لم تفلح جهود رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، في إقناع شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في لقائه الرابع به هذا العام، الأربعاء؛ بالعدول عن قراره بعدم مشاركة الأزهر في لجان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التابع لوزارة الأوقاف، الذي يكاد يقطع شعرة معاوية بين مؤسستي الأوقاف والأزهر.
وذهبت تقارير إعلامية إلى أن السيسي لا يخفي دوما عدم رضائه الكامل عن أداء الطيب، غير المتماهي مع حكمه، بالمقارنة بالحماسة الزائدة، التي يبديها كل من مفتي الجمهورية السابق: علي جمعة، ووزير الأوقاف، للوضع السياسي القائم.
وأضافت التقارير أن السيسي صب جام غضبه، في الاجتماع الأخير، على عدم شن الأزهر حملة قوية على جماعات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان وتنظيم الدولة، وإصراره على تبني موقف “متطرف” من الشيعة، متجاهلا مواقف النظام المتقاربة مع إيران والعراق والنظام السوري.
كما زاد تبرؤ الأزهر من مؤتمر “غروزني”، الذي أخرج التيار السلفي من وصف “أهل السنة والجماعة”، وتقديمه شبه اعتذار للسعودية، استياء السيسي من موقف الطيب، خصوصا أن علاقات القاهرة والرياض تمر بأزمة.
ولم يتوقف غضب السيسي عند هذا الحد، بل ألمح إلى عدم ارتياح الرئاسة لأداء الأزهر، ووجود عدد من الشخصيات في الساحة الدينية مؤهلة لخلافته، منهم علي جمعة، المؤيد للسلطة، والمعادي لجماعة الإخوان، وما يطلق عليه “الجماعات التكفيرية”، وهو ما اعتبره شيخ الأزهر إهانة شديدة له باعتباره مخالفة لتعامل كل الرؤساء مع مشايخ الأزهر.
الخلاف يتجدد بين الأزهر والأوقاف
ويأتي اللقاء الأخير بين السيسي وشيخ الأزهر، على خلفية تفاقم الأزمة مجددا بين الأزهر والأوقاف، إثر قيام “هيئة كبار العلماء” التابعة للأزهر، بالإجماع، في اجتماعها مساء الثلاثاء، بالاعتذار عن المشاركة في لجان “المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية”، التابعة للثانية، معللة الانسحاب بضيق الوقت وكثرة الملفات الملقاة على عاتق هيئة كبار العلماء، وبأنها لم تعد لديها وقت لملفات الوزارة.
وجاء قرار هيئة العلماء بالانسحاب من عضوية المجلس على خلفية الأزمة التي جرت الأسابيع الماضية، وقام فيها وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، بإقالة عدد كبير من قيادات الأزهر من المجلس، وعلى رأسهم وكيل الأزهر، عباس شومان، ومستشار شيخ الأزهر، محمد مهنا، وأستاذ الفقه المقارن أحمد كريمة، وأستاذ الشريعة الإسلامية، سعد الدين الهلالي، بحجة أنهم مشغولون في بعض الأعمال الأخرى، وهذا يتعارض مع مصلحة المجلس.
وبرغم تعيين عدد آخر من علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، الذي يرأسه الطيب، بدلا منهم إلا أن هذا الأمر لم يشفِ غليل الطيب، الذي لم يرض عن استبعاد شخصيات تابعة له من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومحسوبة عليه، فاتخذ قراره بالانسحاب، ورفض التراجع عنه أمام السيسي.
من جهتها، أصدرت الرئاسة بيانا، تعليقا على لقاء السيسي والطيب، قالت فيه إن اللقاء “شهد استعراضا لما يقوم به الأزهر من جهود لتصويب الخطاب الديني، وتصحيح صورة الإسلام، وتنقيتها مما علق بها من أفكار مغلوطة”، مشيرا إلى أن الطيب تناول موضوع “جلسات الحوار المجتمعي التي تنظمها مؤسسة الأزهر في جميع المحافظات”.
لكن وكيل الأزهر، عباس شومان، ألمح إلى وجود خلاف بين السيسي والطيب، الذي يبدو أن السيسي ينحاز فيه إلى الأوقاف، فدافع شومان، في مداخلة هاتفية ببرنامج “صباح دريم”، عن الأزهر مؤكدا أنه يعمل على المستويين الداخلى والخارجي، ويقوم بجهود كبيرة جدا في مجال الدعوة في الخارج، وفق وصفه.
خلفيات عميقة للخلافات
وأشار مراقبون إلى تخوف شيخ الأزهر من طموح وزير الأوقاف في خلافة الطيب في منصب الأمام الأكبر، وهو الأمر الذي أخذ شكل محاولات إقصائه من منصبه.
ولم تكن حرب المناصب وحدها الأزمة التي بين الأزهر والأوقاف، فمنذ أن أطلقت الأوقاف صافرة الانطلاق لفكرة الخطبة المكتوبة حتى أكد عضو هيئة كبار العلماء، أحمد عمر هاشم، رفضه للفكرة التي ستؤثر سلبا على مستقبل الدعوة، ولم يتركه الطيب وحيدا في معركته، فأصدر تعليماته باجتماع موسع لهيئة كبار العلماء رفضوا فيه بالإجماع الخطبة المكتوبة.
واعتبرت الأوقاف أنها وحدها المسؤولة عن تطبيق الفكرة باعتبارها جزءا من اختصاصاتها، ولم يترك السيسي المعركة تحتدم، دون تدخل منه، تمثل في إعلانهما إنشاء أكاديمية تحت مظلة الأزهر؛ لتدريب جميع من يقوم بممارسة العمل الدعوي سواء في الأوقاف أو الإفتاء أو مجمع البحوث الإسلامية.
ومن ثم هدئت الأوضاع بخروج شيخ الأزهر منتصرا، إلا أنه ثبت بمرور الوقت، وبقرار الأوقاف الأخير، أنها لم تتقبل هذا النصر، وفكرت في رد الصاع صاعين بإقالة عدد من علماء الأزهر من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
اتهامات الأوقاف للأزهر بـ”الأخونة”
حرص وزير الأوقاف على اتهام شيخ الأزهر بدعم أخونة المشيخة، وتقريب مستشارين له ينتمون لجماعة الإخوان، وفى مقدمتهم حسن الشافعي ومحمد عمارة وآخرون، الأمر الذي كلفه خسارة المكتب الفني للشيخ، وإقصاء “شومان” عن عضوية مجلس إدارة الحسين، ثم تجدد الصراع بينهما في الخطبة المكتوبة منتصف العام الجاري.
وحمل عام 2015، للمؤسستين تجاهلا تاما لحضور مؤتمرات كل منهما، لعل أبرزها مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية حول عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه، الذي اعتذر شيخ الأزهر عن عدم حضوره بداعي المرض.
كما شهد العام نفسه تباينا في الموقف من العناصر السلفية، إذ أعلن وزير الأوقاف منع صعود غير الأزهريين أو حاملي التصريحات للمنابر، ووضع اختبارات وصفها نائب رئيس الدعوة ياسر برهامي بالمقصودة والموجهة لإقصائهم، واتجهوا إلى لقاء شيخ الأزهر بمقر المشيخة والسفر إلى السعودية من أجل الضغط على الوزير، الأمر الذي أسفر عن صعودهم فيما عرف بصفقة السلفية التي مكنت “برهامي ومخيون” من الخطابة، إضافة إلى آخرين من أبناء الدعوة السلفية، شريطة التجديد الشهري لتصريح الخطابة الممنوح لهم.
يذكر أن السيسي سبق أن طالب في الاحتفال بذكرى المولد النبوي عام 2015 بضرورة تجديد الخطاب الديني بدعوى تضمنه الكثير من “المفاهيم المغلوطة التي تتسبب في إهدار دماء المخالفين للمسلمين في العقيدة”، وهو ما رأى فيه وزير الأوقاف إشارة للبدء في تجديد الخطاب الديني، وحمل الراية بديلا من الأزهر، الأمر الذي أشعل الصراع مجددا بين الأزهر والأوقاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق