الجمعة، 14 أغسطس 2020

“كارنيغي”: الفساد في الكويت… غزوٌ آخر يُهدِّد وجود الدولة عَبْرَ الخُماسي الواسطة والعلاج بالخارج وتزوير الجنسية وغسل الأموال والاختلاس

 


 

إذا كانت الدولة والمجتمع صادقين في معالجة الفساد فعليهما مواجهته كاملاً وإلا فسوف يتفاقم

استيعاب الواسطة حوّل الممارسات المنحرفة الصغيرة نسبياً إلى حالات فساد أكبر
آلاف الكويتيين زيَّفوا وضعهم الوظيفي في القطاع الخاص لتلقي أموال عامة
3.5 مليار دولار أنفقتها الكويت على العلاج السياحي في الأشهر التسعة الأولى من 2018

 

وصف مركز كارنيغي، الفساد بالكويت بأنه غزو آخر يهدد وجود الدولة، محددا له خمسة مستويات تبدأ بالواسطة ثم تزييف المرض للعلاج بالخارج فتزوير الجنسية يعقبها غسل الأموال و أخيرا الاختلاس.
ورأى المركز في تحليل كتبه، بدر السيف، ونشر على موقعه الالكتروني، أن الفساد من ركائز الحكم وميزة من سمات الحياة اليومية في الكويت.
وأضاف: “أدى الكشف عن العديد من قضايا الفساد الكبرى في الأسابيع القليلة الماضية إلى زعزعة المجتمع لدرجة أن الذكرى الثلاثين لغزو العراق طغت عليها مناقشات الفساد وأصبحت استعارة مناسبة للوضع الحالي”.
وتابع السيف في تحليله، “وصل الفساد إلى حد الغزو الداخلي، مما يهدد نسيج الدولة وقدرتها على العمل، لقد وصلت إلى أبعاد لا مثيل لها وتتضمن شبكة معقدة من المستخدمين والعمليات”. مبينا أن “الفساد في الكويت ينطوي على أكثر من مجرد الاختلاس وغسيل الأموال، إنه نظام خماسي المستويات تتقاطع مكوناته وتتغذى مع بعضها البعض، مما يجعل من الصعب اقتلاعها”، مبينا أنه “إذا كانت الدولة والمجتمع صادقين في معالجة الفساد، فعليهما أولاً معالجة الفساد بكامله، وإلا فسوف يتفاقم”.

الواسطة
وتابع التحليل: “إن حجر الزاوية في الفساد هو الواسطة، واستخدام الصلات والنفوذ لكسب المكاسب. التي تأتي بأشكال مختلفة: الرشاوى، والمحسوبية، والخدمات غير المبررة، والرسوم المتنازل عنها، والتقييمات المتضخمة، والقوانين التي تم الالتفاف عليها. لافتا إلى أن ذلك” ينتج موقفًا معديًا يديم الإهمال الجسيم وعدم الكفاءة وأداء العمل دون المستوى الأمثل. غالبًا ما يستلزم تنفيذ مهمة عادية في جهات مختلفة توزيع “الهدايا”، سواء كانت سلعًا نقدية أو سلعًا مادية”.
وأكد أن “الواسطة منتشرة في النظام لدرجة أن تقرير صندوق النقد الدولي وجد أن الكويتيين بين سكان الخليج ذكروا ذلك في أغلب الأحيان كشرط مسبق للحصول على وظيفة، بينما هم بين سكان الشرق الأوسط هم ثالث من يفعل ذلك. كما أن قطاع النفط الحيوي في الكويت لم يفلت من المحسوبية، كما لم يفلت من التوزيع غير القانوني لأراضي الدولة الزراعية. لقد كُتب الكثير عن الواسطة، لكن استيعاب الواسطة كروتين عادي سمح للممارسات المنحرفة الصغيرة نسبيًا بالتحول إلى حالات فساد أكبر”.
ورأى أن الطبقة الثانية من الفساد تنطوي على استغلال النظام للضلوع في الاحتيال، وهو ما يكمل الواسطة. وخير مثال على ذلك فضيحة الشهادات المتقدمة المزورة التي حصل عليها المسؤولون والأكاديميون. مشيرا إلى أن بعض الشركات لم تفلت من هذا المأزق، حيث قدمت ميزانيات مشوهة، بينما زيف آلاف الكويتيين وضعهم الوظيفي في القطاع الخاص لتلقي أموال عامة تشجع الناس على ترك القطاع العام المتضخم.

تزييف المرض
وأكد مركز كارنيغي، ان تزييف المرض، بعد آخر للاحتيال، كان أيضًا جزءًا من دائرة الفساد هذه. أنفقت الدولة 3.5 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 وحده على العلاج في الخارج لمواطنيها، تم اكتشاف عدة حالات منها سياح يتنكرون في هيئة مرضى. انتهى الأمر بالعديد منهم في المستشفيات الأمريكية حيث بقيت الرسوم التي بلغ مجموعها 677 مليون دولار غير مدفوعة. ودفع ذلك وزارة الخارجية والكونغرس إلى إصدار بيانات تطالب الكويت بتسوية مشاريع قوانينها. كما تم استغلال مطالبات الإعاقة، حيث تظاهر الأفراد بأنهم معاقون للاستفادة من الحوافز المالية.
وأشار إلى أن أول طبقتين من الفساد غالبًا ما تكونان غير مرئيتين، لكنهما شريان الحياة للفساد، إن ربط الفساد بالمكاسب المالية غير المشروعة وحده قد بث الحياة في ثقافة متجذرة في الواسطة والسلوك الاحتيالي، هذه الثقافة منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن العديد من الأفراد الملتزمين بالقانون يجبرون على المشاركة فيها وإلا يتعرضون للتأخير والمضاعفات. إن تطبيع مثل هذه الممارسات أو التقليل من شأنها يتيح النمو المتسارع لسوء السلوك.

الإتجار بالبشر
وتابع: “تزوير حالة الجنسية والاتجار بالبشر هي الدرجة الثالثة في الفساد الكويتي. لقد دفعت المعاملة السيئة للبدون، أو السكان عديمي الجنسية في الكويت، إلى اتباع أساليب غير قانونية لتلبية احتياجاتهم. تشمل الأمثلة التظاهر كأعضاء في مجتمع آخر لتغطية نفقاتهم أو الدفع للحصول على المستندات التي طال انتظارها”.
وذكر أن “الاتجار غير المشروع بالعمالة الذي ينطوي على مبالغ طائلة فُرضت على العمال الأجانب قد استفاد من أفراد الأسرة الحاكمة وشخصيات مؤثرة وصفت بتجار التأشيرات. وقد أدى ذلك جزئيًا إلى اختلال التوازن السكاني وزيادة كراهية الأجانب”.
وتابع “كارنيغي”: أصبحت الكويت أيضًا مركزًا دوليًا لغسيل الأموال، وهي حقيقة التقطتها وسائل الإعلام الدولية. هذه الطبقة الرابعة من الفساد حفزت العديد من الكويتيين بسبب مكائدها والتورط المزعوم لعضو بارز في الأسرة الحاكمة قيد التحقيق حاليًا بتهمة تسهيل غسل الأموال. القضية مرتبطة بصندوق الثروة السيادية 1Malaysian Development Berhad وتدخل عملاء سوريين وإيرانيين يتحدث عن تورط الكويت الدولي. يتم أيضًا التحقيق مع العديد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لتلقي ملايين الدولارات من عمليات غسيل أموال مشتبه بها، عن علم أو عن غير قصد.
وأشار إلى ان الاختلاس يجتذب أكبر قدر من الاهتمام بالنظر إلى الأشخاص والمبالغ المرتبطة به، لكن هذه الطبقة الخامسة هي قمة جبل الجليد.
ولفت إلى تحطيم النزاهة المالية للكويت عبر عدد لا يحصى من المؤسسات والمجالات، وتشمل هذه التأمينات الاجتماعية، وصندوق الجيش، ومشتريات الدفاع، و”أموال الضيافة” لوزارة الداخلية، والخطوط الجوية الكويتية، والرياضة، وهيئة الموانئ، والبلديات، والبتروكيماويات، والنفط، والبرلمان، والقائمة تطول.
ومما يزيد الطين بلة حقيقة أن القضايا القانونية لا يبدو أنها تحدد المذنب. ومع ذلك، لا يتعلق الأمر بغياب الرقابة. اثنتا عشرة جثة “تحارب” الفساد، لكن الكثير منها إما بلا أسنان أو عاجز. تتسبب الهيئات المتداخلة، وعدم كفاية القوانين، والموقف الباهت المدفوع بنظرة ضيقة للفساد في إعاقة مكافحة الفساد.
وأضاف، “يستمر ترتيب الكويت في مؤشرات الفساد في التراجع عاما بعد عام. يجب على البلاد إعادة التفكير في مفهومها للفساد والأدوات المحدودة التي لديها لمكافحته. يجب استخدام التعليم لتعليم الأخلاق للشباب في سياق رؤية متكاملة للفساد. يجب على المجتمع والمنظمات غير الحكومية الكشف عن البنية التحتية المعقدة للفساد في الممارسات اليومية. يحتاج السياسيون إلى إعادة توجيه حربهم ضد الفساد بحيث تشمل المستويات الخمس”.
واختتم المركز تحليله، ” يجب على الحكومة أن تركز جهودها في ظل قياصرة محترَمين ومحترِمين لمكافحة الفساد. ومن المتوقع تشكيل حكومة جديدة في ديسمبر. يجب أن تكون مكافحة الفساد هدفها الأساسي، بناءً على فهم شامل مُجدَّد، وإلا فقد يتلاشى المزاج الحالي لمكافحة الفساد الذي يمثل تهديدا وجوديا للبلاد، فالفشل في معالجته ينذر بالسوء لسمعة البلاد ورفاهيتها وبقائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق