الاثنين، 26 مارس 2012

موقف علماء الجزائر من الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية

موقف علماء الجزائر من الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية
--------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

« موقف علماء الجزائر من الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية »

( راجعه وصححه فضيلة الشيخ البحاثة سليمان بن صالح الخراشي - حفظه الله - )

توطئة

هذه كلمات جليلة ، وعبارات نبيلة لعلماء أجلاء من القطر الجزائري ، موضوعها الثناء على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، ومقصودها الذب عن دعوته الإصلاحية السلفية ، نفضتُ عنها غبار النسيان والإهمال ، حتى تكون شهباً وصواعق على أهل الشرك والضلال .

والسبب الذي دفعني وحفزني إلى ذلك هو إبراز موقف علماء الجزائر - ممن لهم مكانة عند القاصي والداني - من دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب الإصلاحية النجدية ، وفي هذا رد على من طعن ويطعن في الدعوة السلفية بالجزائر وينبزها بـ " الوهابية " ، و" الوهابية " بزعمهم ضلال مبين ، ومروق عن الدين ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

بل وصل الحال بأحدهم أن سطر في إحدى الصحف بالبنط العريض ، قوله البغيض : ( الوهابية أخطر من الشيعة ) ؛ ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .

وقبل الشروع في المقصود ألفت نظرك - أيها القاريء الكريم - إلى أمرين مهمين :

الأول : حرص علماء أهل السنة - وإن نأت بهم الديار - على معرفة حقيقة " الدعوة الوهابية " من خلال كتب علمائها ، أو من خلال ما كتب عنها من الثقات - على قلة ما وصلهم منها - ، مع تجنب الاعتماد على كتب خصومها عنها - على كثرتها - ، وقد وفِّقوا في هذا الأمر إلى حد بعيد ، ولله الحمد .

وقارن بين تحري هؤلاء العلماء للحق - في زمن قلَّت فيه وسائل البحث والتحقيق - ، وبين صنيع عدد من الدكاترة والباحثين - الجزائريين - ممن كتبوا عن الشيخ ابن عبد الوهاب ودعوته الإصلاحية ، وجل اعتمادهم - إن لم يكن كله - على ما كتبه الخصوم عنهم ، ( وأنى تعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك ، أم كيف يؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم ؟ ) كما قال ابن باديس - رحمه الله - .
الثاني : تضمن الكلمات والعبارات التي ستقر بها عينك - بعد قليل - على رد ونقض أغلب الشبه والتهم المثارة على الدعوة الوهابية ، وفيها - أيضا - رد ونقض للافتراءات التي رميت بها جمعية العلماء لمَّا قامت بدعوة المسلمين في الجزائر إلى التوحيد والاتباع ، ونبذ الشرك والابتداع .
فتهمة الوهابية هي التهمة الجاهزة التي يرمي بها دعاةُ الشرك والضلالة دعاةَ التوحيد والرسالة في كل زمان ومكان ، فما دام المصلحون ينكرون الشرك والبدع فهم وهابيون شاءوا أم أبوا ، وهذه التهمة - بزعمهم - هي الجرح الذي لا برأ منه ، والله المستعان .
بل وصل الأمر بعلماء السوء إلى تحريض إدارة الاحتلال الفرنسي على علماء الدعوة السلفية ، فكان أن أصدر الكاتب العام للشؤون الأهلية والشرطة العامة " ميشال " قراره المشهور بتاريخ ( 16 فبراير 1933 م ) ، جاء فيه ما نصه :
( أُنهي إليَّ من مصادر متعددة أن الأهالي دخلت عليهم الحيرة والتشويش بسبب دعاية تنشر في أوساطهم يقوم بها إما دعاة استمدوا فكرتهم من الحركة الوهابية السائدة بمكة ، وإما حجاج جزائريون تمكنت فيهم عاطفة التعصب الإسلامي ... وإما جمعيات كجمعية العلماء المؤسسة بالجزائر بقصد افتتاح مدارس عربية حرة لتعليم القرآن والعربية ...
إن المقصد العام من هذه الدعاية هو نشر التعاليم والأصول الوهابية بين الأوساط الجزائرية بدعوى الرجوع بهم إلى أصول الدين الصحيح وتطهير الإسلام من الخرافات القديمة التي يستغلها أصحاب الطرق وأتباعهم ، ولكن لا يبعد أن يكون في نفس الأمر وراء هذه الدعاية مقصد سياسي يرمي إلى المس بالنفوذ الفرنسوي .
لا يخفى أن أكثر رؤساء الزوايا وكثيرا من المرابطين المعظَّمين في نفوس الأهالي اطمأنت قلوبهم للسيادة الفرنسوية ، وبمقتضاه صاروا يطلبون الاعتماد على حكومتنا لمقاومة الأخطار التي أمست تهددهم من جراء تلك الجمعية التي لا يزال أنصارها يتكاثرون يوما فيوما بفضل دعاية متواصلة الجهود ، ماهرة الأساليب ، وعلى الأخص فيما بين الناشئة المتعلمة بالمدارس القرآنية ) .
إلى أن قال : ( وعليه فإني أعهد إليكم أن تراقبوا بكامل الاهتمام ما يروج في الاجتماعات والمسامرات الواقعة باسم الجمعية التي يترأسها السيد ابن باديس ، ولسانها الرسمي في الجزائر [ العاصمة ] الشيخ الطيب العقبي ، كما يجب أن تشمل مراقبتكم المكاتب القرآنية المقصود استبدال الطلبة القائمين بها بطلبة اعتنقوا الفكرة الوهابية ) (1) .
والحقيقة التي يتعامى عنها المبتدعون أن ( الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية - وهي الرجوع إليهما - واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، وإن تباعدت الأعصار والأمصار ) كما قال ابن باديس - رحمه الله - .
وبعد ، فقد غصتُ بطون الكتب والمجلات والجرائد ، وجمعتُ كل ما وقفتُ عليه ونسقته في صعيد واحد ، مع اقتصاري - في الغالب - على محل الشاهد ، ورتبت الأقوال على حسب وفيات أصحابها - لا على حسب العلم والشهرة - ، وآثرت عدم التعليق عليها - إلا في القليل الذي لا بد منه - حتى لا يمتد بي الحبل ويتسع المجال ، فليس المقصود - هنا - دراسة مدى تأثر الدعوة السلفية الإصلاحية في الجزائر بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، وأكتفي الآن بالإحالة إلى البحوث والدراسات التي سبقت في هذا الصدد ؛ منها رسالة الدكتور عبد الحليم عويس : " أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي بالجزائر " (1) ، وكتاب الدكتور تركي رابح : " الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عبد الوهاب في طريق الإصلاح والسلفية - دراسة مقارنة - " (2) ، ورسالة الشيخ الباحث محمد حاج عيسى الجزائري : " أصول الدعوة السلفية من كلام ابن عبد الوهاب وابن باديس " (3) .

====

1) جريدة " البصائر " ( العدد 31 ، 19 جمادى الأولى 135 هـ / 7 أوت 1936 م ، ص 4 ) .

(2) وهي مطبوعة متداولة .

(3) عده ضمن ما طُبع له في كتابه " الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر " ( ص 542 ط الخامسة ) ، ولم أقف عليه .

(4) أشار إليها في رسالته " عقيدة العلامة عبد الحميد بن باديس السلفية وبيان موقفه من الأشعرية " ( ص 27 ) ، ولم أقف عليها أيضا .

===========
وأبدأ الآن فيما سعيتُ إليه وقصدته ، سائلاً الله التوفيق والسداد فيما أردته :

الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله -
( ت 1359 هـ - 1940 م )

1 - كتب الشيخ عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله - سلسلة مقالات بعنوان ( من هم الوهابيون ؟ ما هي حكومتهم ؟ ما هي غايتهم السياسية ؟ ما هو مذهبهم ؟ ) (1) ، قال فيها - كما في " آثاره " ( 5 / 23 – 24 ) - :

( وصار من يُريد معرفتهم لا يجد لها موردا إلا كتب خصومهم الذين ما كتب أكثرهم إلا تحت تأثير السياسة التركية التي كانت تخشى من نجاح الوهابيين نهضة العرب كافة .
وأقلهم من كتب عن حسن قصد من غير استقلال في الفهم ولا تثبت في النقل فلم تسلم كتابته في الغالب من الخطأ والتحريف.
وأنَّى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك ، أم كيف تُؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم ، ولا سيما إذا كانوا مثل الصِنفين المذكورين ) .
وقال ( 5 / 32 - 33 ) : ( قام الشيخ محمد[ بن ] عبد الوهاب بدعوة دينية ، فتبعه عليها قوم فلقبوا بـ : " الوهابيين " . لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه ؛ فإن أتباع النجديين كانوا قلبه ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ؛ يدرسون الفقه في كتب الحنابلة ، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد ؛ فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين ؛ أهل إثبات وتنزيه ، يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار ، ويصدقون بالرؤية ، ويثبتون الشفاعة ، ويرضون عن جميع السلف ، ولا يكفرون بالكبيرة ، ويثبتون الكرامة .
وإنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع ، في الأقوال والأعمال والعقائد ، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير ، وزيغهم المبين .

لم تكن هاته الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة السبل ، فإن البدع والخرافات باضت وفرخت في العقول ، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقب الأجيال في العصور الطوال ؛ يشب عليها الصغير ، ويشيب عليها الكبير ، أقام لها إبليس من جنده من الجن والإنس أعوانا وأنصارا ، وحراسا كبارا من زنادقة منافقين ، ومعمَّمين جامدين محرفين ، ومتصوفة جاهلين ، وخطباء وضَّاعين .
فما كانت - وهذا الرسوخ رسوخها ، وهذه المنعة منعتها - لتقوى على فعلها طائفة واحدة كـ " الوهابيين " في مدة قليلة ، ولو أعدَّت ما شاءت من العدة ، وارتكبت ما استطاعت من الشدة ) ، إلى أن قال : ( إن الغاية التي رمى إليها ابن عبد الوهاب ، وسعى إليها أتباعه ، هي التي لا زال يسعى إليها الأئمة المجددون ، والعلماء المصلحون في جميع الأزمان ) .
ثم قال ( ص 34 ) : ( بان بهذا أن الوهابيين ليسوا بمبتدعين لا في الفقه ولا في العقائد ، ولا فيما دعوا إليه من الإصلاح ، وإنما تنكر عليهم الشدة والتسرع في نشر الدعوة وما فعله جهالهم ) .
2 – وقال ابن باديس وهو يرد على بعض خصوم الدعوة الإصلاحية بالجزائر في ( العدد 3 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 5 جمادى الثانية 1352 هـ / 5 سبتمبر 1933 م ، ص 4 ) : ( ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهابي ، أفتعد الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وطرح البدع والضلالات واجتناب المرديات والمهلكات ؛ نشرا للوهابية ؟!! ، أم نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ؛ نشرا للوهابية ؟ !! ، إذاً فالعالم المتمدن كله وهابي! فأئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام وقام عليه نظام التمدن في الأمم إن سمانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون ، فنحن - إن شاء الله - فوق ما يظنون ، والله وراء ما يكيد الظالمون .
ثم يقول : " إننا مالكيون " ومن ينازع في هذا ؟ !! وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذاً لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك - رحمه الله - كثيرا ما ينشد : وخير أمور الدين ما كان سنة * وشر الأمور المحدثات البدائع ) (2) .
3 – ونشر الشيخ ابن باديس في ( العدد 164 ) من جريدة " الشهاب " ( 6 ربيع الثاني 1347 هـ / 20 سبتمبر 1928 م ) – نقلا عن مجلة " المنار " – رسالة الشيخ العلامة عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الشيخ العلامة عبد الله الصنعاني – رحم الله الجميع - ، وقدم لها بكلام رائق جاء فيه ( ص 2- 3 ) : ( لم يزل في هذه الأمة في جميع أعصارها وأمصارها من يجاهد في سبيل إحياء السنة وإماتة البدعة بكل ما أوتي من قدرة . ولما كانت كل بدعة ضلالة محدثة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان هؤلاء المجاهدون كلهم ( يدعون الناس إلى الرجوع في دينهم إلى الكتاب والسنة وإلى ما كان عليه أهل القرون الثلاثة خير هذه الأمة الذين هم أفقه الناس فيها ، وأشدهم تمسكا بهما ) ، هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة منذ نشأتها (3) ، ويجاهد فيه المصلحون من أنصارها ... وهي ما كان يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، وهي ما كان يدعو إليه جميع المصلحين في العالم الإسلامي ... الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية – وهي الرجوع إليهما – واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، وإن تباعدت الأعصار والأمصار ، هذه الحقيقة يتعامى عليها المبتدعون ذوو الأغراض عنها ، فيصورون من خيالاتهم أشباحا وهمية للدعوة الإصلاحية الدينية المحضة التي نقوم بها ، فيقولون عنها ( عبدوية ) ويقولون عنها ( وهابية ) ويقولون ويقولون .. وهم في الجميع متقولون .
يتقول المتقولون على هذه الدعوة على ظهور حقيقتها ووضوح طريقتها ويخصصون أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب بالقسط الكبير ، وقد وقفنا في رصيفتنا مجلة " المنار " الغراء على كتاب للشيخ [ عبد الله ] ابن عبد الوهاب فيه بيان ما كان يدعو إليه من توحيد واتباع ، وهو قاطع بكل خصم يقول عنه بجهل أو افتراء ، نقلناه عنها ونشرناه فيما يلي ) (4) .
4- وقال في مقال نشره في ( العدد 3 ) من جريدة " السنة النبوية " ( 29 ذي الحجة 1351 هـ / 4 أبريل 1933 م ، ص 1 ) : ( وأصبحت الجماعة الداعية إلى الله يدعون من الداعين إلى أنفسهم " الوهابيين " ، ولا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ، ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل ، ووالله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم ، وإنما هي أفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون ، ويحاولون من إطفاء من نور الله ما لا يستطيعون وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا " وهابيين " كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا " عبداويين " ، ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين ) (5) .
وهذا القول من الشيخ يلتقي مع قوله الآخر - الذي أوردته قبل قليل - : ( الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية - وهي الرجوع إليها - واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، إن تباعدت الأعصار والأمصار ) ، فتنبه - بارك الله فيك - .
وانظر إلى ما قاله الشيخ أحمد بن الصديق الغماري - الصوفي الخرافي الشهير - في كتابه " الجواب المفيد " ( ص 66 ) : ( والبشير الإبراهيمي وعبد الحميد من بابة ابن العربي العلوي في نشر معالم الوهابية ، ومحاربة الحق والفضيلة باسم الدين والسنة ، ومن بغض عبد الحميد بن باديس وتمسكه بعداوة أهل البيت طبعه لذلك الكتاب الخبيث كمصنفه " العواصم والقواصم " لابن العربي المعافري الناصبي الخبيث ، ولا أعرف واحدا من الرجلين إلا أني لما ذهبت إلى قسنطينة وقعت إلي مكتبته [ أي ابن باديس ] ، فاشتريت منها الكثير ، وعرفت أنه كان يقتني كتبا علمية جيدة ) (6) .
5 - وقال ابن باديس في ( العدد 5 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 26 جمادى الثانية 1352 هـ / 16 أكتوبر 1933 م ، ص 5 - 6 ) : ( وقد رمي الشيخ ابن عبد الوهاب - مما رمي به في حياته - بأنه يكفر من يتوسل لله بالصالحين من عباده ، وقد نفى هو هذا عن نفسه ونفاه الكاتبون عنه من بعده .
وها نحن ننقل للقراء من كتاب " صيانة الإنسان من وسوسة دحلان " للعلامة الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي ما يبين لهم ذلك ويحققه ...) ، ثم ساق أقوال أهل العلم في رد تلك التهمة ، من ذلك قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسالة التي كتبها لأهل مكة بعد مناظرتهم : ( إذا عرف هذا ؛ فالذي نعتقده وندين الله به أن من دعا نبيا أو وليا أو غيرهما ، وسال منهم قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، أن هذا أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين حيث اتخذوا أولياء وشفعاء يستجلبون بهم المنافع ، ويستدفعون بهم المضار بزعمهم ، قال الله - تعالى - : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، فمن جعل الأنبياء أو غيرهم - كابن عباس أو المحجوب أو أبي طالب – وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم وسألهم جلب المنافع ، بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسالون الله ؛ كما أن الوسائط عند الملوك يسالون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس سألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك ، أو لكونهم أقرب إلى الملك ، فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ) .
وقول الشيخ - أيضا - في الرسالة التي كتبها إلى عبد الله بن سحيم : ( إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها ما هو البهتان الظاهر وهي قوله إني مبطل كتب المذاهب ، وقوله إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء ، وقوله إني ادعي الاجتهاد وقوله إني خارج عن التقليد وقوله إني أقول إن اختلاف العلماء نقمة ، وقوله إني اكفر من يتوسل بالصالحين – إلى أن قال : - فهذه اثنا عشر مسألة جوابي فيها أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ) .
هذا وقد كُتب في مجلة " الشهاب" ( ج 2 ، م 10 ، شوال 1352هـ / يناير 1934 م ، ص 85 - 86 ) تعريف وإشادة بكتاب " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان " للعلامة الفقيه الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي ، جاء فيه وصفه بأنه من الكتب العلمية الجليلة التي ينبغي جهلها ، وهو في الرد على أحمد زيني دحلان ورسالته " الدرر السنية في الرد على الوهابية " ؛ ودحلان - هذا - هو أحد رؤوس الضلال الذين أعادوا لوثنية القبور ماضي شبابها بما ألفوه وكتبوه من الوساوس والضلالات - كما كتبت المجلة - .
ولا يكاد عجبي ينقضي من إحدى دور النشر عندنا حين قامت - من قريب - بطبع كتاب ذلك القبوري دحلان ، والله المستعان .
6 - وللشيخ ابن باديس - رحمه الله - كلمات كثيرة في الثناء على الملك السلفي عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - ودولته الإسلامية ، من ذلك قوله - خلال ترجمته للشيخ رشيد رضا - في مجلة " الشهاب " ( ج 9 ، م 11 ، رمضان 1354 هـ / ديسمبر 1935 م ، ص 510 ) : ( فوجد فيها [ أي الدولة السعودية ] السيد رشيد ضالته من دولة إسلامية تنفذ الشرع الإسلامي وتقف عند حدوده وتحيي سنته وتقاوم كل ما الصق به من بدع وضلالات وتنتمي إلى أحد المذاهب الأربعة الكبرى ، فشمر عن ساق الجد لمؤازرتها وتأييدها وإرشادها ، ووجد من ملكها عبد العزيز آل سعود الرجل المسلم الذي يعمل للدين وينتصح لكل ناصح فيه ) (7) .
7- ونقل - عن جريدة " الشورى " - مقالا لأحد الصحفيين الذين أسلموا في الحجاز بعنوان " ملك العرب " ونشره في مجلة " الشهاب " ( ج 4 ، م 5 ، ذو الحجة 1347 هـ / مايو 1929 م ، ص 25 ) ، وقال في التصدير له : ( هي صفحة من تاريخ الملك العربي السلفي عبد العزيز آل سعود الذي شرفه الله بخدمة ذلك البيت المعظم في هذا العهد ، ومد – تعالى – بملكه رواق الأمن والعدل والتهذيب والدين الخالص [ على ] ربوع الحجاز ؛ أرض الحرمين الشريفين ، وإن في نهضة هذا الملك العظيم وفي حياته وصفاته لدرسا عميقا ومجالا واسعا للعبرة والتفكير ) (8) .
8 - وقال - أيضا - في ( العدد 6 ) من جريدة " السنة " ( 20 محرم 1352 هـ / 15 مايو 1933 م ، ص 1 ) : ( أما الحكومة السنية فهي الحكومة السعودية القائمة على تنفيذ الشريعة الإسلامية بعقائدها وآدابها وأحكامها الشخصية والعمومية حتى ضرب الأمن أطنابه ومد العدل سرادقه على جميع تلك المملكة العربية العظيمة بما لم تعرفه دولة على وجه الأرض ) (9) .
9 – ونشر في مجلته " الشهاب " ( ج 6 ، م 5 ، صفر 1348 هـ / يوليو 1929 م ، ص 40 - 42 ) - نقلا عن جريدة " أم القرى " - خطبة للملك عبد العزيز آل سعود ، مما جاء فيها قوله - رحمه الله - : ( يسموننا بالوهابيين ، ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص ، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي يبثها أهل الأغراض .
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد وعقيدة جديدة ، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد ، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح ، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله ، وما كان عليه السلف الصالح . ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة ، وكلهم محترمون في نظرنا .
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها ، وهذه هي عقيدتنا ، وهي مبنية على توحيد الله - عز وجل - خالصة من كل شائبة ، منزهة عن كل بدعة ، فعقيدة التوحيد - هذه - هي التي ندعو إليها ، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من إحن وأوصاب ) .
10 – ونشر - أيضا - في جريدة " الشهاب" - نقلا عن جريدة " السياسة " الأسبوعية - ( العدد 40 ، 12 محرم 1345 هـ / 22 يوليو 1926 م ، ص 6 - 8 ) ، و ( العدد 41 ، 16 محرم 1345 هـ / 26 يوليو 1926 م ، ص 8 - 10 ) حوارا مع رئيس القضاة في مكة الشيخ عبد الله بن بلهيد - رحمه الله - .
ومما جاء في ( العدد 40 ، ص 7) قول رئيس القضاة : ( أهل نجد هم جميعهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، فهم سلفية العقيدة ( نسبة إلى السلف) حنابلة المذهب ، أما تسميتهم بالوهابيين وتسمية مذهبهم بالوهابية فليست من عملهم وإنما هي من عمل خصومهم الذين أرادوا تنفير الناس منهم بإيهامهم الناس أن هذا مذهب جديد يخالف المذاهب الأربعة ) .
11 - وجاء في ( العدد 117 ) من جريدة " الشهاب" ( 16 ربيع الثاني 1346 هـ / 13 أكتوبر 1927 م ، ص 15- 16 ) رسالة من ( الأخ الفاضل العالم السلفي الأستاذ محمد بن عبد القادر الهلالي ) - كما وصفته الجريدة - ، جاء فيها : ( فقد أطلعني على جريدتكم الغراء المسماة بـ " الشهاب " ، ولنعم الشهاب هي على رؤوس أعداء الله القبوريين والطرقيين أعداء الحق وغنم الشيطان الرجيم ، أطلعني عليها الأخ الصالح الشيخ ... فكدت أطير فرحا لأني تركت البلاد مظلمة مدلهمة بالخرافات والشرك ، وكنت أظنها لا تزال تتخبط في ظلماتها فإذا بأشعة النور أشرقت عليها بسبب أمثالكم وأمثال أستاذكم الشيخ عبد الحميد بن باديس ، فنحن نشهد الله على محبتكم وموالاتكم ، فإلى الأمام أيها الإخوان .
وأبشرك أن الله أدال لأهل التوحيد على أهل الشرك فأشرقت شمس التوحيد وإتباع السنة في الحرمين الشريفين وسائر بلاد الحجاز وأطراف اليمن [ ومحقت ] الشرك وأهله ، ورفعت ألوية العدل ومزقت ألوية الظلم وانتشر ضياء العلم وأدبر ظلام الجهل ومد رواق الأمن على جزيرة العرب أمنا لم يعرف مثله ولا ما يقاربه إلا في عهد الخلفاء الراشدين ... ولم يكن هذا إلا من العجيب الذي لم يوجد ولا يوجد الآن على وجه الأرض إلا في هذه البلاد لم يكن ذلك بكثرة الجيوش والأسلحة وإنما بعدل إمام المسلمين المجاهد في سبيل الله البائع نفسه وماله لله عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد خلد الله ملكه وأيده بنصره وبالمؤمنين ) .

====

(1) نشرها في جريدة " النجاح " ( الأعداد 179 و 180 و 181 ، أكتوبر / نوفمبر 1924 م ) .
(2) انظر " آثار ابن باديس " ( 5 / 270 – 271 ) .
(3) المقصود صحيفة " الشهاب " ، التي أنشأها ابن باديس سنة ( 1343 هـ / 1924 م ) ، وكانت أول الأمر جريدة أسبوعية ، ثم أصبحت منذ ( 1347 هـ / 1929 م ) ، واستمرت في الصدور إلى غاية ( 1358 هـ / 1939 م ) .
(4) راجع الرسالة كاملة ضمن " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ( 1 / 242 – 246 ) .
(5) انظر " الآثار " ( 5 / 103 ) .
(6) نقلا عن مقدمة رسالة " أعراس الشيطان : الزردة والوعدة " ( ط منار السبيل بالجزائر ) .
(7) انظر " آثار ابن باديس " ( 3 / 95 ) .
(8) انظر " الآثار " ( 3 / 145 ) .
(9) انظر " الآثار " ( 3 / 262 ) .
============

الشيخ العلامة المؤرخ مبارك الميلي - رحمه الله -
( ت 1364 هـ - 1945 م )


1 - قال الشيخ مبارك - رحمه الله - في كتابه " تاريخ الجزائر في القديم والحديث " ( 2 / 19 ط الأولى 1932 م ) : ( اشتد كلب الزارين على الإسلام والعرب في هذه الأيام لظهور دولة عربية إسلامية هي دولة عبد العزيز بن السعود . وقد رأيت في عدد واحد من " الهلال " ( الجزء الخامس من السنة السادسة والثلاثين ) - التي تدعي بعدها عن السياسة والدين - التحكك بالإسلام في ثلاثة مواضع :

الأول ( ص 555 ) جاء فيه أن الإباحة أوفق من الحظر ، وأن الجبر شر منه ، ومثَّل للجبر بجبر الوهابيين الناس على الصلاة ، وخفي عليه أن ضرر الجبر إنما يكون إذا كان المجبور غير معتقد الخير فيما أجبر عليه ، وهؤلاء مسلمون يرون الصلاة أهم ركن في دينهم الذي يرون نسبتهم لغيره سبة لا نظير لها .

الثاني ( ص 611 ) جاء فيه أن المنع أحسن من الإباحة ، نقيض الأول ، ولكن سهل هذا التناقض ؛ أن الأول ضد الجبر على الصلاة ، والثاني ضد إباحة الطلاق ، وكلاهما يتفقان مغزى .

الثالث ( ص 586 ) جاء فيه أن الجرائم تكثر تبعا للحضارة وتقل مع البداوة ، " والوهابيون في نجد اقل جرائم منا ودعائم الأمن ارسخ عندهم مما هي عندنا ، لا لأنهم أكثر خشية للعقوبة ، بل لان وسائل الجريمة عندهم قليلة لا تتعدى سرقة الماشية أو الملابس " ، ولا أدري أهذا الفيلسوف .. يعتقد أن الحجاز على عهد الأتراك والشريف حسين كان أرقى حضارة منه على عهد ابن السعود ؟

لا يا فيلسوف ! انه لا علاج للإجرام غير التهذيب الديني وعدل الحاكم ، ولا سبب لكثرتها غير استبدال الإيمان بالمادة بالإيمان باله عالم قادر ) .

2 - وقال في مقدمة " رسالة الشرك ومظاهره " ( ص 38 ط دار الراية ) : ( وبعد تمام التأليف ، وقبل الشروع في الطبع ؛ اتصلت بهدية من جدة ، من الأخ في الله السيد محمد نصيف ؛ تشتمل على كتاب " فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد " لابن عبد الوهاب ، فعلقت منه فوائد ألحقتها بمواضعها معزوة إليه ، ولو اطلعت عليه قبل كتابة الرسالة ؛ لخفف علي من عناء ابتكار العناوين وتنسيقها ) .

3 - ولما كان الشيخ قد سار في تأليف رسالته - تلك - على خطى الدعوة النجدية في الإصلاح قام بإهدائها إلى الملك عبد العزيز ونجليه سعود وفيصل ، وشيخ الإسلام في ذلك العهد الشيخ
عبد الله بن حسن آل الشيخ ، كما جاء في رسالة له إلى الأستاذ عبد القدوس الأنصاري مؤرخة في ( 20 ذي القعدة 1356 هـ / 22 يناير 1938 م ) ، نشرت في مجلة " المنهل " الحجازية ( م 38 ، ج 12 ، ذو الحجة 1397 هـ / ديسمبر 1977 م ، ص 1538 ) (1) .


قال الأستاذ محمد الميلي في كتابه " الشيخ مبارك الميلي ؛ حياته العلمية ونضاله الوطني " ( ص 128 ) : ( إن هذا العمل [ أي " رسالة الشرك ومظاهره " ] يكشف عن مدى الترابط بين الفكر الإصلاحي الديني والسياسي في المشرق وفي الجزائر ، أي انه يسجل مظهرا من مظاهر الوحدة الفكرية بين المغرب العربي والمشرق ، وهي وحدة تحققت بفعل عامل الدين الإسلامي واللغة العربية في نفس الوقت . فأوجه الشبه بين حركة جمعية العلماء وتيارات الفكر السلفي في المشرق عديدة ، فقد اعتمدت في دعوتها على كتب ابن تيمية وابن القيم وكتابات محمد بن عبد الوهاب ... ، ولم يكن محض صدفة أن نجد في خزانات الرعيل الأول من جمعية العلماء أهم كتب الفكر السلفي التي كانت قد طبعت على نفقة المرحوم عبد العزيز آل سعود ، وكذلك مطبوعات " المنار " ) .

4 - قال الشيخ مبارك الميلي - رحمه الله - في مقال نشره في ( العدد 11 ) من جريدة " البصائر " ( 26 ذي الحجة 1354 هـ / 20 مارس 1936 م ، ص 2 ) : ( إن كثيرا يغلطون في معنى الشرك المنافي للتوحيد ، فيظنونه اعتقاد النفع والضر في الجمادات وغير الصالحين من العباد ، أو اعتقاد أن أحدا غير الله يماثل الله في الخلق والإيجاد ، ولا ينافي التوحيد عند هؤلاء اعتقاد أن الصالحين ينفعون أو يضرون ، ويعطون ويمنعون ، وأن الله أطلعهم على غيبه من دون وحي ، وأنه جعل لهم مفاتح خزائنه كما جعل لهم مفاتح غيبه ، فينزلون الأمطار متى شاءوا ، ويعافون من أحبوا من المرضى ، ويهبون لمن أرادوا ذكورا وإناثا ، أو يزوجونهم ذكرانا وإناثا ، ويجعلون من غضبوا عليه عقيما ...

يتمسك الغالطون في معنى الشرك باعتقادهم في الصالحين على ما وصفنا ، وإن أنكرت عليهم شيئا من ذلك أفحموك في نظرهم بقول صاحب الجوهرة :

واثبتن للأوليا الكرامة * ومن نفاها فانبذن كلامه

ثم حكموا عليك بأنك تنكر الولاية والكرامة ، ونبزوك بألقاب لا يفهمون لها معنى مثل معتزلي ، ووهابي ، وهنأوا أنفسهم بتوفيق الله لهم إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ...

ليس الأمر كما تظنون أيها الغالطون ! فاربعوا على أنفسكم ! واسألوا أهل الذكر عن حقائق دينكم ، ولا تقفوا ما ليس لكم به علم ، وأخلصوا في طلب الحق عسى أن يوفقكم الله إلى الظفر به ، ولا تخدعوا في علمائكم المرشدين ، فإنهم لكم من الناصحين ، ومن خشية عاقبة سكوتهم وضلالكم مشفقون ) .

====

(1) بواسطة مجلة " الإصلاح " - الجزائرية - ( العدد 7 ، محرم / صفر 1429 هـ ، ص 66 ) .
====================

الشيخ العلامة أبو يعلى السعيد الزواوي - رحمه الله -
( ت 1371 هـ - 1952 م )


1 - قال الشيخ أبو يعلى الزواوي - رحمه الله - في مقال بعنوان ( الوهابيون سنيون ، وليسوا بمعتزلة كما يقولون هنا عندنا بالجزائر ) نشره في ( العدد 98 ) من في جريدة " الشهاب " ( 2 ذي القعدة 1345 هـ / 26 مايو 1927 م ، ص 2 ) : ( لما سئلت عن هذه الكلمة " الوهابية " وعن عقيدة الإخوان النجديين ، وسمعت أذناي ممن سألوني ومن غيرهم قولهم : إن الوهابيين معتزلة ، وإن الحجاج منقبضون بسبب هذه الكلمة - الوهابية أو المعتزلة – المخالفة على زعمهم ؛ أجبت بالاختصار أن الإخوان الوهابيين حنابلة يتعبدون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي هو أحد المذاهب الأربعة المشهورة ) .

إلى أن قال ( ص 4 ) : ( إن [ ابن ] عبد الوهاب حنبلي ، وإنما هو عالم إصلاحي وأتباعه - السلطان ابن السعود ورعيته وإمارته النجدية - إصلاحيون سلفيون سنيون حقيقيون على مذهب أحمد الإمام ، وعلى طريقة الإمام تقي الدين ابن تيمية في الإصلاح والعناية التامة بالسنة ) .

2 - وقال - رحمه الله - في مقال له بعنوان ( وهابي ) نشر في ( العدد 6 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 4 رجب 1352 هـ / 23 أكتوبر 1933 م ، ص 4 ) :

( وقفتُ على ما جاء من مقال العلامة الحجوي - الوزير بالمغرب الأقصى - (1) في شأن إخواننا الحنابلة الذين يُدعون بل ينبزون بالوهابيين منذ قيام العلامة المرحوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب القائم بدعوة الإصلاح والدعاء إلى الكتاب والسنة كما جاء عن الله وعن الرسول والرجوع إلى ذلك ، وطرح ما أحدث المبتدعة المسمَّمين - باسم المفعول - بالباطنية المدسوسة والموروثة منذ القرن الرابع عند قيام الدولة الفاطمية من مغربنا هذا بجحافلها ، واحتلت القاهرة وسمَّمت الأمة كافة وبعض العلماء خاصة كمحي الدين ابن العربي وابن الفارض والنجم الإسرائيلي وابن سبعين وابن سينا الذين أحدثوا قولة القطب والغوث والأبدال والسبعة والسبعين ، والأربعة والأربعين إلى غير ذلك مما أبطله العلم الصحيح ولم يعترف به كالديوان وتصرف الأموات ، وبناء القبور وزخرفتها وإعلاء القبب والطواف بها ، ولكن أمثال الدجوي الأزهري يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق الذي قلنا به وقال به العلامة الحجوي - وزير المعارف - ، وقد استحسنا أشد الاستحسان ما ساق في شأن إخواننا النجديين ... ) .

ثم قال : ( فما بالُهم الآن [ أي خصوم الدعوة الإصلاحية ] يحملون هذه الحملات المنكرة على الإخوان الحنابلة بدعوى الوهابية ، وهم في ذلك كما قيل :

يقولون أقوالا ولا يعرفونها * وان قيل هاتوا حققوا لم يحققوا )

إلى أن قال : ( وليعلموا أن الوهابية حنابلة من أهل السنة وليسوا من المعتزلة ... وبأن المذهب الحنبلي السني من المذاهب الأربعة المجمع عليها المرضية للإقتداء بها في الصلاة وفي الأقوال والأفعال ، وزيادة على ذلك - لما أننا مالكيون - فهم في غاية الاقتداء والاتفاق مع مالك الإمام - رحمه الله - ، وبأنه عالم المدينة وأن غالب حججهم قال مالك ، كما في مسألة الاستواء وتجصيص القبور والبناء عليها والتوسل بها ، وبناء القبب عليها والالتجاء إليها عند الشدائد والحلف بالمدفونين بها ، وغير ذلك من الاستشفاع الذي هو من الابتداع المتفق عليه بين المالكية المخلصين والحنابلة العاملين بما نبههم إليه محمد بن عبد الوهاب ، كما نبهنا نحن أبو إسحاق الشاطبي صاحب كتاب " الاعتصام " وأمثاله .

وقد علمنا وعلم كثير من العلماء المفكرين والمتأملين أن عمل الوهابيين في شأن زيارة القبور هو مذهب مالك بالحرف وطريقته ) .

ثم قال - تكملة لهذا المقال - في ( العدد 7 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 11 رجب 1352 هـ / 30 أكتوبر 1933 م ، ص 7 ) : ( ولهذا قلت وما زلت ولن أزال أقول إن المالكي الذي يطعن في الوهابيين يطعن في مالك ومذهبه من حيث يشعر أو لا يشعر أو لأنه جاهل أو متجاهل ) .

ثم أنكر ما يفعله العامة عند زيارتهم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إمساك شباك النبي والاستغاثة به في مصالحهم ، وقال : ( ولذا قال أيضا - يعني صاحب " الشفاء " - : وقال مالك في ( المبسوط ) : لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو ، ولكن يسلم ويمضي . قال شارح هذا الموضع شهاب الدين الخفاجي : ظاهره أن مذهب مالك عدم استحباب الوقوف مطلقا ) اهـ .

قلت : فليتأمل - هذا - الغلاة الطوافون بقبور الأموات الطالحين ( كذا في الأصل ) ومناداتهم والتوسل بهم ، وهذا عين ما يقول الوهابيون وابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - ، فيصبون على الوهابيين سوط الانتقاد والتكفير وهو عين مذهب مالك وقوله وعمله ... ثم إن الغلاة يؤذوننا ويؤذون الإخوان الحنابلة بأننا وإياهم قد حططنا من قدر النبي وقدر الولي ؛ لأننا لم نعمل بما لم يثبت عن الأئمة العظام ) .

3 - وقال - رحمه الله – في مقال آخر - يرد فيه على من نبز الدعوة الإصلاحية بالوهابية - بعنوان ( لم كان أو صار الوهابيون سبة ؟ !! ) نشر في ( العدد 167 ) من جريدة " البصائر " ( 6 ربيع الثاني 1358 هـ / 26 مايو 1939 م ، ص 2 ) : ( فأهل العلم عموما وأهل الإسلام قاطبة يعلمون أن الوهابيين حنبليين من أهل السنة والجماعة ، ومن المذاهب الأربعة المجمع عليها ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد مذهب الإمام أحمد ، مع ترجيح مذهب السلف ، وكتابه في العقيدة التوحيدية (2) يباع بمكتبة ردوسي بمدينة الجزائر ، ولا يستطيع سني أن يرد فيه كلمة واحدة ولا نصف كلمة ، وأن الوهابيين بإجماع الأمة مسلمون سنيون ، من أهل القبلة ) .

ثم قال : ( فليراجع " الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى " ؛ كتاب جليل ولا شك أنه لم يطلع عليه ، وإلا لوجم ، ونقول له أيضا راجع رسالة العلامة ابن حمدون إلى الوهابيين والى علماء تونس ، وكذلك لو اطلع على ما كتبه الكاتب العمراني المجيد الأستاذ محمد فريد وجدي في كتابه " كنز العلوم واللغة " .. وكذلك نقول له راجع ما كتب مؤلف " غاية الأماني في الرد على النبهاني " ، ومؤلفه شافعي ، وكذلك ما كتب مؤلف " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان " ، ثم ليحمل على الوهابيين خصوصا ، والإصلاحيين عموما ، ولكن الجهل والسياسة - لعنة الله عليها – تفعل أكثر من هذا من رقة الديانة والاستخفاف بها .. ) .

وقال : ( هذا ما أقول لك مختتما ومؤكدا أن طعنك في الوهابيين طعن بمالك سواء بسواء ، شعرت أم لم تشعر ، وأنك أرضيت من يرضى ويحب قطع الصلات بين المسلمين عموما ، والغرب خصوصا ، وشققت الله ورسوله ) .

4 - وكتب في ( العدد 79 ) من " البصائر " ( 12 جمادى الآخرة 1357 هـ / 20 أوت 1937 م ، ص 4 – 5 ) مقالا يثني فيه على كتاب " غاية الأماني في الرد على النبهاني " وكتاب " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان " ، ويحث طلبة العلم على اقتنائها والإطلاع عليها ؛ لما فيها من بيان لحق السلفيين ، وتفنيد لباطل الخرافيين .

====

(1) سيأتي ذكره قريباً .

(2) يعني ( كتاب التوحيد ) المشهور .

=============
كتبه العضو بذرة خير

الرد على الشبهات دفاعا عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب
http://alsrdaab.com/vb/showthread.php?t=60546







 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق