من آخر الصّحابة موتاً ؟! بقلم الشّيخ أبي الفضل عمر الحدّوشي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
-الفائدة الأولى في بيان آخر الصحابة موتاً:
س: من هو آخر الصحابة موتاً على ما هو الراجح لديكم شيخنا الحدوشي؟.
ج: هل تسألين-أم الفضل-فيمن مات منهم آخراً مطلقاً، أو: فيمن مات في إحدى النواحي، لأن سؤالكم فضفاض؟ ولكن مع ذلك أقول لك: أما آخرهم موتاً على الإطلاق، فأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثيُّ كما جزم به مسلم، وكان موته سنة مائة على الصحيح، وقيل سنة سبعٍ ومائة، وقيل: سنة عشرٍ ومائة ولهذا قال القائل:
آخرهم موتاً أبو الطفيل في * مائة أو: عشرة قد اقتفي
وهذا هو الذي صححه الحافظ الذهبي، وهو مطابق لما جاء في: (الصحيحين) أنه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال قبل وفاته بشهر: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى عَلَى وَجهِ الأَرْضِ ممن هو عَليها اليوْم أَحَدٌ).
وفي رواية لمسلم: (أرأيتم ليلتكم هذه، فإنه ليس من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة).
انظر: (أسد الغابة في معرفة الصحابة) (2/530/531/رقم:2747)، و(الاستيعاب) (2/454)، أو: (2/798/799/رقم:1344-دار الجيل، بيروت)، و(الإصابة في تمييز الصحابة) (3/605/رقم:4439-دار الجيل، بيروت).
وقال ابن حجر-رحمه الله تعالى-في: (الفتح): (ووقع الأمر كذلك، فإن آخر من بقي ممن رأى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره، وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة، وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة، وقيل: كانت وفاته قبل ذلك).
وأما ما ذُكر من أن عِكْرَاشَ بن ذؤيب عاش يوم الجمل مائة سنة، فذلك غير صحيح، كما نص عليه الأئمة.
وأما آخر الصحابة موتاً بالإضافة إلى النواحي: فقد أفردهم ابن مَنْدَه بتأليف خاص، لم نقف عليه، وقد قال عامر-كما في صحيح مسلم-: (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِي).
وقيل: وآخرهم موتاً بالكوفة، وقيل: آخرهم موتاً بالمدينة النبوية-على ما قال ابن الصلاح-: السائب بن يزيد، أو: سهل بن سعد السَّاعديُّ، أو: جابر بن عبد الله، وقيل: إن جابراً مات بمكة، والجمهور على الأول.
وقد تأخر عن الثلاثة موتاً بالمدينة محمود بن الربيع، مات سنة تسع وتسعين بتقديم التاء فيهما، ومحمود بن لَبيد الأشْهَلِيّ، مات ستة خمسٍ أو: ست وتسعين، وآخر من مات بمكة عبد الله بن عمر، على أن أبا الطفيل لم يمت فيها، وقد مات السائب سنة ثمانين أو: اثنتين أو: ست أو: ثمان وثمانين أو: إحدى وتسعين أقوال.
ومات سهل ثمان وثمانين وقيل: إحدى وتسعين، ومات جابر سنة اثنتين أو: ثلاث أو: أربع أو: سبع أو: ثمان أو: تسع وسبعين والمشهور خامسها.
ومات ابن عمر سنة اثنين أو: ثلاث أو: أربع وسبعين والمشهور ثانيها.
وآخر من مات بالبصرة–بفتح الموحدة أشهر من كسرها وضمها- أنس بن مالك مات سنة تسعين أو: إحدى أو: اثنتين أو: ثلاث أو: سبع وتسعين- في قصره بالطَّفِّ على فرسخين من البصرة-، ودفن هنالك وعمره مائة سنة إلا سنة وهو آخر من مات بالبصرة. ورجح النوويُّ وغيره آخرها.
وآخر من مات بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى الأسْلَمِيّ، مات سنة ست أو: سبع أو: ثمانٍ وثَمَانين. وآخرهم موتاً بالشام عبد الله بن بُسْر-بضم الموحدة ثم سين المهملة-المازني، وقيل: أبو أمامة والصحيح الأول، مات الأول سنة ثمان وثمانين على المشهور أو: ست وتسعين أ: و مائة، ومات الثاني سنة إحدى أو: ست وثمانين.
وقيل: إن ابن بسر آخر من مات بحمص، وقيل: آخرهم بدمشق واثلة بن الأسقع، مات سنة ثلاث أو: خمس أو: ست وثمانين، وقيل: مات بالقدس، وقيل: بحمص.
وآخرهم موتاً بالقدس أبو أُبيّ-بالتصغير-عبدالله، ويقال له: ابن أم حرام، واختلف في اسم أبيه، وقيل: عمر بن قيس وقيل: أبيّ، وقيل: كعب: إنه مات بدمشق.
والقدس من مدن فلسطين-بكسر الفاء وفتح اللام وسكون المهملة-وهي ناحية كبيرة وراء الأردن من الشام، فيها عدة مدن كالقدس والرّمْلَة وعَسقلان، وآخر من مات بالجزيرة التي بين دِجْلة والفُرات، والعُرْسُ-بضم العين-ابن عَميرة-بفتحها-الكِنْدِيُّ.
وآخرهم موتاً بمصر عبد الله بن جَزْء وهو الزُّبَيْدِيّ-بالتصغير-مات سنة خمس أو: ست أو: سبع أو: ثمان أو: تسع وثمانين والمشهور ثانيها! وقيل: إنه مات باليمامة، وقيل: مات بِسَفْطِ القُدُور، وتعرف اليوم بِسَفْط ِأبي تراب بالغَرْبِيَّةِ.
وآخرهم موتاً باليمامة الهِرْماس-بكسر الهاء-بن زياد الباهِلِيّ، وقد روي عن عكرمة بن عمار أنه لقيه سنة اثنتين ومائة، فموته إما فيها أو: فيما بعدها.
فإن صَحَّ ذلك أشكل بما مر من أن آخرهم موتاً مطلقاً أبو الطُّفَيْل، وأنه مات سنة مائة على الصحيح.
وآخرهم موتاً ببلاد المغرب رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري، مات بِبَرقة، وقيل: بإفريقية، وقيل: مات بالشام.
وآخرهم موتاً بالبادية سَلَمَةُ بن الأَكْوَع، مَات سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة أربع وستين وقيل: مات بالمدينة المكرمة، وهو الصحيح.
وآخرهم موتاً بخراسان بُريْدَة بن الحُصَيْب. وآخرهم موتاً بالرُّخَّجِ-براء مضمومة ثم خاء مشددة مفتوحة-وقيل: ساكنة ثم الجيم-وهي من أعمال سجستان، العداء بن خالد بن هوذة، وبأصبهان النابغة الجَعْدي، وبالطائف عبد الله بن عباس، مات فيه سنة ثمان وستين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: سنة سبعين.
وضبط أهل الحديث آخر من مات من الصحابة، وهو على الإطلاق أبو الطُّفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في: (صحيحه)، وكان موته سنة مائة وقيل: سنة سبع ومائة، وقيل: سنة عشر ومائة، وهو مطابق لقول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قبل وفاته بشهر: (على رأس مائة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد)-كما في: (الفوائد المنتقاة من فتح الباري) (ص:208/259).
ولنذكر نظم العراقي هنا في آخر الصحابة موتاً في كل البلدان تتميماً للفائدة، فنقول: قال رحمه الله:
آخِرُهُم موتاً بِدُونِ مِرْيَهْ * أبــــو الطُّفَيْلِ مات عامَ مَايَهْ
وقَبْله السائب بِالمَدِينةِ * أو: سَهْلٌ أو: جَــــابِر بمــكةِ
وقيل آخرهم ابن عُمَـــرَا * أن لا أبو الطفيل فيها قُبِــرَا
وأنس بن مالك بالبصـــــرة * وابن أبي أوفى قضى بالكوفةِ
والشام فابنُ بُسْرٍ أو ذو باهله * وقيــــل بـــدمشـــــــــــــق واثِـلَهْ
وإنَّ فِي حمصَ ابنُ بُسْرٍ قُبضَا * وَإِنَّ بالجزيرة العُرْسُ قَضــــــى
وبفلسطـــــين أبوُ أُبَـــــــــــــــــيّ * ومِصْرَ فابن الحارث بن جُزَيّي
وَقُبِــــضَ الْهِرْمَاسُ باليَمَــــامَهْ * وقَبْلَهُ رُوَيْفِــــــــــــع بِبَرْقَــــهْ
وقيـــــــــل أفْرِيقيَّةِ وسَلَـــــمَهْ * بـــــــــــادياً أو بِطَيْبَةَ المُكرَّمَهْ
-رضي الله عنهم أجمعين- وشد يدكِ -أم الفضل-على هذا التحصيل فإنه مفيد جداً.
انظر: (كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/26/47/48/49/ 502/523).
وهل تعلمين أن ابن الجوزي فصل في: (المدهش) (ص:52) تحت عنوان: (تسمية من تأخر موته من الصحابة) تفصيلاً جيداً، فقال: (آخر من مات من أهل العقبة:
1-جابر بن عبد الله بن عمرو،
2-ومن أهل بدر: أبو اليسر،
3-ومن المهاجرين: سعد بن أبي وقاص، وهو آخر العشرة موتاً،
-وآخر من مات بمكة من الصحابة:
1-ابن عمر،
-وآخر من مات بالمدينة من الصحابة:
1-سهل بن سعد بن معاذ،
-وآخر من مات بالكوفة من الصحابة:
1-عبد الله بن أبي أوفى،
-وآخر من مات بالبصرة من الصحابة:
1-أنس بن مالك،
-وآخر من مات بمصر من الصحابة:
1-عبد الله بن الحارث بن جزء،
-وآخر من مات بالشام من الصحابة:
1-عبد الله بن بُسْر،
-وآخر من مات بخراسان من الصحابة:
1-بُريدة،
وآخر الناظرين إلى رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-موتاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة).
وهناك من قال: إن عيسى ابن مريم آخر الصحابة موتاً!! يمكن أن يكون هذا صحيحاً لو تناوله تعريف الصحبة المعروف والمشهور، وهو طبعاً لا يتناوله، لا منطوقاً، ولا مفهوماً، نعم الخلاف قائم في كون ورقة صحابياً أم لا؟.
2-الفائدة الثانية في بيان آخر التابعين موتاً:
شيخنا الفاضل-فك الله أسركم، وكثّر فوائدكم-لقد أفدتني من هو آخر الصحابة موتاً في الجواب-جزاكم الله خيراً-، فهل تتكرم أيضاً وتبين لي: من هو أول التابعين موتاً؟ ومن هو آخرهم موتاً؟.
الجواب: لقد سال مداد كثير بين أهل العلم في تحديد أول-وآخر-التابعين موتاً، فحتى لا أطيل عليكِ أذكر لكِ في هذا الجواب المختصر-أما إن شئت الاطلاع على ما قيل في الموضوع فدونك: "ذاكرت سجين مكافح" ففيه ما يروي الغلة ويشفي العلة من أقوال العلماء، والكتاب عندكِ لا تطوله يدي الآن-ما قاله العلامة البُلقيني-رحمه الله تعالى-كما في: (كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/56)-بأن: أول التابعين موتاً أبو زيد مَعْمر بن زيد، مات بخراسان، وقيل: بأذريبجان سنة ثلاثين، وآخرهم موتاً خَلَفُ ابن خليفة. مات سنة ثمانين ومائه.
3-الفائدة الثالثة: (صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة؟).
س: (متى يكون حديث التابعي متصلاً لا مرسلاً، وعكسه صحابي حديثه مرسل، ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة)؟ ج: مما يُلْغَزُ به: تابعي، يقول: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كذا، وحديثه مسند لا مرسل، ويحتج به من غير خلاف، وذلك مثل التَّنُّوخِيّ، رَسول هِرَقْل، فإنه مع كونه تابعياً اتفاقاً محكوم لما سمعه بالاتصال لا بالإرسال، ولا خلاف في الاحتجاج به، فإن محل كون قول التابعي مرسلاً ما لم يسمع من النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وهو كافر، ثم أسلم بعد موته-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أو: قبله ولم يره، ثم حدث عنه بما سمع منه، كما وقع للتنوجي هذا، وذلك لأننا إنما رددنا المرسل لجهالة الواسطة، وهي هنا مفقودة، ولذلك لا يقال:
ومرسل منه الصحابي سقط *
كما في منظومة: (البيقونية)، لأننا لو علمنا أن الساقط من السند صحابي لقبلنا المراسيل مطلقاً، وقد صحح وأصلح بعضهم هذا الصدر قائلاً:
ومرسل من فوق تابعٍ سقط *
والأصل أن مراسيل الصحابة حجة على المشهور، قال الشيخ الألباني-رحمه الله تعالى-في: (سلسلة الأحاديث سلسلة الأحاديث الصحيحة) (1/888)، و(غاية المرام) (ص:133): (ومراسيل الصحابة حجة).
وعكسه صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة:
مثل محمد بن أبي بكر الصديق وأضرابه ممن رأى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهو غير مميز، فإنه على القول بأنه صحابي حديثه من قبيل مراسيل كبار التابعين، لا من قبيل مراسيل الصحابة.
ويُلْغَزُ به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.
حتى إن بعض العلماء قال عن الحسن بن علي بن أبي طالب: (تابعي)، لكونه صغيراً في السن (البداية والنهاية) (8/150)، لأن الصغير إذا حدث بما سمع يُمكن أن يهم.
وقد قال بعضهم عن طارق بن شهاب: (له رؤية وليست لـه صحبة-كما في: (السير) (12/132)، وكذلك مسألة النجاشي المسلم فهو تابعي من وجه، وصحابي من وجه آخر، فالصحبة بمعنى: اللغوي، لا الشرعي.
انظر: (السير) (1/471)، و(كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/14/56)، و(ذاكرة سجين مكافح) (1/70).
ومن هذا ما ذكره الحافظ ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبو زرعة العراقي في كتابه: (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) (ص:41)، و(جامع التحصيل) (151)، و(الإصابة) (1/186) نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر من: (الاستيعاب) (1/188)، أو: (1/195/196/رقم:240-باب: الأفراد في التاء) في ترجمة: (تمام بن العباس بن عبد المطلب): (.... وله رؤية مجردة، فيكون حديثه مرسلاً، ولكن يتصدى النظر حينئذ فيه، وفي أمثاله ممن يأتي ذكرهم له رؤية مجردة هل مرسله مرسل صحابي أم لا؟).
رجعت إلى كتاب: (الاستيعاب) (1/188)، أو: (1/195/196/رقم:240-باب: الأفراد في التاء) في ترجمة: (تمام بن العباس بن عبد المطلب) فلم نجد فيه ما نقله العراقي في: (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) (ص:41)، نعم، وجدت فيه قوله: (وكل بين العباس لهم رواية، وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية).
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-في: (الإصابة) (1/186)، أو: (1/375/رقم:858) في القسم الثاني: (في ذكر من له الرؤية): (وقال أبو عمر: كل ولد العباس له رؤية، وللفضل وعبد الله سماع).
قال العلامة ابن الأثير في: (أسد الغابة في معرفة الصحابة) (1/244/245/رقم:510): (قال أبو عمر: وكل بني العباس لهم رؤية، وللفضل وعبد الله سماع ورواية)، وبالتأمل فيما نقل هؤلاء الكبار العراقي، وابن حجر، وابن الأثير عن أبي عمر تدرك أنهم نقلوا كلامه بالمعنى، بدليل اختلافهم في الألفاظ واتفاقهم في المعنى.
وقد سألت فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة-حفظه الله تعالى-على مرسل الصحابة، وما قاله الصحابة في مرسلهم؟
فأجاب-حفظه الله-قائلاً-بعد البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله وآله وصحبه-والسؤال على الحال-: (جناب الأخ الكريم الأستاذ الفاضل الواعية الداعية أبو الفضل عمر الحدوشي المحترم-حفظه الله ورعاه الله، وأثابه وقواه، وأفرغ عليه صبراً، ووقاه ضيراً وشراً-...وكالعادة فقد تضمن كتابك أسئلة مهمة، أنزلتَها في غير محلها واستسمنتَ ذا ورم، ونفَختَ في غير ضَرَم-وهذا من تواضعه حفظه الله، وإلا فهو جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجَّب-، ولم أجد بداً من جوابك:
قولكم: (كيف يقبل مرسل الصحابي بدون قيد مع احتمال أن يكون المجهول منافقاً؟)، والجواب: أنه عُلم بالاستقراء أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابي ومَعاذ الله أن يروي صحابي في الدين عن منافق!
وقولكم: (إذا كان الصحابة كلهم عدولاً فما القول في الوليد بن عقبة، وعبد الله بن أبي سرح، وفلان وفلان؟، وحديث: "أصيحابي" الخ يحمل على أمة الإجابة التي ظهرت فيها البدع والانحراف أم ماذا...؟)، الجواب: أن هؤلاء من لا تُسلم صحبتهم كعبد الله بن أبي سرح، وعقبة وقد شفع فيهم عثمان فقُبلت شفاعته وبايع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الثاني، وظهر منه من الغَنا، في الفتوحات الإسلامية ما هو معروف، ثم إننا لا نعتقد العصمة في الصحابة، والنبي-عليه الصلاة والسلام-طلب من ربه أن يجعل سبه وشتمه لمن شتمه مغفرته ورحمته، وقبل هذا وبعده فإن من ثبت لعنه وشتمه يُلغَى ويُعرض عنه، ومن عجيب صنع الله أنه لم تصحَّ رواية عن هؤلاء، وحديث: (أصحابي) الخ.
يحمل على أمة الإجابة التي ظهرت فيها البدع والانحراف، وسماهم أصحابه وهم أتباعه كما يقول الفقهاء: أصحابنا الخ وهذا ظاهر... هذا ما استطعت كتابته الساعة، فتقبلوه منفصلين، وعن الأغلاط متجاوزين، وإلى اللقاء والسلام.
تطوان في 12-صفر 1429 هـ من مجلكم أبي أويس محمد بوخبزة).
بسم الله الرّحمن الرّحيم
-الفائدة الأولى في بيان آخر الصحابة موتاً:
س: من هو آخر الصحابة موتاً على ما هو الراجح لديكم شيخنا الحدوشي؟.
ج: هل تسألين-أم الفضل-فيمن مات منهم آخراً مطلقاً، أو: فيمن مات في إحدى النواحي، لأن سؤالكم فضفاض؟ ولكن مع ذلك أقول لك: أما آخرهم موتاً على الإطلاق، فأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثيُّ كما جزم به مسلم، وكان موته سنة مائة على الصحيح، وقيل سنة سبعٍ ومائة، وقيل: سنة عشرٍ ومائة ولهذا قال القائل:
آخرهم موتاً أبو الطفيل في * مائة أو: عشرة قد اقتفي
وهذا هو الذي صححه الحافظ الذهبي، وهو مطابق لما جاء في: (الصحيحين) أنه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال قبل وفاته بشهر: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى عَلَى وَجهِ الأَرْضِ ممن هو عَليها اليوْم أَحَدٌ).
وفي رواية لمسلم: (أرأيتم ليلتكم هذه، فإنه ليس من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة).
انظر: (أسد الغابة في معرفة الصحابة) (2/530/531/رقم:2747)، و(الاستيعاب) (2/454)، أو: (2/798/799/رقم:1344-دار الجيل، بيروت)، و(الإصابة في تمييز الصحابة) (3/605/رقم:4439-دار الجيل، بيروت).
وقال ابن حجر-رحمه الله تعالى-في: (الفتح): (ووقع الأمر كذلك، فإن آخر من بقي ممن رأى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره، وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة، وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة، وقيل: كانت وفاته قبل ذلك).
وأما ما ذُكر من أن عِكْرَاشَ بن ذؤيب عاش يوم الجمل مائة سنة، فذلك غير صحيح، كما نص عليه الأئمة.
وأما آخر الصحابة موتاً بالإضافة إلى النواحي: فقد أفردهم ابن مَنْدَه بتأليف خاص، لم نقف عليه، وقد قال عامر-كما في صحيح مسلم-: (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِي).
وقيل: وآخرهم موتاً بالكوفة، وقيل: آخرهم موتاً بالمدينة النبوية-على ما قال ابن الصلاح-: السائب بن يزيد، أو: سهل بن سعد السَّاعديُّ، أو: جابر بن عبد الله، وقيل: إن جابراً مات بمكة، والجمهور على الأول.
وقد تأخر عن الثلاثة موتاً بالمدينة محمود بن الربيع، مات سنة تسع وتسعين بتقديم التاء فيهما، ومحمود بن لَبيد الأشْهَلِيّ، مات ستة خمسٍ أو: ست وتسعين، وآخر من مات بمكة عبد الله بن عمر، على أن أبا الطفيل لم يمت فيها، وقد مات السائب سنة ثمانين أو: اثنتين أو: ست أو: ثمان وثمانين أو: إحدى وتسعين أقوال.
ومات سهل ثمان وثمانين وقيل: إحدى وتسعين، ومات جابر سنة اثنتين أو: ثلاث أو: أربع أو: سبع أو: ثمان أو: تسع وسبعين والمشهور خامسها.
ومات ابن عمر سنة اثنين أو: ثلاث أو: أربع وسبعين والمشهور ثانيها.
وآخر من مات بالبصرة–بفتح الموحدة أشهر من كسرها وضمها- أنس بن مالك مات سنة تسعين أو: إحدى أو: اثنتين أو: ثلاث أو: سبع وتسعين- في قصره بالطَّفِّ على فرسخين من البصرة-، ودفن هنالك وعمره مائة سنة إلا سنة وهو آخر من مات بالبصرة. ورجح النوويُّ وغيره آخرها.
وآخر من مات بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى الأسْلَمِيّ، مات سنة ست أو: سبع أو: ثمانٍ وثَمَانين. وآخرهم موتاً بالشام عبد الله بن بُسْر-بضم الموحدة ثم سين المهملة-المازني، وقيل: أبو أمامة والصحيح الأول، مات الأول سنة ثمان وثمانين على المشهور أو: ست وتسعين أ: و مائة، ومات الثاني سنة إحدى أو: ست وثمانين.
وقيل: إن ابن بسر آخر من مات بحمص، وقيل: آخرهم بدمشق واثلة بن الأسقع، مات سنة ثلاث أو: خمس أو: ست وثمانين، وقيل: مات بالقدس، وقيل: بحمص.
وآخرهم موتاً بالقدس أبو أُبيّ-بالتصغير-عبدالله، ويقال له: ابن أم حرام، واختلف في اسم أبيه، وقيل: عمر بن قيس وقيل: أبيّ، وقيل: كعب: إنه مات بدمشق.
والقدس من مدن فلسطين-بكسر الفاء وفتح اللام وسكون المهملة-وهي ناحية كبيرة وراء الأردن من الشام، فيها عدة مدن كالقدس والرّمْلَة وعَسقلان، وآخر من مات بالجزيرة التي بين دِجْلة والفُرات، والعُرْسُ-بضم العين-ابن عَميرة-بفتحها-الكِنْدِيُّ.
وآخرهم موتاً بمصر عبد الله بن جَزْء وهو الزُّبَيْدِيّ-بالتصغير-مات سنة خمس أو: ست أو: سبع أو: ثمان أو: تسع وثمانين والمشهور ثانيها! وقيل: إنه مات باليمامة، وقيل: مات بِسَفْطِ القُدُور، وتعرف اليوم بِسَفْط ِأبي تراب بالغَرْبِيَّةِ.
وآخرهم موتاً باليمامة الهِرْماس-بكسر الهاء-بن زياد الباهِلِيّ، وقد روي عن عكرمة بن عمار أنه لقيه سنة اثنتين ومائة، فموته إما فيها أو: فيما بعدها.
فإن صَحَّ ذلك أشكل بما مر من أن آخرهم موتاً مطلقاً أبو الطُّفَيْل، وأنه مات سنة مائة على الصحيح.
وآخرهم موتاً ببلاد المغرب رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري، مات بِبَرقة، وقيل: بإفريقية، وقيل: مات بالشام.
وآخرهم موتاً بالبادية سَلَمَةُ بن الأَكْوَع، مَات سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة أربع وستين وقيل: مات بالمدينة المكرمة، وهو الصحيح.
وآخرهم موتاً بخراسان بُريْدَة بن الحُصَيْب. وآخرهم موتاً بالرُّخَّجِ-براء مضمومة ثم خاء مشددة مفتوحة-وقيل: ساكنة ثم الجيم-وهي من أعمال سجستان، العداء بن خالد بن هوذة، وبأصبهان النابغة الجَعْدي، وبالطائف عبد الله بن عباس، مات فيه سنة ثمان وستين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: سنة سبعين.
وضبط أهل الحديث آخر من مات من الصحابة، وهو على الإطلاق أبو الطُّفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في: (صحيحه)، وكان موته سنة مائة وقيل: سنة سبع ومائة، وقيل: سنة عشر ومائة، وهو مطابق لقول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قبل وفاته بشهر: (على رأس مائة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد)-كما في: (الفوائد المنتقاة من فتح الباري) (ص:208/259).
ولنذكر نظم العراقي هنا في آخر الصحابة موتاً في كل البلدان تتميماً للفائدة، فنقول: قال رحمه الله:
آخِرُهُم موتاً بِدُونِ مِرْيَهْ * أبــــو الطُّفَيْلِ مات عامَ مَايَهْ
وقَبْله السائب بِالمَدِينةِ * أو: سَهْلٌ أو: جَــــابِر بمــكةِ
وقيل آخرهم ابن عُمَـــرَا * أن لا أبو الطفيل فيها قُبِــرَا
وأنس بن مالك بالبصـــــرة * وابن أبي أوفى قضى بالكوفةِ
والشام فابنُ بُسْرٍ أو ذو باهله * وقيــــل بـــدمشـــــــــــــق واثِـلَهْ
وإنَّ فِي حمصَ ابنُ بُسْرٍ قُبضَا * وَإِنَّ بالجزيرة العُرْسُ قَضــــــى
وبفلسطـــــين أبوُ أُبَـــــــــــــــــيّ * ومِصْرَ فابن الحارث بن جُزَيّي
وَقُبِــــضَ الْهِرْمَاسُ باليَمَــــامَهْ * وقَبْلَهُ رُوَيْفِــــــــــــع بِبَرْقَــــهْ
وقيـــــــــل أفْرِيقيَّةِ وسَلَـــــمَهْ * بـــــــــــادياً أو بِطَيْبَةَ المُكرَّمَهْ
-رضي الله عنهم أجمعين- وشد يدكِ -أم الفضل-على هذا التحصيل فإنه مفيد جداً.
انظر: (كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/26/47/48/49/ 502/523).
وهل تعلمين أن ابن الجوزي فصل في: (المدهش) (ص:52) تحت عنوان: (تسمية من تأخر موته من الصحابة) تفصيلاً جيداً، فقال: (آخر من مات من أهل العقبة:
1-جابر بن عبد الله بن عمرو،
2-ومن أهل بدر: أبو اليسر،
3-ومن المهاجرين: سعد بن أبي وقاص، وهو آخر العشرة موتاً،
-وآخر من مات بمكة من الصحابة:
1-ابن عمر،
-وآخر من مات بالمدينة من الصحابة:
1-سهل بن سعد بن معاذ،
-وآخر من مات بالكوفة من الصحابة:
1-عبد الله بن أبي أوفى،
-وآخر من مات بالبصرة من الصحابة:
1-أنس بن مالك،
-وآخر من مات بمصر من الصحابة:
1-عبد الله بن الحارث بن جزء،
-وآخر من مات بالشام من الصحابة:
1-عبد الله بن بُسْر،
-وآخر من مات بخراسان من الصحابة:
1-بُريدة،
وآخر الناظرين إلى رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-موتاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة).
وهناك من قال: إن عيسى ابن مريم آخر الصحابة موتاً!! يمكن أن يكون هذا صحيحاً لو تناوله تعريف الصحبة المعروف والمشهور، وهو طبعاً لا يتناوله، لا منطوقاً، ولا مفهوماً، نعم الخلاف قائم في كون ورقة صحابياً أم لا؟.
2-الفائدة الثانية في بيان آخر التابعين موتاً:
شيخنا الفاضل-فك الله أسركم، وكثّر فوائدكم-لقد أفدتني من هو آخر الصحابة موتاً في الجواب-جزاكم الله خيراً-، فهل تتكرم أيضاً وتبين لي: من هو أول التابعين موتاً؟ ومن هو آخرهم موتاً؟.
الجواب: لقد سال مداد كثير بين أهل العلم في تحديد أول-وآخر-التابعين موتاً، فحتى لا أطيل عليكِ أذكر لكِ في هذا الجواب المختصر-أما إن شئت الاطلاع على ما قيل في الموضوع فدونك: "ذاكرت سجين مكافح" ففيه ما يروي الغلة ويشفي العلة من أقوال العلماء، والكتاب عندكِ لا تطوله يدي الآن-ما قاله العلامة البُلقيني-رحمه الله تعالى-كما في: (كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/56)-بأن: أول التابعين موتاً أبو زيد مَعْمر بن زيد، مات بخراسان، وقيل: بأذريبجان سنة ثلاثين، وآخرهم موتاً خَلَفُ ابن خليفة. مات سنة ثمانين ومائه.
3-الفائدة الثالثة: (صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة؟).
س: (متى يكون حديث التابعي متصلاً لا مرسلاً، وعكسه صحابي حديثه مرسل، ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة)؟ ج: مما يُلْغَزُ به: تابعي، يقول: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كذا، وحديثه مسند لا مرسل، ويحتج به من غير خلاف، وذلك مثل التَّنُّوخِيّ، رَسول هِرَقْل، فإنه مع كونه تابعياً اتفاقاً محكوم لما سمعه بالاتصال لا بالإرسال، ولا خلاف في الاحتجاج به، فإن محل كون قول التابعي مرسلاً ما لم يسمع من النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وهو كافر، ثم أسلم بعد موته-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أو: قبله ولم يره، ثم حدث عنه بما سمع منه، كما وقع للتنوجي هذا، وذلك لأننا إنما رددنا المرسل لجهالة الواسطة، وهي هنا مفقودة، ولذلك لا يقال:
ومرسل منه الصحابي سقط *
كما في منظومة: (البيقونية)، لأننا لو علمنا أن الساقط من السند صحابي لقبلنا المراسيل مطلقاً، وقد صحح وأصلح بعضهم هذا الصدر قائلاً:
ومرسل من فوق تابعٍ سقط *
والأصل أن مراسيل الصحابة حجة على المشهور، قال الشيخ الألباني-رحمه الله تعالى-في: (سلسلة الأحاديث سلسلة الأحاديث الصحيحة) (1/888)، و(غاية المرام) (ص:133): (ومراسيل الصحابة حجة).
وعكسه صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة:
مثل محمد بن أبي بكر الصديق وأضرابه ممن رأى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهو غير مميز، فإنه على القول بأنه صحابي حديثه من قبيل مراسيل كبار التابعين، لا من قبيل مراسيل الصحابة.
ويُلْغَزُ به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.
حتى إن بعض العلماء قال عن الحسن بن علي بن أبي طالب: (تابعي)، لكونه صغيراً في السن (البداية والنهاية) (8/150)، لأن الصغير إذا حدث بما سمع يُمكن أن يهم.
وقد قال بعضهم عن طارق بن شهاب: (له رؤية وليست لـه صحبة-كما في: (السير) (12/132)، وكذلك مسألة النجاشي المسلم فهو تابعي من وجه، وصحابي من وجه آخر، فالصحبة بمعنى: اللغوي، لا الشرعي.
انظر: (السير) (1/471)، و(كوثر المعاني الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري الدراري، في كشف خبايا صحيح البخاري) (1/14/56)، و(ذاكرة سجين مكافح) (1/70).
ومن هذا ما ذكره الحافظ ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبو زرعة العراقي في كتابه: (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) (ص:41)، و(جامع التحصيل) (151)، و(الإصابة) (1/186) نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر من: (الاستيعاب) (1/188)، أو: (1/195/196/رقم:240-باب: الأفراد في التاء) في ترجمة: (تمام بن العباس بن عبد المطلب): (.... وله رؤية مجردة، فيكون حديثه مرسلاً، ولكن يتصدى النظر حينئذ فيه، وفي أمثاله ممن يأتي ذكرهم له رؤية مجردة هل مرسله مرسل صحابي أم لا؟).
رجعت إلى كتاب: (الاستيعاب) (1/188)، أو: (1/195/196/رقم:240-باب: الأفراد في التاء) في ترجمة: (تمام بن العباس بن عبد المطلب) فلم نجد فيه ما نقله العراقي في: (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) (ص:41)، نعم، وجدت فيه قوله: (وكل بين العباس لهم رواية، وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية).
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-في: (الإصابة) (1/186)، أو: (1/375/رقم:858) في القسم الثاني: (في ذكر من له الرؤية): (وقال أبو عمر: كل ولد العباس له رؤية، وللفضل وعبد الله سماع).
قال العلامة ابن الأثير في: (أسد الغابة في معرفة الصحابة) (1/244/245/رقم:510): (قال أبو عمر: وكل بني العباس لهم رؤية، وللفضل وعبد الله سماع ورواية)، وبالتأمل فيما نقل هؤلاء الكبار العراقي، وابن حجر، وابن الأثير عن أبي عمر تدرك أنهم نقلوا كلامه بالمعنى، بدليل اختلافهم في الألفاظ واتفاقهم في المعنى.
وقد سألت فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة-حفظه الله تعالى-على مرسل الصحابة، وما قاله الصحابة في مرسلهم؟
فأجاب-حفظه الله-قائلاً-بعد البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله وآله وصحبه-والسؤال على الحال-: (جناب الأخ الكريم الأستاذ الفاضل الواعية الداعية أبو الفضل عمر الحدوشي المحترم-حفظه الله ورعاه الله، وأثابه وقواه، وأفرغ عليه صبراً، ووقاه ضيراً وشراً-...وكالعادة فقد تضمن كتابك أسئلة مهمة، أنزلتَها في غير محلها واستسمنتَ ذا ورم، ونفَختَ في غير ضَرَم-وهذا من تواضعه حفظه الله، وإلا فهو جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجَّب-، ولم أجد بداً من جوابك:
قولكم: (كيف يقبل مرسل الصحابي بدون قيد مع احتمال أن يكون المجهول منافقاً؟)، والجواب: أنه عُلم بالاستقراء أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابي ومَعاذ الله أن يروي صحابي في الدين عن منافق!
وقولكم: (إذا كان الصحابة كلهم عدولاً فما القول في الوليد بن عقبة، وعبد الله بن أبي سرح، وفلان وفلان؟، وحديث: "أصيحابي" الخ يحمل على أمة الإجابة التي ظهرت فيها البدع والانحراف أم ماذا...؟)، الجواب: أن هؤلاء من لا تُسلم صحبتهم كعبد الله بن أبي سرح، وعقبة وقد شفع فيهم عثمان فقُبلت شفاعته وبايع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الثاني، وظهر منه من الغَنا، في الفتوحات الإسلامية ما هو معروف، ثم إننا لا نعتقد العصمة في الصحابة، والنبي-عليه الصلاة والسلام-طلب من ربه أن يجعل سبه وشتمه لمن شتمه مغفرته ورحمته، وقبل هذا وبعده فإن من ثبت لعنه وشتمه يُلغَى ويُعرض عنه، ومن عجيب صنع الله أنه لم تصحَّ رواية عن هؤلاء، وحديث: (أصحابي) الخ.
يحمل على أمة الإجابة التي ظهرت فيها البدع والانحراف، وسماهم أصحابه وهم أتباعه كما يقول الفقهاء: أصحابنا الخ وهذا ظاهر... هذا ما استطعت كتابته الساعة، فتقبلوه منفصلين، وعن الأغلاط متجاوزين، وإلى اللقاء والسلام.
تطوان في 12-صفر 1429 هـ من مجلكم أبي أويس محمد بوخبزة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق