلك أنه : يرد على قول الرافضي بأن علياً سيف الله المسلول وليس خالد بن الوليد ، فيقول : ( وأما قوله أي الرافضي : " علي أحق بهذا الاسم " فيقال : أولاً من الذي نازع في ذلك ؟ ومن قال : إن علياًلم يكن سيفاً من سيوف الله ؟وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الصحيح يدل على أن لله سيوفاً متعددة ، ولا ريب أن علياً من أعظمها , وما في المسلمين من يفضل خالداً على علي ، حتى يقال : إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد .والتسمية بذلك وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، فهو صلى الله عليه وسلم الذي قال : إن خالداً سيف من سيوف الله . ثم يقال ثانياً : علي أجل قدراً من خالد ، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ؟ فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ، فإن السيف خاصته القتال ، وعلي كان القتال أحد فضائله ، بخلافخالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره ، لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم زهد ،وإنما تقدم بالقتال ، فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله ) ومن ذلك قوله : ( فكيف يظن بعلي - رضي الله عنه - وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف ديناً وقلوباُ من الأسرى في بلاد الكفر ، ومن عوام أهل السنة ، ومن النواصب ) . ومن ذلك أنه يرد أكاذيب الروافض في فضل علي ، وأنه قاتل الجن ، وأن الجن تحتاجه ، بقوله : ( لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله ، وهذا معلوم قديماً وحديثاً ، فإن كان هذا قد وقع ، فقدره أجل من ذلك . وهذا من أدنى فضائل من هو دونه . وإن لم يكن وقع ، لم ينقص فضله بذلك ) ويقول - رحمه الله - مبيناً شجاعة علي - رضي الله عنه - : ( لا ريب أن علياً رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة ، وممن نصر الله الإسلام بجهاده ، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ، وممن قاتل بسيفه عدداً من الكفار ) ومن ذلك قوله : ( أما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه ، لكن الشأن أنه كان أزهد من أبي بكر وعمر ) ومن ذلك قوله : ( نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب ، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا للكذب ) ومن ذلك أنه سُئل - رحمه الله - :
فأجاب : لم يحمل أحد من الصحابة وحده لا في اثني عشر ألفاً ولا في عشرة آلاف ، لا علي ولا غيره ، بل أكثر عدد اجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم هم الأحزاب الذين حاصروه بالخندق ، وكانوا قريباً من هذه العدة ، وقتل علي رجلاً من الأحزاب اسمه " عمرو بن عبدود العامري " . ولم يقاتل أحد من الإنس للجن ، لا علي ولا غيره ، بل علي كان أجل قدراً من ذلك ، والجن الذين يتبعون الصحابة يقاتلون كفار الجن ، لا يحتاجون في ذلك إلى قتال الصحابة معهم ) . ومن ذلك أنه - رحمه الله - يرى أن الذين لم يقاتلوا علياً - رضي الله عنه - هم أحب إلى أهل السنة ممن قاتله ، وأن أهل السنة يدافعون عنه بقوة أمام اتهامات النواصب والخوارج ، يقول : ( وأيضاً فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا علياً أعظم مما يحبون من قاتله ،ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، و عبدالله بن عمر رضي الله عنهم .فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا علياً عند أهل السنة . والحب لعلي وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله ، وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته ، وهم من أشد الناس ذبا عنه ، ورداً على من طعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب ، لكن لكل مقام مقال ) ومن ذلك أنه يفضل الصحابة الذين كانوا مع علي على الصحابة الذين كانوا مع معاوية - رضي الله عنهم أجمعين - يقول : ( معلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل : عمار وسهل بن حنيفونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية ) ومن ذلك أنه يرد على من تأول حديث " عمار تقتله الفئة الباغية " بأن علياً هو الذي قتله لأنه الذي أحضره إلى المعركة معه ، فيقول : ( وأما تأويل من تأوله : أن علياً وأصحابه قتلوه ، وأن الباغية الطالبة بدم عثمان، فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة ) . ومن ذلك أنه يبرئه من دم عثمان - رضي الله عنهما - فيقول : ( وتولى علي على إثر ذلك ، والفتنة قائمة ، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان ، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه ، المبغضون له ، كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه ، المبغضون لغيره من الصحابة ، فإن عليالم يعن على قتل عثمان ولا رضي به ، كما ثبت عنه - وهو الصادق - أنه قال ذلك ) . ومن ذلك أنه يقول - رحمه الله - : ( إن قتل علي وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض ) وينكر شيخ الإسلام على الجهلة الذين يطعنون في علي - رضي الله عنه - في مقابل الروافض الذين يطعنون في الصحابة ، فهو يقول عن بعض أهل السنة بأن : ( فيهم نفرة عن قول المبتدعة ، بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له ، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق أو ينفرون منه ، أو يكذبون به ، كما قد يصير بعض جهالة المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت ، إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها ، بل بعض المسلمين يصير في الإعراض عن فضائل موسى وعيسىبسبب اليهود والنصارى بعض ذلك ، حتى يحكى عن قوم من الجهال أنهم ربماشتموا المسيح إذا سمعوا النصارى يشتمون نبينا في الحرب .وعن بعض الجهال أنه قال : سبوا علياً كما سبوا عتيقكم كفراً بكفر وإيماناً بإيمانهذه مواضع يسيرة مما نقل عن شيخ الإسلام - رحمه الله - في فضل علي - رضي الله عنه - ودفاعه الحار عنه أمام أعدائه ، وتبرئته مما نسبوه إليه . فهل يقال بعد هذا كما قال هؤلاء المبتدعة الجائرون بأنه - رحمه الله - كان منحرفاً عنعلي - رضي الله عنه -أو أنه تنقصه في كتبه ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ؟ لا يقوله أدنى مسلم فضلاً عن شيخ الإسلام الذي تصرمت حبال أيامه تقرير عقيدة السلف الصالح ،
شيخ الإسلام عند هؤلاء المبتدعة أنه لم يغل في علي كما غلوا ، أو يتجاوز به قدره الذي أراده الله له . المواضع التي احتج بها الطاعنون في شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب " منهاج السنة " مع الرد عليهم بعد أن عرفنا منهج شيخ الإسلام في نقض حجج الرافضي وأنه رحمه الله متبع لمنهج السلف الصالح في محبة علي رضي الله عنه وأنه من الخلفاء الراشديندون غلو فيه وتفضيله على الثلاثة وطعن فيهم كما تفعل الرافضة ، دون جفاء عنه وتنقص له كما تفعل النواصب ، بعد أن عرفنا هذا وهو جواب مجمل للرد على متهمي شيخ الإسلام ببغض عليوتنقصهسوف أعرض في هذا المبحث المواضع التي يزعم أولئك أن فيها تنقصاً أو إيهاماً بالتنقصمن كتاب " منهاج السنة " بجميع أجزائه ، ثم أتبع كل موضع بتعليق موجز يوضح مقصد شيخ الإسلام منه . الموضع الأول : قال شيخ الإسلام : وأما قوله : " ثم علي بمبايعة الخلق له "
وأما علي رضي الله عنه فإنه بويع عقيب قتل عثمان رضي الله عنه والقلوب مضطربة مختلفة ، وأكابر الصحابة متفرقون ... ) تعليق في هذا الموضع يدفع شيخ الإسلام فرية الرافضي في أن علياً رضي الله عنه بايع له جميع الخلق بخلاف غيره من الخلفاء الراشدين ، ويبين أن هذا القول باطل وأن الصحيح أن اتفاق الخلق على الخلفاء الثلاثة أكثر من اتفاقهم على علي رضي الله عنه . وهو في هذا القول لم يخطئ - رحمه الله - وإنما يبين حقيقة يتجاهلها الروافض ليتوصلوا من خلالها إلى الطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - وتقرير الحقيقة والواقع التاريخي لا يعد طعناً أو استنقاصاً من علي - رضي الله عنه -كما سبق . الموضع الثاني : قال شيخ الإسلام : ( إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أعظم فتوحاً وجهاداً بالمؤمنين ، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين ) تعليق في هذا الموضع يقرر الشيخ حقيقة لا يستطيع أحد جحدها وهي أن عمر رضي الله عنه كان أعظم فتوحاً وجهاداً ، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره ، كعثمان وعلي - رضي الله عنهما - وهذا واضح من مطالعة سيرهم ، والأحداث التي وقعت في عصرهم ، ففي عهد عمر - رضي الله عنه - امتدت الفتوحات شرقاً وغرباً بخلاف من بعده . وتقرير الحقائق التاريخية لا يعد تنقصاً من عثمان أو علي - رضي الله عنهما - . الموضع الثالث : قال شيخ الإسلام : ذي الشوكة إلا علي وحده ، وكان مصلحة المكلفين واللطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقل منه في زمن الخلفاء الثلاثة ، علم بالضرورة أن ما يدعونه من اللطف والمصلحة الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل قطعاً ) تعليق في هذا الموضع يبين الشيخ - أيضاً - حقيقة تاريخية لا تعمي إلا على كل صاحب هوى ،وهي أن المؤمنين في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان كانوا أسعد حياة وأعظم أمناً في عصرهم ، بخلاف حالهم في عهد علي رضي الله عنه ، بحيث وقعت الفتنة وحدث الانقسام والتفرق . وقصد الشيخ بتقرير هذه الحقيقة الرد على قول الروافضبأن أئمتهم معصومون ، ويحصل بهم اللطف والصلاح للأمة ، وهذا منتقض بحال الناس في عهد أفضل هؤلاء الأئمة عند الرافضة حيث لم يحصل في عهده من اللطف والمصلحة ما ادعاه الروافض ، وتقرير الحقائق التاريخية لنقض أقوال أهل الكذب ليس فيه أي منقصة لأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وليس في هذا تنقصلعلي رضي الله عنه لأن وقته وقت فتن واضطرابات لا وقت صفاء وطمأنينة رضي الله عنه وعن صحابة رسول الله الغر المحجلين ... يتبع بأذن الله الواحد الأحد . |
الموضع الرابع : قال شيخ الإسلام :
( وأيضاً فالحق لا يدور مع شخص غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوماً كالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهم من جهلهم يدعون ذلك ، ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، وليس فيهم من هو معصوم ، علم كذبهم ـ و فتاويه من جنس فتاوى عمر وعثمان ليس هو أولى بالصواب منهم ، ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله ، ولا كان ثناء النبي صلى الله عليه وسلم ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم ورضائه عنهم ، بل لو قال القائل : إنه لا يعرف من النبي صلى الله عليه وسلم أنه عتب علىعثمان في شئ ، وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد ـ فإنه لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل اشتكته فاطمة لأبيها وقالت : إن الناس يقولون : إنك لا تغضب لبناتك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ، وقال : " إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ثم لا آذن ، ثم لا أذن : إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم ، فإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فقال : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " والحديث ثابت صحيح أخرجاه في الصحيح . وكذلك في الصحيحين لما طرقه وفاطمة ليلاً ، فقال : " ألا تصليان ؟ " فقال له علي : إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول : " وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً " وأما الفتاوى فقد أفتى بأن المتوفى عنها وزجها وهي حامل تعتد أبعد الأجلين ، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بن بعكك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كذب أبو السنابل " وأمثال ذلك كثير . ثم بكل حال فلا يجوز أن يحكم بشهادته وحده ، كما لا يجوز له أن يحكم لنفسه ) تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على قول الروافض بأن الحق يدور مع علي أينما دار ويروون في هذا حديثاً موضوعاً رده شيخ الإسلام وبين أن الحق لا يدور مع شخص غير النبي صلى الله عليه وسلم ولكي يزيد في دحض هذه الشبهة الباطلة أوضح للروافض أن علياً - رضي الله عنه - ليس معصوما ً ، وله من الاختيارات المرجوحة كما لغيره أو أكثر ، وهذا ثابت يعرفه أهل العلم بالآثار لم يأت به شيخ من عنده ، وأنه رضي الله عنهقد يجتهد في فعل فيعاتبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في قصة خطبته بنت أبي جهل وغيرها . وتقرير الحقائق الثابتة لدفع غلو أهل الرفض لا يعد انتقاصاً من علي رضي الله عنه كما سبق . الموضع الخامس : قال شيخ الإسلام : ( وأما قوله : " رووا جميعاً أن فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن أذاني آذى الله " فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ ، بل روي بغيره ، كما روي في سياق حديث خطبة علي لابنة أبي جهل ، لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : " إن بن هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، إلا أن يريد ابن طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم " وفي رواية : " إني أخاف أن تفتن في دينها " ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي . وإني لست أحل حراماً ، ولا أحرم حلالاً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحدا أبداً " رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين و المسور بن مخرمة ، فسبب الحديث خطبة علي رضي الله عنه لابنة أبي جهل ، والسبب داخل في اللفظ قطعاً ، إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه ، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق . وقد قال في الحديث : " يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " ومعلوم قطعاً أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها ، والنبي صلى الله عليه وسلم رابه وآذاه ، فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله ، لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب ، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً ، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي . وإن قيل : إن عليا تاب من تلك الخطبة ورجع عنها . قيل : فهذا يقتضي أنه غير معصوم . وإذا جاز أن من راب فاطمة وآذاها ، يذهب ذلك بتوبته ، جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية ، فإن ما هو أعظم من هذا الذنبوالتوبة والمصائب المكفرة . وذلك أن هذا الذنب ليس من الكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة ، ولو كان كذلك لكان علي - والعياذ بالله - قد ارتد عن دين الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن الله تعالى نزه علياً من ذلك . والخوارج الذين قالوا : إنه ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يقولوا : إنه ارتد في حياته ، ومن ارتد فلا بد أن يعود إلى الإسلام أو يقتله النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لم يقع ، وإذا كان هذا الذنب هو مما دون الشرك فقد قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . وإن قالوا : بجهلهم : إن هذا الذنب كفر ليكفروا بذلك أبا بكر ، لزمهم تكفير علي ، واللازم باطل فالملزوم مثله . وهم دائماً يعيبون أبا بكر وعمر وعثمان ، بل ويكفرونهم بأمور قد صدر من علي ما هو مثلها أو أبعد عن العذر منها ، فإن كان مأجوراً أو معذوراً فهم أولى بالأجر والعذر ، وأن قيل باستلزام الأمر الأخف فسقاً أو كفراُ ، كان استلزم الأغلظ لذلك أولى . وأيضاً فيقال : إن فاطمة رضي الله عنهاإنما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها ، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب . وهذا حال أبي بكر وعمر ، فإنهما احتراز عن أن يؤذيا أباها أو يريباه بشئ ، فإنه عهد عهداً وأمر بأمر ، فخافا إن غيرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك ، وكل عاقل يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حكم بحكم ، وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم ، كان مراعاة حكم النبي صلى الله عليه وسلمأولى ، فإن طاعته واجبة ، ومعصيته محرمة ، ومن تأذى بطاعته كان مخطئاً في تأذيه بذلك ، وكان الموافق لطاعته مصيباً في طاعته . وهذا بخلاف من آذاها لغرض نفسه لا لأجل طاعة الله ورسوله . ومن تدبر حال أبي بكر في رعايته لأمرالنبي صلى الله عليه وسلم،وأنه إنما قصدطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا أمراً آخر ، يحكم أن حاله أكمل وأفضل وأعلى من حال علي رضي الله عنهما ، وكلاهما سيد كبير من أكابر أولياء الله المتقين ، وحزب الله المفلحين ، وعباد الله الصالحين ، ومن السابقين الأولين ، ومن أكابر المقربين ، الذين يشربون بالتسنيم ، ولهذا كان أبو بكر رضي الله عنه يقول : " والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي " وقال : " ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته " رواه البخاري عنه . لكن المقصود أنه لو قدر أن أبا بكر آذاها ، فلم يؤذها لغرض نفسه ، بل ليطيع الله ورسوله ، ويوصل الحق إلى مستحقه ، وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها ، فله في آذاها غرض ، بخلاف أبي بكر ، فعلم أن أبا بكر كان أبعد أن يذم بأذاها من علي ، وأنه إنما قصد طاعة الله ورسوله بما لا حظ له فيه ، بخلاف علي ، فإنه كان له حظ فيما رابها به وأبو بكر كان من جنس من هاجر إلى الله ورسوله ، وهذا لا يشبه من كان مقصوده امرأة يتزوجها . والنبي صلى الله عليه وسلم يؤذيه ما يؤذي فاطمة إذا لم يعارض ذلك أمر الله تعالى ، فإذا أمر الله تعالى بشئ فعله ، وإن تأذى من تأذى من أهله وغيرهم ، وهو في حال طاعته لله يؤذيه ما يعارض طاعة الله ورسوله ، وهذا الإطلاق كقوله : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني " ثم قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف " فإذا كانت طاعة أمرائه أطلقها ومراده بها الطاعة في المعروف ، فقوله : " من آذاها فقد آذاني " يحمل على الأذى في المعروف بطريق الأولى والأحرى ، لأن طاعة أمرائه فرض ، وضدها معصية كبيرة . وأما فعل ما يؤذي فاطمة فليس هو بمنزلة معصية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا لزم أن يكون على قد فعل ما هو أعظم من معصية الله ورسوله ، فإن معصية أمرائه معصيته ، ومعصيته معصية الله . ثم إذا عارض معارض وقال : أبو بكر وعمر وليا الأمر . والله قد أمر بطاعة أولي الأمر ، وطاعة ولي الأمر طاعة لله ومعصيته معصية لله ، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه . ثم أخذ يشنع على علي وفاطمة رضي الله عنهما بأنهما ردا أمر الله ، وسخطا حكمه ، وكرها ما أرضى الله ، لأن الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر ، فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله ، والله يسخط لمعصيته ، ومعصية ولي الأمر معصيته ، فمن اتبع معصية ولي الأمر فقد اتبع ما أسخط الله وكره رضوانه . وهذا التشنيع ونحوه على علي وفاطمة رضي الله عنهما أوجه من تشنيع الرافضة على أبي بكر وعمر ، وذلك لأن النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في طاعة ولاة الأمور ، ولزوم الجماعة ، والصبر على ذلك مشهورة كثيرة ، بل لو قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة ولاة الأمور وإن استأثروا ، والصبر على جورهم ، وقال : " إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقال : " أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم " وأمثال ذلك . فلو قدر أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان ظالمين مستأثرين بالمال لأنفسهما ، لكان الواجب مع ذلك طاعتهما والصبر على جورهما .ثم لو أخذ هذا القائل يقدح في علي وفاطمة رضي الله عنهما ونحوهما بأنهم لم يصبروا ولم يلزموا الجماعة ، بل جزعوا وفرقوا الجماعة ، وهذه معصية عظيمة - لكانت هذه الشناعة أوجه من تشنيع الرافضة على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإن أبا بكر وعمرلا تقوم حجة بأنهما تركا واجباً ، ولا فعلا محرماً أصلاً ، بخلاف غيرهما ، فإنه قد تقوم الحجة بنوع من الذنوب التي لم يفعل مثلها أبو بكر ولا عمر . وما ينزه علي وفاطمة رضي الله عنهما عن ترك واجب أو فعل محظور ، إلا وتنزيه أبي بكر وعمر أولى بكثير ، ولا يمكن أن تقوم شبهة بتركهما واجباً أو تعديهما حداً ، إلا والشبهة التي تقوم في علي وفاطمة أقوى وأكبر ، فطلب الطالب مدح علي وفاطمة رضي الله عنهما أما بسلامتهما من الذنوب ، وإما بغفران الله لهما ، مع القدح في أبي بكر وعمر بإقامة الذنب والمنع من المغفرة ، من أعظم الجهل والظلم ، وهو من أجهل وأظلم ممن يريد مثل ذلك في علي ومعاوية رضي الله عنهما ، إذا أراد مدح معاوية رضي الله عنه ، والقدح في علي رضي الله عنه ) تعليق في هذا الموضع الطويل يقلب الشيخ حجة الرافضي عليه ويحرجه أيما إحراج , فالرافضي يزعم أن أبا بكر رضي الله عنهقد منع فاطمة رضي الله عنها حقها من ( فدك )وإن هذا إيذاء لها كما أنه إيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم القائل : " فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها " . فبين له شيخ الإسلام أن هذا الحديث له سبب ، وقد قيل في علي رضي الله عنه لا أبي بكر رضي الله عنه . فهو صلى الله عليه وسلمقد قاله عندما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة ، فإذا كان أبو بكر قد آذى فاطمة كما تزعمونفعلي قد آذاها قبله ، فما قلتم في أبي بكر فقولوه في علي ، رضي الله عنهما وأبو بكر - أيضاً لم يمنعه إلا اتباعاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهو قد قدم حقه صلى الله عليه وسلم عليها بخلاف علي الذي أراد الزواج عليها - وفيه أذية لها - لحظ نفسه . ولك هذا من تقرير الحقائق الثابتة ، وفيه إنزال الصحابة منازلهم التي أنزلهم الله إياها دون غلو في بعضهم ، وذم لآخرين هم أفضل من الأولين . وليس في هذا أي تنقص لعلي رضي الله عنه ، وإنما فيه إفحام الروافض الجهال . الموضع السادس : قال شيخ الإسلام : ( واستخلاف علي لم يكن على أكثر ولا أفضل ممن استخلف عليهم غيره ، بل كان يكون في المدينة في كل غزوة من الغزوات من المهاجرين والأنصار أكثر وأفضل ممن تخلف في غزوة تبوك ، فإن غزوة تبوك لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالتخلف فيها ، فلم يتخلف فيها إلا منافق أو معذور أو الثلاثة الذين تاب الله عليهم ، وإنما كان معظم من تخلف فيه النساء والصبيان ولهذا لما استخلف علياً فيها خرج إليه باكياً ، وقال : أتدعني مع النساء والصبيان ؟ وروي أن بعض المنافقينطعنوا في علي ، وقالوا : إنما استخلفه لأنه يبغضه ، وإذا كان قد استخلف غير علي على أكثر وأفضل مما استخلف عليه علياً . وكان ذلك استخلافاً مقيداً على طائفة معينة في مغيبه ، ليس هو استخلافاً مطلقاً بعد موته على أمته ، لم يطلق على أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع التقييد ، وإذا سمي علي بذلك فغيره من الصحابة المستخلفين أولى بهذا الاسم ،فلم يكن هذا من خصائصه. وأيضاً فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس ، وأما الذي يخلفه في حال غزوه لعدوه ، فلا يجب أن يكون أفضل الناس ،بل العادة جارية بأنة يستصحب في خروجه لحاجته إليه في المغازي من يكون عنده أفضل ممن يستخلفه على عياله ، لأن الذين ينفع في الجهاد هو شريكه فيما يفعله ، فهو أعظم ممن يخلفه على العيال ، فإن نفع ذاك ليس كنفع المشارك له في الجهاد . والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شبه علياً بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله ، ولعلي شركاء في هذا الاستخلاف يبين ذلك أن موسى لما ذهب ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه في ذلك ، فاستخلف هارون علي جميع قومه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى غزوة تبوك أخذ معه جميع المسلمين إلا المعذور ، ولم يستخلف علياً إلا على العيال وقليل من الرجال ، فلم يكن استخلافه كاستخلاف موسى لهارون ، بل ائتمنه في حال مغيبه ، كما ائتمن موسى هارون في حال مغيبه ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلمأن الاستخلاف ليس لنقص مرتبة المستخلف ، بل قد يكون لأمانته كما استخلف موسى هارون على قومه ، وكان علي خرج إليه يبكي وقال : أتذرني مع النساء والصبيان ؟ كأنه كره أن يتخلف عنه . وقد قيل : أن بعض المنافقين طعن فيه ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المنزلة ليست لنقص المستخلف ، إذ لو كان كذلك ما استخلف موسى هارون ) تعليق فالشيخ رحمه الله قد أنزل علياً منزلته التي أنزلهالرسول صلى الله عليه وسلم إياهاوهي ائتمانه ، ولم يغل فيه كغلو الرافضة فجعلوا هذا دليلاً على أحقيته في الخلافة على أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - . الموضع السابع : قال شيخ الإسلام راداً على قول الرافضة " بأن محبة علي مفرقة بين أهل الحق والباطل " ( وإن أريد بذلك مطلق دعوى المحبة ، دخل في ذلك الغالية كالمدعين لإلهيته ونبوته ، فيكون هؤلاء أهل حق وهذا كفر باتفاق المسلمين . وإن أريد بذلك المحبة المطلقة فالشأن فيها ، فأهل السنة يقولون : نحن أحق بها من الشيعة ، وذلك أن المحبة المتضمنة للغلو هي كمحبة اليهود لموسى ، والنصارى للمسيح، وهي محبة باطلة ، وذلك أن المحبة الصحيحةأن يحب العبد ذلك المحبوبعلى ما هو عليه في نفس الأمر ، فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء ، وأنه من السابقين الأولين فأحبه ، لكان قد أحب ما لا حقيقة له ، لأنه أحب ذلك الشخصبناءً على أنه موصوف بتلك الصفة ، وهي باطلة ، فقد أحب معدوماً لا موجوداً ، كمن تزوج امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب فأحبها ، ثم تبين أنها دون ما ظنه بكثير ، فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده ، إذا الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها . فاليهودي إذا أحب موسى بناء على أنه قال : تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض ، وأنه نهي عن اتباع المسيح صلى الله عليه وسلم يوم القيامة علم أنه لم يكن يحب موسى على ما هو عليه ، وإنما أحب موصوفاً بصفات لا وجود لها ، فكانت محبته باطلة ، فلم يكن مع موسى المبشر بعيسى المسيح ومحمد . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المرء مع من أحب " واليهودي لم يحب إلا ما لا وجود له في الخارج ، فلا يكون مع موسى المبشر بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحب موسى هذا ، والحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد ، فهو فرع الشعور، فمن اعتقد باطلاً فأحبه ، كان محباً لذلك الباطل ، وكانت محبته باطلة فلم تنفعه ، وهكذا من اعتقد في البشر الإلهية فأحبه لذلك ، كمن اعتقد إلهية فرعون ونحوه ، أو أئمة الإسماعيلية ، أو اعتقد الإلهية في بعض الشيوخ ، أو بعض أهل البيت ، أو في بعض الأنبياء أو الملائكة ، كالنصارى ونحوهم ، ومن عرف الحق فأحبه ، كان حبه لذلك الحق فكانت محبته من الحق فنفعته . قال الله تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعملهم (1) والذين ءامنوا وعملوا الصالحت و ءامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم (2) ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا البطل وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثلهم (3) . وهكذا النصراني مع المسيح : إذا أحبه معتقداً أنه إله - وكان عبداً - كان قد أحب ما لا حقيقة له ، فإذا تبين له أن المسيح عبد رسول لم يكن قد أحبه ، فلا يكون معه . وهكذا من أحب الصحابة والتابعين والصالحين معتقداً فيهم الباطل ،
كانت محبته لذلك الباطل باطلة .
وبهذا يتبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عنومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب ، فإنهم يحبون ما لم يوجد ، وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته ، الذي لا إمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هو ، الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظالمان معتديان أو كافران ،فإذا تبين لهم يوم القيامة أنعلياً لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء ، وإنما غايته أن يكون قريباً من أحدهم ، وأنه كان مقرا بإمامتهم وفضلهم ، ولم يكن معصوماً لا هو ولا هم ، ولا كان منصوصاً على إمامته ، تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون علياً ، بل هم من أعظم الناس بغضاً لعلي رضي الله عنه في الحقيقة ،فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت فيعلي أكمل منها في غيره : من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم فإن علياً رضي الله عنه كان يفضلهم ويقر بإمامتهم . فتبين أنهم مبغضون لعلي قطعاً . علي رضي الله عنه أنه قال : إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه : " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " إن كان محفوظاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلمفإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه ، بل محبتهم من جنس محبة اليهود لموسى والنصارى لعيسى ، بل الرافضة تبغض نعوت علي وصفاته ، كما تبغض اليهود والنصارى نعوت موسى وعيسى ، فإنهم يبغضون من أقر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانا مقرين بها صلى الله عليهم أجمعين . وهكذا كل من أحب شيخاًعلى أنه موصوف بصفات ولم يكن كذلك في نفس الأمر ، كمن اعتقد في شيخ أنه يشفع في مريديه يوم القيامة ، وأنه يرزقه وينصره ويفرج عنه الكربات ويجيبه في الضرورات ، كما اعتقد أن عنده خزائن الله ، أو أنه يعلم الغيب أو أنه ملك ، وهو ليس كذلك في نفس الأمر فقد أحب ما لا حقيقة له. وقول علي رضي الله عنه في هذا الحديث : لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ، ليس من خصائصه ، بل قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار " وقال " لا يبغض الأنصار رجل مؤمن بالله واليوم الآخر " وقال " لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق . وفي الحديث الصحيح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين ، قال : فلا تجد مؤمناً إلا يحبني وأمي . وهذا مما يبين به الفرق بين هذا الحديث وبين الحديث الذي روي عن ابن عمر :" ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علياً "فإن هذا مما يعلم كل عالم أنه كذب ، لأن النفاق له علامات كثيرة وأسباب متعددة غير بغض علي ، فكيف لا يكون على النفاق علامة إلا بغض علي ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " آية النفاق بغض الأنصار " وقال في الحديث الصحيح : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " . وقد قال تعالى في القرآن في صفة المنافقين : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا رضوا ) ( ومنهم الذين يؤذون النبي ) ( ومنهم من عهد الله ) ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ) ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمنا ) . وذكر لهم سبحانه وتعالى في سورة براءة وغيرها من العلامات والصفات ما لا يتسع هذا الموضع لبسطه . بل لو قال : كنا نعرف المنافقين ببغض عليلكان متوجهاً كما أنهم أيضاً يعرفون ببغض الأنصار ، بل وببغض أبي بكر وعمر ، وببغض غير هؤلاء ، فإن كل من أبغض ما يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويواليه ، وأنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويواليه ، كان بغضه شعبة من شعب النفاق ،والدليل يطرد ولا ينعكس. ولهذا كان أعظم الطوائف نفاقاًالمبغضينلأبي بكر ، لأنه لم يكن فيالصحابة أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه ، ولا كان فيهم أعظم حباً للنبي صلى الله عليه وسلم منهفبغضه من أعظم آيات النفاق . ولهذا لا يوجد المنافقون في طائفة أعظم منها في مبغضيه ، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم .وإن قال قائل : فالرافضة الذين يبغضونه يظنون أنه كان عدواً للنبي صلى الله عليه وسلملما يذكر لهم من الأخبار التي تقتضي أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيتهفأبغضوه لذلك.قيل :إن كان هذا عذراً يمنع نفاق الذين يبغضونه جهلاً وتأويلاً ، فكذلك المبغضون لعليالذين اعتقدوا أنه كافر مرتد ، أو ظالم فاسق ، فأبغضوه لبغضه لدين الإسلام ، أو لما أحبه الله وأمر به من العدل ، ولا اعتقادهم أنه قتل المؤمنين بغير حق ،وأراد علواً في الأرض وفساداُ ،وكان كفرعون ونحوه ، فإن هؤلاء وإن كانوا جهالاًفليسوا بأجهل ممن اعتقد في عمر أنه فرعون هذه الأمة ، فإن لم يكن بغض أولئك لأبي بكر وعمرنفاقاً لجهلهم وتأويلهم ، فكذلك بغض هؤلاء لعلي بطريق الأولى والأحرى ، وإن كان بغض علي نفاقاً وإن كان المبغض جاهلاً متأولاًفبغض أبي بكر وعمر أولى أن يكون نفاقاً حينئذ ، وإن كان المبغض جاهلاً متأولاً ) تعليق في هذا الموضع الطريف يبين شيخ الإسلام أن الرافضةيبغضونعلياً ؟لأنهم في الحقيقة قد أحبوا شخصاً لا وجود له إلا في أذهانهم ، ولا يحبوا علياً رضي الله عنه على حقيقته الثابتة عند المؤمنين ، فهم كاليهود مع موسى ، والنصارى مع عيسى عليهما السلام . ثم بين الشيخ أن حديث علي - رضي الله عنه - : " لا يبغضني إلا منافق " ينطبق على الرافضة ، فهم منافقون لأنهم يبغضون علياً ( الحقيقي ) ، ويحبون علياً ( الوهمي ) .وهذا الحديث ليس من خصائص علي أيضاً ، فقد شاركه غيره فيه كالأنصار .ثم ذكرالشيخ أن الرافضة الذين يبغضون أبا بكر لا حجة لهم قائمة أمام الذين يبغضون علياً فما يدعونه في أبي بكر من أسباب البغض يمكن ادعاء أكثر منه في علي ، وكلاهما قد برأه الله من ذلك ، ولكن الروافض قوم لا يفقهون .فهذا من باب ( الحجج المحرجة ) كما سبق ، ولا دخل له في ( التنقص ) من بعيد أو قريب . يتبع بأذن الفرد الصمد |
الموضع الثامن : قال شيخ الإسلام :
( فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول : بأي وجه تلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها ، مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها ، ولم يكن إخراجها لمظان الفاحشة - كان لناصبي أن يقول : بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها ، وسقطت من هودجها ، وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها ؟ ........ ومعلوم أن هذا مظنة الإهانة لأهل الرجل وهتكها و سبائها وتسليط الأجانب على قهرها وإذلالها وسبها وامتهانها ، أعظم من إخراجها من منزلهابمنزلة الملكة العظيمة المبجلة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها ، ولا يهتك أحد سترها ، ولا ينظر في خدرها . ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها ، بل كان في العسكر من محارمها ، مثل عبدالله بن الزبير ابن أختها ، وخلوة ابن الزبير بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع ، وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها . وأما العسكر الذين قاتلوها ، فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب ، ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها قالت : يد من هذه ؟ أحرقها الله بالنار . فقال : أي أخية في الدنيا قبل الآخرة . فقالت : في الدنيا قبل الآخرة فأحرق بالنار بمصر . ولو قال المشنع : أنتم تقولون :إن آل الحسين سبوا لما قتل الحسين ولم يفعل بهم إلا من جنس ما فعل بعائشة حيث استولى عليها ، وردت إلى بيتها ، وأعطيت نفقتها . وكذلك آل الحسين استولى عليهم ، وردوا إلى أهليهم ، وأعطوا نفقة ، فإن كان هذا سبياً واستحلالاً للحرمة النبوية ، فعائشة قد سبيت واستحلتحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشنعون ويزعمون أن بعض أهل الشام طلب أن يسترق فاطمة بنت الحسين ، وأنها قالت : لا هاً لله حتى تكفر بديننا . وهذا إن كان وقعفالذين طلبوا من علي رضي الله عنهأن يسبي من قاتلهم من أهل الجمل وصفين ويغنموا أموالهم ، أعظم جرماً من هؤلاء ، وكان في ذلك لو سبوا عائشة وغيرها . ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من علي كانوا متدينين به مصرين عليه ، إلى أن خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك . وذلك الذي طلب استرقاقفاطمة بنت الحسين واحد مجهول لا شوكة له ولا حجة ، ولا فعل هذا تديناً ، ولما منعه سلطان من ذلك امتنع ، فكان المستحلون لدماء المؤمنين وحرمهم وأموالهم وحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكرعلي أعظم منهم فيعسكر بني أمية ، وهذا متفق عليه بين الناس ، فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي رضي الله عنه هم شر من شرار عسكر معاوية رضي الله عنه . ولهذا أمر النبي صلى الله علية وسلم بقتالهم وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهموالرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل ،وأقرب إلى الكفر والنفاق ، لكنهم أعجز منهم وأذل ، وكلا الطائفتين من عسكر علي ، وبهذا وأمثاله ضعف علي وعجز عن مقاومة من كان يإزائه . والمقصود هذا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبيرينقلب بما هو أعظم منه في حق علي ، فإن أجابوا عن ذلك بأن علياًكان مجتهداً فيما فعل ، وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير .قيل : نعم ، وطلحة والزبير كانا مجتهدين ، وعلي - وإن كان أفضل منهما - لكن لم يبلغ فعلهما بعائشة رضي الله عنها ما بلغ فعل علي ، فعلي أعظم قدراً منهما ، ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً ، ففعل علي أعظم ذنباً ، فتقاوم كبر القدر وعظم الذنب . فإن قالوا : هما أحوجاعلياً إلى ذلك ، لأنهما أتيا بها ، فما فعله علي مضاف إليهما لا إلى علي .قيل : هكذا معاوية لما قيل له : قد قتل عمار ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " تقتلك الفئة الباغية " قال : أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا . فإن كانت هذه الحجة مردودة ، فحجة من احتج بأن طلحة و والزبير هما فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانة عسكر علي لها ، واستيلائهم عليها - مردودة أيضاً . وإن قبلت هذه الحجة قبلت حجة معاوية رضي الله عنه . والرافضة وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فساد قولهم وتناقضهم ، فإنه إن احتج بنظيرها عليهم فسد قولهم المنقوض بنظيرها ، وإن لم يحتج بنظيرها بطلت هي في نفسها ، لأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين ، ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، أن الله لا يهدي القوم الظالمين . وجماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير ، فضلاً عن معاوية وغيره ، ويقولون : إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت معه ، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " فهؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه ، فعلم أنهم كانوا أولى بالحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه . لكن أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ، ويعطون كل ذي حق حقه . تعليق في هذا الموضع يقابل شيخ الإسلام بين حجج الرافضة في ذم طلحة والزبير - رضي الله عنهما - وحجج النواصبفي ذم علي -رضي الله عنه -ويبين أنه ما من شبهة يقيمها الروافض على ذم طلحة والزبير إلا و للنواصب أشد منها ، وهذا من قبيل ( الحجج المحرجة ) كما سبق . وليس من قبيل التنقص ، وإنما ساق الشيخ ( هذيان ) النواصب لدفع (هذيان ) الروافض .وتأمل ما خط بالأسود مما يدل على مقدار محبته وتعظيمه لعلي - رضي الله عنه - وإنزاله في منزلته التي أرادها الله له . ثم تأمل قوله في الأخير : ( أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ويعطون كل ذي حق حقه ) . الموضع التاسع : قال شيخ الإسلام : ( قالوا ومعاوية أيضاً كان خيراً من كثير ممن استنابه علي ، فلم يكن يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة ، فإن علياً استناب زياد بن أبيه ، وقد أشاروا على علي بتولية معاوية . قالوا : يا أمير المؤمنين توليه شهراً واعزله دهراً . ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة ، إما لا استحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي ، وولى أبا سفيان ، ومعاوية خير منه ، فولى من هو خير من علي من هو دون معاوية . فإذا قيل : إن علياً كان مجتهداً في ذلك . قيل : وعثمان كان مجتهداً فيما فعل . وأين الاجتهاد في تخصيص بعض الناس بولاية أو إمارة أو مال ، من الاجتهاد في سفك المسلمين بعضهم دماء بعض ، حتى ذل المؤمنين وعجزوا عن مقاومة الكفار ، حتى طمعوا فيهم وفي الاستيلاء عليهم ؟ ولا ريب أنه لو لم يكن قتال ، بل كان معاوية مقيماً على سياسة رعيته ، وعلي مقيماً على سياسة رعيته ، لم يكن في ذلك من الشر أعظم مما حصل بالاقتتال ، فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ولم يجتمعوا على إمام ، بل سفكت الدماء ، وقويت العداوة والبغضاء ، وضعفت الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق ، وهي طائفة علي ، وصاروا يطلبون من الطائفة الأخرى من المسالمة ما كانت تطلبه ابتداء . ومعلوم أن الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته ، يحصل به من الخير أعظم مما يحصل بعدمه ، وهنا لم يحصل بالاقتتال مصلحة ، بل كان الأمر مع عدم القتال خيراً وأصلح منه بعد القتال ، وكان علي وعسكره أكثر وأقوى ، ومعاوية وأصحابه أقرب إلى موافقته ومسالمته ومصالحته ، فإذا كان مثل هذا الاجتهاد مغفوراً لصاحبه ، فاجتهادعثمانأن يكون مغفوراً أولى وأحرى . وأما معاوية وأعوانه فيقولون : إنما قاتلنا علياً قتال دفع عن أنفسنا وبلادنا ، فإنه بدأنا بالقتال فدفعناه بالقتال ولم نبتدئه بذلك ولا اعتدينا عليه . فإذا قيل لهم : هو الإمام الذي كانت تجب طاعته عليكم ومبايعته وأن لا تشقوا عصا المسلمين .قالوا ما نعلم أنه إمام تجب طاعته ، لأن ذلك عند الشيعة إنما يعلم بالنص ، ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بإمامته ووجوب طاعته . ولا ريب أن عذرهم في هذا ظاهر ، فإنه لو قدر أن النص الجلي الذي تدعيه الإمامية حق ، فإن هذا قد كتم وأخفى في زمن أبي بكر وأصحابه مثل ذلك لو كان حقا ، فكيف إذا كان باطلاً ؟ ) تعليق في هذا الموضع يمارس الشيخ رحمه الله موهبته في ضرب شبهات الروافضبشبهات النواصبلتسقط الشبهتان ويبقي منهج أهل السنة المعتدل .فهو يحرج الرافضة بأن جميع ما يقولونه في عثمان أو معاوية هو لازم لعلي ، لا مناص من ذلك .وكما سبق : ليس هذا من قبيل التنقص ، ولكن من قبيل إسقاط شبهات الطرفين ،ليبقى أهل الوسط وهم أهل السنة ظاهرين . الموضع العاشر : قال شيخ الإسلام : ( ثم يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالتلكم النواصب : علي قد استحل دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " وقال : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " فيكون علي كافراً لذلك - لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم ، لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة . وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان مريداً للعلو في الأرض والفساد . وهذا حال فرعون . والله تعالى يقول : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين ) ، فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة . وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة ، فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله ، لا على طاعته . فإن الزكاة فرض عليهم ، فقاتلهم على الإقرار بها ، وعلى أدائها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو). ( وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه كانوا ممتنعين عن طاعةرسول الله صلى الله عليه وسلم والإقرار بما جاء به ، فلهذا كانوا مرتدين ، بخلاف من أقر بذلكولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام ، فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم : يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وقالوا : نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علي رضي الله عنه ، لما علينا في ذلك من الضرر ، فأين هؤلاء من هؤلاء ؟ ) تعليق هذا الموضع - أيضاً - هو من قبيل التضييق على الروافض وأنهم إن طعنوا في أبي بكر - رضي الله عنه - بشبهات لا غية فسيوجد غيرهم من النواصب ممن يطعن في علي - رضي الله عنه- بشبهات أخرى لا غية ، فمهما ألصقوا بأبي بكر تهمة من التهمفسيندرج ذلك على علي أيضاً ولن يستطيعوا أن يدفعوا ذلك عنه إلا بأن يدفعوا شبهاتهم عن أبي بكر ، فهم في حرج وضيق يرتدعون معه عن التعرض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمأدنى تعرض . الموضع الحادي عشر : قال شيخ الإسلام :( اجتماع الناس على مبايعة أبي بكر كانت على قولكم أكمل ، وأنتم وغيركم تقولون : إن علياً تخلف عنها مدة . فيلزم على قولكم أن يكون علي مستكبراً عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماماً ، فيلزم حينئذ كفر علي بمقتضى حجتكم ، أو بطلانها في نفسها . وكفر علي باطل ، فلزم بطلانها ) تعليق الروافض يزعمون أن معاوية - رضي الله عنه -قد استكبر عن طاعة علي رضي الله عنه ، فلهذا هو شر من إبليس الذي استكبر على آدم فيجيبهم شيخ الإسلام دافعاً هذه الفرية عن معاوية بأن هذا يلزم علياً كما يلزم معاوية ،فإن علياً قد تأخر عن مبايعة أبي بكر بالخلافة عدة أشهر فيلزم من هذا على قولكم أنه قد استكبر عن طاعته فيلزم من ذلك اللوازم الشنيعة التي ألزمتم بها معاوية . فإذا لم تلتزموا ذلك ، فالحجة من أصلها باطلة ، فإذا بطلت في حق علي فهي باطلة في حق معاوية سواء بسواء ؟ فهذا الموضع يبين موهبة شيخ الإسلام في إفحام الخصوم وإحراجهم بالحجة المنعكسةالتي تجعلهم يقولون : اللهم سلم ، سلم ؟ الموضع الثاني عشر : قال شيخ الإسلام : ( إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ، والأحاديث التي ذكره هذا وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور ، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم ، هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ، فإن هذه الأحاديث التي ذكرهاأكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة علي ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ، بل وليست من خصائصه ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره ، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ، فإن كثير منها خصائص لهما ، لا سيما فضائل أبي بكر ، فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره . وأما ما ذكره من المطاعن ، فلا يمكن أن يوجه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وجه على علي ما هو مثله أو أعظم منه . فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ،ونحن نبين ذلك تفصيلاً . وأما قوله : " إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزهه المخالف والموافق ، وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته " فيقال : هذا كذب بين ، فإن علياً رضي الله عنه لم ينزهه المخالفون ، بل القادحون في علي طوائف متعددة ، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ، فإن الخوارج متفقون على كفره ، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته ، بل هم - والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين - خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثنى عشرية ، الذين اعتقدوه إماماً معصوماً . وأبو بكر وعمر وعثمانليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة ،والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما ،و المروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم ، ويقولون : إنه لم يكن خليفةيوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال مع هذا : إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلافالخلفاء الثلاثة ؟ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ، وأن القادحين في عليحتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ،وهم أعلم من الرافضة وأدين ،
والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً ،
فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها ، ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم . والذين قدحوا في علي رضي الله عنه وجعلوه كافراً وظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام ، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة ، كالغالية الذين يدعون إلهيته من النصيرية وغيرهم ، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيرية ، وكالغالية الذين يدعون نبوته ، فإن هؤلاء مرتدون كفرهم بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام ، فمن اعتقد في بشر الإلهية ، أو اعتقد بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، أو أنه لم يكن نبياً بل كان علي هو النبي دونه وإنما غلط جبريل، فهذه المقالات ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة . بخلاف من يكفر علياً ويلعنه من الخوارج ، وممن قاتله ولعنهمن أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإن هؤلاء كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه : يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويصومون رمضان ، ويحجون البيت العتيق ، ويحرمون ما حرم الله ورسوله ، وليس فيهم كفر ظاهر ، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم ، وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام ، فكيف يدعى مع هذا أن جميع المخالفين نزهوه دون الثلاثة ؟ بل إذا اعتبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون علياً ، وجد هؤلاء خيراً من أولئك من وجوه متعددة ، فالمنزهون لعثمان القادحون في علي أعظم وأدين وأفضل من المنزهين لعلي القادحين في عثمان كالزيدية مثلاً .فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذموه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان ، ولو تخلى أهل السنة عن موالاة علي رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته ، لم يكن في المتولين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية و المروانية ، فإن هؤلاء طوائف كثيرة ) تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على مقولة الرافضيبأن علياً قد نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الراشدين الثلاثة ، فبين رحمه الله أن علياً قد خالفه أقوام وطعنوا فيه ولم يتفقوا عليه كما يزعم الرافضي . ثم عقد مقارنة بين الذين غلوا فيه وبين الذين طعنوا فيهووضح أن الأخرين أفضل من الأولين فمتابعتهم وتصديق شبهاتهم أولى من متابعة وتصديق الروافض ، ولكن الله نزه أهل السنة وحماها من سلوك مسلك الطائفتين ، فحفظتلعلي حقه وعرفت فضله ، فلم تغل فيه أو تجف عنه . وتأمل - أخي القارئ - ما خط بالأسود في نهاية الموضع تجد أن شيخ الإسلام - بذكائه الواسع - قد أخبرنا بأن أهل السنةهم المدافعون حقاً عن علي رضي الله عنه أمام أعدائه ، بخلاف الروافض الذين سيعجزون عن مقاومةالنواصب الشانئين له ، لأنه ما من مطعن للروافض على الخلفاء الثلاثة إلا و النواصب أشد منه وأعظم في علي . أما أهل السنة فإنهم يترضون عن الجميع ويتعاملون كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . يتبع بأذن الله |
الموضع الثالث عشر
قال شيخ الإسلام : عن علي رضي الله عنه :( وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر : هذا بإبراهيم وعيسى ، وهذا بنوح وموسى ، فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد ، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيهعلي ، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة . وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه ، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص . وكذلك قوله : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال : فتطاولنا ، فقال : ادعوا لي علياً ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ، ففتح الله على يديه" وهذا الحديث أصح ما روي لعلي من الفضائل ، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه . وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي ، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي ، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله ، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه ، بل قد يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلمشهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ، فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك ، لكن هذا باطل ، فإن الله ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافراً ) ( وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين ، كما شركوه في حديث الكساء ، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة ، بل يشركه فيه المرأة والصبي ، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة ، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو عشر ، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين ، والحسن أكبر منه بنحو سنة ، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين : والنساء والأنفس ، فيدعو الواحد من أولئك : أبناؤه ونساءه ، وأخص الرجال به نسباً . وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسباً ، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده ، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه ، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به ، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ، ولهذا خصهم في حديث الكساء . والدعاء لهم و المباهلة مبناها على العدل ، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبهم ، وهم يخافون عليهم مالا يخافون على الأجانب ، ولهذا امتنعوا عن المباهلة ، لعلمهم بأنه على الحق ، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين إليهم ، بل قد يحذر الإنسان على ولده مالا يحذره على نفسه . الى هنا اتمنىمن الزميل ابوعبيدة ان يركز ويقراءجيدا حتى يتبين له ماشتبه عليه في الشيخ ابن تيمية ووضع له تسائل في توقيعه يستنكر على الشيخ معرفته بعقيدة الخارجي عبد الرحمن ابن ملجم المرادي لاأعلم ان غيرتوقيعك ام لا ايها الزميل لكن ركزوقراءجيدا عسا لله يهديك فإن قيل : فإذا كان ما صح م فضائل علي رضي الله عنه ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " ، وقوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " ، وقوله : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " ليس من خصائصه ، بل له فيه شركاء ، فلماذا تمنى بعض الصحابة أن يكون له ذلك ، كما روى عن سعد وعن عمر ؟ فالجواب : أن في ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطناً وظاهراً ، وإثباتاً لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له . وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه ، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم " وهؤلاء يكفرونه ويستحلون قتله ، ولهذا قتله واحد منهم ، وهو عبدالرحمن بن ملجم المرادي ، مع كونه كان من أعبد الناس . هل زالت الغشاوةمن قلبك وعقلك يابو عبيدة بعد ان قرأت كيف علم الشيخ بعقيدة الخارجي عبدالرحمن بن ملجم نكمل كلام شيخنا قدس الله روحه ...:) وأهل العلم والسنة يحتاجون إلى إثبات إيمان علي وعدله ودينه للرد على هؤلاء ، أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة ، فإن هؤلاء أصدق وأدين ، والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة ، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى ، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه بهاليهود من أنه كاذب ولد زنا ،وإلى ما تدعيه النصارى من الإلهية ، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى ، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها ، وإنما يجيبهم عنها المسلمون ، كما أن للنواصب شبهاً لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها ، وإنما يجيبهم عنها أهل السنة . فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمانعلي باطناً وظاهراً رد على هؤلاء ، وإن لم يكن ذلك من خصائصه ، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطناً وظاهراً ، فإن فيها ردا على من ينازع في ذلكمن الروافض والخوارج ، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم ، وإذا شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة ، أو دعا له بدعاء ، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير ، وكان تعيينه لذلك المعين من أعظم فضائله ومناقبه ). تعليق في هذا الموضع يبين شيخ الإسلام قضية سبق توضيحها في المقدمة وهي أن الفضائل الثابتة لعلي رضي الله عنه هي فضائل مشتركة بينه وبين غيره ولم ينفرد بشئ منها ، وفي هذا رد على الروافض الذين سيستغلون مثل هذه الفضائل في ادعاء عصمته أو أحقيته بالخلافة أو نحو ذلك من الغلو . ثم وضح - رحمه الله - أن هذه الفضائل الثابتة له فيها أعظم الرد على النواصب الذين يبغضونه ، فهي سلاح بيد أهل السنة يقطعون به شبهاتهم . ففي فضائله الثابتة رد على الطائفتين الخائبتين : رد على الروافض لأنها مشتركة ورد على النواصبلأنها ثابتة . وتقرير الحقائق ليس فيه أي تنقص لعلي رضي الله عنه . الموضع الرابع عشر : قال شيخ الإسلام : ( استعانةعلي برعيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانةأبي بكر ، وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له . فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه ، كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك . وكانوا إذا أمرهم أطاعوه . وعلي رضي الله عنه لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن ، ثم رأى أن يبعن ، فقال له قاضيه عبيدة السلماني : رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة . وكان يقول : اقضوا كما كنتم تقضون ، فإني أكره الخلاف ، حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي . وكانت رعيته كثيرة المعصية له ، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه ، ثم يتبين له أن الصواب كان معهم . كما أشار عليه الحسن بأمور ، مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة ، وأن لا يخرج إلى الكوفة ، وأن لا يقاتل بصفين ، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية ، وغير ذلك من الأمور . وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنظم لعلي رضي الله عنهم . فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية ، وكانوا هم ورعيتهم أفضل . وإن كان لكمال المتولي وحده ، فهو أبلغ في فضلهم . وإن كان ذلك لفرط نقص رعيه علي ، كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر رضي الله عنه وعمر وعثمان . ورعيته هم الذين قاتلوا معه ، وأقروا بإمامته . ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم . فإذا كان المقرونبإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي ، لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه. وأيضاً فقد انتظمت السياسة لمعاوية ما لم تنظم لعلي ، فيلزم أن تكون رعية معاوية خيراً من رعية علي ، ورعية معاوية شيعة عثمان ، وفيهم النواصب المبغضون لعلي ، فتكون شيعة عثمان و النواصب أفضل من شيعة علي ، فيلزم على كل تقدير : إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي : ، وإما أن تكون شيعة عثمان و النواصب أفضل من شيعة علي و الروافض . وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة ، فإنهم يدعون أن علياً أكمل من الثلاثة ، وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة ، فضلاً عن أصحاب معاوية . والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي . فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة - على رأيهم - أعظم اضطراباً وأقل انتظاماً من الإمام الناقص والرعية الناقصة ؟ بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم ؟ ولم يكن في أصحاب على من العلم والدين والشجاعة والكرم ، إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة .فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين . ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع هو دونه أولى وأحرى . فعلم أنهم شر وأنقص من غيرهم ) تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على طعن الرافضي في أبي بكر بأنه قد احتاج إلى رعيته في قوله : " إن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني "قال الرافضي : ( وكيف يجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه ، مع أن الرعية تحتاج إليه ؟ )فأجابه الشيخ بما سبق ، وهو أن استعانة علي برعيته أكثر من استعانة أبي بكر ، فإذا لم تجز إمامة أبي بكر بزعمكم ، لم تجز إمامة علي . ثم بين عكس هذا الذي يزعمه الرافضي من خلال الواقع التاريخي ، فقرر أن خلافة أبي بكر بل عمر وعثمان ومعاوية كانت السياسة فيها منتظمة أكثر مما انتظمت في عهد علي ، فإذا لم تجز إمامتهم وهم كذلك ، فإمامة علي غير جائزة على قولكم . وتقرير الحقائق الثابتة للرد على الغلاة ليس فيه أي تنقص من علي - رضي الله عنه - كما سبق . الموضع الخامس عشر : ( قال الرافضي : " وأحرق الفجاءة السلمي بالنار ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحراق بالنار " ) فقال شيخ الإسلام : ( الجواب : أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكروأنه قد ثبت في الصحيح أن علياً أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة ، فحرقهم بالنار، فبلغ ذلك أبن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار ،لنهي النبي صلى لله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ، ولضربت أعناقهم ،لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه : . فبلغ ذلك علياً ، فقال : ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات .فعلي حرق جماعة بالنار .فإن كان ما فعله أبو بكرمنكراً ، ففعل علي أنكر منه ، وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة ، فأبوبكر أولى أن لا ينكر عليه ) تعليق في هذا الموضع - وقد مر مثله كثير - يقلب شيخ الإسلام شبهة الروافض على رؤؤسهم ليجعلهم يطلبون النجاة من هذا المأزق الذي ورطوا به أنفسهم بجهلهم . ولم يكذب شيخ الإسلام على علي في هذا الموضع وإنما أبرز للروافض هذه الحادثة الثابتة ليفحمهم بها ، وهي اجتهاد من إمام المسلمين في زمانه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لا يذم بفعله . الموضع السادس عشر : قال الرافضي طاعناً في أبي بكر رضي الله عنه :( وأهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حده حيث قتل مالك بن نويرة ، وكان مسلماً ، وتزوج امرأته في ليلة قتله وضاجعها ، وأشار عليه عمر بقتله فلم يفعل ) قال شيخ الإسلام : ( والجواب : أن يقال : أولاً إن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة ، كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي ، فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة ، وهو خليفة المسلمين ، وقد قتل مظلوماً شهيداً بلا تأويل مسوغ لقتله ، وعلي لم يقتل قتلته ، وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي ، فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان ، فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى ، وإن لم يكن لأبي بكر عذرفي ذلك فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان .وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار علىأبي بكر في هذه القضية الصغيرة ، وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي ، فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم .
وإذا قال القائل : علي كان معذوراً في ترك قتل قتلة عثمان ، لأن شروط الاستيفاء لم توجد : إما لعدم العلم بأعيان القتلة ، وإما لعجزه عن القوملكونهم ذوي شوكة ، ونحو ذلك . قيل : فشروط الاستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة ، وقتل قاتل الهرمزان ، لوجود الشبهة في ذلك ، والحدود تدرأ بالشبهات . وإذا قالوا : عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد ، وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر .قيل : وطلحة و الزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان ، مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود ، أقام عليهم حجة سلموا لها : إما لظهور الحق معه ، وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد. وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود ، جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد علم ،وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفينفإذا كان في هذا اجتهاد سائغ ، ففي ذلك أولى .وإن قالوا : عثمان كان مباح الدم . قيل لهم : فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان ، بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا . وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم . وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى . ومن قال : أن عثمان كان مباح الدم ، لم يمكنه أن يجعل علياً معصوم الدم ، ولا الحسين ، فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين . وعثمان أبعد عن موجبات القتل من علي والحسين . وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة علي والحسين ، فإن عثمان لم يقتل مسلماً ، ولا قاتل أحداً على ولايته ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلاً ، فإن وجب أن يقال : من قتل خلقاً من المسلمين على ولايته إنه معصوم الدم ، وإنه مجتهد فيما فعله ، فلأن يقال : عثمان معصوم الدم ، وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات بطريق الأولى والأحرى . ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك ابن نويرة : إنه كان معصوم الدم وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة. وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس و قتادة أن هذه الآية : قوله تعالى : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصحبته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك . وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً . فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى . وقد تقدم ما ذكره هذا الرافضي من فعل خالد ببني جذيمة ، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله ، فيكف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا يقتله ؟ لكن من كان متبعاً لهواه أعماه عن أبتاع الهدى. وقوله : إن عمر أشار بقتله .فيقال : غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد ، كان رأي أبي بكر فيها أن لا يقتل خالداً ، وكان رأي عمر فيها قتله ، وليس عمر بأعلم من أبي بكر : لا عند السنة ولا عند الشيعة ، ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر ، ولم يظهر بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح ، فيكف يجوز أن يجعل مثل هذا عيباً لأبي بكر إلا من هو من أقل الناس علماً وديناً ؟ وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتلخالد . وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثبوته .ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم .والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ، وقد حاضت بعد الدخول حيضة . هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ،فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق . ومعلوم أن خالداُ قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ،وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم ، وفي الآخر بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم . وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجهلا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله ) تعليق في هذا الموضع يجيب شيخ الإسلام على شبهة أخرى من شبهات الروافض في الطعن على أبي بكر بأنه لم يقتل خالداً لقتله مالك بن نويرة ، فبين الشيخ أن هذا قد وقع مثله أو أعظم منه لعلي رضي الله عنه حيث لم يقتل قتلة عثمان ، وهو - أي عثمان - ( خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة ) فإذا لمتم أبا بكر فلوموا علياً . الذي تتهمه النواصب بمثل اتهامكم لأبي بكر ، وأما عند أهل السنة فلا لوم على الاثنين لأن لكل منهما عذره المقبول . وتقرير الثابت ليس فيه أي تنقص لعلي - رضي الله عنه - . الموضع السابع عشر : قال شيخ الإسلام : ( وأما علي رضي الله عنه فإن أهل السنة يحبونه ويتولونه ، ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، لكن نصف رعيته يطعنون في عدله ، فالخوارج يكفرونه ، وغير الخوارج من أهل بيته وغير أهل بيته يقولون : إنه لم ينصفهم ،وشيعة عثمان يقولون : إنه ممن ظلم عثمان .وبالجملة لم يظهر لعلي من العدل ، مع كثرة الرعية وانتشارها ، ما ظهر لعمر ، ولا قريب منه . وعمر لم يول أحداً من أقاربه ، وعلي ولى أقاربه ، كما ولى عثمان أقاربه . وعمر مع هذا يخاف أن يكون ظلمهم ، فهو أعدل وأخوف من الله من علي . فهذا مما يدل على أنه أفضل من علي . وعمر ، مع رضا رعيته عنه ، يخاف أن يكون ظلمهم ، وعلي يشكون من رعيته وتظلمهم ، ويدعو عليهم ويقول : إني أبغضهم ويبغضوني وسئمتهم وسئموني . اللم فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرا مني . فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟ ) تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على طعن الرافضةفي عمر وأحقيته بالخلافة ، وقد قال قبله عن الرافضة بأنها ( لما غلت في علي جعلت ذنب عمر كونه تولى ، وجعلوا يطلبون له ما يتبين به ظلمه ، فلم يمكنهم ذلك ) لأنه ما من شبهة لهم ضده إلا و للنواصب مثلها ضد علي ، ففي هذا إلزام لهم بأن يحفظوا ألسنتهم ولا يطلقوها في عرض عمر ، لأنهم سيقابلون بالمثل من النواصب .وأما أهل السنة فيردون ( غلو ) الروافض ( بجفاء ) النواصب . وليس في هذا أي تنقص لعلي - رضي الله عنه - . الموضع الثامن عشر : قال شيخ الإسلام : راداً قول الرافضي بأن فاطمة قد دعت على عمر لأنه ظلمها ، فسلط الله عليه أبا لؤلؤة المجوسي حتى قتله .( والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر ، كان ذلك دعاء له لا عليه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه بنحو ذلك ، كقوله : " يغفر الله لفلان "فيقولون : لو أمتعتنا به وكان إذا دعا لأحد بذلك استشهد .ولو قال قائل : إن علياً ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم ، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا . وكذلك لو قال إن آل سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فعل به ) تعليق هذا رد مفحم يشابه الردود السابقة ، وهو مقابلة شبهات أهل الرفض بضدها ،فما قالوه في غير علي ، قد يقوله غيرهم في علي ، فالأولى بهم أن يصمتوا عن تلفيق الأكاذيب . وليس في هذا أي تنقص - كما سبق - بل هو من قبيل الحجج ( المحرجة ). الموضع التاسع عشر : قال شيخ الإسلام : متابعاً ردوده على طعن الرافضي بعمر - رضي الله عنه - :( وأما قول الرافضي : " وعطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة " . فالجواب : أن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة ، وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود . ومن قال بالقول الآخر لم ينازع في أن هذه مسألة اجتهاد . وقد تقدم أن ما يرد على علي بتعطيل إقامة القصاص والحدود على قتلة عثمان أعظم فإذا كان القادح في علي مبطلاً ، فالقادح في عمر أولى بالبطلان ) تعليق ونحن نعلم ، كما أن الشيخ يعلم ، أن هذا القدح باطل في عمر وفي علي رضي الله عنهما ، ولكنه ذكر هذا للتضييق على الرافضة ، ومقابلة شبهتهم بما يكسرها من شبه غيرهم . الموضع العشرون : قال شيخ الإسلام: متابعاً ردوده على الرافضي في اتهامه عمر بأنه يجهل السنة :( وعلي رضي الله عنه قد خفي عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلمأضعاف ذلك ، تعليق قد علمنا أن الروافض إذا أبغضت أحداً تقولت عليه الأقاويل ،واتهمته بما ليس تهمة عند العقلاء ، ومنه هذا الموضع ، وهو أن عمر قد تخفى عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس في هذا أي مطعن أو نقص فيه رضي الله عنه ، لأن أحداً لا يدعي بأنه قد أحاط بجميع مسائل الدين جليلها ودقيقها .فبين لهم الشيخ أن ما تقولونه في عمر هو حاصللعلي من خلال الوقائع الثابتة ، فإن طعنتم في عمر فاطعنوا في علي ، وهذا من قبيل إفحام الخصم كما سبق . الموضع الحادي والعشرون : قال شيخ الإسلام: متابعاً رده على طعونالرافضي في عمر رضي الله عنه بأنه قد قال بالرأي ؟ ( فإن كان القول بالرأي ذنباً فذنب غير عمر - كعلي وغيره - أعظم ، فإن ذنب من استحل دماء المسلمين برأي ، هو ذنب أعظم من ذنب من حكم في قضية جزئية برأيه ، وإن كان منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ ، فعمر رضي الله عنه أسعد بالصواب من غيره ، فإن الصواب في رأيه أكثر منه في رأي غيره ، والخطأ في رأي غيره أكثر منه في رأيه ، وإن كان الرأي كله صواب ، فالصواب الذي مصلحته أعظم هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته دون ذلك ، وآراء عمر رضي الله عنه كانت مصالحها أعظم للمسلمين ) تعليق كما سبق معنا كثيراً ، فهذا الموضع من قبيل مقابلة الشبهة بشبهة تدحضهاثم تتساقط الشبهتان سوياً ويبقى الرأي الصحيح .وقد علمنا في المقدمة أن هذا من الجوانب التي بداء فيها شيخ الإسلام من سواه من العلماء ، فكما أن الشبهة الساقطة ليس فيها أي تنقص من الفاضل فليس فيها أي تنقص من المفضول . الموضع الثاني والعشرون :قال شيخ الإسلام: راداً على الرافضي قوله بأن عثمان قد صدرت منه من الأفعال ما توجب عدم أحقيته بالخلافة ، وأن عمر قد أخطأ في اختياره مع أصحاب الشورى .( وأين إيثار بعض الناس بولاية أو مال ، من كون الأمة يسفك بعضها دماء بعض وتشتغل بذلك عن مصلحة دينها ودنياها حتى يطمع الكفار في بلاد المسلمين ؟ وأين اجتماع المسلمين وفتح بلاد الأعداء من الفرقة والفتنة بين المسلمين ، وعجزهم عن الأعداء حتى يأخذوا بعض بلادهم أو بعض أوالهم قهراً أو صلحاً) تعليق يبين هنا شيخ الإسلام أن ما حصل في عهد عثمانمن خير للأمة واستقرار لأفرادها وتوسع في الفتوح الإسلامية لم يحصل مثله في عهد علي ، وهذه حقيقة لا ينازع فيها من له أدنى علم بالتاريخ ، ففيها أعظم الرد على مزاعم الرافضة فيعثمان والأخطاء التي قد حصلت في عهده
فإن أصررتم على ذلك فقولوا مثلها فيعلي ،
لأنه قد حدث في عهده ما هو أعظم من ذلك . وقد مر معنا كثيراً أن هذا من قبيل مقابلة الحجج المتهافتة بعضها ببعض ليخرج من بينها الرأي الصائب سليماً معافى . الموضع الثالث والعشرون :قال شيخ الإسلام: راداً طعون الروافض في عثمان - رضي الله عنه - :( نواب علي خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه ، وقد صنف الناس كتباً فيمن ولاه عليفأخذ المال وخانه ، وفيمن تركه وذهب إلى معاوية ، وقد ولى علي رضي الله عنهزياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، وولى الأشتر النخعي ، وولى محمد بن أبي بكر وأمثال هؤلاء . ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان خيراً من هؤلاء كلهم .ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن علياً كان أبلغ فيه من عثمان . فيقولون : إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية . ومعلوم أن علياً ولى أقاربه من قبل أبيه وأمه ، كعبد الله وعبيد الله ابن العباس . فولى عبيد الله بن عباس على اليمن ، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس . وأما المدينة فقيل إنه ولى عليها سهل بن حنيف . وقيل ثمامة بن العباس . وأما البصرة فولى عليها عبدالله بن عباس . وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره ) تعليق هذا أيضاً من مقابلة الشبهة بالشبهة ، فما قلتم في عثمان فقولوه في علي ، لأنهما قد تشابها في الفعل ، ولكنكم قوم لا تعدلون . وقد برأ الله علياً رضي الله عنه كما برأ عثمان رضي الله عنه . يتبع باذن الله |
==========
الموضع الرابع والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( والمقصود هنا أن ما يعتذر به عن علي فيما أنكر عليه يعتذر بأقوى منه عنعثمان ، فإن عليا قاتل على الولاية ، وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ، ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير ، وقد ولى من أقاربه من ولاه ، فولاية الأقارب مشتركة ، ونواب عثمان كانوا أطوع من نواب علي , وأبعد عن الشر . وأما الأموال التي تأول فيها عثمان ، فكما تأول علي في الدماء ، وأمر الدماء أخطر وأعظم ) تعليق وهذا الموضع كسابقه في رد الطعون عن عثمان ، فإن ما اتهمتموه به قد حصل من علي مثله أو أعظم منه - على حد زعمكم - فقولوا فيه ما قلتم في عثمان إن كنتم صادقين . وأما أهل السنة فيوالون الاثنين ، ويقيمون لهم العذر فيما صنعوا . الموضع الخامس والعشرون : قال شيخ الإسلام : ( ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه وقاتل طلحة والزبير . لقيل له : علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه ، فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين وهو ظالم لهم. كذلك عثمان فيمن أقام عليه حداً أو تعزيراً هو أولى بالعلم والعدل منهم . وإذا وجب الذب عن عليلمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك ، فالذب عن عثمان لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى ) تعليق يبين شيخ الإسلام هنا أن أهل السنة كما يدافعون عن علي رضي الله عنه -في حروبه ، فكذلك يدافعون عن عثمان في أفعاله ،وليسوا كالرافضة التي لا ترى عثمان إلا بعين السخط : وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ... ... ... كما أن عين السخط تبدي المساويا الموضع السادس والعشرون : قال شيخ الإسلام :( وكذلك أحمد بن حنبل جوز التعريف بالأمصار ، واحتج بأن ابن عباس فعله بالبصرة . وكان ذلك في خلافة علي : وكان ابن عباس نائبه بالبصرة : فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء يتبعون علياُ فيما سنه ، كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ، وآخرون من العلماء ، كمالك وغيره ، لا يتبعون علياً فيما سنه ، وكلهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه ،فإن جاز القدح في عمر وعثمان فيما سناه وهذا حاله ، فلأن يقدح في عليبما سنه - وهذا حاله بطريق الأولى . وإن قيل : بأن ما فعله علي سائغ لا يقدح فيه ، لأنه باجتهاده ، أو لأنه سنة يتبع فيه ، فلأن يكون ما فعله عمر وعثمان كذلك بطريق الأولى ) تعليق وهذه كسوابقها من قبيل ( قلب الحجة ) على الخصم وقد مر مثلها كثير . الموضع السابع والعشرون : قال شيخ الإسلام : ( نحن لا ننكر أن عثمان رضي الله عنه كان يحب بني أمية ، وكان يواليهم ويعطيهم أموالاً كثيرة . وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء ، الذين ليس لهم غرض ،كما أننا لا ننكر أن علياً ولى أقاربه ، وقاتل وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون ويصلون ، لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع ، ومنهم من كان قتالهمن مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم . وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال . والشر الذين حصل في الدماء بين الأمة أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال . فإذا كنا نتولى علياًونحبه ، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله ، مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان ، وجرى في خلافة عثمان من الخير ما لم يجر مثله في خلافته ، فلأن نتولى عثمان ونحبه ، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة بطريق الأولى ). تعليق تأمل رأي شيخ الإسلام الواضح في أفعال علي رضي الله عنه وقتاله لغيره وهي قسمان : الأول : من قاتلهم بالنص والإجماع كالخوارجفالحق لا شك معه . الثاني : من قاتلهم بالاجتهاد ، فلا مأخذ عليه . فهو رحمه الله يبرئ علياًفي جميع أفعاله التي قد يستغلها النواصب في الطعن فيه . ثم يقول بأننا إذا برأنا علياً من ذلك كله وهو في أمر الدماء وهي عظيمة عند الله ، أفلا نبرئ عثمان مما أخذتموه عليه ، وهي من أمور المال ، وأمره أسهل من الدماء فهل يعقل الرافضة هذه الحجة القوية ؟ الموضع الثامن والعشرون : قال شيخ الإسلام : ( ولم يكن لعلي اختصاص بنصرالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمثاله ، ولا عرف موطن احتاج النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلى معونة علي وحده ، ولا باليد ولا باللسان ، ولا كان إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعتهم له لأجل علي ، بسبب دعوة علي لهم ، وغير ذلك من الأسباب الخاصة ، كما كان هارون مع موسى ، فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جداً ويهابون موسى ، وكان هارون يتألفهم . والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون علياً ، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه . فكيف يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إليه ، كما احتاج موسى إلى هارون ؟ وهذا أبو بكر الصديق أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة : عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، و عبدالرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة ، ولم يعلم أنه أسلم على يد علي وعثمان وغيرهما أحدمن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ) . تعليق واضح من هذا الموضع أن شيخ الإسلام كما يفضل أبا بكر على علي كذلك يفضله على عثمان ، وهذا هو منهج أهل السنة . فهل يقول عاقل بأنه يتنقص عثمان ؟ أم أنه أنزله في منزله الذي يستحقه دون غلو فيه ، أو تفضيله على من هو أفضل منه ، وما يصدق على عثمان يصدق على علي . الموضع التاسع والعشرون :قال شيخ الإسلام : ( لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع ، فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ،
فيكون هو الإمام.
فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه . يقول الله : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصحبه لا تحزن إن الله معنا ) . ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعاً ، بخلاف الوقاية بالنفس ، فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وهذا واجب على كل مؤمن ، ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة . والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات .يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن علياً أوذي في مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلى الله عليه وسلم : تارة بالضرب ، وتارة بالجرح ، وتارة بالقتل ، فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ . وقد قال العلماء : ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة ، شاركه فيها غيره ، بخلاف الصديق ، فإن كثيراً م فضائله - وأكثرها - خصائص له ، لا يشركه فيهاغيره . وهذا مبسوط في موضعه ) تعليق تزعم الرافضة أن علياً يستحق الإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ثبت له من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد غيره ، ومنها أنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، فبين لهم شيخ الإسلام أن وقاية النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة له ولغيره ، بخلاف فضائل أبي بكر التي اختص بها ، ومنها مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته . فعلى قولكم يكون هو الإمام . الموضع الثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( وأبو بكر وعمر رضي الله عنهماقد أبغضهما وسبهما الرافضة و النصيرية والغالية والإسماعيلية . ولكن معلوم أن الذين أحبوهم أفضل وأكثر ، وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل ، بخلاف علي ، فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين أبغضوا أبا بكر وعمر ، بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون علياً ، وإن كانوا مبتدعين ظالمين ، فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان أنقص منهم علماً وديناً ، وأكثر جهلاً وظلماً . فعلم أن المودة جعلت للثلاثة أعظم . وإذا قيل : علي قد ادعيت فيه الإلهية والنبوة . قيل : قد كفرته الخوارج كلها ، وأبغضته المروانية ،وهؤلاء خير من الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فضلاً عن الغالية ) . تعليق يرد شيخ الإسلام هنا على زعم الرافضة بأن آية : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحت سيجعل لهم الرحمن ودا ) نزلت في علي رضي الله عنه ، وأن ألله قد جعل له في قلوب المؤمنين مودة فبين شيخ الإسلام بأن هذا من أكاذيب الرافضة وأن المودة التي كانت للخلفاء الثلاثة أكثر من المودة التي كانت له في قلوب المؤمنين ، حيث خالفه ونازعه أناس مؤمنون ، بخلاف غيره فإن الذين أبغضوهم كانوا أبعد عن الإسلام من الأولينوتقرير الحقائق ليس فيه أي تنقص لعلي ، لأن الهدفدفع فرية الرافضة على غيره من أجلاء الصحابة . الموضع الحادي والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( إن علياً لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر ، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر ، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه إلا وكان بغضهم لعمر أشد ) . تعليق قد سبق مثل هذا الكلام في الموضع الثامن ، وهو منقبيل رد اتهامات الروافض لعمر - رضي الله عنه - . |
الله يبارك فيك وفي كل من تناقل هذا الموضوع فقد نفعني الله به |
الموضع الثاني والثلاثون قال شيخ الإسلام : ( ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمركان أشد عداوةللكفار والمنافقين من علي ، وأن تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثيرعلي ، وأن الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون علياً . ولهذا كان الذي قتل عمر كافراً يبغض دين الإسلام ، ويبغض الرسول وأمته ، فقتله بغضاً للرسول ودينه وأمته . والذي قتل علياً كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ، وقتله معتقداً أن الله ورسوله يحب قتل علي ، وفعل ذلك محبة الله ورسوله - في زعمه - وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً . والمقصود أن النفاق في بغض عمر أظهر منه في بغض علي .ولهذا لما كان الرافضة من أعظم الطوائف نفاقاً كانوا يسمون عمر فرعون الأمة . وكانوا يوالون أبا لؤلؤة - قاتله الله - الذي هو من أكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ورسوله ) تعليق هذا الموضع مثل الذي قبله . الموضع الثالث والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد علي ، فإن أبا بكركان موسراً ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نفعني مال كمال أبي بكر " وعلي كان فقيراً ، وأبو بكر أعظم جهاداً بنفسه ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى ). تعليق قد عرفنا طريقة شيخ الإسلام في مواجهة اتهام الروافضللخلفاء الثلاثة ،وهي أنه يحرجهم بأن ما حصل منهم من خير كان أكثر مما حصل من علي ، وهذا لا خلاف فيه عند أهل السنة ، ويشهد له الواقع التاريخي ، وإبراز هذا الشيء من الشيخ هو لهدف إسقاط شبهة الرافضة بتفضيل علي عليهم . ومن المعلوم للجميع أن أبا بكر كان أكثر إنفاقاً على الدعوة الإسلامية أكثرمن علي ، لأن أبا بكر كان موسراُ ، وأما علي فكان فقيراً ، وفي هذا عذر له عند أهل العقول الصحيحة التي لم تختلق له الأكاذيب . الموضع الرابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( وعمر قد وافق ربه في عدة أمور ، يقول شيئاً وينزل القرآن بموافقته . قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : ( و أتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ، وقال إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب . وقال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات ، فنزلت كذلك . وأمثال ذلك . وهذا كله ثابت في الصحيح .وهذا أعظم من تصويب علي في مسألة واحدة . وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد ، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، فليس ها هنا فضيلة اختص بها علي ، حتى يقال : أن هذا لم يثبت لغيره ) . تعليق قد مر معنا أن شيخ الإسلام يركز على تقرير حقيقة مهمة تنقض أصول الروافض ، وهي أن جميع الفضائل الثابتة لعلي هي مشتركة بينه وبين غيره ،فلهذا لا يحق للرافضةأن تجعل من هذه الفضائل المشتركةوسيلة إلى بيان أحقيته بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ،لأنهم إن قالوا بهذا ، فسيأتي غيرهم ممن ينازعهم ويدعي لغيره هذا الحق ، ممن شاركوه في الفضائل . وهذا الموضع هو مثال للحقيقة السابقة . الموضع الخامس والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( وبالجملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره ، لكثير من المهاجرين والأنصار فيه من الفضيلة ما ليس لعلي ، فإنه لم يكن له مال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) تعليق قد سبق مثل هذا . الموضع السادس والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( إنه لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن ، إلا ولغيره من الصحابة مثله ، ولبعضهمآثار أعظم من آثاره . وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل ، وأما من يأخذ بنقل الكذابين وأحاديث الطرقية ، فباب الكذب مفتوح ، وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جآءه ) ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلى الله عليه وسلمتسع مغاز ، و المغازي كلها بضع وعشرون غزاة ، وأما السرايا فقد قيل : إنها تبلغ سبعين . ومجموع من قتل من الكفار في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون ألفاً أو أكثر أو أقل ، ولم يقتل عليمنهم عشرهم ولا نصف عشرهم ، وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها . وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشهد شيئاً من الفتوحات ، لا هو ، ولا عثمان ، ولا طلحة ، ولا الزبيرإلا أن يخرجوا مععمر حين خرج إلى الشام . وأما الزبير فقد شهد فتح مصر ، وسعد شهد فتح القادسية ، وأبو عبيدة فتح الشام . فكيف يكون تأييد الرسول بواحد منأصحابه دون سائرهم والحال هذه ؟ وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان ؟ وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويوم أحد نحو سبعمائة ، ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريباُ من ذلك ، ويوم بيعة الرضوان ألفاً وأربعمائة ، وهم الذين شهدوا فتح خبير ، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف ، ويوم حنين كانوا اثني عشر ألفاً : تلك العشرة ، والطلقاء ألفان . وأما تبوك فلا يحصى من شهدها، بل كانوا أكثر من ثلاثين ألفاً . وأما حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه ، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها ، وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيده الله بهم ،بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى ) تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على ادعاء الروافض بأن علياً هو الذي أيد الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه وغزواته دون غيره من الصحابة ؟ الموضع السابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام : ( وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله ، ولكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء ، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام ،والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء ، فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ، الذين قضوا بالحق ، وبه كانوا يعدلون . وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم ، فيجعلهم كفاراً أو فساقاً ظلمة ، ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم ، فيجعله الله أو شريكاً لله ، أو شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الإمام المعصوم الذين لا يؤمن إلا من جعله معصوماً منصوصاً عليه ، ومن خرج عن هذا فهو كافرويجعل الكفار المرتدين الذين قاتلهم أولئككانوا مسلمين ، ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس ، ويصومون شهر رمضان ،ويحجون البيت ، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفاراً لأجل قتال هؤلاء . فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام ، عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان ) تعليق هذا الموضع سبق نقله عند تقدير موقف شيخ الإسلام من علي رضي الله ومن الروافض ، وهو من أهم المواضع ، لأنه يبين حقيقة موقف الشيخ من علي رضي الله عنه ، وأنه يحبه ويجعله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، ولكنه لا يغلو فيه كغلوالرافضة فيفضله على الثلاثة . الموضع الثامن والثلاثون : قال شيخ الإسلام: عن تسلسل الخلافة بين الخلفاء الراشدين : ( ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته ، والذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد ، ولم يختلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة. وأما علي وسائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه ، لكنه تخلف فإنه كان يريد الإمرة لنفسه ، رضي الله عنهم أجمعين . ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين ، ولم يقاتل المسلمين ، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة ، وأخذ يزيد الإسلام فتوحاً ، وشرع في قتال فارس والروم ، وماتوالمسلمون محاصرو دمشق ، وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يستأثر عنهم بشيء ، ولا أمر له قرابة . ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ، ففتح الأمصار ، وقهر الكفار ، وأعز أهل الإيمان ، وأذل أهل النفاق والعدوان ، ونشر الإسلام والدين ، وبسط العدل في العالمين ،ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين ، ومصر الأمصار للمسلمين ، وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يتلوث لهم بمال ، ولا ولى أحداً من أقاربه ولاية ، فهذا أمر يعرفه كل أحد . وأما عثمان فإنه بنى على أمر قد استقرقلبه بسكينة وحلم ، وهدى ورحمة وكرمولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته ، ولا فيه كمال عدله وزهده ، فطمع فيه بعض الطٌمع ، وتوسعوا في الدنيا ، وأدخل من أقاربه في الولاية والمال ، ودخلت بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه ، (فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا ،وضعف خوفهم من الله ومنه ، ومن ضعفه هو ، وما حصل م أقاربه في الولاية والمال ما أوجب الفتنة ، حتى قتل مظلوماً شهيداً.) وتولى علي على إثر ، ذلك والفتنة قائمة ، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان ، والله يعلم براءته مما نسبه إليهالكاذبون عليه ، والمبغضون له كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه ، المبغضون لغيره من الصحابة ، فإن علياً لم يعن على قتلعثمان ولا رضي به ، كما ثبت عنه - وهو الصادق - أنه قال ذلك ، فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظن أنه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلا شدة ، وجانبه إلا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلا قوة ، والأمة إلا افتراقاً ، حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله ، كما كان في أول الأمر يطلب منه الكف . وضعفت خلافة النبوة ضعفاً أوجب أن تصير ملكا ، فأقامها معاوية ملكاً برحمة وحلم ، كما في الحديث المأثور : " تكون نبوة ورحمة ، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم تكون ملك ورحمة ثم يكون ملك " ولم يتول أحد من الملوك خيراً من معاوية ، فهو خير ملوك الإسلام ، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده ، وعلي آخر الخلفاء الراشدين ، الذين هم ولايتهم خلافة نبوية ورحمة ، وكل من الخلفاء الأربعةرضي الله عنهميشهد له بأنه أفضل أولياء الله المتقين ، بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد النبيين ، لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر وعمر : إنهما كانا ظالمين متعديين طالبين للرئاسة مانعين للحقوق ، وأنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة ، وأنهما - ومن أعانهما - ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول ، وإنهم منعوا أهل البيت ميراثهم ، وإنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة والولاية الباطلة ، مع ما قد عرف من سيرتهما - كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا لهو أولى بمن قاتل عليها حتى غلب ، وسفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه ، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا ، ولا قوتل في خلافته كافر ، ولا فرح مسلم ، فإن علياً لا يفرح بالفتنة بين المسلمين ، وشيعته لم تفرح بها ، لأنها لم تغلب ، والذين قاتلوه لم يزالوا أيضاً في كرب وشدة . وإذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج ، مع ظهور هذه الشبهة ،فلأن ندفع من يقدح في أبي بكر وعمر بطريق الأولى والأحرى . وإن جاز أن يظنبأبي بكرفإذا ضرب مثل هذا وهذابإمامي مسجد ، وشيخي مكان ، أو مدرسي مدرسة -كانت العقول كلها تقول : إن هذا أبعد عن طلب الرئاسة ، وأقرب إلى قصد الدين والخير . فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصداً للحق والدين ، وغير مريد علوا في الأرض ولا فساداً ، فظن ذلك بأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أولى وأحرى . وإن ظن ظان بأبي بكر أنه كان يريد العلو في الأرض والفساد ، فهذا الظن بعليأجدر وأولى .أما أن يقال :أن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد ، وعليلم يكن يريد علوا في الأرض ولا فساداً ،مع ظهور السيرتين - فهذا مكابرة ، وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك ، بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرةأبي بكر أفضل .ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي أحالوا على ما لم يعرف ، وقالوا: ثم نص على خلافته كتم ، وثم عداوة باطنة لم تظهر ، بسببها منع حقه.ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة ، وأما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس ، ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها ، فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس ، وهو من جنس الكفار وأهل الباطل ، وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الأخر . ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين ، فكيف بالظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ؟ فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاصأن أبا بكر كان أبعد عن إرادة العلو والفساد منعمر وعثمان وعلي ، فضلاً عن علي وحده ، وأنه كان أولى بإرادة وجه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة ) تعليق في هذا الموضع الطويل يعيد شيخ الإسلام ما سبق أن قرره كثيراً ، وهو أن الرافضة إذا طعنت في الخلفاء الثلاثة ، فسيطعن الخوارج و النواصب في علي بمثل طعنهم ، فالأولى بالطائفتين أن تلزما منهج أهل السنة والجماعة الذي يحب الخلفاء الأربعة جميعاً ، ويحفظ جهادهم ، ويحمل ما حصل من بعضهم من اجتهادات على المحمل الحسن ، لأنهم قوم قد زكاهم الله وأثنى عليهم . |
الموضع التاسع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وبالجملة فلا بد من كمال حال أبي بكر وعمر وأتباعهما ، فالنقص الذي حصل في خلافة علي ( فلا بد ) من إضافة ذلك : وإما إلى الإمام ، وإما إلى أتباعه ، وإما إلى المجموع . وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبو بكر وعمر وأتباعهما أفضل من علي وأتباعه ، فإنه كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه ، وإن كان من أتباعه كان المقرون بإمامتهما أفضلمن المقرين بإمامته ، فتكون أهل السنة أفضل من الشيعة ، وذلك يستلزم كونهما أفضل منه ، لأن ما امتاز به الأفضل أفضل مما امتاز به المفضول . وهذا بين لمن تدبره ، فإن الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهموقاتلوا معهم ، هم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، فإن أولئك فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه . وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما توفي منهم أو قتل في حياته قليل منهم . والذين بايعوا علياًكان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايعأبا بكر وعمر وعثمان . وأما سائرهم فمنهم من لم يبايعه ولم يقاتل معه ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، وأمثال هؤلاء من السابقين ، والذين اتبعوهم بإحسان .ومنهم من قاتله ، كالذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية من السابقين والتابعين . وإذا كان الذين بايعواالثلاثة وقاتلوا معهم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، لزم أن يكون كل من الثلاثة أفضل ، لأن علياً كان موجوداً على عهد الثلاثة ، فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره ، كما تقوله الرافضة ، أو كان أفضل وأحق بها ، كما يقوله من يقوله من الشيعة ،لكان أفضل الخلق قد عدلوا عما أمرهم الله به ورسوله به إلى ما لم يؤمروا به ، بل ما نهو عنه ، وكان الذين بايعوا علياً وقاتلوا معهفعلوا ما أمروا به . ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان أفضل ممن تركه وفعل ما نهى الله عنه ورسوله ، فلزم لو كان قول الشيعة حقاً أن يكون أتباع علي أفضل . وإذا كانوا هم أفضل وإمامهم أفضل من الثلاثة ، لزم أن يكون ما فعلوه من الخير أفضل مما فعله الثلاثة .وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار ، الذي تواترت به الأخبار ، وعلمته البوادي والحضار ، فإنه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه ، وانتشاره ونموه ، وانتصاره ، وعزه ، وقمع المرتدين ، وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم - ما لم يجر بعدهم مثله . وعلي رضي الله عنهفضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة وفضائله العديدة ، لا بما جرى في زمن خلافته من الحوادثبخلاف أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنهم فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة ، بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله ، وإنفاق كنوز كسرى وقيصر، وغير ذلك من الحوادث المشكورة ، والأعمال المبرورة . وكان أبو بكر وعمر أفضل سيرة وأشرف سريرة من عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين . فلهذا كانا أبعد عن الملاموأولى بالثناء العام ، حتى لم يقع في زمنهما شيء من الفتن ، فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ، ولا سيف مشهور ، بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار ، وأهل الإيمان في إقبال ، وأهل الكفر في إدبار ) تعليق قد تكرر مثل هذا الموضع ، وهو من زيادة التفصيل لمنهج شيخ الإسلام - الذي عرفناه - في مواجهة شبه الرافضة . الموضع الأربعون : قال شيخ الإسلام : ( وأيضاً فعليتعلم من أبي بكر بعض السنة ، وأبو بكر لم يتعلم من علي شيئاً .ومما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعلياً ، كعلقمة والأسود و شريح وغيرهم ، كانوا يرجحون قول عمر على قول علي . وأما تابعوا المدينة ومكة والبصرة ، فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يذكر ،وإنما ظهر علم علي وفقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته ،وكل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر ، لا في فقه ولا علم ولا دين ، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر ، إلا من كان ينكر عليه ويذمه ، مع قتلهم وحقارتهم وخمولهم ) . تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على شبهة الرافضةفي ادعاء أحقية علي بالخلافة لأنه أعلم من غيره ، فيثبت الشيخ عكس ذلك . الموضع الحادي والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( ومما يبين ذلك أن علياً لم يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة فيتبين له الأمر بخلاف ما ظن ،ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم ، فإنه كان لو لم يقاتل أعز وانتصر ، وكان أكثر الناس معه ، وأكثر البلاد تحت ولايته ، فلما قاتلهم ضعف أمره ، حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في طاعته ، مثل مصر واليمن ، وكان الحجاز دولاً. ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكما لم يحكمهما . ولو علم أن أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه ، لم يول من يوافق على عزله ، ولا من خذله الحكم الآخر ) . تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على غلو الرافضة في ادعائهم أن علياًيعلم المستقبلات ؟ويوضح لهؤلاء الجهلة خطأ ذلك من خلال ما ثبت تاريخياً عنه - رضي الله عنه - . الموضع الثاني والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( وأما الطريق النظرية فقد ذكر من ذكره من العلماء ، فقالوا : عثمان كان أعلم بالقرآن ، وعلي أعلم بالسنة ، وعثمان أعظم جهاداً بماله ، وعلي أعظم جهاداً بنفسه ، وعثمان أزهد في الرياسة ، وعلي أزهد في المال ، وعثمان أورع عن الدماء ، وعلي أورع عن الأموال ، وعثمان حصل له من جهاد نفسه حيث صبر عن القتال ولم يقاتل ما لم يحصل مثله لعلي . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله " . وسيرة عثمان في الولاية كانت أكمل من سيرة علي ، فقالوا : فثبتأن عثمان أفضل ، لأن القرآن أعظم من علم السنة . وفي صحيح مسلم - وغيره - أنه قال : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة " . وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب ، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة . وعلي قد اختلف فيه : هل حفظ القرآن كله أم لا ؟ والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس ، كما في قوله تعالى : ( وجهدوا بأمولكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم ) الآية ، وقوله : ( الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم ) الآية ، وقوله : ( إن الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا بأمولهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أوليآء بعض ) . وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم ، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله ، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة ، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد . ولهذا أكثر القادرين على القتال يهون على أحدهم أن يقاتل ، ولا يهون عليه إخراج ماله ، ومعلوم أنهم كلهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، لكن منهم من كان جهاده بالمال أعظم، ومنهم من كان جهاده بالنفس أعظم . وأيضاً فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الهجرة إلى أرض الحبشة ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الذهاب إلى مكة يوم صلح الحديبية ما لم يحصل مثله لعلي ، وإنما بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان لما بلغه أن المشركين قتلواعثمان ، وبايع بإحدى يديه عن عثمان، وهذا من أعظم الفضل ، حيث بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الزهد والورع في الرياسة والمال ، فلا ريب أن عثمان تولى ثنتا عشرة سنة ، ثم قصد الخارجون عليه قتله ، وحصروه وهو خليفة الأرض ، والمسلمون كلهم رعيته ، وهو مع هذا لم يقتل مسلماً ، ولا دفع عن نفسه بقتال ، بل صبر حتى قتل . لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء ما لا يعطيه لغيرهم ، وحصل منه نوع توسع في الأموال ، وهو رضي الله عنه ما فعله إلا متأولاً فيه ، له اجتهاد وافقه عليه جماعة من الفقهاء ،منهم من يقول : إن ما أعطاه الله للنبي من الخمس والفيء هو لمن يتولى الأمر بعده ،كما هو قول أبي ثور وغيره ، ومنهم من يقول : ذوو القربى المذكورون في القرآن هم ذوو قربى الإمام .ومنهم من يقول : الإمام العامل على الصدقات يأخذ منها مع الغنى . وهذه كانت مأخذ عثمان رضي الله عنه ، كما هو منقول عنه . فما فعله هو نوع تأويل يراه طائفة من العلماء . وعلي رضي الله عنه لم يخص أحداً من أقاربه بعطاء ، ولكن ابتداء بالقتال لمن لم يكن مبتدئاً له بالقتال ، حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين ، وإن كان ما فعله هو متأول فيه تأويلات وافقه عليه طائفة من العلماء .وقالوا : أن هؤلاء بغاة ، والله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله : ( فقتلوا التي تبغي ) . تعليق في هذا الموضع يرد الشيخ على مزاعم الرافضة وطعونهم في عثمان رضي الله عنه وأنه قد حصلت منه أمور استوجبت عدم أحقيته بالخلافة ، فبين لهم الشيخ أن ما اتهمتموه بهفقد حدث أعظم منه - على رأيكم - من علي - رضي الله عنه - ، فلماذا لا تتهمونه أيضاً ؟وفي هذا إسكات للرافضة عن قول الإثم . الموضع الثالث والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( ما ذكره من فضائله التي هي عند الله فضائل ، فهي حق . لكن للثلاثة ما هو أكمل منها . وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة ، فعنه أجوبة : أحدها : أن هذا ليس هو عند الله فضيلة ، فلا عبرة به ، فإن العباس أقرب منه نسباً ، وحمزةمن السابقين الأولين من المهاجرين ، وقد روي أنه " سيد الشهداء " وهو أقرب نسباً منه. وللنبي صلى الله عليه وسلم من بني العم عدد كثير ، كجعفر ، وعقيل ، و عبدالله ، وعبيد الله ، والفضل ، وغيرهم من بني العباس،وكربيعة ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب . وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر ، ولا من أهل بيعة الرضوان ، ولا من السابقين الأولين ،إلا من تقدم بسابقته ، كحمزة وجعفر ، فإن هذين - رضي الله عنهما - من السابقين الأولين . وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر .وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه ،مع أن هؤلاء لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف ، ولكن ذكر ما هو كذب ، كالحديث الذي رواه أخطب خوارزم : أنه لما تزوج علي بفاطمة زوجه الله إياها من فوق سبع سموات ، وكان الخاطب جبريل ، وكان إسرافيل و ميكائيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً .وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث . وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة . الثاني : إن يقال إن كان إيمان الأقارب فضيلة ، فأبو بكر متقدم في هذه الفضيلة . فإن أباه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الناس ، وأبو طالب لم يؤمن .وكذلك أمه آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأولاده ، وأولاد أولاده ، وليس هذا لأحد من الصحابة غيره . فليس في أقارب أبي بكر - ذرية أبي قحافة - لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته ، وكانت أحب أزوجه إليه . وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابةإلا عمر ، ولكن لم تكن حفصة ابنته بمنزلة عائشة ، بل حفصة طلقها ثم راجعها ، وعائشة كان يقسم لها ليلتين ، لما وهبتها سودة ليلتها . ومصاهرةأبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كانت على وجه لا يشاركه في أحد ، وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان ، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتاً بعد بنت ، وقال : " لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان " ولهذا سمي ذو النورين : زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته زينب وحمد ومصاهرته ) . تعليق في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على زعم الرافضة بأن علياً أحق بالخلافة لأنه قريب للنبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم أن هذا ثابت لغيره من الصحابة فلماذا لا تدعون ذلك فيهم ؟ الموضع الرابع والأربعون :قال شيخ الإسلام : ( وأما كون صبي من الصبيان قبل النبوةسجد لصنم أو لم يسجد ؟ فهو لم يعرف . فلا يمكن الجزم بأن علياً أو الزبير ونحوهما لم يسجدوا لصنم ، كما أنه ليس معنا نقل بثبوت ذلك ، بل ولا معنا نقل معين عن أحد من الثلاثة أنه سجد لصنم . بل هذا يقال لأن من عادة قريش قبل الإسلام أن يسجدوا للأصنام ، وحينئذ فهذا ممكن في الصبيان ، كما هو العادة في مثل ذلك ) . تعليق يرد شيخ الإسلام في هذا الموضع على زعم الرافضةبأن علياً أفضل من الثلاثة لأنه لم يسجد لصنم فبين لهم الشيخ بأن هذا لم يثبت بطريق صحيح ، كما أنه لم يثبت أن أحداً من الخلفاء الثلاثة سجد لصنم ، فلماذا التفضيل بالكذب ؟ |
الموضع الخامس والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( الذين أنكروا على علي وقاتلوه أكثر بكثير من الذين أنكروا على عثمان وقتلوه ، فإن علياً قاتله بقدر الذين قتلوا عثمان أضعافاً مضاعفة ، وقطعه كثير من عسكره : خرجوا عليه وكفروه ، وقالوا : أنت ارتددت عن الإسلام ، لا نرجع إلى طاعتك حتى تعود إلى الإسلام .ثم إن أحداً من هؤلاء قتله قتل مستحل لقتله ، متقرب إلى الله بقتله ، معتقداً فيه أقبح مما اعتقده قتلة عثمان فيه . فإن الذين خرجوا على عثمان لم يكونوا مظهرين لكفره ، وإنما كانوا يدعون الظلم ، وأما الخوارج لكانوا يجهرون بكفر علي ، وهم أكثر من السرية التي قدمت المدينة لحصار عثمان حتى قتل . فإن كان هذا حجة في القدح في عثمان ، كان ذلك حجة في القدح في علي بطريق الأولى . والتحقيق أن كليهما حجة باطلة ، لكن القادح في عثمان بمن قتله أدحض حجة من القادح في علي بمن قاتله ،فإن المخالفين لعلي المقاتلين له كانوا أضعاف المقاتلين لعثمان ،بل الذين قاتلوا علياً كانوا أفضل بإتفاق المسلمين من الذين حاصروا عثمان وقتلوه ، وكان في المقاتلين لعلي أهل زهد وعبادة ، ولم يكن قتله عثمان لا في الديانة ولا في إظهار تكفيره مثلهم . ومع هذا فعلي خليفة راشد ، والذين استحلوا دمه ظالمون معتدون ، فعثمان أولى بذلك من علي ) . تعليق في هذا الموضع يدافع شيخ الإسلام عن عثمان - رضي الله عنه - ويبين فضله على علي كما هو منهج أهل السنة ، لا كما تدعي الرافضة . الموضع السادس والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " . وقوله في غزوة تبوك : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . ومنها دخوله لي المباهلة وفي الكساء ، ومنها قوله : " أنت مني وأنا منك " . وليس في شيء من ذلك خصائص . وحديث " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " ومنها ما تقدم من حديث الشورى ، وإخبار عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد و عبدالرحمن . فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث ، ليس فيها ما يختص به . ولأبي بكر في الصحاح نحو عشرين حديثاًأكثرها خصائص .وقول من قال : صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره ، كذلك لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث ، لكن قد يقال : روي له ما لم يرو لغيره ، لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه . ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة ، خير من عشرين دليلاً مقدماتها ضعيفة ، بل باطلة ، وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها . والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق ، لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها، فإن لو أحصى الزمان الذي كان يجتمع في أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والزمان الذي كان يجتمع به فيه عثمان أو علي أو غيرهما من الصحابة ، لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به واحد منهم ، لا أقول ضعفه . وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد . وأما كمال معرفته ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه له ، فهو مبرز في ذلك على سائرهم تبريزاً باينهم فيه مباينة لا تخفى من كان له معرفة بأحوال القوم ، ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته . وأما نفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاونته له على الدين فكذلك . فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها ، التي بها يستحق الصحابة أن يفضلوا بها على غيرهم ، لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد. ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء ، قال كنت جالساً عندالنبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما صاحبكم فقد غامر فسلم ) . وقال : إن كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ، ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال : ( يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثلاثاً . ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر ، فسأل : أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه ، وقال : يا رسول الله ، واللهأنا كنت أظلم .مرتين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت . وقال أبو بكر : صدق . وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " مرتين . فما أوذي بعدها ) . تعليق في هذا الموضع يبين شيخ الإسلام فضل أبي بكر على غيره من الصحابة - ومنهم علي - ، وأن له من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد ،بخلاف علي ، وقد مر مثل هذا . الموضع السابع والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( قوله : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) وهذه لأبي بكر ودون علي ، لأن أبا بكر كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الإيمان أن هداه الله به ، وتلك النعمة لا يجزى بها الخلق ، بل أجر الرسول فيها على الله ،كما قال تعالى : ( قل ما أسألكم عليه من أجر ومآ أنا من المتكلفين ) ، وقال ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله ) . وأما النعمة التي يجزى بها الخلق فهي نعمة الدنيا ، وأبو بكر لم تكن للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الدنيا ، بل نعمة دين ، بخلاف علي ، فإنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة دنيا يمكن أن تجزى . الثالث :أن الصديق لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب يواليه لأجله، ويخرج ماله ، إلا الإيمان ، ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل القرابة ، وكان كاملاً في إخلاصه لله تعالى ، كما قال تعالى: ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ) . وكذلك خديجة كانت زوجته ، والزوجة قد تنفق ما لها على زوجها ، وإن كان دونالنبي صلى الله عليه وسلم . وعلي لو قدر أنه أنفق ، لكان على قريبه ، وهذه أسباب قد يضاف الفعل إليها بخلاف إنفاق أبي بكر ، فإنه لم يكن له سبب إلا الإيمان بالله وحده ، فكان من أحق المتقين بتحقيق قوله : ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) . تعليق يرد شيخ الإسلام في هذا الموضع على زعم الرافضيبأن آية ( وسيجنبها الأتقى ).. الآية لم تنزل في أبي بكر ، ثم وضح أن أبا بكر - رضي الله عنه - له من بذل المال في سبيل الدعوة ما ليسلعلي - رضي الله عنه - ، وقد مر مثل هذا الموضع . الموضع الثامن والأربعون : قال شيخ الإسلام : ( وأما قتال علي بيده ، فقد شاركه في ذلك سائر الصحابة الذين قاتلوا يوم بدر ،ولم يعرف أن علياً قاتل أكثر من جميع الصحابة يوم بدر ولا أحد ولا غير ذلك .ففضيلة الصديق مختصة به لم يشركه فيها غيره ، وفضيلة علي مشتركة بينه وبين سائر الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ) يقرر شيخ الإسلام هنا ما قرره في مواضع عديدة أن فضائل علي -رضي الله عنه - مشتركة بينه وبين الصحابة ، بخلاف أبي بكر - رضي الله عنه - ، فإذا قلتم بأحقية إنسان في الخلافة لتفرده في الفضائل فليس إلا أبو بكر ، وهذا ما لم تقولوا به ، فظهر تناقضكم وكذبكم . ***************** هذا واسال الله العلي العظيم أن يجزي خير الجزاء شيخنا الفوزان على ماقدمه من توضيح لمنهج شيخنا وحبيبنا ابن تيمية قدس الله روحه وجمعنا واياهم في جنات النعيم
=================
دعوى رده الأحاديث الصحيحة لتوهين كلام الشيعة د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن المبحث الرابع دعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة ومناقشتها المطلب الأول دعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة يرى المناوئون لابن تيمية - رحمه الله رحمة واسعة - أن هواه هو المقدم في الحكم على الحديث صحة وضعفاً، فيطعن فيها إذا كانت تخالف هواه ومعتقده، وإذا لم يستطع أن يطعن في سند الحديث فإنه يلجأ إلى التأويل للأحاديث الدالة على فضل علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه وآل البيت، حتى يخرجها عن معناها الذي أراده الرسول صلّى الله عليه وسلّم. يقول أحد المناوئين - لا كثرهم الله -: (هذا شأن ابن تيمية فإنه يحتج بالحديث الموضوع الذي يوافق هواه، ويحاول أن يصححه، ويضعف الأحاديث، والأخبار الثابتة المتواترة التي تخالف رأيه وعقيدته.. وهذا لا يستغرب صدوره من رجل بلع سموم الفلاسفة ومصنفاتهم)(314) . وقال آخر: (ثم إنه يتناول الأحاديث الدالة على سعة علم علي عليه السلام.. بتأويلاته الباطلة حتى يكاد يخرجها عن معناها) (315). وقال آخر: (صرح بكل جرأة ووقاحة، ولؤم ونذالة، ونفاق وجهالة أنه لم يصح في فضل علي عليه السلام حديث أصلاً، وأن ما ورد منها في الصحيحين لا يثبت له فضلاً ولا مزية على غيره)(316) . ويذكرون أمثلة للأحاديث الصحيحة التي يرون أن ابن تيمية رحمه الله قد ضعفها في رده على الشيعة منها ما يلي: 1 - حديث تحريم فاطمة وذريتها على النار (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار)(317) . 2 - حديث: (علي مع الحق، والحق يدور معه حيث دار)(318) . 3 - حديث سد الأبواب كلها إلا باب علي(319) . 4 - حديث (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون وموسى)(320) . 5 - حديث مؤاخاة علي(321) . 6 - حديث أنت مني وأنا منك(322) . 7 - حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها(323) . 8 - حديث أنت ولي كل مؤمن بعدي (324). 9 - حديث رد الشمس لعلي(325) . 10 - حديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه)(326) . 11 - حديث تصدق علي بخاتمه(327) . إلى غير ذلك من الأحاديث التي يزعمون أنها تدل على فضل علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه وأن شيخ الإسلام رحمه الله ينكرها ويردها(328) . المطلب الثاني مناقشة الدعوى يحذر ابن تيمية رحمه الله من اتباع الهوى، ويعتقد أن مبدأ أنواع الضلالات هو تقديم الهوى على الشرع، وأن أهل الأهواء أهون شيء عليهم هو الكذب المختلق، يقول رحمه الله: (فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئاً مما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو ترده لأجل هواك، أو انتصاراً لمذهبك، أو لشيخك..)(329) . ويقول: (وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه)(330) . وقال: (ومبدأ هذا من أقوال الذين يعارضون النصوص بآرائهم)(331) ، ثم نقل عن الشهرستاني(332) أن مبدأ أنواع كل الضلالات هو تقديم الرأي على النص، واختيار الهوى على الشرع(333) . وذكر عن أهل الأهواء أنهم يعتمدون على نصوص غير موثوقة وغير معتمدة، ولا يعرف لها قائل، وأن أهون شيء عندهم الكذب المختلق(334) . ويضرب مثالاً على هذه القاعدة بالرافضة وأنهم وضعوا في فضائل علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه مالا يكاد يحصى مع أن في فضائله الصحيحة ما يغني عن هذا الباطل الذي يذكرونه، يقول رحمه الله: (والمقصود هنا أنه قد كذب على علي بن أبي طالب من أنواع الكذب الذي لا يجوز نسبته إلى أقل المؤمنين)(335) . ويذكر أن الذي ينكر فضائل أهل البيت ويعاديهم هم الرافضة فيقول: (الرافضة من أعظم الناس قدحاً وطعناً في أهل البيت، وأنهم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر، ونسبوهم إلى أعظم المنكرات، التي من فعلها كان من الكفار، وليس هذا ببدع من جهل الرافضة وحماقاتهم) (336). وفي مقابل اتهام ابن تيمية رحمه الله بأنه يخالف الأحاديث الصحيحة: ينبه إلى أن الحق دائماً مع الأحاديث والآثار الصحيحة، إلا أن بعض المصنفات تجمع بين الصحيح والضعيف بل والموضوع بدون تمييز أو تمحيص، ولذا يجب التنبيه على ما فيها من أحاديث غير صحيحة، يقول رحمه الله: (وبالجملة فما اختص به كل إمام من المحاسن والفضائل كثير ليس هذا موضع استقصائه، فإن المقصود أن الحق دائماً مع سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآثاره الصحيحة)(337) . وفي مقابل اتهام ابن تيمية رحمه الله برد الأحاديث الصحيحة؛ لأجل هوى في نفسه؛ أو لأجل المبالغة في توهين كلام الشيعة. ينبه رحمه الله على أن الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم (338). وأما القول بأن ابن تيمية رحمه الله يرى أنه لا يصح في فضل علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه - حديث أصلاً - فهذا غير صحيح بنص كلام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: (مجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث)(339) . ومما ورد في فضله من الأحاديث قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» ، قال: فبات الناس يدوكون (340)ليلتهم أيهم يعطاها قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» ، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأُتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» (341) ومن فضائله: جعل محبته من علامات الإيمان لقوله رضي الله عنه: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)(342) . وفي بيان علو منزلة علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه عند النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع، وقد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسحه عنه ويقول: «(قم أبا تراب، قم أبا تراب» (343). وقد جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى علي وفاطمة رضي الله عنهما وقد طلبت منه فاطمة خادماً لها فقال: «ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني: إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعاً وثلاثين وتسبحا ثلاثاً وثلاثين، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم »(344) ، وغيرها من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضله(345) . يقول ابن تيمية رحمه الله عن حديث الراية: (هو أصح حديث يروى في فضله) (346). إن ابن تيمية رحمه الله من الأئمة في الحديث دراية ورواية، وهو ناقد لمتون الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما هو ناقد للأسانيد وبارع في معرفتها، وتمييز الضعيف منها عن الصحيح، ولما كان الروافض من أجهل الناس في العقليات، وأكذبهم في النقليات(347) ، ولما كانت كتبهم مليئة بالأحاديث الموضوعة التي لا إسناد لها، أو الضعاف الواهيات: لم يركز ابن تيمية رحمه الله نقده على السند، لوضوح وضعه أو ضعفه عند المشتغلين بالفن، وركز على نقد المتن، ومخالفته للنصوص الأخرى الواردة في المسألة. وقد وافق الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله ابن تيمية رحمه الله في أن معظم الأحاديث التي نقد ابن تيمية رحمه الله الرافضة فيها هي من قبيل الأحاديث الموضوعات والواهيات(348) . إن شيخ الإسلام رحمه الله كان يكتب كثيراً من مؤلفاته من حفظه، فقد لا تكون مراجعه قريبة منه إما لسفر، أو سجن أو غيره (349)، وقد اعتذر الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله - عنه لابن تيمية رحمه الله - في أخطائه على أنه يكتب من حفظه، والإنسان بشر طبيعته النسيان بقوله: (لكنه رد في رده كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها؛ لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان) (350). إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع إجماع أهل العلم على إمامته في كثير من العلوم والفنون، وتمكنه منها، لم يسلم من بعض الأوهام والأخطاء - كغيره من أهل العلم - وهذه الأوهام اليسيرة، والأخطاء القليلة لا تلغي إمامته، ولا تبعد به عن مصاف كبار العلماء المحدثين ونقاد الحديث، ولكنه نقص البشر الذي لا يسلم منه أحد. وقد نقل ابن ناصر الدين (ت - 842هـ) رحمه الله عن أحد تلامذة الشيخ قوله: (وحسب شيخنا مع اتساعه في كل العلوم إلى الغاية والنهاية، سمعاً وعقلاً، ونقلاً وبحثاً، أن يكون نادر الغلط)(351) . وأما الأحاديث المنتقدة على ابن تيمية رحمه الله التي مر ذكرها في المطلب الأول من هذا المبحث، فيحسن بي أن أبين رأي شيخ الإسلام فيها، وهل ادعاء المناوئين عليه صحيح أم هو جناية عليه؟، وذلك يتضح أثناء عرض موقف ابن تيمية رحمه الله من هذه الأحاديث. الحديث الأول : أما حديث تحريم فاطمة (ت - 11هـ) رضي الله عنها وذريتها على النار، فيقول ابن تيمية رحمه الله عنه: (الحديث الذي ذكره (352)عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عن فاطمة هو كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث - أيضاً - فإن قوله: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، يقتضي أن إحصان فرجها هو السبب لتحريم ذريتها على النار، وهذا باطل قطعاً)(353) . ويذكر مثالاً لذلك بـ سارَّة، فإنها أحصنت فرجها، ولم يحرم الله جميع ذريتها على النار، ودليل ذلك قوله - سبحانه -: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 112، 113] . وقال عزّ وجل: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 26] . ثم قال: (وفي الجملة فاللواتي أحصن فروجهن لا يحصى عددهن إلا الله عزّ وجل ومن ذريتهن البر والفاجر، والمؤمن والكافر)(354) . وينقد ابن تيمية رحمه الله المتن من جهة أخرى وهو أن إحصان فاطمة فرجها، ليس هو المزية والمنقبة لفاطمة التي فاقت فيها جمهور نساء المسلمين؛ لأن هذه الصفة يشترك معها جمع كبير من نساء المؤمنين فيقول: (وأيضاً: ففضيلة فاطمة ومزيتها ليست بمجرد إحصان فرجها، فإن هذا يشارك فيه فاطمة جمهور نساء المؤمنين، وفاطمة لم تكن سيدة نساء العالمين بهذا الوصف، بل بما هو أخص منه.. وأيضاً: فليست ذرية فاطمة كلهم محرّمين على النار، بل فيهم البر والفاجر) (355). وأما الحديث الثاني : وهو حديث دوران الحق مع علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه فقد قال ابن تيمية رحمه الله: (هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف)(356) . وقال: (وأما الحق الذي يدور مع شخص ويدور الشخص معه، فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه، ومعنى ذلك أن قوله صدق وعمله صالح، ليس المراد به أن غيره لا يكون معه شيء من الحق)(357) . وقال: (وأيضاً فالحق لا يدور مع شخص غير النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوماً كالنبي صلّى الله عليه وسلّم...) (358). وأما الحديث الثالث : وهو سد الأبواب إلا باب علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه فقد قال ابن تيمية رحمه الله: (هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: «إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر »(359) )(360) . وقال رحمه الله حين ذكر الحديث الصحيح السابق: (وأراد بعض الكذابين أن يروي لعلي مثل ذلك، والصحيح لا يعارضه الموضوع)(361) . وأما الحديث الرابع وهو حديث: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)، فقد قال عنه ابن تيمية رحمه الله: (الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب، وغيرهما، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له ذلك في غزوة تبوك)(362) . وقال رحمه الله: (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا استخلف رجلاً من أمته، وكان بالمدينة رجال من المؤمنين القادرين، وفي غزوة تبوك لم يأذن لأحد فلم يتخلف أحد إلا لعذر أو عاصي، فكان ذلك الاستخلاف ضعيفاً، فطعن به المنافقون بهذا السبب، فبين له أني لم أستخلفك لنقص عندي، فإن موسى استخلف هارون، وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى بذلك؟) (363). وكان هذا الحديث كأنه تسلية لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه حين توهم أن الاستخلاف نقص بقوله: أتخلفني مع النساء والصبيان؟، وأما من استخلفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم على المدينة غيره لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصاً لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام، وليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى(364) . وإن قيل: إن استخلافه صلّى الله عليه وسلّم لأحد يدل على أنه أفضل الصحابة بإطلاق، فيلزم من ذلك أن يكون علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه مفضولاً في عامة الغزوات، وفي عمرته وحجته، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف على رجال المؤمنين، وأما عام تبوك، فلم يكن الاستخلاف إلا على النساء والصبيان، ومن عذر الله، أو من هو متهم بنفاق (365). يقول ابن تيمية رضي الله عنه: (فبين النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الاستخلاف ليس نقصاً، ولا غضاضة، فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده، وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبياً، وأنا لا نبي بعدي، وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف..)(366) . وأما الحديث الخامس وهو حديث المؤاخاة: فيرى أنه باطل موضوع، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري، قال رحمه الله: (أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يؤاخ أحداً، ولا آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض، ولا بين الأنصار بعضهم مع بعض)(367) . وقال: (إن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يؤاخ علياً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعلي، ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب، وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري)(368) . وقال: (أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والأنصار بعضهم مع بعض كلها كذب، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يؤاخ علياً، ولا آخى بين أبي بكر وعمر، ولا بين مهاجري ومهاجري)(369) . وأما الحديث السادس ، وهو قوله: (أنت مني وأنا منك)، فيرى أن هذا الحديث صحيح، لكنه ليس خاصاً بعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه. وإنما شاركه في هذه المنقبة غيره، فأثبت صحة الحديث في مواضع متعددة (370). وأما استدلاله على أن هذه المنقبة ليست من خصائص علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه فقد ذكر حديث الأشعريين (إن الأشعريين إذا أرملوا(371) في الغزو أو نفدت نفقة عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد، ثم قسموه في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم )(372) . وقال صلّى الله عليه وسلّم لجليبيب(373) : « هذا مني وأنا منه »(374) وكل مؤمن هو من النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما قال الخليل: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم: 36] ، وقال سبحانه: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } [البقرة: 249] . وأما الحديث السابع : أنا مدينة العلم وعلي بابها فيرى ابن تيمية رحمه الله أنه في عداد الأحاديث الموضوعة، فيقول عنه: (وأما حديث أنا مدينة العلم فأضعف وأوهى، ولهذا إنما يعد في الموضوعات المكذوبات، وإن كان الترمذي قد رواه، ولهذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وبين أنه موضوع من سائر طرقه)(375) وينقد المتن فيقول: (والكذب يعرف من نفس متنه، لا يحتاج إلى النظر في إسناده، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كان مدينة العلم لم يكن لهذه المدينة إلا باب واحد، ولا يجوز أن يكون المبلغ عنه واحداً، بل يجب أن يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب.. وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل: ظنه مدحاً) (376). وقال: (ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر: فإن جميع مدائن المسلمين بلغهم العلم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غير طريق علي رضي الله عنه...)(377) . وأما الحديث الثامن : أنت ولي كل مؤمن بعدي، فقد قال ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث: (كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان... فقول القائل: علي ولي كل مؤمن بعدي: كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول: بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: والٍ على كل مؤمن) (378). وأما الحديث التاسع : وهو رد الشمس لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه فقد أطال ابن تيمية رحمه الله في بيان ضعف الحديث بل وضعه (379)، فقال عنه: (وليس هذا الحديث في شيء من كتب المسلمين التي يعتمدون على ما فيها من المنقولات لا الصحاح ولا المساند، ولا المغازي ولا السير، ولا غير ذلك، بل بين أهل العلم بالحديث أن هذا كذب، وليس له إسناد واحد صحيح متصل، بل غايته: أن يروى عمن لا يعرف صدقه، ولم يروه إلا هو، مع توفر الهمم والدواعي على نقله..)(380) . وقد أطال رحمه الله في نقد أسانيد الحديث، وبين أن كل أسانيد هذا الحديث لا تخلو من ضعف شديد: ذاكراً أحوال الرجال في كل سند من أسانيده(381) ومعقباً ذلك بذكر الاضطراب الحاصل بين الروايات المختلفة(382) . وفي نقده متن الحديث قال: (لا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها... وإن كانت الشمس احتجبت بغيم، ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ولعلهم ظنوا أنها غربت، ثم كشف الغمام عنها)(383) . وقال: (النبي صلّى الله عليه وسلّم فاتته العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس، ثم صلاها، ولم ترد عليه الشمس، وكذلك لم ترد لسليمان لما توارت بالحجاب، وقد نام النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى المشرق. وإن كان التفويت محرماً، فتفويت العصر من الكبائر، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله »(384) ، وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر، وهو قد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصحيحين لما قال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، حتى غربت الشمس، ملأ الله أجوافهم وبيوتهم ناراً» (385)، وهذا كان في الخندق، وخيبر بعد الخندق...) (386) . وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنياناً ولما يرفع سقفه، ولا آخر اشترى غنماً وهو ينتظر ولادها، قال: فغزوا، فدنا من القرية، حتى صلى العصر قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، فحُبست عليه حتى فتح الله عليه »(387). ويفرق ابن تيمية رحمه الله بين هذا الحديث، وحديث رد الشمس لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه بعدة فروق منها: أن يوشع لم تُرد له الشمس، ولكن تأخر غروبها: طُوِّل له النهار، وهذا قد لا يظهر للناس، فإن طول النهار وقصره لا يدرك، ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأيضاً: لا مانع من طول النهار، لو شاء الله لفعل ذلك، ويوشع كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأن القتال كان محرماً عليه بعد غروب الشمس؛ لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت، وأما أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه(388) . وأما الحديث العاشر: من كنت مولاه فعلي مولاه، فيرى شيخ الإسلام رحمه الله أن هذه اللفظة ليست في الصحاح، لكن هي مما رواه العلماء، وقد تنازع الناس في صحتها (389). وأما زيادة (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)، فيرى أنها كذب بلا ريب(390) ، وقد وافق في ذلك ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله في تضعيفه هذا الحديث (391). والواقع يدل على خلاف الحديث؛ فقوله: (اللهم انصر من نصره...) يدل الواقع على خلافه، فقد قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا كسعد (ت - 55هـ) رضي الله عنه الذي فتح العراق، ولم يقاتل معه، ومن جهة أخرى: أصحاب معاوية (ت - 60هـ) رضي الله عنه وبنو أمية الذين قاتلوه: فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله. وأما قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه: فهو مخالف لأصل الإسلام، فإن القرآن قد بين أن المؤمنين إخوة مع قتالهم، وبغي بعضهم على بعض(392) . وأما الحديث الحادي عشر : وهو تصدق علي بخاتمه في الصلاة: فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله، فقال: (وحديث التصدق بالخاتم بالصلاة كذب باتفاق أهل المعرفة)(393) ، وقال رحمه الله: (وقد وضع بعض الكذابين حديثاً مفترى أن هذه الآية(394) نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل) (395). ثم نقد المتن من وجوه كثيرة منها: 1 - أن قوله: (الذين) في الآية صيغة جمع، وعلي واحد. 2 - أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة، فإن في الصلاة شغلاً. 3 - لو كان إيتاء الزكاة في الصلاة حسناً لم يكن فرق بين حال الركوع، وغير حال الركوع، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن. 4 - أن عليّاً (ت - 40هـ) رضي الله عنه لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. 5 - أن عليّاً (ت - 40هـ) رضي الله عنه لم يكن له خاتم، ولا كان الصحابة يلبسون الخواتم. 6 - أن الحديث فيه أنه أعطى الخاتم للسائل، والمدح في الزكاة أن يخرجها ابتداء، ويخرجها على الفور، لا ينتظر أن يسأله سائل (396). وفي الجملة فإن الأحاديث التي يدعي المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه ضعفها تنقسم إلى أقسام: إما أحاديث صحيحة تثبت منقبة لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه، منهم من يرى أنها خاصة به، وابن تيمية يرى أنه يشركه في هذه الصفة غيره، وإما أحاديث واهية موضوعة أو ضعيفة، أو ضعفها ابن تيمية رحمه الله وهم يرون تصحيحها وإما أحاديث صحيحة وهم ابن تيمية رحمه الله في تضعيفها بسبب اعتماده في تأليفه على الحفظ - وهي قليلة جدّاً -(397) . ( نقلا عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " للدكتور عبدالله الغصن - وفقه الله ، طبع دار ابن الجوزي بالدمام ، ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب .. ). http://saaid.net/monawein/taimiah/19.htm http://saaid.net/monawein/taimiah/index.htm ---
=====================
موقف ابن حجر في ابن تيمية رحمهم الله http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2016/11/blog-post_88.html |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق