د. زينب عبد العزيز تفضح لعبة الفن الحديث
عرض: محمد أبو الوفا
منذ 528 يوم عدد القراءات: 1603
د. زينب عبد العزيز تفضح لعبة الفن الحديث
فى بادرة هى الأولى من نوعها قامت الدكتورة زينب عبد العزيز.. بعمل دراسة تحليلية لظاهرة "الفن الحديث" وخلفياتها التى تم التعتيم عليها وفرضها علينا بدأب غريب.
وتوالت الأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية والفنية الفكرية الانحلالية بما يؤكد كل ما ورد من حقائق وقضايا مطروحة فى هذه الدراسة..
تهدف هذه الدراسة "لعبة الفن الحديث بين الصهيوينة –الماسونية- وأمريكا" إلى الحفاظ على الهوية الإسلامية العربية فى مجال الفنون والآداب، ضد محاولات طمسها وتزييفها وخلخلتها، لحساب قيم فنية غربية، مخالفة ومغايرة للقيم الإسلامية العربية، ولا تدعو الدراسة إلى الانغلاق على الذات، والانعزال عن العالم، ولكنها ترفض آليات ودعاوى الانبهار بالآخر، وإحلاله، فى مقابل احتقار الذات وتجبيرها. فالتبادل الحضارى لا يعنى بحال من الأحوال نفى الاستقلال الفكرى، وإذا كان من الحكمة فتح النوافذ، فمن الغفلة تركها للرياح التى تقتلع البيت من جذوره، وفى زمن العولمة لا بد من "التحر" فالفنون والآداب التى يبثها الغرب ويوطد أقدام مروجيها فى العالم الثالث ليست محايدة فى معظمها، وإنما هادفة بشكل من الأشكال إلى استكمال حلقات التبعية بعد خلخلة التراث الروحى وإحلال ثقافات بديلة، تخدم مصالح الغرب، وخصوصا المصالح الصهيونية الأمريكية.
وإذا كان هذا هو جوهر هدف هذه الدراسة فإن أطروحتها تتمثل كما تقول صاحبتها الدكتورة زينب عبدالعزيز -أستاذ الحضارة وتاريخ الفن بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر سابقا- فى الكشف عن لعبة الفن الحديث، كما تطرحها التقنيات الفنية الحداثية فى الغرب، وتبدو هذه اللعبة "كأداة تدمير متعمد لاقتلاع الحضارة والتراث والثقافة بكل بلد كجزء لا يتجزأ من مخطط العولمة، وعملية فرض النمط الواحد، والتبعية الإجبارية".
تؤكد الدكتورة زينب أن الفن الحديث – التجريدى- بكل عبثياته المعاشة، يمثل أداة تدمير متعمدة لاقتلاع الحضارة والتراث والثقافة الخاصة بكل بلد.. كجزء لا يتجزأ من مخطط العولمة وعملية فرض النمط الواحد والتبعية الإجبارية وكل ما تحركه المصالح الصهيونية –الماسونية والدور الغاشم الذى تقوم به السياسية الأمريكية ومؤسساتها فى محاولتها المستميتة لا لتتجير الفن فحسب.. وإنما لتتجير العالم برمته ولإخضاعه لسيطرتها العمياء الأنانية ولأنماطها الممسوخة الماجنة.
وإن اتخذنا مجال الفن الحديث كحقل للتجارب التقنية والتمادى فى استخدام المواد التى تخطت مستوى السخف والابتذال المهين، بل والذى وصل فى قحته –حسب وصف د. زينب- ولا إنسانيته إلى حد الاستعانة بالمراحيض وما يتم بها من إفراغ، أو إلى نبش القبور وهتك حرمة الموتى بعرض أجزاء من جثثها كأعمال "فنية إبداعية" تحصد الجوائز.. فذلك لا يعنى أن كل هذا الابتذال وتلك العشوائيات قاصرة على المجال الفنى وحده.. وإنما هى قد امتدت إلى كافة المجالات الفنية والثقافية والفكرية الأخرى فى محاولة محمومة لفرضها.. وذلك ما راحت تؤكده أيضا الكاتبة الإنجليزية "فرانسيس ستونر سوندرز" فى كتابها الشهير "الحرب الباردة الثقافية".
تؤكد د. زينب فى هذه الدراسة الهامة على ضرورة فهم وإدراك ما يحاك لنا وللعالم أجمع.. وضرورة التصدى لهذا التيار الكاسح الذى لم يعد بحاجة إلى دليل على ما يفرضه من ضياع.. وضرورة الحفاظ على هويتنا وعلى أصولنا الأخلاقية والحضارية والفنية المتميزة.. الممتدة عبر التاريخ.
استكشاف الظاهرة
إن تنوع وتعدد الظواهر التى تزاحمت خلال ثلاثة أرباع القرن العشرين تبدو وكأنها تضع حائلا أمام أى محاولة لاستكشاف الوحدة التى تلم شمل هذه الظواهر، لذلك تبدو محاولة الربط بين هذا التدفق الغريب من النظريات والمدارس والمذاهب والحركات الفنية شبه مستحيلة حقا، إلا أن المعنى الذى يكمن خلفها يحتم ضرورة محاولة المزيد من الفهم.
لم تتناول المؤلفة – دراسة التجريديات- كمجرد كتابة لتاريخ الفن الحديث، وإنما باعتبارها "ظاهرة" بالنسبة للحضارة الإنسانية وللمجتمع المعاصر، ذلك لأن تطوره اتخذ –بالفعل- شكل ظاهرة تضافر فيها عديد من التيارات الفكرية والاجتماعية المعاصرة، ظاهرة شديدة الارتباط بالقطبين الأساسيين المحركين للمجتمع ككل وهما: الاقتصاد والسياسة.
فمن المسلم به أن الاقتصاد والسياسة يسيطران على الاتجاهات الأيديولوجية للمجتمع، إلا أن فعاليتهما وتواجدهما قد يحتلان مكانة مستترة أو تالية بالنسبة لعوامل أخرى تحتل الصدارة أحيانا، مما قد يعرقل المبررات المباشرة أو الواضحة لظواهر بعينها.
وها هى الدراسات الخاصة بسوق الفن الحديث تثبت الكيان الاقتصادى لهذا الفن بشكل قاطع، فما أكثر العناصر التى تؤكد هذه الحقيقة من قبيل التعامل مع اللوحات كوسيلة استثمار، وكقيمة بعينها للمضاربة فى البورصة، أو كقيمة إيداع بلغة البنوك والتعاملات المالية، أو حتى كأعمال دعائية.. إلخ.
وهذه الصلة الاقتصادية ليست وليدة اليوم، إلا أنها لم تتسع أبدا بهذا الشكل، ولم تتخذ أبدا هذه الحدة مثلما حدث فى النصف الثانى من القرن العشرين، فى تلك الفترة التى تعدى فيها تداخل الفن والمال ليخرج من دائرة الفنانين والتجار، ليتوغل فى كيان المجتمع، ويمس قطاعات كبيرة من الجماهير.
وهنا يتخذ تعبير "ديموند مولان" كل أبعاده: حينما تسوء أحوال البورصة تسوء الأحوال الفنية إنها حقيقة يقرها تجار الفن ومقتنو اللوحات.
لذلك لم تأت كلمة "لعبة" التى استخدمتها المؤلفة فى هذه الدراسة جزافية تُلقى على عواهنها.. وإنما اختارتها بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ متعددة، إذ إنها تكشف ذلك التوغل المرتب مسبقا لمحركى الفن الحديث، بقدر ما تعبر عن التلاعب بالطموحات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تحركها تلك الأيادى المريبة.. ومن ثم فإنها تعبر من جهة أخرى عن تلك السيطرة الخفية المحركة للسوق الفنية والمتحكمة فى كل أبعادها.
قادة الاحتكار
تشدد المؤلفة على ضرورة تحديد وجهة نظر هذه الدراسة.. ومحاولة فهم دور الفن الحديث فى المجتمع؛ لأن الدور الاجتماعى لهذا الإنتاج المعاصر يحمل قيم ومفاهيم الطبقة المسيطرة عليه والمتحكمة فيه.. بعبارة أخرى إنه يحمل قيم ومفاهيم قادة هذا الاحتكار.
ولعل تعبير "احتكار" يبدو أقل إزعاجا حينما ندرك كيف كان الفن الحديث بمثابة ظاهرة ضرورية لضبط خط سير وتنظيم المشاعر الانفعالية والثقافية للمجتمعات التى أنتجته.
إذ أصبح هذا الفن مجرد "أداة تنظيم" تخدم أغراض السياسة والأيديولوجية وهو أمر ليس غريبا، ففى كل الأزمنة والعصور، كان الفن يقوم بدور ما فى المجتمع، كما كانت له دائما صلة ما بالسلطة الحاكمة "مؤيدا ومعارضا".
• ولعل المرء يتساءل: لماذا الفن؟ ولماذا فن التصوير بالتجريد؟
- تجيب المؤلفة عن ذلك: لأن الفنون تعد وسيلة من وسائل الاتصال الإنسانى، ويتميز فن التصوير باعتباره أكبر المجالات الفنية مباشرة فى الحوار وفى سرعة توصيل مضمونه، كما أنه الفن الوحيد الذى يتخطى عنصر الزمن: بمعنى أن نظرة واحدة تكفى ليلتقط المتفرج مضمون الرسالة التى تحتوى عليها اللوحة، على عكس بقية الفنون التى تحتاج إلى زمن ما ليقرأها أو ليشاهدها المتلقى حتى نهايتها ليدرك المضمون الذى يود المؤلف التعبير عنه.
اتساع المضمون
تستطرد المؤلفة: إن قضية المضمون فى الفن تزداد اتساعا، حيث إنها تمثل التعبير الانفعالى والثقافى لجماعة اجتماعية ما حيال الظروف المادية لوجودها، لذلك فإن استبعاد الشكل عن المضمون أو انتزاعه من أساس واقعه الاجتماعى لا ينجم عنه غير عمل عقيم؛ لأن إلغاء المضمون يجعل من الفن عملا مجردا من الحياة ومحكوما عليه بالفناء.. وإلغاء المضمون يؤدى به بلا شك إلى مجرد حقل تجارب جريا وراء اختلاق بدع جديدة من الأشكال الزخرفية، فإلغاء المضمون أو هدمه يؤدى حتما إلى إلغاء أو هدم الشكل دون تحقيق أى إضافة، ولقد تم فصل الشكل عن المضمون فى الفن الحديث عمدا ومع سبق الإصرار بغية تحقيق مخطط تدميرى بعينه.
فمنذ مطلع القرن الماضى، يبدو وكأن هناك نوعا من التكرار، أو من الإصرار الدءوب لفرض الأنماط نفسها ووسائل التعبير نفسها، مما يدل على أن المقصود ليس التقدم أو التجديد الخاص بكل فنان أو بكل بلد، وإنما المقصود هو فرض مجموعة من التصرفات المتكررة المتطابقة وكأنها طبعات من الكربون، فعلى حد قول جان كلير: بعد خمسين عاما نرى "بن" يقلد" بيكابيا، وشوفر يقلد "موهولى ناجى"، و"ريمان" يقلد "مالفيتش "– ولا أتحدث هنا عن عديد من الفنانين الثانويين، إن هذا الفن الذى زعموا أنه فن الجديد دوما ليس فى الواقع غير فن التكرار والتقليد، لذلك ينجم عنه اليوم ذلك الشعور بالملل.
تقول المؤلفة: إنه ليس بملل قد يدفع إلى اليأس فحسب، لكنه ملل يكشف عن ادعاءات مروعة، أو كما يقول "روبيرريه": إن الفن التجريدى يفتح الطريق لكل الألاعيب التقنية ولكل إمكانات الاستسهال والزعم والعجز وكلها أصبحت من علامات أو من مزاعم العبقرية التى يفرضونها.
أدت هذه الظاهرة المنتشرة –خاصة منذ الحرب العالمية الثانية- إلى تحولات جذرية فى المجال الفنى، فلقد أدت تلك اللامعقوليات إلى تدفق سيل من الاتجاهات الغربية المبتذلة ولا أدل على مدى التخبط فى محاولات الهدم الفنى من ذلك التتابع الغريب لأسماء أكثر غرابة ومن يحاول فهم هذا التداخل الشديد التعقيد لمسميات الفن الحديث، سيلحظ تلك الرغبة الجامحة فى التدمير، وذلك الطموح إلى لفت الأنظار اعتمادا على التحذلق والتزييف.
تذكر المؤلفة من هذه الأسماء: ضد الطبيعة.. الشراسية.. البقعية أو الطرطشية.. "الميكاإستتزم" أو "الجمالية الآلية".. دون إغفال عديد من الصفات التى يحددون بها معالم لأوصاف الفن.. وذلك مثل: الفن الفطرى والفن البدائى والفن العيانى والفن الخام والفن اللاشكلى والفن الكهربائى والفن المتدمر ذاتيا إلخ.
إن القائمة الكاملة لمسميات هذا السيل الفوار الشبيه بالفقاعات للمذاهب العابرة التى داهمت هذا العصر لتصيب قارئها بالغثيان.. حيث تنم عادة عن عمليات تزييف واسعة للواقع وللكلمات والأفكار والأساليب لإخفاء اللعبة المستترة التى كانت تتم خفية، حتى عن معظم الذين ساهموا فيها أو انساقوا إليها بحسن نية.
استخدام السخف
ولم تتوقف اللعبة شكلا عند حد اختلاق التسميات -فاقت المائة والخمسين- فحسب وإنما امتدت أيضا إلى الوسائل والمواد المستخدمة؛ فبخلاف الأشياء البالية اختار بعض هؤلاء الفنانين مادة "الجالا ليث"، أو "النيوليث" والزجاج الصناعى والمينا وألوان الصمغ أو "الفينيل" و"الرودويد"، بزعم الوصول إلى نتائج ضوئية أكثر شفافية بينما آثر البعض الآخر –ولعلهم أكثر تقدما- إدخال مواد أخرى كالقطران والرمل والزلط والتراب والجبس والأسمنت والرماد ونشارة الخشب أو بعض المواد السائلة أيا كانت، أو الخشب المحروق والصفيح والحديد والجوت وما على شاكلتها من مواد تحت زعم خلق لوحات عقلانية اعتمادا على عناصر دارجة تعكس الواقع!!
ولم يكن للمزايدة فى لعبة التسابق على استخدام السخف أى حدود، بما أن بعض الفنانين قد لجأ إلى أحط المواد شأنا لمجرد التعبير تضامنا مع ما أطلقوا عليه مذهب "مضاد فن التصوير" ومن هنا نشأ فن القمامة واستخدام النفايات والمواد المتعفنة والمأكولات الصناعية.
وفى خضم هذه الفوضى يرى "جان كلير" أن آخر ممثلى الفن الحديث يضاعفون تنويعات اللامرئى إلى لا نهاية، ولكى يخفوا افتقارهم إلى الابتكار الإبداعى، فإن كلمات الإطراء تتضخم بنسبة عكسية، فكلما كان العمل الفنى هزيلا، كانت كلمات تقديمه للجمهور أكثر تحذلقا.
وهنا أيضا فإن قائمة المسميات تمتد بشكل مؤسف للمجالات المتعددة فمن محاولة الرسم "بالمسطرين" إلى تغطية الفنان لجسده العارى بالألوان، إلى أن يتدحرج على اللوحة الموضوعة على الأرض!!
تواصل المؤلفة رصدها لهذه اللعبة بقولها: ولربما كان هذا التهريج فى الفن الحديث أقل أثرا أو أقل لفتا للنظر أو أقل هدما للقيم، ولو لم يكن مصحوبا فى الوقت نفسه بكلمات أكثر الدجالين مهارة أولئك الذين ابتكرتهم مدارس فن النقد الحديث على حد قول "هلين بارملان" فلقد أدرك عديد من النقاد بأسف عميق أن العالم يخضع منذ منتصف القرن العشرين لما أطلقوا عليه "غزو الفنون القبيحة" تحت ستار كهنوت الفن الحديث، أى ما لا يمكن أن يدركه سوى أولئك الخواص الذين انصهروا فى بوتقة هذا الشكل المزرى وتأهلوا للدفاع عنه ومسايرته.
وفى حقيقة الأمر، فلقد تعمد هؤلاء النقاد تمهيد الطريق وقيادة عملية فرض هذه الاتجاهات على الجماهير، بأوسع ما فى تعبير الفرض من معانٍ.
فكم من الإمكانات الهائلة قد تضافرت لتتغنى بهذا الوجود، كالاحتفالات الرسمية والمتاحف والمعارض والمسابقات الشاملة والكتب والمجلات ولقاءات النقاد والمؤرخين والأبواب الثابتة فى الصحف والمجلات.. إلخ.
إن لعبة كسب الجمهور المتباعد كانت ضارية دءوبا!! حيث استطاعوا ترويضه ليلزموه بابتلاع ما قرروا فرضه عليه.. ولم تترك أى وسيلة لملاحقته وتوجيهه إلا واستخدموها لينتهى به الأمر إلى استهلاك ما يفرضون عليه، وهنا تكمن اللعبة الكبرى والفن الحديث كما تكشف عنه الوثائق الحديثة، ليس احتكارا فحسب وإنما له جوانب أخرى خفية سياسية صهيونية ماسونية نابعة من الولايات المتحدة الأمريكية، التى أدركت قيمة الفن فاستعانت به كعامل حاسم للتغيير الجذرى للمجتمعات والشعوب فأحكمت حلقات لعبة الفن الحديث.
=======
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق