نهاية الفقر في الصين؟
30/3/2017
أخبار من الجزيرة
لعل أحد أهم الإحصاءات المستشهد بها فيما يتصل بالصين هي تلك التي تتناول عدد الصينيين الذي انتُشِلوا من براثن الفقر على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية. فهو عدد هائل يتجاوز 800 مليون مواطن ــ وهو إنجاز غير عادي. الواقع أن أي دولة أخرى لم تتمكن من تحقيق مثل هذا المستوى من الحد من الفقر في مثل هذه الفترة القصيرة. ولكن ماذا عن ملايين الصينيين الذين تخلفوا عن الركب؟
الواقع أن الحكومة الصينية ملتزمة بإنهاء هذه المهمة، فهي تستهدف خفض معدل الفقر في المناطق الريفية إلى الصِفر بحلول عام 2020. تعهدت السلطات لأول مرة بهذا في الأمم المتحدة في عام 2015، وكررت التأكيد على تعهدها في المناسبات الرسمية اللاحقة. ولكن الوفاء بهذا الوعد ــ والذي يستلزم الآن تحسين رفاهة نحو 45 مليون إنسان، أي ما يعادل تقريبا مجموع سكان السودان ــ ينطوي على تكاليف باهظة.
إن الحد من الفقر، شأنه في ذلك شأن العديد من المساعي المهمة، يخضع لقانون العوائد المتناقصة: فكلما بذلت المزيد من الجهد في نفس الشيء، كلما أصبحت جهودك أقل إنتاجية. ولنتأمل هنا عملية لف زنبرك الساعة: فكلما زدت من عدد اللفات كلما تراكم قدر أكبر من المقاومة في النابض الرئيسي، وكلما استلزم الأمر قدرا أكبر من الطاقة لتحريك المحور لنفس المسافة.
وعندما يتعلق الأمر بالحد من الفقر، فإن أول المستفيدين هم في الأرجح أولئك الذين كانوا مجهزين على أفضل نحو للاستفادة، ولنقل بسبب خلفيتهم أو المنطقة الجغرافية التي يعيشون فيها. وبحلول الوقت الذي يصبح فيه المتبقين قليلين ــ أو حتى بضعة ملايين ــ يستطيع المرء أن يتوقع أن يكون الوصول إليهم أصعب كثيرا.
تحاول الحكومة "الوصول إلى الصِفر" من الفقر في المناطق الريفية ــ من خلال تحريك كل الناس إلى ما فوق خط الفقر الريفي الوطني الذي يبلغ 2230 يوان صيني (324 دولار أميركي) سنويا
توضح تجربة الصين هذه الظاهرة تماما. فخلال السنوات السبع الأولى من سياسة "الإصلاح والانفتاح" الرسمية في الصين، والتي بدأت في عام 1978، تشير التقديرات إلى أن نحو 110 ملايين شخص انتُشِلوا من براثن الفقر سنويا. وعلى مدار السنوات الخمس عشرة التالية ــ من 1985 إلى 2000 ــ تباطأت وتيرة التقدم بدرجة كبيرة، حيث ارتفع 26 مليون شخص إلى فوق خط الفقر سنويا. وفي الفترة من 2000 إلى 2015، توقف الرقم عند ما يزيد قليلا على 22 مليون شخص سنويا. والآن تستهدف الحكومة رفع عشرة ملايين شخص إلى ما فوق خط الفقر سنويا.
مع تباطؤ وتيرة الحد من الفقر، ارتفعت تكاليفه ــ وهو الاتجاه الذي يتضح في تقرير صادر حديثا عن الأمم المتحدة جنبا إلى جنب مع بيانات البنك الدولي. في عام 2000، كان انتشال شخص واحد من الفقر في الصين يكلف الحكومة المركزية نحو 48 دولارا في السنة (بالقيمة الاسمية). وبحلول عام 2010، ارتفع الرقم إلى أكثر من ثلاثة أمثاله، إلى نحو 150 دولارا سنويا. والآن وقد بدأت الحكومة تعمل على الوصول إلى الناس في أبعد المناطق النائية ــ أولئك الذين لا يمكنهم الوصول إلى الطرق أو الكهرباء أو المياه النظيفة ــ تتجاوز التكلفة 200 دولار سنويا.
لا يعني هذا أن الصين لن تتمكن من تحقيق هدفها لعام 2020. بل على العكس من ذلك، تبدو خطط الحكومة وسبل تنفيذ هذه الخطط قوية كحالها دائما. والواقع أن الحكومة تجاوزت هدفها في العام الماضي، مع إفلات 12.4 مليون شخص من الفقر في المناطق الريفية. وميزانية العام الحالي أكبر بنحو 30%، وهذا يعني أن الحكومة خصصت 1000 دولار على الأقل لكل واحد من عشرة ملايين شخص تخطط الحكومة الصينية لرفعهم من وهدة الفقر في عام 2017.
ولكن في حين تحاول الحكومة "الوصول إلى الصِفر" من الفقر في المناطق الريفية ــ من خلال تحريك كل الناس إلى ما فوق خط الفقر الريفي الوطني الذي يبلغ 2230 يوان صيني (324 دولار أميركي) سنويا ــ فلا ينبغي لها أن تغفل عن التحديات الأعرض المتصلة بالفقر. لا تزال الصين تشهد توسعا حضريا سريعا ــ وهي الظاهرة التي أسهمت بشكل كبير في تعزيز جهود الحد من الفقر في الماضي، ولكن هذا أيضا يُعَرِّض عددا متزايدا من سكان المناطق الحضرية لخطر العوز.
الحق أن الصين ليست وحدها بأي حال من الأحوال في الكفاح من أجل القضاء على الفقر؛ بل إن أول أهداف التنمية المستدامة يدعو إلى إنهاء الفقر بكافة أشكاله ومظاهره بحلول عام 2030
"وفقا للأرقام الرسمية، يبلغ متوسط دخل أكثر 5% فقرا من الأسر في المدن الصينية نحو 1.128 دولارا (7.521 يوان صيني). وهذا يعادل نحو 3.5 مرات ضعف خط الفقر في المناطق الريفية في الصين. ولكن في الإجمال، يزيد متوسط الدخل في المدن عن أربع مرات على الأقل عن خط الفقر في الريف، وهو ما يشير إلى أن الحياة بمثل هذه الميزانية ربما يكون حتى أشد قسوة من الحياة عند خطر الفقر في المناطق الريفية. ولا يشمل هذا حتى العدد الضخم من العمال المهاجرين الذين يعيشون تحت الرادار في المدن ومن المرجح أن يكون دخلهم أقل حتى من أكثر 5% فقرا.
وقد يكون علاج أشكال الفقر هذه أصعب، خاصة وأن خبرة الصين في هذا المجال أقل. وعلى هذا، فكما قد تخدم جهود الصين الناجحة في الحد من الفقر في المناطق الريفية كنموذج لآخرين، فإن نجاح دول أخرى في التعامل مع الفقر في المناطق الحضرية قد يساعد في توجيه جهود الصين.
الحق أن الصين ليست وحدها بأي حال من الأحوال في الكفاح من أجل القضاء على الفقر؛ بل إن أول أهداف التنمية المستدامة يدعو إلى إنهاء الفقر بكافة أشكاله ومظاهره بحلول عام 2030. ومع تزايد صعوبة المهمة وتكاليفها، فإن النظر عبر الحدود ربما يكون ممارسة بالغة الأهمية لتمكين كل الصينيين من العيش اللائق الكريم.
===============
الصين يمكن أن تتجاوز الفقر
الصين هي أول دولة نامية حققت الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة بتخفيض معدل الفقر المدقع قبل الموعد النهائي الذي كان محددا له عام 2015. انخفض عدد الفقراء في الصين من 836 مليون فرد في عام 1987 إلى 156 مليونا في عام 2010. وهكذا تم انتشال سبعمائة مليون فرد من هاوية الفقر، وفقا لإحصاءات البنك الدولي. وتشير البيانات الصينية الرسمية إلى أنه في نهاية عام 2015، انخفض عدد الفقراء في المناطق الريفية إلى 75ر55 مليونا، وتهدف الصين إلى القضاء على الفقر بحلول عام 2020، عندما تُحقق هدفها بالوصول إلى مجتمع الحياة الرغيدة.
إنجازات الصين الملحوظة في تقليل الفقر تُعزى بشكل كبير إلى تنميتها الاقتصادية الشديدة السرعة منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح. خلال ثلاثة عقود؛ من سنة 1978 إلى سنة 2007، بلغ متوسط النمو السنوي للاقتصاد الصيني 10%، وارتفع متوسط نصيب الفرد بالمناطق الريفية من الناتج المحلي الإجمالي من 134 يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات) إلى 4140 يوانا، ومن ثم انخفضت نسبة الريفيين الذين يعيشون في فقر مدقع من 7ر30% إلى 6ر1% من إجمالي سكان المناطق الريفية.
وخلال تلك الفترة، حل نظام المسؤولية التعاقدية الأسرية المرتبطة بالإنتاج محل الكوميونات. وقد أدى تطبيق هذا النظام إلى إشعال حماسة الفلاحين للإنتاج وتوسيع الاستخدام الفعال للأرض. وتدريجيا، صارت السوق هي التي تحدد أسعار المنتجات الزراعية، وتكاثرت المشروعات على مستوى القرى والبلدات، مما خلق فرص عمل جديدة ودخولا أعلى. إضافة إلى ذلك، تدفق إلى المدن مائتا مليون ريفي حيث يمكنهم الحصول على أجور أعلى.
ومع انفتاح البلاد على العالم الخارجي، زادت الصادرات من المنتجات كثيفة العمالة. وسُمح للشركات الخارجية والاستثمارات الأجنبية بدخول السوق الصينية، مما خلق المزيد من فرص العمل للعمال المهاجرين.
في نفس الوقت، استثمرت الحكومة الصينية في تحسين البنية التحتية بالمناطق الفقيرة، وطورت مشروعات لتسريع نمو الاقتصاد المحلي. كما أنها أيضا أقامت منظومة توأمة تقدم بمقتضاها المناطق الساحلية الغنية مساعدتها ومشورتها لنظيراتها الأقل نموا في داخل البلاد لمساعدتها على التخلص من الفقر. وتم تشجيع المجتمع المدني ككل للمشاركة في جهود تخفيف الفقر.
حاليا، سرعة نمو الاقتصاد الصيني أقل مما كان. وتسعى الصين إلى نمط تنمية مستدام يحقق التناغم بين نمو الاقتصاد والموارد والبيئة. وفي المناطق التي تعاني من الفقر وشح الموارد، تشجع الحكومة على تطوير الصناعات الخضراء والأعمال التجارية الصديقة للبيئة، مثل تربية المواشي والسياحة، مما يخلق فرص عمل محلية. وتقوم الحكومة من حين لآخر بتقييم تلك الجهود لترى ما إذا كانت تحقق تقدما في أهداف التنمية الاقتصادية المرغوبة وحماية البيئة وتقليل الفقر.
في الماضي، كانت مناطق الفقراء في الصين كثيفة ومتجاورة، وهو الوضع الذي تغير حاليا. أسباب الفقر أكثر تعقيدا، والفقراء متناثرون في مناطق مختلفة، ومن ثم أطلقت الحكومة المزيد من الإجراءات الأكثر استهدافا وبتدابير محددة لمساعدة الناس ذوي الظروف والاحتياجات المختلفة. تتضمن تلك الإجراءات إقامة دورات تدريبية للفلاحين، إما لمساعدتهم على أن يجدوا عملا أو لتحسين كفاءتهم الزراعية. الحكومة الصينية تولي أيضا اهتماما بالرعاية الصحية والتعليم والموارد عندما تضع معايير جديدة لخط الفقر، في مسعى منها لمنع عودة الفقر.
إن أعمال الصين وإنجازاتها تمثل مساهمتها العالمية لتقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وجعل العالم قرية كونية متناغمة وسعيدة.
==============
الصين تمحو الفقر بتنمية أقاليمها الغربية
محمد الحمامصي
شهد العالم في العقود الأخيرة تحول الصين من دولة كبرى إلى دولة عظمى على رأس دول التنافس العالمي في المجالات كافة، مما استدعى تساؤل الجميع عن السر وراء هذا التطور المتسارع باستمرار.
إيلاف: يوضح كتاب "التنمية الاقتصادية في الصين - الأقاليم الغربية نموذجًا" للباحثين ياو خوي تشين وشيو جانغ يونغ، والصادر من دار صفصافة للنشر (سلسلة قراءات صينية)، يوضح كيف سارت الأمور وكيف تمضي الآن.
إصلاح وانفتاح
يؤكد مؤلفا الكتاب أنه لكي تدخل الصين في خضم التنافس الدولي، وتنتقل من دول العالم الثالث إلى دول العالم الأول تدريجيًا، فقد وجب عليها العمل على تنميتها الداخلية ورفاهية شعبها وإصلاح الأنظمة والسياسات كافة، ومن هذا المنطلق قسم مهندس الإصلاح الصيني الزعيم الراحل دينغ شياو بينغ سياسة إصلاح الصين وانفتاحها على الخارج (عام 1978م) إلى قسمين: أولًا، أن تشجّع مناطق غرب الصين مناطق الشرق لتتقدّم أولًا حتى يحين دورها في تحقيق التقدم المنشود.
الصين تبهر العالم بإنجازاتها الاقتصادية اعتمادًا على التنمية الاقتصادية وتقليل الفقر
ثانيًا، أن تبذل مناطق الغرب كل ما تملك من موارد مادية وبشرية لخدمة عملية التنمية في مناطق الشرق. ومن هنا يقدم الكتاب معلومات مفصلة عن خطط الحكومة الصينية المركزية للنهوض بالأقاليم الصينية الغربية في مجالات الحياة كافة، وكيف عملت الحكومة المركزية على وضع حجر الأساس في الأقاليم الغربية، ليدخل كل أقليم على حدة، في سباق التنافس الدولي في جميع المجالات.
وأشارا إلى أنه قبل عشرين عامًا من اليوم، كان الزائر إلى إحدى المناطق الغربية والشرقية في الصين، يرى الاختلاف الكبير في مستوى البنية التحتية ومستوى المعيشة وحتى مستوى دخول المواطنين، حيث إنه طبقًا لاستراتيجية دينغ شياو بينغ كانت كل الجهود مكثفة للنهوض فقط بالمناطق الساحلية في الشرق الصيني حتى تنفتح الصين عبر موانئها على العالم الخارجي، سواء في المجال التجاري أو الثقافي أو الاستثماري عامة.
التنمية واستغلال الموارد
لعل من أحد الأسباب الأخرى للنهوض بمناطق الشرق أولًا أنها تجمع في معظمها قومية واحدة، وهي قومية الـ"هان"، ذات الاعتقاد والفكر الواحد والفلسفة الواحدة، والتي تمثل غالبية الشعب الصيني، وليست كمناطق الغرب الصينية، التي تشمل أقليات من قوميات مختلفة، والتي يصعب اتحادها نسبيًا مقارنة بمناطق الشرق، وتتباين أفكارها ومذاهبها وفلسفتها في الحياة.
وبالفعل، وبعد تحقيق التنمية الكبرى في مناطق الشرق الصيني، وجب عليها الوقوف جنبًا إلى جنب لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية الضخمة في أقاليم الغرب الصينية، وذلك لبلوغ التنمية الكبرى في ربوع الصين كافة، وكذلك لتحقيق اتحاد القوميات على مستوى البلاد. وقد قامت هذه التنمية الكبرى في أقاليم الغرب الصينية على أساس تسعة مجالات تشمل: القدرة التنافسية للاقتصاد الكلي، منافسة اقتصاد الصناعات، القدرة التنافسية للمؤسسات، القدرة التنافسية للعلوم والتعليم والابتكارات، القدرة التنافسية البيئية، القدرة التنافسية للموارد، القدرة التنافسية المالية، منافسة الانفتاح على الخارج، ومنافسة الدور الحكومي.
يبدأ الكتاب الذي ترجمته مروة السيد محمد، وأشرف عليه وراجعه حسانين فهمي حسين بعرض نظريات علماء الاقتصاد الصينيين والأجانب حول مفهوم القدرة التنافسية الإقليمية، وكيفية نجاح الصين - وأقاليمها الغربية خاصة - في دخول حلبة التنافس الإقليمي بقوة، كما عقد الكتاب مقارنات بين الأقاليم الغربية قبل وبعد تطبيق التنمية الكبرى في مجالات الحياة كافة. واعتمد في تقاريره الاقتصادية على طريقة تحليل العنصر الرئيس، وطريقة التحليل العنقودي لإجراء الحسابات الرياضية للوصول إلى ترتيب، وتقييم كلي لأحد عشر مقاطعة ومنطقة في الغرب الصيني (باستثناء منطقة التيبت) على مستوى المجالات التسعة.
تدني المداخيل
في فبراير 2005، وفي ظلّ تحقيق الإنجازات المرحلية لاستراتيجية تنمية مناطق الغرب الصينية، أشار الرئيس الصيني السابق (خو جين تاو) إلى كيفية تسريع تلك التنمية قائلًا: "استخدام التنمية العلمية لقيادة كل أعمال تنمية مناطق الغرب، وتغيير المفاهيم، وتعميق إصلاح الأنظمة، والتعديل الإيجابي للهيكل الاقتصادي، وتغيير الطرق المتبعة، وتسريع بناء البنية التحتية والهيكل البيئي، والعمل على حلّ المشكلات الريفية الثلاث، والاهتمام أكثر بمهام تطوير المجتمع، والاعتماد على كوادر المجتمع في مناطق الغرب، للعمل على قلب رجل واحد في مواصلة دفع السبل كافة لتحقيق التنمية المنشودة لمناطق الغرب". وبهذا تنقَّل تطبيق التنمية الكبرى في مناطق الغرب عبر خططه الخمسية وصولًا إلى الخطة الخمسية الثانية عشرة لتتحقق طفرة كبرى في كل مجالات الحياة في الأقاليم الغربية للصين.
ولفت المؤلفان إلى أن متوسط دخل الفرد واستهلاكه في مناطق الغرب الصينية في مطلع فترة تأسيس الصين الجديدة متدنٍّ مقارنة بنظيره على مستوى الصين، باستثناء عدد من أهالي القرى الذين ارتفع مستوى دخلهم عن مستوى متوسط الدخل الصيني. وقد شهد هذا الوضع تحسّنًا طفيفًا في بداية عصر الإصلاح.
فباستثناء ارتفاع متوسط استهلاك الفرد للمناطق الأربع ذات الحكم الذاتي في الغرب عن متوسط مستوى الصين، وهي: نينغشيا، شينجيانغ، منغوليا الداخلية، وقوانغشي (وقد يكون ذلك نتيجة طبيعية لتنفيذ سياسة القوميّات في الصين)، إلا أن دخل الفرد في القرى والمدن كان متدنيًّا مقارنة بنظيره على مستوى الصين؛ وإذا قارننا بين القيمة النسبية لكل المناطق ومتوسط مستوى الصين، فسنرى تقاربًا بين متوسط استهلاك الفرد ودخله في المدن وبين نظيره على مستوى الصين، بينما يظهر الوضع المتردّي في القرى.
انتعاش التعليم
بمقارنة عام 1998 مع بداية تطبيق سياسة الإصلاح، نجد أنه باستثناء بعض المقاطعات القليلة فقد تعرّضت المؤشّرات الثلاثة إلى تدهور بدرجات متفاوتة: ففي جانب متوسط استهلاك الفرد كان التدهور في منطقة نينغشيا الأكثر وضوحًا، فقد هبط بما يساوي 13.97 % من متوسط القيمة النسبية لمستوى الصين ليصل إلى 6.89%.
وفي جانب مستوى دخل الفرد في المدن، كان الانخفاض الأكبر في منطقة شينجيانغ، فقد هبط بما يساوي 9.98% من متوسط القيمة النسبية لمستوى الدخل على مستوى البلاد ليصل إلى 7.58%. وفي جانب مستوى دخل الفرد في القرى كانت منطقة قانسو الأكثر انخفاضًا، فقد هبط ليصل إلى ما يساوي 6.5% من متوسط القيمة النسبية لمستوى الصين. ومن أجل ذلك تناولت الكثير من المؤلّفات الصادرة بعد سياسة الإصلاح والانفتاح تلك الفجوة بين توزيع الدخول، وأشارت إلى أن رفع درجة معامل جيني لتلك الفجوة بين مناطق الغرب والشرق مسؤولية مهمة للغاية.
أمّا من ناحية الوعي السكاني فكشف المؤلفان أنه بعد تأسيس الصين الجديدة شهد التعليم المتوسط والعالي في مناطق الغرب تطورًا سريعًا، ففي الفترة 1952- 1998، ارتفع عدد طلاب المدارس المتوسطة من 479 ألف طالب ليصل إلى 14885 مليون طالب وطالبة. وارتفع عدد طلاب المرحلة الجامعية من 32 ألف طالب وطالبة ليصل إلى 734 ألف طالب وطالبة، الأمر الذي قدّم دعمًا بشريًّا واضحًا لعملية التنمية الاقتصادية في مناطق الغرب.
لكن إذا عقدنا مقارنة، فسنجد أن نسبة سكان مناطق الغرب تحتلّ 29% من معدّل سكّان الصين، وبالتالى نجد أنّ مؤشرات تعداد طلاب المرحلتين المتوسطة والعليا لا تتناسب مع معدّل السكان في تلك المناطق؛ كما واصلت نسبة تعداد طلاب المرحلتين المتوسطة والعليا انخفاضها بالنسبة إلى تعداد سكان الصين في عام 1990 (لتنخفض من 22.16% و26.81% عام 1990 إلى 21.52 % و2362% عام 1998).
الخطّة التنموية الكبرى
ورأى المؤلفان أن تأخّر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الغرب أدى إلى وضع قيود على عملية التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني، وبناء مجتمع رغيد واكتمال عملية التحديث الشاملة على مستوى البلاد، ممّا شكّل تهديدًا للأمن البيئي، واتحاد القوميات، والأمن القومي، ودعم موارد الدولة. وهو ما جعل عملية تنمية مناطق الغرب موضوعًا مهمًّا من الموضوعات التي يولّيها الاقتصاد الكلي والتنمية الاجتماعية في ذلك الوقت اهتمامًا كبيرًا، والتي هي بحاجة إلى تقديم حلول عاجلة.
وقد أشارت "الخطة الخمسية الخامسة عشرة لتنمية مناطق الغرب الصينية" إلى أنّ: "تحقيق التنمية في مناطق الغرب يعدّ أحد أهداف الاستراتيجية التي طرحها الزعيم دينغ شياو بينغ القائمة على "محورَين استراتيجيين"، والتي تتمثّل أهدافها في التقليص التدريجي للفجوة بين المناطق الصينية، وتعزيز الاتحاد بين القوميات، وضمان أمن حدود البلاد والاستقرار الاجتماعي، ودفع إجراءات التقدم الاجتماعي، والتي تعدّ مطلبًا ملحًّا لتعديل الهيكل الاقتصادي على مستوى المناطق، وإطلاق العِنان للقدرات المميّزة في كل مناطق الصين، ودفع التوزيع العادل للطاقات الإنتاجية، والارتقاء بكفاءة ومستوى الاقتصاد الوطني؛ وتوسيع دائرة المتطلّبات المحلية، وفتح الأسواق، والحفاظ على التنمية المستمرة والسريعة والسليمة للاقتصاد الوطني، وتحقيق الهدف الثالث من أهداف تأسيس الحداثة في الصين".
انطلاقًا من الوضع العام لتأسيس الحداثة الاشتراكية في البلاد، فإنّه يجب اعتماد تطبيق التنمية الكبرى في مناطق الغرب، وتسريع تطور مناطق الوسط والغرب، كمهمّة استراتيجية كبرى، لدفع التنمية المتناغمة على مستوى المناطق في الصين، التي تُعدُّ بمثابة خطوة مهمّة لتحقيق النهضة العظيمة المنشودة للأمة الصينية في القرن 21، والتي تمثّل مغزى اقتصاديًا وسياسيًا مهمًّا لتطبيق الخطّة التنموية الكبرى لمناطق الغرب الصينية.
أضافا "استمر مؤشر استمرارية النمو الاقتصادي لمناطق الغرب خلال الفترة 1999-2011 في الحفاظ على ارتفاع متقلب في وضعه العام، ما يؤكّد تحقيق إنجازات معينة في مجالات استعادة الأراضي الزراعية والغابات، والبناء البيئي، وتوفير الطاقة وتقليل الانبعاثات الضارة، وحماية البيئة. وبالنظر إلى الشكل نجد أن مؤشر استمرارية النمو الاقتصادي حقق أعلى مستوياته في عام 2011، بمقدار 82.45، وتمثّلت أدنى مستوياته في عام 1999، بمقدار 42.45.
ومن خلال تحليل كل مؤشرات استمرارية النمو الاقتصادي نكتشف المحافظة على استقرار متوسط نصيب الفرد من حجم مورد الأراضي الزراعية، وزيادة استمرارية متوسط نصيب الفرد من حجم مورد الغابات، والانخفاض المستمر في حجم صرف مياه الصرف الصحي الناتجة من الوحدات، وكذلك استمرار الانخفاض في حجم استهلاك الطاقة في الوحدات. وبالمقارنة بعام 1999 نجد ازدياد متوسط نصيب الفرد من حجم مورد الغابات عام 2011 في مناطق الغرب بمقدار 44%، وانخفاض كل من حجم صرف مياه الصرف الصحي، وحجم استهلاك المياه الناتجة من الوحدات، وحجم استهلاك الطاقة في الوحدات بمعدل 75.5%، 70.9 %، 22.3 % على الترتيب؛ إلا أنه من ناحية أخرى انخفض متوسط نصيب الفرد من حجم مورد المياه بمقدار 17%، ليمثل نقص مورد المياه عاملًا مهمًا لإعاقة استمرارية النمو الاقتصادي مستقبلًا في مناطق الغرب.
الثقافة الفقيرة
وأوضح المؤلفان أن الفجوة الضخمة في مستوى التنمية الاجتماعية بين مناطق الشرق والغرب تكشف عن هشاشة البنية التحتية في مناطق الغرب، وتباطؤ ارتقاء الهيكل الصناعي، وتأخر تنمية الموارد البشرية، ونقص قدرات الخدمات العامة والإمداد بالسلع العامة، وكذلك نقص درجة مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون الاجتماعية، وتدهور موقع تلك المناطق، وأخيرًا تدهور السياسات المعمول بها فيها، وغيرها من القضايا.
من بينها نجد مشكلة الانغلاق الثقافي التي يجب على مناطق الغرب الاعتراف بوجودها، والسعي إلى حلها لتحقق التطور المنشود فيها، حيث ينتشر العديد من سكان مناطق الغرب في المناطق النائية مثل المناطق الجبلية، ومناطق الرعي، والهضاب، أو الغابات، وبهذا أدى كل من التوزيع السكاني المتباعد، والازدحام المروري، والانغلاق الفكري، وتخلف عوامل المعيشة إلى تبلور تدريجي لانعزال وانغلاق وتهميش الهيكل الثقافي في مناطق الغرب، لتظهر في ثقافة مناطق الغرب بعض السمات كالانطواء، والتحفظ، وطلب الاستقرار، ولهذا نجد مناطق الغرب عند التصدي لأي ثقافة خارجية مفاجِئة تدخل بسهولة في حالة "الاعتراض الاجتماعي" و"الشذوذ"، والتي يُعرِّفها العالم دوركهايم بـ"الثقافة الفقيرة"، التي تواجه التحول الحادّ في المجتمع الصيني، حيث يواجه تقريبًا كلّ فرد مشكلة تعديل، وأقلمة، وتجديد مفاهيمه الخاصة، وفي هذه المرحلة " تظهر من ناحية احتمالية فقر الثقافة بسبب عوامل عدة، منها عدم انتظار الفرصة، أو استحالة الاختيار، أو صعوبة التأقلم، ومن ناحية أخرى يتمتع أي مجتمع بتيار رئيس وتيار فرعي، وكلما احتلت التكتلات القوية موقع الهيكل الأصلي، تمتع المستوى الثقافي بقوة هيمنة هائلة".
مساعدة لا هدف
وبرأي المؤلفين "أدت سمة الانغلاق الثقافي مناطق الغرب إلى صعوبة تقبلها للفكر والتواصل وطرق الإدارة الحديثة، مما أدى بدوره إلى ضعف وعي السوق، ونقص المهارات الإدارية، بما حدّ كثيرًا من جذب التكنولوجيا العلمية المتقدمة، وفلسفة الإدارة، وصعوبة تحويل نظم الإنتاج المتأخّرة، ونظم الإدارة، والاستغلال الخاطئ للموارد، والتدهور البيئي، لينتج من ذلك زلزال ثقافي....ألا وهو "الفقر الثقافي"، لتدخل مناطق الغرب سلسلة خبيثة من الفقر الثقافي.
وكما قال أمارتيا.سين: "إن الثروة ليست هي الخير الذي نسعى إليه؛ لأنها ليست سوى وسيلة مساعدة للحصول على شيء آخر".
وبالحديث عن سعي مناطق الغرب المتأخرة إلى الازدهار والتقدم، يقول كذلك: "أثناء مراحل الازدهار والتقدم هناك احتمالية أن نصبح دافعًا لمجاعتنا". ومن هنا، ثابر في مناطق الغرب على "جعل التطور المهمة الأولى له، واتخاذ تعزيز القدرة الذاتية على التطور أساسًا له، واتخاذ تحسين المستوى المعيشي نواة له، واتخاذ التقدم التقني والتنمية البشرية داعمًا له".
وبهذا اهتمت مناطق الغرب كثيرًا بتعديل هيكلها الاقتصادي، وابتكار نظم اقتصادية، وبناء مرافق للبنية التحتية، وحماية البيئة، وتطوير الشؤون الاجتماعية، مما جعل الهدف النهائي لمكافحة الفقر لا يتوقف فقط عند زيادة إجمالي الناتج المحلي لتلك المناطق أو تحقيق ارتفاع بسيط لدخول السكان، بل يسعى كذلك إلى جعل الشعب يمتلك قدراته الابتكارية الذاتية بحق، ويتمتع بحياته، مما يؤدي في النهاية إلى الاستمرار في ارتفاع مستوى التنمية الاجتماعية لمناطق الغرب.
============
كتاب كيف نفذت الصين من مصيدة الفقر BOOK REVIEW: 'How #China Escaped the Poverty Trap' by Yuen Yuen Ang
https://goo.gl/q7yudT
===========
ملف تجربة الصين في مكافحة الفساد / التنمية والبناء عبر مكافحة الفساد والفقر
http://aljazeeraalarabiamodwana.blogspot.com/2017/10/blog-post_25.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق