2015-11-05
شؤون خليجية – هدي التوابتي
يتعاظم دور الإمارات في اليمن كل يوم، خاصة مع اتساع رقعة تقدم المقاومة الشعبية والجيش الوطني المدعومين من التحالف العربي المشترك بقيادة السعودية، في المعارك الدائرة ضد ميليشيات الحوثي "الشيعة المسلحة" والمخلوع عبد الله صالح، ذلك النفوذ الذي بدأ بتحرير عدن وحرصت الإمارات على لعب الدور الأكبر فيه، واستطاعت تسلم إدارة المدينة أمنياً وعسكرياً بعد تحريرها.
وبحسب مراقبين، فإن أبوظبي حريصة على لعب الدور نفسه في محافظة "تعز" المحافظة الشمالية الأكبر وبوابة الشمال، للفوز بنفس النفوذ بها، فرغم اختلاف الإمارات ورفضها لتوجه المقاومة الشعبية بتعز، والممثلة في حزب الإصلاح "جماعة الإخوان المسلمين"، وما تسرب من أنباء عن تأجيلها للتحرير لأشهر خوفًا من قوة المقاومة بالمدينة، إلا أنها ومع اقتراب التحرير وضرورته قبل مفاوضات "جنيف 2"، حرصت على إرسال دفعة جديدة من قواتها للمشاركة فيه بقوة.
سعي الإمارات لتصعيد نفوذها بتعز، رغم اختلاف طبيعة المحافظة السكانية والقبلية عن طبيعة المدن الجنوبية، يثير التساؤلات حول مصير المدينة، وهل ستستطيع الإمارات السيطرة ومنع النفوذ الإصلاحي كما فعلت بعدن عندما ضغطت لإقالة محافظها الإخواني نايف البكري، الذي أصبح وزيراً للشباب؟، يعضد تلك التساؤلات أن النفوذ الإماراتي لم يتسلل للمحافظة فحسب، ولكنه تسلل لإدارة التحالف، وأدى لتسرب أنباء عن خلافات بين دول التحالف نفسها حول تحرير باقي المحافظات.
الإمارات ولغز تحرير "تعز"
ظهر الحرص الإمارات على فرض النفوذ داخل اليمن بإعلانها الأخير إرسال دفعة جديدة من قواتها المسلحة للمشاركة في مهمات التحالف، حيث أكد المحللون أن هذه القوات المذكورة ستشارك في تحرير مدينة تعز والعاصمة صنعاء.
ويبدو أن إرسال تلك القوات بعد تعطيل الإمارات لتحرير محافظة تعز المنكوبة لأشهر، يعود لسعيها لضمان نفوذها داخل اليمن، والعمل على نزع أي نفوذ أو ثقل محتمل للمقاومة الشعبية اليمنية المحسوبة على حزب الإصلاح، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين التي تناصبها الإمارات العداء، أي إعادة تطبيق سيناريو عدن، حيث استطاعت بالفعل عزل المحافظ نايف البكري المحسوب على المقاومة الشعبية، وتحييد حزب الإصلاح عن إدارة المناطق المحررة بشكل كبير.
وساهم في تدعيم تلك التحليلات مقال كتبته "ميشيل جابريل" لجريدة فورين أفيرز الأمريكية منتصف أكتوبر الماضي، والذي كشف من خلال تسريبات حصلت عليها، أن تأخر تحرير تعز سببه النفوذ الإماراتي، حيث تخشى الإمارات حال تحرير عدن وتسليح المعارضة داخلها من زيادة قوة وسيطرة المقاومة الشعبية المحسوبة على حزب الإصلاح، وأكد أن سبب التأخير بشكل أساسي يعود لانقسامات داخل التحالف العربي، وتحديدًا بسبب رفض الإمارات ومصر الأعضاء بالتحالف تسليح ودعم المقاومة بالمحافظة.
ودعم الاتهامات التي وجهتها "جابريل" للإمارات وتأثير نفوذها على حرب اليمن، ما نشرته جريدة "القدس العربي" من تصريحات لمصدر يمني أشار لدور الإمارات في تعطيل تقدم التحالف ومساندته لتحرير تعز.
وقال المصدر وفقًا للتقرير الذي نشر أغسطس الماضي: إن "سبب توقف مدرعات وآليات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية عند مثلث العند في لحج، والتراجع عن تعزيز تعز عسكريًا، وتحريرها كما كان مقررًا له، جاء بعد اعتراض إماراتي مدعوم من بريطانيا وأمريكا"، مؤكداً أن الأمريكيين والبريطانيين بإيعاز إماراتي منعوا الجيش الوطني الذي ساهم في تحرير عدن من التقدم إلى تعز، تحت مبرر أن الأولوية يجب أن تكون لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي، وأن على تعز أن تنتظر.
"عدن" بيد الإمارات
يعد تسلم دولة الإمارات المسؤولية الكاملة عن مدينة عدن بعد تحريرها من أبرز الأدلة على النفوذ الكامل لها باليمن، فالمدينة تعد معقل الحكومة الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على غالبية المدن الشمالية، مما يعطيها أهمية استراتيجية للعاصمة المؤقتة، بالإضافة لأهميتها كإحدى أهم المدن اليمنية الساحلية، وتقود الإمارات القوات المشاركة في تأمين عدن بعد تحريرها.
وظهر الدور الإماراتي في عدن بشكل واضح في عملية تحرير عدن، وهو ما نقله المتحدث باسم الحكومة اليمينة راجح بادي، الذي أشاد بالدور الذي لعبته الإمارات في تحرير المحافظة، بعد أن أشرفت قوات إماراتية على عملية تحريرها وتأمينها بعد التحرير، كما أفادت مصادر يمنية أن إنزالاً قامت به قوات التحالف العربي في ميناء البريقة غالبيته مكونة من جنود إماراتيين، هدفه بسط السيطرة الكاملة على مدينة عدن.
وأصبحت الإمارات تملك معظم الدور العسكري واللوجستي في أهم المدن اليمنية تأثيرًا على الأحداث الآن، خاصة أنها بالفعل سعت وقامت بالدور الأكبر في تحرير المدينة، حيث وصل عدد جنودها المشاركين في تحرير المدينة لنحو أربعة آلاف جندي، من خمسة آلاف جندي عربي شارك في التحرير.
كما يتعاظم الدور الإماراتي بشكل كبير في الحرب الدائرة، حيث تتحمل المسؤولية الكاملة في عملية التنسيق بين قيادات المقاومة الشعبية على الأرض والفصائل المختلفة، وكذلك تتمتع الإمارات بعلاقات قوية مع قيادات الحراك الجنوبي، وهي التي تعمل على تأمين السلاح اللازم لهم.
وتسيطر الإمارات أيضًا على ميناء البريقة اليمني الذي يعتبر المورد الرئيسي لجميع الإمدادات اللوجستية، بما يشمل السلاح والمواد الإغاثية وغيرها من العمليات، وهذا الأمر لا يُعلم حتى الآن إذا ما كان بالتنسيق مع السعودية أم أنه دور إماراتي منفرد، وقد أعلنت الإمارات في السابق المشاركة بنحو 30 طائرة مقاتلة في التحالف العربي. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن للإمارات دورًا إشرافيًا على الغارات التي يشنها طيران التحالف العربي في اليمن.
الإمارات والتدخل في السياسة اليمنية
تسلل النفوذ الإماراتي للحياة السياسية اليمنية ظهر بشكل واضح في الخلاف الحادث بين الرئيس اليمني عبدربه هادي، وبين نائبه خالد بحاح، رئيس الوزراء، حول عدة قضايا، كان أبرزها خلافهما حول تعيين محافظ عدن الأسبق نايف البكري، فـ"بحاح" والمعروف بقربه الشديد من الإمارات عارض بشدة هذا التعيين ناقلًا رؤية الإمارات لانتماء "البكري" لحزب الإصلاح، الذي يعد جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين، والتي تناصبها الإمارات العداء.
وبالفعل استطاع النفوذ الإماراتي عزل الرجل بعد أقل من ثلاثة أشهر على تعيينه دون سبب واضح، ويدعم تدخل الإمارات في اتجاه عزل الرجل محاولاتها الدائمة إبعاد كافة قيادات الإصلاح عن قيادة المقاومة الشعبية، بالإضافة لرفض أي خيار سياسي أو عسكري يعزز دور الإسلاميين في السلطة أو على الأرض.
وأشار محللون إلى سعي الإمارات إلى الاعتماد على أطراف تعوض سيطرة الإسلاميين على المقاومة الشعبية، من خلال دعم ضباط الجيش المواليين لشرعية هادي، كذلك دعم بعض جماعات السلفية الداعية إلى "طاعة ولي الأمر" وذلك لأنه يسهل التحكم بهم، كما أنه ليس للإمارات أي عداء معهم، بل ويتشاركون في العداء للأحزاب الإسلامية في اليمن.
الصراع الإماراتي السعودي
أكد محللون سياسيون وجود صراع نفوذ بين السعودية والإمارات، مستندين لعدة أمور تكشف ذلك، كان أبرزها المقابلة التي أجراها السفير السعودي بالإمارات محمد بن عبد الرحمن البشر مع قناة سكاي نيوز العربية، والتي حرص خلالها على نفي وجود خلافات بين الدولتين لأكثر من خمس مرات خلال 17 دقيقة، وهو ما اعتبره المحللون تأكيدًا على وجودها.
وأشاروا إلى أن اختيار قناة "سكاي نيوز" لإجراء مقابلة بهدف نفي الخلاف مع أبوظبي، يعد من الأدلة حول هذا الخلاف أيضًا، حيث كان من الأوقع أن تكون المقابلة مع الشبكات الإخبارية السعودية، وعلى رأسها قناة العربية السعودية، التي تبث من الإمارات، وهو ما جعل المحللين يعتبرون أن "المقابلة تمت بطلب من أبوظبي، والمضمون لم يكن سوى مجاملة لدولة الإمارات، التي تجد حرجًا في تسرب الأنباء عن خلافها مع المملكة".
كما نشر الدكتور عبد الله النفيسي، المفكر الكويتي، تغريدات على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قال فيها: "في اليمن نلاحظ أن السعودية مشغولة بالمجهود الحربي ضد الحوثي والمخلوع، بينما يجتهد بعض أطراف (التحالف) بالسيطرة على (استخبارات) يمن المستقبل"، وهي إشارة فهمها الجميع على أن المقصود بها الإمارات.
فيما أوضح محلل سياسي، رفض ذكر اسمه لموقع "عربي 21"، أن هناك حرب نفوذ في اليمن، مؤكدًا أن الإمارات لم تكن تريد الدخول في القتال وكانت تروج للحل السياسي في اليمن، مشيرًا "لتغير موقفها لتصبح الإمارات واحدة من أهم القوى على الأرض داخل اليمن حاليًا"، مرجحًا أن تكون أبوظبي قد غيرت من استراتيجيتها، حيث يسيل لعاب الإمارات على النفوذ في اليمن، وبدأت لاحقًا تتبنى استراتيجية مغايرة عن الابتعاد والنأي بالنفس.
وأكد المحلل أن الإمارات بدأت تخط طريقًا لتأسيس مراكز نفوذ لها في اليمن، لذلك استضافت عددًا من القيادات الجنوبية من الداعين لانفصال الجنوب عن الشمال، مضيفًا أنه: "الخيار الذي يبدو أن الإمارات تتبناه، ورتبت لاحقًا لقاءات لهم مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، كما حاولت الظهور في أكثر من مناسبة على أنها الفاعل الوحيد في المعركة باليمن، وصولًا إلى الزعم بأنها استطاعت تحرير الرهينة البريطاني مؤخرًا، وهو ما أرادت منه القول للعالم إنها صاحبة النفوذ الأقوى في اليمن".
المصدر : خاص شؤون خليجية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق