الاثنين ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠، بقلم فرهاد ديو سالار / ايران
٣
الموجز
تتغير اللغة العربية كغيرها من اللغات بمرور الزمن وما يستجد من أحوال مختلفة اجتماعية، دينية، ثقافية وسياسية، ولربّما دلالة الألفاظ أكثر عرضة للتغير فيهذه اللغة مقارنة ببقية أنظمة اللغة الصوتية والصرفية والنحوية. إذن فلابدّ من دراسة الألفاظ دراسة تاريخية تطورية على تعاقب العصور وفي مختلف الأطوار كما من الواجب دراسة الألفاظ بجملتها ومجموعها، حية في نصوصها.
الاشتقاق هوتوليد الألفاظ بعضها من بعض. الاشتقاق صدى ما في العقلية العربية من خصائص التفكير المنطقي والعلمي. هذه الطريقة حيوية توليدية أشبه بطريقة توالد الأحياء، وليست آلية جامدة، خلاف طريقة اللغات الأخرى التي تكون طريقة آلية أكثر منها توليدية،
وبذلك لم ينقطع سيل الألفاظ الجديدة في اللغة العربية. وكان الاشتقاق كذلك طريقاً للتجديد والتنويع الفني.
إن معرفة خصائص اللغة وقوانينها وسنن تطورها، يمكننا من إصلاحها ومراقبة تطورها، وكذلك السير به في اتجاه صحيح يناسب خصائصها الأصلية. كما ويدلنا على أصول الألفاظ، وهوالطريق إلى حسن فهم اللغة والتفقه فيها، ومعرفة الأصيل من الدخيل. ويكشف الصلة بين المعاني المتباعدة لألفاظ من مادة واحدة، ويكشف عن عادات وأحوال ماضية. وبهذا يكون الاشتقاق هوالجسر الموصل بين اللغة والحياة الفكرية والاجتماعية.
في هذا المقال نقصد دراسة الاشتقاق من غير المصدرأي الاشتقاق من أسماء الأعيان، أسماء الأعضاء وأسماء الزمان و... إلخ؛ لأنه أهم وسيلة نمواللغة وتكاثر الكلمات، وتوليد كلمات جديدة للدلالة على معانٍ مستحدثة. لذلك اتخذه العلماء وسيلة لنقل العلوم ووضع المصطلحات.
الكلمات الأساسية: الاشتقاق، دراسة الألفاظ، التنويع الفني، خصائص اللغة، العقلية العربية.
مقدمة
رغم كثرة الدراسات العربية التي قامت خدمة للغة القرآن التي هي أفضل اللغات وأوسعها كما قال الله سبحانه وتعالى: «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِه الرّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » [1]، فإن علماء العربية قديما وحديثا غاب عنهم كثير من الخصائص اللغوية في هذه اللغة التي وصفها الله سبحانه بأبلغ ما يوصَف به الكلام وهوالبيان. كما قال عنها الأستاذ سعيد الأفغاني (المتوفى 1417هـ) في آخر بحثه في الاشتقاق: " للغتنا غنى وافر، وطبيعة مسعفة، يحسدها عليها كثير من اللغات، فهي كنز يطلب من يكتشفه ويحسن استخدامَه والإفادة منه". وقال ابن فارس في كتابه فقه اللغة: " لغة العرب أفضل اللغات وأوسعُها".
وطريقة اللغة العربية في تركيب الألفاظ واشتقاقها من موادها الأصلية وتصريفها في أشكال متنوعة تختلف عن طريقة التركيب الإلحاقي المعروفة في لغات أخرى كثيرة، والتي تقوم على زيادة أحرف مخصوصة في أول الكلمة أوفي آخرها للدلالة على معنى خاص يحصل بهذه الإضافة، أوبطريقة النحت من كلمتين.
ففي الاتصال اللغوي رمز دال هواللفظ، ومدلول هوالمعنى، ودلالة وهي الارتباط الموجود بينهما، والعلم الذي يبحث عن صلات الألفاظ بعضها ببعض هوالنحو، والعلم الباحث في ما بين المعاني من صلات نسميه الفلسفة، والعلم الباحث في ما بين الألفاظ والمعاني من صلات هومبحث الدلالة من علم اللغة.
اللغة العربية هي أبرز اللغات من جهة احتفاظ ألفاظها بالصلة بأصولها الاشتقاقية، وليس الأمر كذلك في غيرها من اللغات الحية. وتختص اللغة العربية بأن أكثر ألفاظها تتكون في أصولها الاشتقاقية من ثلاثة حروف صوتية دون حساب الحركات، وأن هذه الحروف الثلاثة ثابتة لا تتغير، وأن للحرف قيمة دلالية ووظيفة في تكوين المعنى.
الاشتقاق: من أشرف علوم العربية وأدقها وأنفعها وأكثرها ردا إلى أبوابها ألا ترى أن مدارعلم التصريف في معرفة الزائد من الأصلي عليه حتى قال بعضهم: لوحذفت المصادر وارتفع الاشتقاق من كل كلام، لم توجد صفة لموصوف ولا فعل لفاعل. وجميع النحاة إذا أرادوا أن يعلموا الزائد من الأصلي في الكلام نظروا في الاشتقاق وهو افتعال من قولك " اشتققت " كذا من كذا أي اقتطعته منه.
الاشتقاق لغة أخذ شيء من شيء. اشتقّ الشيء: أخذ شقـّه واشتقّ الكلمة من الكلمة: أخرجها منها نحواشتقّ ضرَبَ من الضَرْب (المنجد في اللغة، لويس معلوف). قال ابن منظور في لسان العرب: "اشتقاق الشيء: بنيانه من المرتجل، واشتقاق الكلام: الأخذ به يميناً وشمالاً، واشتقاق الحرف من الحرف: أخذه منه". ومن المجاز اشتق في الكلام إذا أخذ فيه يميناً وشمالاً وترك القصد فسمّي أخذ الكلمة من الكلمة اشتقاقاً.
أما اصطلاحا فهوأخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليُدَلَّ بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة؛ لأجلها اختلفا حروفاً أوهيئة.
عملية استخراج لفظ من لفظ آخر متفق معه في المعنى والحروف الأصلية أوأخذ كلمة من كلمة أخرى أوأكثر مع تناسبٍ بينهما في اللفظ والمعنى.
الاشتقاق: هونزع لفظ من آخر أصل له بشرط اشتراكهما في المعنى والأحرف الأصول وترتيبها، كاشتقاق اسم الفاعل " ضارب" واسم المفعول " مضروب" والفعل " تضارب أوضاربَ وغيرها من المصدر"الضرب" على رأي البصريين أومن الفعل "ضَرَبَ" على رأي الكوفيين.
هذا النوع من الاشتقاق هوأصل أنواع الاشتقاق وأكثر أنواع الاشتقاق ورودا في اللغة العربية وأكثرها أهمية. وإذا أطلقت كلمة الاشتقاق فإنها تنصرف إليه ولا تنصرف إلى غيره إلا بتقييد.
وقد تناوله الصرفيون واللغويون على حد سواء، إلا أن علماء الصرف يتناولونه بالبحث من حيث هيئات الكلمات وصورها في الاشتقاق أما علماء اللغة فيبحثون فيه من جهة أخرى؛ أي من حيث اشتراك الكلمتين في الحروف وفي المناسبة بينهما في المعنى دون اهتمام بالحركات
والسكون.
ولكن علماء النحووالصرف وضعوا شروطا للاشتقاق ليكون صحيحا. ومن هذه الشروط:
* ليناسب المشتق الأصل في الحروف من حيث العدد والترتيب، والمعتبر المناسبة في جميع الحروف الأصلية، فإن الاستباق من السبق مثلا يناسب الاستعجال من العجل في حروفه الزائدة والمعنى وليس مشتقا منه بل من السبق.
* ليوافق المشتق الأصل في المعنى إما مع زيادة " كالضرب " فإنه للحدث المخصوص والضارب فإنه لذات ما له ذلك الحدث، وإما بدون زيادة كاشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين
* في المشتق كان اسما أوفعلا فلا بد من أن يكون له أصل؛ لأن المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر ولوكان أصلا في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقا، ولكن ما هوهذا الأصل المشتق منه ؟ أهوالمصدر أم الفعل ، أم شيء آخر. في ذلك خلاف بين العلماء ونذكر هنا بالاختصار هذا الخلاف بين البصريين والكوفيين.
اختلف البصريون والكوفيون في أصل الاشتقاق. فالبصريون يرون أن أصله هوالمصدر في حين يرى الكوفيون أن الفعل أصل الاشتقاق. واحتج كل فريق بأدلة.
وأما حجج البصريين فهي :
سمي المصدر مصدرا لصدور الفعل عنه.
* المصدر يدل على شيء واحد أي الحدث، أما الفعل فيدل بصيغته على شيئين وهما الحدث والزمان المحصل، بما أن الواحد أصل الاثنين فالمصدر أصل للفعل.
* المصدر يدل على زمان مطلق أما الفعل فيدل على زمان معين بما أن المطلق أصل للمقيد، فالمصدر أصل للفعل.
* المصدر اسم والاسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل. هذا والفعل لا يقوم بنفسه بل في حاجة إلى الاسم ولا يستغني بنفسه، وما لا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه.
* المصدر مثال واحد نحو: الضرب والفعل له أمثلة وصيغ مختلفة.
وهذا أهم حجج الكوفيين:
* المصدر يذكر تأكيدا للفعل نحو: ضربت ضربا ورتبة المؤكّـَد قبل رتبة المؤكّـِد.
* هناك أفعال لا مصادر لها مثل: أفعال المدح والذم والتعجب ... فلوكان المصدر أصلا لما خلا من هذه الأفعال لاستحالة وجود الفرع من غير أصل.
* يعمل الفعل في المصدر نحو: ضربت ضربا. وبما أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول وجب أن يكون المصدر فرعا عن الفعل.
* إن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله مثل: ذهب ذهابا / رمى رميا.
هذا وقد تضاربت الآراء في حجم الدائرة التي يشملها الاشتقاق من الكلم:
* بعضهم يرون أن الكلم بعضه مشتق وبعضه غير مشتق. فمثلا قال الدكتور صبحي الصالح: أما الرأي العلمي الجدير بأن ننتصر له، فهوما ذهب إليه المؤلفون في الاشتقاق كقطرب، الأصمعي، الأخفش، ابن دريد، الزجاج، الرماني وابن خالويه من أن بعض الكلم مشتق وبعضه غير مشتق. كما قال السيوطي: " اختلفوا في الاشتقاق الأصغر؛ فقال سيبويه، والخليل، وأبوعمرو، وأبوالخطاب، وعيسى بن عمر، والأصمعي، وأبوزيد، وابن الأعرابي، والشيباني، وطائفة: بعض الكلم مشتق، وبعضه غير مشتق.
* وقالت طائفة أخرى من متأخرين اللغويين: الكلم كله مشتق، ونسب هذا إلى سيبويه والزجاج.
* قال ابن فارس: " باب القول على لغة العرب هل لها قياس، وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟ أجمع أهل اللغة - إلا من شذ منهم - أن للغة العرب قياساً، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجن مشتق من الاجتنان، وأن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر، تقول العرب للدرع: جُنَّة، وأجَنَّه الليل، وهذا جنين، أي هوفي بطن أمه أومقبور، وأن الإنس من الظهور؛ يقولون: آنَسْتُ الشيء: أبصرته.
وعلى هذا سائر كلام العرب، علم ذلك من علم وجهله من جهل.
قلنا: وهذا - أيضاً - مبني على ما تقدم من قولنا في التوقيف؛ فإن الذي وقفنا على أن الاجتنان التستر هوالذي وقفنا على أن الجن مشتق منه.
* وطائفة قليلة من الباحثين القدامى قالوا: إن الكلم كله أصل وليس منه شيء اشتق من غيره.
والرأي الأرجح أن نقول: إن أصل الاشتقاق ليس واحدا بل الصحيح أن العرب اشتقت من الأسماء والأفعال والحروف لكن بدرجات متفاوتة. وأكثر ما اشتق منه الأفعال ثم الأسماء ثم الحروف، وهذا ما يراه عدد من الباحثين المحدثين.
الاشتقاق خمسة أقسام: الاشتقاق الصرفي (الصغير)، الكبير، الأكبر، الإبدالي والكُبَّار.
الاشتقاق الصرفي (وهوما يسميه ابن جني بالصغير أوالأصغر)
وهوأخذ كلمة من أخرى بتغيير في الصيغة مع تناسبهما في المعنى واتفاقهما في حروف المادة الأصلية وترتيبها. أوبعبارة أخرى "ذلك أخذ الكلمات من المادة بوساطة إقحام الحركات فى الصوامت سواء اقتصرنا على هذا الإقحام أي التحول الداخلي أوأضفنا إلى استخدام طريقة الإلصاق".
من هذا الاشتقاق، اشتقاق صيغ الأفعال من المجرّد والمزيد وكذلك اشتقاق المشتقات المشهورة وهي: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، اسما الزمان والمكان واسم الآلة. واشتقاق غير هذه الأسماء المشتقة مثل:
ضرب، أضربَ، ضاربَ، تضرَّب، تضاربَ، استضرب، ضاربٌ، ضرَوُب، مضروب، مِضْرَب، مِضْراب، ضرَّاب و... إلخ. فهذه المشتقات وغيرها من مادة " ض رب" احتفظت بترتيب حروفها ومعناها سارٍ في جميع ما يشتق منها. وقد أخذت من مصدر الضَّرْب والمصدر هوأكبر أصول الاشتقاق في العربية.
الاشتقاق الكبير(القلب اللغوي أوالمكاني)
وأما الاشتقاق الكبير فهوأن يكون بين الكلمتين اتفاق في حروف المادة الأصلية من دون ترتيبها وتناسب في المعنى أوبالأحرى أن نقول: به نحصل على جذور مختلفة من مادة ذات صوامت مشتركة بوساطة التقليب. مثل:
كتب / كبر / ربك / ركب / بكر / برك
ذهب ابن جنِّي إلى أن لتقاليب حروف المادة الواحدة معنى جامعاً يسري في جميع ما تصرّف منها، وعقد لذلك باباً سماه الاشتقاق الأكبر وللمادة الثلاثية 6 تقاليب، وللرباعية 24 تقليباً، وللخماسية 120 تقليباً. فمادة (ج ب ر) تدل تقاليبها:
ج ب ر/ ج ر ب / ب ج ر/ ب ر ج/ ر ج ب/ ر ب ج على القوة والشدة،
وتقاليب (ق س و) للقوة والاجتماع،
وتقاليب(م ل س) للإصحاب والملاينة.
الاشتقاق الأكبر(الإبدال اللغوي)
وأما الاشتقاق الأكبر فهوأن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى واتفاق في بعض حروف المادة الأصلية وترتيبها سواء أكانت الحروف المتغايرة متناسبة في المخرج الصوتي أم لم تكن.
وبه نحصل على تنوعات من الجذور بوساطة تغيير أحد الصوامت الأصلية. مثل:
نبأ / نبت / نبح / نبذ / نبر/ نبز/ نبس / نبش / نبض / نبط
وغير ذلك من الألفاظ التي أوردها الذين يعتقدون بالثنائية المعجمية، وهي أن الأصل في الألفاظ العربية ثنائي ولا ثلاثي كما يرون أن الحرف الثالث يزاد تنويعاً للمعنى العام الذي يدل عليه الأصل الثنائي.
ويتميز الاشتقاق الأكبر أوالإبدال اللغوي عن الإبدال الصرفي الواقع لضرورة صوتية، فالإبدال الصرفي هوإبدال صوت من كلمة بصوت آخر، يقع عادة بين الأصوات المتقاربة في الحيز والمخرج كإبدال الواوألفا في صام وأصلها من صوم ، والتاء طاء في اصطلح وأصلها اصطلح واختلف النحاة في عدد حروفه.
أما الإبدال اللغوي فهوأوسع من حيث الحروف ويشمل حروفا غير موجودة في اللفظ الأول، واختلفوا في القدر، فمنهم من قال: يشمل جميع حروف الهجاء وضيق مجاله آخرون بأن تكون الحروف متعاقبة متقاربة المخرج.
ومن أمثلة الاشتقاق الأكبر:
صهل / زأر / سعل. فهذه الأفعال الثلاثة كل منها يدل على صوت.
صهل يدل على صوت الحصان،
زأر يدل على صوت صوت الأسد،
سعل يدل على صوت الإنسان.
ونلاحظ بالمقارنة بين كل منها وما يقابله أن (ص ز س ) أحرف صفيرية و(الهاء، والهمزة، والعين) أحرف حلقية واللام المشتركة في فعلين أخت الراء في الفعل الثالث (زأر) فهي انحرافية.
الاشتقاق الأكبر وأول من قال به ابن جني؛ حيث قال في الخصائص:
باب في الاشتقاق الأكبر
هذا موضع لم يسمِّه أحد من أصحابنا، غير أن أبا علي - رحمه الله - كان يستعين به، ويخلد إليه، مع إعواز الاشتقاق الأصغر، لكنه - مع هذا - لم يسمِّه، وإنما كان يعتاده عند الضرورة، ويتروح إليه، ويتعلل به. وإنما هذا التلقيب لنا نحن، وستراه، فتعلم أنه لقب مستحسن، وذلك أن الاشتقاق عندي على ضربين: كبير وصغير.
ثم عرف الصغير - كما مر - وعرف الكبير، وسماه الأكبر حيث قال:
وأما الاشتقاق الأكبر فهوأن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، وتجتمع عليه التراكيب الستة، وما يتصرف من كل واحد منها عليه.
وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه".
الملاحظة: هذان الاشتقاقان الكبير والأكبر ليسا قياسيين وهما غير معتمدين في اللغة ولا يصح أن يستنبط بهما اشتقاق.
أوالأفضل أن نقول: إن الاشتقاق الصغير يهمّ الصرفي والكبير والأكبر يهمّان اللغوي.
الاشتقاق الابدالي
وهواتفاق المشتق والمشتق منه في بعض الحروف واختلافهما في بعضها لكن يشترط في الحرفين الذين يختلفان فيه أن يكونا من مخرج واحد في الجهاز الصوتي ـ وإن لم يعتقد به العلماء كلهم ـ مثل: نعق الغراب ونهق الحمار اذ يختلفان في حرفي العين والغين
ويدلان على معنى متقارب بحيث كلاهما يدلان على الصوت.
الاشتقاق الكُبَّار
وذلك ما يعرف بـالنّحت، وهوأخذُ كلمة من بعض حروف كلمتين أوكلمات أومن جملة مع تناسب المنحوتة والمنحوت منها في اللفظ والمعنى. مثل:
بَسْمَلَة / سَبْحَلَة / حَيْعَلَة: من بسم الله الرحمن الرحيم، وسبحان الله، وحي على الفلاح.
أومن المركَّب العلمُ المضاف المشتق المنسوب مثل:
عَبْشَميّ / عَبْدريّ / مَرْقَسيّ في النسبة إلى عبد شمس وعبد الدار وامرئ القيس
إن النحت طريقة من طرائق توليد الألفاظ، مع أنه قليل الاستعمال في اللغة العربية ولكنه شائع في غيرها من اللغات الهندية الأوربية،على عكس الاشتقاق الذي هوالقاعدة الأساسية في توليد الألفاظ في اللغة العربية (للمزيد من الفائدة في هذا المنطلق راجع مقالي تحت عنوان: ظاهرة النحت في اللغة العربية، المنشور في نفس هذه المجلة، ديوان العرب).
الاشتقاق في اللغة العربية أساس كلماتها وتوليد ألفاظها الجديدة، غير أن الصرفيين لاستئناسهم بالأفعال المشتقة مدة طويلة قرروا منع الاشتقاق من الجامد. ودراسة المحدثين لهذه الظاهرة أثبتت أن العرب اشتقت من الجامد بكل أقسامه. وسار الكتاب والمؤلفون عبر العصور على هذا النهج. وهذا الاشتقاق كثير في العربية المعاصرة من مثل: قبرصة (قبرص)، أمركة (أميركا)، أدلجة (أيدولوجية). كما يكثر اشتقاق الأفعال التالية: تمحور وتموضع وتموسم ومذهبَ ومنهجَ وتمركز، على شاكلة ما عرفته عربية عصر الاحتجاج وما بعده من أمثال: تمذهب وتمدرع وتمنطق وتمندل وتمسكن.
كما يعتقد الدكتور فاروق مواسي في كتابه القيم " من أحشاء اللغة " في مثل هذه الاشتقاقات هوأن فيها جرأة لغوية تستحق الاهتمام ويمكن الاقتداء بها، ولكن بشرطين:
* ألا تنافس معنى آخر، لأن اللغة بحاجة إلى تحديد وتدقيق، فلا نقول مثلا (تطيّر) بمعنى ركب الطائرة،(تشمم) بمعنى اشترى الشمام، لأن هناك المعنى الآخر المعروف.
* ألا يسبب ذلك إلى التقعر اللفظي أوالسخرية في اختيار اللفظة الجديدة، نحوفكسست (أرسلت
فاكسًا) فالأفضل فكسلت. أؤيد التجديدات إذا وردت في سياقها، فما المانع من معجن، مأسس، تمأسس، تمخطر، تمصرف....
فوائد الاشتقاق وأغراضه
إن الاشتقاق يكتسب أهمية بالغة في اللغة العربية ، بل ذهب بعضهم إلى وجوب تقدم تعلمه على علم النحو؛ أي علم التصريف ، وهونوع من أنواع الاشتقاق بل هوأهمها وأكثرها ورودا . وفي ذلك يقول ابن جني:" فالتصريف إنما هولمعرفة أنفس الكلم الثابتة، والنحوإنما هولمعرفة أحواله المتنقلة، ألا ترى أنك إذا قلت : قام بكر، ورأيت بكرًا، ومررت ببكرٍ فإنك إنما خالفت بين حركات حروف الإعراب لاختلاف العامل ولم تعرض لباقي لكلمة وإذا كان كذلك فقد كان من الواجب على من أراد معرفة النحوأن يبدأ بمعرفة التصريف؛ لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة، إلا أن هذا الضرب من العلم لما كان عويصا صعبا بدئ قبله بمعرفة النحوثم جيء به بعد ليكون الارتياض في النحوموطئا للدخول فيه، ومعينا على معرفة أغراضه ومعانيه وعلى تصرف الحال".
وبما أن اللغة العربية في حاجة ماسة إلى هذا العلم للتوسع، رأينا من الواجب أن نركز عليه إضافة إلى أنواع المشقات المذكورة أعلاه وهواشتقاق الكلمات والألفاظ من غير المصدر والفعل وأكثرت العرب من هذا النوع من الاشتقاق. ورأى مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسية هذا الضرب من الاشتقاق لشدة الحاجة إليه في العلوم. ومن هذه الكلمات العربية المركبة مجموعة كبيرة، نأخذ منها على سبيل المثال والزيادة في العلم ولا على سبيل الحصر.
* أكثرت العرب الاشتقاق من أسماء الأعيان كالذهب والجمل والبحر والنمر والإبل والخشب والحجر والبغل، فقالوا: ذَهَّب / تجمّل/ أَبْحَرَ / تَنَمَّر / تأبَّل / تخشَّب / استحجر/ تبغـّل.
قال مجمع اللغة العربية: اشتق العرب كثيراً من أسماء الأعيان، والمجمع يجيز هذا الاشتقاق للضرورة في لغة العلوم، ثم رأى التوسع في هذه الإجازة بجعل الاشتقاق من أسماء الأعيان جائزاً من غير تقييد بالضرورة. واشتقوا من أسماء الأعيان المعرَّبة كالدرهم والفهرس، فقالوا: دَرْهَمَ وفَهْرَسَ، ويقال من الكهرباء والبلّور: كَهْرَبَ وبَلْوَرَ. كما وضع هذا المجمع قواعد الاشتقاق من الاسم الجامد العربي والاسم الجامد المعرَّب. وقرر كذلك أنه تصاغ مَفْعَلة قياساً من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان، سواء أكانت من الحيوان أم من النبات أم من الجماد، فيقال: مَبْقَرة ومَلْبَنة ومأسدة.
* كما استعملت العرب المصدر الصناعي بقلة وأخذته من أسماء المعاني والأعيان كالجاهليّة والإنسانيّة والفروسيّة والألوهيّة. رأى المجمع أيضا قياسية صنع هذا المصدر لشدة الحاجة إليه في العلوم والفنون حيث قال: إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد عليها ياء النسب والتاء، فيقال: الاشتراكية والجمالية والرمزية والحمضية والقلوية.
* اشتقت العرب أيضاً من أسماء الأعضاء، فقالوا:
رَأَسَه / أَذَنَه / عَانَه: إذا أصاب رأسه وأذنه وعينه.
رأى المجمع أن هذا الاشتقاق قياسي، فقال: كثيراً ما اشتق العرب من اسم العضوفعلاً للدلالة على إصابته... وعلى هذا ترى اللجنة قياسيته.
* واشتقت العرب أيضا من أسماء الزمان، فقالوا:
أَصَافَ / أخْرَفَ / أضحى/ أَرْبَعَ / أَصْبَحَ / أمسى: إذا دخل في الصيف والخريف والضحى والربيع والصباح والمساء.
* كما اشتقت من أسماء المكان، فقالوا:
خرْسَنَ / أَنْجَدَ / أعرق / أَتْهَمَ / أعمنَ / أَشْأَم: إذا أتى خراسان ونجداً والعراق وتهامة وعمان والشأم.
* واشتقت من أسماء الأعلام، فقالوا:
تَنَزّر / تَقَـيّس / تأمرك: إذا انتسب إلى نزار وقيس وأمريكا.
* الاشتقاق من الكلمات المعرّبة، فقالوا مثلا:
كَهْربَ / المُكَهْرب من الكهرباء
جَورَبَ من الجَوْرَب
دبّجَ من الديباج
التأكْسُد / تُأكسَدَ الفلزّ أوالمعدن من الأكْسِدة
التمغنُط من المغْنِطيس/ المُمغْنط (اسم المفعول) / المَغْنَطة
* وأيضا اشتقت من أسماء الأعداد، فقالوا:
أحّدته أي حسبته واحدا / ثنَّيته أي جعلته اثنين / ثَلَثْت القوم أي صرت لهم ثالثاً.
* واشتقت من أسماء الأصوات، فقالوا:
فَأْفَأَ أي ردّد الفاء / جَأْجَأَ بإبله: إذا دعاها لتشرب بقوله: جئ جئ.
* واشتقت من حروف المعاني، فقالوا:
سوّف / لاَلَى / أَنْعَمَ: إذا قال: سوف ولا ونعم.
إنَّ ثبات حروف المادة الأصلية فيما اشتق منها ودلالة المشتقات على معنى المادة الأصلي مع زيادة فيه أفادته صيغتها بجعل ألفاظ اللغة مترابطة أشد الترابط . وعلى هذا النوع من الاشتقاق يقوم القسم الأعظم من متن اللغة العربية، ولهذا هوأكثر أقسام الاشتقاق دوراناً ، وهومما أجمع عليه اللغويون إلا القليلين منهم . ومن خصيصة هذه اللغة هذا الترابط المحكم الذي يحفظه الاشتقاق بين ألفاظ العربية.
وبما أن الاشتقاق طريقة معرفة الأصلي من الزائد من الحروف مثل إقامة من " ق وم "، ومعرفة مادة الألفاظ التي يطرأ التغيير على بعضها كالدعاء من " د ع و"، ويميّز به الدخيل في اللغه العربية كالّسرادق والاستبرق فهوأهم وسيلة من وسائل نمواللغة وتوالد موادها وتكاثر كلماتها، وتوليد كلمات جديدة للدلالة على معان مستحدثة. لهذا اتخذ العلماء هذه الوسيلة لنقل العلوم ووضع المصطلحات. هذا القسم من أقسام الاشتقاق وسيلة من وسائل توليد كلمات جديدة للدلالة على معان مستحدثة.
وبما أن ثمرة هذا العلم الجليل التعمق في فهم كلام العرب وبعده فهم كلام الله سبحانه في قرآنه هنا نشير إشارات عابرة إلى بعض المصنفين في هذا العلم وكتاباتهم.
من المتقدمين الذين ألفوا في هذا المجال واهتموا به يمكن أن نذكر الأصمعي، أبا الحسن الأخفش، أبا نصر الباهلي، المبرِّد، ابن دريد،الزَّجَّاجي، الزجَّاج، أبا عُبيد البكري الأندلسي، الرماني، أبا جعفر النحاس، وابن خالويه و...ولكن ابن دريد أول من ذكر أصولا كثيرة في كتاباته و، ثمّ أكمل ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة كما كان كمن قبلهما للخليل بن أحمد الفراهيدي محاولات كثيرة في هذا المجال.
وفي هذا المنطلق سينفع القاريء الكتب التالية:
نزهة الأحداق، العلامة محمد بن علي الشوكاني
العلم الخفاق من علم الاشتقاق، صديق خان
الاشتقاق والتعريب، عبدالقادر المغربي
الاشتقاق، عبدالله أمين
من أسرار اللغة، الدكتور إبراهيم أنيس
فقه اللغة، الدكتورعلي عبدالواحد
فقه اللغة العربية وخصائصها، إميل يعقوب وغيرهم كثيرون.
وأخيرا نذكر بعض آراء ابن جني في كتابه القيم في هذا المجال وهوالخصائص:
اشتقوا أسماء للأشياء من أصواتها، نحو:
الخَازِبَازِ، والبَطّ، والوَاقِ، وغَاقِ، وحَاءِ، وعَاء، وهَاءِ (1/514).
* المصدر يشتق من الجوهر، كالنبات من النبت، ومن الحرف نحو: اللاّلاَة واللّولاَة (1/417).
* الناقة من التنوق في الشيء وتحسينه، و(الجمل) فَعُلٌ من الجمال، و(الوِشَاء) فَعَالٌ من الوَشْي، وما بالدار دِبِّيج وهوفِعِّيل من الديباج، و(إنسان) فعلان من الإنس. وكلها ألفاظ متلاقية المعنى في الاشتقاق مما أخذت منه (1/159-160).
* اشتقوا اسماً للناقة من لفظ الجمل فقالوا: جُماليَّة، تشبيهاً لها به في شدته وعلوِّ خَلْقه) 1/ 308).
* هَلْمَمْت مشتق من "هَلـُمّ" التي أصلها: ها ولُمَّ (1/287).
* كثر اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف، نحو:
هاهيت، وسَأْسَأْتُ، وشَأْشَأْتُ، وحَأْحَأْتُ، وحَاْحَيْتُ، وعَاعَيْتُ، وهذا كثير في الزجر(1/514، 421).
* اشتقوا أفعالاً من المركبات، نحو:
بَسْملتُ، وهَيْلَلْتُ، وحَوْقَلْتُ (1/5514).
* كثير من الأفعال مشتق من الحروف، نحو:
لوْلَيْتَ لي، ولالَيْتَ لي، وسوَفَّ، وجميع تصرفات (ن ع م) إنما هومن حرف الجواب " نَعَمْ " وجميع تصرفات (ب ج ل) إنما هومن " بَجَلْ " بمعنى حسبك (1/417 – 419).
* لواشتققت من الجار والمجرور" بأبي أنت " بعد أن تعتقد تركيبه - اشتقاقاً صوتياً لقلت:
بأبأت به بِئْبَاءً وبَأْبَأةً، وصار نحوزلزل زِلزالاً وزلزلة، بل اشتق منه " بِئَب" على وزن عِنَب (1/285-286).
* لا يستنكر أن يكون في الأسماء غير الجارية على الأفعال معاني الأفعال، نحو: مفتاح ومَنْسج، ومُسْعُط، ومنديل، ودار، وحائِش، وحائط، وعاثر؛ فهي من: الفتح، والنسج، والإسعاط، والنَّدْل، والدَّوْر، والحوش، والحَوْط، والعَوَر - وفيها كلها معاني الأفعال الملاقية لها في الاشتقاق (1/158).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق