الدولة السعودية الأولى لم يكن لها أي اتصال أو مصالح مع الإنجليز أو الفرنسيين، بل على العكس من ذلك كان الإنجليز مستائون من سطوة القواسم الوهابيين على مصالحهم في الخليج.
وفي ذلك يقول محمد جلال كشك في كتاب السعوديون والحل الإسلامي: (كانت حكومة الهند تتابع باهتمام بالغ أنباء الدولة السعودية والأحداث المتعاقبة بعد غزو إبراهيم باشا وسقوط الدرعية فقررت إرسال "سادليير" لداسة الموقف، وقد حددت المذكرة السرية التي كلف بها سادليير بالمهمة واجباته في 15نقطة). وأهم ما يعنينا من هذه النقاط:
أ - بحث إمكانية التنسيق للقضاء على الوهابيين.
ب - التعرف على نوايا إبراهيم باشا المقبلة بعد إخضاعه للساحل العربي.
ج - إذا كان إبراهيم باشا ينوي استئصال القواسم (الوهابيين) فما هي المساعدة التي يمكن أن نقدمها له من خلال أسطولنا وقواتنا؟
ويعلق الأستاذ كشك بعد ذلك ويقول: (فهي مهمة تجسس بريطانية ودراسة للوضع وإعداد لحملة استئصال الوهابيين وبالذات القواسم).
ثالثاً: أن مصر كانت تابعة رسمياً للدولة العثمانية، بل أن واليها - الألباني الأصل - محمد علي باشا لم يأت إليها إلا عن طريق الجيش العثماني، وكانت ولايته على مصر بمباركة العثمانيين، وكانت تبعيته لهم رسمية، ومع ذلك خرج عليها وحاربها وكاد أن يهدمها، لولا أن الخليفة اضطر للاستصراخ بأعدائه في الأمس كي يقفوا بوجه (عامله) الذي خرج عليه. أي أن زعم المفتي في (شجب) خروج السعوديين على العثمانيين ينطبق عليه المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت!.
رابعاً: محمد علي باشا كانت له اتصالات واسعة مع الإنجليز والفرنسيين والروس، ومن ذلك مثلاً ما قاله المؤرخ الوطني المصري الشهير عبدالرحمن الرافعي عن أن ابراهيم بن محمد علي باشا في حملته على معقل الوهابية في الدرعية: (استعان بخبرة الأوروبيين في الحروب فاصطحب معه في الحرب الوهابية طائفة من الإفرنج منهم الضابط الفرنسي فيسيير أحد ضباط أركان الحرب، وهذا أمر لم يكن مألوفاً ولا سائغا بين قواد الشرق في ذلك العهد)!. والمسألة التي تستحق البحث - حقيقة - هي عن أثر هذه الاتصالات في خروجه على العثمانيين، وهل كانت المسألة برمتها فخاً سار فيه الباشا؟ أم أنها كانت خطة للضغط على العثمانيين؟ أم أن المسألة كما تبدو على ظاهرها مجرد محاولة للخروج على الدولة؟
=============
غارة الأردن
أعد ابن سعود رتلين: أحدهما وهو الرئيسي وجهه إلى الحجاز، والثاني وجهه إلى شرقي الأردن. والظاهر أن الرتل الثاني كان المقصود منه صرف الأذهان عن حركة الرتل الأول.
وصل الرتل الثاني إلى مقربة من عمان في 14 آب 1924. وفي صباح ذلك اليوم بينما كان الكولونيل بيك قائد القوات الأردنية يتجول على فرسه بالقرب من عمان فوجئ بمجموعة من النساء قادمات نحوه وهن يصرخن: "إخوان.. إخوان!"، ولما سألهن بيك عن الخبر قلن له ان الإخوان هاجموا قرية طنب وذبحوا معظم سكانها وهم متوجهون الآن نحو عمان. فأسرع الكولونيل بيك إلى ثكنات الجنود وأمرهم بالتحرك بمصفحاتهم لقتال الإخوان، كما ذهب إلى مقر القوة الجوية طالباً إعداد الطائرات لقصفهم. ثم ركب بيك طائرة استكشافية لكي يشرف على المعركة من الجو.
بوغت الإخوان بالنيران تنصب عليهم من المصفحات والطائرات معاً، فتكبدوا من جراء ذلك خسائر فادحة، وفروا لا يلوون على شيء بعد أن تركوا وراءهم خمسمائة قتيل ونحو ستمائة أسير كان كثير منهم جرحى.
انها في الواقع لم تكن معركة بل كانت أشبه بالمذبحة. وقد انتقد بعض الكتاب في بريطانيا هذه القسوة البالغة في مواجهة الإخوان، ووصفوها بانها كانت اكثر مما ينبغي. فرد عليهم الميجر جارفز قائلاً: ان هذه القسوة كانت ضرورية لإنقاذ سكان الأردن من الرعب الذي كان مسيطراً عليهم لأن الإخوان في غاراتهم لا يرحمون حتى النساء والأطفال. وقال جارفز: ان الإنسان حين يواجه عدواً اعتدائياً سفاكاً يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كيف سيعامله العدو لو انتصر عليه.
كان الأمير عبد الله في تلك الآونة في الحجاز، وقد عاد إلى عمان في 19 آب – أي بعد وقوع المذبحة بخمسة أيام – فقدم له الكولونيل بيك اربعا من الرايات الخمس التي كان قد غنمها من الإخوان. فسأله الأمير عن مصير الراية الخامسة، فأجابه بيك أنه أخذها لنفسه إذ هي حصته من الغنائم. فضحك الأمير وقال: احتفظ بها فأنت تستحقها.
أرسل ابن سعود إلى بريطانيا احتجاجاً على ما فعلت قواتها بالإخوان، وكانت حجته أن القبائل الأردنية هي التي بدأت بالعدوان. فردت عليه بريطانيا ببرقية أرسلتها عن طريق قنصلها في بوشهر، حيث قالت للقنصل ما يلي:
"يجب أن تخبر ابن سعود بأن الحكومة البريطانية قد تسلمت احتجاجه بكل دهشة. انها تعتبر نفسها هي صاحبة الحق في الاحتجاج على ما جرى في شهر آب الماضي حين قام جمع من القبائل الوهابية بغارة مسلحة على منطقة تقع تحت الانتداب البريطاني. ان الحكومة البريطانية ملزمة بأن تصد مثل هذه الغارة بكل وسيلة تقع في يدها. ان ابن سعود يمكن أن يكون واثقاً من أن الحكومة البريطانية ستفعل تجاه اية غارة أخرى بمثل ما فعلت تجاه الغارة الأولى.. انه يجب أن يفهم بوضوح أن الحكومة البريطانية لن تتسامح تجاه أي هجوم على منطقة تقع تحت مسؤوليتها. أما بالنظر إلى شكواه حول البادئ بالعدوان فيجب أن تذكره بالرسالة المرسلة ببرقيتنا في الأول من آب الماضي. فالوهابيون بدلاً من أن يطالبوا بالتحقيق حول الغارة التي زعموا أنها شنت عليهم من شرقي الأردن اختاروا أن يأخذوا القانون بأيديهم. انهم يجب أن لا يلوموا غير أنفسهم لما قاموا به من عمل عدواني سيئ التوجيه أدى بهم إلى الاصطدام مع القوات البريطانية..".
«قصة الأشراف وابن سعود» لعلي الوردي (26)
أهالي جدة لبريطانيا: انقذونا من الحسين
تاريخ العراق الحديث
الدولة السعودية الأولى لم يكن لها أي اتصال أو مصالح مع الإنجليز أو الفرنسيين، بل على العكس من ذلك كان الإنجليز مستائون من سطوة القواسم الوهابيين على مصالحهم في الخليج.
ضرب قوات ابن سعود التي اغارت على الاردن 1924
عمان في 14 آب 1924.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق