؟نشر في : الأربعاء 8 يوليو 2015 -
يقول الكاتب البريطاني آلان دير شاويتز في كتابه “الحالة الإسرائيلية”:
“إن أي موقف يعبُر الخط من كلمة (عادل) إلى كلمة (مخطئ) ضد اليهود، يكون قد عبر الخط بين أن يكون هذا الموقف مقبولًا أو معاديًا للسامية!”.
معاداة السامية، هي التهمة التي يُلصقها اليهود وحلفاؤهم بكل من يتناول الجرائم اليهودية، أو يثير قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومذابحه ضد المسلمين العرب على مدى عقود.
فإذا ما دافعنا عن القضية الفلسطينية ومذابح صبرا وشاتيلا، وجرائم العصابات اليهودية، والاستيطان، واستهداف الأقصى، وقتل الفلسطينيين بدماء باردة؛ قالوا علينا: أعداء السامية.
والشيعة على الدرب:
هو قدرُنا.. أن نجد تهمة مشابهة لهذه في انتظارنا، إذا ما تحدثنا عن جرائم الشيعة والمشروع الإيراني الأسود في المنطقة؛ ليتّهمنا بعض القوم (ومن بني جلدتنا) بالطائفية.
ومثلما ادّعى اليهود المظلومية وكراهية العالم لهم، وغضّوا الطرف عن تاريخهم في الإفساد وإحداث الاضطرابات والأزمات العالمية؛ ادعى الشيعة كذلك المظلومية، ورموا أهل السُنّة بالعظائم، وتورّط كيانهم الأم (إيران) في إثارة الاضطرابات وتصدير الأزمات لكل الأقطار الإسلامية في المنطقة، لتنفيذ مشروعهم التوسّعي.
ثم بعد ذلك كله، يتهموننا بالطائفية إذا ما تحدّثنا أو أشرنا إلى جرائمهم، وانتقدنا منهجهم، أو بينّا للناس حقيقة مشروعهم القائم على إقصائنا أو إبادتِنا؛ وهي الحقيقة بالمناسبة.
هل نحن طائفيون؟
فرقٌ بين أن ننبذَ معتقداتهم ونُحذّر منها، وبين أن ندعو لحصد رقابهم.
فهل رأيتم على مر التاريخ حُكام المسلمين وعلماءهم يُجيّشون الجيوش ويُعبّئُون الناس للقضاء على الشيعة وتتبُّعِهم؟
أئمة المذاهب الأربعة، وغيرهم، كانوا يُبيّنون عقائد الشيعة المُخالفة لمُعتقد خير القرون، ويُحذرون منها؛ لكن هل أطلقوا فتاواهم لقتل كل شيعي؟
حتى ابن تيمية الذي كان أشدّ العلماء على مثل هؤلاء، كان يحاورهم ويناظرهم، ويقارعهم بالحجة والبيان، ولم يُحرض على تتبُّعِهم وقتلهم لمجرد أنهم شيعة.
فهل نحن طائفيون؟
أخبرونا بربكم، ماذا كان موقف أهل السنة من الثورة الإيرانية عام 1979م؟
ألم تبتهج لها شعوب أهل السنة؟
ألم تهرع الوفود السُنية إلى طهران لتهنئة الخميني بالثورة؟
كان الجميع يعلم معتقد الخميني وأتباعه، لكنه قد رفع شعار إعلاء قيم العدل والحق وحرية الشعوب، قبل أن يتبيّن للجميع أنها لم تكن ثورة؛ وإنما انطلاقة مشروع قومي طائفي توسّعي يهدف إلى ابتلاع المنطقة.
فهل نحن طائفيون؟
عندما تُفجّرُ حُسينية من حسينيات الشيعة، مُحاطة بالشبهات غالبًا، ينطلق علماء أهل السّنة لإدانة هذه الأعمال والتحذير منها.
و لم نرَ أحدًا من العلماء المُعتَبرين من أهل السنة يُفتي بالتوجّه لقتل الشيعة أو اقتحام ديارهم وحسينياتهم، أو استحلال أموالهم وأعراضهم ودمائهم.
وفي المقابل، لا يتورّع عمائم الشيعة عن التحريض على قتل أهل السنة، والبحث عن ثارات الحسين وسط أهل السنة المضطهدين المقهورين أصلًا.
فهذا حازم الأعرجي القيادي بتيار الصدر، الذي يُنسب إلى جناح الاعتدال الشيعي، ينقل عن محمد الصدر فتوى يقول فيها: “الوهابي نجس، بل أنجس من الكلب”.
ثم يرينا الأعرجي شيئًا من اعتداله فيقول: “خذ سلاحك وقاتل كل وهابي نجس”.
وهذا الشيرازي بدوره ينعت السني بأكثر الألفاظ انحطاطًا ويُفتي بوجوب قتله؛ حيث قال: “فالوهابي الإرهابي الكافر الناصبي الوحشي يجب قتله”.
وهذا أحمد القبانجي ينطق مُصرّحًا بما يحاول العمائم إنكاره، فيقول: “اسأل أي رجل دين شيعي ما هو حكم الناصبي، يقول: يجب قتله ونهب أمواله”.
والناصبي كما ورد تعريفه في كتابهم “المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية” لحسين آل عصفور، هو: ما يقال له عندهم “سُنّيٌ”.
وفيه أيضًا: لا كلام في أن المراد بالناصبة فيه هم أهل التسنن.
هل عندما صعد آية الله القزويني (الرجل المُسن) المنبر بالزي العسكري والبندقية، وأعلن استجابته لنداء السيستاني في الحشد والتعبئة لقتال النواصب (السنة) في العراق؛ هل كانت دعوته تلك لتكريس (المحبّة والسلام) أم هي الطائفية بعينها؟!
وهل عندما يقول حسين الفهد: “لو يجيك واحد مُنكِر ولاية الإمام (يعني الوهابي أو السُنّي) يخطب بنتك لا تعطيه غير خنجر في رأسه واقسِم راسه نُصّين مو تزوجه بنتك، ياخد من أشكاله”؛ هل عندما يقول ذلك هو وأمثاله (بتلك الطريقة الموبوءة) هل هم من دُعاة الخير أم أنهم طائفيّون بامتياز؟!
هل عندما يقوم الرادود (المُنشد) الشيعي “باسم الكربلائي” بتحريض الشيعة في حُسينية بالكويت علانية على قتال أهل السنة في سوريا واستئصال الرضيع والرضيعة منهم؛ فهل يُصنّفُ هو وأمثاله باعتبارهم من أهل التسامُح أم هم يمارسون الطائفية بعينها (وعلى عينك يا تاجر)؟
عندما يخرج الهالك واثق البطاط (قائد ميليشيا المختار) على الملأ قائلًا: “أينما وُجِد الوهابي يجب أن نقاتله”… فماذا تكون الطائفية غير ذلك يا قوم؟
وأكرر:
هل نحن حقًّا طائفيون؟
التقارب بين السنة والشيعة: الفعل ورد الفعل
لطالما سعى أهل السنة للتقارب مع الشيعة وإزالة الاحتقان بينهما بعد الوقوف على أرضية مشتركة للانطلاق، لكن عبثًا حاولوا إيجاد هذه الأرضية.
يقول الدكتور أحمد الأفغاني في كتابه “سراب في إيران” ص 14: “لقد عشتُ مع شيعة العراق وإيران والسعودية ولبنان ثماني سنوات محاورًا ومناقشًا، وقد اتّضح لي على وجه اليقين أنهم صورة طبق الأصل من كتبهم السوداء المنحرفة”.
وهناك العديد من التجارب التي خاضها العلماء في هذا الشأن، وقد نقل الباحث الإسلامي شحاتة صقر في كتابه “هُم العدو فاحذرهم” بعضًا من هذه النماذج، على سبيل المثال:
الدكتور محمد البهي، كان من المؤيدين لدار التقريب، وبعد أن تبين له حقيقة الدار والدعوة القائمة بها قال: “وفي القاهرة قامت حركة تقريب بين المذاهب، وبدلًا من أن تُركّز نشاطها على الدعوة إلى ما دعا إليه القرآن، ركزت نشاطها إلى إحياء ما للشيعة من فقه وأصول وتفسير”.
الشيخ محمد عرفة -عضو كبار العلماء في الأزهر- والشيخ طه محمد الساكت تركا (دار التقريب) بعد أن علما أن المقصود نشر التشيّع بين السنة لا التقارب والتقريب.
الشيخ علي الطنطاوي يذكر في كتابه “ذكريات” أنه زار محمد القمي الإيراني الذي أسس دار التقريب، وأنه (الطنطاوي) هاجم القُمّي؛ لأنه في الحقيقة داعية للتشيع وليس التقريب.
الشيخ محمد رشيد رضا -صاحب تفسير المنار- حاول المراسلة مع علماء الشيعة فلم يجد إلا الإصرار على مذاهب الشيعة، وعلى الانتقاص من الصحابة وحُفّاظ السُنة.
الدكتور مصطفى السباعي، وقد كان من المُهتّمين بالتقارب بين السنة والشيعة وباشر تدريس فقه الشيعة في كلية الشريعة بدمشق وكذلك في كتبه، لكن وجد مجرد الخداع من الشيعة.
وكان الدكتور يوسف القرضاوي من أبرز العلماء المهتمين بالتقارب بين السنة والشيعة، وظل على ذلك عقودًا؛ إلا أنه قد أعلن فشل هذا التقارب، وأنه لا يمكن حدوثه مع الشيعة، وأقرّ بأن علماء بلاد الحرمين (السعودية) كانوا أكثر منه بصيرة في هذا الشأن، وثمَّنوا هم بدورهم هذا التراجع المحمود من الدكتور القرضاوي.
وعن سبب تأثُّر بعض علماء ومُفُكري أهل السُنّة بدعوة التقريب بين الشيعة والسُنّة، قال الباحث عبد الرحمن الحسن السقّاف في الجزء الأول من كتابه “خفافيش الظلام.. أكذوبة التقارب بين السنة والشيعة” صفحة 486:
إن سبب وقوعهم في حبال المكر والخديعة الإماميّة يعود لثلاثة أسباب:
الأول: عدم اطّلاعهم المُباشر على كتب الشيعة الإمامية ليعرفوا حقيقة مُعتقدهم.
الثاني: مرور الحيلة الشيعية الإمامية على علماء أهل السُنّة والتي تقول بأن الأصول المُتّفق عليها لا تُخرج من الإسلام.
الثالث: حُسن ظنٍّ منهم تجاه الشيعة الإمامية، من أن الغلوّ بالأئمّة الاثني عشر واللعن وسبّ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، كان صادرًا فقط من علماء الشيعة الأوائل (الغلاة السابقون)، أما المُعاصرون منهم فقد تغيّرت لديهم النظرة وتركوا الغلوّ بالأئمّة وتركوا السبّ واللعن.
يقول محب الدين الخطيب -رحمه الله- في كتابه “الخطوط العريضة”: “إن استحالة التقريب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول، كما اعترف به وأعلنه النصير الطوسي، وأقره عليه نعمة الله الموسوي الخونساري ويقره كل شيعي”.
فالتقارب مع الشيعة لا يعني لدى هذه الطائفة سوى التشيّع، والخميني بنفسه قد ذكر هذا في كتابه “الحكومة الإسلامية” ص 35؛ حيث قال: “نحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة لهم إلا أن نسعى لإقامة حكومتنا الإسلامية”.
فالرجل لا يرى إلا حمل الأمة على مذهبه ومنهاجه وحكومته المنشودة؛ فكيف يتأتّى التقارب وأنت مطلوبٌ منك أن تتشيّع لتُثبت حسن نواياك؟!
إيران وشيعة العرب:
إيران هي اللاعب الأبرز في التناحر بين السنة والشيعة في البلدان الإسلامية والعربية. فبالرغم من أن التاريخ يذخر بالتجاوزات الطائفية من قبل الشيعة؛ إلا أنها بلغت ذروتها بعد قيام ثورة الخميني، والذي جمع الشيعة على ولاية الفقيه التي استلهمها من روايات شيعية ضعيفة بميزان النقد الحديثي الشيعي، وأخرج بها الأقليات الشيعية في البلدان الإسلامية والعربية عن السياق الوطني؛ حيث تحول انتماء الغالبية العظمى منهم إلى إيران، وخدموا مشروعها القومي المُحمَّل على الطائفية، وزرع وموّل الميليشيات الشيعية في أكثر من بقعة لتعيث في الأرض فسادًا.
لقد كان الأولى بشيعة العرب أن يتعايشوا بسلام مع أهل السنة، ويقطعوا كل صلة بإيران التي تُناصب أوطانهم العداء، وألا يسمحوا لها باستخدامهم كرأس حربة في جسد الأقطار الإسلامية التي ينعمون في خيراتها.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، لا تقارب مع إيران حتى تتقبّل العيش كدولة لها حدودها الجغرافية والسياسية، لا كمشروع قومي طائفي توسعي سرطانيّ.
وحتى تكُفّ عن التدخّل السافر في شؤون الدول الأخرى.
بمعنى أوضح: لو استطاعت إيران أن ترجع إلى عهد ما قبل الثورة في علاقاتها الخارجية؛ ستكون أكثر قبولًا لدى الدول الإسلامية.
أعلم أنها مجرد أفكار مطروحة، وأنها ضرب من ضروب الخيال؛ فإيران لن تتخلّى عن مشروعها حتمًا، لكننا في المقابل لا ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي، أو أن نتساهل معها ومع أذنابها خوفًا من تُهمة الطائفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق