بقلم سعد هجرس ١٦/ ٣/ ٢٠١٠
هل مصر دولة متخلفة؟ وهل يجوز أن ندمغها بهذه الصفة السلبية؟
السؤال لم يكن استفهامياً بأى حال من الأحوال، وإنما كان سؤالا استنكارياً بامتياز تعليقاً على الكلمة التى ألقيتها فى مؤتمر نظمه «المجلس الوطنى المصرى للتنافسية» و«المنتدى المصرى لرائدى الأعمال» بالإسكندرية فى أوائل هذا الشهر.
ورغم احترامى لنبل المقاصد من استنكار وضع مصر فى مصاف الدول المتخلفة فانى لا أجد مسوغاً لحذف هذه الصفة السلبية من المضبطة.. كما يقول إخواننا البرلمانيون، ليس من باب العناد، وإنما من باب الحرص على تسمية الأشياء بمسمياتها، والكف عن دفن الرؤوس فى الرمال، ومحاولة الهروب من مواجهة قبح الواقع باستخدام مصطلحات مراوغة من قبيل إطلاق اسم «النكسة» كبديل عن الاعتراف بـ«الهزيمة».
*****
وفى البداية يجب توضيح أن كلا من «التقدم» و«التخلف» ليس صفة «أخلاقية» يتم إطلاقها حسب المزاج أو الهوى، وإنما يتم تصنيف الدول إلى «متقدمة» و«متخلفة» تبعا لعدة معايير، اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية.
وعلى سبيل المثال فإن من معايير التصنيف الاقتصادية الناتج المحلى الإجمالى ومتوسط دخل الفرد، ثم هناك المعيار الصناعى الذى يرصد حجم استهلاك الفرد من المواد الأولية من الطاقة والمعادن، وطبيعة القاعدة الصناعية وهل هى تحويلية أم استخراجية، ونسبة مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى.
وهناك أيضا المعيار الزراعى الذى يقيس مدى تقدم أو تخلف الزراعة من حيث إنتاجية الفدان من المحاصيل الأساسية ومدى نجاح السياسة الزراعية فى تحقيق الاكتفاء الذاتى. وهناك كذلك المعيار التجارى كما يقيسه الميزان التجارى وميزان المدفوعات، ناهيك عن المعايير الاجتماعية ومؤشراتها المتعددة وبخاصة نسبة النمو السكانى ومعدل الحياة وطبيعة الاستقرار البشرى ما بين ريفى وحضرى ومعدل استهلاك الفرد من السعرات الحرارية.
ثم تأتى المعايير الثقافية ومؤشراتها لاسيما نسبة عدد التلاميذ الملتحقين- فعليا– بالمدارس (أو ما يسمى بنسبة التمدرس) ونسبة امتلاك أجهزة الكومبيوتر واستخدام شبكة الإنترنت، وعدد الكتب المنشورة سنوياً، ومتوسط أعداد قراء الصحف ناهيك عن نسبة الأمية.
وقد استجدت معايير مهمة تتعلق بمدى احترام الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان وتمكين المرأة.
ولا أريد أن أرهق القارئ بأرقام موثقة وصادرة عن جهات رسمية، حكومية ودولية، تبين تراجع ترتيب مصر فى كثير من مؤشرات التنمية البشرية بصورة مفزعة ومفجعة، وتراجع مصر – مثلا- إلى الترتيب قبل الأخير فى مؤشر التنافسية لعام ٢٠٠٩ حيث كان من نصيبنا المركز ١٢٤ من إجمالى الدول التى شملها المؤشر وعددها الإجمالى ١٢٥!
ولا أريد كذلك أن أزيد نكد القارئ بتكرار المقارنات الموجعة بيننا وبين بلاد كانت أكثر تخلفا منا، مثل كوريا الجنوبية التى كانت تصدر مثلنا فى الستينيات وأصبحت الآن تصدر فى ثلاثة أيام إجمالى ما نصدره فى سنة كاملة.
صحيح أن هناك بلاداً أسوأ حالاً منا، لكن من غير المقبول أن يكون المطلوب منا أن نقبل أيدينا «وش وضهر» لا لشىء إلا لأننا «أحسن من غيرنا». فهل هانت علينا أنفسنا للدرجة التى ننتشى فيها بالسعادة لأن أحوال المصريين، أبناء «أم الدنيا» أفضل– مثلا- من أحوال الصوماليين وأبناء جزر القمر؟!
وصحيح أيضا أن مصر لا تحتل الترتيب الأسوأ فى كل المؤشرات التى تحدثنا عنها، بل إنها أحرزت بالفعل تقدماً ملموساً فى بعض هذه المؤشرات، وهو تقدم ينبغى الاعتراف به والتنويه بأهميته، لكن المحصلة النهائية تبقى سلبية جداً مقارنة بدول كانت مضرب الأمثال فى الفقر والتخلف فى سنوات قليلة وأصبحت الآن تسمى بـ«النمور» نظراً للتقدم الكبير الذى أحرزته وجعلها تسبقنا ليس بخطوات وإنما بأميال وفراسخ. ينطبق ذلك على كوريا الجنوبية وماليزيا وباقى النمور الآسيوية كما ينطبق على بلدان كثيرة فى أمريكا اللاتينية والقارة الأفريقية.
ونقطة القوة لهذه النمور.. هى بالتحديد نقطة ضعفنا التى جعلت الحساب الختامى للأرباح والخسائر فى سجل حكومات الحزب الوطنى المتعاقبة سلبياً رغم ما تحقق من «إنجازات».
ونقطة القوة التى جعلت كثيراً من البلدان التى كانت متخلفة بالأمس «نموراً» حقيقية اليوم، هى التعليم والديمقراطية. ونحن نعانى ضعفا فى الجانبين.
فإلى جانب «الاحتباس الديمقراطى» المزمن الذى نعانى منه، والذى يعطل أى خطط إصلاحية، لانزال مبتلين بنظام تعليمى متخلف جداً، لا علاقة له بالثورة العلمية والتكنولوجية التى يشهدها العالم منذ سنوات.
وأشير فقط إلى أن العالم «المتقدم» مهتم الآن بتحقيق الاتصال بالفاكس بين الكواكب، بينما نحن سعداء بالانخراط اللانهائى فى جدل عقيم حول سفاسف الأمور وفى إعادة إنتاج الجهل والخرافة.
العالم مهتم بثورة العلوم الوراثية وتكنولوجيا النانو وغيرها من العلوم والمعارف الحديثة ونحن غارقون فى الكتب الصفراء، التى أكل عليها الدهر وشرب، بحثا عن «خلاص» مخبوء فى خبايا الماضى الذى ولى ولن يعود.
المجتمعات المتقدمة مهتمة بالإدارة الرشيدة للثروة ومواردها، ونحن واقفون عند خط «إدارة الفقر» وخطط التعايش مع الفساد الكبير والصغير الذى ينسف كل نوايا إصلاحية.
يكفى فى النهاية أن نرد على التساؤل الاستنكاري: هل مصر دولة متخلفة؟ بسؤال مقابل: ماذا تعنى وصمة الأمية الأبجدية التى تشمل ما يقرب من ثلث المصريين؟ ماذا يعنى وجود ٤٠% من المصريين على الأقل تحت خط الفقر؟ ماذا يعنى تدنى وتواضع متوسط دخل الفرد فى مصر؟
ماذا يعنى رفض هيئة قضائية رفيعة المقام تعيين المرأة قاضية؟!
ماذا يعنى استعصاء حل مشاكل تافهة مثل القمامة والمرور والسير الآمن فى الشوارع وتوفير مياه الشرب النقية غير المختلطة بمياه المجارى والطعام المطابق للمواصفات والهواء غير الملوث والسماء غير الملبدة بالسحب السوداء؟!
باختصار.. نحن لانستمرئ وصف «أم الدنيا» بالتخلف، ولا نتلذذ بذلك أو نجد فيه مصدراً للبهجة.. وإنما نريد لها أن تستعيد مجدها وعافيتها، ولن يتأتى هذا باجترار الأمجاد الغابرة أو بخداع الذات وإنما بالتشخيص الصحيح، والصريح، للأمراض التى أصابت مصر.. وأبعدتها عن المكانة التى تستحقها بين الأمم المتقدمة.. وهذا هو سبب مطالبتنا بالتغيير الذى تأخر كثيراً.
hagrassaad@hotmail.com
https://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:Rvz_ueaXDzEJ:https://to.almasryalyoum.com/article.aspx%3FArticleID%3D247402+&cd=6&hl=ar&ct=clnk&gl=kw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق