واقع أهل السنة في العراق ومستقبلهم وانعكاس ذلك في المنطقة
د. زياد العاني | 13/12/1427 هـ
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، وبعد:
أولاً: واقع أهل السنة ومستقبلهم
لم يكن مستغربا عند أهل الحل والعقد من أهل السنة في العراق ما حصل من الشيعة ضد السنة بعد الاحتلال، وإن كان مفاجئاً لعامتهم, ذلك لأنهم عاشوا مع الشيعة جنباً إلى جنب ولم يقع أي اضطهاد طائفي بينهم طيلة القرون الأخيرة
المنصرمة، بل كانت العلاقات طيبة وعلى أحسن ما يرام، لذلك لا نجد عندهم أي إحساس سلبي أو خوف من شركاء الوطن وإخوة الدين ... إما أنه لم يكن مستغرباً من عقلائهم وقادتهم ومفكريهم ولاسيما الإسلاميين منهم؛ ذلك لما اطلعوا عليه من خطط عن ساسة القوم وعليتهم، أو ما يمكن أن نسميه بروتوكولات مدروسة بيتت الشر وأعدت العدة للهيمنة والسيطرة على البلد بأسره عند أية فرصة سانحة، وهذا ما تجده وأنت تقرأ بطون كتبهم الصفراء أو تصفح التاريخ وتنظر في مواقفهم عند كل غزو تعرض له العراق من البويهيين أو الصفويين وأخيراً ما حصل لأهل السنة في إيران بعد نجاح ثورة الخميني، ولقد وقع بأيدينا بعض من بروتوكولاتها وخططهم المستقبلية للهيمنة على المنطقة وتشييعها قبل أكثر من عشرين سنة، ومما وقع في أيدينا الخطة الخمسينية التي تهدف إلى تشييع إيران برمتها، وكذلك العراق والدول المجاورة ...
لذلك فان مستقبل أهل السنة في العراق إن استمر الوضع على ما هو عليه مظلم ولا يبشر بخير. ويمكن أن نتكلم عن ذلك وفق الآتي :
1- هيمنة الشيعة على جميع مرافق الدولة وسيطرتهم على الوزارات كافة وطردهم لأهل السنة منها، إما بالفصل أو بالتهديد أو بالقتل أو بالخطف، سواء كانت هذه الوزارة خدمية أم سيادية، مما سيؤدي إلى إفقار أهل السنة وابتعادهم عن المجتمع ... بل إن السني لا يستطيع مراجعة الكثير من دوائر الدولة ولا سيما المستشفيات لأنها تحولت إلى بؤر لمليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر.
2- أن سيطرة الشيعة على الأجهزة الأمنية والعسكرية -كالجيش والشرطة والأمن الوطني وغيرها- جعل أهل السنة تحت طائلة المساءلة المستمرة وعرضة للاعتقال والتعذيب والقتل، مما حدا بأغلبهم إلى الهجرة من مناطق التماس والنزوح عنها وتركها للشيعة، وقد بدؤوا بتطبيق خطة التهجير في بغداد التي نصف سكانها من السنة فسلطوا المليشيات وقوات المغاوير والحرس الوطني على العوائل والأهالي العزل فقتلوا من قتلوا واعتقلوا من اعتقلوا مما أضطر أهل السنة في أغلب مناطق الرصافة إلى النزوح والهجرة منها خارج الوطن أو إلى المناطق السنية، وكذلك فعلوا في بعض أجزاء الكرخ كالشعلة وأبو دشير وغيرها.
3- أن استمرار هجرة السنة من العراق تحت هذه الضغوط المتقدمة والمتواصلة سيؤدي إلى اختلال المعادلة الديمغرافية. إذ أن خطتهم الآن السيطرة على بغداد، وقد ابتدأت، وبالتالي ستخلوا لهم بغداد تحت وطأة الضربات الهمجية البربرية المغولية الصفوية والتي تقوم بها المليشيات بدعم القوات الحكومية الشيعية. والخطة التالية هي الهيمنة على طوق بغداد السني، إذ أن بغداد محاطة بمدن سنية كالمدائن والمحمودية واليوسفية والطارمية وأبي غريب والتاجي والرضوانية وغيرها، والآن هناك خطط لتهجير السنة من هذه المدن وتغيير ديمغرافيتها .. وهناك أيضا خطط للسيطرة على محافظة ديالى وتهجير السنة منها، وقد سيطروا على الطرق الموصلة بينها وبين بغداد ونصبوا السيطرات التي تخطف أهل السنة وتقتلهم. وهذه الإجراءات سينجم عنها خلو هذه المناطق من السنة وإحلال الشيعة بدلهم.
4- أن هيمنة الشيعة على مرافق الدولة المهمة وسيطرتهم على الوزارات والمؤسسات التابعة لها سيخل بالمعادلة السياسية وسيجعل القرار السياسي في البلد بيدهم، مما ينجم عنه عزل السنة وإبعادهم عن المشاركة في إدارة بلدهم.
5- نجم عن هيمنة القوى الأمنية والمليشيات على الجامعات العراقية اغتيال العديد من الأساتذة والطلبة مما اضطر الباقين من أساتذة وطلبة إلى ترك الجامعات والتدريس أو الدراسة فيها كما حصل في الجامعة المستنصرية التي تحولت إلى ما يشبه الحسينية، وهكذا في بعض كليات جامعة بغداد ولا سيما مجمع باب المعظم الذي يضم العديد من الكليات، إذ تحت وطأة التهديد ترك الأساتذة كراسيهم في كلية الآداب العريقة وكلية اللغات وكلية الإعلام وكلية التربية، ومثلهم فعل الطلبة؛ لهيمنة المليشيات عليها؛ وحصل مثل هذا في كلية طب الكندي.
6- فعلوا مثل هذا في وزارة التربية والمؤسسات التابعة لها، إذ هيمنوا على هذه الوزارة وأقصوا جميع أهل السنة من مرافقها المهمة وغيروا المناهج الدراسية ولا سيما التربية الدينية والتاريخ ليكتب وفق رؤيتهم ومنهجهم، وقد وظفوا مؤخراً ما يزيد على مئة ألف معلم ومدرس من الشيعة في المدارس الابتدائية والإعدادية خلال السنتين الماضيتين.
أما وزارة الصحة فقد أقصوا جميع المدراء العامين ومدراء المستشفيات وتحولت المستشفيات إلى مصائد لأهل السنة ممن يراجعها للاستشفاء فيقع فيما هو أعظم منه؛ الخطف ثم القتل كما تقدم.
مما سيؤدي في المستقبل إلى انحسار الكفاءات عند أهل السنة والذين اشتهروا بها في العقود السابقة وانحصارها فقط عند طائفة الشيعة؛ مما يزيد من تهميش السنة وإقصائهم.
7- في المجال الاقتصادي قامت الحكومات الشيعية المتعاقبة على الحكم بعد سقوط النظام بتحويل كافة المشاريع الاقتصادية العملاقة من مناطق السنة إلى مناطق الشيعة، مثل مصفى جرف الصخر الذي ابتدأ العمل به عام 1990 وتوقف بسبب غزو العراق للكويت، قاموا بتحويله إلى منطقة الكفل في العمارة، وقاموا بإقرار بناء محطات توليد الطاقة في مناطق النجف والديوانية وغيرها من مناطق الجنوب، بل قرروا نقل المحطات القديمة من مناطق السنة إلى مناطقهم، وهكذا بقية المشاريع. وهذا كله سيؤدي إلى تفشي البطالة عند أهل السنة ويتسبب في إفقارهم وهجرتهم.
8- زيادة على كل ما تقدم فإن الشيعة لا يكتفون بكل هذا، فعمليات التهجير التي استهدفت بغداد وضواحيها (أقضية المحمودية واليوسفية والمدائن والحسينية وسيتلوها الطارمية وأبو غريب وغيرها) لا يكتفون بكل ما تقدم بل يريدون إعادة النظر في حدود المحافظات السنية، فهناك مطالبة باقتطاع جزء كبير من محافظة الأنبار، كذلك اقتطاع أجزاء من محافظة صلاح الدين.
وهناك أيضا ضغط من قبل الأكراد لاقتطاع أجزاء من محافظة نينوى وصلاح الدين وديالى، مما يتسبب فيما لو نجح هذا المخطط بانحسار السنة في مناطق ضيقة غير ذات بال.
9- يزيد في ضعف أهل السنة عدم وجود مرجعية شرعية تجمع سياسييهم كما فعل الشيعة، وفشل علمائهم في تحقيق توافق بين أطياف السنة. كذلك وجود تأثير خارجي (إيراني – سوري) على بعض الفصائل السنية -السياسية منها والمقاتلة- يصب هذا بشكل أو بآخر في مصلحة إيران والشيعة ...
لقد كان هَمُّ غالبية أهل السنة بعد الاحتلال هو مدافعة المحتل ومقاومته، ولم ينتبهوا إلى أن خطر الطائفية أشد من خطر المحتل الغاشم ... لذلك ابتعدوا عن المشاركة في العملية السياسية؛ إذ أن الأغلب عدّها تصب في مصالح المحتل، مما مكن الشيعة الذين جاؤوا على الدبابات من الهيمنة والسيطرة التي تقدم ذكرها، وجاء انتباه أهل السنة إلى المشاركة السياسية كحل للمشكلة الطائفية متأخراً وبعد أن هيمن الشيعة على مفاصل الحكم، ولم يكن بإمكانهم تغيير شيء مما وقع لتمسك الشيعة وتشبثهم واستمرار نهجهم في إقصاء أهل السنة وتهميشهم، إذ رفضوا الموازنة المتفق عليها لحد هذه الساعة مما يؤكد خبث نواياهم وتخطيطهم المسبق.
لعبت إيران دوراً خبيثاً لإنجاح المشروع الشيعي الصفوي إذ دعمت الشيعة بكل قوة وشجعتهم في عملهم السياسي ومنعتهم من مقاومة المحتل، وفي الوقت نفسه عملت مع السنة عكس ذلك؛ إذ شجعتهم على مقاومة المحتل وعلى مقاطعة المشاركة السياسية وروّجت لذلك كي يتحقق حلمهم في الهيمنة السياسة والطائفية على البلد والتحكم بمقدراته، لذلك أفتت المراجع الشيعية من أول يوم بعدم مقاومة المحتل، بل كان لهم دور كبير وفاعل في حل كثير من إشكالاته، وقد ذكر ذلك مفصلاً بريمر في مذكراته لمن أراد الرجوع والاستزادة. (هناك ثلاثة وأربعون رسالة بين بريمر والسيستاني في مدة 14 شهراً قضاها بريمر في العراق).
ثانيا: انعكاس ذلك على المنطقة
لا يخفى على أحد أن إيران بعد نجاح الثورة على الشاه أعلنت صراحة عن نيتها في تصدير الثورة الإسلامية، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يختلف عليها اثنان، وكان ضمن أولوياتها العراق ولبنان وأفغانستان، وقد صرّح قبل أيام محسن رضائي سكرتير لجنة تشخيص النظام في مقابلة نقلتها جريدة الحقائق العدد 313 في 27/9/2006 إذ قال : تم تدريب عناصر للقتال في العراق ولبنان وأفغانستان منذ ثمانينات القرن الماضي.
وهذا ليس بمستغرب، إذ أن هذه الوسائل والتصريحات والتدخلات أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، لكن الغريب في الأمر أن الساسة في هذه البلدان ينكرون هذه التدخلات السافرة بل وينفونها من أصلها، وأن الكثير من الدول العربية تقف موقف المتفرج منها ولا تحرك ساكناً. وقد أصبح هذا الأمر مكشوفاً ومفضوحاً أكثر بعد احتلال العراق، إذ أن البلد احتل من إيران أيضاً، وأصبحت الحكومة الحالية آلة مسخرة بيد حكام طهران ليملوا عليها كيف شاؤوا. ومن هنا يأتي الانعكاس السلبي لتهميش السنة وضعف دورهم في العراق على المنطقة برمتها، وذلك لعدة أمور، منها:
1- هيمنة الشيعة على القرار السياسي في العراق سيؤدي إلى اختلال التوازن في المنطقة التي ستخضع لاستراتيجيات إيران وخططها، ومنها قيام المحور الشيعي الذي يمتد من طهران مروراً ببغداد إلى سوريا وجنوب لبنان، وسيضع هذا المحور الأردن ودول الخليج تحت رحمته.
2- هيمنة الشيعة على العراق سيضع أكبر احتياطي نفطي في العالم تحت تصرفهم (بعد إضافة احتياطي العراق إلى احتياطي إيران) وسيمكن طهران من التحكم في السوق النفطية وتصبح أوربا واليابان والولايات المتحدة تحت رحمتهم.
3- سيطرة الشيعة على العراق ونشوء محور شيعي قوي في المنطقة سيغري العلويين في تركيا للتحرك وتصعيد مطالبهم بما يهدد الأمن الوطني التركي.
4- شيعة دول مجلس التعاون الخليجي (في الكويت والبحرين والسعودية) سيتعرضون لضغوط وإغراءات عديدة للانضمام إلى المحور الشيعي، بل إنهم بأنفسهم سيطالبون بذلك مما سيعرّض أمن دول الخليج للخطر، وقد بدأ تململهم منذ الآن في شرق السعودية وفي البحرين والكويت.
5- ستشهد دول المنطقة مزيداً من التطرف والغلو كردود أفعال لتهديدات الشيعة وسيتعزز ذلك في أوساط السنة.
6- ستشهد المنطقة موجات نزوح وهجرة وفرز طائفي من السنة المضطهدين في العراق مما يعرّض استقرار المنطقة للخطر.
7- سيكون لهذا المحور الشيعي القوي دور كبير في الترويج للفكر الشيعي ونشره في أنحاء العالم الإسلامي، وقد ظهرت بوادر ذلك في فلسطين ودول شرق آسيا والدول الإفريقية ودول أوربا بما تقوم به إيران من أعمال التبشير بمذهبهم المنحرف، ولا شك أن ذلك سيتضاعف أكثر بعد قيام المحور أو الهلال الشيعي، ولا سيما أن هناك رضاً عن الشيعة عند إسرائيل وبعض دول الغرب ومنها أمريكا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق