حين أقيمت صلاة الجمعة بكنيسة واشنطن، وتولت الخطابة والإمامة فيها إحدى السيدات، لأول مرة في تاريخ المسلمين، فإن ذلك لم يكن مجرد فرقعة أو صرعة أمريكية، وإنما كان جزءاً من حملة واسعة تسعى إلى تفكيك الإسلام، سواء باسم تحديثه أو بدعوى محاربة التطرف والإرهاب.
(1)
أثناء إحدى الزيارات التي حضرت خلالها مؤتمراً للمسلمين في شيكاغو، توجه مسلم أمريكي إلى أحد العلماء المشاركين بالسؤال التالي: هل يمكن أن تؤدى صلاة الجمعة يوم الأحد؟ - وبرر سؤاله بأن مواعيد العمل لا تمكنه من صلاة الجمعة، في حين أن الفسحة واسعة في عطلة الأحد، بحيث يستطيع أن يؤدي الواجب ويعطيه حقه وزيادة. بدا السؤال مضحكاً لأول وهلة، لكن السائل كان يتحدث بجدية بالغة، وبدا حزيناً حين قال له إن صلاة الجمعة ينبغي أن تتم في يوم الجمعة، وإذا لم يتمكن المسلم من ادائها بسبب ظروف عمله، فهو معذور ولا تثريب عليه.
بالنسبة لعدد غير قليل من المسلمين الأمريكيين كان السؤال منطقياً وطبيعياً. ذلك بأن ما يتعذر إنجازه يوم الجمعة، لن يتأثر نظام الكون لو أنه أنجز يوم الأحد. تماماً كما أن بعضهم تساءل عما إذا كان يمكن الدخول في الإسلام بالتقسيط، بحيث يتدرج المرء في إقامة الصلوات، وبعد أن ينتظم فيها ينتقل إلى الصيام لبعض الوقت، ثم صيام شهر رمضان كله. وبعد الفراغ من “قسط” الصيام يؤدي الواحد منهم حصة الزكاة وبعدها الحج.. وهكذا. ذلك بأن بعضهم ممن يتعاملون في كل شؤون حياتهم بالتقسيط، في شراء الثلاجة والسيارة إلى شراء البيت، لم يجدوا غرابة في أن يقترحوا نقل نظام التقسيط إلى كيفية الدخول في الإسلام، وهي ذات العقلية التبسيطية التي دفعت المسلمين السود في البداية لأن يخلطوا بين نقمتهم على المجتمع الأمريكي الأبيض وبين اعتقادهم، فقالوا بأن الله أسود وإن الشيطان أبيض البشرة، عيناه خضراوان وشعره أصفر!
حين يقترب المرء من العقلية السائدة في المجتمع الأمريكي يدرك أن ذلك التفكير التبسيطي ليس ناتجاً فقط عن السذاجة أو البراءة المفرطة التي يتسم بها قطاع عريض من الناس، وإنما هي أيضاً وثيقة الصلة بثقافة التعامل مع ما يسمونه روحانية جديدة، تنطلق من الحاجات، وليس من التكاليف أو الواجبات. وهي من أصداء التفكير العلماني الذي ينصّب الإنسان في مكان الإله. إذ حين يستبعد الغيب ويهمش، فإن الإنسان يصبح وحده صانع قدره ومصيره، بالتالي فأية تعاليم، حتى وإن كانت سماوية المصدر ليست عنده “آخر كلام”، وإنما هي قابلة للتعديل والتبديل والحذف والإضافة. بحيث يفصل كل واحد التزاماته الدينية حسب القناعات التي يستريح إليها.
على غرار حرية السوق، تختار فئة واسعة من الأمريكيين ما يناسبها من “الغذاء الروحي”، بصرف النظر عن هوية “منتجيه”. وهناك من لا يتردد في الحفاظ على بعض ما ورث من دينه الأصلي، وإن ظل مقطوعاً عن مجمل التراث الذي يعطيه كامل معناه. وهناك من يقبل بحرية كبيرة على اقتطاع أجزاء تعجبه من أديان مختلفة وروحانيات تنتسب إليها. وهناك أيضاً من ينتمي إلى جمعيات دينية أو شبه دينية جديدة، لها روحانية تلفيقية وانتقائية في علاقتها بالأديان المعروفة، أو لا صلة لها البتة بالتوحيد منها. ويضاف إلى كل هؤلاء من لا يجد أي حرج في الانتماء إلى أي من النماذج السابق ذكرها. (طارق متري مدينة على جبل عن الدين والسياسة في أمريكا).
كانت نتيجة ذلك التخليط أن اتخمت الولايات المتحدة بالمعتقدات، حتى أشارت موسوعة الأديان الأمريكية إلى وجود 1586 جماعة دينية بها، بينها 700 جماعة غير تقليدية، بمعنى أنه يتعذر تصنيفها كمذاهب أو فرق داخل الأديان العالمية التاريخية المعروفة.
(2)
كما رأينا، فاللعب في الأديان والعبث بها ليس أمراً جديداً إذن في الولايات المتحدة، كما انه لا يشكل “مؤامرة” بالضرورة. لكن ليس كل لعب أو عبث ناشئاً عن السذاجة أو البراءة، فثمة لعب آخر منه ما هو مقطوع بخبثه وسوء مقصده، ومنه ما هو مشكوك في براءته. وهذا وذاك يستثمر أمرين، الأول حالة القابلية للعبث بالأديان الموجودة في المجتمع الأمريكي التي مررنا بها قبل قليل، والثاني والأهم هو أجواء ما بعد 11 سبتمبر، التي استصحبت درجات متفاوتة من النفور والحساسية إزاء الإسلام والمسلمين.
هكذا، فإنه خارج إطار البراءة يرصد المرء أنشطة عبثية وتفكيكية تتحرك في اتجاهين، أحدهما يركز على ما هو سياسي وثقافي، والثاني معني بما هو قيمي وأخلاقي. والملاحظة المثيرة والخطيرة في أنشطة التفكيك هذه أنها تقوم على عنصرين أساسيين هما، مجموعة من المسلمين المخترقين أو المتعصبين لأفكار معينة، ومعهم بعض الأمريكيين اليهود المناصرين ل “إسرائيل”، والمعادين لكل ما هو عربي وإسلامي.
سلط الضوء على جانب من الأنشطة التي تتحرك في المجال السياسي باحث أمريكي اسمه جيم لوب، في مقالة مهمة بثتها وكالة “انترناشيونال برس سيرفيس” (في 7/4/2004) كشف فيها الستار عن مساع يبذلها الكاتب الأمريكي زانيال بايبس المتطرف في مساندته ل “إسرائيل” وكراهيته للعرب والفلسطينيين خاصة لإنشاء “معهد إسلامي تقدمي يمثل أصوات المسلمين الليبراليين في الولايات المتحدة”. وبايبس هذا يدير مؤسسة باسم “منبر الشرق الأوسط للأبحاث”، ومقره ولاية فلادلفيا، وله كتابات عدة ومواقف مشهودة تراوحت بين التخويف من اختلاط العقيدة الاسلامية بالاسلام المسلح، والتحذير من وجود المسلمين في الولايات المتحدة وما قد يمثلونه من خطر على نفوذ اليهود، وانتقاد خطة شارون للانسحاب من غزة.
مشروع بايبس أسفر عن إنشاء مركز “تقدمي” باسم “مركز التعددية الإسلامية”، أعلن أن الهدف منه هو “تشجيع الإسلام المعتدل في الولايات المتحدة والعالم”، ومحاربة نفوذ الإسلام المسلح، وإحباط جهود المنظمات ذات التوجه المتطرف، من خلال وسائل الإعلام، وبالتعاون مع المنظمات الحكومية الأمريكية.
في مقالة تالية نشرتها الوكالة للكاتب ذاته في 24/2/2005 معلومات أخرى مهمة عن مسؤولي المركز وعن مصادر تمويله. فمديره أمريكي مسلم اسمه ستيفن شولتز، كان شيوعياً متطرفاً (تروتسكياً)، ثم دخل في الإسلام من باب التصوف. وفي تصوفه تطرف أيضاً وأصبحت معركته في الحياة هي مواصلة الحرب ضد الوهابية. أما مساعده فهو أزهري مصري اسمه الدكتور أحمد صبحي منصور، كان فصل من الأزهر في الثمانينات بسبب إنكاره السنة النبوية، وسافر إلى الولايات المتحدة لبعض الوقت، ثم عاد إلى القاهرة ليصبح أحد أركان مركز “ابن خلدون” وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره في عام ألفين اختفى من مصر، وظهر مرة أخرى في الولايات المتحدة، ليصبح أحد دعاة “الإسلام الأمريكي المعتدل”، وقد أورد اسمه دانيال بايبس ضمن آخرين في مقالة تحت عنوان “التعريف بالمسلمين المعتدلين” نشرتها له صحيفة “ذي نيويورك صن” (في 24/11/2004).
أما تمويل ودعم مركز التعددية الإسلامية فتشترك فيه أطراف عدة. حيث ذكر جيم لوب أنه إلى جانب ما يقدمه مركز الأبحاث الذي يديره بايبس، فهناك تجمع الأمريكيين الشيعة، والمساجد التي “تحررت” من النفوذ المتطرف. ومن أبرز الداعمين للمشروع نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفويتز (مهندس الحرب على العراق وأحد أبرز اليهود الناشطين بين المحافظين الجدد) وجيمس وولسي مدير المخابرات المركزية السابق. ولا داعي لإيراد بقية الاسماء، لأن دلالة الاسمين فيها الكفاية؛ لكي نتعرف على اتجاه مركز التعددية الإسلامية، وطبيعة “الاعتدال” و”التقدمية” في أنشطته ومقاصده.
لم يكتف دانيال بايبس بتحريكه مشروع مركز التعددية، وإنما سعى أيضاً لإنشاء مؤسسة أخرى مهمتها “مناهضة أنشطة الإسلاميين” في الولايات المتحدة. وهدفها الحقيقي هو محاربة الجهود التي تبذلها المنظمات الإسلامية الأمريكية، التي يصفها بايبس بأنها تمثل “الإسلام الراديكالي”.
على صعيد آخر ثمة مؤسسة ثالثة باسم “ائتلاف المسلمين الأحرار ضد الإرهاب”، أنشأها في واشنطن أمريكي مسلم من أصول فلسطينية اسمه كمال نعواش. له محاولات لم تنجح للانخراط في العمل السياسي، فوجد ضالته في حمل لافتة مقاومة الإرهاب، ومساندة الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية على ذلك الصعيد. (في 5/8/2004 أجرت معه محطة تلفزيون فوكس نيوز ذات التوجه الصهيوني والمعادية للإسلام والمسلمين والعرب جميعاً، حواراً قال فيه إن 50% من المسلمين متطرفون وفاشيون واتهم المنظمات الإسلامية المعروفة في أمريكا بالتحيز للإسلام الراديكالي).
(3)
مقالة دانيال بايبس التي نشرتها “ذي نيويورك صن” ذات أهمية خاصة، لأنها تكشف عن جهود الاحتشاد المبذولة للتبشير “بالإسلام الأمريكي” من خلال تفكيك الإسلام وإخصائه، عبر استخدام اسماء تنتسب إلى الدين، وتنشط في المجال الأكاديمي أو في أوساط المنظمات الأهلية، وقد أورد قائمة باسماء الأشخاص والمنظمات، التي برزت في الساحة مؤخراً. ومن استعراض تلك الاسماء يلاحظ المرء أنها تضم خليطاً من غلاة العلمانيين المسلمين، وغلاة ممثلي الفرق والمجموعات المشتبكة مع الإسلام الوسطي (الشيعة، الصوفية، الأحمدية، الأحباش).
اعتبر بايبس أن ذلك الاحتشاد من قبيل “الأنباء السارة”، حيث زف إلى القراء نبأ انخراط بعض المسلمين في حملة مناهضة أنشطة الإسلاميين (يقصد المتطرفين والراديكاليين). وقال إن هؤلاء رفعوا أصواتهم بعد أحداث 11 سبتمبر. وذكر في هذا الصدد اسماء سبعة أشخاص، من بينهم الدكتور صبحي منصور المفصول من جامعة الأزهر، والدكتور بسام طيبي، وهو من غلاة العلمانيين السوريين. تحدث أيضاً عن ظهور منظمتين جديدتين هما، ائتلاف المسلمين الأحرار ضد الإرهاب، الذي اسسه كمال نعواش، وسبقت الإشارة إليه، ثم “المنبر الأمريكي الإسلامي للدفاع عن الديمقراطية”، وقد اسسه شخص لا أعرف هويته اسمه زهدي جاسر.
ما يستوقف المرء أيضاً في القائمة التي أوردها بايبس، انه ضم إلى “الأخبار السارة” تلك المذكرة التي أعدها ثلاثة من غلاة العلمانيين العرب المؤيدين ل “إسرائيل” والمعادين للتوجه الإسلامي (أحدهما عراقي والثاني أردني والثالث تونسي)، وطالبوا فيها بإقامة محكمة دولية لمن سموهم “فقهاء الإرهاب”، وفي المقدمة منهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. وهي المذكرة التي قدمت إلى الأمين العام للأمم المتحدة قبل اسبوعين، وقيل إن اربعة آلاف من المثقفين العرب وقعوا عليها (بايبس قال إنهم 25 الفاً، من 23 بلداً مسلماً).
غني عن البيان أن هؤلاء الأشخاص وتلك الجهات ليست وحدها الناشطة في مجال تفكيك الإسلام وتشويهه، فالولايات المتحدة تكتظ بمثل هذه النماذج، (فيها أيضاً نماذج منصفة ومحترمة تحارب ولا يسمع لها صوت للأسف) ولكن ما أشار إليه بايبس يمثل الجهد الجديد الذي يبذل للترويج للإسلام الأمريكي من خلال استخدام اسماء وواجهات إسلامية. كما انه يراد لتلك الواجهات أن تكتسب شرعية لتحل محل المنظمات الإسلامية الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود على الأقل. وهي التي يتهمها أولئك الغلاة بأنها تدافع عن “الإسلام الراديكالي”، كما أن المنظمات الصهيونية تناصبها العداء وتلاحقها طول الوقت لإسكات أصواتها وحصار جهودها.
(4)
ذلك الاحتشاد النشط في المجالين السياسي والثقافي، الذي ينطلق من العلمانية ويلغي الشريعة ويميع الجهاد ويحصر الإرهاب في الإسلام وينتهي بالتطبيع مع “إسرائيل”، تؤيده وتدعمه، كما أسلفنا، دوائر اليمين المحافظ المخاصم للإسلام والمتحالف مع “إسرائيل”. يتوازى معه الاحتشاد الآخر، الذي يركز على الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في الإسلام، لكنه ينزع إلى اليسار وليس اليمين، رغم أن جهد الطرفين يصب في النهاية في وعاء التفكيك وصياغة الإسلام الأمريكي.
في إطار الاحتشاد الثاني تتحرك مجموعات ترفع راية الإسلام “التقدمي”، وتدعو إلى التساهل - التجاوز إن شئت الدقة - في الإلتزام بمنظومة القيم والأخلاق والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعات المسلمين. وثمة موقع على الإنترنت باسم “يقظة المسلم”، يعبر عن ذلك التوجه، ومسألة الجنس تحظى باهتمام خاص من جانب المسؤولين عن الموقع، الذين خصصوا في إطاره زاوية دائمة عن “الجنس والأمة”. ومن أشهر الناشطات في تلك المجموعة سيدة باكستانية الأصل فيما يبدو أنجبت طفلاً من خارج الزواج، وتقود حملة لتغيير موقف التفكير الإسلامي في الموضوع، للاعتراف بصحة ما أقدمت عليه، أو قبوله على الأقل.
هذه المجموعة “التقدمية” - التي تضم عشرات الأشخاص - ليس اكثر هي التي تبنت الدعوة إلى إمامة المرأة في صلاة الجمعة، والسيدة الباكستانية التي أشرت إليها تواً كانت من زعماء “الاستعراض”
الذي تم في كنيسة واشنطن، للفت الأنظار وإشهار الوجود.
بشكل مواز مع هؤلاء تتحرك مجموعة أخرى أكثر “تحرراً” تقودها سيدة مسلمة باكستانية الأصل، من الشاذين جنسياً، وقد ألفت كتاباً في الموضوع بعنوان “المشكلة داخل الإسلام”. ويجري تسويقها في الإعلام الأمريكي باعتبارها مصلحة اجتماعية وقيادة فكرية إسلامية كبيرة، تسعى إلى تحديث الإسلام وتحريك “الجمود” فيه. وبطبيعة الحال فإن هذه المجموعة التي تضم عشرات أيضاً ولها موقعها الخاص على الإنترنت، تلقى تأييداً ودعماً كبيرين من جانب منظمات الشاذين القوية في الولايات المتحدة، التي يساندها قطاع واسع من “الليبراليين” و”التقدميين”!
(5)
لعلي لا أكون مخطئاً إذا كنت أخرجت تلك الجهود من دائرة البراءة، على الأقل فيما يتعلق بالوسائل والمقاصد. إذ من حق المرء أن يستريب فيها، حين يجد أن الذين يساندون الاعتدال الاسلامي و”التجديد” هم نفر من عتاة المعادين للإسلام والمسلمين والمتحالفين مع “إسرائيل”. ومن حقه أن يثير العديد من علامات الاستفهام حول العلاقة بين تلك الأنشطة، وبين “حرب الأفكار” التي أعلنتها الإدارة الأمريكية في أعقاب 11 سبتمبر، واستهدفت بها العمل على إعادة تشكيل العقل الإسلامي، بالتوازي مع إعادة رسم خرائط المنطقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. كما أن من حقه أن يثير علامات استفهام أخرى حول علاقة تلك الأنشطة بالمقترحات التي تضمنها تقرير مؤسسة “راند” الأمريكية للأبحاث، لتفكيك الإسلام وإعادة تركيبه تحت عنوان “الإسلام المدني والديمقراطي”. خصوصاً أن بعض تلك المقترحات وجدت لها ترجمة وتجسيداً في الأنشطة التي مررنا بها، سواء في منطلقاتها العلمانية أو في استحداث واجهات وقيادات جديدة بديلة لما هو قائم، أو في الهجوم على الإسلام المحافظ والتقليدي، أو في تشجيع تيار التصوف. ومن حق المرء أيضاً أن يتساءل عن أصداء تلك الأنشطة التي تجلت في العالم العربي مؤخراً، وتمثلت في بعض المراكز والمنظمات العلمانية التي تصدت للشأن الإسلامي، وخاضت في مسألة تغيير الخطاب الديني، وتعديل مناهج التعليم، ومحاولة اصطناع قيادات فكرية إسلامية ملتزمة بالأجندة العلمانية. (للعلم: أحد المسؤولين عن واحد من تلك المراكز في القاهرة يبذل هذه الأيام جهوداً حثيثة لتسويق مشروع فكري من ذلك القبيل، وقام بزيارة لدولة خليجية مصطحباً معه بضاعته، حيث ذهب باحثاً عن دعم لإنشاء مركز للتنوير يطعم الإسلام بالعلمانية والعكس).
يبدو الإسلام والمسلمون في هذا المشهد كما لو أنهم أصبحوا ساحة مستباحة لكل من هبّ ودبّ، وهي استباحة لا حدود لها، ولا رادع لمن يجترئ عليها، حيث لا قيمة ولا كرامة لأهلها، الأمر الذي يدعونا إلى إضافة سؤال آخر إلى ما سبق، من يستحق اللوم إزاء ذلك، الذين تطاولوا واجترأوا، أم الذين سكتوا واستكانوا وانبطحوا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق