بعد فوز مهاتير محمد بالانتخابات، ماليزيا تعتزم مواصلة السير في الاتجاه نفسه
التاريخ: 01 ديسمبر 1999
يرى المحللون الاقتصاديون ان فوز رئيس الوزراء الماليزي للمرة الخامسة بعد ان حصل الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه بأغلبية برلمانية كبيرة يعد مدعاة للسرور للعديد من الشركات التي ارتبطت مصالحها بالحكومة لفترة طويلة. وقد تنفست هذه الشركات الصعداء بعد سماع النتائج الأولية للانتخابات والتي أكدت فوز رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد بعد ان حكم البلاد لفترة وصلت الى ثمانية عشر عاما. فقد أمضت العديد من الشركات الكبرى في ماليزيا وقتا عصيبا في انتظار اعلان نتائج الانتخابات خوفا من وصول المعارضة الى كرسي الحكم, مما يعني بالغ الضرر لمصالح تلك الشركات. وقد حققت تلك الشركات مكاسب طائلة لسنوات عديدة بسبب ارتباطها بساسة الائتلاف الحاكم مستفيدين من سخاء الحكومة في شتى المجالات ابتداء من البنوك وحتى بناء الطرق. فعلى سبيل المثال منحت الحكومة الماليزية شركة رينونج حقوق بناء تشغيل وادارة وجمع الرسوم لأطول طريق في ماليزيا وهو الطريق السريع الذي يربط بين شرق البلاد وغربها. مثال آخر هو بنك (بوميبوترا ماليزيا) الذي تمكن من الحفاظ على موقفه من خلال التدفق المالي الذي كانت توجهه اليه شركة البترول الماليزية الوطنية (بتروليوم ناسيونال) . وقد كان الغرض من بناء البنك من الأساس ـ والذي أصبح ممتلكا جزئيا لشركة رينونج ـ هو تمويل المشروعات الخاصة بالاقلية الماليزية المعروفة باسم (المالاي) . ويرى المحللون ان الفرصة اصبحت سانحة الآن أمام هذه الشركات للحصول على مزيد من حقوق المشروعات مثل خط أنابيب المياه المقرر انشاؤه لنقل المياه المعالجة من ولاية باهانج الى سنغافورة بقيمة اجمالية 5.7 مليارات دولار. ويقول بروس جالي المدير الاقليمي لاستشارية المخاطر السياسية والاقتصادية في سنغافورة ان فوز الائتلاف الحاكم سوف يعمل على اقرار الأوضاع كسابق عهدها, لكن الحال كان سيتبدل ما اذا تمكنت المعارضة من ان تفسح لنفسها المجال وتنجح في الوصول الى ادارة شئون البلاد. ولكن المعارضة لم يكن لها أبدا هذا الثقل الذي يخشى جانبه على مدار العقود الثلاثة الماضية, حيث عانت من التشرذم والفرقة ولم يتوحد لواؤها تحت راية وزير المالية السابق أنور ابراهيم الذي بدا لفترة وكأنه الخليفة المنتظر لمهاتير محمد. الا ان رئيس الوزراء الماليزي لم يمهله الفرصة, حيث أوقفه وقدمه للمحاكمة, حيث صدر ضده حكم بالسجن لمدة ست سنوات بناء على اتهامات بالفساد. وقد ظهرت بوادر المؤشرات التي تدل على الثقة التامة في فرص اعادة انتخاب مهاتير قبيل بدء الانتخابات, حيث ارتفعت أسهم الشركات ذات الصلة بالحكومة, حيث ارتفعت على سبيل المثال أسهم شركة رينونج بنسبة 12% خلال الأسابيع السابقة للانتخابات. كما تم اختيار حليم سعد ـ الذي يحظى برعاية وزير المالية دايم زين الدين ـ لتولي ادارة الشركة. وهناك أمثلة عديدة للشركات الماليزية المرتبطة مصالحها بالحكومة الائتلافية أمثال شركة ماليزيان بلانتيشن وشركة صناعات الموارد التكنولوجية وكيجوراهارتا وشركة تايم للأعمال الهندسية. وقد حققت أسهم شركة تايم أداء فائقا وجاءت ضمن أفضل خمس شركات بسوق الأسهم خلال الاسبوعين الماضيين, ولكن يبقى ان نعلم ان الشركة التي تتبع رينونج ملايان المتحدة لها صلات وطيدة رازاليخ حمزة أحد قادة الحزب الحاكم السابق وكذلك شركة (تكنولوجي ريسورسيز) وهي شركة عاملة في مجال التليفون النقال ويرأسها تاج الدين راملي أحد أصدقاء رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد. وتقول فيونا ليونج وهي باحثة اقتصادية متخصصة ان فوز الائتلاف الحاكم مرة اخرى سوف يؤدي الى مزيد من الرخاء, فالمستثمرون يفضلون اجواء الاستقرار حيث يجنحوا دائما الى الابتعاد عن المغامرة التي يمكن ان يتسبب فيها مقدم عنصر جديد الى الحكم. ولكن يجب على المستثمرين ان يوجهوا انظارهم الآن الى أساسيات العمل في الشركة وينصرفوا عن تركيز اهتمامهم على الاشخاص الذين تربطهم مصالح تلك الشركات, هكذا يرى شونج يون شو مدير مركز آسيا المحدود لادارة الاصول بسنغافورة حيث يقول: ان القواعد التي تحكم قدرة الأسهم على المنافسة هي قواعد السوق وهذه هي الحقيقة التي تبقى في مواجهة واقع متغير. وكان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد قد فاز أمس الثلاثاء بالانتخابات التي واجه فيها معارضة قوية يسيطر عليها الاصوليون الاسلاميون. وحقق ائتلاف الجبهة الوطنية المؤلف من 14 حزبا ويرأسه مهاتير هدفه بالفوز بأغلبية الثلثين اللازمة لتعديل الدستور ويعد ذلك نقطة مهمة للمضي قدما في سياسات مهاتير المتعلقة بتنمية الاقتصاد. وقالت اللجنة الانتخابية ان ائتلاف الجبهة الوطنية حصل على 148 مقعدا من مقاعد البرلمان المؤلف من 193 مقعدا في اكثر انتخابات تشهد تنافسا في البلاد منذ 30 عاما فقد نجحت المعارضة ايضا في مضاعفة عدد المقاعد التي حصلت عليها في انتخابات عام 1995 اذ حصلت على 27 مقعدا مقارنة مع 13 مقعدا عام 1995. وكانت الجبهة الوطنية قد حصلت على 162 مقعدا في انتخابات عام 1995. وصرح مهاتير في مؤتمر صحفي بعد الفوز (من الواضح ان الجبهة الوطنية ما زالت الحزب الذي يختاره شعب ماليزيا) . وفقدت منظمة الملايو الوطنية المتحدة التي يرأسها مهاتير نفوذها للحزب الاسلامي الماليزي في تحول يرجعه محللون الى الغضب من اقالة مهاتير لنائبه السابق انور ابراهيم وسجنه. وبعد ان حققت بورصة ماليزيا مكاسب عند الفتح انخفضت بشدة بعد ساعتين من التعاملات, وقال سماسرة ان البورصة تنتظر اعلان مهاتير لوزارته الجديدة. وفازت عزيزة وان اسماعيل زوجة انور ابراهيم في السباق السياسي الذي خاضته في دائرة زوجها الانتخابية سابقا في ولاية بينانج, الا ان حزب كياديلان الوطني الذي ترأسه حصل على بضعة مقاعد فقط متأخرا وراء شريكه المعارض الحزب الاسلامي الماليزي. وانتزع الحزب الاسلامي الماليزي الفوز في ولاية كيلانتان وفي ولاية تيرينانجو الغنية بالنفط والغاز من ائتلاف مهاتير في تحول للولاء في المناطق التي يقطنها شعب الملايو. كان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد هو البطل الأول في قصة الكارثة الاقتصادية التي ضربت جنوب شرق آسيا مؤخرا. فقد ألقى مهاتير بتبعة مشاكله على عدة جبهات حيث أرجع هذه المشكلات الى تلاعب العناصر اليهودية بالسوق, كما رفض النصائح التي اسداها صندوق النقد الدولي اقتناعا منه أن هذه النصائح ماهي الا جزء من المخطط الغربي لاعادة احتلال آسيا. في بداية الازمة ـ بدا موقف رئيس الوزراء الماليزي سخيفا ويدعو للسخرية. ولكن مع مرور الوقت بدا ان مهاتير محمد لم يجانبه الصواب في تقديره للموقف وبات من الصعب ان تصبح رؤاه مسارا للسخرية وذلك لسبب واحد هو أن الكارثة كانت في الواقع أسوأ بكثير مما كان يبدو عليه الأمر. وبات من الواضح لأي شخص ذي عقل متفتح وواع ان السياسات والنصائح التي قدمها صندوق النقد الدولي لم تكن على قدر كبير من الصواب. من ناحية اخرى ـ وعلى الرغم من ان المؤامرة التي تخيلها مهاتير محمد لم تكن واقعية (وذلك لإدراكي لقدرات تلك العناصر التي أشار اليها بالاتهام وعدم قدرتها على حياكة مؤامرة كهذه), فإن بعض رؤوس الاموال قد ساهمت بالفعل في التلاعب بأسواق هونج كونج خلال صيف عام 1998, وفي ذلك الحين بدأت أراجع رؤيتي وتقديري لابعاد الازمة الآسيوية. فحجم انتشار (العدوى) على الخريطة الدولية وسرعة انتقال الازمة من بلد الى آخر من تلك الدول التي تربطها علاقات تجارية اقتصادية مع الضحايا الحقيقيين للكارثة كل ذلك اقنعني بان منتقدي صندوق النقد الدولي امثال جيفري شاس كانوا على حق في نقدهم وتصميمهم على أن الأمر لم يكن يتعلق بأسس اقتصادية قدر ارتباطه بنبوءة يؤدي تحققها مع انهيار الاقتصاد وحدوث حالة من التخبط في الاسواق حيث يخدم ذلك كله في اثبات اهمية الأخذ بنصائح الصندوق. ولكنني توصلت في النهاية الى رأي يقول بأن تهديد الحركة الاسرع للاموال سوف يمنع الاقتصاديات الآسيوية الدخول في دوامة جديدة من الكساد. فزيادة المصروف العام وخفض معدلات الفائدة ضروريان لانعاش الاسواق مرة أخرى ودفع النمو الاقتصادي. وهنا وجدت نفسي اقف موقف المدافع ولو بشكل مؤقت عن الرأي القائل بفرض محاظير على سحب رؤوس الاموال من المناطق المنكوبة اقتصاديا حيث يمكن فرض (حظر) إذا جاز التعبير على حركة رأس المال كجزء من خطة شاملة للانتعاش الاقتصادي. والان فقد ظهر أنه في الوقت الذي اعلنت فيه عن آرائي بهذا الخصوص كان مهاتير محمد ومستشاروه يعملون في الخفاء على وضع خطة تتبنى رأياً بخصوص هذا الحظر. ووفقا الى ما نما الى علمي فإن الحكومة الماليزية قد أخذت برأيي الذي لعب دوراً صغيرا في القرار والاستراتيجية الماليزية بهذا الصدد.. وفي الواقع فقد كان القلق يساور مستشاري محمد من غياب اي تأييد اقتصادي دولي لرؤاهم ولكن مع ظهور آرائي في المقال الذي نشر لي في مجلة (فورتشن) الاقتصادية الدولية المتخصصة, سكنت كل الشكوك. وبالطبع فان ماليزيا كانت سوف تواصل خطتها لا محالة بغض النظر عن آرائي ولكنني وجدت نفسي في موضع المؤيد بين امرة صغيرة من الخبراء الاجانب الذين شاركوني هذه القناعة. كيف تمكنت ماليزيا من النجاة؟ عندما فرضت الحكومة الماليزية الرقابة على رؤوس الاموال, تعالت اصوات المحلليين الغربيين بنبوءات عن انهيار الاقتصاد وزيادة التضخم بمعدلات هائلة وظهور السوق السوداء, ولكن كل ذلك لم يحدث وقد اثبتت المؤشرات الاقتصادية التي صدرت قبل وصولي الى ماليزيا بيومين, ان حالة الانتعاش الاقتصادي في البلاد قد سجلت معدلات طيبة ومبشرة. حيث اتخذ التطبيق الفعلي للحظر منهجا منطقيا اختياريا دقيقاً وتزامن ذلك مع تبني بعض الاصلاحات الاقتصادية الهامة مثل تلك الخاصة بالنظام البنكي الذي اخذ في النمو السريع في اعقاب تطبيق هذه الاصلاحات. وبعد ايام قليلة من زيارتي لماليزيا خففت الحكومة من الحظر المفروض على حركة رؤوس الاموال لكن على الرغم من ذلك لم يتم تحويل مبالغ كبيرة بل كانت الحركة طبيعية على غير المتوقع. وفي الواقع فانني لم اخف بعض شكوكي من فرض حزام حظر شديد الصرامة في البلاد الامر الذي ادى الى خيبة امل ماليزية في تأييدي لهم. وفي الحقيقة: فانه في الوقت الذي اثبت فيه الانتعاش الماليزي ان المعارضة الهيستيرية للحظر كانت خاطئة لم يثبت هذا الانتعاش ايضا ان وجهة النظر المؤدية للحظر كانت صائبة 100%. فقد كان الانتعاش الاقتصادي ايضا عرف طريقه الى عدد من الدول الآسيوية الاخرى التي لم تطبق اي شكل من اشكال الحظر على حركة رؤوس الاموال بها مثل كوريا الجنوبية وتايلاند واندونيسيا حيث بدأ هذا الانتعاش في الوقت الذي قررت فيه ماليزيا تحدي الاعتقادات الاقتصادية السائدة وتبنى سياسة منهجية خاصة ومتفردة. وربما تكون ماليزيا قد تمكنت من تحقيق انتعاشا اقتصاديا بوتيرة اسرع من جاراتها ولكن ذلك لا يؤيد وجهة نظر مهاتير محمد الذي كان يرى انه في الوقت الذي تمكنت فيه بلاده من تحقيق هذا الانتعاش فان الدول الاخرى بالمنطقة مازالت ترزح تحت وطأة الكارثة. ولكن ماهي اذن الدروس المستفادة من الانتعاشة الماليزية؟ يجب ان نعلم ان تركيز مهاتير محمد الدائم على عنصر (المؤامرة) وتفسير الكارثة في ضوء هذه القناعة توجه غير دقيق أو صحيح. ونحن لانستطيع ان ننكر ان هناك بالفعل بعض العناصر القوية قد تعمد احيانا الى استغلال الاقتصاديات الاضعف في السوق ولكن ذلك ليس هو المبرر الاوحد لوضع المحاظير على حركة الاموال. وربما ادى التركيز الشديد على دور العنصر الاجنبي القوي الى تشجيع ماليزيا على الاحتفاظ بالحظر مفروضا لمدة غير قصيرة. وعلى الرغم من ذلك فقد اثبتت ماليزيا نقطة محددة وهي ان فرض الحظر على حركة رؤوس الاموال اثناء الازمات امر ممكن تحقيقه. فقبيل التجربة الماليزية كان الرأي السائد في الاوساط الاقتصادية ان حالات الانهيار النابعة من اسباب داخلية لايمكن للحكومة فيها الا ان تقوم باعادة جدولة الديون البنكية بشكل جزئي من اجمالي الحركة المالية المحتملة لرؤوس الاموال ومحاولة استعادة الثقة من خلال اظهار صورة واضحة للأداء القوي المتعافى. التقشف والاصلاح هما الكلمتان اللتان ينبغي ان تكونا في مقدمة الوصفة الاقتصادية للتعافي. والآن بات من الواضح امام الجميع ان الحظر ليس بالضرورة هو الحل الوحيد في حالات الازمات وفي اغلب الاحوال يمكن استعادة الثقة في القدرة الاقتصادية للبلد المضار دون الحاجة الى اتخاذ اجراءات اقتصادية صارمة حيث يمكن فقط ان تتعاون البنوك والجهات المقرضة الاخرى في تحمل العبء في محاولة لتخفيف وطأة هذه الازمة, ولكن التجربة الماليزية ايضا اثبتت انه من السخف الحكم على الحظر بانه اقل الطرق فاعلية للخروج من الازمات. وفي النهاية تبقى حقيقة واحدة بغض النظر عن تقويمنا لرئيس الوزراء مهاتير محمد فان ماليزيا قد نجحت في ان تقيل نفسها من عثرتها بفضل سياستها الاقتصادية ورؤيتها الخاصة, ولايمكن ان ننكر ان التوقعات بعدم انتهاء الازمة في ماليزيا وانغماسها فيها كانت كلها آراء سيطرت عليها احكام وايديولوجيات سياسية اكثر منها اقتصادية.
=============
محطات فارقة في نهضة ماليزيا.. كيف نجا مهاتير من "الفخ"؟
عربي21- إبراهيم الطاهر
# الخميس، 17 مايو 2018
محطات فارقة في نهضة ماليزيا.. كيف نجا مهاتير من "الفخ"؟
رفض مهاتير محمد توصيات صندوق النقد الدولي وقام باتباع سياسات معاكسة نجحت في تجنيب ماليزيا خسائر اقتصادية كبيرة- جيتي
عاد الزعيم الماليزي المخضرم، وصانع نهضة ماليزيا، مهاتير محمد (93 عاما)، إلى السلطة مجددا بعد فوز ائتلافه المعارض في الانتخابات البرلمانية، ليصبح أكبر سياسي منتخب في العالم.
وأدى مهاتير محمد يوم الخميس 10 مايو 2018 اليمين القانونية رئيسا للوزراء، ليتسلم السلطة قبل نحو عامين من انتهاء خطة "2020" التي كان قد وضعها خلال فترة حكمه للبلاد، والتي بموجبها ستصبح ماليزيا بموجبها رابع قوة اقتصادية في آسيا بعد الصين، واليابان، والهند.
وخلال الـ 22 عاما التي تولى فيها مهاتير محمد رئاسة الوزراء (1981- 2003)، نجح في نقل ماليزيا من دولة زراعية "مهملة" تعتمد على زراعة الموز والمطاط إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وزاد دخل الفرد السنوي من ألف دولار إلى 16 ألف دولار، وارتفع حجم الاحتياطي النقدي من 3 مليارات دولار إلى 98 مليار دولار، وقفز حجم الصادرات من نحو 15 مليار دولار إلى 200 مليار دولار.
ومرّ مشوار النهضة الماليزية بمحطات فارقة وتحديات صعبة أبرزها نقص الأيدي العاملة والمدربة، وبعض هذه التحديات كانت بمثابة "الفخ" الذي نجا منه مهاتير، عندما رفض أثناء الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 اقتراح من صندوق النقد الدولي بالسماح للشركات المتضررة بإعلان إفلاسها، مقابل حزمة من المساعدات الطارئة، واتبع سياسات معاكسة لتوصيات الصندوق.
اقرأ أيضا: "مهاتير" رئيسا لحكومة ماليزيا بعد أداء اليمين.. بماذا وعد؟
ويرى مراقبون أن مشوار النهضة الماليزية لم يبدأ فقط منذ تولى مهاتير محمد رئاسة الوزراء والبدء في تطبيق رؤية اقتصادية لتحقيق نهضة شاملة، مؤكدين أن مهاتير استبق النهضة الاقتصادية بتغييرات ثقافية وفكرية عندما شارك في قيادة حراكا شبابيا وجماهيريا منذ أن أصبح رئيسا لاتحاد الطلاب المسلمين بجامعة سنغافورة قبل تخرجه من كلية الطب عام 1953، وتخصيص نصف وقته لمعالجة الفقراء في عيادته كجراح، وفوزه بعضوية مجلس الشعب عام 1964، ثم انتخابه "سيناتور عام 1970، واختياره وزيرا للتعليم عام 1975، ثم مساعدا لرئيس الوزراء عام 1978، ثم رئيسا للوزراء على مدار خمس فترات انتخابية متتالية منذ عام 1981 وحتى عام 2003، ليصبح صاحب أطول فترة حكم في آسيا.
معضلة الملايو
وقبل توليه السلطة بنحو 11 عاما أصدر مهاتير محمد كتابا عام 1970 باسم "معضلة الملايو"، انتقد فيه بشده شعب الملايو واتهمهم بالكسل والرضا بأن تستمر بلادهم دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها، فقرر الحزب الحاكم حينها والذي يحمل اسم "منظمة الملايو القومية المتحدة" منع الكتاب من التداول رسميا نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها.
وأتاحت المدة الطويلة التي قضاها الجراح الماليزي في الحكم، الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث أصبحت ماليزيا أحد أنجح الاقتصادات في جنوب آسيا والعالم الإسلامي.
اقرأ أيضا: إيكونوميست: أي دلالة لعودة مهاتير في ماليزيا؟
بنى مهاتير خطته الأولى لنهضة ماليزيا بالتركيز على ثلاثة محاور بصفة خاصة، وهي: محور التعليم، ويوازيه محور التصنيع، ويأتي في خدمتهما المحور الاجتماعي.
المدارس الذكية
وفي نظام التعليم، جعل مهاتير محمد مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية (الروضة) جزءا من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور الرياض وما قبل المدرسة مسجلة لدى وزارة التربية، وأنشأ الكثير من معاهد التدريب المهني، التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك.
كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها مواد دراسية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة؛ وذلك من خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة التي لا تحدث تلوثا بالبيئة.
وبلغ إجمالي ما أنفقته الحكومة الماليزية على التعليم في عام 1996 2.9 مليار دولار بنسبة 21.7% من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي، وازداد هذا المبلغ إلى 3.7 مليارات دولار عام 2000 بما يعادل نسبة 23.8% من إجمالي النفقات الحكومية.
اقرأ أيضا: مهاتير يتحدث عن "الفساد" ويحدد طبيعة الهدايا للمسؤولين
ثورة صناعية
وصناعيا، قاد مهاتير محمد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ثورة صناعية بماليزيا تزامنت مع انخفاض أعداد أبناء الصيادين والمزارعين الذين امتهنوا مهنة آبائهم منخفضة الأجر، وأصبح هؤلاء الشباب بعد ذلك هم تروس الاقتصاد الحديث، وهاجروا إلى المدن بمعدلات غير مسبوقة، ونتيجة لهذا انخفض أعداد المواطنين ممن هم تحت خط الفقر من 52% في عام 1970 إلى 5% فقط في عام 2002.
وشجعت حكومة مهاتير محمد الصناعات ذات التقنية العالية وأولتها عناية خاصة، كما عملت على التصنيع في الأسمنت والحديد والصلب، بل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون)، ثم التوسع في صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات والتي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40% من العمالة.
وكانت اليابان هي أكبر حلفاء ماليزيا في مشروعها نحو التنمية والتقدم، ولعبت دورا مهما في الثورة الصناعية الماليزية إلى جانب النمور الآسيوية الأربعة (هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان)، وقدمت اليابان لماليزيا رأس المال والتكنولوجيا.
وخلال فترة حكم مهاتير، تم إنشاء أكثر من 15 ألف مشروع صناعي بإجمالي رأس مال وصل إلى 220 مليار دولار، وفرت مليوني فرصة عمل للشعب الماليزي، وشكلت المشروعات الأجنبية حوالي 54% من هذه المشاريع، بينما مثلت المشروعات المحلية 46%.
وفي السبعينيات شهدت ماليزيا أسرع توسع اقتصادي لها، حيث بلغ معدل النمو في ذلك العقد 7.9% سنويا، ولكن خلال الثمانينيات انطلق النمو بطريقة لم يسبق لها مثيل، واستمر الاقتصاد في التوسع بشكل أكبر حتى جاءت الأزمة المالية الآسيوية.
اقرأ أيضا: قطبا ماليزيا يتحالفان بعد عداوة.. ما دوافع مهاتير وأنور ابراهيم؟
عملية "جوثري"
وفي السابع من سبتمبر/ أيلول عام 1981 قاد مهاتير محمد عملية أطلق عليها "غارة الفجر" سيطرت خلالها الحكومة الماليزية على أسهم شركة المطاط وزيت النخيل البريطانية "جوثري" في بورصة لندن في أقل من أربع ساعات.
وكانت شركة "جوثري" البريطانية تمتلك وحدها 17% من الأراضي الماليزية في ذلك العقد، بينما كانت تسيطر الشركات الأوروبية على 1.2 مليون فدان من 1.4 مليون فدان من مزارع المطاط، هي إجمالي ما كانت تمتلكه البلاد في فترة ما بعد الحرب.
وتسببت هذه المناورة في توتر العلاقات بين ماليزيا وبريطانيا، واليوم أصبحت "جوثري" جزءاً من شركة "سيم داربي" التي استحوذت عليه الحكومة أيضاً في عام 1977.
انهيار "الرينجت"
وفي أواخر التسعينيات، تعرضت دول شرق آسيا لأزمة مالية عاصفة، بسبب تفاقم أزمة الديون الخارجية على الشركات، وتحطمت العملات المحلية في جنوب شرق آسيا، وشهدت العملة الماليزية "الرينجيت" مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا وبالأخص من جانب المستثمرين الأجانب.
وخلال الأزمة المالية الأسيوية انخفض سوق الأسهم الماليزية بنسبة 75%، وهبطت قيمة "الرينجت" بنحو 40% ملامسة أدنى مستوى لها في 24 عاماا، وأنفقت البلاد مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي في محاولة لدعم العملة، وبدا أن النجاح الذي حققه مهاتير محمد على وشك التحول إلى فشل.
ولعب مهاتير دورا بارزا في إدارته للأزمة المالية، وأصدر مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات.
سياسات معاكسة
وفي الوقت الذي استجابت فيه الدول الآسيوية المتضررة من الأزمة المالية لتوصيات صندوق النقد الدولي وقامت بتعويم عملاتها المحلية، رفض مهاتير محمد التوصيات، وقام باتباع سياسات معاكسة لتوصيات صندوق النقد الدولي، واعتمد سياسة مالية تقشفية تهدف إلى تعزيز "الرينجت" خرجت منها ماليزيا بأقل الخسائر مقارنة بباقي دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية.
وساعد في نجاح السياسات المالية التي أصر مهاتير محمد على تنفيذها إبان الأزمة المالية الأسيوية، أن الشركات والبنوك الماليزية لم تكن مثقلة بكم هائل من الديون مثل نظرائها الإندونيسية والتايلاندية، والحكومة الماليزية أيضا لم تهدر أموالها في الاستثمار في المشاريع العقارية مثلما حدث في تايلاند، ودول شرق أسيوية أخرى.
#==============
تحدي ماليزيا لصندوق النقد الدولي .. ماذا فعل "مهاتير محمد" بعد رفضه لخطة الصندوق؟
2018-03-10 أرقام - خاص
"قد نفشل بطبيعة الحال، ولكننا سنبذل قصارى جهدنا كي تنجح خطتنا الخاصة، حتى لو اتحدت ضدنا جميع القوى الغنية ذات السلطة. سننجح إن شاء الله". هذا ما قاله رئيس الوزراء الماليزي السابق "مهاتير محمد" في أكتوبر/تشرين الأول 1998 بعد شهر واحد فقط من بدء بلاده تنفيذ خطتها الاقتصادية الخاصة عقب رفضها لخطة صندوق النقد الدولي.
من بين جميع البلدان التي تأثرت بالأزمة المالية الآسيوية (1997)، كانت ماليزيا هي الدولة الوحيدة التي رفضت اعتماد برنامج صندوق النقد الدولي. وبالنظر للوراء بعد سنوات، اتضح للجميع أن ماليزيا كانت أكثر من موفقة حين اتخذت هذه الخطوة، ورسمت مسارها الخاص.
ماليزيا تحشد رجالها لشق طريقها
- في عام 1997، انخفضت قيمة الرينجيت الماليزي بنسبة 35%، وتراجعت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وتحطم سوق الأسهم وخسر نصف قيمته، ولكن بدلًا من التوجه إلى صندوق النقد الدولي، (كما فعلت بلدان مثل إندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية) شكلت الحكومة الماليزية هيئة وطنية يرأسها رئيس الوزراء هدفها إخراج البلاد من الأزمة.
- في العشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1997، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، شكلت الحكومة الماليزية " مجلس العمل الاقتصادي الوطني" (NEAC) بناء على توصية من رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الماليزي "نور الدين سوبايى" لوضع خطة عمل استراتيجية لمواجهة الهجوم المالي والاقتصادي الذي تتعرض له البلاد من المضاربين.
- تألف المجلس من كبار المسؤولين الحكوميين بما فيهم رئيس الوزراء "مهاتير محمد" ونائبه، ورؤساء عدد من الوكالات الحكومية الأخرى، وممثلين عن النقابات والشركات والمنظمات المدنية المعنية، بالإضافة إلى عدد من كبار المصرفيين.
- اجتمع أعضاء المجلس الـ26 لمدة ثلاث ساعات يوميا، خمسة أيام في الأسبوع طوال عامي 1998 و1999، ولم يغب "مهاتير محمد" عن أي من هذه الاجتماعات، حضرها جميعًا! بمرور الوقت، تحمل هذا المجلس المسؤولية أكثر من مجلس الوزراء تجاه بعض القضايا الاقتصادية.
- دعا "مهاتير" أيضًا الرئيس السابق لقسم النقد الأجنبي بالبنك المركزي "نور محمد يعقوب" الذي يتمتع بخبرة كبيرة في نشاط وطبيعة أسواق المضاربة. وعقد الرجلان اجتماعات لا تعد ولا تحصى في محاولة للتوصل إلى خطة تحمي ماليزيا من المضاربين، وتلتزم في نفس الوقت بطابع الأسواق المالية الدولية.
- جذب النموذج الصيني الذي كانت تقوم فيه الدولة بالسيطرة على العملة المحلية والسماح للاستثمار الأجنبي بالدخول إلى قطاعات محددة اهتمام أعضاء المجلس. وبعد دراسة متأنية ومناقشات مع رجال أعمال ماليزيين عملوا في الصين، قرر المجلس أن النموذج الصيني هو الأنسب لماليزيا، إذا تم تطبيق بعض التعديلات الطفيفة عليه.
الإمساك بزمام الأمور
- في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1998، كشفت ماليزيا عن خطتها الخاصة لمواجهة الأزمة، وتضمنت: فرض ضوابط العملة على حساب رأس المال (وليس على حساب رأس المال الجاري)، وإلغاء التداول على الرينجيت خارج ماليزيا، وتجميد تخارج الأجانب من محافظهم المالية بالسوق الماليزي (قيمتها حوالي 18 مليار دولار) لمدة 12 شهرًا، وربط الرينجيت بالدولار الأمريكي، في محاولة لمنع المضاربة على الرينجيت.
- سياسة ماليزيا الحاسمة وغير التقليدية في إدارة الأزمة، والمتمثلة في ربط الدولار بالرينجيت، أعطت الحكومة مزيدا من السيطرة على سياستها الاقتصادية وحجمت المضاربات على العملة. وفي نفس الوقت نجحت ماليزيا في تجنب خطر أن تصبح قيمة الرينجت مبالغ فيها مع مرور الوقت، كما حدث في الأرجنتين في التسعينيات.
- ثم أجرت ماليزيا عملية إعادة هيكلة، لنظامها المالي. وشملت عملية تحقيق الاستقرار المالي، إنشاء مؤسسات لشراء القروض المتعثرة وإعادة رسملة المؤسسات المالية، ودمج بعضها، وتطوير سوق السندات المحلية.
- في تصريحات لـ"بلومبرج"، قال "سونج سنج وون" الخبير الاقتصادي ببنك "سي آي إم بي" السنغافوري : "لقد قرأ مهاتير المشهد بشكل صحيح في ذلك الوقت. فهو رجل يفهم جيدًا علم النفس، ولذلك لم يخف، لأنه يدرك جيدًا أنه إذا فقد الناس الثقة به وبالبنك المركزي وبالرينجيت، ستنتهي البلاد."
- بعد الإعلان عن هذه الإجراءات تعرض "مهاتير" لانتقادات كثيرة من أنصار مفهوم السوق الحرة، ولكنه رد عليهم في خطاب له بالعام 1999 قائلًا: "نحن في ماليزيا نؤيد نظام السوق الحرة، ولكنه ليس دينًا ندين به، بل هو مجرد نظام اقتصادي وضعه بشر يخطئ ويصيب. نحن نحاول الالتزام به، ولكننا في نفس الوقت لا نرى أي سبب قد يدفعنا لقبول أي شيء يرتبط بهذا النظام حتى لو كنا لا نجني أي فائدة منه".
- في ذات الإطار، صرح "مهاتير" على هامش مؤتمر عقده معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الماليزي في 25 يناير/كانو الثاني 1999 قائلًا: "إن ماليزيا بفرضها ضوابط على رأس المال، أصبحت أول دولة تضع حقوق الإنسان ورفاهية شعبها قبل مصالحها المالية."
هل تمكنت ماليزيا من فعلها؟
- في حين أن كل البنوك المركزية الآسيوية تقريبًا، قامت برفع أسعار الفائدة تنفيذًا لسياسات صندوق النقد الدولي من أجل الدفاع عن عملاتها بعد أن ألغت ربطها بالدولار، سار المركزي الماليزي في الاتجاه المعاكس وخفض أسعار الفائدة من 11% في يوليو/تموز 1998، إلى 5.5% بحلول أغسطس/آب 1999.
- نجحت ماليزيا في إدارة اقتصادها بنجاح بعيدًا عن صندوق النقد الدولي. وقد حالت سياستها المالية التوسعية دون انغماس الاقتصاد في مزيد من الركود، وتسببت هذه السياسة في تحفيز الاقتصاد مما ساهم في تعزيز الثقة ببنية الاقتصاد الماليزي.
- في خطاب أرسله إلى مؤتمر لصندوق النقد الدولي عقد بهونج كونج في سبتمبر/أيلول 1997 كتب "مهاتير": "نحن نرفض الشائعات التي تشير إلى أن ماليزيا ستسير في طريق المكسيك... ولكننا نعرف الآن سبب هذه الشائعات."
- "نحن نعرف أنه تم التلاعب بالاقتصاد المكسيكي ودفعه نحو التحطم، وأن اقتصادات البلدان النامية الأخرى يمكن أن يتم التلاعب بها أيضًا فجأة لتجبر على الانحناء لمديري الصناديق العظيمين الذين يعتقدون أن بمقدورهم تقرير أي البلدان يجب أن تزدهر، وأيها لا يجب أن تحقق ذلك."
- نجحت خطة "مهاتير" نجاحاً مذهلًا. فبعد أن انكمش اقتصاد البلاد بنسبة 7.5% في عام 1998، انتعش الاقتصاد مرة أخرى في عام 1999 وحقق نمواً بنسبة 5.4%. ولكن النقطة الأهم، هي أنه على عكس تايلاند وإندونيسيا، نجا الماليزيون من إجراءات التقشف المؤلمة التي فرضتها سياسات صندوق النقد على تلك الدول، والتي أفقرت الملايين ودفعت آلاف الشركات إلى الإفلاس.
- لمقارنة الوضع الاقتصادي الماليزي بعد الأزمة مباشرة مع البلدان الآسيوية الأخرى، يمكننا استخدام معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر تقريبي. حيث يبين الجدول التالي التغيرات التي طرأت على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلدان التي أصابتها الأزمة الآسيوية بداية من عام 1995 وحتى 1999.
السنة
ماليزيا (%)
إندونيسيا %)
كوريا (%)
تايلاند (%)
1995
9.8
8.2
8.9
8.9
1996
10.0
8.0
6.8
5.9
1997
7.5
4.5
5.0
(-1.8)
1998
(-7.5)
(-13.2)
(-6.7)
(-10.4)
1999
5.4
0.2
10.7
4.2
- يظهر هذا الجدول أن ماليزيا حققت في عام 1999 ثاني أفضل معدل انتعاش اقتصادي بعد كوريا الجنوبية. ويبين أيضًا أن معدل النمو السلبي في ماليزيا خلال عام 1998، كان أقل بكثير من إندونيسيا وتايلاند، وقريبا إلى حد ما من كوريا الجنوبية.
- وصف بنك الاستثمار الأمريكي "ميريل لينش" الانتعاش المالي في ماليزيا بأنه "أحد أكثر الإنجازات الاقتصادية إثارة للإعجاب". أما "داني رودريك" أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة "هارفارد" فقد أشار إلى أنه بالمقارنة مع برامج صندوق النقد الدولي، نجد أن السياسات الماليزية وفرت انتعاشًا أسرع، وشهدت انخفاضات أقل في العمالة ومعدل الأجور الحقيقية، وانتعاش أسرع لسوق الأسهم.
- أما صندوق النقد الدولي فقد اعترف بأن "ماليزيا نجحت في التقدم على البلدان الآسيوية الأخرى المتأزمة فيما يتعلق بصياغة اللوائح الاحترازية وحل مشكلة القروض المتعثرة، واستعادة كفاية رأس المال، وتوطيد أركان قطاعها المصرفي مرة أخرى".
لن تكون على حساب الفقراء
- هذا ربما هو من أبرز مميزات الخطة الماليزية. فعلى عكس ما حدث في البلدان التي تبنت خطة صندوق النقد الدولي والتي تحمل فيها الفقراء تكاليف اجتماعية كبيرة، حرصت الحكومة الماليزية على ألا يتحمل الفقراء تكاليف إجراءاتها الاقتصادية مهما كانت.
- في تصريحات له بالعام 2002، قال "مهاتير": لقد تم انتقادنا بشدة من قبل الدول الغربية، ولكننا لم ننحن لهم أبدًا في أي مجال. لأننا على عكسهم مسؤولون تجاه بلادنا وشعبنا، وبالنسبة لهم، ليست مشكلتهم إذا ما كان شعبنا يعاني، ولكننا مسؤولون منتخبون من قبل الشعب، ومن مسؤوليتنا الحفاظ على أمنه ورفاهيته."
أشارت دراسة أعدها باحثون بجامعة "نيو ساوث ويلز" الأسترالية إلى أن السياسات الماليزية كانت أكثر نجاحاً من تلك الخاصة بصندوق النقد الدولي، لأنها لم تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الفقراء، موضحة أن نهج حكومة "مهاتير" كان أكثر إنصافًا. فلم يتم معاقبة الفقراء وإجبارهم على سداد أموال لم يستفد منها سوى الأغنياء.
- كما أكدت الدراسة على أن رفض ماليزيا اعتماد سياسات صندوق النقد الدولي أتاح لها فرصة تقرير مصيرها الاقتصادي، والعمل على حماية مصالحها، والأهم من ذلك، هو إبقاء سلطة صناعة القرار الاقتصادي للبلاد في أيدي أولئك الذين انتخبهم الشعب، وليس في أيدي المؤسسات الدولية.
- في مقابلة أجرتها معه "بلومبرج" قبل عدة أشهر، وتحديدًا في الخامس من يوليو/تموز 2017، قال "مهاتير" أثناء استرجاعه لذكرياته حول تلك الفترة: "عندما نقترض المال منهم، فإن الشرط الذي غالبًا ما يفرضونه، هو أن يكون لهم يد في إدارة اقتصاد البلاد، ومواردها المالية."
- في نهاية ذات المقابلة قال رئيس الوزراء الرابع لماليزيا البالغ من العمر 92 عامًا والذي انُتخب لخمس فترات متتالية تمكنت خلالها ماليزيا من التحول من بلد يعتمد على حقول ومزارع المطاط إلى عملاق اقتصادي: "لا يهمني كثيرًا إذا ما تذكرني الناس أو لا. إذا تذكروني فهذا جيد، وإن لم يفعلوا، لا توجد مشكلة، فأنا ميت على أي حال."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق