الجمعة، 3 يوليو 2015

ايران وتفجيرات المدن المقدسة: يكاد المريب أن يقول خذوني


صباح الموسوي/كاتب وسياسي عربي من الأحواز

ربما هي المرة الثاني على التوالي التي تتجه فيها الأنظار نحو تورط ايراني محتمل في الانفجارات الدامية التي شهدتها المدن العراقية المقدسة، سواء منها الانفجارات التي حدثت في يوم عاشوراء في مدينتي الكاظمية وكربلاء أو الحادثة الدامية التي شهدتها مدينة النجف في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر آب العام الماضي والتي راح ضحيتها المئات من القتل والجرحى.
هذا الشك لم يأتي من فراغ و إنما له ما يبرره عند المشككين، ومن جملة هذه المبررات رزمة من التصريحات والمواقف المتناقضة التي صدرت عن جهات ايرانية معينة جميعها دفعت على الشك بإمكانية تورط ايراني محتمل في هذه الحوادث الدامية، ومن جملة ما يمكن الرجوع إليه لتفسير وجهة نظر المشككين هي السوابق الإيرانية في هذا المجال، ومنها تفجيرات مكة المكرمة في الثمانينيات التي أثبتت ضلوع أجهزة الاستخبارات الإيرانية في تنفيذها والذي أثبت هذا التورط هو اكتشاف سلطات مطار جدة السعودي لعدد من المتفجرات التي كانت مخبئة في أمتعة الحجاج الإيرانيين (لمعرفة تفاصيل القضية يمكن مراجعة مذكرات الشيخ علي المنتظري) الأمر الذي لم تستطع القيادة الإيرانية إنكاره، ولكنها وللخروج من مأزقها ألقت بالتهمة على أحد مسؤولي الباسداران (الحرس) وهو مهدي الهاشمي صهر الشيخ المنتظري بعد أن كان قد مضى على إعدامه أكثر من ثلاثة سنوات مدعية أن ما تبقى من خطوط مهدي الهاشمي في مليشيا الباسداران هي من كان وراء تلك الحوادث، ولكن مسلسل الاعتداءات على الأماكن والمدن المقدسة لم يتوقف عند حوادث مكة المكرمة، بل طال المقدسات الشيعية هذه المرة ايضا، فبعد هدم مسجد الشيخ فيض، وقع في يوم العاشر من المحرم عام 1415هـ الموافق ليوم 19/6/1994م انفجار قوي في ضريح الإمام علي بن موسى الرضا سقط على أثره العشرات من القتلى والجرحى، وعلى الفور وجهت السلطات الإيرانية أصابع الاتهام إلى منظمة (مجاهدي خلق) المعارضة متهمة إياها بالوقوف وراء تلك الحادثة الدامية، ورغم نفي (مجاهدي خلق) لهذه التهمة وأدانت هذا العمل الإجرامي، إلا أن السلطات الإيرانية أصرت على موقفها من تحميل التهمة لهذه المنظمة إلى حد إعلانها عن إلقائها القبض على الفاعل وإظهاره على شاشة التلفزة وهو يعترف بجريمته ويشرح سيناريو العملية، ولكن بعد خمسة سنوات على تلك الحادثة خرج أكبر كنجي الذي كان من قادة "حرس الثورة" ومن عناصر الاستخبارات- سابقا- والآن أصبح من أنصار خاتمي ومن أعضاء إدارة جريدة ((صبح امروز)) ليقول في لقاء له مع جريدة (آريا) الصادرة في يوم 4/12/99: أن الاستخبارات هي التي قامت بهدم مسجد أهل السنة في مشهد ثم قامت أيضا بتنفيذ تلك الحادثة المؤلمة في انفجار حرم الإمام الرضا لتلقي تبعته على من تدعوهم المنافقين، وتساءلت جريدة (آريا): إن القضاء العسكري نسب في بيانه الأخير عن حادث الانفجار في مشهد إلى عصابة سعيد إمامي، هل يمكن القول إن الوقائع التي حدثت سابقا في مشهد مثل هدم مسجد أهل السنة وانفجار الحرم الرضوي و.. كان من عمل هذه العصابة، ثم يجيب كنجي: إن ما يقوله القضاء العسكري أن بقايا تلك العصابة اقترفت هذه الأعمال، يحمل في طيه نكته ملفقة وهي إن هذه العصابة لم تنته بعد، ولم يلق القبض عليهم جميعا بعد! وبناء على تصوري فإني أعتقد أن هناك بيوت أشباح مظلمة أطرق فيه السادة الرماديون، ومازالوا مشغولون بالمؤامرة، وانفجار مشهد وهدم المسجد السني في مشهد كان واحدا من أعمالهم.
علما أن حادث هدم مسجد الشيخ فيض لأهل السنة في مدينة مشهد حدث في عام 1994 بأمر من مرشد الثورة علي خامنئي وكان المسجد يقع بجوار منزل والده، وبما أن المسجد كان من اكبر مساجد أهل السنة في مشهد وبما أن الحجاج السنة في شرق وجنوب شرق إيران كانوا يقلعون من مطار مشهد نحو الديار المقدسة، أصبح هذا المسجد يلفت النظر بسبب تجمع أهل السنة فيه في وقت الحج أو في صلوات الجمعة، وهذا ما لم يطقه النظام، وفي اليوم التالي لهدم المسجد في مدينة مشهد جرى اعتراض سلمي في مدينة زاهدان والمدن الأخرى ذات الأغلبية السنية كمدينة زاهدان ونيكشهر وتربت جام، الامر الذي دفع عناصر مليشيا الباسداران بمهاجمة المسجد المكي في زاهدان، عند صلاة الظهر وبدأوا بإطلاق النار على المصلين وقتل من قتل وجرح من جرح حتى امتلأ المسجد بالدماء ثم أعلنوا بعد ذلك أن تجار المخدرات اجتمعوا في المسجد! مما دفع قوات الأمن لمهاجمتهم.
وهكذا بقيت التهمة موجهة إلى منظمة مجاهدي خلق في عملية تفجير مرقد الإمام الرضا حتى جاء انفجار مرقد الإمام علي في مدينة النجف في التاسع والعشرين من آب العام الماضي والذي أدي إلى مقتل رجل ايران الأول في الساحة العراقية الشيعية محمد باقر الحكيم رئيس تنظيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) والعشرات من مرافقيه إضافة إلى عدد كبير من زوار المرقد، وقد وجهة أصابع الاتهام حينها إلى المقاومة العراقية إلا انه وبعد أن نفت المقاومة العراقية مسؤوليتها عن الحادث حولت قوات الاحتلال الأمريكية والقيادة الإيرانية أصابع الاتهام إلى منظمة "القاعدة ".
وقد أدلى الشيخ علي يونسي وزير الاستخبارات الإيراني بتصريح قال فيه، أن "القاعدة" هي من كان وراء تفجير مرقد الإمام الرضا عام 1994 وأن السلطات الإيرانية رفضت الإفصاح عن ذلك حينها حرصا منها على الوحدة السنية الشيعية على حد زعمه، وجاء هذا الاتهام عقب تصريحات نشرتها وسائل إعلام إيرانية معارضة وأخرى عربية منسوبة للأحد أفراد عناصر استخبارات فيلق القدس التابع لمليشيا الباسداران، ويدعى "أمير" وذلك أواخر شهر تشرين الأول الماضي بعد هربه من ايران ولجوئه إلى أحد الدول الأوروبية، حيث ادعى أنه أحد منفذي عملية اغتيال الحكيم وشرح تفاصيل العملية، و أسماء المسؤولين الذين كانوا ورائها إضافة إلى عدد العناصر التي قامت بتنفيذها وأسمائهم، (لمعرفة التفاصيل يمكن مراجعة صحيفة الشرق الأوسط عدد 30 تشرين الأول 2003)، الأمر الذي أربك السلطات الإيرانية التي دفعت على الفور بعبد العزيز الحكيم شقيق المقتول محمد باقر الحكيم والرئيس الجديد للمجلس الأعلى إلى الإدلاء بتصريحات ينفي فيها تورط ايران بمقتل أخيه ويكرر التهمة إلى تنظيم "القاعدة" والمقاومة العراقية، ورغم انه سبق لبعد العزيز الحكيم والشرطة العراقية ومحافظ النجف الإعلان عن إلقاء القبض على أكثر من تسعة عشر من الفاعلين قيل إن البعض منهم سعوديين ينتمون إلى جماعة تنظيم "القاعدة" والبعض الأخر عراقيون ينتمون إلى حزب البعث وآخرين من جماعات سنية عراقية متطرفة وقد أشاع أنصار (المجلس الأعلى) حينها أن من بين المعتقلين المشتبه بعلاقتهم في هذه العملية ابن الداعية العراقي السني المعروف الشيخ احمد الكبيسي، إلا أن كل هذه الاتهامات بقيت حبر على ورق ولم يعطى دليل واحد على صحتها، ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر على تلك العملية إلا أنه لم يقدم بعد إلى المحاكمة أيا من التسعة عشر الذين قيل انه تم القبض عليهم بتهمة تورطهم في الحادثة حسب رواية محافظ النجف و"المجلس الأعلى" وقوات الاحتلال الأمريكي آنذاك، وأغلقت القضية حتى جاءت الأحداث الدامية الأخيرة التي هزت مدن كربلاء والكاظمية في يوم الثلاثاء الثاني من آذار/مارس الجاري لتسلط الضوء من جديد على التورط الإيراني المحتمل في هذه الأحداث، خصوصا بعد رفض العديد من علماء الشيعة العرب من أمثال السيد محمد حسين فضل الله والشيخ الخالصي وغيرهم من رجال الدين الشيعة توجيه التهمة لحركة المقاومة العراقية أو لأي جماعة سنية في هذه الحوادث، إلا أن قوات الاحتلال الأمريكي والنظام الإيراني سارعوا في توجيه التهمة إلى المقاومة العراقية وتنظيم "القاعدة" كما فعلتا من قبل، ولكن بعد وقع التفجيرات أعلنت الشرطة العراقية عن اعتقال خمسة إيرانيين مشتبه في تورطهم بالقيام بهذه التفجيرات وهو ما دفع وسائل الإعلام الإيراني التي لم يكن باستطاعتها نفي اعتقال الإيرانيين المشتبه بهم إلى رمي التهمة على عاتق الإيرانيين السنة، فقد نشر موقع (باز تاب)، التابع للجنرال محسن رضائي القائد السابق لمليشيا الباسداران والأمين العام الحالي لما يسمى بمجلس تشخيص مصلحة النظام، في اليوم الثاني من وقوع الهجمات خبرا نسبه إلى مصادر استخباراتية إن من بين المعتقلين الإيرانيين سني من أهالي إقليم بلوشستان ولديه انتماءات وهابية حسب زعم هذا الموقع، وعقب ذلك الخبر بيوم أذاع الموقع ذاته خبر آخر قال فيه أن أجهزة الاستخبارات تمكنت من إحباط محاولة لتنظيم "القاعدة" القيام بقصف احتفالات عاشوراء في مدينة قم المقدسة حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من العثور على مدفع هاون على سطح أحد المباني القريبة من مرقد السيدة معصومة كان معدا لإطلاق خمسة قذائف، وبعد إشاعة هذا الخبر قال نائب حاكم محافظة قم لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذا الخبر عار عن الصحة وأنه لم يعثر على أي سلاح لا في داخل الحرم ولا خارجه لكننا لا ننفي أنه كانت هناك تهديدات عبر الهاتف باحتمال شن هجوم من هذا النوع. ورغم هذا النفي إلا أن وزارة الاطلاعات (الاستخبارات) عادت وأكدت عبر موقع (الحوادث) على شبكة الانترنيت أن تنظيم "القاعدة" فشل في تنفيذ مخططه بقصف احتفالات عاشور في مرقد السيدة معصومة حيث أن سكان محليون أبلغوا الجهات الأمنية عن وجود أدوات مشبوهة في الأراضي الزراعية الواقعة عند مدخل المدينة وتبعا لتلك الإخبارية قامت عناصر من الاستخبارات بمتابعة الأمر وقد تم العثور على مدفع هاون مع سلاح أخر (لم يعلن عن نوعه).
هذه التصريحات المتناقضة من قبل مسؤولي أجهزة الاستخباراتية الإيرانية ووسائل إعلامها، إضافة إلى سوابقها التي أشرنا إليها في ما يتعلق بأحداث مكة المكرمة ومرقد الإمام الرضا جميع هذه الأمور هي التي دفعت بالمتابعين للشأن الإيراني إلى إظهار شكوكهم في إمكانية تورط ايراني محتمل في الأحداث الدامية التي شهدتها المدن المقدسة في العراق.
جدير بالذكر أن أحد المواقع الايرانية المهمة على شبكة الانترنيت علق على خبر إحباط محاولة تفجيرات قم المزعومة كتالي:
من المؤكد أن حركات المعارضة الإيرانية في الداخل القديمة منها والجديدة هي معارضة غير مسلحة ومن يملك هذا النوع من الأسلحة هي وحدها مليشيا الباسيج وجماعات ما يسمى بأنصار حزب الله ومليشيا الباسداران (الحرس) والوحدات التابعة لها مثل لواء القدس المسؤول عن دعم التنظيمات الإرهابية ، وعليه فالبحث عن العناصر التي كانت وراء انفجارات عاشوراء الدامية في مدينتي كربلاء والكاظمة والتي أدت إلى مقتل 170 شخصا يجب أن يبدأ من خلال العناصر أو الجهات كانت وراء وضع مدافع الهاون في أطراف مدينة قم ، ويجب أن نضيف أن حدس وتكهنات الرأي العام في مثل هذه الحوادث عادة ما تسبق نتائج المحللين والخبراء الأمنيين في الوصول إلى معرفة الفاعلين والدليل على ذلك يتبين من الرجوع الى الأسئلة التالية:
أولا: لماذا وبعد وقوع الانفجاريين قام العراقيون بالاعتداء على الزوار الإيرانيين وضربهم.
ثانيا: لماذا قام المسؤولين الإيرانيين بإرسال أكثر من نصف مليون أيراني إلى كربلاء والنجف والكاظمية دفعة واحدة وهم على علما بالأوضاع الأمنية في العراق.
ثالثا: من أين كانت تغذى أعمال العنف والكراهية التي أبداها العراقيون ضد الزوار الإيرانين عقب وقوع الانفجارات حيث لم يرأفوا حتى بالجرحى وقد شاهد الجميع الصور التلفزيونية التي بثتها قناة ألـ (بي بي سي) والتي أظهرت كيف كان يتم إخراج الجرحى الإيرانيين من سيارات الإسعاف وضربهم.
رابعا: من هم الذين تم نقلهم على وجه السرعة بعد ساعات من وقوع الانفجارات الدامية بقوارب سريعة تابعة للحرس الثوري من الساحل العراقي إلى الساحل الإيراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق