الجمعة، 16 مارس 2012

مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة ، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف

مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ

1- الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة ، وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم
عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف

يظهر من عنوان هذه الفرية أنها تتكون من شقين، الشق الأول: فرية ادعاء النبوة، والشق الثاني: فرية انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فإننا سنتحدث عن كل شق منهما على حدة، فنورد أقوال الخصوم من مصادرهم، وكتبهم، ثم نتبعها بالدحض والرد.
فنشرع في الحديث عن الشق الأول من هذا الافتراء، وهي فرية أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ادعى النبوة، وقبل أن نذكر هذه الفرية، يجدر بنا أن نقف وقفة يسيرة لمعرفة اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه - من بعده - في عقيدة ختم النبوة.
لقد أوضح الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معتقده في مسألة ختم النبوة في مواضع من مؤلفاته، منها ما ورد في رسالته لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته فقال - بكل وضوح -:
(وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته)( ).
ويقول أيضا في هذه المسألة :
(وأول الرسل نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم)( ) ويذكر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسين في إحدى رسائله معتقد الشيخ الإمام في هذا المقام، فيقول:
(ويعتقد – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود..) ( ).
ويوضح صاحب كتاب جواب الجماعة معتقد الشيخ في هذه المسألة:
(ويؤمن – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب) بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته) ( ).
يتضح جلياً مما سبق ذكره اعتقاد الشيخ في مسألة ختم النبوة، كما أن أتباع الشيخ – من بعده – تحدثوا عن هذه المسألة في كتبهم ورسائلهم، ونورد منها هذه النماذج التالية:
يقول الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في إحدى رسائله:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأفضلهم) (1).
ويقول صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) في تلك المسألة:
(وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم بالنص والإجماع) (2).
ويقول الشيخ أحمد بن مشرف الإحسائي (1) (ت 1285هـ) – أشهر شعراء الدعوة السلفية – هذه الأبيات التالية حول ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم:
ثم جميع الأنبياء والرسـل *** بينهم تفاوت في الفضـل
لكنهم قد ختموا بالأفضل *** منهم نبيناً خاتم الرســل
فلا نبي بعده كـلاَّ، ولا *** مبشرا أو منذراً أو مرسـلا
فما لشرع دينه من ناسخ *** وما لعقد حكمه من فاسخ(3)
ويمتدح الشاعر أحمد بن مشرف المصطفى صلى الله عليه وسلم - في قصيدة أخرى - ويذكر مسألة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:
هو خير الخلق طرّاً (4)وبه *** للنبيين جرى ختم وفــتح
فبه قد بدئوا واختتـموا *** فهو كالمسك له في الختم نفح(5)
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته التي بعثها إلى أهالي الحجاز وجنوب الجزيرة العربية، اعتقاد أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله – رحمه الله – في مسألة ختم النبوة:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين)(6).
ويقول صاحب جواب الجماعة في هذه المسألة:
ثم ختم النبوة والرسالة بصفوة النبيين والمرسلين وصفوته من الخلق أجمعين {ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (7)، (8).
وبهذه النقول المتعددة تكون مسألة ختم النبوة عند الشيخ وأتباعه قد اتضحت وبانت، فالنبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا نبي بعده، والوحي قد انقطع، فهذه العقيدة مسلَّم بها لا يشوبها أدنى شكًّ أو ريب، وما سبق من نقول تأكيد بأن هذه المسألة ليست محلاً للنقاش والجدال عند أئمة الدعوة السلفية، ومادام هذا هو موقف الشيخ من مسألة ختم النبوة، فإنه من المناسب بيان موقف الشيخ ممن اعتدى وتجرأ على هذا الختم وزعم أنه نبي يوحى إليه.
يتحدث الشيخ عن أهل الرَّدَّة - بعد وفاة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم - فيقول:
(قتال أهل الردة: وصورة الردة أن العرب افترقت في ردتها فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام، وقالوا: لو كان نبياً لما مات، وفرقة قالت نؤمن بالله ولا نصلي، وطائفة أقروا بالإسلام وصلّوا، ولكن منعوا الزكاة، وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكن صدقوا مسيلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه في النبوة، وقوم من أهل اليمن صدقوا الأسود العنسي في ادعائه النبوة وقوم صدقوا طليحة الأسدي، ولم يشك أحدٌ من الصحابة في كفر من ذكرنا، ووجوب قتالهم، إلا مانع الزكاة …) (1).
ويقول في موضع آخر:
(ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان رضي الله عنه على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم) (8).
وقد أطال رحمه الله في بيان أخبار المرتدين(8)، فذكر قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وما أظهره من صلاح.. ثم زعمه في آخر أمره أنه يوحى إليه.
وقال الشيخ بعد هذه القصة:
(وأجمع العلماء كلّهم على كفر المختار – مع إقامته شعائر الإسلام – لما جنى على النبوة) (8).
بل إن الشيخ رحمه الله يصرح بأكثر من ذلك بعبارة موجزة، فيقول في ذكر الحقوق الواجبة على كل مسلم:
(وأعظمها حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأفرضه شهادتك له أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وتعلم أنك لو ترفع أحداً من الصحابة في منزلة النبوة صرت كافراً) (8).
مما سبق بيانه ندرك أن الشيخ رحمه الله يقرر ويؤكد بأن دعوى النبوة – بعد ختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم - كفر وانسلاخ عن دين الإسلام، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الشخص الذي يرفع أحداً إلى منزلة النبوة يصير كافراً، حتى ولو كان هذا – الذي رفع منزلته – صحابياً.
ومع كل ما سبق فإننا نرى بعض خصوم هذه الدعوة السلفية يسطرون فرية ادعاء النبوة للشيخ، ويسودون الصحائف بهذا البهتان.
ومن أوائل الذين ألصقوا بالشيخ هذه الفرية، محمد بن عبد الرحمن بن عفالق حيث يقول في رسالته التي ألفها رداً على عثمان بن معمر أمير العيينة آنذاك، حيث يطعن ابن عفالق في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فيقول:
(كما ادعا نزيله مسيلمة – أي النبوة – بلسان مقاله، وابن عبد الوهاب حاله) (8).
ويقول ابن عفالق في موضع آخر من هذه الرسالة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه ادعا الرسالة (1)، وفي رسالة أخرى ألّفها رداً على جواب ابن معمر، يقول فيها مخاطباً ابن معمر:
(والله لقد ادعا النبوة بلسان حاله لا بلسان مقاله، بل زاد على دعوى النبوة، وأقمتموه مقام الرسول، وأخذتم بأوامره ونواهيه (2).
ويقول ابن عفالق متهكماً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومخاطباً ابن معمر: (وأما من قال أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وادعى النبوة، وأرسل رسله إلى سائر الأمصار) (3) .
ويسوق صاحب كتاب (فصل الخطاب) أحمد بن علي القباني نفس الفرية بقوله عن الشيخ أنه متنبي نواحي اليمامة (4).
وفي موضع آخر يقول مخاطباً الشيخ محمد بن عبد الوهاب وساخراً به:
)هل أخذته من بقايا صحف مسيلمة الكذّاب عندكم في نواحي اليمامة) (5).
ويتهكم به مرة أخرى فيقول:
(أترى أن كل هؤلاء العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ضلّوا وأضلّوا من نحو ستمائة سنة إلى أن بعث الله متنبي العيينة داعياً إلى دين الإسلام) (6).
كما أن من أوائل الذين تولوا كبر فرية ادعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب النبوة، المدعو علوي الحداد في كتابه (مصباح الأنام) حيث يقول:
(وكان يضمر دعوى النبوة، وتظهر عليه قرائنها بلسان الحال، لا بلسان المقال، لئلا تنفر عنه الناس، ويشهد بذلك ما ذكره العلماء من أن عبد الوهاب(7) كان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذّاب وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأضرابهم)(8).
ويقول رابعهم حسن بن عمر الشطي في تعليقه على رسالة في إثبات الصفات للحازمي: (فإنه - أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - كانت لوائح دعوى النبوة تظهر عليه)(9).
ثم جاء أحمد بن زيني دحلان فأشاع هذه الفرية وسطرها في كتبه(10)، وتلقفها من بعده خصوم آخرون كالعاملي(1) وجميل صدقي الزهاوي(2)، ومختار أحمد باشا المؤيد(3)، وعبد القادر الأسكندراني(4)، وغيرهم.
ثم يأتي السمنودي في كتابه (سعادة الدارين)، فيحاول (تلطيف) هذه الفرية وتخفيفها ظنَّا منه أن ذلك أدعى لقبولها وأيسر في التمويه على سواد الناس، فيقول:
(فكان محمد بن عبد الوهاب المذكور بينهم – أي بين أتباعه – كالنبي في أمته لا يتركون شيئاً مما يقول، ولا يفعلون شيئاً إلا بأمره) (5) .
ولكن يجئ خصم آخر – وهو محمد وفيق سوقية – يرفض ذلك التخفيف، ويسعى بزيادة البهتان على أسلافه فيقول:
(وأوحت له نفسه دعوى النبوة، كسلفه مسيلمة الكذَّاب، ولكن كان الضعف يخفيها، ولو وجد قبولاً تاماً من أتباعه النجديين لأظهرها، ودعا الناس إليها، أو لو كان يجد من يمده بالقوة لحمل جميع الأمة لإظهار ما كان يكنه في صدره، نعوذ بالله من الغواية بعد الهداية) (6).
ويقول نفس الكاتب أيضا:
)ولما كان – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – مولعاً بمطالعة أخبار أسلافه الذين ادعوا النبوة، مثل مسيلمة الكذَّاب والأسود العنسي، وسجاح، وطليحة الأسدي، قام بنشر دعوته الإصلاحية للتوصـل لدعوى النبـوة افتراء) (7).
ونلاحظ أن بعض الخصوم سطَّر هذه الفرية عبر أبيات شعريـة كما فعـل المدعو عبد الرحمن بن عمر الإحسائي (8) حيث يقول طاعناً في الشيخ الإمام وأتباعه:
وفي ذاك دعوى للنبوة ظاهـــر *** فيا فرية حطت وأوهت عن المرقـا
ونحن الأولى بالدين قاموا ومهـدوا *** وما شعروا أن قد به فتقوا فتــقا
فيا ويحهم من أين جاءهـم الهدى *** أوحي أتاهم وهو قد أحكم الغلقا (9)
ويقول يوسف النبهاني في رائيته الصغرى - ناعقاً بهذه الفرية -:
أولئك وهابية ضل سعيهــــم *** فظنوا الردى خيراً وظنوا الهدى رشدا
ضعاف النهى أعراب نجد جدودهم *** وقد أورثوهم عنهم الزور والــوزرا
مسيلمة الجد الكبير وعرســـه *** سجاح لكل منهم الجدة الكــبرى
فقد ورثوا الكذّاب إذا كان يدعي *** بأن له شطراً وللمصطفى شطــرا (1)
ما سبق نقله بعض النماذج لمزاعم الخصوم ومفترياتهم مأخوذة من كتبهم ومصادرهم، ولعل ما نقلناه عن الشيخ الإمام رحمه الله في اعتقاده في مسألة ختم النبوة، وكذلك اعتقاد أتباعه - من بعده - في هذه المسألة، وموقف الشيخ الإمام من أدعياء النبوة، إن هذا يعتبر بحد ذاته من أعظم وأبلغ الحجج في دحض ورد تلك الفرية الكاذبة الخاطئة، ومع ذلك فسنورد بعض الردود في قمع هذه الفرية، من باب الزيادة في إسقاطها وتهافتها.
ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد) راداً على علوي في فريته بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مدعي للنبوة، (والجواب أن يقال لهذا الملحد المفتري: هذا من أبطل الباطل وأمحل المحال وبطلانه من وجوه:
الوجه الأول: أنه زعم أنه يضمر دعوى النبوة، وهذا أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله، فكيف ساغ له أن يدعي علم ما في القلوب مما لا يطلع عليه إلا علام الغيوب.
أيدعي علم الغيب أو أنه يوحى إليه ومن ادعى ذلك فهو كافر ثم ما هذه القرائن التي يزعم هذا الدجال المفتري أنها تظهر عليه بلسان الحال، فهلا ذكر قرينة واحدة من ذلك فإنا لا نعلم إلا دعوة الحق إلى إخلاص العبادة لله وحده، وأن يكون الدين كلّه لله، ثم كيف ساغ له دعوى أن الشيخ يضمر في قلبه دعوى النبوة وهي كذب ظاهر وينفيه بدعواه الباطلة لما قال الشيخ في المشركين عباد القبور: إنهم يعظمون مشاهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومشاهد الأولياء تعظيماً بليغاً حتى يطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى، وهذا أمر معلوم مشهور عنهم واعتقادهم في الأنبياء والأولياء لا ينكره إلا مكابر في الحسيات مباهت في الضروريات، فقول هذا الملحد فمن أين اطلع عليه واعتقد فيهم على سبيل القطع، حتى بنى عليه تكفيرهم إلى آخره.
فيقال: اطلع عليه بأفعالهم الظاهرة التي لا تصدر إلا عن اعتقاد القلب فيمن يدعونه، ويستغيثون به، ويلجئون إليه في مهماتهم وملماتهم حالاً ومقالاً، بخلاف ما زعمت أنت وأصحابك المفترون من أن الشيخ يضمر دعوى النبوة وهو أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله، مع أنها دعوى كاذبة خاطئة، وبيتم على ذلك تكفيره وتكفير من اتبعه على دين الله ورسوله، واستحلال دمائهم وأموالهم من غير ذكر قرينة حال أو مقال إلا بدعوى مجردة عن الدليل)(2).
من خلال نقل هذا النص للشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله يظهر جلياً قوة الحجة التي أدلى بها الشيخ في مواجهة تلك الفرية، ولم يكتف بذلك رحمه الله، بل وضح تناقض الخصم وتضاربه حين ذكر أن الشيخ الإمام رحمه الله يقرر أن المشركين عباد القبور يعظمون المشاهد والأضرحة، ويطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، فأنكر هذا الخصم محتجاً بأنه لا يطلع على اعتقادهم في تلك المشاهد والأضرحة، مع أن الشيخ الإمام قرر ذلك بقرائن وأدلة تثبت ما يقول، وهذا المفتري زعم أن الشيخ ادعى النبوة، ولم يذكر أي قرينه تدل على دعواه. ثم ذكر ابن سحمان وجهاً آخر للرد على هذه الفرية، فقال:
(إن الشيخ قد ذكر في كتاب التوحيد ما رواه البرقاني في صحيحه قوله في الحديث (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي (1)..) إلى أخر الحديث.
وقال (2) في المسائل المستنبطة من هذا الباب، الثامنة: العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه أنه من هذه الأمة وأن الرسول حق وأن القرآن حق.
وفيه أن محمداً خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة، فكيف يضمر مع هذا دعوى النبوة، وكيف يزعم هذا ويرمي به الشيخ رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وبهذا تعلم أن هذا من تزوير من شرق بهذا الدين من أعداء الله ورسوله تنفيراً للناس عن الإذعان لإخلاص التوحيد لله بالعبادة.
وقوله: ويشهد لذلك ما ذكره العلماء من أن ابن عبد الوهاب كان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأضرابهم.
والجواب أن يقال: وهذا أيضاً من الكذب والفجور وقول الزور بل كان رحمه الله مولعاً بكتب الحديث والتفسير كما قال رحمه الله في بعض أجوبته: ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلَّها لدينا تفسير محمد بن جرير الطبري ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذلك البيضاوي، والبغوي، والخازن، والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشروحه كالقسطلاني والعسقلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير، ونحوهم من كتب الحديث، خصوصاً الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون فروعاً وأصولاً وقواعد وسيراً وصرفاً ونحواً وجميع علم الأمة) (3).
يقول ابن سحمان في كتابه (الضياء الشارق في الرد على شهبات الماذق المارق)، مكذباً هذه الفرية التي تلقفها الزهاوي وسوّد بها كتابه المسمى (الفجر الصادق).
(وأما قوله: وكان محمد هذا باديء بدأته:
فالجواب أن نقول: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً فإن هذا معلوم كذبه بالاضطرار لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بمقادير الأئمة الأخيار، ومن طالع كتب الشيخ ومصنفاته ورسائله، وتأمل حال نشأته ودعوته إلى الله تبيّن له أن هذا من الكذب والافتراء وأنه من وضع أعداء الله ورسوله الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب الفساد، يريدون ليطفئون نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (4).
ولا يكتفي الشيخ ابن سحمان – رحمه الله – في دحض هذه الفرية بما كتبه آنفا فقط، بل يشنع على هذه الفرية بقصائد شعرية متعددة.
فيقول رحمه الله في ديوانه، وفي قصيدة له يذكر مفتريات أحمد دحلان على الشيخ الإمام:
وما قال فيما يدعيه ويفتري *** عليه من البهتان للأعين الرمّد
كدعواه أن الشيخ يزعم أنه *** نبي ولكن كان يخشى فلم يبد
ثم يورد الرد عليه فيقول:
فويحك كم هذا التجاوز والهذا *** وكم ذا التجري والتجاوز للحــد
فجوزيت من مولاك شر جزائه *** وحلّ عليك الخزي في القرب والبعـد
أتقفو بلا علم أكاذيب مفتـر *** وأوضاع أفاك حسود وذي حــق (1)
ويقول ابن سحمان في قمع هجاء الملا أبي بكر عبد الرحمن بن عمر الإحسائي:
وأعظم من هذا ضلالاً وفريـة *** مقالته الشنعاء بما أظهر الحــقا
بأن قال دعواه النبوة ظاهــراً *** وذا فرية منهم على أنه الأتقــى
نعم قام بالتوحيد والدين الهدى *** ونرجو له الزلفى فيرقى إلى المرقى (2)
ويشنع ابن سحمان على مفتريات النبهاني في رائيته الصغرى، فيسطر قصيدة طويلة سماها (الداهية الكبرى)(3) وكان مما قاله:
وقد ورثوا مجداً أصيلاً مؤثـلا *** لأهل الهدى منهم فنالوا الفخـرا
مسيلمة الكذاب ليس بجدهـم *** وليس له نسل يقرر أو يـــدرا
ولا لسجاح ويل أمك فاتئـد *** فما الفشر غلا ما هذوت به نشرا (4)
ويأتي رد الشيخ ناصر الدين الحجازي(5) على هذه الفرية بأسلوب آخر، وذلك في رسالته (النفخة على النفحة)، حيث يزعم عبد القادر الأسكندراني - كأسلافه - أن الشيخ الإمام قد ادعى النبوة، فكان جواب الشيخ ناصر الدين الحجازي على هذا الإفك: (أقول (من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة)، ولكن أقول كأن صاحب الرسالة ذهل عن قاعدة: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل، فإن كنت مقلداً لدحلان في نقلك، أليس لك ما تميز به بين الغث والسمين، فتعلم أنه ما نقل عن هؤلاء القوم إلا فكاهات تضحك الثكلى، ويهزأ بها الطفل الصغير فكيف يقبلها عقل رجل بلغ من الذكاء أن أرجع أمة من الجهل إلى العمل بالكتاب والسنّة.
وأما قولك وكان يضمر دعوى النبوة إلا أنه لم يتمكن من إظهارها فهذه دعوى كشف واطلاع على ما في القلوب، فهي بين أمرين إما تصريح بالكذب وإما مشاركة لله تعالى في قوله (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)(6).
فاختر أى الشقين شئت، وإن كنت مدعياً فعليك الدليل من كتبه التي طبعت في الهند وفي مصر وسارت في الأقطار (7).
ومما أورده الشيخ فوزان السابق في كتابه (البيان والإشهار) في دحض فرية ادعاء النبوة للشيخ رحمه الله، ننقل هذه السطور رداً على من بهت الشيخ بادعاء النبوة في نفسه.
(إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد اشتهر مذهبه ودعوته التي يدعو الناس إليها في مصنفاته المطولة ورسائله المختصرة، فلم يترك لمعارضيه شبهة إلا كشفها، ولا طريقاً توصل إلى الله وإلى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بينّها وأوضحها. فأي شيء يخفيه في نفسه بعد ذلك أيها الضالون ؟ فلو كان لهذه الفرية أدنى قيمة لأوردت من كلام الشيخ رحمه الله ما يكفي ويشفي في ردها. ولكنها فرية تمثل الزور والفجور، فلا تستحق رداً أكثر من احتقار صاحبها وكشف عورته وليس أبلغ من رد هذا الملحد(1) على نفسه فاسمع إذاً ما يعوله بعد دعواه على الشيخ الكتمان. قال المعترض: فلما مات أبوه في نحو سنة 1143هـ ابتداء ابتدأ لإظهار مذهبه حتى سنة 1151هـ فأشهر أمره وأظهر دعوته وعقيدته في نجد وأطرافها) (2).
فالشيخ فوزان رحمه الله يقرر تفاهة هذه الفرية وحقارتها، بحيث لا يلتفت إليها ولا تستحق الاهتمام أو الرد، ثم يشير إلى عوار هذه الفرية ويكشف تناقض مفتريها وتضاربه، فيقول رحمه الله:
(فنقول لهذا الملحد: إذاً فليس فيه كتمان، كما افتريته على الشيخ، فقد أبطلت دعواك بإقرارك بنفسك فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى واشتهر به من الدعوة إلى كتاب الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة الهدى والدين، فقد ظهر واشتهر أمره، فلا ينكره إلا معاند مثلك أيها المفتري الذي أكذب نفسه بنفسه فالحمد لله على ظهور الحق وخذلان الباطل وأهله)(3).
ويشير د. عبد الرحمن عميرة في بحثه (الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ..) إلى دحض ذلك الافتراء، فكان مما قال:
(والمتفحص لهذه الادعاءات والمفتريات يرى اتفاقها جميعاً على أن ادعاء النبوة عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان إضماراً في داخله ولم يصرح به لأحد مطلقاً.
هذا هو المفهوم من كلامهم ولا يمكن أن يفهم غير ذلك ونقول إذا كان كذلك، وأن الشيخ أضمر النبوة في نفسه، ولم يتمكن – كما يقول الأدعياء – من إظهارها، فمن أطلعهم على هذا الشيء المضمر …؟
هل أوحى الله إليهم بما في سرائر العباد؟ فإن قالوا نعم، فهم الأدعياء حقاً، وتكون قولتهم هذه امتداد لما قاله مسيلمة وسجاح وكل المردة أتباع الشيطان. وإذا لم تكن هذه أتراهم اطلعوا على الغيب وقرأوا ما في اللوح المحفوظ كما كان يدعي بعضهم.
فإن كان هذا هو حالهم. خرجوا عن ملّة الإسلام وألحقوا بإخوانهم في الجاهلية من الكهان وأدعياء البهتان لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى: ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ً (4)) (5).
من خلال ما أوردناه من براهين متعددة، وردود متنوعة (1)، في دحض فرية ادعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب النبوة، نأتي على ختام هذا المبحث متذكرين قوله عزَّ وجلَّ ( سبحانك هذا بهتان عظيم  (2).

وننتقل إلى الشق الأخر من هذه الفرية، وهو اتهام الشيخ واتباعه بانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم..، وسنورد – كما فعلنا في الشق الأول من هذه الفرية – مقدمة موجزة لبيان اعتقاد الشيخ واعتقاد أتباعه في المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ رحمه الله عن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
(ولما أراد الله سبحانه إظهار توحيده وإكمال دينه وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى بعث محمداً خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين، ومازال في كل جيل مشهوراً، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكوراً، إلى أن أخرج تلك الدرة بين بني كنانة وبني زهرة، فأرسله على حين فترة من الرسل وهداه إلى أقوم السبل، فكان له صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصره..)(3).
ويتحدث الشيخ الإمام عن معنى شهادة أن محمداً رسول الله فيقول:
(ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) (4).
فلا يتحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله إلا بتمام الاتباع وكمال الاقتداء، بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشيخ مشيراً إلى بعض خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وأدم فمن دونه تحت لوائه). (5)
كما يذكر الشيخ بأنه صلى الله عليه وسلم (أقرب الخلائق منزلة) (6) وأنه (سيد المرسلين) (7) وفي قصة سبب نزول سورة ( تبت )، يذكر الشيخ (ما فيها من فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق الذي لا يقدر غيره أن يقوله) (8).
ويقول الشيخ ضمن كلامه عن سورة النور: (الأمر بطاعته (سبحانه) وطاعة رسوله وأن الهدى في طاعته، كما قال تعالى: وإن تطيعوه تهتدوا (9)) (10).
كما يعرّف الشيخ الصراط المستقيم عند تفسيره لسورة الفاتحة، فيقول:
(والمراد بذلك الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو صراط الذين أنعمت عليهم، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت دائما في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم…)(11).
ويبين الشيخ في تفسير سورة الحجرات أنه (لابد من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم حرمته)(1).
ومن المناسب أن ننقل ما سطره الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن جده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة، فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(وقد قرر رحمه الله على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصر والمتابعة والطاعة وتقديم سنّته صلى الله عليه وسلم على كل سنّة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره، كليه وجزئيه، ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله) (2).
وحيث أنه من الواجب متابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب يذكر بذلك فيقول:
(وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات، والأقوال والأفعال. قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله  (3)الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على فاعله كائناً من كان..)(4).
وفي جواب للشيخين حسين(5) (ت 1224هـ) وعبد الله ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب حول معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا:
(وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله هو أن يطاع فيما أمر، وينتهي عما عنه نهى وزجر، ويكون هو الإمام المتبع، ومن سواه فيؤخذ من كلامه ويترك، فعلى أقواله تعرض الأقوال والأفعال، فما وافق قوله فهو المقبول وما خالفه فهو المردود..)(6) .
ويقول صاحب (التوضيح عن توحيد الخلاق) عن منزلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
(.. وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين، وحسرة على الكافرين، أرسله بالهدى ودين الحق، الذي هو التوحيد بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، الفارق بين الهدى والضلال فشرح له صدره ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وفرض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه، وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأعماله وأقواله توزن الأخلاق والأعمال والأقوال. فلم يزل صلى الله عليه وسلم مشمراً في ذات الله، لا يرده عنه راد صادعاً بأمره لا يصده عنه صاد، إلى أن بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد.
فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد شتاتها وامتلأت به الدنيا نوراً وابتهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فلما أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على عباه المؤمنين استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأسنى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء والطريق الواضحة الغرَّاء، فصلى الله وسلم وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه..)(1) .
ويبيّن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن وجوب التعظيم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: (فقد علمت كلام الصادق المصدوق فلا يكون قول الغير في نفسك أعظم من كلام نبيك)(2).
ويقول الشيخ صالح بن محمد الشثري في رسالته (تأييد الملك المنان) مجملاً حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
(وأما حقوق النبي صلى الله عليه وسلم فهي واجبة على كل مسلم في كل زمان ومكان، فإن الله أوجب الإيمان به، ومحبته وطاعته، وموالاته ونصرته واتباعه، وأمر بالصلاة والسلام عليه في كل مكان، وسؤال الله له الوسيلة عند كل أذان، وبذكر فضائله ومناقبه وما يعرف به قدرة نعمة الله ببعثته على أهل الأرض، وأن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه لا يؤمن العبد حتى يكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين بل حتى يكون أحب إليه من نفسه إلى غير ذلك من حقوق…)(3).
ويقول الشيخ السهسواني حول تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(فنحن معاشر أهل الحديث نعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل تعظيم جاء في الكتاب والسنة الثابتة سواء كان ذلك التعظيم فعلياً أو قولياً أو اعتقادياً، والوارد في الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة من ذلك الباب في غاية الكثرة.
وأما أهل البدع فمعظم تعظيمهم تعظيم محدث كشد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والفرح بليلة ولادته، وقراءة المولد، والقيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم، وما ضاهاها، وأما التعظيمات الثابتة فهم عنها بمراحل …)(4).
ثم يقول محمد رشيد رضا معلقاً: (من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حباً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أقلهم غلواً فيه، ولاسيما أصحابه رضي الله عنهم، ومن يليهم في خير القرون، وأن أضعفهم إيماناً وأقلهم اتباعاً له هم أشدهم غلواً في القول وابتداعاً في العمل، وترى ذلك في شعر الفريقين)( ).
وحول وجوب إجلال السنة النبوية، يذكر الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسالته لأهالي جنوب غرب الجزيرة، معتقداً أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله:
(وإذا بانت لنا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها، ولا نقدم عليها قول أحد كائناً من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورنا أجل وأعظم من أن نقدم عليها قول أحد) ( ).
ويقول ابن سحمان - حول مقام النبي صلى الله عليه وسلم - شعراً :
ونشهد أن المصطفى سيد الـورى *** محمد المعصوم أكمل مرشـد
وأفضل من يدعو إلى الدين والهدى *** رسول من الله العظيم الممجد
إلى كل خلق الله طراً وإنـــه *** يطاع فلا يعصى بغير تـردد( )
وجاء في (البيان المفيد) ما يلي :
(ونعتقد أن أفضل المخلوقين وأكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله) ( ) وورد: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ( )...( ).
(ويقول الشيخ عبد الله بن سليمان البليهد( ) (ت 1359هـ):
(فحق النبي صلى الله عليه وسلم المقدمة على محبة النفس والولد والوالد والأهل والمال وتصديقه وطاعته( ).
هذه النقول السابقة، ما هي إلا إشارات سريعة تعطي بياناً مجملاً لمعتقد الشيخ – رحمه الله -، ومعتقد أتباعه من بعده في حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم، فما قصدوا – رحمهم الله – من دعوتهم الإصلاحية إلا التأسي بالمصطفى والاتباع ومحاربة الضلال والابتداع.
وأما افتراء الخصوم على الشيخ وأتباعه، بأنهم ينتقصون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجد من خلال المصادر التي بين أيدينا، أنها تشير إلى أن سليمان بن سحيم هو من أوائل – إن لم يكن أولهم – المفترين لهذا البهتان، فقد قام سليمان بن سحيم بقذف الشيخ بهذا الإفك، ولم يقتصر على ذلك بل تجاوزه إلى نشر هذا الإفك في سائر البلدان والأمصار، يحرض علماء تلك البلاد على الشيخ، ويشنع عليه ويكيل إليه الأكاذيب والتلفيقات.
يقول ابن سحيم كذباً على الشيخ في انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كتب رسالة إلى علماء الأمصار عند ظهور دعوة الشيخ آنذاك( )، فكان مما قاله:
(ومنها أنه أحرق (دلائل الخيرات) ( ) لأجل قول سيدنا ومولانا، وأحرق أيضاً (روض الرياحين) ( )، وقال هذا روض الشياطين.. ومنها أنه صح عنه أنه يقول لو أقدر على حجرة الرسول هدمتها.. ومنها أنه قال الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها، هي بدعة وضلالة تهوي بصاحبها في النار..) ( ).
وحين أرسل ابن سحيم هذه الرسالة إلى العراق.. كان ممن أجابه أحمد بن علي القباني في مجلد ضخم، فكان مما قاله القباني – معلقاً على كلام ابن سحيم السابق - :
(أقول فعله – أي الشيخ – هذا جرأة منه على جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم تعظيمه، وإكرام مقامه، وعدم مبالاة بالدين، إذ أقدم على إحراق كتاب موضوع في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وفي كيفية الصلاة عليه…)(5).
ويقول في موضوع آخر من كتابه:
(فظهر لك أن قول هذا المخذول - أي الشيخ - لو أقدر على هدم حجرة الرسول هدمتها قول من لم يتبع سبيل المؤمنين، في تعظيم حرمات سيد المرسلين، بل إنما ذلك قول من اتبع واقتدى بإبليس اللعين ومن تنقيص مقام حبيب رب العالمين) ( ).
ثم جاء ثالثهم علوي الحداد، فزاد عليهم إفكاً وبهتاناً وذلك في كتابه (مصباح الأنام) فزعم أن الشيخ:
(كان ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً بعبارات مختلفة، منها قوله: إنه طارش بمعنى أن غاية أمره أنه كالطارش الذي يرسل إلى أناس في أمر فيبلغهم ثم ينصرف، وكان بعضهم يقول عصايا خير من محمد، لأنها ينتفع بها بقتل الحيَّة ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع أصلاً، وإنما هو الطارش ومضى، وبهذا يكفر عند المذاهب الأربعة، ومن ذلك أنه كان يكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويتأذى من سماعها وينهى عن الجهر بها على المنابر، ويؤذي من يفعله، ومنع من الإتيان بها على المنابر ليلة الجمعة ولذلك أحرق (دلائل الخيرات) وغيره من كتب الصلاة على النبي من تستر بدعوى أن ذلك بدعة) (1).
ويقول الحداد في موضع آخر من كتابه:
((وكان يقول) أن الربابة في بيت الخاطئة أقل إثماً ممن يناجي ويذكر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على المنابر) (2).
وساق أحمد بن زيني دحلان في كتابه (خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام) (3)، وفي كتابه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) (4) قريباً مما ذكره صاحب (مصباح الأنام).
ونقل صاحب (جلاء الأوهام) ما افتراه دحلان، وزاد في بهتانه حيث قال:
(قولهم حيث أن محمداً بلّغ القرآن ومات، فعند نزول آخر آية من القرآن انتهت رسالة محمد، وسقطت عنه حقوق الرسالة. وهذا معنى تسميته (طارشاً)، ومعناه عندهم (مرسل جاء برسالة فبلغها وذهب) فلا علاقة للناس فيه، والالتفات إليه شرك) (1).
ويكذب مرة أخرى فيقول: (قولهم – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه – أن الله أرسل محمداً وأنزل عليه القرآن ليبلغه للناس، وما أذن له أن يشرع للناس أشياء من عنده، فالدين كله في القرآن، وكل ما جاء به الحديث ويسميه المسلمون سنّة واجبة فهو باطل، ولا يجوز التعبد والعمل به)(2).
واستحدث محسن الأمين العاملي للفرية وجهاً آخر – عدا ما نقله عن صاحب (خلاصة الكلام) فذكر أن اعتقاد (الوهابيين) في ضريح المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه صنم من الأصنام، ووثن من الأوثان بل هو الصنم الأكبر والوثن الأعظم) (3).
وتلقف صاحب (سعادة الدارين) ما افتراه علوي الحداد (4)، وكذا يوسف النبهاني تلقف كلام دحلان، وسوّد به صحائف كتابه الذي أسماه (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) (5).
وأنشد أحدهم شعراً في هذه الفرية فقال :
يا محرقاً روض الرياحين الذي *** يحكي حكاي الصالحين الزهد
يا مفتيا بخراب قبة أحمــد *** كنز العلوم الهاشمــي السيد (6)
وقدم حسن خزبك هذه الفرية بأسلوب آخر، وذلك في كتابه (المقالات الوفية) فقال عن الشيخ:
(وكذا تنقيصه الرسل والأنبياء وهدم قببهم … ومنعه من قراءة خبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم وضرب رقاب من يناجي في المنارة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) (7).
ثم جاء محمد نجيب سوقية، فسطّر هذه الفرية بأسلوب يتظاهر فيه بحب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال:
(ومما تقشعر منه الجلود ما سمعت عن بعضهم أنهم يقولون محمد كالعصا لا يضر ولا ينفع بل العصا اليوم أنفع من محمد بعد موته …) (1).
ثم قال: (إن هذه الفرية تعرضت لسخط الله بإيذائهم لحبيب الله صلى الله عليه وسلم) (2)، وعقد المدعو، محمد الطاهر يوسف فصلاً في كتابه (قوة الدفاع والهجوم)، وهذا الفصل مملوء بالأكاذيب على الشيخ وأتباعه، حيث جعل عنوانه: (بيان استخفاف الفرقة المعتزلة من السنّة النبوية لقدر نبينا وسيدنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم) (3).
ثم عقد فصلا ً آخر قال فيه عن اتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
(ومما يدل على استنقاصهم واستخفافهم لقدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذه اللفظة المجردة عن الأدب والحياء وهي (محمد لا يعلم الغيب)) (4).
ويزعم صاحب كتاب (إسلامي فرقي) عن الشيخ كذباً وزوراً أن الشيخ يعلن أن تعظيم الرسول شرك (5).
.
=====
ونختم هذا الإفك المبين بما ذكره الشيخ محمد منظور النعماني في كتابه (دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب).
(وقد سمعت وقتئذٍ أكذوبة عجيبة: أن رجلاً يحمل اسم عبد الوهاب النجدي وكان يتزعم الطائفة الوهابية، كان قد بلغ من عدوانه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ورد المدينة المنورة يتظاهر بالصلاح والتقوى … وسكن بيتاً على الكراء من أجل أن يتخذ في داخل الأرض سرباً من بيته إلى روضة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن من العبث بالجثة المطهرة – نعوذ بالله من ذلك – إلا أنه لم يستطع تحقيق أمنيته حيث تراءى النبي في المنام للملك الذي كان يحكم الحجاز آنذاك، وقال له في المنام: إن رجلاً من نجد خبيثاً رقيعاً يتخذ النفق في الأرض من أجل الغرض الخبيث، فبحث الملك عن الرجل عبد الوهاب النجدي، وقبض عليه فعلاً وضرب عنقه.
ولا أزال أذكر أن الناس كانوا يتناقلون هذه الأكذوبة كحقيقة تاريخية معلومة مقررة، ولذلك فلم أشك فيها قط، لأني لم أجد أحداً يرفضها أو يشك فيها) (6).
ويقول حافظ وهبة في كتابه (جزيرة العرب):
(ولقد سمعت في نجد أن حكام نجد الشمالية أثناء خصومتهم مع آل سعود كانوا يكتبون إلى الأتراك أن آل سعود اتخذوا راية شعارها: لا إله إلا الله محدّ رسول الله (بحذف ميم محمد (أي لا أحد رسول الله وهذا كله تنفيراً للأتراك من خصومهم، وهم يعلمون حق العلم أن هذا كذب) (7).
وقد بلغت هذه الفرية – أعني فرية انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم - الإمام الشيخ، فكان جوابه عما افتراه عليه ابن سحيم بما يلي:
(سبحانك هذا بهتان عظيم، ولكنه قبل من بهت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم، ويسب الصالحين، تشابهت قلوبهم، وبهتوه أنه يزعم أن الملائكة، وعيسى وعزير في النار، فأنزل الله في ذلك إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون  (1)…) (2).
ويقول الشيخ – رحمه الله – في تكذيب هذا الافتراء:
(وما ذكره المشركون عليّ أني أنهى عن الصلاة على النبي، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم … فكل هذا كذب وبهتان، افتراه عليّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس) (3). (5).
ويقول - أيضاً - في رسالة بعثها إلى عبد الرحمن السويدي أحد علماء العراق، مجيباً عن افتراء ابن سحيم – الذي أرسله إلى سائر البلدان ومنها العراق -.
(يا عجبا كيف يدخل هذا في عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون ؟، وكذلك قولهم إنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم لهدمتها (أي من البهتان)، وأما (دلائل الخيرات) (6) فله سبب، وذلك أني أشرت إلى من قبل نصيحتي من إخواني، أن لا يصير في قلبه أجلّ من كتاب الله، ويظنّ أن القراءة فيه أجلّ من قراءة القرآن، وأما إحراقه والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظٍ كان فهذا من البهتان)(5).
ومما كتبه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ذاكراً هذه المفتريات ثم معقباً عليها بالدحض والرد، حين دخل مكة في محرم سنة 1218هـ (وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق بأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا النبي رمة في قبره، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل عليه  فاعلم أنه لا إله إلا الله  (7) مع كون الآية مدنية … وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم … فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً كان جوابنا في كل مسألة من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى.
ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك.
والذي نعتقده أن مرتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته، إلا أنه لا يشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد من ذلك الزيارة … فلا بأس، ومن أنفق أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه – عليه الصلاة والسلام – الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همَّه وغمَّه كما جاء الحديث عنه …..) (1).
ويقول الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود موضحاً وجوب تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(وأما قولك أن ناساً من أصحابنا ينقمون عليكم في تعظيم النبي المختار صلى الله عليه وسلم، فنقول بل الله سبحانه افترض على الناس محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وأن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم والناس أجمعين، لكن لم يأمرنا بالغلو فيه وإطرائه، بل هو صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك …) (2).
ومما سطره قلم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في كتابه (تأسيس التقديس في كشف تلبيس بن جرجيس) في الرد على داود حيث زعم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أبو بطين رحمه الله:
(وسلفه - أي داود – في ذلك عبّاد المسيح لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادته، قالوا تنقص المسيح عليه السلام، ونحن إنما نهينا عن الغلو فيه صلى الله عليه وسلم الذي حذر منه بقوله: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)(3)، وقوله: (ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله) (4)، وقوله (لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد)(5) وقوله للذي قال: ما شاء الله وشئت، (أجعلتنى لله نداً (6)) (7).
ويتعجب علامة العراق محمود شكري الألوسي من هذا الافتراء، فيقول:
(وأعجب من هذا تقوّل هذا العراقي من المبتدعة والغلاة على أهل الحق القاصرين الألوهية على خالق الخلق، إنهم ينتقصون الرسول والنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وينسبون إلى جنابه ما لا يليق بأعتابه ….. سبحانه إله الخلق ما أحلمه، وما أجل سلطانه وأعظمه) (8).
وكتب أحد علماء نجد (9) رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة (10) حين زعمت الجريدة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يقولون: إن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعظم شناعة هذا الافتراء وقبحه، ثم أعقبه بالتكذيب لهذه الفرية، ثم بيان مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما له من حقوق وواجبات، فكان مما قاله – جواباً على ذلك الكذب -:
(الله أكبر على هؤلاء الملاحدة الذين ينفرون الناس عن الدخول في دين الله، ويصدون عن سبيل الله من آمن به، ويبغونها عوجاً، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون، فمن نسب هذا إلينا وافتراه علينا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وفضحه على رؤوس الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
ويا سبحان الله كيف يتصور وقوع هذا عاقل أو جاهل أو مجنون ؟ ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه موقوف بين يدي الله ومسئول عن ذلك، بل لا يقوله إلا من هو أضل من حمار أهله، نعوذ بالله من رين الذنوب وانتكاس القلوب، ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
بل نشهد الله وملائكته وجميع خلقه أنا نشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعاملين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه للإيمان منادياً وإلى دار السلام داعياً، وللخليقة هادياً.. أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق، وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته ومحبته، وتعزيره وتوقيره والقيام بحقَّه، وسدَّ إلى الجنَّة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه، فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب، لما فتح يفتحها لأحد إلا من طريقه، فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب، لما فُتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين، وعلى منهاجه وطريقه من السالكين، إذا تحققت ما قدمته لك فكيف يصح مع هذا أن نقول أن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم؟ سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) (1).
ويقول ابن سحمان في كتابه (كشف غياهب الظلام) في معرض الرد على هذا البهتان:
(وأما قوله: ولا يتحاشون من الطعن بالرسول عليه الصلاة والسلام بكل بذاءة. فالجواب أن نقول سبحانك هذا بهتان عظيم، ومن افترى علينا هذا ونسبه إلينا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وفضحه على رؤوس الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) (2).
(وأما قوله: أن محمداً بلغ القرآن ومات … وانتهت رسالته … الخ فالجواب: أن نقول هذا كله كذب وافتراء على الشيخ ما تكلم بهذا، ولا قاله ولا نقله أحد يعتد بنقله، بل هذا من الموضوعات الملفقة، وصريح الإفك والزندقة، وهذه رسائل الشيخ ومصنفاته موجودة، وليس فيها شيء من الترهات والأقاويل الباطلة والتلفيقات، إن هي إلا أوضاع وضعتموها من أنفسكم لتموهوا بها على أعين الناس، وتنفروا بها عن الدخول في دين الله ورسوله بغياً وعدواناً) (3).
ويقول ابن سحمان في كتابه (الأسنة الحداد) دحضاً لهذا الافتراء:
(والجواب أن يقال الله أكبر على هؤلاء الملاحدة الذين يصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجاً، فإن هذه الأكاذيب مما لا يمتري كل عاقل أنها كذب) (4).
ويقول في قصيدة نظمها رداً على دحلان:
ودعواك في مزبور مينك (5) أمـره *** بقتل امريء صلّى على خير من يهدي
عليه صلاة الله ما هبّت الصــبا *** وما انبعث ورق الحمائــم بالغـرد
فذا ظاهر البطلان يعلـــم رده *** على أنه زور من القول في النــقد
فمهلاً عداء الدين ليس يشـــينه *** ملفق مزبور من المين لا يجـــدي
فلن يضع أعداء الأعداء ما الله رافع *** ولن يرفع الأعداء من كان بالضـد (1)
ويقول ابن سحمان في قصيدة أخرى داحضاً تلك الفرية وراداً على أحمد باشا مؤيد العظمى (2) :
فليس اتباع المصطفى يا ذوي الردى *** يكون معاداة وبغضاً لذوي المــجد
ولكنه عين الكمال لأنـــــه *** على وفق ما قد قال في كل ما يبـدي
وتعظيم أمر المصطفى باتباعـــه *** وترك الذي يأباه من كل ما يـــرى
فيأتي الذي يرضاه من كل مطلـب *** ويجتنب النهي الذي كان لا يجــدي(3)
ويقول أيضاً في قصيدة ثالثة يمتدح المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرد على ما ذكره محمد عطا الكسم في كتابه (الأقوال المرضية) (4)، ويورد ابن سحمان – رحمه الله – بعض خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان مما قال:
لعمري لقد أعطـاه ربي فضائلاً *** وخص بها الرحمن فضلاً محمداً
فأعطى لواء الحمد والكوثر الذي *** حباه إله العرش حقاً وأصعداً
وقد خصه المولى بما لم نحـط به *** ونحصيه علماً أو حساباً محدداً
فدع عنك ما قال الغلاة وأوردوا *** بذلك أخباراً ودراً منضــداً
فأخبارهم موضوعة ونظامهــم *** لعمر إلهي باطل واهي السدا (5)
ويقول الشيخ محمد بن عثمان الشاوي - رحمه الله - في مؤلفه (القول الأسد في الرد على الخصم الألد) أثناء الرد على خصوم الدعوة السلفية، ذاكراً هذه الفرية والجواب عليها فكان مما كتبه:
(وقد رموهم بعظائم يعلم الله تعالى أنها لم تصدر منهم، ونسبتهم إلى تنقص الرسول وعد م الصلاة عليه، وما ذاك إلا أنهم لم يغلوا امتثالاً لقوله (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) (6)، وإلا فهم بحمد الله أعظم الناس محبة للرسول ومتابعة له، ورعاية لحقه، وهو أجل في عيونهم من أن يخالفوا سنته أو يخالفوا أقواله بمجرد العوائد الباطلة، أو الأقيسة الفاسدة بخلاف كثير من هؤلاء الذين جمعوا بين الإفراط والتفريط، فأفرطوا بالغلو فيه وإطرائه، حتى رفعوه من منزلة العبودية إلى منزلة الإلهية والربوبية، وفرطوا في اتباعه، فنبذوا سنّته وراء ظهورهم، ولم يعبأوا بأقواله، وخالفوا نصوصه الصريحة الصحيحة بغير مسوغ ولم يكتفوا بذلك حتى جعلوا يعيبون على من جدّ واجتهد في اتباعه، لما ألفوه من العوائد الباطلة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما حقه هو تعزيره وتوقيره واتباع ما جاء به، واقتفاء أثره، وتصديقه وتقديم محبته على الأهل والمال، وأما العبادة فهي له وحده لا يشركه فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل)(7).
وقد ساق الشيخ فوزان السابق – رحمه الله – فرية مختار ثم أعقبها بالرد نذكر من ذلك قوله:
(قال الملحد: واعلم يا أخي أن للوهابيين وإخوانهم أعداء الله ورسوله مطاعن كثيرة بالرسول صلى الله عليه وسلم، كلها من المكفرات، وإن كانت بحد ذاتها من المضحكات، تجل عقول الصبيان عن التمسك بها) أ.هـ
أقول على زعم هذا المفتري بأننا أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، سبحانك هذا بهتان عظيم..، فزعم أننا أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بغير برهان من الله تعالى، وما حمله على ما رمانا به من الافتراء علينا إلا أننا قد جردنا اتباعنا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحققنا ما جاء بهما قولا ً وعملاً مقتفين أثر السلف الصالح …) (1).
ومما ذكره فوزان السابق أيضاً عن تلك الفرية أنه قال:
(وهذا كله زور وبهتان، بل ظلم وعدوان يراد به الصد عن سبيل الله والبغي على عباده المؤمنين الداعين إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن الملحد لم يسند شيئاً مما نسبه إلى الوهابيين، وادعاه عليهم إلى الثقات ولم ينقله عن كتب العلماء الذين يعتمد عليهم، بل كله بهت لا يتصور …) (2).
ومما قاله فوزان السابق – أيضاً - رداً على فرية المدعو مختار بزعمه أن الوهابيين يحرمون الصلاة على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ويكفرون من فعل هذا، فقال رحمه الله:
(والجواب أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم) لا يصدقه عاقل، ولا يسيغه من في قلبه وزن ذرة من إيمان، فهو اختراع شيطان رجيم، نبرأ إلى الله تعالى منه، ومن مخترعه الأثيم، ونؤمن بالله وكتبه ورسله، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله أجمعين، وسيد ولد آدم وأن الله تعالى صلى عليه وملائكته، وأمر عباده بالصلاة والتسليم، وأن من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
اللهم صلّ وسلّم عليه بعدد من صلى وسلّم عليه، وبعدد من غفل عن الصلاة والتسليم عليه إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم على سيد المرسلين وإمام الحنفاء الموحدين، صلاة دائمة إلى يوم الدين، وإن رغم أنف الحاج مختار العظمى الكذّاب الأثيم، والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل) (3).
ويرد الشيخ محمود شوبل على محمد البكري أبي حراز حين زعم هذا الحرازي أن الوهابيين ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فكان ردّه أنه قال:
(ولا ندري أين وجد الحرازي الكذوب أن الشيخ محمد أو أولاده منعوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه كتبهم طافحة مليئة بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر إلا مقروناً بالصلاة والتسليم كلما ذكر، بأبي هو وأمي، والناس أجمعين.
وقد قدمنا أن الشيخ محمد رحمه الله مقلد مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والصلاة على النبي في الصلاة ركن من أركان الصلاة تبطل الصلاة بتركها، فإنا لله وإنا إليه راجعون) (4).
ويقول مسعود الندوي – مستغرباً ذلك الافتراء – في كتابه (محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه):
(إن الزمان لغريب، وإن نوادره لعجيبة فالرجل الذي يقوم ويقعد وينام تحت ظل ظليل من سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها هي غطاءه وفراشه يتهم بإنكار الحديث) (5).
ويقول صاحب كتاب (النفخة على النفحة) رداً على تلك الفرية:
(وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تظن أن أحداً من المسلمين على كرة الأرض يهم بتنقيصه، أو يبغضه. وفي مذهب الحنابلة أن شاتم الرسول يقتل تاب أو لم يتب) (1).
ويقول الشيخ صالح بن أحمد في كتابة (تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور)، راداً على كذبه بأن الوهابيين انتقصوا نبي الرحمة، فكان مما قال الشيخ صالح بن أحمد:
(فمن يساوي الأحرار برسول رب العالمين، صاحب المقام المحمود القائل (أنا سيد ولد آدم) (2) فضلاً عن العبيد، ولا شك أن قوله (أنا سيد ولد آدم) يشمل الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم، إن هذا لبهتان عظيم، قاتل الله المفترين وما أظن قائل هذا القول يبقى له حظ في الإسلام، لأنه حقّر سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، فلو ساواه بخيار أمته لكان محقراً له، فكيف إذا ساواه بالعبيد، ولا غرابة أن هذا دأب أعداء الأنبياء والرسل ومتبعيهم من قديم، ينسبون إليهم كل مستقبح من قول أو فعل) (2).
ويقول عبد الله بن علي القصيمي في كتابه (الصراع بين الإسلام والوثنية) داحضاً فرية الرافضة في الكذب على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها تنتقص الأنبياء والرسل، - كما زعم ذلك العاملي في كتابه (كشف الارتياب) – مع أنه من المعلوم أن الرافضة من أكذب الناس حديثاً، فلا غرابة أن يبهتوا الشيخ بهذه الفرية، يقول القصيمي:
(والجواب أن يقال: ما صدق الرافضي، ولا أنصف، حيث زعم أن هذا الذي ذكره هو اعتقاد الوهابيين في النبي والأنبياء، وقاتل الله الكذّابين وقاتل هذه الفرقة، فما يوجد على الأرض أكذب منها، ولا من يستحل الكذب والظلم والزور مثلها …
واعتقاد الوهابيين في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يجب على كل مسلم أن يعظمهم التعظيم المشروع كله أحياءً وأمواتاً، وأن يحبهم الحب الصادق العاقل أكثر من حبه لنفسه ولأهله وللناس أجمعين، وأن يعلم أنه لا نجاة له في أخراه وفي أولاه أيضاً إلا بطاعتهم واتباعهم والأخذ بهديهم واقتفاء آثارها أحياءً وأمواتاً، وأن يعلم أنهم هم وحدهم دون البشر – جميعاً – وساطات البلاغ المبين بين الله وبين عباده، وأن يعلم أنهم هم دون غيرهم المعصومون اللذين افترض الله على البشر أن يطيعوهم وأن يصدقوهم في كل ما قالوا وما أخبروا، وفي كل ما نهوا وأمروا…)(3).
ثم يرد عليهم في موضع آخر من نفس الكتاب:
(وأما زعمه أنهم يمنعون تعظيمه عليه الصلاة والسلام، وأنهم يرونه كفراً وعبادةً للأصنام، فمن الأكاذيب التي سيسود لها وجه مفتريها عند الله يوم تبلى السرائر، بل هم لا يشكون أن تعظيمه التعظيم المشروع هو أصل الإيمان والإسلام ولا يشكون أن من لم يعظمه صلى الله عليه وسلم هذا التعظيم فليس بمسلم ولا مؤمن) (4).
ويقول في موضع ثالث منه.
(أما ما ذكره عن (خلاصة الكلام) تأليف شيخ الكذب دحلان من أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يقول إن العصا خير من الرسول، وأن ذلك كان يقول في حضرة الشيخ فيسمعه ويرضاه، فهذا كله وأمثاله من أرذل الأكذوبات وأرخصها، وأننا نتحدى هذا الرافضي وإخوانه، ونطلب إليهم جميعاً أن يسندوا شيئاً من هذه الأقوال عن أحد الوهابيين، لا نطالبهم أن يسندوه عن الشيخ محمد، ولا عن عالم من علمائهم، فالمسألة أسمى من أن نطلب إليهم ذلك، بل أننا نطالبهم أن يسندوه عن جاهل من جهلائهم، وإلا فالكذب يقدر عليه أقل الناس عقلاً وعلماً وفهماً، وإذا استعان الخصم على خصمه بالكذب والاختلاق فقد لجأ إلى ركن غير وثيق، وأخذ بسبب مقطوع، وباع نفسه وعلمه في سوق الكاسب فيها خاسراً) (1).
ويقول الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي موضحاً حرص الشيخ الإمام وأتباعه على تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به:
(والشيخ محمد رحمه الله ألفّ (مختصر السيرة)، وقد طبع عدة مرات، وانتشر في سائر الأقطار، فلو لم يكن محباً للرسول لما ألف سيرة له، ومن لا يحب الرسول لا يكون مسلماً بل يكون يهودياً أو نصرانياً.. والشيخ وأتباعه يحثون الناس على التمسك بسنّة الرسول الصحيحة، ويشددون النكير على من يخالف سنّة الرسول ويعدونه مبتدعاً، أما هذا دليل على كمال حبهم وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولكن المنحرفين يرون حب الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءة الأناشيد والأشعار والاستغاثات … فمن عمل بهذا فهو محب للرسول، وإن ارتكب الموبقات وتلطخ بقاذورات المبتدعات ومن لا فلا) (2).
ويذكر عبد الرحمن عميرة الدافع إلى افتراء هذه الكذبة، ثم يعقبها بالدحض:
(إن الحاقدين والضالين عن طريق الحق يعلمون مدى حب الأمة الإسلامية لرسولها - صلى الله عليه وسلم -، فأرادوا بتلك الفرية الجديدة أن يوغروا قلوب المسلمين، وأن ينفروا الأتباع من السير في دعوة التوحيد، فاختلقوا هذا الضلال المبين الذي لا يقوم عليه إلا من كان أسود القلب ضال البصيرة، يبغي محاربة الله ورسوله والصد عن سبيله.
ثم يقول: الرجل الذي جاء يدعو المسلمين بالعودة إلى القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم تقولوا عليه بأنه يكره الصلاة على الرسول الكريم، إنه الإفك بعينه والادعاء الذي لا يقف على قدمين. الرجل الذي يلتزم بكل ما أمر به القرآن، يقولون عليه يكره الصلاة على النبي.. !
أنَسِي هؤلاء أن الصلاة.. على الرسول صلى الله عليه وسلم هي أمر من الله قبل أن تكون من الرسول، إن الله سبحانه وتعالى يقول:  إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً  (3).
أما الذي يكرهه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونهى عنه فهو الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان، وعلى المنابر يوم الجمعة فهو بدعة محدثة) (3).
ونؤكد في خاتمة هذه الردود المختلفة والحجج الدامغة في دحض هذه الفرية الكاذبة الخاطئة، أنه بمجرد إلقاء نظرة - ولو كانت عابرة - على مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتب أتباعه ورسائلهم سيتضح – يقيناً – مدى شناعة هذا الافتراء، وعظم ذلك البهتان، كما ندرك ما كان عليه الشيخ الإمام وكذا أتباعه – من بعده – ومن سار على نهجه من الحرص التام على تعظيم وإجلال المصطفى صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر (4).
فإن بان من خلال تلك البراهين بعضاً من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ووجوب متابعته وتعظيمه وتوقيره، كما سطّره علماء الدعوة وأنصارها، فإنه من المناسب أن ننقل شيئاً من أقوال الخصوم في وصف وحق المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يكتمل هذا المبحث، ويقارن - إن كان ثمت مقارنة - بين أقوال أئمة الدعوة واعتقادهم نحو نبينا صلى الله عليه وسلم، وبين اعتقاد هؤلاء القوم.
وسنورد بعضاً من أقاويل الخصوم في هذا الشأن، مع الإشارة - أحيانا- إلى الرد عليها:
يقول صاحب كتاب (إزهاق الباطل):
(إن محمداً وأهل بيته أنوار مقدسة خلق الله الخلق لأجلهم) (1).
(ويحكي القباني بعض المطاعن – الكاذبة – ضد الشيخ الإمام فكان مما تقوّله:
(وتنقيص جناب من خلق لأجله الأكوان) (2).
ويذكر عبد الله القصيمي شيئاً من غلو الرافضة في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما نقله محسن العاملي – صاحب كتاب (كشف الارتياب) عن أحد شيوخهم إبراهيم بن يحيى الشيعي الاثنى عشري في امتداح المصطفى فقال:
ساد الورى بفضائل وفواضل وأقلها إيجاد هذا العالم(3)
ويقول أبو بطين رحمه الله في كتابه (تأسيس التقديس):
(ومن غلوهم ما قاله داود العراقي: وقد ورد أن الدنيا والآخرة خلقتا لأجله صلى الله عليه وسلم).
ثم أجاب الشيخ أبو بطين على ذلك قوله: (وهذا حديث لا يصح والله سبحانه قد أعلمنا بالحكمة في خلق هذه المخلوقات كقوله  وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  (4)، وقوله عزَّ وجلَّ: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}(5). فأخبر سبحانه بالحكمة في خلق هذه الأشياء، وأنه إنما خلقها للحكم التي ذكرها لا لأجل أحد من عباده … ولو صح لم يكن فيه حجة ولا شبهة يستأنس بها لما ادعاه، مع أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على ربه، وأقربهم إليه وسيلة صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، ولكن نهى عن الغلو فيه فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله …) (5)) (6).
ويقرر علوي الحداد كلاماً حول جسد المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول:
(إن الجسد الشريف لا يخلو منه زمان ولا مكان، ولا محل إمكان، ولا عرش ولا كرسي، ولا غير ذلك من المخلوقات، وإن امتلاء الكون به صلى الله عليه وسلم كامتلاء الكون الأسفل، وكامتلاء قبره به، فتجده مقيماً طائفاً حوالي البيت قائماً بين الملأ الأعلى بين يدي ربه، لأداء الخدمة، ألا ترى إلى الرائين له يقظاً ومناماً يرونه في وقت واحد في أمكنة بعيدة) (7).
ويجيب ابن سحمان عن ذلك الكلام السابق بقوله:
(واعلم أيها الواقف على ما حرره هذا الملحد وأضرابه من المشركين، أنهم قد تنقصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التنقص، وهضموه أعظم الهضم، فإنهم قد تنقصوه من حيث ظنهم أنهم قد عظموه، فإنهم بهذا الغلو والإفراط حيث زعموا أنه لا يخلو منه زمان ومكان ولا محل …. الخ، فما صانه أعداء الله عن الحشوش والقاذورات، ولا عن بطون الحيوانات من الكلاب والخنازير، ولا من جميع المخلوقات الطيب منها والمستخبثات، ثم أن قولهم قد امتلأ العرش والكرسي أمر مستحيل في الفطر والمعقولات كما هو مستحيل في المنقولات. فأين يكون رب العرش والسموات ؟ فهو من أمحل المحال وأضل الضلال) (1).
ويورد محمد عطا الكسم وصفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم :
(هو قطب الأقطاب، فهو ممد لجميع الناس أولاً وآخراً، فهو ممد كل نبي وولي سابق على ظهوره حال كونه بالغيب، وممد أيضاً لكل ولي لاحق، فيوصله بذلك إلى مرتبة كماله في حال كونه موجوداً في عالم الشهادة) (2).
وينقل حسن خزبك هذه الأبيات مقرراً لها:
فاكشف له كربة أودت بهجـته *** يا خير من كشفت عنا به الكرب
فما دعوناك في تفريج شدتــنا *** إلا لأنك في تفريجها سبـــب
وأنت باب العطاء والجود يا أملي *** بك الإله على طول المدى يهـب (3)
ويقول القصيمي رداً على فرية الرافضة … ومقرراً تناقضهم وتضاربهم في ذلك:
(ولكن الاعتقاد الباطل الموبق هو اعتقاد الشيعة في النبي صلى الله عليه وسلم وفي سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين، وذلك أنهم قد ذهبوا إلى أن الأنبياء ليسوا وحدهم المخصوصين بالعصمة من الخطأ والزلل، وليسوا وحدهم المخصوصين بالوحي، وبنزول الملائكة، بل قد زعموا أن الأئمة معصومون من ذلك، ومن أكثر من مثل الأنبياء والرسل، فإنهم يوحى إليهم كما يوحى إليهم.
وقالوا أنه لولا علي وجهاده، لما اخضر للإسلام عود، وهذا من شر الهجاء لرسول الله ولصحابته وللمسلمين) (4).
وبهذا يظهر بعض تناقض الرافضة وتضارب أقوالهم، فمرة يبلغ بهم الغلو إلى أن يزعموا بأن محمداً خلق لأجله الكون، بل إن إيجاد الكون أقل فضائله - كما مرّ ذكره -، ثم يصل بهم الجفاء في حقه حتى أشركوا معه أئمتهم في العصمة، بل يزيدون على ذلك ويجعلون منزلة أئمتهم فوق منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبالإجمال يتضح ما عليه هؤلاء الأدعياء - صوفيّة أو رافضة أو غيرهما - من الغلو في محمد صلى الله عليه وسلم، ورفعه فوق منزلته، مخالفين بذلك هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومتبعين بهذا اللغو الشنيع غير سبيل المؤمنين( )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق