23-08-1436 02:23
موقع المثقف الجديد - فاضل سعيدي
في الأسبوع الماضي شهدت مدينة قم قرب طهران وهي المركز الرئيسي للشيعة في العالم، مئات الآلاف من الوفود الذين جاءوا من شتى المدن في إيران لزيارة مسجد "مقدس جمكران" حيث توقفت حركة السير خلال الطرق المؤدية إلى المدينة وشوارعها بسبب الازدحام.
المسجد قبل الثورة
ومسجد جمكران لم يكن مشهورا قبل ثورة عام 1979 بل كان مجرد بناية قديمة وصغيرة يجتمع فيها ليالي الأربعاء والجمعة مجموعة قليلة من الناس أغلبهم من طلاب الشريعة ليدعوا الله لظهور الإمام المهدي الغائب ليملأ الأرض بالصلاح والهداية .
قصة بناء المسجد
وتعود قصة هذا المسجد منذ أكثر من ألف سنة تحديدا سنة 393 هـ عندما ادعى شخص اسمه حسن بن مثلة الجمكراني أن الإمام الغائب قد ظهر عليه بعد غيبته عن الدنيا بمئتي سنة , وطلب منه بناء مسجد له في قرية جمكران قرب مدينة قم ليكون مزارا لمريديه , ويقال إن القصة وردت في كتاب باسم "مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين" للعالم الشيعي المشهور الشيخ صدوق المتوفى سنة 381 هـ وهكذا الكتاب ليس له أي وجود الآن ولا يدعي أحد في أدنى الأرض أو أقصاها أنه قرأ منه شيئا , ولم يتحدث أحد عن هذا الكتاب إلا في عصر الصفوي وبعد ستة قرون على موت هذا الشيخ.
وينكر كثير من علماء إيران في التاريخ والشريعة وجود هذا الكتاب وينكرون أيضا صحة الرواية المزعومة حول بناء المسجد , إذن فلا يوجد دليل واحد على ثبوت هذا الاعتقاد بأن المسجد بني بأمر من الإمام الغائب , ورغم ذلك فإنه يتم عقاب أي شخص يشكك في هذه المعتقدات بالسجن أو الحرمان من الوظيفة أو التضييق الاجتماعي.
عدم اهتمام خميني بالمسجد
وقد بدأ اهتمام النظام الإيراني بالمسجد على المستوى المعنوي والثقافي وأيضا البنائي بالإضافة إلى نشاط حملات الترويج له في أوائل التسعينيات من القرن الماضي لأسباب مختلفة.
أولا أن خميني قائد الثورة الإيرانية لم يهتم بالمسجد , وذلك لأنه كان لديه ما يكفي من شعبية عند الشعب , ولم يحتج إلى أساليب أخرى للدعاية إلى شخصه , حيث كانت عنده الكاريزما التي تغنيه عن الاستناد إلى رمز شعبي أو ديني أو تاريخي آخر حتى إنه لم يزر قط مرقد الإمام الثامن للشيعة في مدينة مشهد في محافظة خراسان.
والسبب الثاني هو الخلفية الفلسفية والأصولية للخميني فما كان له أن يهتم بالروايات والشرعيات , بل كان رجلا سياسيا وفيلسوفا قبل ذلك , أما وصفه بكونه مرجعا فقهيا , فيما يسمى بمرجع التقليد عند الشيعة فكان لأغراض سياسية , حيث كان معرضا للإعدام كمعارض سياسي قبل نحو 20 عاما من الثورة , وقام مجموعة من العلماء من أشهرهم آية الله الحسين على المنتظري بإسناد صفة المرجعية إليه لإنقاذه من الإعدام ,لأنه لم يكن يجوز في دستور الشاة إعدام المراجع.
والسبب الثالث أن المشروع الأممي الإسلامي عند الخميني( حسب خطته للهيمنة) كان أولى من المشروع الطائفي الشيعي , حيث أراد من خلاله استجداء دعم الدول الإسلامية وأن يظهر كقائد إسلامي يتصدر المشهد مثلا في الدفاع عن القضية الفلسطينية , وأيضا كان كثير من الشخصيات الثورية الكبرى في إيران كانوا يهتمون بقضايا الأمة بالدرجة الأولى وليس بالقضية الشيعية.
مصباح يزدي
ومن أسباب الاهتمام بالمسجد بعد خميني هو مصباح يزدي زعيم تيار الملالي المناهض للثورة الإيرانية والذي كان يعتقد في فصل الدين عن السياسة وكان مهتما بفكرة انتظار الإمام الغائب الذي سيقوم بإصلاح العالم تماما والرجل كان مغضوبا عند خميني الزعيم الثوري الذي كان يناضل ضد الشاة لسنوات طويلة.
وبعد مجيء خامنئي الذي كان يثق بمصباح يزدي كثيرا، أسند إليه تنفيذ الكثير من المشروعات ومنها التوسعات في جامع جمكران وكان خامنئي ينظر إلى هذا الرجل كنظرة خميني إلى العالم الكبير مطهري منظر الثورة والمفكر الإسلامي الكبير.
أحمدي نجاد
وبعد تولي محمود أحمدي نجاد الرئاسة زاد الاهتمام بالمسجد على نطاق أوسع لأنه كان مريدا لمصباح , بل معروف أنه بمثابة أبيه الروحي ونجاد معروف أيضا بتقديسه للإمام المهدي الغائب لدرجة أنه في مجالسه الرسمية مع وزرائه كان يخصص نصيبا من الطعام أمام مقعد فارغ كطعام للإمام الغائب , وأيضا يجعلون سجادة صلاة فارغة أمام صفوف صلاتهم وكأنها للإمام الغائب الذي يؤمهم في الصلاة.
أرباح المسجد
وتبلغ مساحة مسجد جمكران بعد التوسعات الأخيرة نحو أربعين ألف متر مربع منها 25 ألف متر مسقفة ومشيدة بتكلفة مليارات من ميزانية الدولة ,وفي الفترة الأخيرة تم استغلال أموال النذور التي بلغت أكثر من مليوني ونصف المليون دولار ,ولكن يتم استخدام جزء فقط منها في التوسعات وخدمات المسجد ويذهب النصيب الاكبر إلى خزانة خامنئي.
ويؤمن كثير من الشيعة في قدسية كبيرة لهذا المكان الذي بني عليه المسجد , حيث تم الترويج لأن الامام المهدي اختفى في بئر جمكران الذي يأتي إليه الشيعة من كل مكان ليلقوا برسائلهم المكتوبة في البئر لتصل إلى الإمام , ويحل مشكلاتهم ويستجيب لشكواهم التي في الرسائل بوساطته عند الله كما يعتقدون , حتى أنه في السنوات الأخيرة ظهرت مهنة كاتب رسائل الحاجات التي يقوم بها رجال الدين من الملالي الذين يدعون مهاراتهم وخبراتهم في كيفية كتابة هذه الرسائل والتي تتضمن التوسلات للإمام الغائب لتحقيق النجاحات في الحياة أو الشفاء من الأمراض وتتناقل أخبار بعضهم الآن عبر المواقع الإلكترونية بأن فلانا رزق بطفل بعد سنوات من زواجه أو أن فلانا شفي من مرض عضال.
وقد نقل أيضا أحد نواب البرلمان أن السيد حسن نصر الله جاء إلى المرشد الأعلى للنظام الإيراني خامنئي ليطلب رأيه في مشكلة ما ونصحه خامنئي بأن يذهب إلى بئر جمكران ويتوسل إلى الإمام لحل معضلته، وذكر نائب البرلمان أن خامنئي قال أنه هو نفسه ايضا يذهب إلى البئر كلما واجهته مشكلة ويستلهم حلها من الإمام.
حكومة الإمام الإلهية
ورغم أن كثيرا من المثقفين التنويريين وأيضا علماء الشيعة يكتبون المقالات لتصحيح وعي الناس حول تلك الخرافات إلا أنه لا جدوى من تغيير ما رسخه النظام الإيراني في عقول الناس عبر سنوات عن مسجد جمكران في عملية ممنهجة يقوم فيها النظام بعزائهم عن فشله في حل مشكلات الدولة على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية والنظام الإيراني بذلك يصدر للشعب فكرة أن إمام الزمان هو المسئول عن إصلاح حياتهم ,وهو صاحب الدولة وعلى الناس أن يصبروا عليه وألا يثوروا ضده , فإذا كانت الحكومة بشرية يطالبها الشعب بتحقيق العدل وتوفير تعليم جيد وخدمات طبية جديدة أما حكومة الإمام الإلهية , فلا تسأل عما تفعل وهم يسألون.
المسجد قبل الثورة
ومسجد جمكران لم يكن مشهورا قبل ثورة عام 1979 بل كان مجرد بناية قديمة وصغيرة يجتمع فيها ليالي الأربعاء والجمعة مجموعة قليلة من الناس أغلبهم من طلاب الشريعة ليدعوا الله لظهور الإمام المهدي الغائب ليملأ الأرض بالصلاح والهداية .
قصة بناء المسجد
وتعود قصة هذا المسجد منذ أكثر من ألف سنة تحديدا سنة 393 هـ عندما ادعى شخص اسمه حسن بن مثلة الجمكراني أن الإمام الغائب قد ظهر عليه بعد غيبته عن الدنيا بمئتي سنة , وطلب منه بناء مسجد له في قرية جمكران قرب مدينة قم ليكون مزارا لمريديه , ويقال إن القصة وردت في كتاب باسم "مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين" للعالم الشيعي المشهور الشيخ صدوق المتوفى سنة 381 هـ وهكذا الكتاب ليس له أي وجود الآن ولا يدعي أحد في أدنى الأرض أو أقصاها أنه قرأ منه شيئا , ولم يتحدث أحد عن هذا الكتاب إلا في عصر الصفوي وبعد ستة قرون على موت هذا الشيخ.
وينكر كثير من علماء إيران في التاريخ والشريعة وجود هذا الكتاب وينكرون أيضا صحة الرواية المزعومة حول بناء المسجد , إذن فلا يوجد دليل واحد على ثبوت هذا الاعتقاد بأن المسجد بني بأمر من الإمام الغائب , ورغم ذلك فإنه يتم عقاب أي شخص يشكك في هذه المعتقدات بالسجن أو الحرمان من الوظيفة أو التضييق الاجتماعي.
عدم اهتمام خميني بالمسجد
وقد بدأ اهتمام النظام الإيراني بالمسجد على المستوى المعنوي والثقافي وأيضا البنائي بالإضافة إلى نشاط حملات الترويج له في أوائل التسعينيات من القرن الماضي لأسباب مختلفة.
أولا أن خميني قائد الثورة الإيرانية لم يهتم بالمسجد , وذلك لأنه كان لديه ما يكفي من شعبية عند الشعب , ولم يحتج إلى أساليب أخرى للدعاية إلى شخصه , حيث كانت عنده الكاريزما التي تغنيه عن الاستناد إلى رمز شعبي أو ديني أو تاريخي آخر حتى إنه لم يزر قط مرقد الإمام الثامن للشيعة في مدينة مشهد في محافظة خراسان.
والسبب الثاني هو الخلفية الفلسفية والأصولية للخميني فما كان له أن يهتم بالروايات والشرعيات , بل كان رجلا سياسيا وفيلسوفا قبل ذلك , أما وصفه بكونه مرجعا فقهيا , فيما يسمى بمرجع التقليد عند الشيعة فكان لأغراض سياسية , حيث كان معرضا للإعدام كمعارض سياسي قبل نحو 20 عاما من الثورة , وقام مجموعة من العلماء من أشهرهم آية الله الحسين على المنتظري بإسناد صفة المرجعية إليه لإنقاذه من الإعدام ,لأنه لم يكن يجوز في دستور الشاة إعدام المراجع.
والسبب الثالث أن المشروع الأممي الإسلامي عند الخميني( حسب خطته للهيمنة) كان أولى من المشروع الطائفي الشيعي , حيث أراد من خلاله استجداء دعم الدول الإسلامية وأن يظهر كقائد إسلامي يتصدر المشهد مثلا في الدفاع عن القضية الفلسطينية , وأيضا كان كثير من الشخصيات الثورية الكبرى في إيران كانوا يهتمون بقضايا الأمة بالدرجة الأولى وليس بالقضية الشيعية.
مصباح يزدي
ومن أسباب الاهتمام بالمسجد بعد خميني هو مصباح يزدي زعيم تيار الملالي المناهض للثورة الإيرانية والذي كان يعتقد في فصل الدين عن السياسة وكان مهتما بفكرة انتظار الإمام الغائب الذي سيقوم بإصلاح العالم تماما والرجل كان مغضوبا عند خميني الزعيم الثوري الذي كان يناضل ضد الشاة لسنوات طويلة.
وبعد مجيء خامنئي الذي كان يثق بمصباح يزدي كثيرا، أسند إليه تنفيذ الكثير من المشروعات ومنها التوسعات في جامع جمكران وكان خامنئي ينظر إلى هذا الرجل كنظرة خميني إلى العالم الكبير مطهري منظر الثورة والمفكر الإسلامي الكبير.
أحمدي نجاد
وبعد تولي محمود أحمدي نجاد الرئاسة زاد الاهتمام بالمسجد على نطاق أوسع لأنه كان مريدا لمصباح , بل معروف أنه بمثابة أبيه الروحي ونجاد معروف أيضا بتقديسه للإمام المهدي الغائب لدرجة أنه في مجالسه الرسمية مع وزرائه كان يخصص نصيبا من الطعام أمام مقعد فارغ كطعام للإمام الغائب , وأيضا يجعلون سجادة صلاة فارغة أمام صفوف صلاتهم وكأنها للإمام الغائب الذي يؤمهم في الصلاة.
أرباح المسجد
وتبلغ مساحة مسجد جمكران بعد التوسعات الأخيرة نحو أربعين ألف متر مربع منها 25 ألف متر مسقفة ومشيدة بتكلفة مليارات من ميزانية الدولة ,وفي الفترة الأخيرة تم استغلال أموال النذور التي بلغت أكثر من مليوني ونصف المليون دولار ,ولكن يتم استخدام جزء فقط منها في التوسعات وخدمات المسجد ويذهب النصيب الاكبر إلى خزانة خامنئي.
ويؤمن كثير من الشيعة في قدسية كبيرة لهذا المكان الذي بني عليه المسجد , حيث تم الترويج لأن الامام المهدي اختفى في بئر جمكران الذي يأتي إليه الشيعة من كل مكان ليلقوا برسائلهم المكتوبة في البئر لتصل إلى الإمام , ويحل مشكلاتهم ويستجيب لشكواهم التي في الرسائل بوساطته عند الله كما يعتقدون , حتى أنه في السنوات الأخيرة ظهرت مهنة كاتب رسائل الحاجات التي يقوم بها رجال الدين من الملالي الذين يدعون مهاراتهم وخبراتهم في كيفية كتابة هذه الرسائل والتي تتضمن التوسلات للإمام الغائب لتحقيق النجاحات في الحياة أو الشفاء من الأمراض وتتناقل أخبار بعضهم الآن عبر المواقع الإلكترونية بأن فلانا رزق بطفل بعد سنوات من زواجه أو أن فلانا شفي من مرض عضال.
وقد نقل أيضا أحد نواب البرلمان أن السيد حسن نصر الله جاء إلى المرشد الأعلى للنظام الإيراني خامنئي ليطلب رأيه في مشكلة ما ونصحه خامنئي بأن يذهب إلى بئر جمكران ويتوسل إلى الإمام لحل معضلته، وذكر نائب البرلمان أن خامنئي قال أنه هو نفسه ايضا يذهب إلى البئر كلما واجهته مشكلة ويستلهم حلها من الإمام.
حكومة الإمام الإلهية
ورغم أن كثيرا من المثقفين التنويريين وأيضا علماء الشيعة يكتبون المقالات لتصحيح وعي الناس حول تلك الخرافات إلا أنه لا جدوى من تغيير ما رسخه النظام الإيراني في عقول الناس عبر سنوات عن مسجد جمكران في عملية ممنهجة يقوم فيها النظام بعزائهم عن فشله في حل مشكلات الدولة على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية والنظام الإيراني بذلك يصدر للشعب فكرة أن إمام الزمان هو المسئول عن إصلاح حياتهم ,وهو صاحب الدولة وعلى الناس أن يصبروا عليه وألا يثوروا ضده , فإذا كانت الحكومة بشرية يطالبها الشعب بتحقيق العدل وتوفير تعليم جيد وخدمات طبية جديدة أما حكومة الإمام الإلهية , فلا تسأل عما تفعل وهم يسألون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق