كنت سأوضح هذا أخي طارق منصور ولكني تركته اعتمادا على فهم القراء، وحيث أن الأمر احتاج إلى بيان فاقول:
مسألة التفرد هذه نقلها الذهبي عن الحافظ السمعاني فقال (
وتفرد بصحيح مسلم وبالأسماء والصفات ودلائل النبوة والدعوات الكبير وبالبعث للبيهقي)اهـ
فهي من كلامه لا كلامي، ويشبهه قول النووي في تهذيب الأسماء عن ابن سفيان: (
راوية صحيح مسلم) وهذا الكلام صحيح، ومعناه أن الفراوي انفرد في عصره بعرض صحيح مسلم على شيخه عبدالغافر بعرضه على شيخه الجلودي بعرضه على شيخه ابن سفيان بعرضه أو سماعه من الإمام مسلم، ولا يعني ذلك أنه لم يوجد من يرويه بالإجازة، بل يوجد ولكن كلامنا على أشهر الأسانيد المتصلة بالقراءة للصحيح والتي ضبطت نسخ صحيح مسلم عليها، فهذا الإسناد هو إسنادها وقد تسلسل فيه الصوفية والأشاعرة، وأما بالإجازة فقد تجد ولكن مع التنبه لكلمة قالها الحافظ الحاكم النيسابوري في ترجمة الجلودي الصوفي شيخ شيخ الفراوي قال:
((أبو أحمد هذا الجلودى شيخا صالحا زاهدا
من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده سمع أبا بكر بن خزيمة ومن كان قبله وكان ينتحل مذهب سفيان الثورى ويعرفه توفى رحمه الله يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلثمائة وهو ابن ثمانين سنة
قال الحاكم وختم لوفاته سماع صحيح مسلم وكل من حدث به بعده عن إبراهيم بن محمد بن سفيان وغيره فليس بثقة والله أعلم))
فهذا الكلام الآن يعني توثيق طريق الجلودي الصوفي دون غيره من الرواة عن ابن سفيان، ويشهد لهذا أن نسخة صحيح مسلم المعتمدة هي التي من رواية هذا الجلودي وهي التي اعتمدها النووي وهي المشهور اليوم، وإذا فتحت صحيح مسلم بشرح النووي أو الطبعة القديمة له والمصورة بدار الكتب العلمية فستجد في كتاب الأيمان منه النص التالي:
((
قال أبو أحمد الجلودي حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ بهذا الحديث))
فهذا موجود في أوثق نسخ الصحيح المطبوعة وفيه دليل على أنها رواية الجلودي التي نقلها لنا الفارسي وعنه الفراوي.. وانظر في قطعت من أنفس قطع مخطوطات صحيح مسلم هنا تجد السند الصوفي ماثلا:
اضغط هنايقول الإمامان الحافظان ابن الصلاح والنووي في فصل بعض الاختلاف:
((
الجلودي رواه عن مسلم موصولا وروايته هي المعتمدة المشهورة))
فإذا علمت هذا تبين لك أن المقصود بالتفرد هو التفرد بالعرض المتصل الصحيح المشهور المضبوط النسخ، وهذا لا يعارض شهرة هذا الكتاب لأن كل واحد من طبقة هذا الإسناد رواه عنه عدد وإن لم تتسلسل روايتهم وتتصل كرواية الفراوي، قال النووي في شرحه لمسلم:
((
فصل صحيح مسلم رحمه الله فى نهاية من الشهرة وهو متواتر عنه من حيث الجملة فالعلم القطعى حاصل بأنه تصنيف أبى الحسين مسلم بن الحجاج وأما من حيث الرواية المتصلة بالاسناد المتصل بمسلم فقد انحصرت طريقه عنده فى هذه البلدان والازمان فى رواية أبى اسحاق ابراهيم ابن محمد بن سفيان عن مسلم ويروى فى بلاد المغرب مع ذلك عن أبى محمد أحمد بن على القلانسى عن مسلم ورواه عن ابن سفيان جماعة منهم الجلودى وعن الجلودى جماعة منهم الفارسى وعنه جماعة منهم الفراوى وعنه خلائق منهم منصور وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق))
فإن قلت فما بال الرواية بالإجازات؟ فالجواب أن أهل الحديث كانوا يعيبون من يروي بالإجازة مع وجود السماع أو العرض المحقق المضبوط، كما أن طريق الإجازة ليس هو طريق النسخ التي بين أيدينا اليوم، علاوة على ما فيها من بعض المطعونين، وهكذا يتحقق أن ثاني دواوين الإسلام العظيمة مروي من طرق الصوفية والأشاعرة وهم نقلته حتى أن ابن تيمية يضطر لرواية صحيح مسلم من طريق الفراوي الصوفي الأشعري عن عبدالغافر الصوفي الأشعري عن الجلودي الصوفي عن ابن سفيان عن مسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق