رسالة أبي جمعة المغراوي مفتي وهران للموريسكيين
"الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما"
إخواننا القابضين على دينهم، كالقابض على الجمر، ممن أجزل الله ثوابهم فيما لقوا في ذاته, وصبروا النفوس والأولاد في مرضاته، الغرباء القرباء إن شاء الله من مجاورة نبيه في الفردوس الأعلى من جناته، وارثوا سبيل السلف الصالح في تحمل المشاق وإن بلغت النفوس إلى التراق، نسأل الله أن يلطف بنا وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
بعد السلام عليكم من كاتبه إليكم، من عبيد الله أصغر عبيده وأحوجهم إلى عفوه ومزيده، عبيد الله تعالى أحمد ابن بوجمعة المغراوي ثم الوهراني.
كان الله للجميع بلطفه وستره، سائلاً من إخلاصكم وغربتكم حسن الدعاء, بحسن الخاتمة والنجاة من أهوال هذه الدار, والحشر مع الذين أنعم الله عليهم من الأبرار, ومؤكداً عليكم في ملازمة دين الإسلام، آمرين به من بلغ من أولادكم. إن لم تخافوا دخول شر عليكم من إعلام عدوكم بطويتكم، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، وإن ذاكر الله بين الغافلين كالحي بين الموتى, فاعلموا أن الأصنام خشب منجور, وحجر جلمود لايضر ولاينفع, وأن الملك ملك الله, ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله, فاعبدوه واصطبروا لعبادته، فالصلاة ولو بالإيماء، والزكاة ولو كأنها هدية لفقيركم أو رياء، لأن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن إلى قلوبكم، والغسل من الجنابة, ولو عوماً في البحور. وإن مُنعتم فالصلاة قضاء بالليل لحق النهار, وتسقط في الحكم طهارة الماء, وعليكم بالتيمم ولو مسحاً بالأيدي للحيطان, فإن لم يمكن فالمشهور سقوط الصلاة وقضاؤها لعدم الماء والصعيد, إلا أن يمكنكم الإشارة إليه بالأيدي والوجه إلى تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمَّم به، فأقصدوا بالإيماء، نقله ابن ناجي في شرح الرسالة لقوله صلى الله عليه وسلم فأتوا منه ما استطعتم.
وإن أكرهوكم في وقت صلاة إلى السجود للأصنام أو حضور صلاتهم فأحرموا بالنية و انووا صلاتكم المشروعة, وأشيروا لما يشيرون إليه من صنم, ومقصودكم الله. وإن كان لغير القبلة تسقط في حقكم كصلاة الخوف عند الالتحام، وأن أجبروكم على شرب خمر، فاشربوه لا بنية استعماله, و إن كلفوا عليكم خنزيراً فكلوه ناكرين إياه بقلوبكم, ومعتقدين تحريمه, و كذا إن أكرهوكم على محرّم, وإن زوجوكم بناتهم, فجائز لكونهم أهل الكتاب, وإن أكرهوكم على إنكاح بناتكم منهم, فاعتقدوا تحريمه لولا الإكراه، وأنكم ناكرون لذلك بقلوبكم, ولو وجدتم قوة لغيَّرتموه.
وكذا إن أكرهوكم على ربا أو حرام فافعلوا منكرين بقلوبكم, ثم ليس عليكم إلاّ رؤوس أموالكم, وتتصدقون بالباقي، إن تبتم لله تعالى. وإن أكرهوكم على كلمة الكفر, فإن أمكنكم التورية والإلغاز فافعلوا، وإلا فكونوا مطمئني القلوب بالإيمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك, وإن قالوا اشتموا محمداً فإنهم يقولون له مُمَدْ، فاشتموا مُمَداً، ناوين أنه الشيطان, أو مُمَد اليهود فكثير بهم اسمه. وإن قالوا عيسى ابن الله, فقولوها إن أكرهوكم, و انووا إسقاط مضاف أي عبد اللاه مريم معبود بحق, و إن قالوا قولوا المسيح ابن الله, فقولوها إكراها, و انووا بالإضافة للملك كبيت الله لا يلزمه أن يسكنه أو يحل به, و عن قالوا قولوا مريم زوجة له, فانووا بالضمير ابن عمها الذي تزوجها في بني إسرائيل, ثم فارقها قبل البناء. قاله السهيلي في تفسير المبهم من الرجال في القرآن. أو زوجها الله منه بقضائه و قدره. و إن قالوا عيسى قد توفي بالصلب فانووا من التوفية والكمال والتشريف من هذه, وإماتته وصلبه وإنشاد ذكره, و إظهار الثناء عليه بين الناس, وأنه استوفاه الله برفعه إلى العلو, وما يعسر عليكم فابعثوا فيه إلينا نرشدكم إن شاء الله على حسب ما تكتبون به, وأنا أسأل الله أن يديل الكرة للإسلام حتى تعبدوا الله ظاهراً بحول الله, من غير محنة ولا وجلة, بل بصدمة الترك الكرام.
ونحن نشهد لكم بين يدي الله أنكم صدقتم الله و رضيتم به, ولابد من جوابكم والسلام عليكم جميعاً.
بتاريخ غرة رجب عام عشرة وتسعمائة عرف الله خيره
"يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى"
غرة رجب 910 هجرية, (18-11-1504م).
Nadia Boulaich
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق