الخميس، 4 يناير 2018

الرد على الإسلام السعودي.. من الازدهار إلى الاندحار أحمد الريسوني

كتب الشيخ المغربي الريسوني مقال ينقد السعودية لكنه ضل الطريق  فبدل نقد السياسة السعودية صار يهاجم مشايخ السعودية 
ودفاع عن الحق وليس دفاع عن السعودية التي بسبب سياستها اساءت لنفسها وفتحت الباب لنقدها لكل من هب ودب وردا على الريسوني 
يمكنك ان تنتقد سياسة السعودية اما انك تخلط الحابل في النابل و تنتقد ما تسميه الوهابية  ولائهم لحكامهم هل تريد ان يكون ولائهم لفرنسا وهل انت تجاهر بالعداوة لملك المغرب  وتعارضه  اما قول قول الشيخ الهندي الندوي عن امام الحرم  فهو انفعالي وكلام السديس راي سياسي  من ناحية سياسة اميركا والسعودية يقودان العالم امريكا واقعيا تقود العالم والسديس اراد ان يشارك امريكا بالقيادة  شخص عنده وطنية نحو بلده السعودية 
ولو كان فيه مبالغة فهو راي  لايضر قائله  هل تريده ان يقول ان السعودية دولة ضعيفة تقاد امام امريكا  بل انت لو اتيحت لك الفرصة لقلت المغرب 

 وامريكا يقودان العالم ماالمشكلة  راي سياسي وليس شرعي اما التشدد لست ملزم به وواقع الحال الان المجتمعات الاسلامية تعاني الانحلال في ضوء التشدد الوهابي

انقل مقال الريسوني كمثال على اثار السياسة السعودية الخرقاء
وكيف فتحت عليهم النقد من المغرب  بالحق و الباطل

============

باحث سعودي يرد على الريسوني بعد مقاله عن "الإسلام السعودي"

نشر في العمق المغربي يوم 15 - 10 - 2017

توصلت جريدة "العمق المغربي" بمقال من عبدالواحد الأنصاري، باحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي، يرد فيه على مقال الدكتور أحمد الريسوني، العالم المقاصدي المغربي، الذي نُشر على موقع "العمق"، وذلك بعد المقال الأول للداعية السعودي محمد بن إبراهيم السعيدي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى.
وفيما يلي مقال الأنصاري بعنوان : بين الريسوني وحلاّق باماكو
أستغفر الله من أن يُظن بي أنني ألوّح بلواء السخرية في وجه عالم من علماء مقاصد الشريعة في العصر الحديث، ولكنني أتذكر قولة الفند الزماني، فارس بكر بن وائل، إذ يقول:
صفَحنا عن بني ذُهلٍ
وقُلنا القومُ "إخوانُ"!
عسى الأيام أن يرجع
نَ قوماً كالذي كانوا
فلمّا صرّح الشرّ
فأمسى وهو عُريانُ
ولم يبقَ سوى "العدوا
نِ" دِنّاهم كما دانوا
وقد كتب الدكتور أحمدالريسوني، مقالة في صحيفة العمق المغربي الألكترونية بعنوان: "الإسلام السعودي من الازدهار إلى الاندحار"، وصف فيه السعودية بأن لها إسلاماً غيرَ الذي يعرفه المسلمون، إسلامٌ، بحسب الشيخ الريسوني، شديد خشن، تكفيري، يضلل كبار العلماء، ويعتمد على العنف والسيف، ويشعل الفتن بين المسلمين، وهذا ما جعل الرياض وأبو ظبي تدبران الانقلابات وتحاربان الحركات الإسلامية السنية، زعَم!
ثم ادعى أن السعودية تخلت عن هذا الإسلام الذي أفل واندحر، وراحت تأمر ملحقياتها وسفاراتها بإحراق كتب ابن تيمية، وحط على المملكة من المعايب والمثالب ما لم يسطره التوحيدي في كتاب مثالب الوزيرين، حتى قال إن من غرائب علمائها قضية التحريم والتحليل لسياقة المرأة السيارة، إلى غير ذلك مما قاءه القلم الريسوني.
وأجدني هاهنا مضطراً إلى أن أستعير عبارة شامية هي: "يا عيب الشوم" يا دكتور!
يا عيب الشوم على عالم يتواصى طلاب العلم السلفيون في السعودية بكتبهوبحوثه في المقاصد، ويرجعون إليها، ويقدرونها في منتدياتهم، فإذا بالشيخ الذي يتغنون بالثناء الحسن عليه يصبّحهم- بعدما نعم بالمكث بينهم سنين عدداً – بجميع هذه المعائرالمفتراة.
وأقول: بقطع النظر عن الكذب الواضح في دعوى أن السعودية تأمر ملحقياتها بإحراق كتب ابن تيمية – سبحانك هذا بهتان عظيم – وكفى بالكذب سبة!لتعلم يا ريسوني أن من الكتب التي يقدرها هؤلاء السلفيون حق قدرها ما كتبتموه في علم المقاصد، فهل كانت عنايتهم بكتبك من باب العناية بالكتب المتشددة المتطرفة؟
إن هؤلاء المتشددين هم الذين رأوا أن الريسوني شخصية تستحق أن تكتب وتشرف على المباحث وتراجعها، واستقبلوك في جدّة، وعملت معهم، وشاركتهم في الجيئة والذهاب، والخبز والملح، فهل رأوا فيك شخصاً متشدداً مثلهم حين استدعوك للعمل والكتابة معهم وأكرموك أيما إكرام؟ أم أنك أبديت لهم غير الذي تبطن، ونافقتَهم بأن أظهرت لهم أنك متشدد وتكفيري، فأحسنوا إليك بذلك ظناً منهم أنك واحد منهم؟
وهل سمعت يا ريسوني بعالم مقاصدي قبلك يهاجر ليسكن أعواماً عديدة بين ظهراني تكفيريين عتاة قساة لا يعرفون إلا التضليل ولا سبيل لهم إلا العنف والسيف؟
لا يستطيع أحد أن يقول إن علامة مثلك عاني ضيق ذات اليد، وأنت القيادي في التوحيد والإصلاح في المغرب، فاحتاج إلى مجاورة الخوارج السعوديين، ولا يستطيع أحد أن يقول إن قرقرة الجوع في أمعائك اضطرتك إلى المقام في وكر الخوارج والتصبر عليهم، حتى تخرج على الناس فجأة وأنت تتمثل بقول المتنبي في أرض نخلة:
ما مقامي بأرض نخلة إلا
كمقام المسيح بين اليهودِ
فيا أيهذا المسيح، إنّ مما يخجل ويجلب الأسف الشديد، أن يغضب عالم مقاصدي مثلك لدنياه؛ فيخسر مبادئه وأخلاقه، أمِن أجل غضبة علىالإمارات – والمقربون من الريسوني يعرفون سبب هذه الغضبة، وأنها غضبة دنيوية بحتة -، وجراء تعطّل مربح دنيويّ تسمح لنفسك بأن تجعلك من أولئك الذين قال الله فيهم: (فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون).
لكن ما قصة الحلاق في باماكو؟
ذلك خبر كدت أنساه، لولا أن ذكرتني به قصة الريسوني هذه، وهو أنني كنت مع ابن أختنا عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري في عاصمةمالي باماكو، وكنا قد عدنا من الصحراء الكبرى، وقد لوّحت "لواهيب" الصحراء وجوهنا، فطلبنا من مضيفنا أن يدلنا على أفخم حلاق فيالمدينة، فدلّنا على حلاق جزائري قريب من أحد الفنادق، ومن إن جلسنا على الكرسي الخاص بالعمل حتى أخذ يشنّ حملة شعواء على المملكة، ويتهمها بارتكاب المذابح، ويكيل من أقذع السبع ما وسعه شدقاه، ثم بعد أن انتهى من تقيؤ ما في جوفه اعترف لنا بأنه يعمل في هذا الصالون منذ سنين، وبأن شخصاً سعودياً أكرمه ذات مرة بعد أن حلق له شعر رأسه بخمسمائة دولار!
أقول هذا وأستغفر الله لي ولابن أختي عبدالله، ولحلاق باماكو، وللريسوني معنا أيضاً.


========

داعية سعودي يرد على الريسوني: الصبر الجميل على
 عثرة الشيخ الجليل
13 أكتوبر 2017 - 
محمد بن إبراهيم السعيدي

توصلت جريدة “العمق المغربي” بمقال من الداعية السعودي الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى (مكة المكرمة) والمشرف على موقع سلف للبحوث والدراسات، يرد فيه على مقال الدكتور أحمد الريسوني، العالم المقاصدي المغربي، الذي نُشر على موقع “العمق”، أول أمس الأربعاء، وفيما يلي مقال الدكتور محمد السعيدي، وهو أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى والمشرف على موقع سلف للبحوث والدراسات:

الصبر الجميل على عثرة الشيخ الجليل .. رد على أغاليط الشريف الريسوني بحق السلفية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه وبعد:

فلا تزال سنة الله تعالى ماضيةً في آن يبتليَ أناساً بخصومة الحق في كل زمانٍ ومكان، تختلف مشاربهم وغاياتهم، ويبتلي آخرين بمسؤولية. الدفاع عنه، تنجح مقاصدهم على قدر توفيق الله سبحانه وتعالى لهم وعلى قدر إخلاصهم ثم على مدى صحة وكفاءة ما يكون لهم في ذلك من أدوات.

وكما أنه يقع في خصومة الحق أهل جهل وطغيان وشر، يقع في ذلك أيضاً أهل علم وفضل وصنيع خير؛ فغراس الحق كثير، قد يدرك البعضُ كلَّها، ويدرك الآخرون أقل من ذلك فأقل وأقل إلى أن يصل إلى قوم لم يدركوا منه إلا ما لا ينفعهم سوى في دنياهم وتتعطل منه طريق آخرتهم.

وكان مما أحزننا قريباً وقوع الشيخ الفاضل والعالم الجليل الدكتور أحمد الريسوني في طرفٍ من صفوف أهل الباطل منحازاً ضد قوم من الأقلين في هذا العصر القائمين ما وسعهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القابضين عليهما قدر استطاعتهم كما يُقبض على الجمر في عصر يحارَبُ فيه من كل صوب من ينادي بأضعف المقادير من الدين فما بالك بمن يقفون بأنفسهم وبلادهم ويجابهون الدنيا بأسرها مسلمها وكافرها كي يقوموا في هذا العالم بأوضح صورة منه وأشدها جلاءً؛ وأعني بهم أتباع منهج السلف من أبناء المملكة العربية السعودية دولةً وعلماء وطلبة علم وشعباً.

فكان المأمول من مثل الشيخ أن يضع خلافه معهم في نصابه؛ لم يكن المنتظر منه ولا من هو مثله الاتفاق معهم، فلكل وجهة هو موليها، لكن كان الواجب عليه البعد عن الفجور في خصومته معهم، والشِّيمة عن غمط الحق الذي بأيديهم، والنأي بالنفس عن مصافَّة أعداء الدين في مواجهتهم، واستعمال العدل والعلم والرفق في مناصحتهم؛ وكل ذلك مما تعمد الشيخ الجنوح عنه.

فقد نشر له موقع العمق المغربي مقالاً بعنوان: “الإسلام السعودي.. من الازدهار إلى الاندحار”، يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر الله المحرم، وهو أحد الأشهر التي غلظ الله فيها حرمة الظلم حين قال سبحانه﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّةً كَما يُقاتِلونَكُم كافَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ﴾ التوبة: ٣٦.

وسوف نناقش المقال من جوانب عدة نسأل الله أن يهدينا فيها إلى الصواب ويكفينا شر العدوان والزلل إنه سميع مجيب.

أولاً:

عنوان المقال بِدعي مخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعمل سلف الأمة وخلفها كما أنه مجانف ومضاد لمقاصد الشريعة التي تخصص الشيخ زمناً في الحديث عنها ثم نراه يرسب في أول اختبار تطبيقي يواجهه، وقبيح أن يبدأ الرسوب من عنوانٍ لمقال.

فالله أنزل الإسلام واحداً ونهى عن تفريقه والتفرق فيه فقال تعالى: ﴿إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ وَمَا اختَلَفَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَمَن يَكفُر بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ﴾ آل عمران:١٩.

وقال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نوحًا وَالَّذي أَوحَينا إِلَيكَ وَما وَصَّينا بِهِ إِبراهيمَ وَموسى وَعيسى أَن أَقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرَّقوا فيهِ كَبُرَ عَلَى المُشرِكينَ ما تَدعوهُم إِلَيهِ اللَّهُ يَجتَبي إِلَيهِ مَن يَشاءُ وَيَهديإِلَيهِ مَن يُنيبُ﴾ الشورى: ١٣وقال عز من قائل: ﴿إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيءٍ إِنَّما أَمرُهُم إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَفعَلونَ﴾ الأنعام: ١٥٩.

ولم يُعرف في قديم عصور الإسلام ولا حديثها تفريق الإسلام حسب الدول والبقاع، فلم يقل أحد من أهل العلم هذا إسلام أهل العراق وهذا إسلام أهل الشام وهذا إسلام البدو أو إسلام الحضر؛ بل الدين واحد لا ينقسم ولا يجوز أن يُقَسَّم، وإنما يختلف أهله اختلافاً هم معذورون فيه فيما ساغ فيه الاجتهاد كأحكام الفقه، أو فيما دخل عليهم من التأويل الذي نسأل الله أن يعفو عنه كما حصل من الاختلاف في تأويل صفات الله عز وجل؛ واختلافٌ لا يعذرون فيه فيما خالف قطعي النصوص كخلاف الفرق الضالة من الحلولية والاتحادية والباطنية.

ولم نعرف تقسيم الإسلام حسب الدول والبقاع إلا عند تقارير المراكز الغربية كراند وكارنيجي ومركز مراقبة الجهاد وهم ساعون جهدهم في تفريق كلمة المسلمين

ولا يستغرب ذلك منهم، وعند العلمانيين الذين هم في الغالب تبع في الأهداف والتوجهات لهذه المراكز المحاربة لأي اجتماع في الكلمة لأهل الإسلام؛ كما عرفنا هذا التقسيم لدى الصفويين الإيرانيين الذين يريدون إيهام أهل السنة أن السلفيين ليسوا منهم لَمَّا كان السلفيون هم رأس الحربة في فضحهم وتجلية كذبهم وبيان صريح عداوتهم.

فالمؤسف أن يقف الشيخ خادماً لتوجهات كل هؤلاء، ولو لم يكن مما ينبغي أن يردعه عن ذلك إلا علمه بمقاصد الشريعة لكفى به رادعاً ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ﴾.

ثانياً:

المقال له دوافع سياسية وشخصية ويخلو من الدافع العلمي الدعوي، يؤكد ذلك عدةُ أمور، أحدها: خلوه التام من النفس العلمي واكتنازه بالطبيعة الانفعالية الهجومية الخالية من الدليل والمثال، وهما أبسط مؤشرات العلمية، الثاني: أن الشيخ هاجم المنهج السلفي في السعودية منذ تأسيسه ما يعني أن هذا الرأي ليس جديداً عند الشيخ؛ فلِمَ لَم يعلنه منذ زمن، بل تزامن إعلانه مع اختلاف الشيخ مع السياسة السعودية وموقفها من الثورات ومن جماعة الإخوان وأخيراً مع قطر؛ فالشيخ ركب موجة العلم والدين ليخدم موقفاً سياسياً؛ وفي مقالنا هذا سوف لن نرد على ما أورده من آراء سياسية محضة ونجعل تركيزنا في مغالطاته هداه الله حول المنهج السلفي، ثالثها: أن الشيخ ظل سنوات في المملكة العربية السعودية يخدم مشروعاً علمياً هو معلمة القواعد الفقهية،تكفلت به المملكة والإمارات الدولتان اللتان هاجمهما في هذا المقال، والمشروع تحت رعاية المجمع الفقهي الدولي الذي يرأسه أحد أعضاء هيئة كبار العلماء الذين ازدراهم الريسوني في مقاله وأعني به:

الشيخ الدكتور صالح بن حميد؛ وكان الريسوني أثناء إقامته ذا حظوة عند العلماء والدعاة والشعب، وتم اختياره عضواً في المجلس التأسيسي لهيئة علماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي التي يرأسها عضو آخر من أعضاء هيئة كبار العلماء وهو الشيخ الدكتور عبد الله التركي؛ فهذه رعاية عضوين جليلين من علماء السلفية في السعودية تُكَذِّب كثيراً مما ادعاه وسيأتي تفصيله.

والظاهر أن الملابسات التي حدثت بعد انتهاء المشروع وخروجه من السعودية وعدم قبول دخوله للإمارات كانت ذات أثر في نفس الدكتور الريسوني وفي تحوله والعاقبة للتقوى.

ثالثاً:

زعم الريسوني أن المنهج السلفي والذي يسميه باطلاً وإفكاً: “الإسلام السعودي” انتشر بسبب نفوذ المملكة المالي والسياسي؛ وهذا غلط علمي متعمد، فانتشار المنهج السلفي من قلب الجزيرة العربية سبق بزمن طويل قوتها المالية والسياسية، وسأقتصر في هذا المقال على الحديث عن تاريخ تأثر المملكة المغربية بلدِ الريسوني بالمنهج السلفي القادم من الدولة السعودية الأولى، وكان أول من تأثر بها الإمام العلامة سلطان المغرب المولى محمد الثالث بن عبدالله المولود سنة١١٣٤هـ والمتوفى في ١٢٠٤هـ، فهو معاصرٌ نشأة الدعوة السلفية في الجزيرة ولاكتمال الدولة فيها والتي كان لظهورها صيت عظيم بلغ الخافقين، والقول بتأثر هذا السلطان بالدعوة السلفية في نجد هو الأرجح إذ لا يُعرف من أشياخه من كان على هذا المنهج، كما أنه كان يكتب في توقيعاته “المالكي مذهبا الحنبلي عقيدة”.

وجاء من بعده ابنه المولى سليمان الذي أرسل له الإمام سعود شرحا للدعوة وبعث الملك سليمان من قِبله وفداً للكشف عن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وانتهى هذا الوفد إلى أن هذه الدعوة هي الإسلام الصحيح، وكتب الملك خطبة عصماء عُممت في سائر مملكته هي عين ما ينادي به الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلماء السعودية من عهدها الأول حتى يومنا هذا.

كما تأثر بدعوة الشيخ محمد سلاطين آخرون في المغرب منهم من أحسن ومنهم من أساء ولا تتحمل السلفية ولا أهل المغرب أجمعون أخطاءهم، كما لا تتحمل السنة ولا أهلها أخطاء خلفاء بني أمية وبني العباس لمجرد انتسابهم إليها؛ فالحاكم قد ينتسب إلى منهج صحيح ثم تلجئه السياسة ضرورةً يُعذر بها أو خطأً يتحمل وزره إلى أعمال لا تنتمي للمنهج الذي ينتسب إليه؛ وربما كان الحاكم بريئاً من أمور تنسب إليه لا يعرف الناس ملابساتها، ومن أمثلة ذلك المولى عبدالحفيظ بن الحسن الذي حكم المغرب ما بين عامي ١٩٠٨و١٩١٢ وسماه الناس سلطان النصارى لما أشيع من توقيعه معاهدة الحماية مع فرنسا، وألف بعد خلعه من قبل المستعمر كتاب “براءة المتهم” وضح فيها الأمور بجلاء وهو في منفاه، وقد عانى من ضغوط الثوار عليه الذين دعمهم المستعمر وضغوط النخب من المغاربة عليه وضغوط القبائل الذين تزفهم الإشاعات زفا؛ حتى قال في قصيدة له:

أآمر بالقتال وجل قومي

يرى أن الحماية فرض عين؟!

أصِلُ من هذا إلى أن الاختلاف مع توجهات الساسة في بلد ما لا ينبغي أن يصل الأمر بصاحبه إلى عداوة المنهج الذي ينتسبون إليه كما هو حال الريسوني.

كما زخر المغرب بعلماء وقادة جهاد سلفيين متأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أذكر منهم هنا: العلامة عبدالرحمن النتيفي وابنه الحسن، والعلامة بوشعيب الدوكالي، والعلامة علال الفاسي، وهؤلاء الأقمار الأربعة لم يكن غنى السعودية ونفوذها السياسي هو ما جذبهم نحو السلفية ونحو إكبار وإجلال والتأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وإنما جذبهم أمور أخر سأتحدث عنها لاحقاً؛ أما هنا فأقول: حقاً إن المغرب لم يستجب للدعوة السلفية بالرغم من قيام أقوى أئمته العلويين بها لأسباب ليس هنا مجال تفصيلها، لكن الذي له المجال: هو أن المغرب خسر كثيراً بانحسار السلفية فيه في ذلك الزمان، وأعظم خسائره هي في استمرار ثقل تأثير الخرافة والبدعة على عوامه وبواديه وقراه، وسرعة استجابة حواضره لِقِيَم الغرب وأخلاقه على أثر الاستعمارين السياسي والثقافي.

والمنصف من المغاربة من يشهد بأثر عودة المد السلفي مع الطلاب المغاربة الذين قدموا من السعودية، وقبل ذلك على أيدي علماء السلفية الذين أشرت إلى بعضهم قبل قليل وتلاميذهم، أثر عودة هذا المد على انحسار الخرافة نوعاً ما وعلى استقواء الأصالة المغربية الإسلامية في قِيَم المناطق الحضرية التي عاث الاستعمار في هويتها.

رابعاً:

يقول الريسوني: إن المسلمين في العالم والعالم الإسلامي ومعظم أبناء الحركات الإسلامية بصفة خاصة تأثروا بالمد السلفي القادم من السعودية الإسلام السعودي حسب زعمه بدرجات مختلفة.

والسؤال هنا: هل تأثرهم به بهذا الشكل الكبير الضخم كما يصوره الريسوني، لأن المسلمين وجميع أبناء الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي أغبياء أغرار حالمون مخدوعون مرتزقة لدى السعوديين؟

إن كانت هذه نظرة الريسوني إلى المسلمين وأبناء الحركات الإسلامية فلماذا يعترض على الحكومات والعسكريين الحيلولة دون وصول الحركات الإسلامية للسلطة ومنعهم من المشاركة الديمقراطية؟إن جماعات من الأغبياء والأغرار والمرتزقة لا يصلحون لأي نوع من الحكم ولا يُستأمنون على أي صندوق اقتراع؛ الريسوني بهذه المشاعر ضد أبناء الحركات الإسلامية يقع في مناصرة العلمانيين والعسكر ولا مخرج له من هذا.

خامسا:

ما قاله الريسوني من تأثر المسلمين في العالم كله وفي العالم الإسلامي بشكل خاص بالسلفية وبجهود دعوية من السعودية حق لا غبار عليه، وهذه شهادة عظيمة لجهود السعودية، ولكن ما هي ثمرتها؟

الجواب: من ثمار انتشار السلفية في العالم والعالم الإسلامي:

١-انحسار نفوذ الخرافة على قلوب المسلمين.

٢-تعظيم النص الشرعي من كتاب وسنة لدى الفقهاء وطلاب العلم.

٣-قوة الشعور بالهوية الإسلامية وزيادة قوة المقاومة للاستعمار العسكري والفكري، مع التذكير بأن كبار قادة أبرز الحركات المقاومة للاستعمار في العالم الإسلامي وأخص المغرب هم سلفيون أو متأثرون بالمنهج السلفي وأذكر منهم عبد الكريم الخطابي والآمغار موحا حمو الزياني الذي كان الشيخ النتيفي مفتياً ومستشاراً له.

ومن يقارن الشعور بالهوية والانتماء للإسلام قبل مائة عام حين استطاع المستعمر اجتياح معظم بلاد المسلمين دون كبير خسارة بالشعور اليوم حيث يعلم المستعمر أن نزوله في أي بلد إسلامي سيكلفه الكثير يعلم إن أنصف أثر المد السلفي الذي ازدراه الريسوني في قلوب الأمة.

٤-عودة الآمال باستعادة الأمة أمجادها؛ فقد كان تأسيس المملكة العربية السعودية دولة واحدة على معظم أراضي الجزيرة العربية ورفعها شعار التوحيد في رايتها وإعلامها بكل قوة تطبيق الشريعة الإسلامية أثره البالغ في إحياء المشروع الإسلامي في النفوس وهو الشعور الذي استغلته جماعة الإخوان في إنجاح انتشارها واستقطابها؛ وحسناً فعلت لو أنها اقتدت بالحركة السلفية السعودية التي تعمل على التغيير عبر برنامج إصلاح ديني عقدي وعبادي وأخلاقي؛ لكنهم تعجلوا وبدؤوا بالعمل على إسقاط أنظمة الحكم فركبهم القوميون والعلمانيون فأسقطوا نظامي الحكم في اليمن حين قُتِل الإمام يحي في ثورة ١٩٤٨ثم مصر حين انقلبوا على فاروق عام ١٩٥٢ ثم اكتشفوا أنهم أدواتٌ قطف القوميون من خلالهم الثمرة وأودعوهم السجون؛ وما زالوا يتنقلون من خطأ إلى خطأ حتى يومنا هذا، ولم يستفد المسلمون منهم إلا تأخراً في الإصلاح الديني والعقدي وعجزاً في العمل السياسي وتضييقا على التدين بسبب ضيق أفقهم وقلة رعايتهم لنصائح وتجارب غيرهم؛ ولو أنهم ساروا حيث يريد لهم أتباع منهج السلف لأكلوا من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم؛ إذ العزة والتمكين تبدأ من إيمان المجتمع وتقواه لا من ثورته وتمرده: ﴿وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ الأعراف: ٩٦.

سادساً:

وما جذب المسلمين في كل العالم للسلفية ليس غباءهم والمال السعودي كما يُشعر بذلك كلام الريسوني، بل لأن السلفية هي الإسلام الصحيح كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكما فهمه عنه السلف الصالح رضي الله عنهم، وهو دعوة جاذبة للفطرة السلمية والعقل الرشيد والروح الطيبة بما تشتمل عليه من نقاء في توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ويُسر عجيب في علاقة العبد بربه، فلا أنداد ولا أولياء ولا أقطاب ولا قبور ولا قباب ولا نذور، كل حاجات العبد معلقة بالله القريب السميع المجيب: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾ البقرة: ١٨٦
وأمْن ترتاح معه النفوس والأبدان، فليس لأحد عليك طاعة في نفسك إلا الله، فلا تُحَكِّم في نفسك ومالك وولدك شيخاً في طريقته ولا متزهداً في زاويته، ولا تخشى في ذلك من معصية أمر أحد إلا من أمرك الله بطاعته.

ووضوحٌ في مصادر تلقيه، كتاباً وسنةً دلت على حجيتهما أدلة العقل والنقل وما شهدا له من صحيح الدلالة من قياس ومصلحة وذريعة؛ فلا حجة في منام ولا قول إمام.
هذا هو الدين الذي أسلمت عليه قبائل المغرب حين جاءتهم كتائب الفتح من جزيرة العرب وأخذوا الراية من أيدي العرب لينشروه في الأندلس والصحراء، وبلاد السودان جنوب الصحراء؛ وهذا ما أحبوه في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين جاءتهم من الجزيرة نفسها جزيرة العرب ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾ الروم: ٣٠.

سابعاً:

تحدث الريسوني عن تعريفه الإسلام السعودي كما يزعم وذكر أنها ليست وهابية ولا تيمية ولا ظاهرية ولا حنبلية وأنها خليط من ذلك كله وأنها تشكلت من قساوة الرمال ونداوة الريال.

وهذا الكلام كما لا يخفى على عاقل ليس من كلام أهل العلم، ولا من كلام الصحفيين بل ولا من كلام العقلاء؛والغالب:أن الريسوني كتبه لحظة انفعال أبعدته عن الحكمة في المقال؛ فهو نسق من الشتائم ليس عليها دليل ولم يقدم فيها مثالاً.

وهل في كونها دعوة خرجت من الرمال ما يعيبها، أليست دعوة سيد الخلق خرجت من الرمال أيضا؟

ثم أليست دعوة المرابطين التي حكمت المغرب بمذهب السلف وأخرت سقوط الأندلس مائتي عام خرجت من الرمال أيضاً؟!

ثم أليس الشريف بن علي مؤسس المملكة المغربية خرج من صحراء تافيلالت شرق المغرب وأقام دولته التي يقوم ملوكها حتى اليوم ومن بعده ابنه محمد ثم حفيده إسماعيل بعد حروب يشيب لها الولدان كما يقول المؤرخون؛ هل كونها خرجت من الرمال عيب تعاب به الدول؟!

وماذا تعيب السعودية نداوة الريال إذا قامت بحق هذا الريال من رخاء لأهلها وعون لإخوانها؟

نعم: “نعم المال الصالح للرجل الصالح”، وما الضير في أن تقوم هذه الدولة السلفية من عهد الملك عبدالعزيز وحتى اليوم بنداوة الريال بفرض الكفاية عن المسلمين في نشر الدعوة إلى الله في بلاد الكفر وتصحيح العقائد في بلاد المسلمين، وإنشاء المدارس والمساجد وحفر الآبار وإقامة المستشفيات في كل بلاد الدنيا ومنها المغرب.

هذا ما فعلته المملكة العربية السعودية بريالها الندي؛ حتى شكا منها الغرب، ومن سرعة ثمار ما تزرعه؛ وكادوا لها بإنشاء تنظيم القاعدة الذي لا أعرف أن الريسوني انتقد زعيمه أسامة بن لادن أو تبرأ منه؛ فحاصرت مؤسسات الغرب كل نشاطات السعودية التي يبدو أنها لم تزعج الغرب وحده بل أزعجت الريسوني ومن شابهه، فلا يفتؤون يتحدثون عن الريال السعودي وعن نداوته وهم أول من انتفع منها.

أوليس الريال السعودي من أقام الريسوني من أجله سنوات مغترباً في جدة، أو ليس الريال السعودي والدرهم الإماراتي من أنجزا معلمة القواعد الفقهية والأصولية التي تم استكتاب الريسوني فيها، أوليست نداوة الريال هي ما حزن لفقده حين غادر جدة وأخذ يطلق التصريحات في قناة الجزيرة حنينا للريال القطري؟!

ليس من عادتي أن أتحدث عن عالم كالريسوني بهذا الشكل لكنه أتى بالإفك على منهج المملكة العربية السعودية وعلمائها، فأتيته بالصدق؛ والحقيقةُ مُرَّة.

هذا مع كامل تقديري لغير الريسوني من العلماء الذين أفادوا واستفادوا من العمل في السعودية؛ فهذا حقهم علينا وحق العلم عليهم ماداموا يحفظون للعلم حقه من العدل في الخصال والمقال.

ثامناً:

بدأ الريسوني تعداد عيوب السلفية وأهلها في زعمه، فانهال يكيل كلاما يتنزه عن مثله في حق العلم الشرعي سفهاءُ العوام؛ فإن الغالب على سفهاء العوام أنهم يحفظون ألسنتهم حين يكون الحديث عن الشرع والدين وأهل العلم؛ أما الريسوني فذكرني بقول زهير:

وإن سفاه الشيخ لا حِلْم بعدَهُ
وإن الفتى بعد السفاهةِ يحلمِ

فقد ذكر من عيوب السلفية: الشدة والخشونة !

فيا عجباً، كيف يعيب علينا الشدة والخشونة من يكتب هذا المقال الذي هو مضرب مثل في الشدة والخشونة والرعونة؛ ويكفيك أن تقرأ عنوانه “الإسلام السعودي بين الازدهار والاندحار” أي والله يقول الاندحار؛ ألا يفقه معنى الدحر ولمن تقال وفي أي سياق؛ إن أكثر الأعراب جفاء عندنا لا يطلقون الاندحار إلا عند ذكر الشيطان دحره الله وأخزاه ومن هو في مقامه من شياطين الانس؛ فإين الرقة والعذوبة في مقال الريسوني هذا حتى يعيرنا بالخشونة؟!

وهات أخبرنا وقد لبثت فينا من عمرك سنين: من خاشنك وكيف ومتى ولماذا؟!

ثم يضرب الريسوني لذلك مثالاً من السينما المصرية وينسبه للسعوديين فيقول: إنهم يقولون لمن تشدد وتزمت في أمر من الأمور: لا تحنبلها؛ أي: لا تكن مثل هؤلاء السلفيين في شدتك.

وكما قلتُ هذه الصيغة عرفها عوام العرب كلهم من السينما المصرية وليست من كلام السعوديين كما يأفك الشيخ؛ فقد كان علماء الحنابلة في مصر في عهد الفاطميين والأيوبيين والمماليك حتى القرن العاشر عصيين على الحكام والأمراء والكبراء لا يلينون لهم في حكم عقدي أو فقهي ولا يقولون إلا ما فيه رضا الله؛ فكان الكبراء يقولون للقاضي والمفتي لا تكن حنبليا؛ فيأمرونه باتباع أهوائهم فيطيع في مقام يأبى فيه المفتي الحنبلي؛ ولهذا لم يتخذ الملوك طيلة عصور الإسلام قاضياً ولا وزيراً حنبليا لبلاطهم إلا مرات نوادر منها توزير أبي المظفر بن هبيرة للخليفة المقتفي وابنِه سنة ٥٤٤.

وعيّرها الواشون أني أحبُّها
وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها

تاسعاً:

يجتر التهمة المعلبة للسلفيين بتبديع الناس وتكفيرهم؛ وأنا أدعوه ليأتني بصنف من الناس كفرهم العلماء المعتبرون عند السلفيين لم يكفرهم المالكية.

وها هو ذا الشوكاني رحمه الله يقول عن قضاة المالكية: فأراقوا دماء جماعة من أهل العلم جهالةً وضلالةً وجرأةً على الله وَمخالفةً لشريعة رسول الله وتلاعباً بِدينه بمجرد نصوص فقهية واستنباطات فروعية ليس عليها أثارة من علم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.” البدر الطالع ٢٠/١، وقد نقل مركز سلف للبحوث في رده على وزير الأوقاف التونسي الأسبق من كتب المالكية ما يثبت صحة ما قاله الشوكاني فارجع إليه وهذا رابطه:
http://cutt.us/OqIPA
عيّرتني بالشيب وهو وقارُ
ليتها عيّرت بما هو عارُ
إن تكن شابت الذوائبُ مني
فالليالي تنيرها الأقمارُ

عاشراً:

أما حديثه عن التعذيب والاعتقال والاختطاف وأنه يجد كامل تشريعه من العلماء فهذا كذب لا يليق بسفيه فكيف بعالم؛ ولا أعرف عالما أو طالب علم أو داعية أفتى بجواز التعذيب أو الاعتقال دون مسوغ نظامي، وقد زُرت السجون وتجولت فيها وأقمت الدروس والمحاضرات فلم أجد من ذلك ما يتحدث به المرجفون؛والتقيت الموقوفين بعد خروجهم ولو علموا شيئاً لا أعلمه لصارحوني به؛ وزار السجون غيري من أهل العلم فلم يجدوا فيها ما يرجف به الريسوني وغيره، وفي السجون مكتب لهيئة حقوق الإنسان؛فهل علم الريسوني ما لم نعلم وكيف؛ أم أن من مقاصد الشريعة التي تَعَلَّمَها ويعلمها الناس إثارة الفتن ونقل الأراجيف؟!

هذا ولو ثبت شئ من هذا أخطأت به المؤسسة الأمنية فلا يتحمل المنهج السلفي ولا العلماء أخطاءهم، كما أن الريسوني لا يتحمل أخطاء وزراة الداخلية المغربية، أما الكذب على العلماء والزعم أنهم يشرعون ما قد يقع من أخطاء فسفه لا عذر فيه؛أما الاختطاف فمن المعلوم بالضرورة براءة العلماء من تسويغه.

وموقف العلماء مما يُتَداول في ذلك من أخبار تنقلها مواقع التواصل الاجتماعي هو قول الله تعالى﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَومًا بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ﴾ الحجرات: ٦فلا يقبلون الخبر عن فاسق ولا عن مجهول، وهو للأسف ما وقع فيه الريسوني مع أنه صاحب تجربة ومكث طويل في هذه البلاد، ينقل عن معارضين يعيشون في لندن لا يعلم مصادر تمويلهم ومآربهم.

أما القتل، ففي السعودية يقتل القاتل بالسيف ويقتل الزاني المحصن بالحجارة، ويقتل في حد الحرابة والإفساد في الأرض، ويقتل في تهريب المخدرات؛ فإن كان هذا هو الإسلام السعودي الذي يمقته الشيخ فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كان لديه علم بقتل وقع على غير ذلك فليأتنا ببينته أو ليصمت.

أما قوله:إن الحروب التي خاضتها السعودية كلها ضد المسلمين؛ فأقول: نعم وسوف تخوضها ضد كل من يبغي عليها ويستهدف عقيدتها وأمنها ووحدتها مسلما كان أم كافرا أم منافقاً؛ ولا تبالي ونحتسب ذلك في سبيل الله سبحانه وتعالى.

بغى علينا حزب البعث الذي شعاره:
آمنت بالبعث رباً لا شريك لهُ
وبالعروبة دينا ما له ثاني

فوقفنا في وجهه وحمينا ديننا وأرضنا وأعراضنا من أن يصيبها ما أصاب العراق من جراء حكمه؛ وذلك في وقت وقف فيه الإخوان المسلمون مع حزب البعث ضد دولة التوحيد؛ ولم نبال بهم ونصرنا الله وخذلهم.

وبغت علينا إيران الصفوية الخبيثة مرتين: الأولى وقفنا مع الشعب العراقي ضدها حتى أعلن الخميني الهزيمة بفعل نداوة ريالنا الذي يسخر منه الريسوني.
والثانية ضد الحوثي عميل إيران وسوف نصبر عليها حتى يفيء الحوثي إلى أمر الله؛ ووقف معنا فيها إخوان لنا من العرب والمسلمين، ومنهم المغرب وطن الريسوني امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَاقتَتَلوا فَأَصلِحوا بَينَهُما فَإِن بَغَت إِحداهُما عَلَى الأُخرى فَقاتِلُوا الَّتي تَبغي حَتّى تَفيءَ إِلى أَمرِ اللّه﴾ الحجرات: . فلهم من الله الثواب، ومنا حفظ الجميل والشكر والعرفان.

وليذكر التاريخ أن المملكة العربية السعودية أرسلت بعد هزيمة العرب في فلسطين عام١٩٤٨م جيشاً من المشاة قوامه عشرة آلاف متطوع، وللأسف منعتهم دول المواجهة من العبور عبر أراضيها، وأقاموا شهراً في منطقة الجوف ينتظرون الإذن بالعبور إلى فلسطين لقتال الصهاينة لكن لم يُكتب لهم ذلك وتدخلت الدول العظمى لمنعهم؛ وشاركت السعودية بأبنائها وأموالها في قتال السوفييت في أفغانستان؛ ولا تعرف منطقة في العالم تعرض فيها المسلمون لمظلمة إلا وللسعودية موقف كريم فيها تحدد قوته ومقداره ظروف دولية لا يمكن تجاوزها إلا بمضار أعظم.

الحادي عشر:

رميه علماء السعودية بأنهم سبب الخصومات والنزاعات بين المسلمين، وهنا أسأله سؤلاً يسيراً: قبل علماء السعودية كيف كان حال المسلمين؟
هل كانوا موحدين على قلب رجل واحد ولما جاء علماء السعودية فرقوهم؟

أم أن السعودية في ظل الحرب العالمية على السلفية أصبحت مشجبا يعلق الكل عليه نقائصهم وتقصيرهم؛ وأين أنت أيها الريسوني من علماء المغرب الذين فرقهم علماء السعودية لم لا تصلح بينهم.

ولماذا الحديث فقط عن غارات السعوديين المزعومة على أهل الكلام والتصوف ولا حديث مطلقاً عن افتراءات المفترين على السلفية والسلفيين، لو رجعنا إلى عدد الكتب التي تؤلَف ضد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وضد السلفية من باحثين متصوفة وكلاميين لوجدناها أضعاف ما ألف من باحثين سلفيين في نقد علم الكلام ونقد التصوف؛ ولا يستطيع الريسوني ولا غيره أن يقول غير هذا؛ والحقيقة أن السبب في هذا الغضب من كتابات السلفيين وتسميتها غارات هو عجز المتكلمة والمتصوفة عن رد ما فيها من الحق فلا يجدون أمامهم سوى الغضب والهجوم الأهوج كهجوم الريسوني فهو ملجؤهم وملاذهم بعد أن فقدوا الدليل وتعصبوا للتقليد.

الثاني عشر:

ينقم الريسوني على علماء السعودية ما يزعمه عنهم من استكانة للسلطان وتسلط على الناس؛ ولو أن غير الريسوني قال هذا الكلام لعذرته؛ لو أن من قاله رجل وقّافٌ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام ملك المغرب في السر والعلن لا يخاف في الله لومة لائم لعذرته؛ لكنه عضو في حزب سياسي، ولا يتكلم إلا بما يخدم سياسة الحزب، ووفق سقف تحدده مصلحة الحزب وليس الواجب الشرعي؛ ولو اقتضى الأمر الثناء على الملك بما لم يفعل لأثنى ولم يبال؛ وقد شاهدت حواراً مع الريسوني في قناة الجزيرة يثني على إصلاحات الملك ويلوم من لم يقبلوها، وليس كلامه هذا موضع نقد، بل هو من السياسة الشرعية، لكن من يعامل ملكه بمقتضى السياسة لا يطالب غيره بفعل ضدها.

ولو شاهدنا الريسوني نثني على الملك سلمان بمثل ما فعل هو مع ملك المغرب لوصفنا بعلماء السلاطين:
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقصٌ
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضلُ

ومع شديد تقديري للمغرب ملكا وشعباً إلا أنني على أشد اليقين بأن ما قدمته السعودية وما تقدمه حتى اليوم لشعبها والعالم من الإصلاح أضعاف أضعاف الإصلاح الذي أثنى الريسوني على الملك محمد الخامس من أجله.

وعلماؤها من أكثر علماء أهل الأرض صدقاً مع الحاكم ونصحاً له؛ لكن لهم في ذلك منهج لهم فيه دليل شرعي وتجربة مرعية ينظرون فيها إلى المآلات ومقاصد الشريعة، تلك المقاصد التي يتخصص فيها الريسوني ولا يحسن تطبيقها إلا في المغرب وعلى نفسه وحدها؛ وإن كان منهج علمائنا في أسلوب نصح الحاكم لم يعجب الريسوني ولم يقتنع به فيجب عليه أدباً أن يحترمه؛ ومالم يحترمه فليس له منا حق الاحترام ولا أقل من ذلك.

الثالث عشر:

يزعم الريسوني أن الشباب السعودي يبحث عن الحلول خارج النموذج الوهابي المسدود بزعمه؛ وهذا مجازفة منه ليس عليها دليل؛ بل هي دليل على أن الريسوني يسعى ويفرح بالخلاف بين النخب السعودية ويضخم من شأن من انحرفوا إلى التصوف وغيره من النخب؛ مع أنه وفي المقالة نفسها يزعم أن السلفيين يوقعون الخصومات بين المسلمين:

لا تنه عن خلُق وتأتي مثله
عارٌ عليك اذا فعلت عظيمُ

نعم، ثمة تغيرات في الفكر داخل السعودية يقتضيه الانفتاح الإعلامي وتداخل الثقافات؛ لكن السلفية لازالت على قوتها وفي الغالب هي تكسب ولا تخسر ومن يخرجون منها يرون التهافت الفكري خارجها فيعودون إليها أو على أقل تقدير يحترمونها؛ ومنهم شباب تكتنفهم الأفكار المنحرفة فيسقطون فيها ويكفي الله الأمة شرهم بفضله ثم بفضل علمائها ودعاتها ودعوات أهلها.

وهذا التشتت الفكري الذي بدأ ظهوره في السعودية هو في المغرب وفي سائر البلاد الإسلامية منذ عقود؛ ولم يق الله البلاد السعودية شره كل هذا الدهر إلا بفضل المنهج السلفي؛ أفلما كنا أكثر اجتماعاً يراه الريسوني شراً، ولما وُجدت بوادر فرقة لن تتم بإذن الله إذا به يفرح! أي حب للمسلمين ورجاء خير يحمله هذا العالم المقاصدي في قلبه؟!

الرابع عشر:

أما ما تَصَوَّره من تحريم وتحليل قيادة السيارة فحقيقة الأمر أنه من مناقب علمائنا ومناقب دولتهم.

فقد عزفت الحكومة عن السماح بقيادة المرأة للسيارة عقوداً من الزمن لا لشيء إلا لأن العلماء يمنعون من ذلك سداً للذرائع؛ وهذه والله منقبة ليست في دولة من الدول، فلا يوجد دولة تقف عن فرض نظام لأن العلماء يمنعون إلا الدولة السعودية، فلله درها.

وحين أرادت إجازة قيادة المرأة سألت العلماء، فأجابوها بأن المنع إنما هو سد للذريعة وأن الدولة إن التزمت بحفظ البلاد من ذرائع الفساد جاز الأمر؛ فكان أنْ التزمت الدولة بما قال أهل العلم إنه يلزمها؛فهل في ذلك من بأس علمي؟

أريد أن يعرض الريسوني ذلك على ما عنده من علم مقاصد الشريعة فيجيب: هل في ذلك من بأس؟

وأما ما ذكره عن الشيخ السديس فقصارى ما في الأمر أن يقال: عالم له فضائل كثيرة أخطأ مرة؛ كما أخطأت أيها الريسوني في هذا المقال النشاز التالف الفاسد كريه الرائحة، فهل يحق لنا إسقاطك وغمطك حقك كما تريد إسقاط الشيخ السديس لمجرد كلمة على الهواء لم يعد لها وتحتمل التأويل!

وللعلم: هذه الكلمة قيلت أثناء مؤتمر تكفلت به السعودية لتحسين صورة المسلمين في أوربا وأمريكا؛ وللعلم أيضاً: فكثير من المستفيدين من ثمار هذا المؤتمر من المغاربة المقيمين في أوربا وأمريكا.

ثم ماذا؟
هل من العدل أن تنسى هذا المؤتمر والإشادة به لتنحني لالتقاط كلمتين في أقل من سطر لتغمز بها تاريخ شعب ودعوة ودولة؛ أي مقاصد للشرع يحملها صدرك ولا يطبقها فكرك

الخامس عشر:

الريسوني لا يعرف من ينتقد وكذلك لا يعرف من يزكي، فقد زكى رجلاً لا يعرفه فضلاء الهند إلا بالتعصب وبغض أهل الحديث، وقد بايع داعش، وأثنى على البغدادي؛ فما موقف الريسوني من هذا الذي زكاه، لا لشيء إلا لأنه شتم السعودية وإمام الحرم.

وذكر الريسوني موقف السعودية ضد الإخوان، وبعيداً عن نقاش هل أصابت الدولة أم أخطأت، سأذكر أمراً:

لماذا تُحَاسَب السعودية على موقفها من الإخوان، ولا يُحاسَب الإخوان على مواقفهم الخاطئة السابقة من السعودية؛ حينما ناصروا الخميني ضد السعودية.

وحينما ناصروا صدام وحزب البعث ضد السعودية، مع أن حزب البعث في العراق هو من قتل الإخوان في العراق، وسجنهم وشتتهم في البلاد، ومع ذلك وقفوا معه ضد السعودية ناسين كل جراحاتهم ودماءهم وأعراضهم عنده؛ وكان صدام وحزب البعث يريدون استئصال السعودية والقضاء على دينها ومنهجها؛ فهل التقت إرادة الإخوان وإرادة صدام؟!

ووقفوا مع أسامة بن لادن والقاعدة في تهديدهما السعودية، وكانت قناة الجزيرة التي يطل منها الريسوني ليشتم السعودية هي نفسها التي يطل منها أسامة بن لادن ليهدد الدولة السعودية، ويعطي الإشارات لأتباعه بالعمل والتفجير والتدمير داخل الرياض وفي حقول البترول؛ فهل التقت إرادة القاعدة والإخوان؟!

ووقف الإخوان مع الحوثي ضد السعودية فيما عُرِف بالحرب السادسة، وكانت الجزيرة هي منبر الحوثي آنذاك، فهل التقت إرادة الإخوان وإرادة الحوثي؟!

إن النظر إلى موقف السعودية من الإخوان مجرداً عن سياقه التاريخي قصور نظر أو تعمد ظلم، فالله المستعان.

كل ذلك وقد نسي الإخوان أو تناسوا أن السعودية هي من آوى الإخوان حين اضطهدهم جمال عبد الناصر، وآوتهم حين اضطهدهم عبدالكريم قاسم، وآوتهم حينما اضطهدهم حافظ الأسد.

وكان جزاؤها منهم أن وقفوا ضدها في كل موقف كانت في أمس الحاجة إليهم فيه، لكنّ الله – وله الحمد – أغناها عنهم وأعزها بفضله.

وأخيراً:

لقد أطلت في ردي على الدكتور الريسوني وكان في وسعي الإجمال، لكنني رأيت هذه الأفكار التي أدلى بها الرجل مما يروجه الإعلام العالمي المتضرر من السلفية، والذي يسعى إلى أن يكون المسلمون كحالهم قبل مائة عام على المذهب الكسبي الجبري الصوفي الأشعري الذي مكن للاستعمار من اجتياح العالم الإسلامي في شهور؛ إلى أن نصر الله الأمة برواج الفهم السلفي للدين، وأعاد الله به للمسلمين كثيراً من العزة والمنعة في نفوسهم، وأصبحوا رغم ضعفهم السياسي والعسكري شعوباً يؤبه لها، بعد أن نظَّفَت السلفية عقولها وجداناتها من الخرافة والاستسلام لشيخ الزاوية.

وأختم بملاحظة إجمالية على المنهج الاستدلالي للريسوني؛ فهو في هذه القضية الخطيرة العقدية السياسية المجتمعية يعتمد على التسليم للإشاعات وتضخيم الجزئيات؛ ليصل من خلالها إلى نقد منهج ودولة ومجتمع، وإنه لمنهج صحفي بعيد عن العلم وأهله.

فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
========= منذ أزيد من نصف قرن تمكنت المملكة العربية السعودية - بفضل إمكاناتها المالية النفطية الضخمة، وموقعها الجيو/ديني - تمكنت من تحقيق نفوذ ثقافي ودعوي وسياسي كاسح، تمدد عبر العالم كله، وشمل العالم الإسلامي بصفة خاصة. وبذلك انتشر وساد هذا الذي أسميته "الإسلام السعودي". وأصبح معظم المتدينين والدعاة وأبناء الحركات الإسلامية متأثرين بهذا النمط "الإسلامي"، بدرجة من الدرجات.

فما هو الإسلام السعوي؟
البعض يسمونه "وهابية"، وهو وهابي الأصل فعلا، لكن وهابية الإسلام السعودي معدَّلة ومكيفة.
والبعض يسمونه "سلفية"، وهو سلفية مشوهة ومطوَّعة.
والبعض يعتبرونه "حنبليا"، ولكن حنبليته نجدية جامدة.
والبعض يصفون أصحابه بـ"الظاهرية الجدد"، وهو كذلك، ولكن ظاهريتهم محرفة ومُسَعودة.
والبعض ينسبونهم إلى ابن تيمية، ولكن ابن تيمية - عند العارفين به - هو أكبر متضرر ومتظلم منهم.
وقد وُصف بأوصاف أخرى؛ كالتشدد والتطرف، و"فقه البداوة"، و"فقه التخلف". والحقيقة أن "الإسلام السعودي" فيه من كل هذه الأوصاف قسمةٌ ونصيب، ولكنه في تركيبته نمط خاص في الفهم والتدين، تَشكل بين قساوة الرمال ونداوة الريال، وانضبط تحت ظل السيفين المتعانقين، وبتوجيه آل سعود وسطوتهم.
وما دام هذا "الإسلام السعودي" خليطا ومُركَّبا، ومتعدد المصادر ولأصول، فلنترك نسبته أو نَسبه جانبا، ولنذكر بعض الخصائص والمميزات التي عُرف بها وتميز بها، علما بأن بعضها يرجع إلى أيام الشيخين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، وبعضها تشكل خاصة في ظل "الدولة السعودية الثالثة"، وهي دولة الملك عبد العزيز وأولاده وأحفاده، القائمة حتى اليوم.
وأنا لا أتحدث الآن عما يمكن أن يقال من الإيجابيات أو الفوائد أو الحسنات... وإنما حديثي عن بعض المميزات السلبية، الظاهرة والغالبة، لهذا "الإسلام السعودي"...
1. الشدة والخشونة، وهي سمة بارزة: سواء في الأفكار، أو في الأحكام، أو في الألفاظ... حتى لقد أصبح "السلفي" أو "الوهابي" في أعين عامة الناس رمزا للشدة والغلظة والتزمت. وحتى في المعاملات العادية بين السعوديين، يقال لمن تشدد وبالغ في أمر من الأمور: "لا تحنبلها"، أي لا تكن مثل السلفيين المتحنبلين في شدتهم ومبالغاتهم.
2. التعامل مع المسلمين والحكمُ عليهم من خلال ثقافة التكفير والتضليل والتبديع، شعوبا ومذاهب وطوائف وأفرادا... بل حتى كبار العلماء - القدماء والمعاصرون - لا يسلمون من تضليلهم وتبديعهم وحملاتهم، وقد يصل الأمر إلى حد تكفيرهم.
3. الاعتماد على العنف والسيف. والمملكة تعدُّ في طليعة الدول المتفوقة في كثرة القتل والتعذيب والاعتقال والاختطاف، وكل ذلك يجد كامل شرعنته وتسويغه وتسويقه لدي أشياخ "الإسلام السعودي" وفتاويهم الجاهزة المجندة. ومن الجدير بالتأمل أن الحروب الكثيرة التي خاضتها الدولة السعودية والحركة السعودية ،كانت، وما زالت، كلها موجهة ضد المسلمين!
4. إشعال الفتن والصراعات بين المسلمين؛ فشيوخ الإسلام السعودي دأبهم وديدنهم شنُّ الغارات وإشعال الصراعات، ضد المذاهب الفقهية الإسلامية، والمذاهب الكلامية الإسلامية ، والمذاهب الصوفية الإسلامية، والحركات الدعوية الإسلامية، وضد أفراد العلماء والمفكرين المسلمين. ونظرا لإمكاناتهم المالية واللوجستية، فقد تمكنوا من إدخال الفتن والعداوات والصراعات - الفقهية والعقدية - إلى معظم مساجد المسلمين وبيوتهم وأسرهم.
5. خوارج على الأمة وعلمائها، مداخل مع الولاة والطغاة. فحينما يوصف مشايخ الإسلام السعودي بالتشدد والتضييق، فذلك ليس على إطلاقه، بل هو خاص بعموم المسلمين، في عاداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم، أما مع الولاة والحكام، فهم عادة في غاية التساهل ومنتهى الترخيص. فالحاكم عندهم مهما فعل ومهما قال، ومهما أساء وزاغ، سيوجدون له من التأويلات والأعذار والرخص أكثر مما يريد. فعلى العموم: هم خوارج ومداخل في آن واحد: هم خوارج أشداء وخصوم ألداء، مع جماهير الأمة وعلمائها وفضلائها، وهم مداخل (أو: مداخلة) أذلاء، مع حكامهم وطغاتهم وولاة نعمتهم.

الاندحار: مظاهره وأسبابه

الإسلام السعودي الذي انتشر وازدهر خلال نصف القرن الماضي، دخل منذ بضع سنوات مرحلة التذبذب والذبول والانكماش، ثم انتقل في الآونة الأخيرة إلى مرحلة متقدمة ومتسارعة من الأفول والاندحار.
أما المظاهر، ورغم أن الأمر معلوم وظاهر، فأذكر منها:

1. العزوف والنفور لدى الجمهور السعودي، ولدى الشباب منهم خاصة، من هذا النمط الفكري المنغلق المتشدد المتنطع من جهة، والمحابي للظلم والفساد من جهة أخرى. فالمثقفون والشباب اليوم أصبحوا يبحثون عن دينهم، ويلتمسون تدينهم، خارج النموذج الوهابي المسَعوَد. وهذه ظاهرة معروفة جدا لدى من يعيشون داخل المملكة السعودية، أو يعاشرون السعوديين ويستمعون إليهم. ففي السعودية الآن تنتعش المذاهب الفقهية والصوفية والفكرية، التي تمت إبادتها وحظرها من قبل...
2. ما تحدثت عنه وسائل إعلام وشهود عيان مؤخرا، من قيام بعض الملحقيات الثقافية السعودية بإحراق أطنان من الكتب التي ظلت السعودية تطبعها وتوزعها عبر العالم، مثل مؤلفات ابن تيمية، وموسوعة الدرر السنية في الأجوبة النجدية ونحوها. لقد أصبح المسؤولون السعوديون في ورطة وحرج مع منتوجاتهم وبضاعتهم.
3. ما ذكره وزير الخارجية السعودي مؤخرا في تصريح لقناة روسيا 24، من أنهم عزلوا الآلاف من الخطباء وأئمة المساجد، بسبب تطرفهم، وأن الدولة بصدد إدخال تغييرات جذرية شاملة على مقررات التعليم، لتخليصها من التطرف ...

وكيفما قرئت هذه التصريحات وهذه الإجراءات، فإنها تدل على فشل ذريع وإفلاس كبير.

وأما أسباب هذا الاندحار، فمنها:

1. موقف السعودية من الربيع العربي؛ حيث إنها قد وقفت ضده بشكل مطلق وصارم، منذ الوهلة الأولى. فهي التي ناصرت بنعلي حتى الرمق الأخير، ثم آوته بعد انهزامه وفراره. وهي التي ناصرت حسنى مبارك بشكل جنوني، قبل الإطاحة به وبعدها. وهي التي دبرت ومولت - مع حاكم أبو ظبي - الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر. وهي التي أحبطت الانتفاضة الشعبية اليمنية...
2. الدخول في عداوة وحرب استئصالية ضد الحركات الإسلامية السنية، التي يسمونها بالإسلام السياسي. وهذا أيضا يجري بتحالف مع حاكم أبو ظبي. وقد وصل الأمر إلى حد التصنيف المعلن أو غير المعلن لكثير من الشخصيات ولحركات والهيئات الدعوية والعلمية والخيرية الإسلامية، على أنها إرهابية، بما فيها تلك الموجودة والعاملة في دول "شقيقة وصديقة"، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكويت وقطر وتركيا.
3. انهيار المصداقية العلمية والأخلاقية للمؤسسات الدينية والعُلمائية في المملكة السعودية، نظرا لمواقفهم المتناقضة، وتبعيتهم المطلقة للسياسة الرسمية السعودية. ومن آخر غرائبهم في هذا الباب: قضية التحريم والتحليل لسياقة المرأة للسيارة، وكذا التصريح المقرف، الذي صدر عن الشيخ عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكي، حيث اعتبر السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، تقودان العالم على طريق الأمن والسلام... وقد رد عليه شيخ علماء الهند العلامة الكبير سيد سليمان الندوي ردا شديدا سماه: "الموقف الصريح فيما قاله السديس من المديح القبيح".
4. اشتداد القمع والظلم والبطش، ليس فقط ضد ذوي الأفكار المتميزة أو المستقلة، بل بشكل عشوائي وغير مفهوم في كثير من الحالات، وقد اعتقل أو اختطف كثير من الموالين والمؤيدين وأركان الدولة المخلصين... حتى قال الأستاذ جمال خاشقجي مؤخرا: لم يعد أحد آمنا في السعودية. وهو نفسه كان من أبرز المدافعين عن آل سعود وسياساتهم، على مدى عقود، ولكنه اليوم فار بجلده، لا لشيء سوى أن الاعتقالات لم يعد لها سبب واضح ولا منطق معلوم.
د.أحمد الريسوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق