بقلم: سيد حمدي(*) -
2015-01-11
كتب كثيرون من العلماء والأدباء والساسة والمؤرخين عن طبيعة الشعب المصري ، قديما وحديثا فمنهم من بجلها ومنهم من أنصفها ومنهم من انحاز إليها عاطفيا بشكل مبالغ فيه ، وخلت الكتابات من توصيف دقيق في إطار منهجية متكاملة تستدعي الداء وتصف الدواء شاملة في مجملها محكمة في طريقها للوصول إلى رؤية علمية يمكن البناء عليها بشكل يمكن متخذ القرار من تحديد الحد الأدنى من النتائج المرجوة .
وبالرجوع إلى الأبحاث والدراسات والقراءات التي تتعلق بطبيعة الشخصية المصرية وما طرأ عليها من تغييرات تبين أن الشخصية المصرية تميزت بمجموعة من السمات الأصيلة التي لم تغيرها الأحداث ولا الخطوب لفترات زمنية طويلة، ولم يبالغ من وصف تلك الشخصية بأنها بالفعل طيبة ، لا تركن إلى العنف، تعشق الاستقرار، وتحب الدين ، وتتميز بالذكاء، ولعل تلك الصفات على الرغم مما تحمله في طياتها من جملة من القيم الايجابية إلا أنها حملت أيضا بعض القيم السلبية التي كان لها انعكاسات خطيرة على مجريات الأمور في شتى مناحي الحياة .
يتساءل البعض في ريبة كيف تحولت هذه الشخصية من طيبة إلى عنفوانية تحمل في بذورها الشر ومن شخصية متدينة تحب الدين وتقدسه إلى شخصية تؤمن أن قوة الطاغية أكبر من قوة خالقه ومن شخصية تعشق الاستقرار إلى شخصية تبحث عن الحرية على أمواج البحر المتوسط وفى سهول سيبريا وصحراء الخليج ومصانع الغزل والنسيج والملح في كوريا .
لاشك أن ثمة عوامل ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في إحداث هذه التحولات النوعية التي لا تخطئها عين ، وهنا تبرز الحاجة الملحة للدراسات والأبحاث المتخصصة من قبل علماء النفس والاجتماع .
بعيدا عن العولمة وثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية صغيرة وما نتج عن ذك من تمازج الثقافات وميوعة العادات والأعراف فضلا عن الانفتاح الاقتصادي الذي ساهم في زيادة القيم الاستهلاكية بعيدا عن ذلك فإني أزعم أن الحكم العسكري المفعم بالاستبداد كان له أكبر الأثر في حدوث هذا التحول الكبير الذي طرأ على الشخصية المصرية ؛ فمن نكسة يونيو واتفاقية كامب ديفيد مرورا بالارتماء في حضن روسيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية والالتحاف بالاشتراكية والقومية ثم العلمانية وصولا لتغير العقيدة القتالية وتوجيه السلاح لصدور المصريين بدلا من العدو الأصلي إزاء هذا شهدت الشخصية المصرية في تلك الحقبة تحديدا كثيرا من التشوهات حتى بدا للملاحظ كم التناقضات التي يتميز بها المصري ..
ويكفي العسكر خيبة وبؤسا وعارا أنهم السبب الأبرز في تحول الشخصية المصرية العاشقة للاستقرار بفعل الجغرافيا والمناخ إلى شخصية بات حلمها السفر والهروب بعيدا عن حضن الوطن الذي لم يعد دافئا ..
فقبل مجيء العسكر إلى الحياة المصرية لم يكن يخطر ببال مصري أن يغادر بلده بحثا عن الحرية أو لقمة العيش لكن بات ذلك حلما على يد شر قحاب الأرض الذين يدعون زورا (عسكر) .
وهنا يبرز سؤال آخر كيف تمكن العسكر خلال عقود بسيطة أن يحدث هذا التحول الكبير في سمات الشخصية المصرية التي ظلت ثابتة لقرون ؟
إنه الاستبداد المحلى بالغباء ياسادة .
لو سألني سائل ما هو أسوأ حدث أصاب مصر في العصر الحديث لقلت انقلاب 23 يوليو المسمى زورا ثورة يوليو 1952 فمن هذا التاريخ بدأ فعليا الاحتكار العسكري في أبهى صوره ، ومن خلال هذه الاحتكار السياسي والإعلامي والقضائي بالتزامن مع إحكام القبضة الأمنية وترويع الناس وقهرهم استطاع قادة الجيش أن يبنوا إمبراطوريتهم الاقتصادية على حساب الشعب الذي يعد نصفه تقريبا تحت خط الفقر !
لاشك بدا لكل ذي بصيرة أن العسكر لا ينحاز إلا إلى مصالحه ولمصالح الفاسدين الذين يساندونه ولم يكن منحازا في يوم من الأيام إلى الشعب وحقوقه !
إن انتشار العسكر في الحياة المصرية كالسرطان المتغلغل في جميع خلاياه وأنسجته ، قد لا يصلح معه الجراحة لأننا في بلد هزيل ضعيف لا يقوى على الجراحة ومتاعبها، لكن يفيد معه العلاج الكيماوي الذي يدمر الخلايا المصابة كي تنشط الخلايا السليمة التي يعول الجميع عليها خيرا بعد الله سبحانه وتعالى .
ويقينا مصر الحرة باتت اليوم أقرب من غيره لتماثل الشفاء فحينما يولد جيل يعي جيدا خطورة المرحلة
وعندما تربو التضحيات ،وعندما يضع الأبطال بصماتهم على جبين الوطن ، وعندما تزأر الأسود وترتبك الفئران كما لم نعهدها من قبل فإننا أمام نصر قريب بإذن الله ، واستبشروا .
................
(*)صحفي وكاتب
============
هذا ما كتبه جمال حمدان عن حكام مصر عبر التاريخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق