الجمعة، 6 مايو 2022

الإبراهيمية.. بين خداع المصطلحات وخطورة التوجهات

 



د. إسماعيل علي : أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان بجامعة الأزهر

الإبراهيميـــــة.. بين خداع المصطلحات  وخطـورة التوجهــــات

 

فهرس الموضوعات

الموضـــــــــــــــــــــــوعالصفحة
مقدمة3
تمهيد5
حقيقة “الإبراهيمية”6
نشأة “الإبراهيمية”11
الإبراهيمية والسياسة15
من يقف وراء “الإبراهيمية”19
مخاطرُ “الإبراهيميةِ” الدينيةُ والسياسيةُ21
الإبراهيمية في ميزان الشرع27
واجبنا لمواجهة الإبراهيمية33
كلمة ختامية36
المراجع38
فهرس الموضوعات42

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُــوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّـــــالِّينَ *

                             سورة الفاتحة

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم، وآله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: فإن الصراع بين الحق والباطل قديم مستمر، إلى أن يأذن الله بنهاية الدنيا، ولن يكُفّ أهلُ الباطل عن محاولاتهم ومخطَّطاتِهم الراميةِ إلى اجتثاث الحق، أو النيلِ منه ومِن ذويه، وفي المقابل لن يُفرّط أهل الحق في التمسك به، والدفاعِ عنه، بكل ما يستطيعون.

وكانت الحرب الفكرية ـ ولا زالت ـ أقسى ميادينِ ذلك الصراعِ الأزليّ، وكان التمويهُ والتدليسُ، وخَلْطُ الحقِّ بالباطل، وإلباسُ الباطلِ ثوبَ الحقٍّ، مِن أسوأ وأضرِّ مجالات هذه الحرب الفكرية المتجددة.

وفي هذا العصر أطلّت علينا دعوةٌ من الغرب معسولةُ اللفظِ، ناعمةُ الملمس، تحوي في باطنها السُّمّ الزُّعاف، والموتُ الزؤام، أُطلِق عليها “الإبراهيمية”.

وجدير بالذكر أن اختيار الغربيين للمصطلحات التي تكون عنوانا لدعواتهم المشبوهةِ يكون مدروسًا بعنايةٍ كبيرة، ومنها مصطلح “الإبراهيمية” الذي يتّسِم بالبريق، والإغراءِ الكامن في استغلال الاسمِ النبويِّ الكريم، ورمزيةِ ومكانةِ أبي الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام، والخداعِ المتَستّرِ بالحديث عما يسمونه “المشترَك الإبراهيميّ”، الذي يُوارِي حقيقةَ المشروعات والتوجّهات الخطيرةِ المدَمِّرة!!

وقد صدَّره لنا الغرب، وروّجه؛ لمآربه الخطيرة دينيًّا وسياسيًّا، مثلما صدّر لنا دعواتٍ أخرى هدامةً، كالعلمانية والقومية، وغيرِهما.

وانطلاقا من واجب الإسهام في النُّصح والبيان، كان هذا البحث الوجيز، الذي بيّنْت فيه حقيقةَ “الإبراهيمية”، ونشأتَها، ومَن يقف وراءها، ومخاطرَها، وحُكمَها في ميزان الشرع، ثم واجبَنا نحوها.

فإذا شارفْتُ حدَّ الإبانةِ والصوابِ فبتوفيق رَبّي، وإن قصّرْتُ فهذا هو المعهود من عجْز البشر.

واللهَ أسألُ أن يتقبل، ويعفوَ عن الزلل، وينفعَ بهذا البحث كاتبَه وقارئه.

الحمد لله رب العالمين

إسماعيل علي

السبت 2 ذو القعدة 1442هـ

12 يونية 2021م

اسطنبول

 

تمهيد:

كثر تداول مصطلح “الإبراهيمية” منذ الإعلان عن اتفاق تطبيع كلٍّ من “الإمارات العربية المتحدة” و”مملكة البحرين” مع الكيان الصهيونيّ المحتل، برعاية أمريكية، في أغسطس 2020، والذي جرى توقيعه في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، في منتصف سبتمبر 2020، بحضور وفودِ أطرافِ الاتفاق الثلاثة، مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، وأُطلق اسمُ “أبراهام” على الاتفاق ([1]).

وكان “ترامب” قد “طلب من السفير الأمريكيّ في إسرائيل “ديفيد فريدمان” أن يشرح دواعي إطلاقِ اسم “اتفاق إبراهيم” على وثيقة التطبيع بين إسرائيل والإمارات.

وردّ السفير الأمريكيُّ بالقول: “إبراهيم ـ كما يعلم الكثير منكم ـ كان أبًا لجميع الديانات الثلاث العظيمة، يشار إليه باسم “أبراهام” في العقيدة المسيحية، و”إبراهيم” في العقيدة الإسلامية، و”أبرام” في العقيدة اليهودية.

ولا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات العظيمة الثلاث أفضل من إبراهيم، ولهذا السبب تمت تسمية هذا الاتفاق بهذا الاسم.

وردّ الرئيسُ الأمريكيّ ـ في محاولة للمزاح ـ “رائع .. شيء عظيم، أردت أن يطلَق عليه “اتفاق دونالد ترامب”؛ لكني (وهو يضحك) لم أعتقد أن الصحافة ستفهم، ولم أفعل هذا الأمر» ([2]).

على أن هذا لم يكن بدايةَ ظهورِ هذا المصطلحِ، أو وجودِ مضمونِه ومدلولِه في صورة مصطلحات أخرى، كما سيتضح لاحقا.

حقيقة “الإبراهيمية”

“الإبراهيمية” نسبة إلى نبيّ الله إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وقد أُطلِق على ما يُسمَّى بـ “الديانات الإبراهيمية”، والمقصود بها: اليهودية، والنصرانية، والإسلام، باعتبار أنها جميعا تشترك في الإيمان بسيدنا إبراهيم، والانتسابِ إليه، والاعتراف بمكانته الكبيرة.

وهذا المصطلح وافد من الغرب؛ حيث جرى إطلاقُه في القرن التاسع عشر.

ويقرر أحد الباحثين أن «استثمار رمزيّةِ “إبراهيم” لدى المعاصرين قد بدأ في القرن التاسع عشر، وبالتالي فإنّ مصطلح “الديانات الإبراهيمية” هو مفهوم حديث؛ حيث نقرأ منذ 1811 عن “الميثاق الإبراهيمي” (the Abrahamic Covenant) الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين في الخمسينيات من القرن العشرين، رسّخه “لويس ماسينيون” في مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان: “الصلوات الثلاث لإبراهيم، أبِ كلِّ المؤمنين”، ثمّ تحوّلت “الديانات الإبراهيمية” إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها» ([3]).

وعندما نطالع في الدراسات التي تناولت “الإبراهيمية”، وفي واقع مَن ينادون بها؛ نجد أننا أمام صورتين، لكلٍّ منهما مفهومُه، ودلالتُه الخطيرة:

إحداهما: تتمثل في الدعوة إلى الوَحدة أو التقريبِ أو التوفيقِ بين اليهوديةِ والنصرانيةِ والإسلام، وإسقاطِ الفوارقِ الجوهرية فيما بينها، والالتقاءِ على القواسم المشتركةِ فيها، والاعترافِ بصحتها جميعا، تحت مظلةِ الانتسابِ إلى سيدنا إبراهيم، عليه السلام ، دون الحاجةِ إلى أن يتخلى المنتسبون لأيٍّ من هذه الأديان عن دينهم الخاصِّ بهم.

وانطلاقا من هذا تقام مُجمّعات “روحية” للأديان الثلاثة، تضم دُورَ العبادة الخاصة بالمسلمين والنصارى واليهود، تشتمل على مسجد وكنيسة وكنيس، متلاصقة جنبا إلى جنب، مثلما فعلت الإمارات العربية؛ حيث تقوم ببناء مجمع أو معبد الديانات الإبراهيمية الثلاث في أبو ظبي، باسم “البيت الإبراهيميّ”، يضم مسجدًا للمسلمين وكنيسةً للنصارى ومعبدًا لليهود، وتنوي افتتاحَه العامَ المقبل (2022) ([4])، وكما أراد الرئيسُ المصريّ الأسبق “أنور السادات” حينما أعلن عزمَه إقامةَ “مجمع الأديان” ([5])، لكنه غادر الدنيا قبل بنائه.

و«عندئذ تسقط الفوارق في القيمة الدينية بين أنماط العبادة التي يباشرها اليهود في معبدهم هناك، والأخرى التي يباشرها المسيحيون في كنيستهم، وكذلك المسلمون في مسجدهم، ويصبح كلُّ مباشرٍ لعبادته في المكان الخاصِّ بها مقبولًا عند الله في نظر الآخر، على معنى أن يعتقد بذلك: اليهوديّ، المسيحيّ، والمسلم، أي يعتقد اليهوديُّ بسلامة العبادة التي يؤديها المسيحيُّ في كنيسته والمسلمُ في مسجده، ويعتقد المسيحيُّ بسلامة العبادة التي يؤديها اليهوديُّ والمسلمُ هناك، كما يعتقد المسلم أخيرًا بسلامة العبادة التي يؤديها المسيحيُّ واليهوديُّ، كلٌّ في معبَده في هذا المجمع»([6]).

بل إن الأمر تجاوز إقامة مجمعٍ يَضُم معابدَ للأديان الثلاثةِ في مكانٍ واحد ـ على نحو ما ذكرنا ـ «إلى فكرة طبع القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل في غلاف واحد» ([7]).

ثم تبع ذلك فكرةُ إقامةِ صلاةٍ مشترَكة تجمع اليهود والنصارى والمسلمين، زعموها “الصلاة الإبراهيمية”، أو “صلاة أبناء إبراهيم”.

ففي شهر مارس 2021، وفي زيارته إلى الشرق، وفي العراق، قام بابا الفاتيكان بأداء ما زعموها “صلاة أبناء إبراهيم”، مع ممثلين عن اليهود والمسلمين.

وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام فقد «أجرى البابا فرنسيس في مدينة “أور” عقبَ وصولِه بلحظاتٍ إلى المدينة التاريخية، صلاةً موحَّدةً للأديان الابراهيميةِ الثلاثة، وبحضورِ ممثلي الأديان.

وقال البابا: من هذا المكان؛ هنا بدأ الإيمان والتوحيد، أرضِ أبينا إبراهيم» ([8]).

وتحت عنوان “صلاة أبناء إبراهيم في ختام اللقاء بين الأديان في أور”؛ نَشَر موقع الفاتيكان نَصَّ ما قال إنها “صلاةٌ يَرفعها أبناءُ إبراهيم”، وبدايتُها:

«أيُّها الإلَهُ القَدير، يا خَالِقَنا ويا مُحِبَّ البَشَرِ وَكُلِّ ما صَنَعَتْ يَداك، نَحْنُ أبْناءَ وَبَناتِ إبراهيم المُنتَمِينَ إلى اليَهُوديَّةِ والمَسيحيَّةِ والإسْلام، مَعَ كافَةِ المُؤْمِنينَ وَجَميعِ أصْحابِ النَوايا الحَسَنَة، نَشْكُرُكَ لأنّكَ أعطَيْتَنا إبراهيم، ابنَ هذهِ الأرْضِ النَبِيلَةِ والعَزِيزَة، أبًا مُشتَرَكًا في الإيمان.. إلخ([9]).

وليت شِعري؛ أيَّ ربٍّ كانوا يناجون، وإلى أيّة قِبلةٍ كانوا يتجهون؟!!!

ولم تكن هذه هي المرةَ الأولى التي تقام فيها تلك الصلاة ” المزعومة”؛ بل سبقها غيرُها، «إذْ دعا “البابا” إلى إقامة صلاةٍ مشترَكةٍ من ممثلي الأديان الثلاثة: الإسلاميين والكتابِيّين، وذلك بقرية “أسِيس” في “إيطاليا”، فأقيمت فيها بتاريخ 27/10/1986م، ثم تكرر هذا الحدث مراتٍ أخرى باسم “صلاة روح القدس» ([10]).

الصورة الثانية لـ “الإبراهيمية”: تتمثل في الدعوة إلى توحيد الأديان ودمجِها في دين عالميٍّ جديد، وهو ما يزعمونه “الدين الإبراهيميّ الواحد”، الذي يتم تلفيقه مما يسمونه القيمَ المشتركة بين الأديان الإبراهيمية.

إنها «دعوة خطيرة تنادي بـ «دين واحد عام» يطلقون عليه اسم «الدين الإبراهيميّ»، وذلك «الدين الجديد» المزعوم ليس إلا مجموعةَ القيمِ الأخلاقيةِ المشترَكة، مثل المحبة والتسامح والبر وإتقان العمل، بين الأديان السماوية، وقد يضاف إليها مستقبلاً أديان أخرى مثل البوذية» ([11]).

وكما يقول أحد الباحثين: “هي بوتقة لصهر الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام واليهودية والمسيحية، لينتج عنها ديانة جديدة يدعو إليها بنو صهيون، يزعمون أنه من خلالها يَعُمّ السلامُ، والأُخوّةُ الإنسانيةُ، والمشترَكُ الدينيّ، وذلك من خلال جمع نقاط الاشتراك بين الديانات الثلاث، وتنحية النقاط المختلف فيها جانبا.

وبالطبع ستكون نقاطُ الالتقاءِ على اليهودية فقط؛ حيث إن المسلمين يعترفون بالديانات الثلاث، بينما النصارى يعترفون باليهودية والمسيحية فقط، أما اليهود فلا يعترفون إلا باليهودية.

لذا فلن تكون نقاطُ اتفاقٍ إلا ما وُجِد في اليهودية» ([12]).

وهكذا يتبين لنا وجهان أو صورتان للإبراهيمية:

الأولى: تقر بوجود ثلاثة أديان إبراهيمية، وكلها صحيحة، وتدعو إلى الوحدة بينها، على أساس ما هو مشترك بينها.

والثانية: تُلغِي الوجودَ الفعليَّ للأديان الثلاثة؛ وتدعو إلى كتابة دين جديد واحد للعالَم، وتكون عناصره ومكوِّناتُه مستمدةً من الأديان التي أُلغِيت.

وسواءٌ أكانت “الإبراهيمية” دعوةً إلى التقارب والوَحدة بين اليهودية والنصرانية والإسلام، وتصويبِها جميعا، تحت مظلة الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام؛ أم دعوةً إلى دمجها وإذابتِها في دين جديد قائم بذاته؛ فكلاهما ـ فيما يظهر ـ وجهان لعملة واحدة، ومساران متطابقان لخدمة مخططٍ واحد، وتوجُّهٍ واحد، وهو تخريب الأديان، وفضُّ الناس عنها، وبخاصة الإسلامُ الحنيف؛ حيث يَنتُج عن الأولى إسلامٌ مفرَّغٌ من حقيقته، منزوعٌ منه خصائصُه، يجافي تماما الدينَ الحقَّ الذي شرعه ربُّ العالمين، أما الثانية فيترتب عليها اقتلاعُ الإسلام، واقتلاع الدينَين الكِتابيّين، ليحِل محلَّها الدينُ الجديدُ المخترَعُ الملفَّقُ، مع إلصاق لافتة “الإبراهيمية” على كلتا الصورتين، خِداعا وإغراء، كما يُلصَق على الخَمر التي هي أمّ الخبائثِ اسمُ “مشروبات رُوحية”؛ مع أنها سمٌّ قاتل، وشرابٌ مُرْدٍ للأرواح والأبدانِ معًا.

نشأة “الإبراهيمية”:

إن العبث بالأديان عامة، والكيدَ للإسلام خاصة أمر قديم، قِدَمَ الصراع بين الحق والباطل، وإنّ محاولاتِ أعداءِ الإسلامِ القضاءَ على الرسالة الخاتِمة لم تتوقف منذ عصرِ سيدنا محمدٍ e، ولم يدخر أولئك الأعداءُ وُسْعا، فسلكوا جميع الطرق لبلوغ هدفِهم الرئيسِ، الذي أشار إليه ربُّنا ـ عز وجل ـ في قوله ـ سبحانه ـ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32).

وكان نَهْجُ التلبيسِ والخلطِ بين الحقّ والباطلِ أساسًا في محاولاتهم البئيسة، ومن ذلك ما سَجله القرآنُ الكريم في قوله تعالى ـ خِطابًا لبني إسرائيل ـ: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة البقرة: 42).

قال الإمام ابن كثير ـ يرحمه الله ـ: يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه، من تلبيس الحقِّ بالباطل، وتمويهِه به، وكتمانِهم الحقَّ وإظهارِهم الباطلَ: {ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطل وتَكْتُموا الحقَّ وأنتم تَعْلَمون}، فنهاهم عن الشيئين معا، وأمَرَهم بإظهار الحقِّ والتصريحِ به؛ ولهذا قال الضحاك، عن ابن عباس {ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطل}: لا تَخلطوا الحقَّ بالباطل والصدقَ بالكذب.

وقال قتادة: {ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطل}: ولا تَلْبِسوا اليهوديةَ والنصرانيةَ بالإسلام؛ إنّ دين الله الإسلامُ، واليهوديةَ والنصرانيةَ بدعةٌ ليست مِن الله ([13]).

فسبحان الله؛ كأن الآية تشير إلى بدعة “الإبراهيمية” !!

وكما يقال: ما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة.

ثم «إن الدعوة إلى وَحدة الأديان دعوة قديمة، فقد دعا إليها زنادقةُ الصوفية، والفرقُ الباطنية، كـ “إخوان الصفا” ([14]).

وأمَّا عند النصارى؛ فيعتبر الراهب “رامون لول” المتوفى عام 1315هـ أولَ مَن دعا إلى تصويب جميعِ صورِ العبادات والأديان، وأمَّا الدعوة إلى التقارب في الإبراهيمية؛ فيعتبر المستشرق الفرنسي “لويس ماسينيون” أولَ مَن دعا إليها بحماس، عن طريق كتاباته عن الحلاج، وعن طريق تدريسه في جامعة القاهرة، وإدارتِه لمجلة العالم الإسلامي عام 1919م» ([15])، وكذلك المستشرق الفرنسي «مكسيم رودنسون في كتابه العرب، الصادر في يناير عام 1979» ([16]).

وينسب البعض إلى “جمال الدين الأفغاني” أنه ممن دعا إلى وحدة الأديان، فيقول: «ولعل أول مَن جَهَر بهذه الدعوة مِن الإسلاميين في العصر الحديث هو جمالُ الدينِ الأفغانيُّ (1838 – 1897م)، حيث يقول في خاطراته ما نصه: «… ثم رجعت لأهل جِرْمِ الأرض وبحثْتُ في أهم ما فيه يختلفون فوجدتُه (الدِّين)، فأخذتُ الأديانَ الثلاثةَ، وبحثْتُ فيها بحثًا دقيقًا مجرَّدًا عن كل تقليد، منصرِفًا عن كل تقيّد، مطْلِقًا للعقل سراحَه؛ فوجدت بَعد كلِّ بحثٍ وتنقيبٍ وإمعان، أنّ الأديان الثلاثة، الموسوية والعيسوية والمحمدية، على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية، وإذا نَقَص في الواحدة شيء من أوامر الخير المطلَق، استكملتْه الثانية ([17])، وعلى هذا لاح لي بارِقُ أملٍ كبيرٍ أن تتحد أهلُ الأديانِ الثلاثةِ مثلَ ما اتحدت الأديانُ في جوهرها وأصلِها وغايتِها، وأنه بهذا الاتحاد يكون البشر قد خطَوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة» ([18]).

ويظهر أن كلامَ “الأفغانيِّ” المذكورَ ليس فيه ما يدل صراحة على أنه كان يدعو إلى وحدة الأديان، ويَظهر أن الوحدة التي دعا إليها يقصد بها التقاربَ في المواقف، أو نبذَ العداواتِ والاضطهادِ بين اليهود والنصارى والمسلمين بسبب الدين، وإن كنتُ لا أعفيه من الخلط والتلبيس، والخطأ في بعض العبارات، وغيابِ الوضوحِ التامِّ في التعبير عن المقصود.

«ومن أبرز منظِّري (وَحدة الأديان)، المفكرُ الفرنسيُّ روچيه جارودي Roger Garaudy (1913-2012م)، وهو يطرح نوعين مِن الوحدة:

– أحدهما: وَحدة صغرى، وهي (الإبراهيمية)، ويهدف من ورائها إلى توحيد الأديان التي تُعلن انتماءَها إلى أبي الأنبياء إبراهيم ، عليه السلام ، أي: الإسلام والنصرانية واليهودية.

– والآخَر: وَحدة كبرى، تشمل جميع الأديان والملل الوثنية، بل والملحدين! بجانب أنّ تلكم الوثنيات آثارُ نبواتٍ سابقة، وأن الملحدين يؤمنون بـ (الإنسان) وأن للحياة (معنى) ([19]).

أما الدعوة إلى توحيد الأديانِ الثلاثةِ وصَهرِها في دين عالميّ جديد؛ «فقد بدأ التخطيط لهذا المشروع عام ١٩٩٠، وبدأ تنفيذه عام ٢٠٠٠، وبدأت مأسستُه داخلَ وزارة الخارجية الأمريكية عام ٢٠١٣م» ([20]).

«وقد أشار أيضا إلى الدين الإبراهيميِّ الواحدِ الرئيسُ الأمريكيُّ “باراك أوباما”؛ خلال تقرير الدين والدبلوماسية الصادر عن معهد “بروكنجر” الدوحة 2013» ([21]).

الإبراهيمية والسياسة

ومع أن “الإبراهيمية” مصطلح دينيٌّ عقائديّ يرتبط برمز دينيٍّ ـ بالإجماع ـ؛ فإن الدعوة إليها لم تكن بعيدة عن السياسة ومراميها، ولا منفصلة عن مؤسساتها ومخططاتها، وخدمةِ مشاريعِها، لا سيما في الواقع المنظور الذي يشهد حضورًا كبيرًا لـ “الإبراهيمية” في أرْوِقة السياسةِ ودهاليزِها.

ولا زال العالم يَسمع أصداءَ الإبراهيمية تترد خلال الإعلان عن اتفاقية التطبيع الإماراتيّ البحرينيّ مع الكيان الصهيونيّ المحتل، وعلى ألسنة جميع الأطراف، بل إنّ الرئيس الأمريكيّ السابق “ترامب” الذي رَعت إدارتُه الاتفاقَ، وأَشرَف عليه، قد سماه “اتفاق إبراهيم”، كما سبق أن ذكرنا.

ويقرر أحد الباحثين أن «استحضار اسمِ إبراهيمَ والمسائلِ الدينيةِ ليس مِن ابتكارات ترامب» ([22]).

ويستعرض أبرز المحطات التي شهدت استدعاء “الإبراهيمية” في السياسة المعاصرة، لا سيما في مجال السعي الأمريكيّ الغربيّ لتسوية الصراع الإسلامي مع الصهاينة المحتلين لفلسطين، فيقول:

«عندما أشرف الرئيس الأمريكيّ السابق جيمي كارتر على اتفاقٍ آخَر للتطبيع بين إسرائيل ومصر في 1978 و1979، وهو المسمَّى باتفاقات كامب ديفيد، التي وقّع عليها أنور السادات ومناحيم بيغن، قال كارتر حينها: “دعونا نتركِ الحربَ جانبا، دعونا الآن نكافئْ كلَّ أبناءِ إبراهيم المتعطشين إلى اتفاق سلامٍ شاملٍ في الشرق الأوسط، دعونا الآن نستمتعْ بتجربةِ أن نكون آدميين بالكامل، وجيرانًا بالكامل، وحتى إخوة وأخوات”.

في سنة 1993 حين تم توقيع اتفاقيات أوسلو بين الزعيم الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء حينها إسحاق رابين، قال الرئيس الأمريكيّ بيل كلينتون أثناء إشرافه على حفل التوقيع في البيت الأبيض: “لأجل هؤلاء يجب أن نحقق نبوءةَ إشعياء بأن صرخة العنفِ لن تُسمع في أرضكم، ولن تَصنع الدمارَ والخرابَ داخل حدودِكم، إن أبناء إبراهيم، أي نسل إسحاق وإسماعيل، انخرطوا معا في رحلة جريئة، واليومَ مع بعضنا بكل قلوبنا وأرواحنا، نقدم لهم السلام”.

لكن في سنة 1994 خلال التوقيع على اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والأردن، لم يُجدّدِ الرئيس كلينتون إشارتَه إلى إبراهيم، إلا أنه قال: “في فجر هذا السلام لهذا الجيل، في هذا المكان القديم نحتفل بالتاريخ، وبإيمان الأردنيين والإسرائيليين”، واستشهد كلينتون حينها ببعض المقاطع من القرآن والكتب اليهودية المقدسة، بَيْد أن كلينتون في ذلك الوقت كان قد تَرَك مهمةَ الإشارةِ إلى النبيّ إبراهيم لنظيره الملكِ حسين الأردنيّ، الذي قال في خطابه: “سوف نتذكر هذا اليومَ طيلةَ حياتِنا لأجل أجيال المستقبل من الأردنيين والإسرائيليين والعرب والفلسطينيين، كلِّ أبناء إبراهيم”.

ولاحقا، عندما تدهورت العلاقاتُ بين الملك حسين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سنة 1997، كَتَب له ملكُ الأردنّ رسالةً لمعاتبته، أشار فيها مجدَّدًا إلى إبراهيم، حيث قال: “إن أسوأ حقيقةٍ جعلَتْني أَحزَن هي أنني لا أجدُك إلى جانبي في العمل لتحقيق إرادةِ الله للمصالحة النهائية، لكل نَسل أبناءِ إبراهيم”» ([23]).

وكان الرئيس المصريُّ الأسبق “أنور السادات” ممن يتبنى “الإبراهيمية”، ويرددها في أحاديثه، ويتكلم عن “أُخوّة العرب واليهود” لأنهم أبناء إبراهيم، ويدعو إلى ضرورة الصلح بينهم ([24])، بل إنه سعى لترجمة فكرته على أرض الواقع، حيث قرر إنشاءَ مجمعٍ للأديان في سيناء.

وفي هذا السياق لتوظيف “الإبراهيمية” برز في الأفق مصطلح “الدبلوماسية الروحية”، الذي تبناه الغرب وأمريكا، وقد عرّفته إحدى الباحثات بأنه: «مسار من مسارات التفاوض، تستهدف حلَّ النزاع أو منعَ حدوثِه، من أجل بناءِ سلامٍ دينيٍّ عالميٍّ، يتم عبر الجمع بين القادة الرُّوحيين والساسة داخل آلية المسار الثاني ([25]) للتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع، بهدف التوصل إلى مشترك عبر تقارب الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام ـ المسيحية ـ اليهودية)، أو ما يسمى بالديانات الإبراهيمية، أو (الدين الإبراهيميّ ـ الدين العالمي الواحد)، حسب ما يقدَّم من طرح، للقضاء على الاختلافات، والوصول إلى متفَق يقبله الجميع، عبر ترجمته لخدمات ملموسة يشعر بها المواطن، (الحوار الخدميّ) ليكون ولاؤه للدين الإبراهيميّ، ويتم نقله للخريطة السياسية، لأن هذا المسارَ سيكون مركزَ صنعِ القرار السياسيِّ بالعالم، بهدف خلق السلام الدينيّ العالميّ» ([26]).

ومن الأمور الخطيرة أن “الإبراهيمية” هي المرجعية التي ترتكز عليها الدبلوماسية الروحية، وتقوم على التنسيق والجمع بين القيادات السياسية والروحية، في إطار المشارَكة المباشرةِ بينهما ([27]).

ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام مصطلحٍ خادعٍ بَرّاق، هو “الدبلوماسية الروحية”؛ حيث يُلَوّح به في ميادين السياسة لخدمة أهداف تَضر بنا ـ نحن المسلمين ـ وبقضايانا العادلة.

«إن الدبلوماسية الروحية هدفها المعلن هو تحقيقُ السلامِ العالميّ، وحلُّ النزاعات، وتحقيقُ التنميةِ المستدامة، عبر مكافحة الفقر ومسبِّباته، والاضطلاعِ بخدمات ومشروعات تنموية تكرس الولاء للفكر الجديد؛ لكن غرضها الحقيقيّ تحقيق المصالح الغربية الصهيونية، وتدمير الأديان السماوية، خاصة الإسلام والمسيحية، وإضاعة الحقوق، وتزييف التاريخ، وتغيير الواقع، لصالح المخططات الصهيونية» ([28]).

من يقف وراء “الإبراهيمية”؟

لا شك أن الدعوة إلى الإبراهيمية وما يتفرع عنها إنما هي نبتة شيطانية غريبة عن الإسلام وبيئته.

بل إنّ مصطلح “الإبراهيمية” نفسَه ليس مصطلحا إسلاميًّا، ولا متداولا في مصادرنا، وتراث أئمتنا القدامى والمحْدَثين، فضلا عن مضمونه المناقض لنصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها، كما سنوضح هذا إن شاء الله.

كما أن مصطلح “الأديان الإبراهيمية” أيضا ليس له أصل في الشرع، وإنما المعروف مصطلح واحد هو دين الإسلام، الذي هو دين إبراهيم وجميعِ الأنبياء، من آدم حتى خاتمهم محمدٍ ـ عليهم جميعا صلاة الله وسلامه ـ.

وقد صدَّره لنا الغرب؛ لمآربه الخطيرة دينيًّا وسياسيًّا، مثلما صدّر لنا دعواتٍ أخرى هدامةً، كالعلمانية والقومية وغيرِهما.

ولا يخفى أن اختيار الغربيين للمصطلحات التي تكون عنوانا لدعواتهم المشبوهةِ يكون مدروسًا بعنايةٍ كبيرة، ومنها مصطلح “الإبراهيمية” الذي يتّسِم بالبريق، والإغراءِ الكامن في استغلال الاسمِ النبويِّ الكريم، ورمزيةِ ومكانةِ أبي الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام، والخداعِ المتَستّرِ بالحديث عن المشترَك الإبراهيميّ، الذي يُوارِي حقيقةَ المشروعات والتوجّهات الخطيرةِ الماحقة، فغدا عنوانًا ظاهِرُه يلمع بالرحمة، وباطِنُه يطفح بالهلاك !!

ولقد كان الدور النصرانيّ واليهوديّ في الترويج لهذه الدعوة ودعمها قويًّا جليًّا، من خلال الأنشطة والطرق والمؤسسات الكثيرة، منذ أوائل القرن العشرين، وقد تم برعاية النصارى والصهاينة «عقد العديد من المؤتمرات بدعوى التقريب بين الإسلام والنصرانية، منها: في بيروت عام 1953، والإسكندرية عام 1954، وفي كاتدرائية سان جون بنيويورك عام 1984، وفي العام نفسه عُقِد لقاء آخَرُ في دير سانت كاترين بسيناء، قامت بتمويله المنظمات الصهيونية في أمريكا وإسرائيل، وشاركت فيه عدة جنسيات تنتمي إلى الإسلام والنصرانية واليهودية والبوذية والبهائية وديانات الهنود الحمر.

وقد تولت أمانة غير المسيحيين بالفاتيكان كِبرَ الدعوةِ إلى الدين الإبراهيميّ بزعم مواجهة الإلحاد والمادية، وبتأثير مباشر من الماسونية العالمية، وتأكيدًا لذلك أصدرت كتابا يُفصح عن هذه الرغبة عام 1970» ([29]).

وتقف وراء «الديانة الإبراهيمية الجديدة مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”، ويعمل على تمويل تلك المراكز أكبرُ وأهمُّ الجهاتِ العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبيّ، وصندوق النقد الدوليّ، والبنك الدوليّ، والولايات المتحدة الأميركية» ([30]).

ثم تطور الأمر، فأصبحنا نرى بعض الدول في المحيط العربيّ تجاهر بتبني “الإبراهيمية”، وتُسخِّر الكثير من الأموال، وتحشد الجهود البشرية والإعلامية، وتقيم الفعاليات والمشروعات المتنوعة، للترويج للإبراهيمية، وتكريسها في أرض الواقع، لا سيما تلك الدول التي غرقت في مستنقع التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، التي تبذل في هذا الأمر جهودًا جبارة، مادية ومعنوية، لا تَخفى على أي باحث أو متابع، وتستجلب عددا غير قليل من العلماء والدعاة، وتغريهم  بالانخراط في نشر وتثبيت الدعوة إلى الإبراهيمية، وتجنيدهم لخدمة هذا المشروع الخطير، مثل الشيخ الموريتاني “عبد الله بن بيّه”، والداعية الصوفيّ اليمنيّ “علي الجفري”، وغيرهما من الدعاة والمتصوفة ([31]).

 مخاطرُ “الإبراهيميةِ” الدينيةُ والسياسيةُ:

إن الدعوة إلى الإبراهيمية، والترويجَ لها، يحمل في مضامينه أخطارًا كبيرةً على الأمة الإسلامية، في جوانب شتى، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن الخاسر الوحيد من وراء نشر الإبراهيمية، والسعيِ لتكريسها، فضلا عن المشاركة فيها؛ إنما هم المسلمون !!

ويزيد من خطورة الأمر ما يكتنف هذه الدعوةَ الخطيرةَ مِن تلبيسٍ، واستعمالٍ متعمَّد للعديد من المصطلحات البراقةِ المخادعة، التي لا تثير القلقَ أو الانتباهَ لما تتضمنه من مدلولات وتوجهات ضارة؛ «ذلك أنّ بريق المصطلحِ واعتيادَه يُخفي وراءه الوجهَ القبيحَ الذي يحمله، ومع كثرة استعماله تختلط الأوراق، وتُمَرَّر المشاريع الهدامة، ويغدو المعارض لذلك الوجهِ القبيح غريبًا بين الناس، وحينئذٍ تكون قد نجحت الفكرة، هذا هو حال مصطلح “الديانة الإبراهيمية” أو وَحدة الأديان، أو الديانة العالمية، ونحوها من الألقاب التي ظهر استعمالها؛ ففي طياتها معانٍ حسنةٌ مقبولة، مثل التعايش، والسلام، ولكن استعمال تلك المعاني التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية في الجوهر، إنما هو ـ في الغالب ـ تمريرٌ للمعاني الباطلة، وستارٌ للحقيقة المرادة، التي تتمثل بأهدافِ مروِّجيها بتمزيق مكوِّنات وروابطِ الهُويّةِ الإسلاميةِ والعربيةِ لدول المنطقة، وبالتالي تيسيرُ السيطرةِ والتحكّمِ بها وبشعوبِها لصالح إسرائيل»([32]).

وسواء أكانت الإبراهيمية تعني الوَحدة بين الإسلام ودياناتِ أهلِ الكتاب، مع الإقرار بصحة الجميع، أم دينًا جديدًا ملفَّقا أو مستخلَصًا منها، ومِن غيرِها؛ فإنّها تنطوي على أضرار جسيمة، بالإسلام والمسلمين، نشير إلى بعضها فيما يأتي:

1ـ إن الدعوة إلى الإبراهيمية سبيل إلى تمييع الدين، وإضاعة معالمه وأركانه في نفوس المسلمين، وتهوِّن من حرص المسلم على التمسك بالإسلام والاعتزازِ به، بل إن الأمر قد يصل في بعض الأحيان إلى تهوين الخروج من الإسلام، والتحول إلى غيره؛ حيث إنه ـ بحسب الإبراهيمية ـ لا فرق بينه وبين اليهودية والنصرانية، وهنا تكون الفرصة سانحة وواسعة للعمل التنصيريّ بين المسلمين، وتسهيل إقناع البعض منهم بالتنصّر.

2ـ كما أن الإبراهيمية تنزِع عن الإسلام تفرّدَه بأنه الدين الوحيدُ الذي سلِم مِن التحريف، وتضفي على الأديان الأخرى المحرَّفةِ والباطلة صفة القدسية، وتلبسها ثوبَ البراءةِ من التحريف؛ مع أن الأهواء قد تلاعبت بها، وقلَبتها رأسًا على عقب.

وكذلك سيؤول الحال مع القرآن الكريم؛ حيث لن يكون الكتابَ الذي اختُصّ بحفظ الله له من بين سائر الكتب المنَزّلة، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، وفي ذات الوقت تَرفع الكتبَ الأخرى إلى درجة العصمة والسلامة من أي تغيير أو تبديل أو تحوير، مع أن الواقع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التحريف يكتنفها، ويتخللها ويغشاها من سائر جوانبها ([33]).

3ـ ومن مخاطر الإبراهيمية كذلك أنها تؤدي إلى إضاعة العبادات التي شرعها الله تعالى، وفتْحِ البابِ واسعا للتلاعب بها، والابتداعِ فيها، والانحرافِ بها عما شرعها الله تعالى، شكلا ومضمونا، كما حدث ـ على سبيل المثال ـ فيما سُمِّي بـ “الصلاة الإبراهيمية”، تلك الصلاة المزعومة التي لا علاقة لها إطلاقا بما سنّ الله لعباده، وبيّنه وطبقه رسوله e، بشأن فريضة الصلاة.

4ـ ثم إن الإبراهيمية كذلك سبيل إلى تعطيل شريعة الله، وإلغاء كثير من الأحكام التي أَمَر بها الله؛ حيث إن هذه الدعوةَ تقوم على التلاقي والاجتماع على ما يُسمَّى المشترَك الإبراهيميّ، والمقصود بهذا المشترك عند أصحاب هذه الدعوة هو القيم والمبادئ المشترَكة بين الأديان.

ولو ذهبنا نسأل عن تلك القيم المشتركة، سيأتي الجواب مشيرًا إلى بعض الأخلاق والمبادئ العامة، كالعدل، والمساواة، والحرية، والتعايش السلميّ … ونحو هذا.

وماذا عن بقية التشريعات الإسلامية؟

لا وجود لها في ظل “الديانة الإبراهيمية”؛ لأنها ليست مما هو مشترك، والمطلوب إنما هو القيم المشتركة فقط ـ زعموا ـ.

وعلى هذا فإن المنظومة التشريعية الإسلامية التي تنظم جميع شؤون الحياة، وتَفرَّد بها الإسلامُ الحنيفُ سيكون مصيرها هو الإلغاء جملة وتفصيلا.

فمن يا ترى الخاسر في هذه كله؟!!

إنهم المسلمون وحدهم؛ ولماذا؟

لأن النصرانية بطبيعة الحال تخلو من نظم تشريعية تُسيِّر حياة الناس، وأمّا اليهود فهم ـ في كل الأحوال ـ ليسوا بحريصين على أن يَدخُل أحدٌ في دينهم، أو يأخذَ بشريعتهم؛ حيث إنهم بلغوا من العنصرية درجةَ المرضِ الخبيثِ المتمكِّن من النفس، بحيث أصبحوا لا يرون أحدًا جديرًا باعتناق دينِهم، بل إنهم لا يرون أحدا من الخَلْق جديرًا بوصف الإنسانية سواهم ([34]).

5ـ أمّا الدين الإبراهيميّ العالمي الجديد ” المزعوم “، فهو يهدف بدون مواربة إلى إلغاء الأديانِ القائمة، وعلى رأسها الإسلام.

6ـ ولا شك أن الدعوة إلى الإبراهيمية لها ضرر كبير على فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الدعوة الإسلامية وأهلها، لا سيما المؤسسات والعلماء الذين يقومون بنشر الإسلام على حقيقته التي أنزله الله عز وجل بها، ويدعون إلى تطبيق شريعة الإسلام بشمولها، كما أمر الله تعالى، وإذا عُطِّلت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعُوِّقت مسيرة الدعوة إلى الإسلام؛ فشَت الجهالةُ، وضاعت معالم الدين، وعمّت المنكرات، والتبس الحق بالباطل، واختلط الحلال بالحرام.

وقد رأينا بعض الأنظمة التي تتبنى الإبراهيميةَ في المشرق الإسلاميّ تقوم باضطهاد المؤسسات والعلماء الذين يدعون إلى الإسلام، وتحكيمِ شريعتِه في المجتمعات الإسلامية، ويناهضون التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، ويقومون بكشف مخططاته، والتحذير منها.

إننا أمام توجُّهٍ خطير، لا يريد أصحابُه أن يَبقَى معه وجودٌ للإسلام الذي أوحاه الله ـ تعالى ـ إلى أنبيائه ورسله حتى خاتمِهم محمدٍ ـ عليهم جميعا الصلاة والسلام ـ.

7ـ وأما عن المخاطر السياسية للإبراهيمية؛ فإنها تنطوي على توجهات غايةٍ في الخطورة على أمتنا وقضايانا العادلة، وخاصة قضيةَ احتلالِ الصهاينةِ لبيت المقدس، وسعيِهم إلى ابتلاع الأرضِ المباركةِ وما حولها، في إطار مخطط “إسرائيل الكبرى”.

ومما يدعو للعجب أنّ أمريكا والغرب يرفعون رايةَ العلمانية، ويقفون بالمرصاد لأية دعوةٍ أو أنظمةٍ تدعو إلى إقامة الحياة على أساس الدين، أو إدخالِه في السياسة، وخاصة دينَ الإسلام؛ فلماذا يتداعون الآن للتمسح بالقيم الدينية، والتوسلِ بها إلى حل قضايا الصراع في العالم، ويسعون لاختلاق دينٍ جديد، ينتسب إلى أبي الأنبياء إبراهيمَ عليه الصلاة السلام؟!!

إنهم وجدوا أن الزجّ بالدين على نحوِ مَا يطرحون يمكن أن يكون عاملا قويًّا في التخديم على مشروعاتهم السياسيةِ الاستعماريةِ، وتحقيقِها، لا سيما مخطط تصفيةِ القضيةِ الفلسطينية، لصالح الكيانِ اليهوديّ الغاصِب، والذي بَدَت ملامحُه مِن خلال مخطط الرئيس الأمريكيّ السابق “ترامب”، الذي عُرِف بـ “صفقة القرن” ([35]).

وفي هذا المجال رأينا مصطلحات ومشروعات تُبْطِن مخططات ظالمةً مهلِكة، مثل: “السلام الإبراهيميّ”، “السلام الدينيّ العالميّ”، “مسار إبراهيم” ([36])،”الولايات المتحدة الإبراهيمية” ([37])، “القدس المدينة الإبراهيمية”، “الدبلوماسية الرُّوحية” … إلخ.

إن الإبراهيمية وما يتفرع منها، مِن شأنها أن تجعل وجودَ اليهود في منطقة المشرق الإسلاميّ أمرًا مقبولا، وتُخرجَ الصراعَ اليهوديَّ الإسلاميَّ من دائرة كونه احتلالا واغتصابا صهيونيًّا بالقوة لأرضٍ مسلمة، إلى كونه نزاعًا بين أبناء عائلة واحدة، هي العائلة الإبراهيمية، ومن ثَمّ تصرف المسلمين عن الجهاد المشروع، وتقضي على أي توجه لإعداد العدة اللازمة لاسترداد الأرض الإسلامية المباركة، واستنقاذِها من أيدي المحتلين الصهاينة، ويؤول الأمر إلى التفريط في المقدَّسات الإسلامية.

8 ـ ثم إن من أكبر مخاطر الإبراهيمية على المسلمين دينيًّا وسياسيًّا: القضاءَ على الرابطة الحقيقية التي تربط جميع المسلمين برباط واحد، هو رباط الإسلام، وأُخوّة الإيمان، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخُو المسلم»([38]).

ولا شك أن الإبراهيمية لن ينتج عنها إلا تقطيع أواصر العالم الإسلاميّ، وتوهين وتمزيق الإخاءِ الإسلاميِّ، الذي إن فقده المسلمون صاروا شيعا وأحزابا، وتفرقوا وضعفوا، وتلاشت قوتهم، وضاعت عزتهم، وطمع فيهم أعداؤهم، واستباحوا حرماتِهم واعتدوا عليهم، كما هو حاصلٌ اليوم ـ مع الأسف ـ في كثير من أصقاع الأرض.

إننا أمام صورة ماكرة من صور “القوة الناعمة”، التي تقوم على محاولة الوصول إلى تحقيق الأهداف عن طريق نشر الأفكار، وتهيئة البيئة فكريًّا ونفسيًّا، وإيجاد ثقافات وقناعات، تخدم مخططات أعداء أمتنا، لا سيما الصهاينة، وتحقق لهم الوصولَ إلى ما عجزوا عن نيله بالقوة الخشنة، معتمدين على الاستغلال السياسيّ للدين.

فهل يعي المروِّجون لهذه الإبراهيمية من المنتسبين للإسلام هذه المخاطرَ وغيرَها؟!

الإبراهيمية في ميزان الشرع

إن ما أشرنا إليه من مخاطر الإبراهيمية كافٍ لردِّها شرعًا وعقلا، ولكنا نضيف هنا ما يزيد الأمرَ وضوحًا، والحقَّ رسوخا، فيما يأتي:

1ـ إن الناظر في كتاب الله تعالى وسنةِ رسولِه e يَظهر له بجلاء أن “الإبراهيمية” وما نُسِج حولها من مصطلحات مضلِّلة؛ إنما هي بدعة منكرة، وضلال مبين.

إن الله تعالى لم يشرع دينا اسمه “الدين الإبراهيميّ” ـ أيًّا كانت صورته ـ؛ إنما شرع دينا واحدا لعباده جميعا، سماه “الإسلام”، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19).

أما أبو الأنبياء إبراهيمُ عليه السلام، فلم يكن له ولبنيه دينٌ سوى الإسلام.

قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة البقرة: 127 – 133).

وقال سبحانه: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (سورة البقرة: 135 – 138).

وقال عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67).

ولا يَقبَل اللهُ مِن أحدٍ دينًا غيرَ الإسلام الحنيف، كما قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 83 – 85).

فمن طلب دينا غير الإسلام فهو مردودٌ عليه، ومن ابتغى النجاة في غير الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو من الخاسرين الهالكين.

عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسمع بي أحدٌ من هذه الأمة؛ يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به، إلا كان من أصحاب النار» ([39]).

2ـ أما الدعوة إلى الوَحدة المزعومةِ بين الإسلام وغيرِه؛ فهي مِن أبطل الباطل، وأكبر الزيغ والبهتان.

أنّى يجتمع الرشد مع الغيّ، والحق مع الباطل، والكفر مع الإيمان؟!!

وإن تعجب فعَجَبٌ زعمُ دعاةِ الإبراهيميةِ أنّ مِن الأسس المشتركة بين اليهودية والنصرانية والإسلام: أنها أديان توحيدية !!

فأيّ توحيدٍ عند مَن أثبَت اللهُ عليهم الشركَ في قوله سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: 30، 31)؟!

وهل يستوي هذا مع توحيد الله، الذي هو أسمى عقائدِ الإسلامِ وأوضحُها وأَوكَدُها {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (سورة الإخلاص)؟

وكيف يجتمع دينُ التوحيدِ النقيّ الخالص مع الأديان المحرفة والمبدَّلة التي امتزجت بالشرك والوثنية؟!

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (النساء: 171).

«إن الفجوة واسعة بين تأليهِ الإنسانِ والشركِ بالله من جانب؛ وإخراجِ الإنسانِ كليةً مِن إطار الألوهية، وقصرِها على الله وحده، من جانب آخر» ([40]).

والمسلمُ لا يُدْعَى إلى معتقداتٍ باطلة، تخالف الدينَ الحنيفَ، أمّا غير المسلمين ـ وخاصة أهلَ الكتاب ـ فإنهم يُدعَوْن إلى الإيمان بالله الواحد الأحد.

قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64).

3ـ ثم إن الإبراهيمية تتضمن قيامَ الإخاء والموالاة ([41]) بين المسلمين، وأهل العقائد الباطلة والملل الكافرة، وهذا يناقض أصلَ الولاءِ الذي شرعه الله تعالى؛ فليس للمؤمن ولاءٌ إلا لله ورسولِه والمؤمنين.

قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 55 ـ 56).

وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (سورة التوبة: 71).

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء: ١٤٤).

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: 51).

4ـ والإبراهيمية تنفي وتعطل شريعةَ الإسلام التي أوحاها الله تعالى إلى خاتم الأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأمر سبحانه بتطبيقها، والتحاكم إليها، وذلك في آيات كثيرة، منها:

قوله سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية: 18)، وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 49، 50)، وقوله جل شأنُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء: 59 – 60).

5ـ ثم إن اختراعَ دينٍ واشتمالَه على طقوس أو تشريعات مخترَعة، مثل تلك الصلاة المشتركة بين أتباع الأديان وغيرِها؛ هو مما لا يجوز شرعا، بإجماع أهل العلم.

قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3).

وقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21).

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله e: «مَن أَحدَث في أَمْرنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدّ» ([42]).

6ـ ثم إن في الدعوة إلى الإبراهيمية اتهامًا للإسلام بالنقص، وعدم الوفاء بحاجات الناس، وهذا مردود، مخالف لما أخبر الله به من كمال الدين الذي بَعَث به محمدا صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3).

وقال عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).

وحيث تم الدين وكمُل؛ فقد خُتمَت الرسالات، وأغلق باب النبوات بمحمد عليه أكمل الصلوات والتسليمات.

قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب: 40).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «إنّ مَثَلي ومَثَل الأنبياءِ مِن قَبلي، كمَثل رجلٍ بَنَى بيتًا فأحسَنَه وأجمَلَه، إلا موضعَ لَبِنةٍ مِن زاوية، فجَعَل الناسُ يَطُوفون به، ويَعْجَبون له، ويقولون: هلّا وُضِعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبِنَة وأنا خاتَم النبيين» ([43]).

7ـ ويضاف إلى ما سبق: أن الإبراهيمية ما هي إلا مشروع ماكر، ووسيلة استغلها الغرب وأمريكا لخدمة أهدافهم، وتحقيق مصالحهم على حساب مصالحنا وحقوقنا المشروعة، ولضمان أمن وتفوق حلفائهم الصهاينة، وإسدال الستار على الاحتلال اليهوديّ لبيت المقدس، وإضاعة الحقِّ الإسلاميّ في فلسطين، وإتمام غرس وتثبيت الكيان الصهيونيّ الغاصب في المشرق الإسلاميّ، وتغليفِ هذا الوجودِ الشيطانيّ للمحتل بغلافٍ دينيّ، وفي هذا من الضرر الماحق ما لا يخفى.

وحق لنا بعد هذا أن نقول:

لقد بان لكل ذي عقل أن الإبراهيمية ـ في ميزان الشرع والعقل ـ دعوة خبيثة باطلة، يقف وراءها ويدعمها أعداء الإسلام ومن والاهم، بقصد الإضرار بالمسلمين في دينهم ودنياهم، وأنه لا يجوز لمسلم أن يَقبَل بها، أو يسيرَ في ركابها، أو يروِّج لها، بحال من الأحوال.

وصدق ربنا القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (آل عمران: 149، 150).

واجبنا لمواجهة الإبراهيمية

يجب علينا ـ نحن المسلمين ـ أن يكون لنا عمل جادٌّ، وتخطيط مدروس ومنظَّم، في مواجهة الإبراهيمية، وأن لا نَبقَى مكتوفي الأيدي، أو متواكلين في مجابهة هذا المشروع الأثيم.

وبداية أودّ الإشارةَ إلى بعض الأمور اللازمة لنجاح هذه المواجهة:

1ـ ينبغي أن يشترِكَ أولو العلم وقادةُ الرأي من المسلمين، ويتلاقوا لدراسة التصورات المناسبة لمواجهة الإبراهيمية، ووضعِ تصوراتٍ وخططٍ وبرامجَ عملٍ فعالةٍ في هذا الشأن، وتقديمِ المقترحات والواجبات العملية التي يمكن أن تقوم بها الأمة؛ أفرادًا وجماعات، مسؤلين وغير مسؤلين.

2ـ أنّ هذه المواجهةَ ينبغي أن تكون شاملة، يشارك فيها جميع الفئات، ومختلف المستويات، كالحكام والعلماء والكُتّاب والأسرة والأفراد، كلٌّ بقدر استطاعتِه.

3ـ أن يتم التخطيط للمواجهة على جبهتين؛ جبهة الداخل بكل فئات المجتمع المسلم، ثم جبهة الخارج، وكلتاهما تحتاج إلى الخطط والمناهج المناسبة.

4ـ أن تتسم المواجهة بطول النفَس، والاستمرارية، وتعتمدَ الخططَ المرحلية، وأن لا يكون هناك يأس؛ مهما جَمَع أهلُ الباطل لباطلهم من إمكانات وطاقات، ولْنتيقّن بأن الحق – لا شك – منتصر.{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17).

وأما ما يمكن أن نقوم به؛ فمن ذلك:

1ـ على الحكام المسلمين أن يقوموا بواجبهم في حماية الدين، ورعاية مصالح العباد والبلاد، وهذا الواجب يحتم عليهم أن يتصدوا للإبراهيمية، ويرفضوها؛ حفظًا للدِّين، وصونًا للحقوق، ورعايةً للمصالح، وأن يسترشدوا في هذا بالأكفاء المخلصين من أهل الاختصاص.

2ـ على العلماء والكُتّابِ والمفكرين أن يبينوا للناس حقيقة الإبراهيمية، وأخطارَها على الأمة، ويرُدّوا على شبهات دعاة الإبراهيمية في الداخل والخارج، ويعقدوا المؤتمرات، والحلقات النقاشيةَ، ويُصدروا الكتب والنشرات وغيرَها، ويقدِّموا النصح للأمة فيما ينبغي أن تفعله، وأن يكشفوا خبايا مشروع الإبراهيمية، ويفضحوا مَن يقف وراءه مِن أعداء الأمة وعملائهم من بني جِلدتنا.

ولا ننسى أن المعركة بالأساس إنما هي معركةٌ فكرية، وحربٌ ثقافية، فليجتهد أهلُ العلم والفكر ولينشطوا، فهذا ميدانُهم.

3ـ ينبغي الاهتمام بتحصين المسلمين إيمانيًّا وفكريًّا، وذلك:

ـ بتربية النشء، وبِنائه وإعداده، تربية إيمانية، وتعبديًّة، وأخلاقيًّة، وغرسِ المفاهيم والمعارفِ الإسلامية في عقولهم ووجدانهم منذ الصغر، ويضطلعُ بالعبء الأكبر في هذا الأمر: الأسرةُ المسلمةُ ومعها المدرسة، والمحاضن التربوية.

ـ توعيةُ كافةِ قطاعاتِ المجتمع، وتحذيرُهم من كلّ فكرٍ دخيلٍ ومبتدَع، مما يخالف شريعةَ الله عز وجل، وهذا واجب أهلِ العلمِ والفكرِ، والدعوةِ الإسلاميةِ والإعلام، في المقام الأول.

4ـ على الحكومات ـ خاصة ـ في البلدان الإسلامية العمل على صياغة مناهج التعليم والإعلام والفكر بما يبني الإيمان الصحيح في نفوس الأفراد والمجتمعات، ويحصنهم ضد موجات الغزو الثقافيّ، وأن تكون سدًّا منيعا في وجه الدعوات الباطلة.

5ـ دعوةُ المسلمين على الدوام وتذكيرُهم بضرورة التمسكِ بدينهم، والالتزامِ بهديه في سائر شؤونهم، وتنميةُ مشاعر الاعتزاز به في نفوسهم، وتنبيهُهم إلى جهود خصومِ الإسلام الراميةِ إلى صرفهم عن تطبيق شعائر الدين الحنيف وشرائعه.

6ـ التأكيدُ على رابطة الأخوة بين المسلمين في كل مكان، وضرورةِ إحيائها، والقيامِ بحقوقها، مثل الموالاة، والنصرة، والتكافل، والتواد، وغيرها، ونشر هذه المفاهيم والتذكير بها على الدوام، في مواجهة دعوات ما يسمى “الإخاء الإنسانيّ”، أو “الإخاء الدينيّ”، أو “الأخوة الإبراهيمية”، ونحو هذا من الدعوات المضلِّلة التي تصرف المسلمين عن أُخوّتهم الإيمانية ([44]).

7ـ التأكيد على إسلامية قضية فلسطين، وأنها لا تخص أهل بيت المقدس وحدهم، وليست قضية قومية تَعنِي بضعةَ مئاتِ الملايين من العرب؛ بل هي قضيةُ كلِّ مسلم على وجه الأرض، والمسلمون كافة مدعوون، بل ملزمون بنصرتها، والعملِ بكل ما يستطيعون على تحرير الأرض المباركة من الاحتلال الصهيونيّ.

وفي هذا الشأن ينبغي البرهنةُ والتأكيدُ على أن المسلمين هم أصحاب الحق في هذه القضية، والعملُ على كشف زيف الادعاءات الباطلة التي يروجها اليهود وعملاؤهم بأنهم أصحاب الحق في هذا الصراع، أو أن القدس مدينة إبراهيمية، كما يزعمون.

8ـ على العلماء بيانُ وتقديمُ التصورِ الصحيح للحوار والتفاهمِ بين المسلمين وغيرِهم، على نحوٍ يضمن الحقوقَ لأصحابها، والعيشَ المشترَكَ بسلام، وإثباتُ أن المنهج الإسلاميّ بما حواه من قِيم لهو جدير بإرساء قواعد العدل والحرية والتعاون بين بني الإنسان.

وبيانُ موقفِ الإسلام من الآخَر، وأنه ليس دينَ عدوانٍ على أحد، لمجرد أنه ليس مسلما، وأنّ غير المسلم في نظر الإسلام هو أحدُ اثنين: إمّا مسالمٌ موادِعٌ للمسلمين، فله المعاملة بالبر والقِسط، وإما مُعادٍ محارِبٌ لله ورسولِه، ومناوئٌ للمؤمنين، فلا يستحق سوى المعاداة، ودفْعِ عدوانِه إذا اعتدى، ولو كان أقربَ الأقربين.

هذه بعض المقترَحات بشأن مواجهة مشروع “الإبراهيمية”. ولا شك أن هناك الكثيرَ مما يمكن أن يُقدَّم في هذه المشكلة، والأمر ـ كما أشرتُ ـ يحتاج إلى تضافر الجهود، وربنا المستعان.

كلمة ختامية:

بعد أن ظهرت لنا حقيقة الإبراهيمية، وتَوَجُّهاتُها، وأخطارُها، أودّ التأكيد على أمرين:

1ـ مهما فعل الأعداء للقضاء على الإسلام فلن يستطيعوا؛ فإنّ دين الله باقٍ، ونورَه لن ينطفئ، ومَدَّه لن ينحسر، والواقع يؤكِّد هذه الحقيقةَ التي أخبر عنها ربُّ العالمين في قوله سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة: 32، 33). وليست خطة “الإبراهيمية” أولى محاولاتهم للقضاء على الإسلام، ولن تكون آخرَها، ونحن على يقين بأن دين الله لن يزولَ، حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

2ـ ومع تقرير الحقيقة السابقة؛ فإن حكمة الله اقتضت أن يُنصر الدينُ، ويُحفَظ الحقُّ بالأسباب لا بالمعجزات، ومن هنا فإننا مأمورون بالأخذ بالأسباب لمواجهة مخططات أعدائنا، ولْنعلم أن نصر الله لا يتنزل على الكسالى، وأنّ سنة التدافع تقتضي منا بذلَ الجهود لنصرةِ الدين، وصيانةِ الحقوق، متوكِّلين على الله تعالى، واثقين في معونة الله ونَصرِه لنا. {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:251).

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: 30).


المراجع

ـ الإبراهيمية اختراع صهيوني للسيطرة على الشرق الأوسط، (سابق)، منشور بموقع إضاءات، بتاريخ 6/9/2020. shorturl.at/jwJS9.

ـ الإبراهيمية اختراع صهيوني للسيطرة على الشرق الأوسط، مصطفى محمد علي، منشور بموقع إضاءات، بتاريخ 6/9/2020. shorturl.at/jwJS9.

ـ الإبراهيمية الجديدة .. وخدعة التسامح، د. نعيمة عبد الجواد، موقع ميدل إيست، بتاريخ  2020/10/15. shorturl.at/agryU.

ـ الإبراهيمية بين التعايش والسيطرة، هاني رمضان طالب، بحث منشور بموقع مركز دراسات الوحدة العربية، بتاريخ 20/2/2021، shorturl.at/joqyA.

ـ الإبراهيميون والعدم؛ السيرة الخفية للاستخلاف، دراسة للدكتور فتحي المسكيني، نقلا عن مراجع أجنبية، منشورة بتاريخ 3 يوليو 2018، موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. shorturl.at/sHMQ3.

ـ الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، ط الأولى 1417هـ.

ـ الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي: اتفاق إبراهيم أم استعمار إسرائيليّ؟ د. جوزيف مسعد، موقع نون بوست، بتاريخ 30/08/2020، shorturl.at/kBPW1 مترجم عن موقع ميديل إيست shorturl.at/biETV.

ـ الإخاء الديني ومجمع الأديان وموقف الإسلام، د. محمد البهيّ، مكتبة وهبة – القاهرة، ط الأولى 1401هـ 1981م.

ـ الإمارات والبحرين توقعان السلام مع إسرائيل في البيت الأبيض، موقع CNN العربي، بتاريخ 15 سبتمبر 2020، shorturl.at/dtvwL.

ـ بيت العائلة الإبراهيمية بأبوظبي .. مشروع يجمع بين مسجد وكنيسة وكنيس، موقع CNN العربي، بتاريخ 24 سبتمر 2019 shorturl.at/hiqCP.

ـ تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق سامي سلامة، دار طيبة، ط الثانية 1420هـ 1999م.

ـ 8 أسئلة تشرح لك ما هي «صفقة القرن»؟، تقرير منشور بموقع ساسة بوست، بتاريخ 5 فبراير 2019 shorturl.at/gEKT0.

ـ حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السُّنِّية، د. عمر كامل عمر، دار القمري، ط الثانية 1435هـ 2014م.

ـ الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه، أبو زيد بن محمد مكي، (1424هـ 2003م). منشور ضمن موسوعة البحوث والمقالات العلمية، جمع وإعدا علي بن نايف الشحود ـ بدون دار وتاريخ النشر).

ـ الدبلوماسية الروحية بوابة تصفية الصراع مع إسرائيل، سيد جبيل، تقرير عن كتاب: الدبلوماسية الروحية .. إشكاليات وسياسات مقترحة لصانع القرار، للدكتورة هبة جمال الدين، منشور في موقع “الوطن” الإلكتروني بتاريخ 13/3/2018. shorturl.at/mHU15.

ـ الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار، د. هبة جمال الدين، بحث منشور في مجلة مستقبل التربية العربية، العدد 116 يناير 2019.

ـ دعوة التقريب بين الأديان، د. أحمد عبد الرحمن القاضي، دار ابن الجوزي. القاهرة.

ـ السادات .. شميت، حوار الأزمات، كارل جوزيف كوشيل، ترجمه عن الألمانية د. محمود عبد الله النزلاوي، العربي للنشر والتوزيع – القاهرة 2020.

ـ صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي).

ـ  صحيح مسلم (المسنَد الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوريّ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

ـ صلاة أبناء إبراهيم في ختام اللقاء بين الأديان في أور. موقع Vatican News، 6 مارس 2021. shorturl.at/msAZ6.

ـ صلاة مشتركة لأبناء ابراهيم في مدينة أور بإشراف البابا فرنسيس وممثلين عن كل الأديان السماوية، موقع عراق 24، بتاريخ 6/3/2021. shorturl.at/iopPY.

ـ الفكرة الإبراهيمية”: من التطبيع إلى التهويد. راغدة عسيران. منشور بموقع صحيفة الاستقلال، بتاريخ 7/4/2021 https://www.alestqlal.com/post/37586.

ـ لماذا سمِّي اتفاقُ التطبيعِ بين الإماراتِ ودولةِ يهود بالاتفاق الإبراهيمي “أبراهام”، د. حسام الدين عفانة، منشور على “شبكة يسألونك الإسلامية”، بتاريخ 09/10/2020. shorturl.at/rwDGU.

ـ ما وراء “اتفاقية إبراهيم” .. أرقام ومواقف وبيانات، تقرير منشور بموقع RT Arabic‎ بتاريخ 14/8/2020‏ shorturl.at/ABKO5.

ـ مجلس الإفتاء الأعلى يحذر من خطورة الدعوة لما يسمى بالديانة الإبراهيمية، موقع وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، بتاريخ 27/1/2021 shorturl.at/dkBJS.

ـ مشروع “الولايات المتحدة الإبراهيمية”، أليف صباغ، منشور بموقع الميادين نت، بتاريخ 25 سبتمبر 2020 shorturl.at/zPVW8.

ـ مَن يدعم صفقةَ القرن ولماذا؟، تحليل منشور على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، كتبه: البروفسور تونجاي قارداش، والباحثة سيرا جان. بتاريخ 20 فبراير 2020 shorturl.at/rzCN3.

ـ الموسوعة المُيَسَّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصِرة، إشراف وتخطيط د. مانع الجهني، الندوة العالمية للشباب الإسلامي – الرياض، ط الرابعة 1420هـ.


([1]) نُشِر ما يتعلق بهذا الاتفاق وتفاصيله في جميع وكالات الأنباء ومختلف وسائل الإعلام في العالم، في تلك الفترة. ومنها ما نشره موقع CNN العربي، بعنوان (الإمارات والبحرين توقعان السلام مع إسرائيل في البيت الأبيض)، بتاريخ 15 سبتمبر 2020، shorturl.at/dtvwL.

([2]) ما وراء “اتفاقية إبراهيم” .. أرقام ومواقف وبيانات، تقرير منشور بموقع RT Arabic‎ بتاريخ 14/8/2020‏ shorturl.at/ABKO5. وقد نُشِر الخبر في وسائل الإعلام العالمية والمحلية.

وتجدر الإشارة إلى «أن مسألة تغيير رغبة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب في تسمية اتفاق التطبيع بين كل من إسرائيل من جهة والامارات والبحرين من جهة أخرى، من “اتفاق ترامب” إلى “اتفاق إبراهيم” ليست من قبيل المصادفة أو خوفًا من انتقادات الاعلام ـ حسب تعبيره ـ؛ بل إنها تمثل خطوة تم اتخاذها عن قصد، وبناءً على توجهات فكريةٍ وسياسيةٍ مقررةٍ منذ عقود، تعتمد بالأساس على توظيف الدينِ لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفي الصراع العربي – الإسرائيلي بوجه خاص». الإبراهيمية بين التعايش والسيطرة، هاني رمضان طالب، بحث منشور بموقع مركز دراسات الوحدة العربية، بتاريخ 20/2/2021، shorturl.at/joqyA.

([3]) الإبراهيميون والعدم؛ السيرة الخفية للاستخلاف، دراسة للدكتور فتحي المسكيني، نقلا عن مراجع أجنبية، منشورة بتاريخ 3 يوليو 2018، موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. shorturl.at/sHMQ3.

([4]) نُشر الخبر في وسائل الإعلام المتنوعة، والنقل هنا عن موقع CNN العربي، = = بعنوان: (بيت العائلة الإبراهيمية بأبوظبي .. مشروع يجمع بين مسجد وكنيسة وكنيس) بتاريخ 24 سبتمر 2019 shorturl.at/hiqCP.

وهذا المبنى [البيت الإبراهيمي] صممه المهندس المعماري البريطاني ديفيد أدجاي، الذي قال: إنه سيتم توجيهُ المسجدِ نحو الكعبةِ المشرفةِ في مكة المكرمة، وسيتجه مذبحُ الكنيسةِ شرقًا نحو الشمس، وسيواجِه المنبرُ اليهوديُّ والتوراةُ القدسَ، وسيكون مكاناً للتعليم والحوار والعبادة للجميع. يُنْظَر: لماذا سمِّي اتفاقُ التطبيعِ بين الإماراتِ ودولةِ يهود بالاتفاق الإبراهيمي “أبراهام”، د. حسام الدين عفانة، منشور على “شبكة يسألونك الإسلامية”، بتاريخ 09/10/2020. shorturl.at/rwDGU.

([5]) مجمع الأديان: مبنى يقام في (وادي الراحة) بسيناء للعبادات الثلاث. الإخاء الديني ومجمع الأديان وموقف الإسلام، د. محمد البهيّ، ص 3، مكتبة وهبة – القاهرة، ط الأولى 1401هـ 1981م.

([6]) السابق، ص 16، 17.

([7]) الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، بكر بن عبد الله أبو زيد، ص 24، دار العاصمة-الرياض، ط الأولى 1417هـ.

وأورد “أنه بتاريخ 10/ 10/ 1416: أَعلَن بعضُهم عن إصدار كتابٍ يَجمع بين دَفّتيه: القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل”. السابق ص 30، نقلا عن جريدة الرأي، العدد رقم 9316، ص 1 بتاريخ 13/ 10/ 1416.

([8]) صلاة مشتركة لأبناء ابراهيم في مدينة أور بإشراف البابا فرنسيس وممثلين عن كل الأديان السماوية، موقع عراق 24، بتاريخ 6/3/2021. shorturl.at/iopPY. وقد نُشِر الخبر في كافة وسائل الإعلام.

([9]) موقع Vatican News، 6 مارس 2021. shorturl.at/msAZ6.

([10]) الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، ص 24. وانظر: الموسوعة المُيَسَّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصِرة، إشراف وتخطيط د. مانع الجهني 2/1166: 1167، الندوة العالمية للشباب الإسلامي – الرياض، ط الرابعة 1420هـ.

([11]) الدبلوماسية الروحية بوابة تصفية الصراع مع إسرائيل، سيد جبيل، تقرير عن كتاب: الدبلوماسية الروحية .. إشكاليات وسياسات مقترحة لصانع القرار، للدكتورة هبة جمال الدين، منشور في موقع “الوطن” الإلكتروني بتاريخ 13/3/2018. shorturl.at/mHU15.

([12]) الإبراهيمية اختراع صهيوني للسيطرة على الشرق الأوسط، مصطفى محمد علي، منشور بموقع إضاءات، بتاريخ 6/9/2020. shorturl.at/jwJS9.

([13]) تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير 1/245، تحقيق سامي سلامة، دار طيبة، ط الثانية 1420هـ 1999م.

([14]) إخوان الصفا: جماعة سرية باطنية، مَزَجت الفلسفةَ اليونانيةَ والعقيدةَ الباطنيةَ بالعقيدة الإسلامية، وبالتالي فهي أُولى ثمارِ الحركةِ الباطنيةِ التي استَغلت التشيعَ والتصوفَ الفلسفيَّ ستارًا لنشر رسائلِهم وأفكارِهم، وكان أول ظهورها في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجريّ، وقد ألفوا ما يقارب الخمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علميًّا وعمليًّا، وأفردوا لها فهرسا، وسموها “رسائل إخوان الصفا”، وتعتبر برنامجَ العملِ السريِّ الذي يستهدف القضاءَ على الإسلام ودولتِه؛ لتأسيس دولتهم التي تضم شتى العقائدِ الوثنيةِ والمجوسيةِ والإباحية.

قالوا بوحدة الوجود، وقالوا: إن الإمام إلهيّ الذات وإنه معصوم، ودعوا إلى وحدة الأديان، وإلغاء التعصب للدين، على أنه لا حاجة للخاصة للشرائع، وإلى التحلل من الفرائض إلا في حق العامة، وقالوا إن العلم له ظاهر وباطن، إلى غير ذلك مما يدل على انحرافهم. الموسوعة المُيَسَّرة في الأديان والمذاهب 2/950: 951.

([15]) الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه، أبو زيد بن محمد مكي، ص 5، (1424هـ 2003م) وفيه مراجعه. منشور ضمن موسوعة البحوث والمقالات العلمية، جمع  = = وإعدا علي بن نايف الشحود ـ بدون دار وتاريخ النشر).

([16]) الموسوعة المُيَسَّرة في الأديان والمذاهب 2/1166.

([17]) ليس في الإسلام نقص يحتاج إلى استكمال من أي دين أو مذهب، وصدق الله القائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3).

([18]) حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السُّنِّية، د. عمر كامل عمر، ص 31: 32 باختصار، نقلا عن خاطرات الأفغاني، ص 76. دار القمري، ط الثانية 1435هـ 2014م.

([19]) السابق، ص 33 باختصار، نقلا عن دعوة التقريب بين الأديان، د. أحمد القاضي 2/839 وما بعدها.

يقول جارودي : إن الفكرة الأولى لعلاقات المسلمين مع بقية الطوائف الدينية في فكر ورأي النبي صلى الله عليه وسلم كانت إقامة ما نسميه اليوم (وحدة فيدرالية) للطوائف الدينية، لكنْ حصل أن هذا الأمرَ لم يتحقق أبداً في التاريخ، لا في المسيحية ولا في اليهودية أو في الإسلام، لكن أعتقد أن هذه المعادلةَ قابلةٌ للعيش والاستمرار، أي: أن تصل بنا إلى روابط الجماعة، وروابط الأرض، وروابط السوق المشترك، وحتى روابط الماضي والثقافة، وإقامة كل شيء على أساس المستقبل، أي: على الإيمان المشترك بمعناه الأرحب والأوسع، وحتى الملحدين ممكن أن يكون لديهم إيمان بالإنسان، وبإمكانهم إقامة طائفة دينية بالمعنى الذي قلناه فيما سبق لتعميق هذا الاحترام الأساسيّ للإنسان. دعوة التقريب بين الأديان، د. أحمد عبد الرحمن القاضي 2/857: 858، نقلا عن مقابلة لجارودي مع مجلة الموقف عام 1984، دار ابن الجوزي.

وعندما سئل عن دينه قال: على دين إبراهيم، ولمَّا لم يكن إبراهيم يهوديًّا ولا مسيحيًّا، ولا بوذيًّا ولا مسلمًا بالمعنى التاريخيّ للكلمة؛ فأنا كذلك: مسلم بالمعنى العام وليس الخاص لهذه الكلمة، وكوني أصبحت مسلمًا، فهذا لا يعني أني تخليت عن اعتقاداتي الدينية والفلسفية السابقة، والإسلام بهذا المعنى يجمع بين أتباع كلِّ الرسلِ منذ عهْد = = إبراهيم، أي الذين نادوا لدين التوحيد.

لذلك فأنا عندما أنشأتُ متحفَ قرطبة للحضارة الإسلامية قبلَ ستِّ سنوات في أسبانيا، قمتُ في هذه المناسبة بعقد مؤتمر (دينيٍّ إبراهيميٍّ)، أَسندتُ رئاستَه بالتساوي إلى ثلاث شخصياتٍ إسلاميةٍ ومسيحيةٍ ويهودية. الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه، أبو زيد بن محمد مكي، ص 5، نقلا عن مجلة المجلة، عدد (839)، شوال 1416هـ. ويراجع: “إسلام جارودي”، أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، مقال بمجلة الفيصل، عدد 252، ص 61.

([20]) الإبراهيمية اختراع صهيوني للسيطرة على الشرق الأوسط، (سابق)، منشور بموقع إضاءات، بتاريخ 6/9/2020. shorturl.at/jwJS9.

([21]) الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار، د. هبة جمال الدين، بحث منشور في مجلة مستقبل التربية العربية، المجلد السادس والعشرون، ص 47، العدد 116 يناير 2019.

([22]) الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي: اتفاق إبراهيم أم استعمار إسرائيليّ؟ د. جوزيف مسعد، أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار بجامعة كولومبيا في نيويورك، موقع نون بوست، بتاريخ 30/08/2020، shorturl.at/kBPW1 مترجم عن موقع ميديل إيست shorturl.at/biETV.

([23]) المرجع السابق.

([24]) يراجع كتاب: السادات .. شميت، حوار الأزمات، لكاتبه: كارل جوزيف كوشيل، ترجمه عن الألمانية د. محمود عبد الله النزلاوي، ص 142 وما بعدها، وانظر مقدمتي المؤلف والمترجم؛ ففيه تفصيلات عن هذا الأمر. العربي للنشر والتوزيع – القاهرة 2020.

([25]) مسار من مسارات التفاوض، أو الدبلوماسية غير الرسمية التي «تتم بين الفاعلين غير الحكوميين والمهنيين، لحل الصراع وحفظ السلام، فهو ساحة للتفاوض تتكون من مجموعة من المهنيين، من قِبَل المنظمات غير الحكومية، كمحاولة لتحليل ومنع وحل وإدارة الصراعات الدولية، بواسطة الفاعلين من غير الدول». الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار، د. هبة جمال الدين، مجلة مستقبل التربية العربية، ج 6 ص 33.

([26]) المرجع السابق، ج6 ص 38.

([27]) ينظر تفصيل هذا في الدبلوماسية الروحية (المرجع سابق)، ج 6 ص 42 وما بعدها.

([28]) الدبلوماسية الروحية بوابة تصفية الصراع مع إسرائيل، سيد جبيل، تقرير عن كتاب: الدبلوماسية الروحية .. إشكاليات وسياسات مقترحة لصانع القرار، للدكتورة هبة جمال الدين، منشور في موقع “الوطن” الإلكتروني يوم 13 مارس 2018. shorturl.at/mHU15.

([29]) الموسوعة المُيَسَّرة في الأديان والمذاهب 2/1166 باختصار.

([30]) الإبراهيمية الجديدة .. وخدعة التسامح، د. نعيمة عبد الجواد، موقع ميدل إيست، بتاريخ  2020/10/15. shorturl.at/agryU.

([31]) بل ذهب بعض الكُتّاب إلى القول بأن «دولة الإمارات فيما يبدو أنها تُشكّل رأسَ حربةٍ في مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الأجَدّ، الذي تَختفي فيه معالمُ العروبةِ والإسلامِ لصالح الرؤية التواراتية الصهيونية، وما (البيت الإبراهيميّ) هناك إلاّ إحدى المؤسسات المناط بها العملُ لتمكين مشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة». انظر: “الترويج للديانة “الإبراهيمية” في زمن التطبيع .. ما وراءه؟ بسام ناصر، والكلام للكاتب اليمنيّ “عبد الله القيسي”، موقع عربي 21، بتاريخ19 /9/2020 shorturl.at/xJTWX.

([32]) الإبراهيمية بين التعايش والسيطرة، هاني رمضان طالب (مرجع سابق).

([33]) لمن أراد الوقوف على أدلة إثباتِ تحريفِ مصادرِ أهلِ الكتابِ بالتفصيل؛ يقرأ كتاب: إظهار الحق، للعلامة محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الهنديّ (ت 1308هـ)، تحقيق د. محمد أحمد ملكاوي، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية – السعودية، ط الأولى 1410هـ 1989م.

([34]) للوقوف على نظرة اليهود إلى غيرهم من البشر؛ يراجع كتاب: الجذور الفكرية لانحراف الشخصية اليهودية، للمؤلف، ص 85 وما بعدها، دار الكلمة – مصر، ط الثانية 1431هـ 2010م.

([35]) انظر: 8 أسئلة تشرح لك ما هي «صفقة القرن»؟، تقرير موثَّق منشور بموقع ساسة بوست، بتاريخ 5 فبراير 2019 shorturl.at/gEKT0. وانظر: مَن يدعم صفقةَ القرن ولماذا؟، تحليل منشور على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، كتبه: البروفسور تونجاي قارداش، والباحثة سيرا جان. بتاريخ 20 فبراير 2020 shorturl.at/rzCN3.

([36]) مسار جغرافي وسياحي، يمر بعشر دول إسلامية وعربية، يزعم واضعوه أنه يقتفي أثرَ رحلةِ الخليلِ إبراهيمَ عليه السلام، ويَسير عليه أتباع الديانات الثلاث للتقارب، كرمز للتسامح الدينيّ وقبول الآخر، وضعتْه جامعةُ هارفرد الأميركيةُ بدعوى إحياء التاريخ المشترك، وبناءِ الثقافة التاريخية المشتركة لأتباع الأديان الإبراهيمية. انظر: الفكرة الإبراهيمية”: من التطبيع إلى التهويد. راغدة عسيران. (باختصار وتصرف)، منشور بموقع صحيفة الاستقلال، بتاريخ 7/4/2021 https://www.alestqlal.com/post/37586.

وقد أصدر مجلس الإفتاء الأعلى الفلسطينيُّ بيانًا، أشار فيه إلى وثيقةٍ صدرت باسم “مسار إبراهيم”، وذكر أنها تهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة إسرائيل الكبرى، وهي تنص صراحة على أن أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكًا لقاطنيها، وإنما هي خاصة بأصحاب الحق الأصليّ، الذين يزعمون أنهم الأبناء الحقيقيون لإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيح لهم الدين المنسوب إليه زورًا وبهتانًا فرصةَ الاندماج في المنطقة، والمطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المدّعاة في أي مكان وطئته أقدامهم، حسب التصور التوراتي. انظر: مجلس الإفتاء الأعلى يحذر من خطورة الدعوة لما يسمى بالديانة الإبراهيمية، موقع وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، بتاريخ 27/1/2021 shorturl.at/dkBJS.

([37]) دولة فدرالية موعودة أنتجتها مكاتب وزارة الخارجية الأميركية تشمل مجمل الدول العربية وتتعدى الحدود “من النيل إلى الفرات” وغايتها تحقيق الهيمنة الصهيونية من بوابة “الدبلوماسية الروحية”. انظر: أبعد من اتفاقيات التطبيع .. مشروع “الولايات المتحدة الإبراهيمية”، أليف صباغ، منشور بموقع الميادين نت، بتاريخ 25 سبتمبر 2020 shorturl.at/zPVW8.

[38])) الحديث عن أبي هريرة، رواه مسلم في ك: البر والصلة، ب: تحريم ظلم المسلم 4/1986، رقم 2564.

[39])) رواه مسلم في ك: الإيمان، ب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونَسْخِ المللِ بملته 1/134 رقم 153.

[40])) الإخاءالديني ومجمع الأديان، د. محمد البهي، ص 5.

[41])) مِن معاني الموالاة: الحبُّ، والمودة، والنصرة.

[42])) رواه البخاري في ك:  الصلح، ب: إذا اصطلحوا على صُلحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردود 3/184 رقم 2697، ومسلم في ك: الأقضية، ب: نقض الأحكام الباطلة، ورَدِّ مُحْدَثات الأمور 3/1343 رقم 1718.

[43])) رواه البخاري في ك: المناقب، ب: خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، 4/186 رقم 3535، ومسلم في ك: الفضائل، ب: ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين4/1791 رقم 2286.

[44])) للمؤلف كتاب منشور بعنوان: الأخوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة عصرية، دار الكلمة – مصر، ط الثانية 1433هـ 2012م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق