يخيّم شبح البطالة على مستقبل شباب الكويت الذين يمثلون 70% من سكانها، استناداً إلى مفردات الأرقام التي تشير الى أزمة توظيف خانقة ستعاني منها البلاد، إذا لم يتم تدارك الأمر بخلق فرص عمل لجيل الخريجين المقبلين. وبينما تضم جامعة الكويت نحو 38 الف طالب وطالبة، يدرس في كليات ومعاهد الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب 58 الفاً، الى جانب طلبة البعثات الخارجية والداخلية والدارسين على نفقتهم الخاصة ويتراوح عددهم من 45 ألفاً إلى 50 ألفاً، اضافة الى طلبة البعثات الداخلية، ويتجاوز عددهم الـ15 الفاً، بإجمالي 161 ألف طالب وطالبة بعضهم يتخرج بعد عامين وآخرون بعد 4 سنوات. ومما يصعب الأمر أكثر أن عدد الخريجين في جامعة الكويت سيرتفع سنوياً بنحو ألف، وبينما كان عدد خريجي العام الدراسي 2015-2014 نحو 5900، وخريجو العام الدراسي الذي تلاه نحو 6500، بلغ عدد خريجي العام الماضي 7500 طالب وطالبة. ويبدو المشهد مكرراً في «التطبيقي» أيضاً، حيث يتخرج سنوياً نحو 9 آلاف، في وقت تتزايد فيها أعداد مخرجات البعثات الداخلية والخارجية هي الأخرى. بينما تؤكد معظم النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن زيادة نسبة الشباب في مجتمع ما هي إلا أحد عناصر قوة الدولة، فإن اختبار مصداقية تلك النظريات في بلادنا يوحي بأن «شبابية المجتمع» تكاد تكون «أزمة محدقة» في المستقبل القريب، اذا ما دخل هؤلاء الشباب الى سوق العمل، التي تبدو انها تسير بطريقة عرجاء بسبب اعتماد جزء كبير منهم على القطاع العام. وفي ظل تخوف شبابي شديد الوضوح، من العمل في القطاع الخاص، تبدو الجهود الحكومية الرامية الى ترغيبهم بالعمل فيه متواضعة، ومساعيها باغرائهم للعمل الحر ضعيفة، في ظل تمسُّك معظم الخريجين بـأمان القطاع الحكومي، وفي ذاكرتهم مخاطر تعرض لها من سبقهم إبان الازمة الاقتصادية التي ضربت القطاع الخاص سابقاً. وبالطبع، لا يمكن إنكار ان خطة التنمية اتخذت خطوات جدية لخلق فرص عمل للشباب في «الخاص» وتشجيعهم على العمل الحر، في ظل توجهات اسناد مهام تشغيل المشاريع الجديدة في الخطة للقطاع والزامه تعيين كوادر وطنية، الا ان الامر يحتاج تكاتف قطاعات اخرى ابرزها القطاع التعليمي لتوفير المهارات اللازمة للشباب، لا سيما ان العديد من التخصصات العلمية لم تغير منذ عقود، وصحائف التخرج في مؤسسات التعليم العالي لم يطلها التغيير مما يكبّل الشباب ويضيّق عليهم خناق صعوبة المنافسة في قطاع خاص يطلب المهارة والخبرة الى جانب التخصص العلمي، ناهيك عن أن الوظائف الجديدة تتطلب تخصصات جديدة بدورها. تخصصات راكدة وفي هذا السياق، استمزجت القبس رأي اثنين من الأكاديميين أهل الميدان، اللذين أبرزا أشكال العلل التي تحيط بملف مخرجات التعليم، واقترحا بعض الحلول لاستيعاب الخريجين في سوق العمل تحت مظلة «رؤية كويت جديدة» التنموية. ويرى عميد الشؤون الطلابية في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د.نايف الشمري أن الكلية طبقت مؤخراً معادلة تأخذ بعين الاعتبار حاجة سوق العمل الفعلية ونسبة تغطية التخصص للسوق ومدى تكدس الطلبة في التخصص العلمي لتقدير أعداد المقبولين في الكلية. وأضاف الشمري لـ القبس «أننا نتبع معايير موضوعية لمنع التكدس والركود في التخصصات»، مبيناً أن «نظام الكوتا في السابق جعل احد التخصصات يتجاوز %20 تقريباً من الطلبة، وبتطبيق المعادلة واستناداً إلى حاجة السوق تم خفضها إلى %15». وأضاف أن بعض التخصصات يُقبل بها %9 من الطلبة وأخرى %14 لمنع التكدس في تخصص واحد، مشيراً إلى تواصل الكلية مع جهات التوظيف العامة والخاصة، وإعادة الهيكلة من خلال مكتب التخطيط والخطة الاستراتيجية للجامعة، لتحديد أعداد المقبولين وحاجة سوق العمل إليهم. وأوضح أن حاجة سوق العمل الفعلية ونسبة تغطية التخصص له مختلفان، فهناك نحو 1000 خريج في تخصص المحاسبة يغطون حاجة السوق بنسبة %60 تقريباً، و500 خريج في قسم الادارة العامة يغطون السوق بنحو %10، لذلك تم عمل احصائية ومعادلة لتحديد نسب الطلبة المقبولين في كل تخصص. ولفت الشمري إلى الحاجة لوضع خطة جديدة لمعرفة احتياجات السوق في الفترة المقبلة، مبيناً أن بعض التخصصات كانت أقل من حاجة سوق العمل، ومن المتوقع قبول أعداد الطلبة لكن مع اختلاف توجيههم إلى التخصصات التي تحتاجها السوق. حلول «التوطين» بدوره، ذكر استاذ كلية الدراسات التجارية والعميد الاسبق في «التطبيقي» د.عبدالواحد خلفان أن الدستور الكويتي كفل حق العمل لكل مواطن، وان العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، توفره الدولة لمواطنيها بعدالة، لكن نظراً للعدد الهائل من خريجي الجامعات وافتقار الحكومة للخطط المنهجية في هذا الإطار، لم يعد في مقدور الحكومة توفير فرص عمل لهم. وأضاف الخلفان لـ القبس انه بالرغم من أخذ الدولة على عاتقها بعض الحلول المتمثلة في إشراك القطاع الخاص لتوظيف العمالة الوطنية، فإنها فشلت حيث لم يلتزم «الخاص» بالتشريعات والقوانين، مستغلاً بعض الثغرات القانونية، وذلك نتيجة غياب السياسات العمالية ومنهجية الإحلال والتوطين. مشكلة البطالة وأشار إلى أن مشكلة البطالة في الكويت جزء أساسي من مشكلة الاقتصاد العام للدولة، ونتيجة تراكمية للوضع السياسي المتذبذب وغير المستقر منذ فترات طويلة، فمنذ الستينات وحتى هذه اللحظة لم تقم الدولة ببناء اقتصاد قوي يستوعب مخرجات التعليم الخطأ أيضاً، إضافة إلى سوء إدارة اقتصاد الدولة. وأضاف خلفان أن الكويت دولة غنية بالنفط، لكن لم تستغل عائدات هذا المورد في اقامة صناعات متعددة تستقطب آلاف الشباب، بل اكتفت ببيع الخام وتوجهت إلى الاستثمارات الخارجية، متجاهلةً أي استثمار داخلي من شأنه إعادة فرص التوظيف الضائعة، التي يمكن خلقها للمواطنين لو تم استثمار هذه الأموال في مشاريع إنتاجية حقيقية في الداخل. القطاع المشترك وأكد خلفان أن الارقام والاحصاءات المستقبلية في المؤسسات التعليمية تشير الى أزمة بطالة كبيرة، تسفر عن مشاكل جمة إذا تركت تتفاقم، وقد تتحول إلى سبب لزعزعة استقرار المجتمع لما لها من نتائج سلبية على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقال ان بعض العوامل كانت سببا رئيسيا في عزوف أغلب الشباب عن العمل في «الخاص» واللجوء إلى الحكومي، لما يحويه الأخير من ضمان واستقرار وظيفي، لذا على الدولة توفير شركات جديدة أو فيما يسمي بـ«القطاع المشترك» الذي يمكن من خلاله توزيع الأدوار بين القطاعين الخاص والحكومي. خطط سنوية قال د.عبدالواحد خلفان ان من أهم الخطط اللازمة للخروج من أزمة البطالة المتوقعة: ضبط مخرجات التعليم وربطها بحاجة سوق العمل في مختلف التخصصات، وتشجيع إنشاء المعاهد والجامعات التي تستجيب بشكل أسرع لمتطلبات السوق الوطنية والإقليمية من العمالة الفنية المتدربة، كما أنه يجب على وزير التعليم أن يحدد في بداية كل عام احتياجات السوق من عدد معين من الوظائف سواء كانت هندسية أو طبية أو ميكانيكية وغيرها. تشخيص خطة التنمية للأزمة أشارت خطة التنمية السنوية لعام 2019/2018 التي أصدرها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، الى أن التعليم العالي بالبلاد يعاني تحديات داخلية عديدة أبرزها ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل، وتدني نسبة الخريجين في التخصصات المهنية والعلمية، اضافة إلى التوزيع الجغرافي غير المتوازن لمؤسسات التعليم العالي، وعدم قدرة مؤسسات التعليم الحكومية والخاصة على استيعاب الأعداد المتزايدة للطلبة المقيدين.
للمزيد: https://alqabas.com/article/643482
للمزيد: https://alqabas.com/article/643482
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق