الاثنين، 2 مارس 2020

غرفة التجارة... آن الأوان لتعديل القانون


التطوّر الاقتصادي يفرض مواكبته... والحكومة والنواب مدعوّون لإخراج التشريعات حبيسة الأدراج
02 مارس 2020 

• تطوير القانون الستيني لم يعد خياراً أو فكرة بل رديفاً للبقاء

• تبني قانون متجدد مرتكز على أصالة المتطلع إلى الحداثة

• الرسوم المفروضة أقرب لجباية ضرائب فلا خدمات توازيها

• العبور إلى المستقبل لن يتحقق إلا بالتجديد من الداخل

• «الغرفة» لا تتبع «المحاسبة» أو وزيراً أو حتى مجلس الوزراء

• التغييرات المطلوبة يتعيّن أن تكون جذرية وليس حبراً على ورق

• الحاجة حقيقية لمواكبة الطموح نحو تحقيق رؤية «كويت جديدة»



يصح القول إن مصطلح «الغرفة الجديدة»، لا يتطابق بأي حال من الأحوال مع واقع غرفة تجارة وصناعة الكويت، فحتى أكثر المتفائلين بحالها، لا يمكنه إنكار أن جدران «الغرفة» باتت تحتاج لهزة تشريعية ملحة، تواكب ما يحدث خارجها من ضوضاء إيجابية، تبنتها الدولة نحو التطوير، استقامة مع متطلبات تحسين بيئة الأعمال المحلية.
قبل سنوات كانت «الراي» ضد تغيير قانون غرفة التجارة مادام التغيير سيأخذ الاقتصاد الكويتي إلى المجهول، ولكن بانتفاء الأسباب السابقة، ومع تعديل قانون الشركات التجارية، ومع القفزات النوعية التي يحققها القطاع الخاص الكويتي، والتطورات التشريعية في البلاد، فضلاً عن الرغبة في تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الخاص، وإحياء مشروع الكويت كمركز مالي وتجاري في المنطقة بما ينعش الاقتصاد ويخفف عن كاهل الدولة عبء الباب الأول بالموازنة، وبما يخلق تنوعاً في مصادر الدخل، من الواضح أن الموقف اليوم يجب أن يكون الدعوة إلى تغيير قانون غرفة التجارة والصناعة.
ففي الوقت الذي يتحول فيه القطاعان الخاص والحكومي على حد سواء، بخطوات متسارعة تجاه تطوير بنيتهما التشريعية، لا تزال «الغرفة» متمسكة بقانونها العتيق، الذي يتجاوز عمره أكثر من 60 عاماً، بدلاً من تبني قانون متجدد، مرتكز على أصالة المتطلع إلى الحداثة.
وفي زمن التجديد الاقتصادي إقليمياً وعالمياً، لم يعد تطوير قانون «الغرفة» خياراً أو اقتراحاً أو فكرة، نغرقها في التفاصيل، ونقتلها بالدراسات، بل صار بكل بساطة واختصار رديفاً لكلمة واحدة: البقاء.
والبقاء كغرفة فاعلة اقتصادياً لن يستقيم بلا تحديث قانونها، وانسجامها مع الحراك الاقتصادي المحلي والخليجي لن يستقيم إلا بالعبور إلى المستقبل، وهذا لن يتحقق إلا بتجديد «الغرفة» من الداخل، بما يساعد في بناء رافعة قوية تقي الاقتصاد المحلي من العثرات.
ومعلوم أن غرفة التجارة تأسست بموجب مرسوم بقانون صدر عام 1959 أكسبها وضعاً مؤسسياً متميزاً، حيث تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة مادياً ومعنوياً، وحظيت باختصاصات عدة آنذاك لعدم وجود أجهزة قانونية أخرى في ذلك الوقت، لكن آن الأوان لفتح الدفاتر القديمة، والاقتناع بأن ما كان يناسب اقتصاد الكويت قبل عقود، لم يعد صالحاً اليوم. كما آن الأوان لتُفتح أدراج اللجان البرلمانية المقفلة على مشاريع قوانين واقتراحات لتطوير غرفة التجارة، لإعادة دراستها بما يواكب عصر الاقتصاد الحديث.
ولم يعد مقبولاً إبقاء باب تطوير غرفة التجارة موصداً كما كان منذ 1959 إلى اليوم، فالتعديل بات مطلباً ملحاً لقانون سابق للدستور نفسه وللمجلس التأسيسي ومجلسي الأمة والوزراء.
وفي ظل القانون الستيني، ليس غريباً أن انتخابات غرفة التجارة في الكويت، لا تزال محصّنة بإجراءات تخالف جميع الإجراءات المتبعة قانوناً، بدءاً من انتخابات الجمعيات التعاونية، مروراً بالجمعيات العمومية للشركات التي تمثلها، وانتهاءً بانتخابات مجلس الأمة.
ولا تزال مفاتيح نجاح أعضاء مجلس إدارتها تُدار بالصوت الواحد، ما يمثل احتكاراً صارخاً لحقوق منتسبيها الذين يرون أنفسهم مجبرين على توزيع أصواتهم على قائمة واحدة تتحكم بنجاح من تريد حسب المصلحة، وتوزيع الأدوار على الموالين.
أما بالنسبة للشباب الطامح، فلا فرصة للمشاركة في صناعة مستقبل جيله اقتصادياً في ظل القانون الحالي لـ«الغرفة»، وتعلّق الإدارة الحالية بالماضي أكثر من حرصها على مواكبة عجلة التطورات. فحق التمثيل في الانتخابات بحسب الضوابط الحالية مقتصر على صاحب الترخيص شخصياً للمؤسسات الفردية، وفي كل الشركات عدا المساهمة يقتصر الحق على الشريك المخوّل بإدارتها والتوقيع عنها طبقاً لعقد التأسيس، وإذا خلا عقد التأسيس من التخويل ينتقل الحق إلى الشريك الذي يستحوذ على حصة أكبر من رأس المال، ويحجب تصويت أحد الشركاء حق الآخرين إذا صوّت فعلياً.
وربما لا يعد سراً القول إن قانون «الغرفة» العتيق ليس أكثر ما يعيبها، فلا يزال ملف الرسوم التي تفرضها على منتسبيها من مجتمع الأعمال، أقرب ما يكون لجباية ضرائب غير مستحقة، كونها لا تُحصّل مقابل خدمات توازيها، وهذا في حد ذاته يخالف حتى أدبيات القانون، فلا رسم مستحقاً بدون خدمة تقابله.
بل وتلزم جهات رسمية في الدولة أصحاب الأعمال بالانضمام لـ «الغرفة»، حيث لا تقبل معاملاتهم إلا بوجود كتاب منها لن يحصلوا عليه إلا بدفع رسوم محددة.
والمفارقة هنا، أن طبقات الرسوم المتراكمة منذ تأسيس «الغرفة»، لا تخضع مثل أي جهة حكومية، أو حتى غير حكومية لتدقيق محاسبي يتمتع بحوكمة وشفافية، يناسب الرقابة الرشيدة على أرصدة هائلة، لا يمكن اعتبارها أموالاً خاصة، حتى يتم التصرف فيها كما يحدث حالياً بدون رقيب، وبإشراف طرف مستقل، يضمن سلامة إدارتها.
ومن اللافت أن أجدادنا في الكويت سبقوا العالم بفك شيفرة المستقبل، للدرجة التي تضمّن فيها الدستور الكويتي مواد تتحدث صراحة عن التكامل بين القطاعين العام والخاص، لكننا للأسف نلاحظ أنه في الوقت الذي سجلت فيه الكويت تحسناً ملموساً على مؤشرات التنافسية العالمية، لا تزال «الغرفة» مقتنعة بأن جدرانها القديمة لا تزال تحميها من أن يكون لديها مشروع اقتصادي بحجم دورها!
ولعل ما يزيد الحيرة أكثر، أن غرفة تجارة وصناعة الكويت لا تعترف بأي رأس رقابي عليها، فليس معلوماً أنها تتبع أي وزير، أو حتى مجلس الوزراء مباشرة.
ومع التوجه الذي تتبناه الدولة، لتحويل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً في المنطقة، تتنامى أهمية أن تقوم «الغرفة» بترجمة فعلية لآمال شركات القطاع الخاص، التي تمنّي النفس بتحول هذا الكيان إلى إقليمي عملاق، من خلال تحديث أطرها الاقتصادية والقانونية، عبر كل الإمكانات الموجودة، في خطط واضحة، تحفظ لنا مكاناً في القطار العابر من الحاضر الى المستقبل.
ونجاح هذه القفزة الملحة يحتاج إحداث تغييرات تشريعية جذرية لقانون الغرفة، وليس مجرد قاعات تملؤها كل فترة بأعضائها، لتضج بالعديد من النظريات وتلوين محاضر الاجتماعات بمناقشات ظلت حبراً على ورق.
وما يزكي التفاؤل في هذا الخصوص، أن القطاع الحكومي حقق في الفترة الأخيرة نجاحاً ملموساً في تحسين بيئة الأعمال المحلية وإبداء مرونة في القضاء على البيروقراطية والروتين والانتقال إلى أدوات اقتصادية متطورة، وسبقه القطاع الخاص صاحب الأعمال التقدمية دائماً... والدور يأتي على الحكومة ومجلس الأمة لتبني الدعوة نحو الارتقاء الاقتصادي بالتغيير قولاً وفعلاً، بإقرار قانون جديد لغرفة تجارة حديثة، تواكب الطموح نحو تحقيق رؤية «كويت جديدة».

وضع مؤسسي... غير

تأسست «الغرفة» بموجب مرسوم بقانون صدر عام 1959 أكسبها وضعاً مؤسسياً جعلها لا تشبه سواها، جعل منها مؤسسة ذات نفع عام تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة مادياً ومعنوياً، وتتكون مواردها من اشتراكات أعضائها، ورسوم خدماتها دون أي دعم حكومي.
ومن علامات المفارقة التي تزيد قوتها، أن ميزانيتها لا تخضع لأي رقابة سابقة أو لاحقة، وأنه يجري التدقيق عليها من قبل مدققي الحسابات من القطاع الخاص، حيث يعرض تقريرها السنوي ومن بينه البيانات المالية خلال الجمعية العمومية فقط.
وحسب البيانات المنشورة على الموقع الرسمي لـ«الغرفة» فإن رئيس وأعضاء مجلس إدارتها يعتبرون بمثابة متطوعين للخدمة العامة دون مقابل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق